Alasan Pendapat bahwa Hijab Tidak Wajib
Alasan Pendapat yang menyatakan bahwa Hijab Tidak Wajib bagi wanita. antara lain mengatakan bahwa ayat wajibnya hijab itu khusus bagi istri-istri Rasulullah.
Alasan Pendapat yang menyatakan bahwa Hijab Tidak Wajib bagi wanita. antara lain mengatakan bahwa ayat wajibnya hijab itu khusus bagi istri-istri Rasulullah.
الحجاب ليس فرضاً في الإسلام
ضيف حمزة ضيف
في الواقع لم أكن لأخوض في هذه المسألة، لولا أن التعاليق المنددة والمسيئة لشخصي، التي وصلتني داعيّة لبيان وجهتي تجاه ما كتبت عن واقعة نيس المؤسفة على فيسبوك، حيث دوّنت الأتي :” ..أحب المحجبات وأكره الحجاب، وأقدّر خيارهنّ ولا أكفّ عن انتقاده بلا احتجازٍ لرأيهنّ أو ابتسار لرغبتهنّ مادامت حرّة ولا تنمُ عن ضيم اجتماعي أو قسر أبوي، لكن لا ضير أن الوصف الذي يحيق بالشرطة الفرنسيّة التي داهمت محجبة مسكينة في الشاطئ، وأجبرتها على خلعه بطرقة مهينة، ليس فقط عنصريّة، بلّ بشاعة وبلاهة منتجة لأضراب داعش ومثيلاتها. إنما الأبلهُ من يكرر الخطأ نفسه، وفي كل مرة يتوقع نتائج مختلفة، على جاري المثل الأميركي”.
ولا نحتاج هنا إلى أيّ تبرير أو تصور، لنعرف أن جل التعاليق والرسائل كانت منصبّة حول الموقف “النازي” من الحجاب، ولأنّ مواقع التواصل مخصصة للتدوين السريع، لم أكن لأوفّق في بيان حجتي الناسخة لأدلة تجاهلها كثير من العلماء والدعاة، فآليت على نفسي تحرير هذه المادة بما فيها من بسطة وتوسّع.
يمثل الحجاب في التصور الجمعي العربي والإسلامي، حالة من الأيقنة، فهو نقيض؛ بحكم الضرورة التي اشتقها تراث قريب؛ للعريّ والسفور والخروج عن فطرة بشريّة قديمة، رأت أن الاحتكام إلى شرطها، مقترنٌ أساساً، بالسِتر وإسدال الثياب على تفاصيل الجسد الأشد تركيباً وتمييزاً، بيد أن هذا لا يستقيم قطعاً مع ما يمكن أن نعتبرهُ مساساً فاضحاً بمَلكة الفصل والتمييز بين ما هو حدّي وآخر يوازيه حدّة وتطرفاً.
هذه الحالة الطباقيّة ليست سديدة على الإطلاق، فالواقع الذي جبلتهُ البلاغة العربيّة، والكلام حمّال أشباه ومحمول على الواقع في جهة ما، اعتبرت أن الطباق بحكم أنّه محسن معنوي، يفترض مواءمة سطريّة بين نقيضين، يوجد بينهما ما يوفّق بين حالة وأخرى لا تناقضها بقدر ما تستقر في وسط النزال الكلامي، بمنزلةٍ الخافت والهادئ، سموّها قديماً بـ “الإيهام بالتضاد”، فعلى سبيل المثال ” السماء والمرتفع″، “العلو والأرض”، “الحزن والابتسام” .. وكلها وللحقّ حالات تتسم ببلاغة عاليّة.
من أجل ذلك وبحكم تقديري المتواضع، ليس “الإيهام بالتضاد” محسناً معنوياً عابراً فحسب، بلّ هو نوعٌ من البلاغة التي تُخرج اللغة عن طور التوقع، وتشفّ عن طلاقة مسنونةٍ بقصر المقابل أو العكس، وبالتالي هو عين أمينة مطلة على جمال اللغة العربيّة.
ومع ما يفرضه الاعتراف بحق الآخرين في ممارسة خياراتهم، طالما أنها لا تحدّ من خيار المشارك لهم في الوجود والمشاطر لهم في الحياة، لا يعكس الأمر نقداً مبيّتاً، أو طويّة سابقة، أو مُكراً مصلتاً، لأي نيّة في تقليم رغباتهم، ولا يتعارض مع ذاك، سوى ما صوّره ترف الممارسة أحياناً من أغلاط وأكلاف، ذلك أن النقد بكل أشكاله وصنوفه، دليل قاطع الإشارة على حيويّة المجتمع، وعامل حاسم في تحديد المنحة التي قدّمها للتدافع الإنساني، وشرطها الشارط الذي يمأسسُ تلك الخاصيّة ويثبّت بقائها، وإذّ ذاك تبدو العلاقة قاتمة وملتبسة للغاية، بين نقد خيار الآخرين والاعتراف به، أو العمل على الدفاع عن تكريس ذلك الخيار، مقابل نقده الدائم والمستمر..
أريد أن أذكر أولاً، بأن الأدلة التي سأسردها هنا، من موقعي الثقافي والعلماني فحسب، وبالتالي أنسخ لكم ما قرأت ومرّ بيّ، مع بعض التعاليق الشخصيّة عن الموضوع، ليس بهدف الإقناع بالضرورة بقدر ما هو ابداءٌ حميد لما سُكت عنه استجابة للتقاليد، أو تماشياً مع ذكوريّة خرقاء تبتزّ الظاهر من التاريخ حتى تتفق مع الجاري في حياتنا، ولسبب آخر، وهو أن أغلب الذين يكتبون في هذا الموضوع بالضبط، لا يحشدون الادلة حول عدم فرضيّة الحجاب، وإنما يستدركون النسق التحليلي بالكثير من الاستيهام والاستغراق، وهو ما يرفضه الأصوليون جملةً وتفصيلا. وحتى يكون النص جيداً في عرفهم يجب أن يعتدّ بالدليل، نسخاً ورقماً، وهذا ما اعتمدنا عليه.
لم تعرف البيئة العربيّة الاسلاميّة الحجاب إلا أخيراً، فقد كان يُطلق على سبيل المجاز فقط، استناداً إلى الآية التي تقول: ( فإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستورا) – سورة الإسراء الآية 45- ، وربط الستر هنا بالحجاب، هو ما استقر في ذهن الناس وخَلُص إليه حاضرهم، فيما هو في القرآن مجازٌ واضح، ولو دعمته الحقيقة، لكان واقعة مرئيّة لا ترتبط بجسد المرأة على الإطلاق، حتى الخمار الذي نعرفه من خلال الآية: (وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ) – سورة النور، الآية 31- جاءت دالّة على صفة متحركة يحدثها الخمار، دون النصّ على الإشتقاق المعروف بـ “الخمار”، والدليل؛ تلك الحادثة التي وقعت لزوج النبي، أم سلمة، عندما كانت عند الماشطة، ونادى أحدهم أن “يا أيها الناس″، فوضعت غطاءها وخرجت، وحين سألتها الماشطة عن ذلك الخروج المسرع، قالت :” لقد قال يا أيها الناس وأنا من الناس″.
الارتباط الخاطئ بعمومه الذي عرفه الناس بين الخمار والغطاء، لا يرقى إلى دليل واضح أو دامغ، فالفارق بينهما كبير وشاسع، والتدليل على ارتباطهما بالضرورة ليس كافٍ لإثبات حالة فرضيّة التتابع التي نعرفها بين خمار مطلق السِتر وغطاء اعتباطي يجلّي غرة الوجه وناصيّة الشعر، حتى الآية (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدني أن يعرفن فلا يؤذين..) – سورة الأحزاب، الآية59- عندما فسّرها الطبري – الذي يعتبر لدى الفرق الاسلاميّة مفسر سلفي- ربطها بعِلة التباين والفرق بين الحُرة والأمَة، فقد قال :” كانت الحُرة تلبس لباس الأمَة الجاريّة، فأمر الله نساء المؤمنين أن يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ..”، ولم يألُ جهداً في التذكير بالخمار، بالإضافة إلى ربط اللباس بكليّته في التفريق بين الأمَة والجاريّة، وكما هو معروف لدى علماء الأصول بأن “المطلق يحمل على إطلاقه ما لم يرد التقييد”، ومثلما هو دارج بأنّ “العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب”، فثمة تيار فقهي جهير أيضاً يرى بأن “العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ”، تزكيّه القاعدة الأصوليّة آنفة الذكر، التي لها صيغ متعددة من قبيل:” المقيد يحجز المطلق”، بالإضافة إلى قاعدة أخرى تقول: “إذا انتفت العلة رُفع الحُكم”، حتى ابن تيمية – إمام الأصوليين- في “الفتاوى الكبرى” يقول رداً على سؤال عن القاعدة الأصوليّة (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب أم العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ)، قال: “القول عندي هو أن العبرة بعموم اللفظ” مما يعني أن هنالك أقوال رصينة ترى العكس، وهو اعتراف بوجاهة قولهم ، جاز لنا أن نعتبره تيار أصولي محترم السمعة.
بل إنّ الحديث الصريح الوحيد الذي رواه أبو داوود عن عائشة (النقل هنا حرفي): “أنّ أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله، وقال: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه”، هو حديث واضح وقطعيّ الدلالة – كما يقول الأصوليون- ، في ما لو صحّ، ولكنه ضعيف، بدليل أن أبا داوود نفسه أعتبره حديث “مرسل”، لأن في سنده خالد بن دريك، وهو لم يدرك عائشة. وقد قال فيه ابن القطان: “خالد مجهول الحال”. وعلاوةً على هذا، في سنده رجل يسمى سعيد بن بشير، يُكنّى بأبي عبد الرحمان النصري فيه نظر. قال المنذري: ” في إسناده سعيد بن بشير أبو عبد الرحمن النصري نزيل دمشق مولى بني نصر وقد تكلم فيه غير واحد”. وللألباني تعليل طويل في هذا الحديث جعل منهُ لا يعتد به أصلاً في كتابه “حجاب المرأة المسلمة”.
سبب نزول ما تُعرف بآية الحجاب، هو أن عمر بن الخطاب تضايق من دخول الوفود إلى بيوت الرسول وهم يشهرون بأبصارهم نحو نسائه يمنة ويسرة، فقال له: “”يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يتحجبن ” (مذكورة في جل كتب التفاسير حتى لدى الإمام النسفي وهو أشعري ممن يتخذون من التأويل صفة ملازمة في التفاسير لاسيما في الأسماء والصفات). وفي كتاب “الاتقان في علوم القرآن”- باب معرفة النهاري والليلي- للإمام السيوطي” روى :”عن عائشة قالت: كنت أنا وسودة بعدما ضرب الحجاب خرجنا لحاجتنا عشاءً (وتقصد بالحاجة أيّ الحاجة البشريّة لاستفراغ البطن) فرآها عمر فعرفها، وكانت سودة امرأة طويلة بائنة الطول، فنادها عمر وقال: والله ما تخفين علينا ياسودة. فرجعت إلى النبي وفي يده عرق (عظم بلحم) يأكل فنزل الوحي على النبي والعرق بيده ما وضعه. وقال النبي: “قد أذن لكم أن تخرجن لحاجتكن”.
في هذا السياق يبدو من الوضوح بمكان، اقتصار آية الحجاب على نساء الرسول فحسب، بدليل أن عائشة ربطت خروجها مع سودة بالحجاب، في صلة تكاد تكون قاطعة على التخصيص في خطاب الآية.
بل أن فهم البخاري لها كان مطابقاً لما قلنا وقال غيرنا، في كتاب التفسير، سورة الأحزاب، رقم 4517، إذ يرى بأن الآية التي نزلت وتسمح للنساء الرسول بالخروج للخلاء دون أن يعرفن هي :” يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهنّ ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً” (الأحزاب، الآية 59)، فسبب النزول هو الحرج الذي استشعرته سودة بنت زمعة،(ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) بعد أن نادها عمر بن الخطاب (وكان الله غفوراً رحيما) دون أي قصد أو مضايقة.
في أقصى الحالات علينا أن نتبصّر جيداً، في كلمة “نساء المؤمنين”؟ لماذا لم تكن “نساء المسلمين” إذا كان القصد منها مخاطبة العامة وليس الخصوص؟
أما لمن يرى في قول عائشة “كنت أنا وسودة بعدما ضرب الحجاب” دليل على اسبقيّة الخروج عن آية الحجاب بما يناقض فهم البخاري، فليطالع كتاب أسباب النزول للسيوطي في الباب المحدّد أنفاً ليرى الربط بين الحادثتين، مما يأخذنا إلى استنتاج العلة وجنس المخاطب.
سبق أن قاد د. أحمد الغامدي (للمفارقة كان مديراً لفروع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمكة المكرمة) حملة ضد الحجاب بمفهومه الواسع، وأخبر أنّه مفروض ومخصوص، قبل أن “يجبن” ويتراجع عن فتواه، وهو حنبلي للمفارقة الثانيّة، ومن غريب الصدف أن الحنابلة أول من قصروا الحجاب على نساء الرسول فقط.
تخبرنا الآية ” يانساء النبي لستنّ كأحد من النساء” (سورة الأحزاب ، الآية 33) بأن الاختلاف في الأحكام بين نساء النبي وسائر المسلمات، يقتضي التفرقة والنظر بعمق، في ما فُرض عليهنّ خاصة دون غيرهنّ، وحتى يكون النظر والتملي صحيحاً يجب أن تنطلق المرأة المحجبة من هذه المُسلمة.
وبما أننا في زمن يُتهم أي شخص فيه بالقصر العلمي من غير المتخصصين، فلنورد بعض الأدلة على قول العلماء في قصور الحجاب على نساء الرسول فقط:
قال الطاهر بن عاشور (وهو من كبار الفقهاء المالكيّة) : (وهذه الآية (آية الحجاب) مع الآية التي تقدمتها من قوله (يانساء النبي لستنّ كأحد من النساء) تحقق معنى الحجاب لأمهات المؤمنين المركب من ملازمتهن بيوتهن وعدم ظهور شيء من ذواتهن حتى الوجه والكفين، وهو حجاب خاص بهن لا يجب على غيرهنّ (تأمّل في هذا التصريح الواضح)، وكان المسلمون يقتدون بأمهات المؤمنين ورعاً وهم متفاوتون في ذلك حسب العادات).
وما يزيد الغرابة فصاحةً هو أن الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني (وهو حنبلي مؤزّر) أكد خصوصيّة الحجاب على نساء الرسول في شرحه لحديث عمر حول ضرورة احتجاب نساء الرسول في كتابه (فتح الباري) بقوله: ( وفي الحديث – يقصد حديث نزول آية الحجاب- من الفوائد مشروعية الحجاب لأمهات المؤمنين. قال القاضي عياض اليحصبي : فرض الحجاب مما اختصصن به – يقصد نساء الرسول- فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين.. والحاصل أن عمر رضي الله عنه وقع في قلبه نفرة من اطلاع الأجانب على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، حتى صرح بقوله للرسول صلى الله عليه وسلم “احجب نساءك”. وقال عمر: يا رسول الله لو اتخذت حجاباً، فإنّ نساءك لسن كسائر النساء، ولذلك أطهر لقلوبهن.(انتهى كلامه)).
يعلق الغامدي بالقول:” وهذا يؤكد قصر اللفظ على مسببه”.
يأتي الدليل القوي الآخر من الصحيحين رأساً، في قصة زواج الرسول بصفيّة، حين قال الناس: “إنْ حجبها فهي من أمهات المؤمنين وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه” متفق عليه.
وجاء في صحيح البخاري عن عبد الرحمان بن عوف، قال:” أرسلني عمر وعثمان بأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان عثمان يسير أمامهن فلا يترك أحداً يدنو منهن ولا يراهن إلا من مد البصر، ويترلان في فيء الشِعب ولا يتركان أحداً يمر عليهن”. وفي رواية الوليد بن عطاء قال:” كان عثمان ينادي، ألا يدنو إليهن أحد ولا ينظر إليهن أحد”.
ومما يُذكر في هذا الصدد أن الإمام أحمد بن حنبل نفسه كان يفرق بين “حجاب أمهات المؤمنين” وعموم المسلمات، وقد ورد وبالحرف في كتاب “المغنى” الجزء السابع الصفحة 28 ما يلي:
قال الأثرم قلت لأبي عبد الله (يقصد أحمد بن حنبل) كأنّ حديث نبهان:” أفعمياوان أنتما” لأزاواج النبي خاصة”، وحديث فاطمة بنت قيس “اعتدّي عندي ابن أم مكتوم”؟ قال الإمام أحمد: نعم.
وللبخاري من طريق مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال:” كان الرجال والنساء يتوضؤن في زمان رسول الله جميعاً”، وزاد أبو داوود من طريق حماد عن أيوب عن نافع : “من الإناء الواحد جميعاً”. ومن طريق عبيد الله عن نافع، بلفظ : “كنا نتوضأ نحن والنساء على عهد رسول الله من إناء واحد ندلي فيه أيدينا”.
وليس خافياً على التقدير الشخصي لكل واحد فينا، أن الوضوء للصلاة يفرض تعرية الرأس والوجه والشعر والمرفقين والرجلين، وبالتالي ليس هنالك ما يمنع أساساً من تعريتهم في الحالة العاديّة، مادام التحضّر للصلاة يجيز هذا الاختلاط والكشف، وجملة (في زمان رسول الله) استنتج منها د. الغامدي بأنها سريان متصل لكل زمن عاش فيه الرسول.
وفي سياق مجانب عن جواز الاختلاط، ، سأل المروزي الإمام أحمد بن حنبل (أنظر الفروع الجزء الخامس الصفحة 109): “عن الكحّال يخلو بالمرأة قد انصرفت من عنده هل هي منهي عنها؟ قال أليس على ظهر الطريق! قال : نعم، قال: إنما الخلوة في البيوت). وقال ابن مفلح الحنبلي (الخلوة هي التي تكون في البيوت، أما الخلوة في الطرقات فلا تعد من ذلك).
ومن غريب الصدف أن هؤلاء الذين يجيزون الخلوة ، فضلاً عن رؤية ابن حنبل لاقتصار الحجاب على نساء الرسول، كلهم حنابلة، وقد تقصّدت التدليل على مذاهبهم، من أجل إبراز المفارقة بين ما كان عليه حنابلة الماضي، وما وصل إليه حنابلة الحاضر في السعوديّة، حيث كل ما قيل آنفاً محجوباً ومنكراً للأسف.
والسؤال الواجب الذكر هو: من أين جاءنا الحجاب؟
الجواب ببساطة، بعد ما يُعرف بموجة الإسلام السياسي، واستجابةً لما عُرف بـ “الخطر الأخضر” في وصف أميركا للخطر الإسلاموي بعد انهيار الشيوعيّة، وإن كان الاسلام السياسي قديم قياساً بسقوط الشيوعيّة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
بدأ الحجاب مع الإخوان المسلمين تحديداً في الثلاثينيّات تحديداً، كنوع من التمايز الشكلي والسياسي عن باقي غير المنتميات إلى الحقل الدعوي، وللغرابة التاريخيّة لا دليل على صحة فرضيّة الحجاب، فيما الأدلة موجودة على عدم فرضيته على سائر المسلمات، فتأملوا.
كاتب جزائري
رابط
الحجاب ليس فرضاً في الإسلام
ضيف حمزة ضيف
في الواقع لم أكن لأخوض في هذه المسألة، لولا أن التعاليق المنددة والمسيئة لشخصي، التي وصلتني داعيّة لبيان وجهتي تجاه ما كتبت عن واقعة نيس المؤسفة على فيسبوك، حيث دوّنت الأتي :” ..أحب المحجبات وأكره الحجاب، وأقدّر خيارهنّ ولا أكفّ عن انتقاده بلا احتجازٍ لرأيهنّ أو ابتسار لرغبتهنّ مادامت حرّة ولا تنمُ عن ضيم اجتماعي أو قسر أبوي، لكن لا ضير أن الوصف الذي يحيق بالشرطة الفرنسيّة التي داهمت محجبة مسكينة في الشاطئ، وأجبرتها على خلعه بطرقة مهينة، ليس فقط عنصريّة، بلّ بشاعة وبلاهة منتجة لأضراب داعش ومثيلاتها. إنما الأبلهُ من يكرر الخطأ نفسه، وفي كل مرة يتوقع نتائج مختلفة، على جاري المثل الأميركي”.
ولا نحتاج هنا إلى أيّ تبرير أو تصور، لنعرف أن جل التعاليق والرسائل كانت منصبّة حول الموقف “النازي” من الحجاب، ولأنّ مواقع التواصل مخصصة للتدوين السريع، لم أكن لأوفّق في بيان حجتي الناسخة لأدلة تجاهلها كثير من العلماء والدعاة، فآليت على نفسي تحرير هذه المادة بما فيها من بسطة وتوسّع.
يمثل الحجاب في التصور الجمعي العربي والإسلامي، حالة من الأيقنة، فهو نقيض؛ بحكم الضرورة التي اشتقها تراث قريب؛ للعريّ والسفور والخروج عن فطرة بشريّة قديمة، رأت أن الاحتكام إلى شرطها، مقترنٌ أساساً، بالسِتر وإسدال الثياب على تفاصيل الجسد الأشد تركيباً وتمييزاً، بيد أن هذا لا يستقيم قطعاً مع ما يمكن أن نعتبرهُ مساساً فاضحاً بمَلكة الفصل والتمييز بين ما هو حدّي وآخر يوازيه حدّة وتطرفاً.
هذه الحالة الطباقيّة ليست سديدة على الإطلاق، فالواقع الذي جبلتهُ البلاغة العربيّة، والكلام حمّال أشباه ومحمول على الواقع في جهة ما، اعتبرت أن الطباق بحكم أنّه محسن معنوي، يفترض مواءمة سطريّة بين نقيضين، يوجد بينهما ما يوفّق بين حالة وأخرى لا تناقضها بقدر ما تستقر في وسط النزال الكلامي، بمنزلةٍ الخافت والهادئ، سموّها قديماً بـ “الإيهام بالتضاد”، فعلى سبيل المثال ” السماء والمرتفع″، “العلو والأرض”، “الحزن والابتسام” .. وكلها وللحقّ حالات تتسم ببلاغة عاليّة.
من أجل ذلك وبحكم تقديري المتواضع، ليس “الإيهام بالتضاد” محسناً معنوياً عابراً فحسب، بلّ هو نوعٌ من البلاغة التي تُخرج اللغة عن طور التوقع، وتشفّ عن طلاقة مسنونةٍ بقصر المقابل أو العكس، وبالتالي هو عين أمينة مطلة على جمال اللغة العربيّة.
ومع ما يفرضه الاعتراف بحق الآخرين في ممارسة خياراتهم، طالما أنها لا تحدّ من خيار المشارك لهم في الوجود والمشاطر لهم في الحياة، لا يعكس الأمر نقداً مبيّتاً، أو طويّة سابقة، أو مُكراً مصلتاً، لأي نيّة في تقليم رغباتهم، ولا يتعارض مع ذاك، سوى ما صوّره ترف الممارسة أحياناً من أغلاط وأكلاف، ذلك أن النقد بكل أشكاله وصنوفه، دليل قاطع الإشارة على حيويّة المجتمع، وعامل حاسم في تحديد المنحة التي قدّمها للتدافع الإنساني، وشرطها الشارط الذي يمأسسُ تلك الخاصيّة ويثبّت بقائها، وإذّ ذاك تبدو العلاقة قاتمة وملتبسة للغاية، بين نقد خيار الآخرين والاعتراف به، أو العمل على الدفاع عن تكريس ذلك الخيار، مقابل نقده الدائم والمستمر..
أريد أن أذكر أولاً، بأن الأدلة التي سأسردها هنا، من موقعي الثقافي والعلماني فحسب، وبالتالي أنسخ لكم ما قرأت ومرّ بيّ، مع بعض التعاليق الشخصيّة عن الموضوع، ليس بهدف الإقناع بالضرورة بقدر ما هو ابداءٌ حميد لما سُكت عنه استجابة للتقاليد، أو تماشياً مع ذكوريّة خرقاء تبتزّ الظاهر من التاريخ حتى تتفق مع الجاري في حياتنا، ولسبب آخر، وهو أن أغلب الذين يكتبون في هذا الموضوع بالضبط، لا يحشدون الادلة حول عدم فرضيّة الحجاب، وإنما يستدركون النسق التحليلي بالكثير من الاستيهام والاستغراق، وهو ما يرفضه الأصوليون جملةً وتفصيلا. وحتى يكون النص جيداً في عرفهم يجب أن يعتدّ بالدليل، نسخاً ورقماً، وهذا ما اعتمدنا عليه.
لم تعرف البيئة العربيّة الاسلاميّة الحجاب إلا أخيراً، فقد كان يُطلق على سبيل المجاز فقط، استناداً إلى الآية التي تقول: ( فإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستورا) – سورة الإسراء الآية 45- ، وربط الستر هنا بالحجاب، هو ما استقر في ذهن الناس وخَلُص إليه حاضرهم، فيما هو في القرآن مجازٌ واضح، ولو دعمته الحقيقة، لكان واقعة مرئيّة لا ترتبط بجسد المرأة على الإطلاق، حتى الخمار الذي نعرفه من خلال الآية: (وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ) – سورة النور، الآية 31- جاءت دالّة على صفة متحركة يحدثها الخمار، دون النصّ على الإشتقاق المعروف بـ “الخمار”، والدليل؛ تلك الحادثة التي وقعت لزوج النبي، أم سلمة، عندما كانت عند الماشطة، ونادى أحدهم أن “يا أيها الناس″، فوضعت غطاءها وخرجت، وحين سألتها الماشطة عن ذلك الخروج المسرع، قالت :” لقد قال يا أيها الناس وأنا من الناس″.
الارتباط الخاطئ بعمومه الذي عرفه الناس بين الخمار والغطاء، لا يرقى إلى دليل واضح أو دامغ، فالفارق بينهما كبير وشاسع، والتدليل على ارتباطهما بالضرورة ليس كافٍ لإثبات حالة فرضيّة التتابع التي نعرفها بين خمار مطلق السِتر وغطاء اعتباطي يجلّي غرة الوجه وناصيّة الشعر، حتى الآية (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدني أن يعرفن فلا يؤذين..) – سورة الأحزاب، الآية59- عندما فسّرها الطبري – الذي يعتبر لدى الفرق الاسلاميّة مفسر سلفي- ربطها بعِلة التباين والفرق بين الحُرة والأمَة، فقد قال :” كانت الحُرة تلبس لباس الأمَة الجاريّة، فأمر الله نساء المؤمنين أن يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ..”، ولم يألُ جهداً في التذكير بالخمار، بالإضافة إلى ربط اللباس بكليّته في التفريق بين الأمَة والجاريّة، وكما هو معروف لدى علماء الأصول بأن “المطلق يحمل على إطلاقه ما لم يرد التقييد”، ومثلما هو دارج بأنّ “العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب”، فثمة تيار فقهي جهير أيضاً يرى بأن “العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ”، تزكيّه القاعدة الأصوليّة آنفة الذكر، التي لها صيغ متعددة من قبيل:” المقيد يحجز المطلق”، بالإضافة إلى قاعدة أخرى تقول: “إذا انتفت العلة رُفع الحُكم”، حتى ابن تيمية – إمام الأصوليين- في “الفتاوى الكبرى” يقول رداً على سؤال عن القاعدة الأصوليّة (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب أم العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ)، قال: “القول عندي هو أن العبرة بعموم اللفظ” مما يعني أن هنالك أقوال رصينة ترى العكس، وهو اعتراف بوجاهة قولهم ، جاز لنا أن نعتبره تيار أصولي محترم السمعة.
بل إنّ الحديث الصريح الوحيد الذي رواه أبو داوود عن عائشة (النقل هنا حرفي): “أنّ أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله، وقال: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه”، هو حديث واضح وقطعيّ الدلالة – كما يقول الأصوليون- ، في ما لو صحّ، ولكنه ضعيف، بدليل أن أبا داوود نفسه أعتبره حديث “مرسل”، لأن في سنده خالد بن دريك، وهو لم يدرك عائشة. وقد قال فيه ابن القطان: “خالد مجهول الحال”. وعلاوةً على هذا، في سنده رجل يسمى سعيد بن بشير، يُكنّى بأبي عبد الرحمان النصري فيه نظر. قال المنذري: ” في إسناده سعيد بن بشير أبو عبد الرحمن النصري نزيل دمشق مولى بني نصر وقد تكلم فيه غير واحد”. وللألباني تعليل طويل في هذا الحديث جعل منهُ لا يعتد به أصلاً في كتابه “حجاب المرأة المسلمة”.
سبب نزول ما تُعرف بآية الحجاب، هو أن عمر بن الخطاب تضايق من دخول الوفود إلى بيوت الرسول وهم يشهرون بأبصارهم نحو نسائه يمنة ويسرة، فقال له: “”يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يتحجبن ” (مذكورة في جل كتب التفاسير حتى لدى الإمام النسفي وهو أشعري ممن يتخذون من التأويل صفة ملازمة في التفاسير لاسيما في الأسماء والصفات). وفي كتاب “الاتقان في علوم القرآن”- باب معرفة النهاري والليلي- للإمام السيوطي” روى :”عن عائشة قالت: كنت أنا وسودة بعدما ضرب الحجاب خرجنا لحاجتنا عشاءً (وتقصد بالحاجة أيّ الحاجة البشريّة لاستفراغ البطن) فرآها عمر فعرفها، وكانت سودة امرأة طويلة بائنة الطول، فنادها عمر وقال: والله ما تخفين علينا ياسودة. فرجعت إلى النبي وفي يده عرق (عظم بلحم) يأكل فنزل الوحي على النبي والعرق بيده ما وضعه. وقال النبي: “قد أذن لكم أن تخرجن لحاجتكن”.
في هذا السياق يبدو من الوضوح بمكان، اقتصار آية الحجاب على نساء الرسول فحسب، بدليل أن عائشة ربطت خروجها مع سودة بالحجاب، في صلة تكاد تكون قاطعة على التخصيص في خطاب الآية.
بل أن فهم البخاري لها كان مطابقاً لما قلنا وقال غيرنا، في كتاب التفسير، سورة الأحزاب، رقم 4517، إذ يرى بأن الآية التي نزلت وتسمح للنساء الرسول بالخروج للخلاء دون أن يعرفن هي :” يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهنّ ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً” (الأحزاب، الآية 59)، فسبب النزول هو الحرج الذي استشعرته سودة بنت زمعة،(ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) بعد أن نادها عمر بن الخطاب (وكان الله غفوراً رحيما) دون أي قصد أو مضايقة.
في أقصى الحالات علينا أن نتبصّر جيداً، في كلمة “نساء المؤمنين”؟ لماذا لم تكن “نساء المسلمين” إذا كان القصد منها مخاطبة العامة وليس الخصوص؟
أما لمن يرى في قول عائشة “كنت أنا وسودة بعدما ضرب الحجاب” دليل على اسبقيّة الخروج عن آية الحجاب بما يناقض فهم البخاري، فليطالع كتاب أسباب النزول للسيوطي في الباب المحدّد أنفاً ليرى الربط بين الحادثتين، مما يأخذنا إلى استنتاج العلة وجنس المخاطب.
سبق أن قاد د. أحمد الغامدي (للمفارقة كان مديراً لفروع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمكة المكرمة) حملة ضد الحجاب بمفهومه الواسع، وأخبر أنّه مفروض ومخصوص، قبل أن “يجبن” ويتراجع عن فتواه، وهو حنبلي للمفارقة الثانيّة، ومن غريب الصدف أن الحنابلة أول من قصروا الحجاب على نساء الرسول فقط.
تخبرنا الآية ” يانساء النبي لستنّ كأحد من النساء” (سورة الأحزاب ، الآية 33) بأن الاختلاف في الأحكام بين نساء النبي وسائر المسلمات، يقتضي التفرقة والنظر بعمق، في ما فُرض عليهنّ خاصة دون غيرهنّ، وحتى يكون النظر والتملي صحيحاً يجب أن تنطلق المرأة المحجبة من هذه المُسلمة.
وبما أننا في زمن يُتهم أي شخص فيه بالقصر العلمي من غير المتخصصين، فلنورد بعض الأدلة على قول العلماء في قصور الحجاب على نساء الرسول فقط:
قال الطاهر بن عاشور (وهو من كبار الفقهاء المالكيّة) : (وهذه الآية (آية الحجاب) مع الآية التي تقدمتها من قوله (يانساء النبي لستنّ كأحد من النساء) تحقق معنى الحجاب لأمهات المؤمنين المركب من ملازمتهن بيوتهن وعدم ظهور شيء من ذواتهن حتى الوجه والكفين، وهو حجاب خاص بهن لا يجب على غيرهنّ (تأمّل في هذا التصريح الواضح)، وكان المسلمون يقتدون بأمهات المؤمنين ورعاً وهم متفاوتون في ذلك حسب العادات).
وما يزيد الغرابة فصاحةً هو أن الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني (وهو حنبلي مؤزّر) أكد خصوصيّة الحجاب على نساء الرسول في شرحه لحديث عمر حول ضرورة احتجاب نساء الرسول في كتابه (فتح الباري) بقوله: ( وفي الحديث – يقصد حديث نزول آية الحجاب- من الفوائد مشروعية الحجاب لأمهات المؤمنين. قال القاضي عياض اليحصبي : فرض الحجاب مما اختصصن به – يقصد نساء الرسول- فهو فرض عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين.. والحاصل أن عمر رضي الله عنه وقع في قلبه نفرة من اطلاع الأجانب على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، حتى صرح بقوله للرسول صلى الله عليه وسلم “احجب نساءك”. وقال عمر: يا رسول الله لو اتخذت حجاباً، فإنّ نساءك لسن كسائر النساء، ولذلك أطهر لقلوبهن.(انتهى كلامه)).
يعلق الغامدي بالقول:” وهذا يؤكد قصر اللفظ على مسببه”.
يأتي الدليل القوي الآخر من الصحيحين رأساً، في قصة زواج الرسول بصفيّة، حين قال الناس: “إنْ حجبها فهي من أمهات المؤمنين وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه” متفق عليه.
وجاء في صحيح البخاري عن عبد الرحمان بن عوف، قال:” أرسلني عمر وعثمان بأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان عثمان يسير أمامهن فلا يترك أحداً يدنو منهن ولا يراهن إلا من مد البصر، ويترلان في فيء الشِعب ولا يتركان أحداً يمر عليهن”. وفي رواية الوليد بن عطاء قال:” كان عثمان ينادي، ألا يدنو إليهن أحد ولا ينظر إليهن أحد”.
ومما يُذكر في هذا الصدد أن الإمام أحمد بن حنبل نفسه كان يفرق بين “حجاب أمهات المؤمنين” وعموم المسلمات، وقد ورد وبالحرف في كتاب “المغنى” الجزء السابع الصفحة 28 ما يلي:
قال الأثرم قلت لأبي عبد الله (يقصد أحمد بن حنبل) كأنّ حديث نبهان:” أفعمياوان أنتما” لأزاواج النبي خاصة”، وحديث فاطمة بنت قيس “اعتدّي عندي ابن أم مكتوم”؟ قال الإمام أحمد: نعم.
وللبخاري من طريق مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال:” كان الرجال والنساء يتوضؤن في زمان رسول الله جميعاً”، وزاد أبو داوود من طريق حماد عن أيوب عن نافع : “من الإناء الواحد جميعاً”. ومن طريق عبيد الله عن نافع، بلفظ : “كنا نتوضأ نحن والنساء على عهد رسول الله من إناء واحد ندلي فيه أيدينا”.
وليس خافياً على التقدير الشخصي لكل واحد فينا، أن الوضوء للصلاة يفرض تعرية الرأس والوجه والشعر والمرفقين والرجلين، وبالتالي ليس هنالك ما يمنع أساساً من تعريتهم في الحالة العاديّة، مادام التحضّر للصلاة يجيز هذا الاختلاط والكشف، وجملة (في زمان رسول الله) استنتج منها د. الغامدي بأنها سريان متصل لكل زمن عاش فيه الرسول.
وفي سياق مجانب عن جواز الاختلاط، ، سأل المروزي الإمام أحمد بن حنبل (أنظر الفروع الجزء الخامس الصفحة 109): “عن الكحّال يخلو بالمرأة قد انصرفت من عنده هل هي منهي عنها؟ قال أليس على ظهر الطريق! قال : نعم، قال: إنما الخلوة في البيوت). وقال ابن مفلح الحنبلي (الخلوة هي التي تكون في البيوت، أما الخلوة في الطرقات فلا تعد من ذلك).
ومن غريب الصدف أن هؤلاء الذين يجيزون الخلوة ، فضلاً عن رؤية ابن حنبل لاقتصار الحجاب على نساء الرسول، كلهم حنابلة، وقد تقصّدت التدليل على مذاهبهم، من أجل إبراز المفارقة بين ما كان عليه حنابلة الماضي، وما وصل إليه حنابلة الحاضر في السعوديّة، حيث كل ما قيل آنفاً محجوباً ومنكراً للأسف.
والسؤال الواجب الذكر هو: من أين جاءنا الحجاب؟
الجواب ببساطة، بعد ما يُعرف بموجة الإسلام السياسي، واستجابةً لما عُرف بـ “الخطر الأخضر” في وصف أميركا للخطر الإسلاموي بعد انهيار الشيوعيّة، وإن كان الاسلام السياسي قديم قياساً بسقوط الشيوعيّة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
بدأ الحجاب مع الإخوان المسلمين تحديداً في الثلاثينيّات تحديداً، كنوع من التمايز الشكلي والسياسي عن باقي غير المنتميات إلى الحقل الدعوي، وللغرابة التاريخيّة لا دليل على صحة فرضيّة الحجاب، فيما الأدلة موجودة على عدم فرضيته على سائر المسلمات، فتأملوا.
كاتب جزائري
رابط