Qardhawi: Main Catur Tidak Haram
Dr. Yuruf Qardhawi menegaskan bahwa main catur itu tidak haram. Main catur itu boleh dengan syarat tidak sampai membuat pelakunya mengabaikan kewajiban agama seperti shalat, dll.
Alasannya: karena tidak ada hadis yang melarangnya. Kalaupun ada hadis terkait hal ini maka itu hadis palsu baik yang dinisbatkan pada Nabi atau Sayidinan Ali.
Sebagian Sahabat dan Tabi'in pernah main catur.
Mayoritas ulama termasuk Imam madzhab empat tidak mengharamkan. Hanya menghukumi makruh.
Dr. Yuruf Qardhawi menegaskan bahwa main catur itu tidak haram. Main catur itu boleh dengan syarat tidak sampai membuat pelakunya mengabaikan kewajiban agama seperti shalat, dll.
Alasannya: karena tidak ada hadis yang melarangnya. Kalaupun ada hadis terkait hal ini maka itu hadis palsu baik yang dinisbatkan pada Nabi atau Sayidinan Ali.
Sebagian Sahabat dan Tabi'in pernah main catur.
Mayoritas ulama termasuk Imam madzhab empat tidak mengharamkan. Hanya menghukumi makruh.
Fatwa ini adalah bantahan pada Fauzan Al Fauzan salah seorang ulama Wahabi Salafi yg mengharamkan catur.
كتاب : الحلال والحرام في الإسلام - تأليف : الإمام يوسف القرضاوي
الحلقة [ 52 ] :ملحق : الحلال والحرام والرد على المعترضين
رابعا : تابع الردُّ على كتاب الشيخ الفوزان ( 3 من 4 )
• ( 5 ) اللعب بالشطرنج:
يعلق الفوزان على مسألة إباحة الشطرنج (1) ـ كعادته، فيما اختُلف فيه ـ بالرغبة الجامحة في التشديد، ومحاولة تبنِّي أشد الآراء في المسألة، وكأن الله تعالى تعبَّدنا بالمشقَّة، وأن طريق مرضاته سبحانه لابد أن تمرَّ على الكثير من المتاعب والعقبات.
وكأنه يريد بالناس العُسْر ولا يريد بهم اليسر، ويريد أن يوقِع المسلمين في الحرج، لا أن يرفعه عنهم، ويريد أن يشدد عليهم، لا أن يخفف عنهم. ولا يُخَيَّر الفوزان بين أمرين إلا اختار أشدهما، لا أيسرهما؛ خلافًا لآيات القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، وخلافًا لمنهج الله تعالى.
ففي مناقشته لحكم لعب الشطرنج، وتعقيبًا على الضوابط التي قلت بها للاعب الشطرنج، أخذ يعترض بأمرين:
الأول: أن الشروط التي ذكرتها من النادر توافرها في لاعب الشطرنج.
الثاني: أن إباحة اللعب بالشطرنج وسيلة إلى الدخول في المحظور، وضياع هذه الشروط، فيلزم التحريم مطلقًا.
ولا أدري هل كلمة التحريم بهذه السهولة؟! هل الدخول بين الله تعالى وبين خلقه ببيان حكم الله تعالى في المسألة بهذه البساطة؟!
ألا يخشى من يتبع هذه الطرائق والأساليب في التحريم أن يلقى الله تعالى يوم القيامة فيسأله: لم قلت: إن هذا حرام؟! هل عندك بينة من كتاب ناطق، أو سنة ماضية، أو إجماع قاطع للمسلمين، حتى تحرِّم على عبادي ما لم أحرم عليهم؟!
ولا يخفى أن اعتراضات الفوزان لا وزن لها في باب الحلال والحرام، وإنما يمكن الحديث حولها في بعض أبواب الزهد والورع، ومجاهدات الصالحين، وليس في مجال استنباط الأحكام من أدلتها الشرعية، التي هي ألصق بالفقه، ومعرفة الحلال الذي أباحه الله، والحرام الذي نهى الله عنه.
ورغبة في بيان حكم المسألة بشيء من التفصيل، أقول:
• متى ظهر الشطرنج في الحياة الإسلامية؟
الشّطرنج ـ بكسر الشين وقد تفتح ـ لعبة تُلعب على رقعة ذات أربعة وستين مربعًا، وتمثل دولتين متحاربتين باثنتين وثلاثين قطعة، تمثل الملكين والوزيرين، والخيالة والقلاع، والفيلة والجنود. هذا ما عرفها به "المعجم الوسيط" (2).
وقد اتفق العلماء من فقهاء ومفسرين ومحدِّثين وشُرَّاح على أنها لم تعرف عند العرب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما عرفوها بعد الفتح، فقد نقلوها عن الفرس، الذين كانوا قد نقلوها عن الهنود.
• قيمة الأحاديث الواردة فيه:
ونظرًا لأنه لم يكن في عصر النبوة لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، حديث في شأنه.
قال الحافظ ابن كثير: والأحاديث المروية فيه لا يصح منها شيء، ويؤيد هذا ما تقدم من أن ظهوره كان في أيام الصحابة (3).
وقال الإمام أحمد رغم تشديده فيه: أصح ما في الشطرنج قول علي رضي الله عنه (4).
يعني أنه لم يثبت فيه شيء مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
ومن هنا لم يستدل أحد من الأئمة الذين ذهبوا إلى تحريمه بشيء من هذه الأحاديث، ولو كان لها قيمة علمية عندهم لاستندوا إليها، إنما استدل بها بعض المتأخرين.
• سبب الاختلاف في حكمه:
ولعدم وجود نص شرعي في شأن لعبة الشطرنج يبيِّن الحكم، ويحسم الأمر، اختلف الفقهاء في حكمه، ما بين مبيح له، وكاره، ومحرِّم، كمعظم المسائل التي لا توجد فيها نصوص بيِّنة ملزمة، وهذا من فضل الله على الناس، ولطفه بهم، وتيسيره عليهم، أن سكت عن أشياء، رحمة بهم غير نسيان {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}
(مريم:64).
قال العلامة ابن حجر الهيتمي في شرحه لمنهاج النووي، في شأن الأحاديث المحكية في ذم الشطرنج: (قال الحفاظ: لم يثبت منها شيء من طريق صحيح ولا حسن. وقد لعبه جماعة من أكابر الصحابة، ومن لا يُحصى من التابعين ومن بعدهم. قال: وممَّن كان يلعبه غبًّا: سعيد بن جبير رضي الله عنه (5) . ومعنى غبًّا: أي قليلًا).
وقد نقل الحافظ البيهقي في (سننه) عن الإمام الشافعي، بعد أن ذكر قبول شهادة أهل الأهواء على ما في أقوالهم من بُعد عن الصواب في نظره قال: (قال الشافعي): وإذا كانوا هكذا ـ يعني أهل الأهواء ـ فاللاعب بالشطرنج وإن كرهنا له، وبالحَمَام وإن كرهنا له: أخف حالًا من هؤلاء بما لا يحصى ولا يقدر (6).
وإنما قال ذلك لما فيه أيضًا من اختلاف العلماء.
ونقل البيهقي عن الشافعي قوله: لعب سعيد بن جبير بالشطرنج من وراء ظهره، فيقول: بإيش دفع كذا؟ قال: بكذا. قال: ادفع بكذا.
وكذلك قال الشافعي: كان محمد بن سيرين وهشام بن عروة يلعبان بالشطرنج استدبارًا.
ونقل بسنده عن معمر قال: بلغني أن الشعبي كان يلعب الشطرنج.
وروى بسنده عن معقل بن مالك الباهلي قال: خرجت من المسجد الجامع، فإذا رجل قد قربت إليه دابَّة، فسأل رجل: ما كان الحسن يقول في الشطرنج؟ فقال: كان لا يرى بها بأسًا، وكان يكره النردشير. فقلت: من هذا؟ فقالوا: ابن عون.
ونقل بسنده عن أحمد بن بشير قال: أتيت البصرة في طلب الحديث، فأتيت بهز بن حكيم، فوجدته مع قوم يلعب بالشطرنج.
وروى عن الرمادي قال: سمعت سفيان يقول: رأيت إبراهيم الهَجَرِيَّ، وكان يلعب بالشطرنج.
قال البيهقي: فجعل الشافعي اللعب بالشطرنج من المسائل المختلف فيها في أنه لا يوجب ردَّ الشهادة. فأما كراهية اللعب بها، فقد صرح بها فيما قدمنا ذكره، وهو الأشبه والأولى بمذهبه، فالذين كرهوا أكثر، ومعهم من يحتج بقوله، وبالله التوفيق (7).
• الآثار عن الصحابة:
وروى البيهقي بسنده عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول: الشطرنج هو ميسر الأعاجم. قال البيهقي: هذا مرسل ولكن له شواهد (8).
وروى عنه أيضًا أنه مرَّ بمجلس من مجالس تيم الله، وهم يلعبون بالشطرنج، فوقف عليهم، فقال: أما والله لغير هذا خلقتم، أما والله لولا أن تكون سنَّة لضربت بها وجوهكم (9).
قلت (القرضاوي): ولو كان حرامًا لضرب بها وجوههم ولم يُبالِ.
وروى عن مالك قال: الشطرنج من النرد، بلغنا عن ابن عباس أنه ولي مال يتيم فأحرقها. (10) وهذا بلاغ غير موصول السند عن ابن عباس.
وروى عن ابن عمر أنه سئل عن الشطرنج فقال: هو شر من النرد. (11)
وروى البيهقي بسنده أن أبا موسى الأشعري قال: لا يلعب بالشطرنج إلا خاطئ (12).
وعن عبيد الله بن جعفر قال: كانت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تكره الكبل وإن لم يقامر عليها، وأبو سعيد الخدري يكره أن يلعب بالشطرنج. (13)
أقول (القرضاوي): وهذه الأسانيد عن الصحابة لا تخلو من كلام في صحتها.
• مذهب الحنفية في اللعب بالشطرنج:
يقول الإمام أبو يوسف أكبر أصحاب أبي حنيفة بإباحته، ورأينا القول المعتمد في المذهب هو الكراهية، ما لم يخرجه عنها إلى التحريم سببٌ، كما سيأتي. وهذا واضح في المتون المعتمدة في المذهب، مثل: (الهداية)، و (الكنز)، و (المختار)، و (تنوير الأبصار)، وغيرها، وكذلك في شروحها المعروفة.
وقد أجمعت هذه المتون على أن الذي يقامر بالشطرنج، هو الذي تسقط عدالته، وتُرَدُّ شهادته؛ لأنه ارتكب حرامًا، بل كبيرة، لدخول الميسر ـ وهو القمار ـ في اللعب، والميسر قرين الخمر، في كتاب الله تعالى.
وبعضهم أضاف إلى المقامرة أمورًا أخرى، كل واحد منها كافٍ لإسقاط عدالته، كأن تفوته بسبب الاشتغال به الصلاة، أو يُكثر من الأيمان الكاذبة عليه، أو يلعب به في الطريق لمخالفته للمروءة، أو يذكر عليه فسقًا، أو يدمنه ويداوم عليه (14).
قال في "الهداية": (فأما مجرَّد اللعب بالشطرنج، فليس بفسق مانع من الشهادة؛ لأن للاجتهاد فيه مساغًا) (15).
قال ابن نُجيم في "البحر": (لأن للاجتهاد فيه مَساغا؛ لقول مالك والشافعي بإباحته، وهو مرويٌّ عن أبي يوسف، كما في "المُجْتبى" من الحظر والإباحة، واختارها ابن الشحنة إذا كان لإحضار الذهن، واختار أبو زيد الحكيم حلَّه، ذكره شمس الأئمة السرخسي) (16).
• مذهب الشافعية في الشطرنج:
ومذهب الشافعية أكثر تيسيرًا في حكمه، كما هو مشهور عنهم، وكما ذكره البيهقي وغيره.
قال الإمام النووي في "الروضة": (اللعب بالشطرنج: مكروه، وقيل: مباح لا كراهة فيه. ومال الحليمي إلى تحريمه، واختاره الروياني. والصحيح الأول) (17) يعني الكراهة، والظاهر: أنها الكراهة التنزيهية، فهذا هو المتبادر عند الشافعية.
وهذا ما نصَّ عليه في "المنهاج" أيضًا حيث قال: (ويحرم اللعب بالنرد على الصحيح، ويكره بشطرنج) (18).
وقال النووي في (الروضة) بعد أن صحَّح القول بالكراهة: (فإن اقترن به قمار، أو فحش، أو إخراج صلاة عن وقتها عمدًا، رُدَّتْ شهادته بذلك المقارن) (19) أي: لا باللعب نفسه.
والأولى أن نذكر هنا كلمة الشافعي بنصِّها من "الأم". قال رضي الله عنه : ( يكره ـ من وجه الخبر ـ اللعب بالنرد أكثر مما يكره اللعب بشيء من الملاهي، ولا نحب اللعب بالشطرنج، وهو أخف من النرد، ويكره اللعب بالحزة والقرق (20)، وكل ما للعب الناس؛ لأن اللعب ليس من صنعة أهل الدين ولا المروءة، ومن لعب بشيء من هذا على الاستحلال له لم ترد شهادته، والحزة تكون قطعة خشب فيها حفر يلعبون بها، إن غفل به عن الصلوات فأكثر حتى تفوته، ثم يعود له حتى تفوته، رددنا شهادته على الاستخفاف بمواقيت الصلاة، كما نردها لو كان جالسًا فلم يواظب على الصلاة من غير نسيان ولا غلبة على عقل) (21).
• مذهب مالك في اللعب بالشطرنج:
وفي مذهب مالك نجد الإمام ابن رشد "الجد" ينقل عن "العتبية" في "البيان والتحصيل": (سُئل مالك عن اللعب بالشطرنج، فقال: لا خير فيه، وليس بشيء وهو من الباطل، واللعب كله من الباطل، لينبغي لذي العقل أن تنهاه اللحية والشيب والسن عن الباطل، وقد قال عمر بن الخطاب لأسلم في شيء: أما آن أن تنهاك لحيتك هذه؟ قال أسلم: فمكثت زمانًا طويلًا وأنا أظن أن ستنهاني) (22).
قال الليث بن سعد: ولا فرق في ذلك كله بين لعب الرجل به مع أجنبي في بيته أو في غير بيته، وبين لعبه به مع أهله في بيته. إن كان على الخِطار (المخاطرة) والقمار، فذلك حرام بإجماع، وإن كان على غير القمار فهو من المكروه الذي تسقط شهادة من أدمن اللعب به، وهو الذي قال مالك فيه في هذه الرواية: ما يعجبني ذلك، وليس من شأن المؤمن اللعب، لقول الله تبارك وتعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} (يونس:32) فهذا من الباطل) (23).
وكلمة "الباطل" لا تعني أنه حرام، بل تعني أنه من اللهو واللعب، وليس كل لهو ولعب حرامًا، وإن قال بذلك بعض المالكية، أخذًا من كلام مالك (24)، وهو لا يفيد ذلك.
كيف وهو يقول عن الشطرنج: لا خير فيه، وليس بشيء، ولا يعجبني، وأنه لا يليق بذي اللحية والشيب والسن، وهذا كله لا يدل على أكثر من الكراهية التنزيهية.
مذهب الحنابلة:
وأما مذهب الحنابلة، فيعبر عنه الإمام ابن قدامة في "المغني" فيقول: (كل لعب فيه قمار فهو محرم، أي لعب كان، وهو من الميسر الذي أمر الله تعالى باجتنابه، ومن تكرر منه ذلك رُدَّتْ شهادته، وما خلا من القمار ـ وهو اللعب الذي لا عوض فيه من الجانبين، ولا من أحدهما ـ فمنه ما هو محرم، ومنه ما هو مباح، فأما المحرم فاللعب بالنرد. . . فأما الشطرنج، فهو كالنرد في التحريم، إلا أن النرد آكد منه في التحريم؛ لورود النص في تحريمه، لكن هذا في معناه، فيثبت فيه حكمه، قياسًا عليه.
وقال أبو بكر: إن فعله من يعتقد تحريمه، فهو كالنرد في حقه، وإن فعله من يعتقد إباحته، لم ترد شهادته، إلا أن يشغله عن الصلاة في أوقاتها، أو يُخرجه إلى الحلف الكاذب، ونحوه من المحرمات، أو يلعب بها على الطريق، أو يفعل في لعبه ما يستخف به من أجله، ونحو هذا مما يخرجه عن المروءة، وهذا مذهب الشافعي، وذلك لأنه مختلف فيه، فأشبه سائر المختلف فيه) (25).
• مناقشة أدلة القائلين بتحريم الشطرنج:
تلك هي مذاهب الأئمة، وأقوال الفقهاء، في حكم الشطرنج، وهي تختلف ما بين الإباحة بشروط، والكراهة، والتحريم.
وإذا نظرنا إلى ما استند إليه الذين شددوا ومالوا إلى التحريم، نجد أن شيئًا منها لا يثبت للنقد، ولا يمكن أن يُعتمد عليه في التحريم الذي ينبغي الاحتياط فيه، حتى لا نحرم ما أحل الله.
1 - قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. وقول عليٍّ: "الشطرنج من الميسر". فلا نزاع في أن الميسر محرَّم كالخمر، وفيه إثم كبير بنص القرآن، فهو من الكبائر، وليس مجرد حرام. ولكن أين الدليل على أن الشطرنج من الميسر؟
سيقولون: قول عليٍّ: إنه من الميسر، وسيأتي أن هذا القول عن عليٍّ لم يثبت.
على أنه لو سلَّمنا بثبوته لَحُمِل على أنه من الميسر إذا لعب على قمار، لا لمجرد اللهو والتسلية.
وسيأتي الجواب أيضًا عمن يدَّعي أن الشطرنج يصدُّ عن ذكر الله وعن الصلاة.
2 - ما ورد من أحاديث في ذم الشطرنج والوعيد عليه، ولعْن أهله، مثل ما ذكره ابن قدامة في "المغني"، وما ذكرناه من قبل مما رواه ابن أبي الدنيا، والديلمي وغيرهما، فقد بيَّن الأئمة من نقاد الحديث: أن شيئًا منها لم يثبت، ولم يقل إمام من أئمة الحديث بصحة حديث واحد منها، ولا بحسنه، وقد نقلنا قول الإمام أحمد، وقول ابن كثير وغيرهما.
وشيخ الإسلام ابن تيمية رغم تشدده جدًّا في أمر الشطرنج، لم يستدل بحديث واحد منها، إنما اعتمد على أنه يُلهي عن ذكر الله وعن الصلاة.
3 - ما ورد في النهي عن "النرد" أو "النردشير"، فأما الأحاديث التي استنبط منها بعضهم تحريم النرد، فنحن نسلِّم بها في الجملة، وإن كان في حديث أبي موسى: "من لعب النردشير فقد عصى الله ورسوله" انقطاع.
وعلى كل حال فتحريم النرد هو الراجح عند الجمهور، وأنا لا أنازع الآن فيه، ولكن الذي أنازع فيه أن يقال: الشطرنج هو النرد، أو هو منه.
فالنرد لعبة معروفة من لعب الفرس، وقد نُقلت إلى العرب قبل الإسلام، وعرفوها، ولهذا جاءت فيها أحاديث وآثار صِحاح وحِسان.
وهو الذي يسمَّي: (الزهر) ويُطلق عليه في مصر (الطاولة) قال في (المعجم الوسيط): النرد لعبة ذات صندوق وحجارة وفصين، تعتمد على الحظ، وتنتقل فيها الحجارة على حسب ما يأتي به الفص: الزهر. وتعرف عند العامة بـ "الطاولة".
أما الشطرنج، فهو لعبة أخرى أصلها من الهند، ونقلت إلى فارس، ولم يعرفها العرب إلا بعد الفتح.
4 - حديث: "كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنهن من الحق" (26). وقولهم: الشطرنج خارج عن هذه الثلاثة، فهو باطل.
فالباطل هنا ليس معناه الحرام كما قد يُتوهم، وإنما الباطل ما ليس فيه فائدة دينية في ذاته، فهو أشبه بكلمة "اللغو".
ولا ريب أن اشتغال المسلم بالحق وبالأمور النافعة أولى وأجدى، لما وصف به الله المؤمنين، بقوله: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} (المؤمنون:3).
ولكن لا يعني هذا أن اللهو أو اللعب بغير الأمور الثلاثة المذكورة حرام؛ فقد لعب الحبشة ورقصوا في مسجده صلى الله عليه وسلم يوم العيد، وهو ينظر إليهم ويشجعهم، وعائشة معه تنظر إليهم.
وقد حث عليه الصلاة والسلام أن يكون مع العرس لهو، إشاعةً للبهجة والفرح، حتى لا يكون عرسًا صامتًا. وشرع المصارعة والمسابقة على الأقدام كمسابقته لعائشة، كما سبّق بين الخيل، وأعطى السابق. وكلها خارج عن الثلاثة المذكورة.
وقد جاء عن أبي الدرداء رضي الله عنه ، وهو من زهاد الصحابة ونُسَّاكهم: إني لأستجم نفسي بالشيء من الباطل، ليكون أقوى لها على الحق.
وواضح أن مراده بالباطل هنا هو: اللهو واللعب، فهو يستعين به على تنشيط نفسه للحق، بعد أن تأخذ شيئًا من الاستجمام والراحة، كما قال الشاعر:
والنفس تسأم إن تطاول جدُّها ... فاكشف سآمة جدِّها بمزاح
5 - ما جاء عن الصحابة أنهم أنكروه:
ومنه ما روي أن عليًّا رضي الله عنه مرَّ على قوم يلعبون الشطرنج فقال: (ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون)! وأما ما جاء عن الصحابة، فليس فيها أثر متصل صحيح.
وقد ذكر الحافظ السخاوي في كتابه: "عمدة المحتج في حكم الشطرنج" : أن الإمام أحمد قال: أصح ما في الشطرنج قول علي رضي الله عنه .
وقول عليٍّ يحتمل قوله حين مر على لاعبي الشطرنج: (ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون)؟!
ويحتمل ما رواه عنه جعفر بن محمد عن أبيه: الشطرنج من الميسر.
والأول ليس له إسناد صحيح أو حسن متَّصل، كما بيَّن ذلك العلامة الألباني في "إرواء الغليل" بأن هذا الأثر لا يثبت عن علي، وأن خير أسانيده منقطع (27).
وقال ابن حجر في (الدراية): أخرجه العقيلي وابن حبان في ترجمة مطهر ابن الهيثم وهو متروك، وفي رجاله متروكان مجهولان أيضا (28).
على أن هذا الأثر لو صحَّ لا يفيد التحريم جزمًا، إنما يفيد مجرد الإنكار على الاشتغال بهذا اللهو، وإلا لو كان حرامًا ومنكرًا، لغيره بيده، فهو الإمام المسئول، وبيده السلطة.
وأما الأثر الثاني، فقد نقل الشوكاني عن ابن كثير قوله: هو منقطع جيد (29). ولا حجة في منقطع لو كان مرفوعًا، فكيف وهو موقوف؟!
وقول الإمام أحمد: أصح ما في الشطرنج قول علي، لا يدل على أنه صحيح عنده، بل يعني أنه أحسن من غيره، وإن كان ضعيفًا في نفسه، كما بيّن ذلك المحققون في قولهم: أصح ما في الباب كذا، أي أقل ضعفًا.
وما روي عن الصحابة في ذلك يعارض بعضه بعضًا، فقد روي عن ابن عباس، وابن عمر، وأبي موسى الأشعري، وأبي سعيد، وعائشة: أنهم كرهوه.
ورويت إباحته عن ابن عباس، وأبي هريرة، وأضيف إليهم من التابعين ابن سيرين وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، ومن بعدهم هشام بن عروة ابن الزبير (30).
ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما لم يجمعوا على أمر، فإنهم لا يجتمعون على ضلالة. وقد رأيناهم اختلفوا، وفي اختلافهم رحمة.
6 - القياس على النرد:
فكلاهما لهو ولعب، ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة، بل ذهب بعضهم إلى أن الشطرنج شر من النرد في هذا؛ لأنه يشغل فكر صاحبه وقلبه أكثر مما يشغله النرد.
فهذا غير مُسَلَّم؛ لأنه قياس مع الفارق؛ فقد فارق النرد ـ كما قالوا ـ بأن الشطرنج معتمده: الحساب الدقيق، والفكر الصحيح، ففيه تشحيذ الفكر، ونوع من التدبير، ومعتمد النرد: الحظ والتخمين المؤدِّي إلى غاية من السفاهة والحمق. وقد قاسوا عليهما كل ما في معناهما من أنواع اللهو، فكل ما معتمده الحساب والفكر لا يحرم، وكل ما معتمده التخمين يحرم (31). فالمُعَوّل في النرد على ما يخرجه الفصَّان، فأشبه الأزلام. والمعول في الشطرنج على حِذْقه وتدبيره، فأشبه المسابقة بالسهام.
والقول بأنه يصد عن ذكر الله وعن الصلاة: غير مُسلّم أيضًا، ما دام من يقول بإباحته يقيده بشرط ألا يشغله عن الصلاة، أو أي واجب آخر ديني أو دنيوي.
وكثير من المباحات إذا استرسل الإنسان فيها، وخصوصًا المحبَّبة منها إلى النفس، تشغل وتلهي عن ذكر الله، وعن الصلاة، وعن الواجبات، إذا لم يكن المسلم نيِّر البصيرة، قوي الإرادة، ولكن هذا لا يجعلها محظورة بإطلاق، بل تباح بقيد عدم الإسراف فيها والاشتغال بها عما أوجب الله عليه.
فلو أن مسلمًا كان في إجازة ولديه فراغ وقت، فخصص للعب به وقتًا معينًا ليس فيه صلاة مفروضة كوقت الضحى ـ من التاسعة إلى الحادية عشرة مثلا ـ لم يكن في ذلك منع ولا تحريم، لا سيما أن بعض الناس يشتغل بها عن الغيبة والقيل والقال، مما يأكل الحسنات، كما تأكل النار الحطب.
وكم تأتي على الإنسان ظروف لا يجد فيها ما يشغل فراغه، إلا مثل هذا النوع من اللهو. وقد جربنا هذا في بعض الأوقات العصيبة، التي مرت بنا في المعتقلات "سنة 1954 - 1956م" فقد أُخذت منا الكتب والأوراق والأقلام، ثم أخذت المصاحف، ولم يبق معنا شيء نشغل وقتنا به، وهو يمضي بطيئًا ثقيلًا، فكل يوم كأنه شهر أو دهر، وبخاصة من كان له زوجة أو أولاد تركهم ولا يدري عنهم شيئًا، كما لا يدرون عنه شيئًا، فبأيِّ شيء يشتغل هؤلاء المحبوسون المظلومون؟
لا يمكن أن تكلف الناس أن يظلوا صباحهم ومساءهم: مسبِّحين مهلِّلين مكبِّرين؛ فالنفس البشرية لها طاقة، و (لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها).
ولهذا لجأ إخواننا ـ داخل زنازين السجن الحربي ـ إلى عمل أحجار الشطرنج من قطع الصابون الرديء الذي يُصرف لنا، واتخذوا منه وسيلة لتمضية الوقت عندما سمحت الأوضاع بذلك، فقد كان مثل هذا أيضًا من الممنوعات؛ لأن كل ما يريح أنفس المعتقلين أو يسليهم فالأصل فيه هو المنع والحظر، والمطلوب هو التكدير والتنغيص الدائم.
وأعتقد أن مثل هذه الظروف هي التي جعلت بعض التابعين مثل سعيد بن جبير والشعبي وأمثالهما يلعبون بها، في فترة تواريهم عن الحجاج، بعد معركة "دير الجماجم" سنة 82 هـ التي اشترك فيها الفقهاء مع القائد عبد الرحمن بن الأشعث ضد ظلم الحجاج وجبروته، وإن انهزم الفقهاء.
ففي هذه الفترة حيث لا يستطيع العالم الفقيه أن يتصدى للتعليم والفتيا والإرشاد لتواريه عن الأعين، وليس معه كتبه ومراجعه، لا بأس أن يلهو بمثل الشطرنج، حتى يكشف الله الغمة.
ويسرني أن أختم هنا بكلمة مشرقة للعلامة رشيد رضا قرأتها أخيرًا في (تفسير المنار). قال رحمه الله: (إن اللعب بالشطرنج إذا كان على مال دخل في عموم الميسر، وكان محرمًا بالنص كما تقدم، وإذا لم يكن كذلك فلا وجه للقول بتحريمه، قياسًا على الخمر والميسر، إلا إذا تحقق فيه كونه رجسًا من عمل الشيطان، موقِعًا في العداوة والبغضاء، صادًّا عن ذكر الله وعن الصلاة، بأن كان هذا شأن من يلعب به دائمًا أو في الغالب.
ولا سبيل إلى إثبات هذا، وإننا نعرف من لاعبي الشطرنج من يحافظون على صلواتهم، وينزهون أنفسهم عن اللجاج والحلف الباطل.
وأما الغفلة عن الله تعالى فليست من لوازم الشطرنج وحده، بل كل لعب وكل عمل فهو يشغل صاحبه في أثنائه عن الذكر والفكر فيما عداه إلا قليلًا، ومن ذلك ما هو مباح وما هو مستحب أو واجب. كلعب الخيل والسلاح والأعمال الصناعية التي تعدُّ من فروض الكفايات، ومما ورد النص فيه من اللعب: لعب الحبشة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بحضرته ، وإنما عِيبَ الشطرنج أنه من أشَدِّ الألعاب إغراء بإضاعة الوقت الطويل، ولعل الشافعي كرهه لأجل هذا، ونحمد الله الذي عافانا من اللعب به وبغيره، كما نحمده حمدًا كثيرًا أن عافانا من الجرأة على التحريم والتحليل، بغير حجة ولا دليل) (32).
_______
هوامش :
(1) الإعلام: ص (72 - 78).
(2) المعجم الوسيط، مادة (شطر)
(3) نقله الشوكاني في نيل الأوطار (8/ 175).
(4) المغني (12/ 36).
(5) تحفة المحتاج في شرح المنهاج (10/ 217).
(6) السنن الكبرى للبيهقي (10/ 211).
(7) روى البيهقي هذه الآثار في السنن الكبرى (10/ 211، 212).
(8) السنن الكبرى (21456).
(9) المرجع السابق (21460).
(10) المرجع السابق (21461)
(11) المرجع السابق (21462).
(12) المرجع السابق (21463).
(13) السنن الكبرى (21464).
(14) انظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه (4/ 383) ط بيروت ـ مصورة عن ط بولاق.
(15) الهداية مع فتح القدير (6/ 38).
(16) البحر الرائق شرح كنز الدقائق (7/ 91).
(17) الروضة (11/ 225) ط. المكتب الإسلامي.
(18) المنهاج للنووي ص (487).
(19) الروضة (11/ 226).
(20) ضرب من اللعب. انظر: الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 335).
(21) (الأم 6/ 213 ط الشعب).
(22) البيان والتحصيل (18/ 436).
(23) البيان والتحصيل (17/ 577، 578).
(24) انظر: الشرح الصغير للدردير وحاشية الصاوي عليه.
(25) المغني (9/ 172، 173) المطبعة اليوسفية.
(26) رواه الترمذي (1637) عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، وهو مرسل، وفيه عنعنة ابن إسحاق، لكنه روى عن عتبة بن عامر مثله، وإن لم يذكر لفظه، وقال: حسن صحيح، وهو عند أبي داود (2513) والنسائي في الجهاد، وابن ماجه (2811) ووصفه العراقي في تخريج الإحياء بأنه مضطرب، وذكره الألباني في ضعيف الترمذي (2779).
(27) إرواء الغليل (8/ 288، 289) حديث (2672).
(28) انظر: الدراية لابن حجر (2/ 240).
(29 ، 30) نيل الأوطار (8/ 259)
(31) انظر: (تحفة المحتاج شرح المنهاج) لابن حجر، وحواشي الشرواني وابن قاسم عليه (10/ 216).
(32) تفسير المنار (8/ 62، 63).