Hukum Istigosah pada Nabi dan Orang Soleh
Hukum Istigosah pada Nabi Muhammad, Sahabat, orang saleh, para wali bagaimana? Intinya istighasah pada selain Allah. Bolehkah atau haram?
Hukum Istigosah pada Nabi Muhammad, Sahabat, orang saleh, para wali bagaimana? Intinya istighasah pada selain Allah. Bolehkah atau haram?
مقتبس من كتاب: سعادة الدارين في الرد على الفرقتين الوهابية ومقلدة الظاهرية (397/1-409)
تأليف: إبراهيم السمنودي العطار
هذا ومن أدلة جواز طلب الشفاعة من النبي (صلى الله عليه وسلم) ما في قصة سواد بن قارب (رضي الله تعالى عنه) التي رواها الطبراني في كبيره وذلك أن سواد بن قارب (رضي الله تعالى عنه) أنشد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قصيدة التي فيها التوسل وطلب الشفاعة منه (صلى الله عليه وسلم) ولم ينكر عليه، فمنها قوله:
وأشهد أن الله لا رب غيره … وإنك مأمون على كل غائب
وإنك أدنى المرسلين وسيلة … إلى الله يا ابن الأكرمين الأطايب
فمرنا بما يأتيك يا خير مرسل … وإن كان فيما فيه شيب الذوائب
وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة … بمغن فتيلا عن سواد بن قارب
فلم ينكر عليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قوله أدنى المرسلين وسيلة ولا قوله وكن لى شفيعا. ومن ذلك أيضا ما في خبر مازن بن العضوية الطائي (رضي الله تعالى عنه) المروي عند البيهقي في الدلائل وعند الطبراني وابن السكن والفاكهي في کتاب مكة وابن قانع كلهم من طريق هشام بن الكلبي عن أبيه قال حدثني عبد الله القماني:
قال: قال مازن بن العضوية فذكر حديثا طويلا اقتصر القسطلاني في المواهب منه على حاجته وفيه أنه أنشد النبي (صلى الله عليه وسلم) قوله:
إليك رسول الله خبت مطيني … تجوب الفياقي من عمان إلى العرج
لتشفع لي يا خير من وطئ الحصى … فيغفر لي ذنبي وأرجع بالفلج
أي الفوز وتحوب تقطع وخبت أي سارت سيرا شديدا ولم ينكر عليه النبي (صلى الله عليه وسلم) ذلك بل ورد طلب كعب الأحبار (رضي الله تعالى عنه) الشفاعة من بعض أهل البيت النبوي (رضي الله تعالى عنهم) فروى ابن سعد وذكره القاضي عياض في الشفاء عن كعب الأحبار (رضي الله تعالى عنه) أنه قال ليس مؤمن من آل محمد إلا له الشفاعة وأنه طلب من المغيرة بن نوفل أن يشفع له يوم القيامة. قال في النسيم وفيه تكريم لآل البيت وما يقتضی محبتهم رجاء شفاعتهم فيمن أحبهم. أهـ.
ومن أدلة جواز التوسل أيضا مع ندائه (صلى الله عليه وسلم) بعد وفاته مرثية صفية (رضي الله تعالى عنها) عمة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فإنها رثته بعد وفاته بأبيات فيها أقولها:
ألا يا رسول الله أنت رجاؤنا … وكنت بنا بارا ولم تك جافيا
ففي ذلك النداء بعد وفاته مع قولها أنت رجاؤنا وقد سمع تلك المرثية الصحابة (رضوان الله تعالى عليهم) فلم ينكر عليها أحد منهم قولها يا رسول الله أنت رجاؤنا.
ومن أدلة التشفع به (صلى الله عليه وسلم) ما رواه أبو داود في السنن وغيره من أن رجلا قال لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) إنا نستشفع بك على الله تعالى ونستشفع بالله تعالى عليك فسبح النبي (صلى الله عليه وسلم) حتى رؤى ذلك في وجوه أصحابه ثم قال (صلى الله عليه وسلم): ويحك أتدرى ما الله تعالى: إن الله لا يستشفع به على أحد من خلقه شأن الله تعالى أعظم من ذلك فلم ينكر عليه (صلى الله عليه وسلم) قوله نستشفع بك على الله تعالى وإنما أنكر قوله نستشفع بالله تعالى عليك. وما أضعف قول محمود الألوسي في تفسيره مؤولا هذا الحديث الشريف بما يوافق عقيدته أن معنى الاستشفاع به (صلى الله عليه وسلم) طلب الدعاء منه. أه.
واعلم أنه يقاس على سؤال الله تعالى بالحق والحرمة الواردين في الأحاديث السابقة سؤاله تعالى بالجاه والقدر لمن هما له عند الله تعالى كأن يقال اللهم إني أسألك بجاه أو بقدر نبيك والأنبياء من قبله. وقد ذكر شيخ الإسلام الشرقاوي في آخر حواشيه على شرح الهدهدى لصغرى السنوسی وشيخ الطريق الصاوي في شرحه لصلوات القطب الدردير والعلامة الشيخ على بن عبد البر الونائي في المنح الإلهية أن في الحديث الشريف توسلوا إلى الله تعالى بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم وهو حديث مشهور على ألسنة العلماء الأكابر وهؤلاء الذين سطروه في كتبهم بعنوان أنه حديث كلهم ثقات إثبات يعلمون الاتفاق على أنه لا يحل لمسلم أن يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) شيئا إلا إذا كان مرويا عنه ولو على أقل وجوه الروايات وكتبهم متداولة بين العلماء كابر عن کابر.
وقد قال العلامة الشيخ عبد الحي اللكنوي في الأجوبة الفاضلة أن الإسناد وإن كان لابد منه في كل أمر من أمور الدين لكن قد يقوم مقامه نقل من يعتمد عليه وتصريح من يستند إليه لاسيما في الأعصار المتأخرة لفوات اهتمام الإسناد فيها بالشروط المقررة فإن شدد فيها بطلب الإسناد في كل أمر فات المراد فيكتفي بتصريح من عليه الاعتماد ولهذا جوزوا العمل والإثبات بالأحاديث المدونة في الكتب المعتمدة وإن لم يوجد لها عند العامل والمثبت طریق متصل إلى صاحب الحديث أو إلى مؤلف الكتب المدونة قال وجوزوا أيضا الاعتماد في المسائل الفقهية على نقل معتمدي الملة الحنيفية وإن لم يوجد عند المفتي سند مسلسل إلى حضرات الأئمة العلية. أه. ثم نقل على ذلك نصوصا كثيرة فانظرها إن شئت.
وفي شرح معاصرنا الفاضل الشيخ محمد نونوي الجاوي على مقدمة معاصرنا أيضا الأستاذ الشيخ محمد حسب الله كلاهما من علماء مكة المشرفة أنه روي عن الإمام علي (رضي الله تعالى عنه) مرفوعا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال من قال: ليلة الجمعة ولو مرة اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي الحبيب الغالي القدر العظيم الجاه وعلى آله وصحبه وسلم كنت الحده بيدي. وقول و الألوسي في تفسيره وما يذكره بعض العامة من قوله (صلى الله عليه وسلم):
“إذا كانت لكم إلى الله تعالى حاجة فأسالوا الله بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم” لم يروه أحد من أهل العلم ولا هو في شئ من كتب الحديث. أه. أن عنى بهذا اللفظ الذي ذكره فربما أسلمه له الآن لضيق وقتي عن البحث والمراجعة وإن عنى ولا بغير اللفظ المذكور كان في محل المنع وعدم التسليم لما علمته على أن الألوسي المذكور موافق لنا بمجرد رأيه بعد نبذه بعض الأدلة على جواز التوسل وتأويله بعضها الآخر مما وصل إليه هو في غاية من البعد والسقوط كما اتضح مما أسلفناه على جواز التوسل بالجاه والحرمه بالنسبة للنبي (صلى الله عليه وسلم) وكل من علم أن له جاها أو حرمة عند الله تعالى كالمقطوع بصلاحه وولايته قلت أو من يغلب على الظن فيه ذلك كما يعلم مما يأتي.
قال العلامة المحقق في الجوهر المنظم والسيد السمهودي في خلاصة الوفاء وغيرهما ولا فرق في التوسل بين أن يكون بلفظ التوسل أو التشفع أو الاستغاثة أو التوجه لأن التوجه من الجاه وهو على المترلة وقد يتوسل بذي الجاه إلى من هو أعلى منه جاها والاستغاثة معناها طلب الغوث والمستغيث يطلب من المستغاث به أن يحصل له الغوث من غيره وإن كان أعلى منه، فالتوجه والاستغاثة به (صلى الله عليه وسلم) وبغيره من الأنبياء والصالحين ليس لهما معنى في قلوب المسلمين إلا طلب الغوث حقيقة من الله تعالى ومجازا بالتسبب العادي
من غيره ولا يقصد أحد من المسلمين غير ذلك المعنى فمن لم يشرح صدره لذلك فليبك على نفسه نسأل الله تعالى العافية في المستغاث به في الحقيقة هو الله تعالى.
وأما النبي (صلى الله عليه وسلم) فهو واسطة بينه وبين المستغيث فهو سبحانه وتعالى مستغاث به حقيقة والغوث منه بالخلق والإيجاد والنبي (صلى الله عليه وسلم) مستغاث به مجازا والغوث منه بالكسب والتسبب العادي باعتبار توجهه وتشفعه عند الله لعلو متزلته وقدره ولا يعارض ذلك ما رواه الطبراني في معجمه من أنه كان في زمن النبي (صلى الله عليه وسلم) منافق يؤذي المؤمنين فقال الصديق (رضي الله تعالى عنه) قوموا بنا نستغيث برسول الله (صلى الله عليه وسلم) من هذا المنافق فجاؤا إليه (صلى الله عليه وسلم) فقال إنه لا يستغاث بي إنما يستغاث بالله عز وجل لأنه لا يصح الاحتجاج به إذ في إسناده ابن لهيعة الذي قدمنا بعض ما قيل فيه في مقدمة هذا الكتاب ولما يأتي من النصوص الصحيحة القطعية المشتملة على حصول الاستغاثة بالمخلوق. وبفرض صحة هذا المروي لا يكون نصا في المنع وإن زعمه الألوسي في تفسيره وأقره عليه ولده في جلائه لأنهما وأضرابهما من أجهل الناس بالأحاديث بل على الفرض المذكور يكون ذاك المروي على طريق قوله تعالى: (وما رمیت إذ رميت ولكن الله رمى) [سورة الأنفال آية رقم 17] أي وما رمیت خلقا وإيجادا إذ رمیت تسببا وكسبا ولكن الله رمی خلقا وإيجادا، وقوله تعالى (فلم تقتلوهم لكن الله قتلهم) [سورة الأنفال آية رقم 17]، وقوله (صلى الله عليه وسلم): “ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم” أي أنا وإن استغيث في فالمستغاث به في الحقيقة هو الله تعالى فيكون إرشادا للأمة إلى العقيدة وكثيرا ما تجيء السنة لبيان حقيقة الأمر ويجيء القرآن الكريم بإضافة الفعل لمكتسبه ويسند إليه مجازا كقوله تعالى: (أدخلوا الجنة بما كنتم تعلمون) [سورة النحل آية رقم 32]، وقوله (صلى الله عليه وسلم): “لن يدخل أحدكم الجنة بعمله” فالآية بيان للسبب العادي، والحديث لبيان سبب فعل الفاعل الحقيقى وهو فضل الله تعالى ويؤيده ما أسلفناه عن الشرنبلاني (رحمه الله تعالى) من أن العبد له ينسب الفعل ويضاف إليه وإن كان إيجاده له مجازيا أي شرعا وإلا فهو حقيقة لغوية بحيث يطلق عليه اسم الموحد مجازا والفاعل الحقيقي هو الله تعالى. أهـ.
وقال العلامة ابن الشحنة في منظومته:
فأفعال الورى خيرا وشرا … بخلق الله ثم بالاكتساب
فنعزوها له عز واختراع … ونعزوها لهم عز واكتساب
بالجملة فإطلاق لفظ الاستغاثة لمن يحصل منه غوث باعتبار الكسب أمر معلوم لا شك فيه لغة ولا شرعا.
فإذا قلت أغثني يا الله. تريد الإسناد الحقيقي باعتبار الخلق والإيجاد وإذا قلت: أغثني یا رسول الله تريد الإسناد المجازی باعتبار التسبب والكسب والتوسط بالشفاعة وحينئذ يتعين تأويل المروي المذكور بما قلناه ولو تتبعنا کلام الأئمة وسلف الأمة وخلفها لوجدنا شيئا كثيرة من إسناد الاستغاثة والاستجارة إلى المخلوق بل في القرآن الشريف والأحاديث الصحيحة كثير من ذلك ومنه ما في سورة التوبة (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره) [سورة التوبة آية رقم 6] وما في سورة القصص (فأستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسی فقضى عليه) [سورة القصص آية رقم 15].
ثم قال تعالى: (فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه) [سورة القصص آية رقم 18] والاستصراخ في اللغة الإغاثة من الصراخ لأن المستغيث يصوت ويصرخ في طلب الغوث.
وفي الحديث الصحيح مفسرا الاستغاثة في القصة المذكورة قال الإسرائيلي لموسى أغثني من هذا العدو، وانصرني عليه فأغاثه بأن ضرب القبطي فقتله.
ومنه أيضا ما رواه البخاري في صحيحه في مبحث الحشر ووقوف الناس لحساب يوم القيامة بينما هم كذلك استغاثوا بآدم ثم موسی ثم بمحمد (صلى الله عليه وسلم) وعليهما فتأمل يا أخي التعبير باستجارك فاستغاثه واستنصره ويستصرخه وأغثني واستغاثوا فإن الاستخارة والاستغاثة والاستنصار بنبينا آدم وموسی عليهم الصلاة والسلام ما هي إلا مجازية والمستجار والمستنصر والمستغاث به حقيقة هو الله تعالى مع ذلك وقع إسناد ما ذكر إليهم. وكتب الشيخ داود على قوله تعالى: (فاستغاثه الذي من شيعيه على الذي من عدوه) [سورة القصص آية رقم 15] ما بعضه وجه الاستدلال بهذه الآية أي على جواز الاستغاثة بالمخلوق إن الله تعالی نسب الاستغاثة وهي طلب الغوث إلى يره من المخلوقات فلو كان ذلك ممنوعا لما جازت هذه النسبة.
وأما ما قيل أن هذا حي وله قدرة فنقول له: إن كان نسبة القدرة إليه على اعتقاد أنه الفاعل واستقلالا من دون الله تعالى فهو كفر وإن كان بقدرة الله تعالى وهو سبب ووسيلة فلا فرق بين الحي والميت، لأن الميت له تسبب بدعاء أو كرامة أو أن الله يقدره والجميع راجع إليه تعالى.
فتعين أن نسبة الإغاثة إلى الله تعالى على الحقيقة وإلى غيره على السبب والمجاز. أهـ.
وروى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وسلم) ذکر في قصة هاجر أم إسماعيل (عليه السلام) أنه لما أدركها وولدها العطش فجعلت تسعى في طلب الماء فسمعت صوتا ولا ترى شخصا فقالت: أغث إن كان عندك غوث. أهـ.
ذكر النبي (صلى الله عليه وسلم) هذا لأصحابه فلو كان طلب الغوث من غير الله تعالى ممنوعا أو شركا ما جاز لها استعماله ولما ذكره النبي (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه و لم ينكره ولما نقله الصحابة من بعده وذكره المحدثون لاسيما البخاري الذي اجتمعت الأمة على أنه ما بعد كتاب الله تعالى أصح من كتابه، فإن هذا الغائب الذي لبت منه الغوث وإن كان في الحقيقة هو ملك، لكن في حال غيبته محتمل أن يكون غير ملك والمانعون لا يجوزون الاستغاثة بالغائب مطلقا لا لنبي مرسل ولا ملك مقرب كما لا يجوزوها بالميت كما صرحوا بذلك في مواضع فلو يعلم النبي (صلى الله عليه وسلم) في ذلك محذورا لوجب التنبيه عليه خصوصا إذا كان شركا أكبر مخرجا من الملة كما يزعمه المانعون.
وأما جوابهم عن حديث الموقف السالف بأنه في القيامة فيكونون قد استغاثوا بمن له قدرة فمردود عليهم بأن الأنبياء في حال حياتهم الدنيوية لا قدرة لهم لا بنوع التسبب فكذلك بعد الموت مع أنهم أحياء في قبورهم يتسببون بالدعاء وغيره كما مر والخالق للأفعال في كل حال هو الله تعالى وحده.
على أن هؤلاء المانعين يستدلون على المنع بحديث الطبراني الذي فيه ذكر المنافق السابق فيقال لهم على فرض صحة الحديث أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد نفى فيه عن نفسه الاستغاثة وهو حي قادر على التسبب وكم سأله الصحابة أمورا لا يقدر عليها البشر فأعطاهم ما سألوا بتسبه عند ربه والله تعالى يفعل له فكيف يمنعون الاستغاثة بذلك الحديث ويثبتونها بحديث الموقف وهل هذا إلا تناقض فما كان جوابهم في حديث الحياة فهو الجواب في حال الممات والخلاف إنما هو في إطلاق اللفظ.
وقد ثبت بالنص القرآني وبالأحاديث الصحيحة وليس الخلاف في التأويل فإننا نقول به ولا نقول أن أحدا يفعل استقلالا من دون الله تعالى بل نكفر من يزعم ذلك.
هذا وأزيدك أنه صح عنه (صلى الله عليه وسلم) لمن ضل شيء أو أراد عونا وهو بأرض لا أنيس بها أن يقول: “يا عباد الله أعينوني”، وفي رواية: “أغيثوني” رواه الحافظان ابن الجزري والسيوطي والطبراني في كبيره بسند جيد وهو إرشاد منه (صلى الله عليه وسلم) للتوسل والاستغاثة بعباد الله الصالحين.
قال الشيخ علي القارئ في شرح الحصن والمراد بهم الملائكة أو المسلمون من الجن أو رجال الغيب المسمون بالأبدال.
وجاء في حديث قصة قارون لما خسف الله تعالى موسى حيث لم غيثه وقال له استغاث بك فلم تغثه لو استغاث بي لأغثه فإسناد الإغاثة إلى الله تعالى إسناد حقیقی وإسنادها إلى موسی مجازي.
وقد جاء من أسمائه (صلى الله عليه وسلم) التي هي توقيفية باتفاق غوث وغيث وغياث وشافع وشفيع ومضفع وشاف وهاد و منجي وناصر وكاشف الكرب وصاحب الفرج.
وقد تقرر في اللغة العربية أنه لا يسمى بالمشتق إلا من قام به معناه لأن من لم يقم به وصف لا يشتق له منه اسم فلا يقال قائم إلا لمن اتصف بالقيام مثلا وهكذا كما هو مقتضى قواعد اللغة فلم يسم (صلى الله عليه وسلم) بهذه الأسماء ونحوها من المشتقات إلا لوجود معناها فيه قطعا و«ال» الداخلة على الاسم المشتق للمح الأصل وهو الوصفية وحيث كان المسمى له هو الله تعالى فلا يصح أن يكون تسميته خالية عن ذلك المعنى وإلا لكانت عبثا وهو لا يقع مع الحكيم فتأمله.
قال العلامة المحقق في الجوهر وسبقه السيد السمهودي في خلاصة الوفاء وقد يكون معنى التوسل به (صلى الله عليه وسلم) طلب الدعاء منه إذ هو (صلى الله عليه وسلم) حي في قبره، يعلم سؤال من يسأله أي كبقية من جاءت الشريعة بحياتهم عند الله تعالى في قبورهم كما ستعرفه. .
وسيأتي حديث بلال بن الحارث الصحابي (رضي الله عنه) المذكور فيه أنه جاء إلى قبره (صلى الله عليه وسلم) وقال: يا رسول الله استسق لأمتك أي أدع الله لهم وهو مروي عند البيهقي وابن أبي شيبة بسند صحيح. فعلم منه أنه (صلى الله عليه وسلم) لا يطلب منه الدعاء بحصول الحاجات كما كان يطلب منه في حياته بسؤال من يسأله مع قدرته على التسبب في حصول ما سئل فيه بسؤاله ودعائه وشفاعته إلى ربه عز وجل. فقد اتضح من هذه النصوص القرآنية والأحاديث النبوية والآثار المروية عن سلف الأمة وخلفها أن التوسل بنبينا (صلى الله عليه وسلم) وبغيره من الأكابر والاستغاثة بهم وطلب الشفاعة منهم ثابتة عنهم قطعا في الحياة وبعد الممات بلا شك ولا مرية وإن ذلك كزيارتهم ولو بالسفر من أعظم القربات وإن جعل النبي والصالح متسببا لا مانع منه شرعا ولا عقلا، لأن ذلك كله بإذن الله تعالى ومن أقر بالكرامة من الصالحين كما هو مذهب أهل السنة والجماعة وإما بإذن الله تعالى لم يجد بدا من اعترافه بجواز ذلك ووقوعه وكيف لا والآيات القرآنية والأحاديث النبوية قد عاضدته والآثار قد ساعدته ومن جعل الله فيه قدرة كاسبة للفعل مع اعتقاد أنه تعالى هو الخالق كيف يمتنع عليه طلب ذلك الشئ، وما هنا من قبيل ذلك فإن الله تعالى قد قرب أنبياءه ورسله وصالحي عباده وأوجب على الخلق برهم وتعظيمهم وقد خلق فيهم قوة كاسبة أقلها الدعاء لمن تسبب بهم في إنفاذ مسئولهم وهم في برازخهم ودار كرامتهم وتفضل الله تعالى بكل ذلك عليهم،. والكلام إنما هو في إطلاق الألفاظ فافهم والله سبحانه يتولى هداك.
وقال العلامة المحقق أيضا: وقد علم مما ذكرناه أنه (صلى الله عليه وسلم) يتوسل به في كل خير قبل بروزه لهذا العالم وبعده في حياته وبعد وفاته وسيكون التوسل به أيضا بعد البعث في عرصات القيامة أي أي موطنها فيشفع إلى ربه وكل هذا مما تواترت به الأخبار وقام عليه الإجماع قبل ظهور المانعين منه فهو (صلى الله عليه وسلم) له الجاه الوسيع والقدر المنيع عند سيده ومولاه المنعم عليه بما حباه وأولاه. أه.
ولو تتبعنا ما وقع من أكابر الأمة صحابة وغيرهم في التوسل والاستغاثة والتشفع بمن له قدر عند الله تعالى لامتلأت بذلك الصحف وفيما ذکر کفاية ومقته لمن كان بمرائي له مع التوقيف ومسمع إن شاء الله تعالى. وبهذا يبطل ما فتراه الوهابيون فيما نقله عنهم نعمان الألوسي جلائه من أنه يمتنع أن يطلب من الأنبياء شيء بعد وفاتهم سواء كان بلفظ استغاثة أو توجه أو استشفاع أو غير ذلك لأن جميعه من وظائف الألوهية فلا يليق جعله لمن يتصف بالعبودية. أه.
ومما يبطله أيضا ما سنذكره في الأجوبة عن شبههم السابقة أول الباب فكن على بصيرة.
وقد قال العلامة المجتهد الإمام البلقيني في جواب سؤال رفع إليه فيمن قال مادحا النبي (صلى الله عليه وسلم):
فاشفع لقائلها يا من شفاعته … تفك من هو مكبوت ومكبول
فاعترضه معترض بأن سؤال النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يرد فقال: في الجواب عن ذلك: الله الله الله لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن لقد ارتكب هذا المعرض من قبائح أتى بها على أنها نصائح فجاءت عليه فضائح ولقد أخطأ فيها وما أصاب وكثر به وبأمثاله المصاب إلى أن قال ولقد جهل جهلا قبيحا بقوله فأما سؤال النبي (صلى الله عليه وسلم) نفسه فلا كيف لا نسأله وهو وسيلتنا ووسيلة أبينا من قبلنا إلى ربنا جل جلاله وقد سأله عكاشة وغيره من الصحابة كما ثبت في الصحيح إلى آخر كلامه.
وقال الحافظ الذهبي في كتابه ذيل العير بأخبار من غبر أنه في سنة 725 ضرب بمصر الشهاب بن مري التميمي وسجن ثم نفى لنهيه عن الاستغاثة والتوسل بأحد غير الله تعالى ومقت لذلك، ثم فر إلى الجزيرة وأقام بها سنين، أه.
وقال الجاحظ السيوطي في المستقصى في فضائل المسجد الأقصى أثناء الكلام في بحث زيارة الخليل (عليه السلام) ما صورته: ويقول يا نبي الله إني متوجه بك إلى ربي في حوائجي لتقضى لي – إلى أن قال – ثم يتوجه إلى الله تعالى بجميع أنبيائه خصوصا سيد الأولين والآخرين سيدنا محمدا (صلى الله عليه وسلم) ثم قال: عن کعب ولا يتوسل أحد بإبراهيم (عليه السلام) إلا أعطاه الله ما سأل وأضعف له ذلك زيادة لكرامة إبراهيم (عليه السلام).
وحدث الحسن بن موسی بن الحسن التاجر قال حدثني رجل من أهل بعلبك قال زرنا إبراهيم الخليل (عليه السلام) وكان معنا رجل مفضل من أهل بعلبك فسماه وقد زار قبر إبراهيم الخليل (عليه السلام) وهو يبكي ويقول حبيبي إبراهيم سئل ربك يكفني ثلاثا فاهم يؤذنيني ثم رجعنا إلى يافا فوصل قارب من بيروت فحدثنا أن الثلاثة الذين سماهم ماتوا . أهـ.
وقال العلامة المحقق في الجوهر المنظم من خرافات ابن تميمة التي لم يقلها عالم قبله وصار ما بين الأنام مثله انه أنكر الاستغاثة والتوسل به (صلى الله عليه وسلم) وليس كما افترى بل التوسل به حسن في كل حال قبل خلقه وبعده في الدنيا والآخرة ومما يدل لطلب التوسل به (صلى الله عليه وسلم) قبل خلقه وإن ذلك سيرة السلف الصالح والأنبياء والأولياء وغيرهم ما أخرجه لحاكم وصححه فقول ابن تيمية لا أصل له من افترائه ثم ذكر حديث توسل آدم به (صلى الله عليه وسلم) لما اقترف الخطيئة إلى آخر ما ذكر مما أسلفناه انتهى.
مقتبس من كتاب: سعادة الدارين في الرد على الفرقتين الوهابية ومقلدة الظاهرية (397/1-409)
تأليف: إبراهيم السمنودي العطار
هذا ومن أدلة جواز طلب الشفاعة من النبي (صلى الله عليه وسلم) ما في قصة سواد بن قارب (رضي الله تعالى عنه) التي رواها الطبراني في كبيره وذلك أن سواد بن قارب (رضي الله تعالى عنه) أنشد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قصيدة التي فيها التوسل وطلب الشفاعة منه (صلى الله عليه وسلم) ولم ينكر عليه، فمنها قوله:
وأشهد أن الله لا رب غيره … وإنك مأمون على كل غائب
وإنك أدنى المرسلين وسيلة … إلى الله يا ابن الأكرمين الأطايب
فمرنا بما يأتيك يا خير مرسل … وإن كان فيما فيه شيب الذوائب
وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة … بمغن فتيلا عن سواد بن قارب
فلم ينكر عليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قوله أدنى المرسلين وسيلة ولا قوله وكن لى شفيعا. ومن ذلك أيضا ما في خبر مازن بن العضوية الطائي (رضي الله تعالى عنه) المروي عند البيهقي في الدلائل وعند الطبراني وابن السكن والفاكهي في کتاب مكة وابن قانع كلهم من طريق هشام بن الكلبي عن أبيه قال حدثني عبد الله القماني:
قال: قال مازن بن العضوية فذكر حديثا طويلا اقتصر القسطلاني في المواهب منه على حاجته وفيه أنه أنشد النبي (صلى الله عليه وسلم) قوله:
إليك رسول الله خبت مطيني … تجوب الفياقي من عمان إلى العرج
لتشفع لي يا خير من وطئ الحصى … فيغفر لي ذنبي وأرجع بالفلج
أي الفوز وتحوب تقطع وخبت أي سارت سيرا شديدا ولم ينكر عليه النبي (صلى الله عليه وسلم) ذلك بل ورد طلب كعب الأحبار (رضي الله تعالى عنه) الشفاعة من بعض أهل البيت النبوي (رضي الله تعالى عنهم) فروى ابن سعد وذكره القاضي عياض في الشفاء عن كعب الأحبار (رضي الله تعالى عنه) أنه قال ليس مؤمن من آل محمد إلا له الشفاعة وأنه طلب من المغيرة بن نوفل أن يشفع له يوم القيامة. قال في النسيم وفيه تكريم لآل البيت وما يقتضی محبتهم رجاء شفاعتهم فيمن أحبهم. أهـ.
ومن أدلة جواز التوسل أيضا مع ندائه (صلى الله عليه وسلم) بعد وفاته مرثية صفية (رضي الله تعالى عنها) عمة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فإنها رثته بعد وفاته بأبيات فيها أقولها:
ألا يا رسول الله أنت رجاؤنا … وكنت بنا بارا ولم تك جافيا
ففي ذلك النداء بعد وفاته مع قولها أنت رجاؤنا وقد سمع تلك المرثية الصحابة (رضوان الله تعالى عليهم) فلم ينكر عليها أحد منهم قولها يا رسول الله أنت رجاؤنا.
ومن أدلة التشفع به (صلى الله عليه وسلم) ما رواه أبو داود في السنن وغيره من أن رجلا قال لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) إنا نستشفع بك على الله تعالى ونستشفع بالله تعالى عليك فسبح النبي (صلى الله عليه وسلم) حتى رؤى ذلك في وجوه أصحابه ثم قال (صلى الله عليه وسلم): ويحك أتدرى ما الله تعالى: إن الله لا يستشفع به على أحد من خلقه شأن الله تعالى أعظم من ذلك فلم ينكر عليه (صلى الله عليه وسلم) قوله نستشفع بك على الله تعالى وإنما أنكر قوله نستشفع بالله تعالى عليك. وما أضعف قول محمود الألوسي في تفسيره مؤولا هذا الحديث الشريف بما يوافق عقيدته أن معنى الاستشفاع به (صلى الله عليه وسلم) طلب الدعاء منه. أه.
واعلم أنه يقاس على سؤال الله تعالى بالحق والحرمة الواردين في الأحاديث السابقة سؤاله تعالى بالجاه والقدر لمن هما له عند الله تعالى كأن يقال اللهم إني أسألك بجاه أو بقدر نبيك والأنبياء من قبله. وقد ذكر شيخ الإسلام الشرقاوي في آخر حواشيه على شرح الهدهدى لصغرى السنوسی وشيخ الطريق الصاوي في شرحه لصلوات القطب الدردير والعلامة الشيخ على بن عبد البر الونائي في المنح الإلهية أن في الحديث الشريف توسلوا إلى الله تعالى بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم وهو حديث مشهور على ألسنة العلماء الأكابر وهؤلاء الذين سطروه في كتبهم بعنوان أنه حديث كلهم ثقات إثبات يعلمون الاتفاق على أنه لا يحل لمسلم أن يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) شيئا إلا إذا كان مرويا عنه ولو على أقل وجوه الروايات وكتبهم متداولة بين العلماء كابر عن کابر.
وقد قال العلامة الشيخ عبد الحي اللكنوي في الأجوبة الفاضلة أن الإسناد وإن كان لابد منه في كل أمر من أمور الدين لكن قد يقوم مقامه نقل من يعتمد عليه وتصريح من يستند إليه لاسيما في الأعصار المتأخرة لفوات اهتمام الإسناد فيها بالشروط المقررة فإن شدد فيها بطلب الإسناد في كل أمر فات المراد فيكتفي بتصريح من عليه الاعتماد ولهذا جوزوا العمل والإثبات بالأحاديث المدونة في الكتب المعتمدة وإن لم يوجد لها عند العامل والمثبت طریق متصل إلى صاحب الحديث أو إلى مؤلف الكتب المدونة قال وجوزوا أيضا الاعتماد في المسائل الفقهية على نقل معتمدي الملة الحنيفية وإن لم يوجد عند المفتي سند مسلسل إلى حضرات الأئمة العلية. أه. ثم نقل على ذلك نصوصا كثيرة فانظرها إن شئت.
وفي شرح معاصرنا الفاضل الشيخ محمد نونوي الجاوي على مقدمة معاصرنا أيضا الأستاذ الشيخ محمد حسب الله كلاهما من علماء مكة المشرفة أنه روي عن الإمام علي (رضي الله تعالى عنه) مرفوعا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال من قال: ليلة الجمعة ولو مرة اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي الحبيب الغالي القدر العظيم الجاه وعلى آله وصحبه وسلم كنت الحده بيدي. وقول و الألوسي في تفسيره وما يذكره بعض العامة من قوله (صلى الله عليه وسلم):
“إذا كانت لكم إلى الله تعالى حاجة فأسالوا الله بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم” لم يروه أحد من أهل العلم ولا هو في شئ من كتب الحديث. أه. أن عنى بهذا اللفظ الذي ذكره فربما أسلمه له الآن لضيق وقتي عن البحث والمراجعة وإن عنى ولا بغير اللفظ المذكور كان في محل المنع وعدم التسليم لما علمته على أن الألوسي المذكور موافق لنا بمجرد رأيه بعد نبذه بعض الأدلة على جواز التوسل وتأويله بعضها الآخر مما وصل إليه هو في غاية من البعد والسقوط كما اتضح مما أسلفناه على جواز التوسل بالجاه والحرمه بالنسبة للنبي (صلى الله عليه وسلم) وكل من علم أن له جاها أو حرمة عند الله تعالى كالمقطوع بصلاحه وولايته قلت أو من يغلب على الظن فيه ذلك كما يعلم مما يأتي.
قال العلامة المحقق في الجوهر المنظم والسيد السمهودي في خلاصة الوفاء وغيرهما ولا فرق في التوسل بين أن يكون بلفظ التوسل أو التشفع أو الاستغاثة أو التوجه لأن التوجه من الجاه وهو على المترلة وقد يتوسل بذي الجاه إلى من هو أعلى منه جاها والاستغاثة معناها طلب الغوث والمستغيث يطلب من المستغاث به أن يحصل له الغوث من غيره وإن كان أعلى منه، فالتوجه والاستغاثة به (صلى الله عليه وسلم) وبغيره من الأنبياء والصالحين ليس لهما معنى في قلوب المسلمين إلا طلب الغوث حقيقة من الله تعالى ومجازا بالتسبب العادي
من غيره ولا يقصد أحد من المسلمين غير ذلك المعنى فمن لم يشرح صدره لذلك فليبك على نفسه نسأل الله تعالى العافية في المستغاث به في الحقيقة هو الله تعالى.
وأما النبي (صلى الله عليه وسلم) فهو واسطة بينه وبين المستغيث فهو سبحانه وتعالى مستغاث به حقيقة والغوث منه بالخلق والإيجاد والنبي (صلى الله عليه وسلم) مستغاث به مجازا والغوث منه بالكسب والتسبب العادي باعتبار توجهه وتشفعه عند الله لعلو متزلته وقدره ولا يعارض ذلك ما رواه الطبراني في معجمه من أنه كان في زمن النبي (صلى الله عليه وسلم) منافق يؤذي المؤمنين فقال الصديق (رضي الله تعالى عنه) قوموا بنا نستغيث برسول الله (صلى الله عليه وسلم) من هذا المنافق فجاؤا إليه (صلى الله عليه وسلم) فقال إنه لا يستغاث بي إنما يستغاث بالله عز وجل لأنه لا يصح الاحتجاج به إذ في إسناده ابن لهيعة الذي قدمنا بعض ما قيل فيه في مقدمة هذا الكتاب ولما يأتي من النصوص الصحيحة القطعية المشتملة على حصول الاستغاثة بالمخلوق. وبفرض صحة هذا المروي لا يكون نصا في المنع وإن زعمه الألوسي في تفسيره وأقره عليه ولده في جلائه لأنهما وأضرابهما من أجهل الناس بالأحاديث بل على الفرض المذكور يكون ذاك المروي على طريق قوله تعالى: (وما رمیت إذ رميت ولكن الله رمى) [سورة الأنفال آية رقم 17] أي وما رمیت خلقا وإيجادا إذ رمیت تسببا وكسبا ولكن الله رمی خلقا وإيجادا، وقوله تعالى (فلم تقتلوهم لكن الله قتلهم) [سورة الأنفال آية رقم 17]، وقوله (صلى الله عليه وسلم): “ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم” أي أنا وإن استغيث في فالمستغاث به في الحقيقة هو الله تعالى فيكون إرشادا للأمة إلى العقيدة وكثيرا ما تجيء السنة لبيان حقيقة الأمر ويجيء القرآن الكريم بإضافة الفعل لمكتسبه ويسند إليه مجازا كقوله تعالى: (أدخلوا الجنة بما كنتم تعلمون) [سورة النحل آية رقم 32]، وقوله (صلى الله عليه وسلم): “لن يدخل أحدكم الجنة بعمله” فالآية بيان للسبب العادي، والحديث لبيان سبب فعل الفاعل الحقيقى وهو فضل الله تعالى ويؤيده ما أسلفناه عن الشرنبلاني (رحمه الله تعالى) من أن العبد له ينسب الفعل ويضاف إليه وإن كان إيجاده له مجازيا أي شرعا وإلا فهو حقيقة لغوية بحيث يطلق عليه اسم الموحد مجازا والفاعل الحقيقي هو الله تعالى. أهـ.
وقال العلامة ابن الشحنة في منظومته:
فأفعال الورى خيرا وشرا … بخلق الله ثم بالاكتساب
فنعزوها له عز واختراع … ونعزوها لهم عز واكتساب
بالجملة فإطلاق لفظ الاستغاثة لمن يحصل منه غوث باعتبار الكسب أمر معلوم لا شك فيه لغة ولا شرعا.
فإذا قلت أغثني يا الله. تريد الإسناد الحقيقي باعتبار الخلق والإيجاد وإذا قلت: أغثني یا رسول الله تريد الإسناد المجازی باعتبار التسبب والكسب والتوسط بالشفاعة وحينئذ يتعين تأويل المروي المذكور بما قلناه ولو تتبعنا کلام الأئمة وسلف الأمة وخلفها لوجدنا شيئا كثيرة من إسناد الاستغاثة والاستجارة إلى المخلوق بل في القرآن الشريف والأحاديث الصحيحة كثير من ذلك ومنه ما في سورة التوبة (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره) [سورة التوبة آية رقم 6] وما في سورة القصص (فأستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسی فقضى عليه) [سورة القصص آية رقم 15].
ثم قال تعالى: (فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه) [سورة القصص آية رقم 18] والاستصراخ في اللغة الإغاثة من الصراخ لأن المستغيث يصوت ويصرخ في طلب الغوث.
وفي الحديث الصحيح مفسرا الاستغاثة في القصة المذكورة قال الإسرائيلي لموسى أغثني من هذا العدو، وانصرني عليه فأغاثه بأن ضرب القبطي فقتله.
ومنه أيضا ما رواه البخاري في صحيحه في مبحث الحشر ووقوف الناس لحساب يوم القيامة بينما هم كذلك استغاثوا بآدم ثم موسی ثم بمحمد (صلى الله عليه وسلم) وعليهما فتأمل يا أخي التعبير باستجارك فاستغاثه واستنصره ويستصرخه وأغثني واستغاثوا فإن الاستخارة والاستغاثة والاستنصار بنبينا آدم وموسی عليهم الصلاة والسلام ما هي إلا مجازية والمستجار والمستنصر والمستغاث به حقيقة هو الله تعالى مع ذلك وقع إسناد ما ذكر إليهم. وكتب الشيخ داود على قوله تعالى: (فاستغاثه الذي من شيعيه على الذي من عدوه) [سورة القصص آية رقم 15] ما بعضه وجه الاستدلال بهذه الآية أي على جواز الاستغاثة بالمخلوق إن الله تعالی نسب الاستغاثة وهي طلب الغوث إلى يره من المخلوقات فلو كان ذلك ممنوعا لما جازت هذه النسبة.
وأما ما قيل أن هذا حي وله قدرة فنقول له: إن كان نسبة القدرة إليه على اعتقاد أنه الفاعل واستقلالا من دون الله تعالى فهو كفر وإن كان بقدرة الله تعالى وهو سبب ووسيلة فلا فرق بين الحي والميت، لأن الميت له تسبب بدعاء أو كرامة أو أن الله يقدره والجميع راجع إليه تعالى.
فتعين أن نسبة الإغاثة إلى الله تعالى على الحقيقة وإلى غيره على السبب والمجاز. أهـ.
وروى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وسلم) ذکر في قصة هاجر أم إسماعيل (عليه السلام) أنه لما أدركها وولدها العطش فجعلت تسعى في طلب الماء فسمعت صوتا ولا ترى شخصا فقالت: أغث إن كان عندك غوث. أهـ.
ذكر النبي (صلى الله عليه وسلم) هذا لأصحابه فلو كان طلب الغوث من غير الله تعالى ممنوعا أو شركا ما جاز لها استعماله ولما ذكره النبي (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه و لم ينكره ولما نقله الصحابة من بعده وذكره المحدثون لاسيما البخاري الذي اجتمعت الأمة على أنه ما بعد كتاب الله تعالى أصح من كتابه، فإن هذا الغائب الذي لبت منه الغوث وإن كان في الحقيقة هو ملك، لكن في حال غيبته محتمل أن يكون غير ملك والمانعون لا يجوزون الاستغاثة بالغائب مطلقا لا لنبي مرسل ولا ملك مقرب كما لا يجوزوها بالميت كما صرحوا بذلك في مواضع فلو يعلم النبي (صلى الله عليه وسلم) في ذلك محذورا لوجب التنبيه عليه خصوصا إذا كان شركا أكبر مخرجا من الملة كما يزعمه المانعون.
وأما جوابهم عن حديث الموقف السالف بأنه في القيامة فيكونون قد استغاثوا بمن له قدرة فمردود عليهم بأن الأنبياء في حال حياتهم الدنيوية لا قدرة لهم لا بنوع التسبب فكذلك بعد الموت مع أنهم أحياء في قبورهم يتسببون بالدعاء وغيره كما مر والخالق للأفعال في كل حال هو الله تعالى وحده.
على أن هؤلاء المانعين يستدلون على المنع بحديث الطبراني الذي فيه ذكر المنافق السابق فيقال لهم على فرض صحة الحديث أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد نفى فيه عن نفسه الاستغاثة وهو حي قادر على التسبب وكم سأله الصحابة أمورا لا يقدر عليها البشر فأعطاهم ما سألوا بتسبه عند ربه والله تعالى يفعل له فكيف يمنعون الاستغاثة بذلك الحديث ويثبتونها بحديث الموقف وهل هذا إلا تناقض فما كان جوابهم في حديث الحياة فهو الجواب في حال الممات والخلاف إنما هو في إطلاق اللفظ.
وقد ثبت بالنص القرآني وبالأحاديث الصحيحة وليس الخلاف في التأويل فإننا نقول به ولا نقول أن أحدا يفعل استقلالا من دون الله تعالى بل نكفر من يزعم ذلك.
هذا وأزيدك أنه صح عنه (صلى الله عليه وسلم) لمن ضل شيء أو أراد عونا وهو بأرض لا أنيس بها أن يقول: “يا عباد الله أعينوني”، وفي رواية: “أغيثوني” رواه الحافظان ابن الجزري والسيوطي والطبراني في كبيره بسند جيد وهو إرشاد منه (صلى الله عليه وسلم) للتوسل والاستغاثة بعباد الله الصالحين.
قال الشيخ علي القارئ في شرح الحصن والمراد بهم الملائكة أو المسلمون من الجن أو رجال الغيب المسمون بالأبدال.
وجاء في حديث قصة قارون لما خسف الله تعالى موسى حيث لم غيثه وقال له استغاث بك فلم تغثه لو استغاث بي لأغثه فإسناد الإغاثة إلى الله تعالى إسناد حقیقی وإسنادها إلى موسی مجازي.
وقد جاء من أسمائه (صلى الله عليه وسلم) التي هي توقيفية باتفاق غوث وغيث وغياث وشافع وشفيع ومضفع وشاف وهاد و منجي وناصر وكاشف الكرب وصاحب الفرج.
وقد تقرر في اللغة العربية أنه لا يسمى بالمشتق إلا من قام به معناه لأن من لم يقم به وصف لا يشتق له منه اسم فلا يقال قائم إلا لمن اتصف بالقيام مثلا وهكذا كما هو مقتضى قواعد اللغة فلم يسم (صلى الله عليه وسلم) بهذه الأسماء ونحوها من المشتقات إلا لوجود معناها فيه قطعا و«ال» الداخلة على الاسم المشتق للمح الأصل وهو الوصفية وحيث كان المسمى له هو الله تعالى فلا يصح أن يكون تسميته خالية عن ذلك المعنى وإلا لكانت عبثا وهو لا يقع مع الحكيم فتأمله.
قال العلامة المحقق في الجوهر وسبقه السيد السمهودي في خلاصة الوفاء وقد يكون معنى التوسل به (صلى الله عليه وسلم) طلب الدعاء منه إذ هو (صلى الله عليه وسلم) حي في قبره، يعلم سؤال من يسأله أي كبقية من جاءت الشريعة بحياتهم عند الله تعالى في قبورهم كما ستعرفه. .
وسيأتي حديث بلال بن الحارث الصحابي (رضي الله عنه) المذكور فيه أنه جاء إلى قبره (صلى الله عليه وسلم) وقال: يا رسول الله استسق لأمتك أي أدع الله لهم وهو مروي عند البيهقي وابن أبي شيبة بسند صحيح. فعلم منه أنه (صلى الله عليه وسلم) لا يطلب منه الدعاء بحصول الحاجات كما كان يطلب منه في حياته بسؤال من يسأله مع قدرته على التسبب في حصول ما سئل فيه بسؤاله ودعائه وشفاعته إلى ربه عز وجل. فقد اتضح من هذه النصوص القرآنية والأحاديث النبوية والآثار المروية عن سلف الأمة وخلفها أن التوسل بنبينا (صلى الله عليه وسلم) وبغيره من الأكابر والاستغاثة بهم وطلب الشفاعة منهم ثابتة عنهم قطعا في الحياة وبعد الممات بلا شك ولا مرية وإن ذلك كزيارتهم ولو بالسفر من أعظم القربات وإن جعل النبي والصالح متسببا لا مانع منه شرعا ولا عقلا، لأن ذلك كله بإذن الله تعالى ومن أقر بالكرامة من الصالحين كما هو مذهب أهل السنة والجماعة وإما بإذن الله تعالى لم يجد بدا من اعترافه بجواز ذلك ووقوعه وكيف لا والآيات القرآنية والأحاديث النبوية قد عاضدته والآثار قد ساعدته ومن جعل الله فيه قدرة كاسبة للفعل مع اعتقاد أنه تعالى هو الخالق كيف يمتنع عليه طلب ذلك الشئ، وما هنا من قبيل ذلك فإن الله تعالى قد قرب أنبياءه ورسله وصالحي عباده وأوجب على الخلق برهم وتعظيمهم وقد خلق فيهم قوة كاسبة أقلها الدعاء لمن تسبب بهم في إنفاذ مسئولهم وهم في برازخهم ودار كرامتهم وتفضل الله تعالى بكل ذلك عليهم،. والكلام إنما هو في إطلاق الألفاظ فافهم والله سبحانه يتولى هداك.
وقال العلامة المحقق أيضا: وقد علم مما ذكرناه أنه (صلى الله عليه وسلم) يتوسل به في كل خير قبل بروزه لهذا العالم وبعده في حياته وبعد وفاته وسيكون التوسل به أيضا بعد البعث في عرصات القيامة أي أي موطنها فيشفع إلى ربه وكل هذا مما تواترت به الأخبار وقام عليه الإجماع قبل ظهور المانعين منه فهو (صلى الله عليه وسلم) له الجاه الوسيع والقدر المنيع عند سيده ومولاه المنعم عليه بما حباه وأولاه. أه.
ولو تتبعنا ما وقع من أكابر الأمة صحابة وغيرهم في التوسل والاستغاثة والتشفع بمن له قدر عند الله تعالى لامتلأت بذلك الصحف وفيما ذکر کفاية ومقته لمن كان بمرائي له مع التوقيف ومسمع إن شاء الله تعالى. وبهذا يبطل ما فتراه الوهابيون فيما نقله عنهم نعمان الألوسي جلائه من أنه يمتنع أن يطلب من الأنبياء شيء بعد وفاتهم سواء كان بلفظ استغاثة أو توجه أو استشفاع أو غير ذلك لأن جميعه من وظائف الألوهية فلا يليق جعله لمن يتصف بالعبودية. أه.
ومما يبطله أيضا ما سنذكره في الأجوبة عن شبههم السابقة أول الباب فكن على بصيرة.
وقد قال العلامة المجتهد الإمام البلقيني في جواب سؤال رفع إليه فيمن قال مادحا النبي (صلى الله عليه وسلم):
فاشفع لقائلها يا من شفاعته … تفك من هو مكبوت ومكبول
فاعترضه معترض بأن سؤال النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يرد فقال: في الجواب عن ذلك: الله الله الله لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن لقد ارتكب هذا المعرض من قبائح أتى بها على أنها نصائح فجاءت عليه فضائح ولقد أخطأ فيها وما أصاب وكثر به وبأمثاله المصاب إلى أن قال ولقد جهل جهلا قبيحا بقوله فأما سؤال النبي (صلى الله عليه وسلم) نفسه فلا كيف لا نسأله وهو وسيلتنا ووسيلة أبينا من قبلنا إلى ربنا جل جلاله وقد سأله عكاشة وغيره من الصحابة كما ثبت في الصحيح إلى آخر كلامه.
وقال الحافظ الذهبي في كتابه ذيل العير بأخبار من غبر أنه في سنة 725 ضرب بمصر الشهاب بن مري التميمي وسجن ثم نفى لنهيه عن الاستغاثة والتوسل بأحد غير الله تعالى ومقت لذلك، ثم فر إلى الجزيرة وأقام بها سنين، أه.
وقال الجاحظ السيوطي في المستقصى في فضائل المسجد الأقصى أثناء الكلام في بحث زيارة الخليل (عليه السلام) ما صورته: ويقول يا نبي الله إني متوجه بك إلى ربي في حوائجي لتقضى لي – إلى أن قال – ثم يتوجه إلى الله تعالى بجميع أنبيائه خصوصا سيد الأولين والآخرين سيدنا محمدا (صلى الله عليه وسلم) ثم قال: عن کعب ولا يتوسل أحد بإبراهيم (عليه السلام) إلا أعطاه الله ما سأل وأضعف له ذلك زيادة لكرامة إبراهيم (عليه السلام).
وحدث الحسن بن موسی بن الحسن التاجر قال حدثني رجل من أهل بعلبك قال زرنا إبراهيم الخليل (عليه السلام) وكان معنا رجل مفضل من أهل بعلبك فسماه وقد زار قبر إبراهيم الخليل (عليه السلام) وهو يبكي ويقول حبيبي إبراهيم سئل ربك يكفني ثلاثا فاهم يؤذنيني ثم رجعنا إلى يافا فوصل قارب من بيروت فحدثنا أن الثلاثة الذين سماهم ماتوا . أهـ.
وقال العلامة المحقق في الجوهر المنظم من خرافات ابن تميمة التي لم يقلها عالم قبله وصار ما بين الأنام مثله انه أنكر الاستغاثة والتوسل به (صلى الله عليه وسلم) وليس كما افترى بل التوسل به حسن في كل حال قبل خلقه وبعده في الدنيا والآخرة ومما يدل لطلب التوسل به (صلى الله عليه وسلم) قبل خلقه وإن ذلك سيرة السلف الصالح والأنبياء والأولياء وغيرهم ما أخرجه لحاكم وصححه فقول ابن تيمية لا أصل له من افترائه ثم ذكر حديث توسل آدم به (صلى الله عليه وسلم) لما اقترف الخطيئة إلى آخر ما ذكر مما أسلفناه انتهى.