Ta'wil Quran dan Hadits oleh Salafus Soleh
Ta'wil ayat Quran dan Hadits oleh Salafus Soleh yang terkait nash mutasyabihat yakni yang menyebut sifat-sifat Allah yang menyerupai sifat manusia. Intinya, para Sahabat, Tabi'in dan Tabi'it tabi'in juga melakukan takwil atau pengalihan makna dari kata zahirnya.
Ta'wil ayat Quran dan Hadits oleh Salafus Soleh yang terkait nash mutasyabihat yakni yang menyebut sifat-sifat Allah yang menyerupai sifat manusia. Intinya, para Sahabat, Tabi'in dan Tabi'it tabi'in juga melakukan takwil atau pengalihan makna dari kata zahirnya.
CONTOH GENERASI SALAF MENTAKWIL NASH QURAN DAN SUNNAH
PENJELASAN ULAMA TENTANG TAKWIL ITU PERLU
قال الشافعي عن القرآن: "وأن منه ظاهراً يُعرف في سياقه أنه يراد به غير ظاهره".[47][48]
وقال الإمام أبو إسحاق الشاطبي في كتابه الموافقات: "اتباع ظواهر القرآن على غير تدبر ولا نظر في مقاصده ومعاقده والقطع بالحكم به ببادئ الرأي والنظر الأول... معلوم أن هذا الرأي يصد عن اتباع الحق المحض ويضاد المشي على الصراط المستقيم... ألا ترى أن من جرى على مجرد الظاهر تناقضت عليه الصور والآيات وتعارضت في يديه الأدلة على الإطلاق والعموم".[49]
وقال إمام الحرمين الجويني: "لو بقي الناس على ما كانوا عليه لم نؤمر بالاشتغال بعلم الكلام، أما الآن فقد كثرت البدع فلا سبيل إلى ترك أمواج الفتن تلتطم".[5]
وقال الإمام الغزالي في إلجام العوام: "لما كان زمان السلف الأول زمان سكون القلب، بالغوا في الكف عن التأويل خيفة من تحريك الدواعي وتشويش القلوب، فمن خالفهم في ذلك الزمان فهو الذي حرك الفتنة وألقى الشكوك في القلوب، مع الاستغناء عنه، فباء بالإثم. أما الآن فقد فشا ذلك، فالعذر في إظهار شيء من ذلك، رجاء لإماطة الأوهام الباطلة عن القلوب أظهر، واللوم عن قائله أقل".[50]
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: "أكثر السلف لعدم ظهور أهل البدع في أزمنتهم يفوضون علمها – آيات الصفات – إلى الله تعالى مع تنزيهه سبحانه عن ظاهرها الذي لا يليق بجلال ذاته، وأكثر الخلف يؤولونها بحملها على محامل تليق بذلك الجلال الأقدس والكمال الأنفس، لاضطرارهم إلى ذلك لكثرة أهل الزيغ والبدع في أزمنتهم".[5]
وقال الإمام العز بن عبد السلام: "وليس الكلام في هذا - يعني التأويل - بدعة قبيحة، وإنما الكلام فيه بدعة حسنة واجبة لَمَّا ظهرت الشبهة، وإنما سكت السلف عن الكلام فيه إذ لم يكن في عصرهم من يحمل كلام الله وكلام رسوله على ما لا يجوز حمله عليه، ولو ظهرت في عصرهم شبهة لكذبوهم وأنكروا عليهم غاية الإنكار، فقد رد الصحابة والسلف على القدرية لما أظهروا بدعتهم، ولم يكونوا قبل ظهورهم يتكلمون في ذلك".[51] ورجّح الإمام العز بن عبد السلام طريقة التأويل فقال: "طريقة التأويل بشرطها أقربها إلى الحق" وعلق الإمام مرتضى الزبيدي على قول العز بقوله "ويعني بشرطها أن يكون على مقتضى لسان العرب".[52]
وقال الإمام ملا علي القاري الحنفي في كتابه (مرقاة المفاتيح) معتذراً عن علماء الأمة لأخذهم بالتأويل: "ولم يريدوا بذلك مخالفة السلف الصالح - معاذ الله أن يظن بهم ذلك - وإنما دعت الضرورة في أزمنتهم لذلك، لكثرة المجسمة والجهمية وغيرها من فرق الضلال، واستيلائهم على عقول العامة، فقصدوا بذلك ردعهم وبطلان قولهم، ومن ثم اعتذر كثير منهم وقالوا: لو كنا على ما كان عليه السلف الصالح من صفاء العقائد وعدم المبطلين في زمنهم لم نخض في تأويل شيء من ذلك".[53] وقال أيضاً: "اتفق السلف والخلف على تنزيه الله تعالى عن ظواهر المتشابهات المستحيلة على الله تعالى... وخاض أكثر الخلف في التأويل لكن غير جازمين بأن هذا هو مراد الله تعالى من تلك النصوص، وإنما قصدوا بذلك صرف العامة عن اعتقاد ظواهر المتشابه، والرد على المبتدعة المتمسكين بأكثر تلك الظواهر".[54]
وقال الإمام تاج الدين السبكي في كتابه طبقات الشافعية الكبرى: "...ثم أقول للأشاعرة قولان مشهوران في إثبات الصفات، هل تمر على ظاهرها مع اعتقاد التنزيه، أو تئول؟ والقول بالإمرار مع اعتقاد التنزيه هو المعزو إلى السلف، وهو اختيار الإمام في الرسالة النظامية (يقصد إمام الحرمين الجويني)، وفي مواضع من كلامه، فرجوعه معناه الرجوع عن التأويل إلى التفويض، ولا إنكار في هذا، ولا في مقابله، فإنها مسألة اجتهادية، أعني مسألة التأويل أو التفويض مع اعتقاد التنزيه. إنما المصيبة الكبرى والداهية الدهياء الإمرار على الظاهر، والاعتقاد أنه المراد، وأنه لا يستحيل على الباري، فذلك قول المجسمة عباد الوثن، الذين في قلوبهم زيغ يحملهم الزيغ على اتباع المتشابه، ابتغاء الفتنة، عليهم لعائن الله تترى واحدة بعد أخرى، ما أجرأهم على الكذب، وأقل فهمهم للحقائق".[55]
وقال الحافظ ابن عساكر في كتابه تبيين كذب المفتري: "فإنهم – يعني الأشاعرة – بحمد الله ليسوا معتزلة، ولا نفاة لصفات الله معطلة، لكنهم يثبتون له سبحانه ما أثبته لنفسه من الصفات، ويصفونه بما اتصف به في محكم الآيات، وبما وصفه به نبيّه صلى الله عليه وسلم في صحيح الروايات وينزهونه عن سمات النقص والآفات، فإذا وجدوا من يقول بالتجسيم أو التكييف من المجسمة والمشبهة، ولقوا من يصفه بصفات المحدثات من القائلين بالحدود والجهة فحينئذ يسلكون طريق التأويل، ويثبتون تنزيهه تعالى بأوضح الدليل، ويبالغون في إثبات التقديس له والتنزيه خوفاً من وقوع من لا يعلم في ظُلم التشبيه، فإذا أمنوا من ذلك رأوا أن السكوت أسلم، وترك الخوض في التأويل إلا عند الحاجة أحزم، وما مثالهم في ذلك إلا مثل الطبيب الحاذق الذي يداوي كل داء من الأدواء بالدواء الموافق، فإذا تحقق غلبة البرودة على المريض داواه بالأدوية الحارّة، ويعالجه بالأدوية الباردة عند تيقنه منه بغلبة الحرارة، وما هذا في ضرب المثال إلا كما رُويَ عن سفيان: إذا كنت بالشام فحدّث بفضائل علي رضي الله عنه، وإذا كنت بالكوفة فحدّث بفضائل عثمان رضي الله عنه. وما مثال المتأوّل بالدليل الواضح إلا مثال الرجل السابح، فإنه لا يحتاج إلى السباحة ما دام في البر، فإن اتفق له في بعض الأحايين ركوب البحر، وعاين هوله عند ارتجاجه وشاهد منه تلاطم أمواجه، وعصفت به الريح حتى انكسر الفُلك، وأحاط به إن لم يستعمل السباحة الهُلك، فحينئذ يسبح بجهده طلباً للنجاة، ولا يلحقه فيها تقصير حبّاً للحياة، فكذلك الموحّد ما دام سالكاً محجّة التنزيه، آمناً في عقده من ركوب لجّة التشبيه، فهو غير محتاج إلى الخوض في التأويل لسلامة عقيدته من التشبيه والأباطيل، فأما إذا تكدّر صفاء عقده بكدورة التكييف والتمثيل، فلا بدّ من تصفية قلبه من الكدر بمصفاة التأويل، وترويق ذهنه براووق الدليل، لتسلم عقيدته من التشبيه والتعطيل".[56]
وقال الإمام النووي في مقدمة المجموع شرح المهذب: "اختلفوا في آيات الصفات، وأخبارها هل يخاض فيها بالتأويل أم لا؟ فقال قائلون: تتأول على ما يليق بها، وهذا أشهر المذهبين للمتكلمين، وقال آخرون: لا تتأول بل يمسك عن الكلام في معناها، ويوكل علمها إلى الله تعالى، ويعتقد مع ذلك تنزيه الله تعالى، وانتفاء صفات الحادث عنه، فيقال مثلا : نؤمن بأن الرحمن على العرش استوى، ولا نعلم حقيقة معنى ذلك، والمراد به، مع أنا نعتقد أن الله تعالى: {ليس كمثله شيء}، وأنه منزه عن الحلول، وسمات الحدوث، وهذه طريقة السلف أو جماهيرهم، وهي أسلم . إذ لا يطالب الإنسان بالخوض في ذلك ، فإذا اعتقد التنزيه فلا حاجة إلى الخوض في ذلك، والمخاطرة فيما لا ضرورة بل لا حاجة إليه، فإن دعت الحاجة إلى التأويل لرد مبتدع، ونحوه تأولوا حينئذ، وعلى هذا يحمل ما جاء عن العلماء في هذا، والله أعلم".[57]
وقال أيضاً في سياق شرحه لحديث النزول (شرح صحيح مسلم 6/ 36): "هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيه مذهبان مشهوران للعلماء سبق إيضاحهما في كتاب الإيمان ومختصرهما أن أحدهما وهو مذهب جمهور السلف وبعض المتكلمين: أنه يؤمن بأنها حق على ما يليق بالله تعالى، وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد، ولا يتكلم في تأويلها مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق، وعن الانتقال والحركات وسائر سمات الخلق. والثاني: مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكي هنا عن مالك والأوزاعي: أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها. فعلى هذا تأولوا هذا الحديث تأويلين أحدهما: تأويل مالك بن أنس وغيره معناه: تنزل رحمته وأمره وملائكته كما يقال: فعل السلطان كذا إذا فعله أتباعه بأمره. والثاني: أنه على الاستعارة، ومعناه: الإقبال على الداعين بالإجابة واللطف. والله أعلم".[58] ومالك والأوزاعي من كبار علماء السلف الصالح.
وقال الإمام بدر الدين الزركشي في كتابه البرهان في علوم القرآن:[59] "...وإنما حملهم على التأويل وجوب حمل الكلام على خلاف المفهوم من حقيقته لقيام الأدلة على استحالة المتشابه والجسمية في حق البارئ تعالى، والخوض في مثل هذه الأمور خطره عظيم، وليس بين المعقول والمنقول تغاير في الأصول، بل التغاير إنما يكون في الألفاظ، واستعمال المجاز لغة العرب، وإنما قلنا: لا تغاير بينهما في الأصول لما علم بالدليل أن العقل لا يكذب ما ورد به الشرع، إذ لا يرد الشرع بما لا يفهمه العقل، إذ هو دليل الشرع وكونه حقا، ولو تصور كذب العقل في شيء لتصور كذبه في صدق الشرع، فمن طالت ممارسته العلوم، وكثر خوضه في بحورها أمكنه التلفيق بينهما، لكنه لا يخلو من أحد أمرين، إما تأويل يبعد عن الأفهام، أو موضع لا يتبين فيه وجه التأويل لقصور الأفهام عن إدراك الحقيقة، والطمع في تلفيق كل ما يرد مستحيل المرام، والمرد إلى قوله: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (الشورى: 11)".[60]
وقال أيضاً في نفس الكتاب: "وقد اختلف الناس في الوارد منها - يعني المتشابهات - في الآيات والأحاديث على ثلاث فرق: أحدها: أنه لا مدخل للتأويل فيها، بل تجرى على ظاهرها، ولا نؤول شيئاً منها، وهم المشبهة. الثانية: أن لها تأويلاً ولكنا نمسك عنه مع تنزيه اعتقادنا عن الشبه، والتعطيل، ونقول لا يعلمه إلا الله وهو قول السلف. والثالثة: أنها مؤولة وأولوها على ما يليق به. والأول باطل - يعني مذهب المشبهة - والأخيران منقولان عن الصحابة".[61] فأثبت الإمام الزركشي مذهب التأويل للصحابة. ثم استكمل كلامه إلى أن قال: "...قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: وعلى هذه الطريقة مضى صدر الأمة وسادتها، وإياها اختار أئمة الفقهاء وقادتها، وإليها دعا أئمة الحديث وأعلامه، ولا أحد من المتكلمين من أصحابنا يصدف عنها ويأباها... وممن نقل عنه التأويل علي، وابن مسعود، وابن عباس وغيرهم. وقال الغزالي في كتاب (التفرقة بين الإسلام والزندقة): إن الإمام أحمد أول في ثلاثة مواضع، وأنكر ذلك عليه بعض المتأخرين. قلت: وقد حكى ابن الجوزي عن القاضي أبي يعلى تأويل أحمد في قوله تعالى: أو يأتي ربك (الأنعام: 158) قال: وهل هو إلا أمره، بدليل قوله: أو يأتي أمر ربك (النحل: 33). واختار ابن برهان وغيره من الأشعرية التأويل، قال: ومنشأ الخلاف بين الفريقين: أنه هل يجوز في القرآن شيء لا يعلم معناه؟ فعندهم يجوز، فلهذا منعوا التأويل، واعتقدوا التنزيه على ما يعلمه الله. وعندنا لا يجوز ذلك، بل الراسخون يعلمونه".[60]
وقد شدّد الحافظ ابن الجوزي الحنبلي في كتابه "المجالس" المعروف باسم (مجالس ابن الجوزي في المتشابه من الآيات القرآنية) النكير على من يمنع التأويل ووسّع القول في ذلك، فمما ورد فيه: "وكيف يمكن أن يقال إن السلف ما استعملوا التأويل وقد ورد في الصحيح عن سيد الكونين Mohamed peace be upon him.svg أنه قَدَّم له ابن عباس وضوءه فقال: «من فعل هذا؟» فقال: قلت: أنا يا رسول الله، فقال: «اللهم فقّهه في الدين وعلّمه التأويل». فلا يخلو إما أن يكون الرسول Mohamed peace be upon him.svg أراد أن يدعو له أو عليه، فلا بدّ أن تقول أراد الدعاء له لا دعاءً عليه، ولو كان التأويل محظورًا لكان هذا دعاءً عليه لا له. ثم أقول: لا يخلو إما أن تقول: إن دعاء الرسول Mohamed peace be upon him.svg ليس مستجابًا فليس بصحيح، وإن قلت: إنه مستجاب فقد تركت مذهبك، وبَطَل قولك: إنهم كانوا لا يقولون بالتأويل، وكيف والله يقول: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم} [آل عمران: 7] وقال: {الم} [البقرة: 1] أنا الله أعلم، و{كهيعص} [مريم: 1] الكاف من كافي،، والهاء من هادي، والياء من حكيم، والعين من عليم، والصاد من صادق، إلى غير ذلك من المتشابه. ولو كان الراسخون في العلم لا يعلمون كما أن الجهال لا يعلمون، سَوَّوْا العالم بالجاهل، وهل مَن يعلم كَمَن لا يعلم؟! وقد فرّق الحق بينهما، فقال: {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} [الزمر: 9]، والمعنى لا يَسْتَوُون".[62] وقال أيضاً ما نصه: "إن نفيت التشبيه في الظاهر والباطن فمرحباً بك، وإن لم يمكنك أن تتخلص من شرك التشبيه إلى خالص التوحيد، وخالص التنزيه إلا بالتأويل، فالتأويل خير من التشبيه".[50]
وقال الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه (كبرى اليقينيات الكونية): "مذهب السلف هو عدم الخوض في أي تأويل أو تفسير تفصيلي لهذه النصوص، والاكتفاء بإثبات ما أثبته الله تعالى لذاته، مع تنزيهه عزّ وجلّ عن كل نقص ومشابهة للحوادث، وسبيل ذلك التأويل الإجمالي لهذه النصوص وتحويل العلم التفصيلي بالمقصود منها إلى علم الله عزّ وجلّ، أما ترك هذه النصوص على ظاهرها دون أي تأويل لها سواء كان إجمالياً أم تفصيلياً فهو غير جائز، وهو شيء لم يجنح إليه سلف ولا خلف.... ولكنك عندما تنزه الله حيال جميع هذه الآيات عن مشابهة مخلوقه في أن يتحيز في مكان وتكون له أبعاد وأعضاء وصورة وشكل، ثم أثبتَّ لله ما أثبته هو لذاته على نحوٍ يليق بكماله وذلك بأن تكِلَ تفصيل المقصود بكلٍّ من هذه النصوص إلى الله جلّ جلاله سَلِمْتَ بذلك من التناقض في الفهم وسَلَّمْتَ القرآن من توهم أي تناقض فيه، وهذه هي طريقة السلف رحمهم الله ألا تراهم يقولون عنها "أمروها بلا كيف" إذ لولا أنهم يؤولونها تأويلاً إجمالياً بالمعنى الذي أوضحنا لما صحّ منهم أن يقولوا ذلك... ومذهب الخلف الذين جاءوا من بعدهم هو تأويل هذه النصوص بما يضعها على صراط واحد من الوفاق مع النصوص المحكمة الأخرى التي تقطع بتنزّه الله عن الجهة والمكان والجارحة... واعلم أن مذهب السلف في عصرهم كان هو الأفضل والأسلم والأوفق مع الإيمان الفطري المرتكز في كلٍّ من العقل والقلب. ومذهب الخلف في عصرهم أصبح هو المصير الذي لا يمكن التحول عنه، بسبب ما قامت فيه من المذاهب الفكرية والمناقشات العلمية.... والمهم أن تعلم بأن كلاًّ من المذهبين منهجان إلى غاية واحدة، لأن المآل فيهما إلى أن الله عزّوجلّ لا يشبهه شيء من مخلوقاته، وأنه منزّه عن جميع صفات النقص، فالخلاف الذي تراه بينهما خلاف لفظي وشكلي فقط".[63]
وقال الشيخ محمود محمد خطاب السبكي: (أما ما ورد من الآيات والأحاديث المتشابهة فقد أجمع السلف والخلف رضي الله عنهم على أنها مصروفة عن ظاهرها لقوله تعالى (قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد) وقوله سبحانه (ليس كمثله شئ وهوالسميع البصير) ثم اختلفوا في بيان معاني تلك الآيات والأحاديث، فالسلف يفوضون علم معانيها إليه تعالى، فيقولون إن الاستواء في آية (الرحمن على العرش استوى) لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، مع جزمهم بأنه جل جلاله يستحيل عليه الاستقرار على العرش أو اتصاله به أو جلوسه عليه، لأنه تعالى إله قديم موصوف باستوائه على العرش قبل خلق العرش، لأن القرآن الذي منه هذه الآية موجود قبل إيجاد العرش، فكيف يعقل أنه تعالى استقر على عرش غير موجود؟ ولما خلق الخلق لم يحتج إلى مكان يحل فيه، بل هو غني عنه. فهو تعالى لم يزل بالصفة التي كان عليها. والخلف يقولون فيها: الاستواء معناه الاقتدار والتصرف أو نحو ذلك. ومذهب السلف أسلم... ووجه صحة مذهب الخلف أنهم فسروا الآية بما يدل عليه اللفظ العربي، والقرآن عربي، وحملهم على التفسير المذكور ولم يفوضوا كما فوض السلف وجود المشبهة في زمانهم زاعمين - أي المشبهة - أن ظاهر الآيات يدل على أنه تعالى جسم، ولم يفقهوا أنه مستحيل عليه عز وجل الجسمية والحلول في الأمكنة... فوجب عليهم - يعني الخلف - أن يبينوا للعامة معنى تلك الآيات والأحاديث المتشابهة حسب مدلولات القرآن والأحاديث النبوية بما يصح اتصاف الله تعالى به، ليعرفوا الحق فيعملوا عليه ويتركوا الباطل وأهله فجزاهم الله تعالى خير الجزاء. وقد نقل العلامة زروق عن أبي حامد أنه قال: (لا خلاف في وجوب التأويل عند تعين شبهة لا ترتفع إلا به)".[64]
وقال الشيخ عدي بن مسافر الشامي: "...فلما ظهرت البدع وانتشر في الناس التشبيه والتعطيل فزع أهل الحق إلى التأويل".[65]
وقد دعا النبي لابن عباس فقال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل). رواه الإمام أحمد والطبراني. وفي رواية أخرى: (اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب). رواه ابن ماجه. وهذا الحديث هو وحده لو لم يكن غيره كاف في الدلالة على جواز التأويل. وكان مجاهد يقول: العلماء يعلمون تأويله، أي: تفسيره.[66] وطريقة التأويل ليست خاصة بالأشاعرة، فقد ورد عن كثير من السلف والحنابلة وأهل الحديث تأويل كثير من النصوص الموهمة للتجسيم والتشبيه. وقد ذكر المصنفون من أهل العلم بالحديث والفقه أن الذي حمل الأشاعرة والماتريدية في تأويل الأسماء والصفات هو التنزيه، وهذا لا يخرجهم عن دائرة أهل السنة والجماعة خاصة وأن معظم فقهاء الإسلام في الفقه والحديث والتفسير والعقيدة أغلبهم من الأشاعرة والماتريدية، وطريقتهم هي الوسط بين الغلو والتطرف والتساهل.[67] وقد قال الإمام أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي البغدادي المتوفي سنة 513 هـ: "هلك الإسلام بين طائفتين: الباطنية والظاهرية والحق بين المنزلتين وهو أن نأخذ بالظاهر ما لم يصرفنا عنه دليل ونرفض كل باطن لا يشهد به دليل من أدلة الشرع". وقال الإمام المجتهد ابن دقيق العيد: "إن كان التأويل من المجاز البين الشايع فالحق سلوكه من غير توقف. أو من المجاز البعيد الشاذ فالحق تركه، وإن استوى الأمران فالاختلاف في جوازه مسألة فقهية اجتهادية والأمر فيها ليس بالخطر بالنسبة للفريقين". وللإمام أبي حامد الغزالي كتاب سماه (قانون التأويل) وهو يقول فيه عند البحث فيما إذا كان بين المعقول والمنقول تصادم في أول النظر وظاهر الفكر: "والخائضون فيه تحزبوا إلى مفرط بتجريد النظر إلى المنقول وإلى مفرط بتجريد النظر إلى المعقول وإلى متوسط طمع في الجمع والتلفيق والمتوسطون انقسموا إلى من جعل المعقول أصلاً والمنقول تابعاً وإلى من جعل المنقول أصلاً والمعقول تابعاً وإلى من جعل كل واحد أصلاً" ثم شرح هؤلاء الأصناف الخمسة شرحاً جيداً لا يستغني عنه باحث. وقد سرد المؤرخ المتكلم الفخر بن المعلم القرشي الشافعي في كتابه (نجم المهتدي ورجم المعتدي) في باب خاص منه نماذج كثيرة من التأويلات المروية عن الصحابة والتابعين وقد اكتظت كتب التفسير بالرواية بما روى عنهم في هذا الصدد. وأما المشبهة فيقولون: نحن لا نؤول بل نحمل آيات الصفات وأخبارها على ظاهرها. وهم في قولهم هذا غير منتبهين إلى أن استعمال اللفظ في الله سبحانه بالمعنى المراد عند استعماله في الخلق تشبيه صريح. ومن الأدلة القاطعة على رد مزاعم الحشوية في دعوى التمسك بالظاهر في اعتقاد الجلوس على العرش خاصة قوله تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) [البقرة: 186] وقوله تعالى: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) [ق: 16] وقوله تعالى: (واسجد واقترب) [العلق: 19] وقوله تعالى: (ألا إنه بكل شيء محيط) [فصلت: 54] وقوله تعالى: (وهو معكم أينما كنتم) [الحديد: 4] وقوله: (وهو الله في السماوات وفي الأرض) [الأنعام: 3] وقوله: (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) [الزخرف: 84] إلى غير ذلك مما لا يحصى في الكتاب والسنة مما ينافي الجلوس على العرش وأهل السنة يرونها أدلة على تنزه الله سبحانه عن المكان فلا يبقى للحشوية أن يعملوا شيئاً إزاء أمثال تلك النصوص غير محاولة تأويلها مجازفة أو العدول عن القول بالاستقرار المكاني.[68]
هامش
^ الرسالة للإمام الشافعي، ص: 52.
^ بوابة الحركات الاسلامية: "الأشعرية" الاعتدال في مواجهة التطرف، أفكار الأشاعرة ومنهجهم، (رقم 8).
^ الموافقات في أصول الفقه (4/179)، تحقيق: عبد الله دراز، الناشر: دار المعرفة - بيروت.
المنهجية العامة في العقيدة والفقه والسلوك والإعلام بأن الأشعرية والماتريدية من أهل السنة، الناشر: الجيل الجديد ناشرون – صنعاء، الطبعة الأولى: 2007م، ص: 56.
^ فتاوى العز بن عبد السلام، ص: 22.
^ إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين 2/ 109.
^ مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 2/ 136.
^ مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 1/ 189.
^ طبقات الشافعية الكبرى للإمام تاج الدين السبكي.
^ كتاب: أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم، هل عطل الأشاعرة صفات الله تعالى؟، ص: 226-227.
^ المجموع شرح المهذب 1/ 25.
^ المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للنووي.
^ البرهان في علوم القرآن 2/ 209.
البرهان في علوم القرآن للزركشي.
^ البرهان في علوم القرآن 2/ 207.
^ مجالس ابن الجوزي في المتشابه من الآيات القرآنية، ص: 172.
^ كبرى اليقينيات الكونية، ص: 138 وما بعدها.
^ كتاب: الدين الخالص (1/ 27).
^ اعتقاد أهل السنة والجماعة، ص: 26.
^ علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير، المجلد الثاني، ص: 216.
^ المنهجية العامة في العقيدة والفقه والسلوك والإعلام بأن الأشعرية والماتريدية من أهل السنة، الناشر: الجيل الجديد ناشرون – صنعاء، الطبعة الأولى: 2007م، ص: 8-9، و57.
^ كتاب: السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل للإمام تقي الدين السبكي، ومعه تكملة الرد على نونية ابن القيم (تبديد الظلام المخيم من نونية ابن القيم) بقلم الإمام الكوثري، الناشر: المكتبة الأزهرية للتراث، ص: 106-108.
CONTOH GENERASI SALAF MENTAKWIL NASH QURAN DAN SUNNAH
استخدام السلف والعلماء
للتأويل
الأشاعرة يتبعون السلف باتخاذهم لمذهب التأويل في التعامل مع النصوص المتشابهة وقد أشار إلى ذلك شهاب الدين الآلوسي بقوله: "والتأويل القريب إلى الذهن الشائع نظيره في كلام العرب مما لا بأس به عندي، على أن بعض الآيات مما أجمع على تأويلها السلف والخلف".[69] وقال الإمام عز الدين الرسعني الحنبلي في كتابه (رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز): "قاعدة مذهب إمامنا في هذا الباب -أي آيات الصفات-: اتباع السلف الصالح؛ فما تأولوه تأولناه، وما سكتوا عنه سكتنا عنه، مفوضين علمه إلى قائله، منزهين الله عما لا يليق بجلاله".[70]
وفيما يلي بعض الأمثلة التي يستشهد بها الأشاعرة على تأويل السلف للنصوص المتشابهة:[71][72][73][74]
تأويل ابن عباس والضحاك وقتادة وسعيد بن جبير للفظ الساق في قوله تعالى: (يوم يكشف عن ساق) بالشدة. وقال الطبري في تفسيره: "قال جماعة من الصحابة والتابعين من أهل التأويل: يبدو عن أمر شديد".
تأويل ابن عباس ومجاهد وقتادة وسفيان الأيدي في قوله تعالى: "والسماء بنيناها بأيد" بالقوة، ذكره الطبري في تفسيره.[75]
تأويل ابن عباس للكرسي بالعلم فقد جاء في تفسير الطبري عند تفسيره لآية الكرسي ما نصّه: "اختلف أهل التأويل في معنى الكرسي الذي أخبر الله تعالى ذكره في هذه الآية أنه وسع السموات والأرض، فقال بعضهم: هو علم الله تعالى ذكره... وأما الذي يدُلُّ على ظاهر القرآن فقول ابن عباس الذي رواه جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير أنه قال: هو علمه".
تأويل ابن عباس لمجيء الله فقد جاء في تفسير النسفي عند قوله تعالى (وجاء ربك والمَلَك صفّاً صفَّا) ما نصّه: "هذا تمثيل لظهور آيات اقتداره وتبيين آثار قهره وسلطانه، فإن واحداً من الملوك إذا حضر بنفسه ظهر بحضوره من آثار الهيبة ما لا يظهر بحضور عساكره وخواصّه، وعن ابن عباس: أمره وقضاؤه". ونقل القرطبي نحو هذا عن الحسن البصري، وقال هناك نقلاً عن بعض الأئمة ما نصّه: "جعل مجيء الآيات مجيئاً له تفخيماً لشأن تلك الآيات، ومنه قوله تعالى في الحديث " (يا ابن آدم مرضت فلم تعدني.. واستسقيتك فلم تسقني.. واستطعمتك فلم تطعمني..) والله جلّ ثناؤه لا يوصف بالتحول من مكان إلى مكان، وأنّى له التحول والانتقال ولا مكان له ولا أوان، ولا يجري عليه وقت ولا زمان، لأن في جريان الوقت على الشيء فوْتَ الأوقات، ومن فاته شيء فهو عاجز".
تأويل ابن عباس لقوله تعالى (الله نور السموات والأرض) فقد جاء في تفسير الطبري ما نصّه: "عن ابن عباس قوله (الله نور السموات والأرض) يقول: الله سبحانه هادي أهل السموات والأرض".
تأويل ابن عباس للفظ الوجه في قوله تعالى (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) قال: الوجه عبارة عنه. وقال القرطبي في تفسيره: أي ويبقى الله فالوجه عبارة عن وجوده وذاته سبحانه.. وهذا الذي ارتضاه المحققون من علمائنا ابن فورك وأبو المعالي وغيرهم.. وقال أبو المعالي: وأما الوجه المراد به عند معظم أئمتنا وجود الباري تعالى.
تأويل سفيان الثوري والطبري للاستواء: قال الإمام الطبري في تفسير قوله تعلى (ثم استوي إلى السماء) بعد أن ذكر معاني الاستواء في اللغة، ما نصّه: "علا عليهن وارتفع، فدبرهن بقدرته... علا عليها علو ملك وسلطان، لا علو انتقال وزوال" وأوّل سفيان الثوري الاستواء على العرش: بقصد أمره، والاستواء إلى السماء: بالقصد إليها.
تأويل مجاهد والضحاك وأبي عبيدة للفظ (الوجه): قال تعالى (فأينما تولوا فثم وجه الله) قال مجاهد: قبلة الله. وقال الضحاك وأبو عبيدة في قوله تعالى (كل شيء هالك إلا وجهه) أي إلا هو.
تأويل مجاهد والسدي للفظ (الجنب) فقد جاء في تفسير الطبري عند قوله تعالى (أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرّطت في جنب الله) قال مجاهد: في أمر الله، وقال السدي: على ما تركت من أمر الله.
تأويل الحسن البصري في قوله تعالى: (وجاء ربك) قال: جاء أمره وقضاؤه. وعن الكلبي: جاء حكمه. وعنه في قوله تعالى (أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله) قال: في طاعة الله.
تأويل الضحاك لصفة العين بالحفظ والحراسة في قوله تعالى: (فإنك بأعيننا) وقوله: (ولتصنع على عيني)، ذكره الماوردي في تفسيره.[76]
تأويل البخاري الضحك الوارد في بعض الأحاديث بالرحمة، نقله عنه البيهقي في الأسماء والصفات. وتأويله للوجه في قوله تعالى (كل شيء هالك إلا وجهه) قال: إلا ملكه.
تأويل الطبراني للوجه في قوله تعالى: (كل شيء هالك إلا وجهه) بقوله: "أي إلا هو. وانتصب قوله (وجهه) على الاستثناء كأنه قال: إلا إياه، وقال عطاء: (معناه: كل شيء هالك إلا ما أريد به وجهه، وكل عمل لغيره فهو هالك إلا ما كان له)".[77]
تأويل الحافظ حماد بن زيد لحديث النزول: (ينزل الله كل ليلة إلى السماء الدنيا) بقوله: "نزوله إقباله"، نقله البيهقي في الأسماء والصفات.[78]
تأويل الإمام مالك لحديث النزول: أوّله بنزول رحمته وأمره أو ملائكته، نقله الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري، ومحمد بن عبد الباقي الزرقاني في شرحه على الموطأ.[79][80]
تأويل الإمام الشافعي للفظ (الوجه): حكى المزني عن الشافعي في قوله تعالى (فثم وجه الله) قال: يعني والله أعلم فثم الوجه الذي وجهكم الله إليه.
تأويل الإمام أحمد قوله تعالى: (وجاء ربك) بمجيء ثوابه، نقله ابن كثير في البداية والنهاية عن الإمام البيهقي في مناقب الإمام أحمد، وأورد سند البيهقي له، ثم قال: قال البيهقي: وهذا إسناد لا غبار عليه. ونقل الحافظ ابن الجوزي عن القاضي أبي يعلى عن الإمام أحمد في قوله تعالى: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام) أنه قال: المراد به قدرته وأمره. قال: وقد بيّنه في قوله تعالى (أو يأتي أمر ربك) ومثل هذا في القرآن (وجاء ربك) قال: إنما هو قدرته.[81] وأوَّل الإمام أحمد أيضا قوله تعالى: "ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث" فقال: يحتمل أن يكون تنزيله إلينا هو المحدث، نقله ابن كثير في البداية والنهاية. وقال التميمي في اعتقاد أحمد في حديث النزول: "ولا يجوز عليه الانتقال، ولا الحلول في الأمكنة".[82]
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري في باب قول الله تعالى (كل شيء هالك إلا وجهه): "...قال ابن بطال: في هذه الآية والحديث دلالة على أن لله وجها وهو من صفة ذاته، وليس بجارحة ولا كالوجوه التي نشاهدها من المخلوقين، كما نقول إنه عالم ولا نقول إنه كالعلماء الذين نشاهدهم، وقال غيره: دلت الآية على أن المراد بالترجمة الذات المقدسة، ولو كانت صفة من صفات الفعل لشملها الهلاك كما شمل غيرها من الصفات وهو محال، وقال الراغب: أصل الوجه الجارحة المعروفة، ولما كان الوجه أول ما يستقبل وهو أشرف ما في ظاهر البدن، استعمل في مستقبل كل شيء وفي مبدئه وفي إشراقه، فقيل وجه النهار، وقيل وجه كذا أي ظاهره، وربما أطلق الوجه على الذات كقولهم كرم الله وجهه، وكذا قوله تعالى (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) وقوله (كل شيء هالك إلا وجهه) وقيل: إن لفظ الوجه صلة، والمعنى كل شيء هالك إلا هو وكذا (ويبقى وجه ربك) وقيل المراد بالوجه القصد، أي يبقى ما أريد به وجهه. قلت: وهذا الأخير نقل عن سفيان وغيره وقد تقدم ما ورد فيه في أول تفسير سورة القصص وقال الكرماني قيل المراد بالوجه في الآية والحديث الذات أو الوجود أو لفظه زائد، أو الوجه الذي لا كالوجوه، لاستحالة حمله على العضو المعروف، فتعين التأويل أو التفويض، وقال البيهقي: تكرر ذكر الوجه في القرآن والسنة الصحيحة، وهو في بعضها صفة ذات كقوله: إلا رداء الكبرياء على وجهه وهو ما في صحيح البخاري عن أبي موسى، وفي بعضها بمعنى من أجل كقوله (إنما نطعمكم لوجه الله) وفي بعضها بمعنى الرضا كقوله (يريدون وجهه)، (إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى) وليس المراد الجارحة جزما والله أعلم".[83]
نقل الإمام النووي — في شرحه لحديث الجارية في صحيح مسلم — عن القاضي عياض ما نصه: "لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله تعالى: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) ونحوه ليست على ظاهرها، بل متأولة عند جميعهم".[84]
وقد نقل إجماع الأمة على منهج التأويل حيث قال الحافظ أبو الحسن علي بن القطان الفاسي: "وأجمعوا أنه تعالى يجيء يوم القيامة والملك صفاً صفاً لعرض الأمم وحسابها وعقابها وثوابها، فيغفر لمن يشاء من المؤمنين ويعذب منهم من يشاء، كما قال تعالى، وليس مجيئه بحركة ولا انتقال. وأجمعوا أنه تعالى يرضى عن الطائعين له، وأن رضاه عنهم إرادته نعيمهم. وأجمعوا أنه يحب التوابين ويسخط على الكافرين ويغضب عليهم، وأن غضبه إرادته لعذابهم، وأنه لا يقوم لغضبه شيء".[85]
هامش
^ تفسير الألوسي: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني 3/ 116.
^ رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز، تأليف: عز الدين الرسعني، دراسة وتحقيق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع، الجزء الأول، الطبعة الأولى: 2008م، ص: 64.
^ نماذج من التأويل من كتاب: منهج الأشاعرة في العقيدة بين الحقائق والأوهام.
^ موقع السنّة: تأويل السلف الصالح لآيات الصفات.
^ كتاب: أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم، تأويلات السلف الصالح لنصوص الصفات، ص: 232-247.
^ كتاب: أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم، نماذج من تأويل علماء الأمة وأئمتها لنصوص الصفات، ص: 171-185.
^ تفسير الطبري (7/27).
^ تفسير النكت والعيون (سورة الطور: آية 48).
^ تفسير التفسير الكبير للإمام الطبراني (سورة القصص: آية 88).
^ الأسماء والصفات للبيهقي.
^ شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك.
^ فتح الباري شرح صحيح البخاري.
^ نهاية المبتدئين في أصول الدين، ص: 35.
^ نهاية المبتدئين في أصول الدين، ص: 32.
^ فتح الباري شرح صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى كل شيء هالك إلا وجهه.
^ شرح النووي على صحيح مسلم.
^ الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 32–33
للتأويل
الأشاعرة يتبعون السلف باتخاذهم لمذهب التأويل في التعامل مع النصوص المتشابهة وقد أشار إلى ذلك شهاب الدين الآلوسي بقوله: "والتأويل القريب إلى الذهن الشائع نظيره في كلام العرب مما لا بأس به عندي، على أن بعض الآيات مما أجمع على تأويلها السلف والخلف".[69] وقال الإمام عز الدين الرسعني الحنبلي في كتابه (رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز): "قاعدة مذهب إمامنا في هذا الباب -أي آيات الصفات-: اتباع السلف الصالح؛ فما تأولوه تأولناه، وما سكتوا عنه سكتنا عنه، مفوضين علمه إلى قائله، منزهين الله عما لا يليق بجلاله".[70]
وفيما يلي بعض الأمثلة التي يستشهد بها الأشاعرة على تأويل السلف للنصوص المتشابهة:[71][72][73][74]
تأويل ابن عباس والضحاك وقتادة وسعيد بن جبير للفظ الساق في قوله تعالى: (يوم يكشف عن ساق) بالشدة. وقال الطبري في تفسيره: "قال جماعة من الصحابة والتابعين من أهل التأويل: يبدو عن أمر شديد".
تأويل ابن عباس ومجاهد وقتادة وسفيان الأيدي في قوله تعالى: "والسماء بنيناها بأيد" بالقوة، ذكره الطبري في تفسيره.[75]
تأويل ابن عباس للكرسي بالعلم فقد جاء في تفسير الطبري عند تفسيره لآية الكرسي ما نصّه: "اختلف أهل التأويل في معنى الكرسي الذي أخبر الله تعالى ذكره في هذه الآية أنه وسع السموات والأرض، فقال بعضهم: هو علم الله تعالى ذكره... وأما الذي يدُلُّ على ظاهر القرآن فقول ابن عباس الذي رواه جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير أنه قال: هو علمه".
تأويل ابن عباس لمجيء الله فقد جاء في تفسير النسفي عند قوله تعالى (وجاء ربك والمَلَك صفّاً صفَّا) ما نصّه: "هذا تمثيل لظهور آيات اقتداره وتبيين آثار قهره وسلطانه، فإن واحداً من الملوك إذا حضر بنفسه ظهر بحضوره من آثار الهيبة ما لا يظهر بحضور عساكره وخواصّه، وعن ابن عباس: أمره وقضاؤه". ونقل القرطبي نحو هذا عن الحسن البصري، وقال هناك نقلاً عن بعض الأئمة ما نصّه: "جعل مجيء الآيات مجيئاً له تفخيماً لشأن تلك الآيات، ومنه قوله تعالى في الحديث " (يا ابن آدم مرضت فلم تعدني.. واستسقيتك فلم تسقني.. واستطعمتك فلم تطعمني..) والله جلّ ثناؤه لا يوصف بالتحول من مكان إلى مكان، وأنّى له التحول والانتقال ولا مكان له ولا أوان، ولا يجري عليه وقت ولا زمان، لأن في جريان الوقت على الشيء فوْتَ الأوقات، ومن فاته شيء فهو عاجز".
تأويل ابن عباس لقوله تعالى (الله نور السموات والأرض) فقد جاء في تفسير الطبري ما نصّه: "عن ابن عباس قوله (الله نور السموات والأرض) يقول: الله سبحانه هادي أهل السموات والأرض".
تأويل ابن عباس للفظ الوجه في قوله تعالى (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) قال: الوجه عبارة عنه. وقال القرطبي في تفسيره: أي ويبقى الله فالوجه عبارة عن وجوده وذاته سبحانه.. وهذا الذي ارتضاه المحققون من علمائنا ابن فورك وأبو المعالي وغيرهم.. وقال أبو المعالي: وأما الوجه المراد به عند معظم أئمتنا وجود الباري تعالى.
تأويل سفيان الثوري والطبري للاستواء: قال الإمام الطبري في تفسير قوله تعلى (ثم استوي إلى السماء) بعد أن ذكر معاني الاستواء في اللغة، ما نصّه: "علا عليهن وارتفع، فدبرهن بقدرته... علا عليها علو ملك وسلطان، لا علو انتقال وزوال" وأوّل سفيان الثوري الاستواء على العرش: بقصد أمره، والاستواء إلى السماء: بالقصد إليها.
تأويل مجاهد والضحاك وأبي عبيدة للفظ (الوجه): قال تعالى (فأينما تولوا فثم وجه الله) قال مجاهد: قبلة الله. وقال الضحاك وأبو عبيدة في قوله تعالى (كل شيء هالك إلا وجهه) أي إلا هو.
تأويل مجاهد والسدي للفظ (الجنب) فقد جاء في تفسير الطبري عند قوله تعالى (أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرّطت في جنب الله) قال مجاهد: في أمر الله، وقال السدي: على ما تركت من أمر الله.
تأويل الحسن البصري في قوله تعالى: (وجاء ربك) قال: جاء أمره وقضاؤه. وعن الكلبي: جاء حكمه. وعنه في قوله تعالى (أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله) قال: في طاعة الله.
تأويل الضحاك لصفة العين بالحفظ والحراسة في قوله تعالى: (فإنك بأعيننا) وقوله: (ولتصنع على عيني)، ذكره الماوردي في تفسيره.[76]
تأويل البخاري الضحك الوارد في بعض الأحاديث بالرحمة، نقله عنه البيهقي في الأسماء والصفات. وتأويله للوجه في قوله تعالى (كل شيء هالك إلا وجهه) قال: إلا ملكه.
تأويل الطبراني للوجه في قوله تعالى: (كل شيء هالك إلا وجهه) بقوله: "أي إلا هو. وانتصب قوله (وجهه) على الاستثناء كأنه قال: إلا إياه، وقال عطاء: (معناه: كل شيء هالك إلا ما أريد به وجهه، وكل عمل لغيره فهو هالك إلا ما كان له)".[77]
تأويل الحافظ حماد بن زيد لحديث النزول: (ينزل الله كل ليلة إلى السماء الدنيا) بقوله: "نزوله إقباله"، نقله البيهقي في الأسماء والصفات.[78]
تأويل الإمام مالك لحديث النزول: أوّله بنزول رحمته وأمره أو ملائكته، نقله الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري، ومحمد بن عبد الباقي الزرقاني في شرحه على الموطأ.[79][80]
تأويل الإمام الشافعي للفظ (الوجه): حكى المزني عن الشافعي في قوله تعالى (فثم وجه الله) قال: يعني والله أعلم فثم الوجه الذي وجهكم الله إليه.
تأويل الإمام أحمد قوله تعالى: (وجاء ربك) بمجيء ثوابه، نقله ابن كثير في البداية والنهاية عن الإمام البيهقي في مناقب الإمام أحمد، وأورد سند البيهقي له، ثم قال: قال البيهقي: وهذا إسناد لا غبار عليه. ونقل الحافظ ابن الجوزي عن القاضي أبي يعلى عن الإمام أحمد في قوله تعالى: (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام) أنه قال: المراد به قدرته وأمره. قال: وقد بيّنه في قوله تعالى (أو يأتي أمر ربك) ومثل هذا في القرآن (وجاء ربك) قال: إنما هو قدرته.[81] وأوَّل الإمام أحمد أيضا قوله تعالى: "ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث" فقال: يحتمل أن يكون تنزيله إلينا هو المحدث، نقله ابن كثير في البداية والنهاية. وقال التميمي في اعتقاد أحمد في حديث النزول: "ولا يجوز عليه الانتقال، ولا الحلول في الأمكنة".[82]
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري في باب قول الله تعالى (كل شيء هالك إلا وجهه): "...قال ابن بطال: في هذه الآية والحديث دلالة على أن لله وجها وهو من صفة ذاته، وليس بجارحة ولا كالوجوه التي نشاهدها من المخلوقين، كما نقول إنه عالم ولا نقول إنه كالعلماء الذين نشاهدهم، وقال غيره: دلت الآية على أن المراد بالترجمة الذات المقدسة، ولو كانت صفة من صفات الفعل لشملها الهلاك كما شمل غيرها من الصفات وهو محال، وقال الراغب: أصل الوجه الجارحة المعروفة، ولما كان الوجه أول ما يستقبل وهو أشرف ما في ظاهر البدن، استعمل في مستقبل كل شيء وفي مبدئه وفي إشراقه، فقيل وجه النهار، وقيل وجه كذا أي ظاهره، وربما أطلق الوجه على الذات كقولهم كرم الله وجهه، وكذا قوله تعالى (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) وقوله (كل شيء هالك إلا وجهه) وقيل: إن لفظ الوجه صلة، والمعنى كل شيء هالك إلا هو وكذا (ويبقى وجه ربك) وقيل المراد بالوجه القصد، أي يبقى ما أريد به وجهه. قلت: وهذا الأخير نقل عن سفيان وغيره وقد تقدم ما ورد فيه في أول تفسير سورة القصص وقال الكرماني قيل المراد بالوجه في الآية والحديث الذات أو الوجود أو لفظه زائد، أو الوجه الذي لا كالوجوه، لاستحالة حمله على العضو المعروف، فتعين التأويل أو التفويض، وقال البيهقي: تكرر ذكر الوجه في القرآن والسنة الصحيحة، وهو في بعضها صفة ذات كقوله: إلا رداء الكبرياء على وجهه وهو ما في صحيح البخاري عن أبي موسى، وفي بعضها بمعنى من أجل كقوله (إنما نطعمكم لوجه الله) وفي بعضها بمعنى الرضا كقوله (يريدون وجهه)، (إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى) وليس المراد الجارحة جزما والله أعلم".[83]
نقل الإمام النووي — في شرحه لحديث الجارية في صحيح مسلم — عن القاضي عياض ما نصه: "لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله تعالى: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) ونحوه ليست على ظاهرها، بل متأولة عند جميعهم".[84]
وقد نقل إجماع الأمة على منهج التأويل حيث قال الحافظ أبو الحسن علي بن القطان الفاسي: "وأجمعوا أنه تعالى يجيء يوم القيامة والملك صفاً صفاً لعرض الأمم وحسابها وعقابها وثوابها، فيغفر لمن يشاء من المؤمنين ويعذب منهم من يشاء، كما قال تعالى، وليس مجيئه بحركة ولا انتقال. وأجمعوا أنه تعالى يرضى عن الطائعين له، وأن رضاه عنهم إرادته نعيمهم. وأجمعوا أنه يحب التوابين ويسخط على الكافرين ويغضب عليهم، وأن غضبه إرادته لعذابهم، وأنه لا يقوم لغضبه شيء".[85]
هامش
^ تفسير الألوسي: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني 3/ 116.
^ رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز، تأليف: عز الدين الرسعني، دراسة وتحقيق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع، الجزء الأول، الطبعة الأولى: 2008م، ص: 64.
^ نماذج من التأويل من كتاب: منهج الأشاعرة في العقيدة بين الحقائق والأوهام.
^ موقع السنّة: تأويل السلف الصالح لآيات الصفات.
^ كتاب: أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم، تأويلات السلف الصالح لنصوص الصفات، ص: 232-247.
^ كتاب: أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم، نماذج من تأويل علماء الأمة وأئمتها لنصوص الصفات، ص: 171-185.
^ تفسير الطبري (7/27).
^ تفسير النكت والعيون (سورة الطور: آية 48).
^ تفسير التفسير الكبير للإمام الطبراني (سورة القصص: آية 88).
^ الأسماء والصفات للبيهقي.
^ شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك.
^ فتح الباري شرح صحيح البخاري.
^ نهاية المبتدئين في أصول الدين، ص: 35.
^ نهاية المبتدئين في أصول الدين، ص: 32.
^ فتح الباري شرح صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى كل شيء هالك إلا وجهه.
^ شرح النووي على صحيح مسلم.
^ الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 32–33
PENJELASAN ULAMA TENTANG TAKWIL ITU PERLU
قال الشافعي عن القرآن: "وأن منه ظاهراً يُعرف في سياقه أنه يراد به غير ظاهره".[47][48]
وقال الإمام أبو إسحاق الشاطبي في كتابه الموافقات: "اتباع ظواهر القرآن على غير تدبر ولا نظر في مقاصده ومعاقده والقطع بالحكم به ببادئ الرأي والنظر الأول... معلوم أن هذا الرأي يصد عن اتباع الحق المحض ويضاد المشي على الصراط المستقيم... ألا ترى أن من جرى على مجرد الظاهر تناقضت عليه الصور والآيات وتعارضت في يديه الأدلة على الإطلاق والعموم".[49]
وقال إمام الحرمين الجويني: "لو بقي الناس على ما كانوا عليه لم نؤمر بالاشتغال بعلم الكلام، أما الآن فقد كثرت البدع فلا سبيل إلى ترك أمواج الفتن تلتطم".[5]
وقال الإمام الغزالي في إلجام العوام: "لما كان زمان السلف الأول زمان سكون القلب، بالغوا في الكف عن التأويل خيفة من تحريك الدواعي وتشويش القلوب، فمن خالفهم في ذلك الزمان فهو الذي حرك الفتنة وألقى الشكوك في القلوب، مع الاستغناء عنه، فباء بالإثم. أما الآن فقد فشا ذلك، فالعذر في إظهار شيء من ذلك، رجاء لإماطة الأوهام الباطلة عن القلوب أظهر، واللوم عن قائله أقل".[50]
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: "أكثر السلف لعدم ظهور أهل البدع في أزمنتهم يفوضون علمها – آيات الصفات – إلى الله تعالى مع تنزيهه سبحانه عن ظاهرها الذي لا يليق بجلال ذاته، وأكثر الخلف يؤولونها بحملها على محامل تليق بذلك الجلال الأقدس والكمال الأنفس، لاضطرارهم إلى ذلك لكثرة أهل الزيغ والبدع في أزمنتهم".[5]
وقال الإمام العز بن عبد السلام: "وليس الكلام في هذا - يعني التأويل - بدعة قبيحة، وإنما الكلام فيه بدعة حسنة واجبة لَمَّا ظهرت الشبهة، وإنما سكت السلف عن الكلام فيه إذ لم يكن في عصرهم من يحمل كلام الله وكلام رسوله على ما لا يجوز حمله عليه، ولو ظهرت في عصرهم شبهة لكذبوهم وأنكروا عليهم غاية الإنكار، فقد رد الصحابة والسلف على القدرية لما أظهروا بدعتهم، ولم يكونوا قبل ظهورهم يتكلمون في ذلك".[51] ورجّح الإمام العز بن عبد السلام طريقة التأويل فقال: "طريقة التأويل بشرطها أقربها إلى الحق" وعلق الإمام مرتضى الزبيدي على قول العز بقوله "ويعني بشرطها أن يكون على مقتضى لسان العرب".[52]
وقال الإمام ملا علي القاري الحنفي في كتابه (مرقاة المفاتيح) معتذراً عن علماء الأمة لأخذهم بالتأويل: "ولم يريدوا بذلك مخالفة السلف الصالح - معاذ الله أن يظن بهم ذلك - وإنما دعت الضرورة في أزمنتهم لذلك، لكثرة المجسمة والجهمية وغيرها من فرق الضلال، واستيلائهم على عقول العامة، فقصدوا بذلك ردعهم وبطلان قولهم، ومن ثم اعتذر كثير منهم وقالوا: لو كنا على ما كان عليه السلف الصالح من صفاء العقائد وعدم المبطلين في زمنهم لم نخض في تأويل شيء من ذلك".[53] وقال أيضاً: "اتفق السلف والخلف على تنزيه الله تعالى عن ظواهر المتشابهات المستحيلة على الله تعالى... وخاض أكثر الخلف في التأويل لكن غير جازمين بأن هذا هو مراد الله تعالى من تلك النصوص، وإنما قصدوا بذلك صرف العامة عن اعتقاد ظواهر المتشابه، والرد على المبتدعة المتمسكين بأكثر تلك الظواهر".[54]
وقال الإمام تاج الدين السبكي في كتابه طبقات الشافعية الكبرى: "...ثم أقول للأشاعرة قولان مشهوران في إثبات الصفات، هل تمر على ظاهرها مع اعتقاد التنزيه، أو تئول؟ والقول بالإمرار مع اعتقاد التنزيه هو المعزو إلى السلف، وهو اختيار الإمام في الرسالة النظامية (يقصد إمام الحرمين الجويني)، وفي مواضع من كلامه، فرجوعه معناه الرجوع عن التأويل إلى التفويض، ولا إنكار في هذا، ولا في مقابله، فإنها مسألة اجتهادية، أعني مسألة التأويل أو التفويض مع اعتقاد التنزيه. إنما المصيبة الكبرى والداهية الدهياء الإمرار على الظاهر، والاعتقاد أنه المراد، وأنه لا يستحيل على الباري، فذلك قول المجسمة عباد الوثن، الذين في قلوبهم زيغ يحملهم الزيغ على اتباع المتشابه، ابتغاء الفتنة، عليهم لعائن الله تترى واحدة بعد أخرى، ما أجرأهم على الكذب، وأقل فهمهم للحقائق".[55]
وقال الحافظ ابن عساكر في كتابه تبيين كذب المفتري: "فإنهم – يعني الأشاعرة – بحمد الله ليسوا معتزلة، ولا نفاة لصفات الله معطلة، لكنهم يثبتون له سبحانه ما أثبته لنفسه من الصفات، ويصفونه بما اتصف به في محكم الآيات، وبما وصفه به نبيّه صلى الله عليه وسلم في صحيح الروايات وينزهونه عن سمات النقص والآفات، فإذا وجدوا من يقول بالتجسيم أو التكييف من المجسمة والمشبهة، ولقوا من يصفه بصفات المحدثات من القائلين بالحدود والجهة فحينئذ يسلكون طريق التأويل، ويثبتون تنزيهه تعالى بأوضح الدليل، ويبالغون في إثبات التقديس له والتنزيه خوفاً من وقوع من لا يعلم في ظُلم التشبيه، فإذا أمنوا من ذلك رأوا أن السكوت أسلم، وترك الخوض في التأويل إلا عند الحاجة أحزم، وما مثالهم في ذلك إلا مثل الطبيب الحاذق الذي يداوي كل داء من الأدواء بالدواء الموافق، فإذا تحقق غلبة البرودة على المريض داواه بالأدوية الحارّة، ويعالجه بالأدوية الباردة عند تيقنه منه بغلبة الحرارة، وما هذا في ضرب المثال إلا كما رُويَ عن سفيان: إذا كنت بالشام فحدّث بفضائل علي رضي الله عنه، وإذا كنت بالكوفة فحدّث بفضائل عثمان رضي الله عنه. وما مثال المتأوّل بالدليل الواضح إلا مثال الرجل السابح، فإنه لا يحتاج إلى السباحة ما دام في البر، فإن اتفق له في بعض الأحايين ركوب البحر، وعاين هوله عند ارتجاجه وشاهد منه تلاطم أمواجه، وعصفت به الريح حتى انكسر الفُلك، وأحاط به إن لم يستعمل السباحة الهُلك، فحينئذ يسبح بجهده طلباً للنجاة، ولا يلحقه فيها تقصير حبّاً للحياة، فكذلك الموحّد ما دام سالكاً محجّة التنزيه، آمناً في عقده من ركوب لجّة التشبيه، فهو غير محتاج إلى الخوض في التأويل لسلامة عقيدته من التشبيه والأباطيل، فأما إذا تكدّر صفاء عقده بكدورة التكييف والتمثيل، فلا بدّ من تصفية قلبه من الكدر بمصفاة التأويل، وترويق ذهنه براووق الدليل، لتسلم عقيدته من التشبيه والتعطيل".[56]
وقال الإمام النووي في مقدمة المجموع شرح المهذب: "اختلفوا في آيات الصفات، وأخبارها هل يخاض فيها بالتأويل أم لا؟ فقال قائلون: تتأول على ما يليق بها، وهذا أشهر المذهبين للمتكلمين، وقال آخرون: لا تتأول بل يمسك عن الكلام في معناها، ويوكل علمها إلى الله تعالى، ويعتقد مع ذلك تنزيه الله تعالى، وانتفاء صفات الحادث عنه، فيقال مثلا : نؤمن بأن الرحمن على العرش استوى، ولا نعلم حقيقة معنى ذلك، والمراد به، مع أنا نعتقد أن الله تعالى: {ليس كمثله شيء}، وأنه منزه عن الحلول، وسمات الحدوث، وهذه طريقة السلف أو جماهيرهم، وهي أسلم . إذ لا يطالب الإنسان بالخوض في ذلك ، فإذا اعتقد التنزيه فلا حاجة إلى الخوض في ذلك، والمخاطرة فيما لا ضرورة بل لا حاجة إليه، فإن دعت الحاجة إلى التأويل لرد مبتدع، ونحوه تأولوا حينئذ، وعلى هذا يحمل ما جاء عن العلماء في هذا، والله أعلم".[57]
وقال أيضاً في سياق شرحه لحديث النزول (شرح صحيح مسلم 6/ 36): "هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيه مذهبان مشهوران للعلماء سبق إيضاحهما في كتاب الإيمان ومختصرهما أن أحدهما وهو مذهب جمهور السلف وبعض المتكلمين: أنه يؤمن بأنها حق على ما يليق بالله تعالى، وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد، ولا يتكلم في تأويلها مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق، وعن الانتقال والحركات وسائر سمات الخلق. والثاني: مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكي هنا عن مالك والأوزاعي: أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها. فعلى هذا تأولوا هذا الحديث تأويلين أحدهما: تأويل مالك بن أنس وغيره معناه: تنزل رحمته وأمره وملائكته كما يقال: فعل السلطان كذا إذا فعله أتباعه بأمره. والثاني: أنه على الاستعارة، ومعناه: الإقبال على الداعين بالإجابة واللطف. والله أعلم".[58] ومالك والأوزاعي من كبار علماء السلف الصالح.
وقال الإمام بدر الدين الزركشي في كتابه البرهان في علوم القرآن:[59] "...وإنما حملهم على التأويل وجوب حمل الكلام على خلاف المفهوم من حقيقته لقيام الأدلة على استحالة المتشابه والجسمية في حق البارئ تعالى، والخوض في مثل هذه الأمور خطره عظيم، وليس بين المعقول والمنقول تغاير في الأصول، بل التغاير إنما يكون في الألفاظ، واستعمال المجاز لغة العرب، وإنما قلنا: لا تغاير بينهما في الأصول لما علم بالدليل أن العقل لا يكذب ما ورد به الشرع، إذ لا يرد الشرع بما لا يفهمه العقل، إذ هو دليل الشرع وكونه حقا، ولو تصور كذب العقل في شيء لتصور كذبه في صدق الشرع، فمن طالت ممارسته العلوم، وكثر خوضه في بحورها أمكنه التلفيق بينهما، لكنه لا يخلو من أحد أمرين، إما تأويل يبعد عن الأفهام، أو موضع لا يتبين فيه وجه التأويل لقصور الأفهام عن إدراك الحقيقة، والطمع في تلفيق كل ما يرد مستحيل المرام، والمرد إلى قوله: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (الشورى: 11)".[60]
وقال أيضاً في نفس الكتاب: "وقد اختلف الناس في الوارد منها - يعني المتشابهات - في الآيات والأحاديث على ثلاث فرق: أحدها: أنه لا مدخل للتأويل فيها، بل تجرى على ظاهرها، ولا نؤول شيئاً منها، وهم المشبهة. الثانية: أن لها تأويلاً ولكنا نمسك عنه مع تنزيه اعتقادنا عن الشبه، والتعطيل، ونقول لا يعلمه إلا الله وهو قول السلف. والثالثة: أنها مؤولة وأولوها على ما يليق به. والأول باطل - يعني مذهب المشبهة - والأخيران منقولان عن الصحابة".[61] فأثبت الإمام الزركشي مذهب التأويل للصحابة. ثم استكمل كلامه إلى أن قال: "...قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: وعلى هذه الطريقة مضى صدر الأمة وسادتها، وإياها اختار أئمة الفقهاء وقادتها، وإليها دعا أئمة الحديث وأعلامه، ولا أحد من المتكلمين من أصحابنا يصدف عنها ويأباها... وممن نقل عنه التأويل علي، وابن مسعود، وابن عباس وغيرهم. وقال الغزالي في كتاب (التفرقة بين الإسلام والزندقة): إن الإمام أحمد أول في ثلاثة مواضع، وأنكر ذلك عليه بعض المتأخرين. قلت: وقد حكى ابن الجوزي عن القاضي أبي يعلى تأويل أحمد في قوله تعالى: أو يأتي ربك (الأنعام: 158) قال: وهل هو إلا أمره، بدليل قوله: أو يأتي أمر ربك (النحل: 33). واختار ابن برهان وغيره من الأشعرية التأويل، قال: ومنشأ الخلاف بين الفريقين: أنه هل يجوز في القرآن شيء لا يعلم معناه؟ فعندهم يجوز، فلهذا منعوا التأويل، واعتقدوا التنزيه على ما يعلمه الله. وعندنا لا يجوز ذلك، بل الراسخون يعلمونه".[60]
وقد شدّد الحافظ ابن الجوزي الحنبلي في كتابه "المجالس" المعروف باسم (مجالس ابن الجوزي في المتشابه من الآيات القرآنية) النكير على من يمنع التأويل ووسّع القول في ذلك، فمما ورد فيه: "وكيف يمكن أن يقال إن السلف ما استعملوا التأويل وقد ورد في الصحيح عن سيد الكونين Mohamed peace be upon him.svg أنه قَدَّم له ابن عباس وضوءه فقال: «من فعل هذا؟» فقال: قلت: أنا يا رسول الله، فقال: «اللهم فقّهه في الدين وعلّمه التأويل». فلا يخلو إما أن يكون الرسول Mohamed peace be upon him.svg أراد أن يدعو له أو عليه، فلا بدّ أن تقول أراد الدعاء له لا دعاءً عليه، ولو كان التأويل محظورًا لكان هذا دعاءً عليه لا له. ثم أقول: لا يخلو إما أن تقول: إن دعاء الرسول Mohamed peace be upon him.svg ليس مستجابًا فليس بصحيح، وإن قلت: إنه مستجاب فقد تركت مذهبك، وبَطَل قولك: إنهم كانوا لا يقولون بالتأويل، وكيف والله يقول: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم} [آل عمران: 7] وقال: {الم} [البقرة: 1] أنا الله أعلم، و{كهيعص} [مريم: 1] الكاف من كافي،، والهاء من هادي، والياء من حكيم، والعين من عليم، والصاد من صادق، إلى غير ذلك من المتشابه. ولو كان الراسخون في العلم لا يعلمون كما أن الجهال لا يعلمون، سَوَّوْا العالم بالجاهل، وهل مَن يعلم كَمَن لا يعلم؟! وقد فرّق الحق بينهما، فقال: {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} [الزمر: 9]، والمعنى لا يَسْتَوُون".[62] وقال أيضاً ما نصه: "إن نفيت التشبيه في الظاهر والباطن فمرحباً بك، وإن لم يمكنك أن تتخلص من شرك التشبيه إلى خالص التوحيد، وخالص التنزيه إلا بالتأويل، فالتأويل خير من التشبيه".[50]
وقال الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي في كتابه (كبرى اليقينيات الكونية): "مذهب السلف هو عدم الخوض في أي تأويل أو تفسير تفصيلي لهذه النصوص، والاكتفاء بإثبات ما أثبته الله تعالى لذاته، مع تنزيهه عزّ وجلّ عن كل نقص ومشابهة للحوادث، وسبيل ذلك التأويل الإجمالي لهذه النصوص وتحويل العلم التفصيلي بالمقصود منها إلى علم الله عزّ وجلّ، أما ترك هذه النصوص على ظاهرها دون أي تأويل لها سواء كان إجمالياً أم تفصيلياً فهو غير جائز، وهو شيء لم يجنح إليه سلف ولا خلف.... ولكنك عندما تنزه الله حيال جميع هذه الآيات عن مشابهة مخلوقه في أن يتحيز في مكان وتكون له أبعاد وأعضاء وصورة وشكل، ثم أثبتَّ لله ما أثبته هو لذاته على نحوٍ يليق بكماله وذلك بأن تكِلَ تفصيل المقصود بكلٍّ من هذه النصوص إلى الله جلّ جلاله سَلِمْتَ بذلك من التناقض في الفهم وسَلَّمْتَ القرآن من توهم أي تناقض فيه، وهذه هي طريقة السلف رحمهم الله ألا تراهم يقولون عنها "أمروها بلا كيف" إذ لولا أنهم يؤولونها تأويلاً إجمالياً بالمعنى الذي أوضحنا لما صحّ منهم أن يقولوا ذلك... ومذهب الخلف الذين جاءوا من بعدهم هو تأويل هذه النصوص بما يضعها على صراط واحد من الوفاق مع النصوص المحكمة الأخرى التي تقطع بتنزّه الله عن الجهة والمكان والجارحة... واعلم أن مذهب السلف في عصرهم كان هو الأفضل والأسلم والأوفق مع الإيمان الفطري المرتكز في كلٍّ من العقل والقلب. ومذهب الخلف في عصرهم أصبح هو المصير الذي لا يمكن التحول عنه، بسبب ما قامت فيه من المذاهب الفكرية والمناقشات العلمية.... والمهم أن تعلم بأن كلاًّ من المذهبين منهجان إلى غاية واحدة، لأن المآل فيهما إلى أن الله عزّوجلّ لا يشبهه شيء من مخلوقاته، وأنه منزّه عن جميع صفات النقص، فالخلاف الذي تراه بينهما خلاف لفظي وشكلي فقط".[63]
وقال الشيخ محمود محمد خطاب السبكي: (أما ما ورد من الآيات والأحاديث المتشابهة فقد أجمع السلف والخلف رضي الله عنهم على أنها مصروفة عن ظاهرها لقوله تعالى (قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد) وقوله سبحانه (ليس كمثله شئ وهوالسميع البصير) ثم اختلفوا في بيان معاني تلك الآيات والأحاديث، فالسلف يفوضون علم معانيها إليه تعالى، فيقولون إن الاستواء في آية (الرحمن على العرش استوى) لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، مع جزمهم بأنه جل جلاله يستحيل عليه الاستقرار على العرش أو اتصاله به أو جلوسه عليه، لأنه تعالى إله قديم موصوف باستوائه على العرش قبل خلق العرش، لأن القرآن الذي منه هذه الآية موجود قبل إيجاد العرش، فكيف يعقل أنه تعالى استقر على عرش غير موجود؟ ولما خلق الخلق لم يحتج إلى مكان يحل فيه، بل هو غني عنه. فهو تعالى لم يزل بالصفة التي كان عليها. والخلف يقولون فيها: الاستواء معناه الاقتدار والتصرف أو نحو ذلك. ومذهب السلف أسلم... ووجه صحة مذهب الخلف أنهم فسروا الآية بما يدل عليه اللفظ العربي، والقرآن عربي، وحملهم على التفسير المذكور ولم يفوضوا كما فوض السلف وجود المشبهة في زمانهم زاعمين - أي المشبهة - أن ظاهر الآيات يدل على أنه تعالى جسم، ولم يفقهوا أنه مستحيل عليه عز وجل الجسمية والحلول في الأمكنة... فوجب عليهم - يعني الخلف - أن يبينوا للعامة معنى تلك الآيات والأحاديث المتشابهة حسب مدلولات القرآن والأحاديث النبوية بما يصح اتصاف الله تعالى به، ليعرفوا الحق فيعملوا عليه ويتركوا الباطل وأهله فجزاهم الله تعالى خير الجزاء. وقد نقل العلامة زروق عن أبي حامد أنه قال: (لا خلاف في وجوب التأويل عند تعين شبهة لا ترتفع إلا به)".[64]
وقال الشيخ عدي بن مسافر الشامي: "...فلما ظهرت البدع وانتشر في الناس التشبيه والتعطيل فزع أهل الحق إلى التأويل".[65]
وقد دعا النبي لابن عباس فقال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل). رواه الإمام أحمد والطبراني. وفي رواية أخرى: (اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب). رواه ابن ماجه. وهذا الحديث هو وحده لو لم يكن غيره كاف في الدلالة على جواز التأويل. وكان مجاهد يقول: العلماء يعلمون تأويله، أي: تفسيره.[66] وطريقة التأويل ليست خاصة بالأشاعرة، فقد ورد عن كثير من السلف والحنابلة وأهل الحديث تأويل كثير من النصوص الموهمة للتجسيم والتشبيه. وقد ذكر المصنفون من أهل العلم بالحديث والفقه أن الذي حمل الأشاعرة والماتريدية في تأويل الأسماء والصفات هو التنزيه، وهذا لا يخرجهم عن دائرة أهل السنة والجماعة خاصة وأن معظم فقهاء الإسلام في الفقه والحديث والتفسير والعقيدة أغلبهم من الأشاعرة والماتريدية، وطريقتهم هي الوسط بين الغلو والتطرف والتساهل.[67] وقد قال الإمام أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي البغدادي المتوفي سنة 513 هـ: "هلك الإسلام بين طائفتين: الباطنية والظاهرية والحق بين المنزلتين وهو أن نأخذ بالظاهر ما لم يصرفنا عنه دليل ونرفض كل باطن لا يشهد به دليل من أدلة الشرع". وقال الإمام المجتهد ابن دقيق العيد: "إن كان التأويل من المجاز البين الشايع فالحق سلوكه من غير توقف. أو من المجاز البعيد الشاذ فالحق تركه، وإن استوى الأمران فالاختلاف في جوازه مسألة فقهية اجتهادية والأمر فيها ليس بالخطر بالنسبة للفريقين". وللإمام أبي حامد الغزالي كتاب سماه (قانون التأويل) وهو يقول فيه عند البحث فيما إذا كان بين المعقول والمنقول تصادم في أول النظر وظاهر الفكر: "والخائضون فيه تحزبوا إلى مفرط بتجريد النظر إلى المنقول وإلى مفرط بتجريد النظر إلى المعقول وإلى متوسط طمع في الجمع والتلفيق والمتوسطون انقسموا إلى من جعل المعقول أصلاً والمنقول تابعاً وإلى من جعل المنقول أصلاً والمعقول تابعاً وإلى من جعل كل واحد أصلاً" ثم شرح هؤلاء الأصناف الخمسة شرحاً جيداً لا يستغني عنه باحث. وقد سرد المؤرخ المتكلم الفخر بن المعلم القرشي الشافعي في كتابه (نجم المهتدي ورجم المعتدي) في باب خاص منه نماذج كثيرة من التأويلات المروية عن الصحابة والتابعين وقد اكتظت كتب التفسير بالرواية بما روى عنهم في هذا الصدد. وأما المشبهة فيقولون: نحن لا نؤول بل نحمل آيات الصفات وأخبارها على ظاهرها. وهم في قولهم هذا غير منتبهين إلى أن استعمال اللفظ في الله سبحانه بالمعنى المراد عند استعماله في الخلق تشبيه صريح. ومن الأدلة القاطعة على رد مزاعم الحشوية في دعوى التمسك بالظاهر في اعتقاد الجلوس على العرش خاصة قوله تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) [البقرة: 186] وقوله تعالى: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) [ق: 16] وقوله تعالى: (واسجد واقترب) [العلق: 19] وقوله تعالى: (ألا إنه بكل شيء محيط) [فصلت: 54] وقوله تعالى: (وهو معكم أينما كنتم) [الحديد: 4] وقوله: (وهو الله في السماوات وفي الأرض) [الأنعام: 3] وقوله: (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) [الزخرف: 84] إلى غير ذلك مما لا يحصى في الكتاب والسنة مما ينافي الجلوس على العرش وأهل السنة يرونها أدلة على تنزه الله سبحانه عن المكان فلا يبقى للحشوية أن يعملوا شيئاً إزاء أمثال تلك النصوص غير محاولة تأويلها مجازفة أو العدول عن القول بالاستقرار المكاني.[68]
هامش
^ الرسالة للإمام الشافعي، ص: 52.
^ بوابة الحركات الاسلامية: "الأشعرية" الاعتدال في مواجهة التطرف، أفكار الأشاعرة ومنهجهم، (رقم 8).
^ الموافقات في أصول الفقه (4/179)، تحقيق: عبد الله دراز، الناشر: دار المعرفة - بيروت.
المنهجية العامة في العقيدة والفقه والسلوك والإعلام بأن الأشعرية والماتريدية من أهل السنة، الناشر: الجيل الجديد ناشرون – صنعاء، الطبعة الأولى: 2007م، ص: 56.
^ فتاوى العز بن عبد السلام، ص: 22.
^ إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين 2/ 109.
^ مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 2/ 136.
^ مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 1/ 189.
^ طبقات الشافعية الكبرى للإمام تاج الدين السبكي.
^ كتاب: أهل السنة الأشاعرة شهادة علماء الأمة وأدلتهم، هل عطل الأشاعرة صفات الله تعالى؟، ص: 226-227.
^ المجموع شرح المهذب 1/ 25.
^ المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للنووي.
^ البرهان في علوم القرآن 2/ 209.
البرهان في علوم القرآن للزركشي.
^ البرهان في علوم القرآن 2/ 207.
^ مجالس ابن الجوزي في المتشابه من الآيات القرآنية، ص: 172.
^ كبرى اليقينيات الكونية، ص: 138 وما بعدها.
^ كتاب: الدين الخالص (1/ 27).
^ اعتقاد أهل السنة والجماعة، ص: 26.
^ علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير، المجلد الثاني، ص: 216.
^ المنهجية العامة في العقيدة والفقه والسلوك والإعلام بأن الأشعرية والماتريدية من أهل السنة، الناشر: الجيل الجديد ناشرون – صنعاء، الطبعة الأولى: 2007م، ص: 8-9، و57.
^ كتاب: السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل للإمام تقي الدين السبكي، ومعه تكملة الرد على نونية ابن القيم (تبديد الظلام المخيم من نونية ابن القيم) بقلم الإمام الكوثري، الناشر: المكتبة الأزهرية للتراث، ص: 106-108.