Hukum Obat Haram atau Najis
Hukum berobat dengan obat yang berasal dari barang haram seperti babi atau najis seperti khamar, kencing unta, daging monyet, dll apakah haram atau halal. Kalau halal dalam kondisi apa saja syarat bolehnya tersebut?
Hukum berobat dengan obat yang berasal dari barang haram seperti babi atau najis seperti khamar, kencing unta, daging monyet, dll apakah haram atau halal. Kalau halal dalam kondisi apa saja syarat bolehnya tersebut?
حكم التداوي بالمحرم أو النجس
د. عبود بن علي بن درع*
وقد اتفق الفقهاء على حرمة التداوي بالمحرم أو النجس في حال الاختيار، بأن لم تكن ثمة ضرورة إليه، لوجود الدواء المباح الذي يقوم مقامه في علاج الداء، أو لعدم تعينه في معالجته[1].
أما إذا دعت الضرورة إلى التداوي به، بأن أخبر طبيب مسلم عدل ثقة حاذق بالطب، أن فيه شفاء للمريض، وأنه لا يجدي غيره من الأدوية المباحة في شفائه، فقد اختلف الفقهاء في حكم التداوي به على مذهب:
القول الأول: يرى أصحابه جواز التداوي بالمحرم أو النجس، على تفصيل بين بعضهم في ذلك.
إلى هذا ذهب بعض الحنفية، إذ يرون جواز الاستشفاء بالحرام، إذا أخبر طبيب مسلم أن فيه شفاء للمريض، ولم يوجد دواء مباح يقوم مقامه في التداوي به من المرض، وما عليه مذهب الشافعية وقطع به جمهورهم، هو جواز التداوي بالنجاسات مطلقاً غير المسكر، إذا لم يوجد طاهر يقوم مقامها في التداوي، وكان المتداوي عارفاً بالطب، يعرف أنه لا يقوم غير النجس مقامه في المداواة، أو كان يعرف ذلك من تجربة سابقة له مع المرض، أو أخبره طبيب مسلم بذلك، ومذهب الظاهرية جواز التداوي بالمحرم والنجس حاشا لحوم بني آدم وما يقتل من تناوله، فلا يحل التداوي به وإن دعت إليه الضرورة[2].
القول الثاني: يرى من ذهب إليه حرمة التداوي بالمحرم أو النجس ، على تفصيل بين بعضهم في ذلك.
إلى هذا ذهب جمهور الحنفية، ويرى المالكية عدم جواز التداوي بالنجاسة في ظاهر الجسم أو باطنه، ولا بشيء مما حرم الله سبحانه، وثمة وجه في مذهب الشافعية وصفه النووي بالشذوذ، أنه لا يجوز التداوي بالنجاسات مطلقاً، ومذهب الحنابلة عدم جواز التداوي بالمحرم ولا بشيء فيه محرم[3].
أدلة المذهبين : استدل أصحاب المذهب الأول على جواز التداوي بالمحرم أو النجس عند الضرورة إليه بما يلي:
أولاً: الكتاب الكريم:
قال تعالى: { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليهْ}[4].
وجه الدلالة من الآية: أسقط الله سبحانه تحريم ما فصل تحريمه عند الضرورة إليه، فكل محرم هو عند الضرورة حلال، والتداوي بمنزلة الضرورة، فيباح فيه تناول المحرمات للتداوي بها.
ثانياً: السنة النبوية المطهرة:
1- روي عن أنس – رضي الله عنه – قال: « إن رهطاً من عرينة أتوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا إنا اجتوينا المدينة، وعظمت بطوننا، وارتهست أعضادنا، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم -أن يلحقوا براعي الإبل، فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فلحقوا براعي الإبل، فشربوا من أبوالها وألبانها، حتى صلحت بطونهم وأبدانهم، ثم قتلوا الراعي وساقوا الإبل، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -فبعث في طلبهم، فجيء بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم، وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون»[5].
وجه الدالة منه:
رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لهؤلاء القوم بشرب أبوال الإبل، على سبيل التداوي مما أصابهم من مرض، وقد صحت أبدانهم بعد شربه، والتداوي بالأبوال هو من قبيل التداوي بالنجس عند من يرى نجاسة البول ولو كان من مأكول اللحم، وقد قال به جابر بن زيد، والحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وحماد، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، وجمهور الشافعية[6]، وهو من قبيل التداوي بالمحرم كذلك إذ أجمع الفقهاء على حرمة تناول الأبوال عامة حال الاختيار[7].
اعترض على الاستدلال به:
قال العيني والمرغيناني : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -خص العرنيين بذلك، لما عرف من طريق الوحي أن شفاؤهم فيه، فهو خاص بهؤلاء العرنيين، أو لأنهم كانوا كفاراً في علم الله تعالى، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -علم عن طريق الوحي أنهم يموتون على الردة، ولا يبعد أن يكون شفاء الكافر بالنجس[8].
أجيب عن هذا الاعتراض:
قال ابن المنذر: من زعم أن هذا الحكم خاص بأولئك الأقوام، فلم يصب، إذ الخصائص لا تثبت إلا بدليل، ويؤيد هذا تقرير أهل العلم استعمال الناس أبوال الإبل في أدويتهم قديماً وحديثاً، وعدم إنكارهم ذلك[9].
2- روي عن أنس – رضي الله عنه – قال: إن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام، شكوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -القمل، فرخص لهم في قمص الحرير في غزاة لهما، وفي رواية أخرى بلفظ : « رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم -لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام في القمص الحرير في السفر، من حكة كانت بهما أو وجع»[10].
وجه الدلالة منه:
رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم -لهذين الصحابيين في لبس الحرير، بسبب ما أصابهما من حكة، لتوالد الهوام في ثيابهما، والحرير مما يحرم على الرجال لبسه حال الاختيار بالإجماع[11]، فدل الحديث على حل التداوي بالمحرم عند الضرورة إليه.
اعترض على الاستدلال به:
قال المرغيناني: إن هذه الرخصة خاصة بهذين الصحابيين، فلا يلحق بهما غيرهما[12].
أجب عن هذا الاعتراض :
قال ابن القيم : إن دعوى تخصيص هذين الصحابيين بهذه الرخصة على خلاف الأصل، إذ الأصل عدم تخصيص الرخصة، فإذا ثبتت في حق بعض الأمة لمعنى، تعدت إلى كل من وجد فيه هذا المعنى، إذ الحكم يعم بعموم سببه، والصحيح عموم هذه الرخصة، لأنه عرف خطاب الشارع في ذلك، ما لم يصرح بالتخصيص، وعدم إلحاق غير من رخص له أولاً به[13].
استدل أصحاب المذهب الثاني على ما ذهبوا إليه من حرمة التداوي بالمحرم أو النجس، وإن دعت إليه الضرورة، بما يلي:
أولاً : الكتاب الكريم:
قال تعالى: {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث}[14].
وجه الدلالة من الآية: أفادت الآية الكريمة أن الشارع حرم تناول كل خبيث، ولو كان هذا لأجل التداوي به، سواء كان خبثه لنجاسته أو لغيرها.
ثانياً: السنة النبوية المطهرة:
1- روي عن أم سلمة – رضي الله عنها – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال: إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها[15].
2- روي عن أبي الدرداء – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال: إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تتداووا بحرام[16].
وجه الدلالة منهما:
نفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -في حديث أم سلمة أن يكون فيما حرم الله تعالى دواء، فدل على عدم جواز التداوي به، لعدم الفائدة منه ولا أثر له في الشفاء من الأمراض، ونهى في حديث أبي الدرداء عن التداوي بالمحرم، والنهي يفيد التحريم عند الإطلاق، لأنه حقيقته، فأفاد كسابقه حرمة التداوي بالمحرم.
تأول بعض العلماء هذين الحديثين:
قال البيهقي: هذان الحديثان إن قيل بصحتهما يحملان على النهي عن التداوي بالمسكر أو على التداوي بكل محرم في غير حال الضرورة إلى التداوي به، جمعاً بينها وبين حديث العرنيين[17].
ثالثاً: المعقول:
إن الله تعالى إنما حرم ما حرمه على هذه الأمة لخبثه، حماية وصيانة لها عن تناوله، فلا يناسب هذا أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل، فإنه إن أثر في إزالتها أعقب سقماً أعظم منها في القلب ، بقوة الخبث الذي فيه، فمن يتداوى به يكون قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب.
المناقشة والترجيح:
إن الذي تركن النفس إليه من هذين القولين - بعد الوقوف على أدلتهما- وما اعترض به على بعضها، وما أجيب به عن بعض هذه الاعتراضات – هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، من جواز التداوي بالمحرم في الجملة، إذا ثبت أن فيه دواء لداء معين، ودعت إليه الضرورة، بأن لم يوجد دواء مباح يقوم مقامه في التداوي به من المرض، ووصف الدواء المحرم طبيب مسلم عدل ثقة حاذق بالطب ، أو كان المريض يعلم أنه لا ينفع في مرضه إلا هذا الدواء المحرم، لمعرفته بالطب، أو لتجربة سابقة له مع هذا المرض، ولم يكن في التدوي به اعتداء على حياة معصوم الدم أو صحته، وكان الغالب من استعمال هذا الدواء السلامة لمن يستعمله، وذلك لما استدل به أصحاب هذا المذهب من الكتاب الكريم والسنة المطهرة.
*أستاذ الفقه المساعد في جامعة خالد بأبها.
[1] تكملة البحر الرائق 8/237 ، كفاية الطالب الرباني 2/453 روضة الطالبين 3/285 مطالب أولي النهي
6/318، المحلى 7/426.
[2] رد المحتار 4/15، المجموع 9/50، مغني المحتاج 4/188، المحلى 7/426.
[3] رد المحتار 4/215، تكملة البحر الرائق 8/237، ابن رشد: المقدمات الممهدات 3/466، الكافي في فقه أهل المدينة /188، المجموع 9/50، مغني المحتاج 4/188، المغني 8/ 605، كشاف القناع 6/200.
[4] من الآية 119 من سورة الأنعام.
[5] الرهط : جماعة الرجال من ثلاثة إلى عشرة، وعرينة: حي من بجيلة، والجوى داء السل وتطاول المرض، ويطلق على داء الصدر واجتواه: أي كرهه، واجتووا المدينة: أي لم يوافقهم طعامها، أو كرهوا الإقامة بها واستوخموها، ومعنى ارتهست أعضادنا: أي اصطكت، والحرة: أرض ذات حجارة سود بظاهر المدينة المنورة العيني: عمدة القاري 21/234، والحديث أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين صحيح البخاري 4/9 صحيح مسلم 11/154.
[6] العناية 1/101، 102، الشيرازي : المهذب 1/46، المحلى 1/222، عمدة القاري 3/33.
[7] الهداية والعناية 1/1010، 102، رد المحتار 4/215، حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني 2/453، المجموع 9/50، حاشية الباجوري على ابن القاسم 2/302، المغني 8/596، كشاف القناع 6/189، المحلى 1/168، 7/398، عمدة القاري 2/33 ، 17/312.
[8] الهداية مع فتح القدير عليه 1/102 عمدة القاري.
[9] نيل الأوطار 1/149.
[10]أخرجه الشيخان في الصحيحين ، صحيح البخاري 4/32، صحيح مسلم 2/234.
[11]حكى هذا الإجماع كثير من العلماء، منهم: ابن رشد الجد، وابن عبدالبر، وابن قدامة، المقدمات الممهدات،
3/430، ابن رشد الجد: البيان والتحصيل 18/617، مغني المحتاج 1/306، المغني 1/626.
[12]الهداية مع فتح القدير عليه 1/102.
[13]ابن القيم : زاد المعاد 3/88.
[14]من الآية 157 من سورة الأعراف.
[15]أخرجه ابن حبان في صحيحه وصححه، وأخرجه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وأخرجه البيهقي في سننه وسكت عنه ابن بلبان: الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان 10/69، الحاكم: المستدرك 4/218 البيهقي : السنن الكبرى 5/10.
[16]أخرجه البيهقي وأبو داود في سننيهما وسكتا عنه، وقال الشوكاني: في إسناده إسماعيل بن عياش وفيه مقال، إلا أنه إذا حدث عن الشاميين فهو ثقة، وقد حدث هنا عن ثعلبة بن مسلم وهو شامي، عن أبي عمران الأنصاري، وهو أيضاً شامي، وأخرجه الطبراني في الكبير من حديث أم الدرداء ترفعه، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، وقال: صحيح الإسناد، السنن الكبرى 5/10، سنن أبي داود 3/335، المعجم الكبير 24/254، مجمع الزوائد 5/86، نيل الأوطار 9/93.
[17]السنن الكبرى 5/10.
رابط
حكم التداوي بالمحرم أو النجس
د. عبود بن علي بن درع*
وقد اتفق الفقهاء على حرمة التداوي بالمحرم أو النجس في حال الاختيار، بأن لم تكن ثمة ضرورة إليه، لوجود الدواء المباح الذي يقوم مقامه في علاج الداء، أو لعدم تعينه في معالجته[1].
أما إذا دعت الضرورة إلى التداوي به، بأن أخبر طبيب مسلم عدل ثقة حاذق بالطب، أن فيه شفاء للمريض، وأنه لا يجدي غيره من الأدوية المباحة في شفائه، فقد اختلف الفقهاء في حكم التداوي به على مذهب:
القول الأول: يرى أصحابه جواز التداوي بالمحرم أو النجس، على تفصيل بين بعضهم في ذلك.
إلى هذا ذهب بعض الحنفية، إذ يرون جواز الاستشفاء بالحرام، إذا أخبر طبيب مسلم أن فيه شفاء للمريض، ولم يوجد دواء مباح يقوم مقامه في التداوي به من المرض، وما عليه مذهب الشافعية وقطع به جمهورهم، هو جواز التداوي بالنجاسات مطلقاً غير المسكر، إذا لم يوجد طاهر يقوم مقامها في التداوي، وكان المتداوي عارفاً بالطب، يعرف أنه لا يقوم غير النجس مقامه في المداواة، أو كان يعرف ذلك من تجربة سابقة له مع المرض، أو أخبره طبيب مسلم بذلك، ومذهب الظاهرية جواز التداوي بالمحرم والنجس حاشا لحوم بني آدم وما يقتل من تناوله، فلا يحل التداوي به وإن دعت إليه الضرورة[2].
القول الثاني: يرى من ذهب إليه حرمة التداوي بالمحرم أو النجس ، على تفصيل بين بعضهم في ذلك.
إلى هذا ذهب جمهور الحنفية، ويرى المالكية عدم جواز التداوي بالنجاسة في ظاهر الجسم أو باطنه، ولا بشيء مما حرم الله سبحانه، وثمة وجه في مذهب الشافعية وصفه النووي بالشذوذ، أنه لا يجوز التداوي بالنجاسات مطلقاً، ومذهب الحنابلة عدم جواز التداوي بالمحرم ولا بشيء فيه محرم[3].
أدلة المذهبين : استدل أصحاب المذهب الأول على جواز التداوي بالمحرم أو النجس عند الضرورة إليه بما يلي:
أولاً: الكتاب الكريم:
قال تعالى: { وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليهْ}[4].
وجه الدلالة من الآية: أسقط الله سبحانه تحريم ما فصل تحريمه عند الضرورة إليه، فكل محرم هو عند الضرورة حلال، والتداوي بمنزلة الضرورة، فيباح فيه تناول المحرمات للتداوي بها.
ثانياً: السنة النبوية المطهرة:
1- روي عن أنس – رضي الله عنه – قال: « إن رهطاً من عرينة أتوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا إنا اجتوينا المدينة، وعظمت بطوننا، وارتهست أعضادنا، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم -أن يلحقوا براعي الإبل، فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فلحقوا براعي الإبل، فشربوا من أبوالها وألبانها، حتى صلحت بطونهم وأبدانهم، ثم قتلوا الراعي وساقوا الإبل، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -فبعث في طلبهم، فجيء بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم، وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون»[5].
وجه الدالة منه:
رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لهؤلاء القوم بشرب أبوال الإبل، على سبيل التداوي مما أصابهم من مرض، وقد صحت أبدانهم بعد شربه، والتداوي بالأبوال هو من قبيل التداوي بالنجس عند من يرى نجاسة البول ولو كان من مأكول اللحم، وقد قال به جابر بن زيد، والحسن البصري، وسعيد بن المسيب، وحماد، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، وجمهور الشافعية[6]، وهو من قبيل التداوي بالمحرم كذلك إذ أجمع الفقهاء على حرمة تناول الأبوال عامة حال الاختيار[7].
اعترض على الاستدلال به:
قال العيني والمرغيناني : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -خص العرنيين بذلك، لما عرف من طريق الوحي أن شفاؤهم فيه، فهو خاص بهؤلاء العرنيين، أو لأنهم كانوا كفاراً في علم الله تعالى، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -علم عن طريق الوحي أنهم يموتون على الردة، ولا يبعد أن يكون شفاء الكافر بالنجس[8].
أجيب عن هذا الاعتراض:
قال ابن المنذر: من زعم أن هذا الحكم خاص بأولئك الأقوام، فلم يصب، إذ الخصائص لا تثبت إلا بدليل، ويؤيد هذا تقرير أهل العلم استعمال الناس أبوال الإبل في أدويتهم قديماً وحديثاً، وعدم إنكارهم ذلك[9].
2- روي عن أنس – رضي الله عنه – قال: إن عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام، شكوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -القمل، فرخص لهم في قمص الحرير في غزاة لهما، وفي رواية أخرى بلفظ : « رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم -لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام في القمص الحرير في السفر، من حكة كانت بهما أو وجع»[10].
وجه الدلالة منه:
رخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم -لهذين الصحابيين في لبس الحرير، بسبب ما أصابهما من حكة، لتوالد الهوام في ثيابهما، والحرير مما يحرم على الرجال لبسه حال الاختيار بالإجماع[11]، فدل الحديث على حل التداوي بالمحرم عند الضرورة إليه.
اعترض على الاستدلال به:
قال المرغيناني: إن هذه الرخصة خاصة بهذين الصحابيين، فلا يلحق بهما غيرهما[12].
أجب عن هذا الاعتراض :
قال ابن القيم : إن دعوى تخصيص هذين الصحابيين بهذه الرخصة على خلاف الأصل، إذ الأصل عدم تخصيص الرخصة، فإذا ثبتت في حق بعض الأمة لمعنى، تعدت إلى كل من وجد فيه هذا المعنى، إذ الحكم يعم بعموم سببه، والصحيح عموم هذه الرخصة، لأنه عرف خطاب الشارع في ذلك، ما لم يصرح بالتخصيص، وعدم إلحاق غير من رخص له أولاً به[13].
استدل أصحاب المذهب الثاني على ما ذهبوا إليه من حرمة التداوي بالمحرم أو النجس، وإن دعت إليه الضرورة، بما يلي:
أولاً : الكتاب الكريم:
قال تعالى: {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث}[14].
وجه الدلالة من الآية: أفادت الآية الكريمة أن الشارع حرم تناول كل خبيث، ولو كان هذا لأجل التداوي به، سواء كان خبثه لنجاسته أو لغيرها.
ثانياً: السنة النبوية المطهرة:
1- روي عن أم سلمة – رضي الله عنها – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال: إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها[15].
2- روي عن أبي الدرداء – رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال: إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تتداووا بحرام[16].
وجه الدلالة منهما:
نفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -في حديث أم سلمة أن يكون فيما حرم الله تعالى دواء، فدل على عدم جواز التداوي به، لعدم الفائدة منه ولا أثر له في الشفاء من الأمراض، ونهى في حديث أبي الدرداء عن التداوي بالمحرم، والنهي يفيد التحريم عند الإطلاق، لأنه حقيقته، فأفاد كسابقه حرمة التداوي بالمحرم.
تأول بعض العلماء هذين الحديثين:
قال البيهقي: هذان الحديثان إن قيل بصحتهما يحملان على النهي عن التداوي بالمسكر أو على التداوي بكل محرم في غير حال الضرورة إلى التداوي به، جمعاً بينها وبين حديث العرنيين[17].
ثالثاً: المعقول:
إن الله تعالى إنما حرم ما حرمه على هذه الأمة لخبثه، حماية وصيانة لها عن تناوله، فلا يناسب هذا أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل، فإنه إن أثر في إزالتها أعقب سقماً أعظم منها في القلب ، بقوة الخبث الذي فيه، فمن يتداوى به يكون قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب.
المناقشة والترجيح:
إن الذي تركن النفس إليه من هذين القولين - بعد الوقوف على أدلتهما- وما اعترض به على بعضها، وما أجيب به عن بعض هذه الاعتراضات – هو ما ذهب إليه أصحاب القول الأول، من جواز التداوي بالمحرم في الجملة، إذا ثبت أن فيه دواء لداء معين، ودعت إليه الضرورة، بأن لم يوجد دواء مباح يقوم مقامه في التداوي به من المرض، ووصف الدواء المحرم طبيب مسلم عدل ثقة حاذق بالطب ، أو كان المريض يعلم أنه لا ينفع في مرضه إلا هذا الدواء المحرم، لمعرفته بالطب، أو لتجربة سابقة له مع هذا المرض، ولم يكن في التدوي به اعتداء على حياة معصوم الدم أو صحته، وكان الغالب من استعمال هذا الدواء السلامة لمن يستعمله، وذلك لما استدل به أصحاب هذا المذهب من الكتاب الكريم والسنة المطهرة.
*أستاذ الفقه المساعد في جامعة خالد بأبها.
[1] تكملة البحر الرائق 8/237 ، كفاية الطالب الرباني 2/453 روضة الطالبين 3/285 مطالب أولي النهي
6/318، المحلى 7/426.
[2] رد المحتار 4/15، المجموع 9/50، مغني المحتاج 4/188، المحلى 7/426.
[3] رد المحتار 4/215، تكملة البحر الرائق 8/237، ابن رشد: المقدمات الممهدات 3/466، الكافي في فقه أهل المدينة /188، المجموع 9/50، مغني المحتاج 4/188، المغني 8/ 605، كشاف القناع 6/200.
[4] من الآية 119 من سورة الأنعام.
[5] الرهط : جماعة الرجال من ثلاثة إلى عشرة، وعرينة: حي من بجيلة، والجوى داء السل وتطاول المرض، ويطلق على داء الصدر واجتواه: أي كرهه، واجتووا المدينة: أي لم يوافقهم طعامها، أو كرهوا الإقامة بها واستوخموها، ومعنى ارتهست أعضادنا: أي اصطكت، والحرة: أرض ذات حجارة سود بظاهر المدينة المنورة العيني: عمدة القاري 21/234، والحديث أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين صحيح البخاري 4/9 صحيح مسلم 11/154.
[6] العناية 1/101، 102، الشيرازي : المهذب 1/46، المحلى 1/222، عمدة القاري 3/33.
[7] الهداية والعناية 1/1010، 102، رد المحتار 4/215، حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني 2/453، المجموع 9/50، حاشية الباجوري على ابن القاسم 2/302، المغني 8/596، كشاف القناع 6/189، المحلى 1/168، 7/398، عمدة القاري 2/33 ، 17/312.
[8] الهداية مع فتح القدير عليه 1/102 عمدة القاري.
[9] نيل الأوطار 1/149.
[10]أخرجه الشيخان في الصحيحين ، صحيح البخاري 4/32، صحيح مسلم 2/234.
[11]حكى هذا الإجماع كثير من العلماء، منهم: ابن رشد الجد، وابن عبدالبر، وابن قدامة، المقدمات الممهدات،
3/430، ابن رشد الجد: البيان والتحصيل 18/617، مغني المحتاج 1/306، المغني 1/626.
[12]الهداية مع فتح القدير عليه 1/102.
[13]ابن القيم : زاد المعاد 3/88.
[14]من الآية 157 من سورة الأعراف.
[15]أخرجه ابن حبان في صحيحه وصححه، وأخرجه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط الشيخين، وأخرجه البيهقي في سننه وسكت عنه ابن بلبان: الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان 10/69، الحاكم: المستدرك 4/218 البيهقي : السنن الكبرى 5/10.
[16]أخرجه البيهقي وأبو داود في سننيهما وسكتا عنه، وقال الشوكاني: في إسناده إسماعيل بن عياش وفيه مقال، إلا أنه إذا حدث عن الشاميين فهو ثقة، وقد حدث هنا عن ثعلبة بن مسلم وهو شامي، عن أبي عمران الأنصاري، وهو أيضاً شامي، وأخرجه الطبراني في الكبير من حديث أم الدرداء ترفعه، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، وقال: صحيح الإسناد، السنن الكبرى 5/10، سنن أبي داود 3/335، المعجم الكبير 24/254، مجمع الزوائد 5/86، نيل الأوطار 9/93.
[17]السنن الكبرى 5/10.
رابط