Baiat Murid pada Mursyid Tarekat
Baiat Murid pada Mursyid Tarekat Hukum baiat murid pada mursyid tarekat dalam pandangan syariah: apakah boleh atau apakah berlawanan dengan AlQuran dan sunnah?
Hukum baiat murid pada mursyid tarekat (thoriqoh) dalam pandangan syariah: apakah boleh atau apakah berlawanan dengan AlQuran dan sunnah?
التاريخ : 30/03/2014
الســؤال
سمعنا أنه يوجد عند الصوفية ما يسمى بالعهد، فماذا يقصدون به؟ وهل لهذا العهد الصوفي وجهة شرعية، أو تخريج على أصول الشرع، أم إنه بدعة ما أنزل الله بها من سلطان؟
الجـــواب
بسم الله، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد، فقد شاع بين الصوفية مصطلحات تدل على عمق العلاقة بين الشيخ والمريد، فسموا بداية الرباط بـ«العهد، البيعة، التحكيم، إلباس الخرقة، الطريق»، وهي ألفاظ لها دلالات تربوية سلوكية عميقة، تعني -بحسب الظاهر- ابتداء الرابطة بين المريد السالك والشيخ الكامل، وتعني -بحسب الحقيقة والباطن- ربط المريد بالمراد سبحانه.
ويرجع العهد في اللغة إلى عدة معان منها: الوصية، والضمان، والأمر، والرؤية، والمنزل. فكل ما عوهد الله عليه، وكل ما بين العباد من المواثيق هو عهد، وأمر اليتيم من العهد، وكذلك كل ما أمر الله به ونهى عنه. وفي الصحيح في دعاء سيد الاستغفار: ((وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت)) [أخرجه البخاري].
وأما العهد في العرف الصوفي، فيقول الشيخ السهروردي إنه ارتباط بين الشيخ والمريد، وتحكيم من المريد للشيخ في نفسه لمصالح دينه ودنياه، يرشده ويهديه ويبصره بآفات النفوس وفساد الأعمال ومداخل العدو. [عوارف المعارف للسهروردي ص251- 260].
أو هو التزام قربة دينية كالتزام الأنصار أنهم يحمون النبي صلى الله عليه وسلم مما يحمون منه نساءهم وأولادهم، ولابد فيه من لفظ دال على المعاهدة. [أعذب المسالك المحمودية للشيخ محمود خطاب السبكي 2/ 245، ط. المكتبة المحمودية].
وحفظ العهد هو الوقوف عند ما حده الله تعالى لعباده: فلا يفقد حيث أمر ولا يوجد حيث نهى، وحفظ عهد الربوبية والعبودية هو أن لا ينسب كمالا إلا إلى الرب ولا نقصانا إلا إلى العبد. [المعجم الصوفي دكتور محمد عبد المنعم الحفني ص190، ط. دار المسيرة- بيروت].
وفي معنى العهد أيضا: البيعة، فهي مدخل الصحبة المباركة بين الشيخ المرشد ومريد الوصول إلى معرفة الحق تبارك وتعالى، وبها يسري تأثير الشيخ في مريده بالحال والمقال، ويتحقق الرباط الوثيق الذي يستهدف تزكية النفس الإنسانية وصلاح القلب والروح.
وذلك لأنه لا يكفي عند الصوفية -في سلوكهم إلى طريق الله سبحانه وتعالى- مجرد العلم، فمجرد قراءة كتب التصوف عندهم بلا معاناة يعد متعة ذهنية، وثقافة عقلية، قد تشارك فيها النفس الأمارة بالسوء، فتكون طريقا إلى الضلالة طردا أو عكسا، أما المنح الروحية من الله تعالى فهي نتيجة الجهود والأعمال؛ فالصوفية أرباب أحوال، لا أصحاب أقوال، وعندهم «لم ينل المشاهدة من ترك المجاهدة».
فالسائر في طريق الله سبحانه لا بد له من ترك المرغوبات والمألوفات، ومراعاة الأنفاس، ثم لا بد له من زاد، وهو التقوى، وسلاح يتقوى به على عدوه اللدود، وهو الذكر، ومركوب يقصر عليه وعثاء السفر، وهو الهمة.
ولا يستقيم السير مع كل هذا إلا بدليل، وهو الأستاذ الكامل المربي الفاضل، وقد اشتهرت عباراتهم «من لا شيخ له فالشيطان شيخه». فمن أراد السلوك إلى الله على يد بعض الواصلين وقد يسر الله له من هو كذلك، فعليه أن يلزم نفسه طاعته والدخول تحت أوامره ونواهيه. [الفتاوى الحديثية للهيتمي ص77، ط. الحلبي].
فإن المرشد يتعهد السائر إلى الله بالتوجيه ويرشده إلى الطريق الحق، ويضيء له ما أظلم من جوانب نفسه، حتى يعبد الله تعالى على بصيرة وهدى ويقين. فإن المريد يبايع المرشد، ويعاهده على السير معه في طريق التخلي عن العيوب والتحلي بالصفات الحسنة، والتحقق بركن الإحسان والترقي في مقاماته. وحفظ العهد هو الوقوف عند ما حده الله تعالى لعباده فلا يفقد حيث أمر، ولا يوجد حيث نهي.
فالعهد في حقيقته عهد الله، واليد يد الله: ﴿إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم﴾ [الفتح: 10]، ومن هنا كان التحذير من عاقبة النكوص والمخالفة ونقض العهد: ﴿فمن نكث فإنما ينكث على نفسه﴾[الفتح: 10]، فالعهد الظاهر عهد الشيخ، والعهد الباطن الحقيقي هو عهد الله سبحانه وتعالى.
فإذا اتضح معنى العهد الصوفي في اللغة وفي عرف الصوفيين بقي سؤال، وهو: وهل لهذا العهد الصوفي توجيه شرعي، وتخريج يجعله منسجما مع أصول الشرع الشريف؟
والجواب: نعم له تخريج شرعي من نصوص الكتاب والسنة: فأما القرآن، فقد قال الله تعالى: ﴿إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرًا عظيمًا﴾ [الفتح: 10].
نقل صاحب تفسير روح البيان [9/ 21، ط. دار الفكر] عن الشيخ إسماعيل بن سودكين قوله: «المبايعون ثلاثة: الرسل، والشيوخ الورثة، والسلاطين. والمبايع في هؤلاء الثلاثة على الحقيقة واحد وهو الله تعالى، وهؤلاء الثلاثة شهود الله تعالى على بيعة هؤلاء الأتباع، وعلى هؤلاء الثلاثة شروط يجمعها: القيام بأمر الله، وعلى الأتباع الذين بايعوهم شروط يجمعها: المتابعة فيما أمروا به. فأما الرسل والشيوخ فلا يأمرون بمعصية أصلًا، فإن الرسل معصومون من هذا، والشيوخ محفوظون. وأما السلاطين فمن لـحق منهم بالشيوخ كان محفوظا وإلا كان مخذولا، ومع هذا فلا يطاع في معصية، والبيعة لازمة حتى يلقوا الله تعالى».
وقوله تعالى: ﴿وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولًا﴾ [الإسراء: 34]، فالعهد المذكور عام شامل أنواع البيعة الثلاثة التي ذكرت آنفا، ومنها البيعة بين الشيخ المربي ومريديه.
وأخذ العهد والبيعة في السنة النبوية ما كان يتخذ صورة واحدة من التلقين، أو يختص بجماعة من المسلمين، وإنما كان أخذ العهد في السنة جامعا بين بيعة الرجال وتلقين الجماعات والأفراد ومبايعة النساء بل وحتى من لم يحتلم. [ينظر: العهد عند الصوفية للأستاذ أشرف سعد، مجلة البحوث والدراسات الصوفية، العدد الثاني ص458].
ففي الصحيحين عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئًا ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه، فبايعناه على ذلك)).
وأما التلقين جماعة فقد أخرج أحمد في مسنده والطبراني في معجمه الكبير والحاكم في مستدركه عن يعلى بن شداد قال: ((حدثني أبي شداد رضي الله عنه وعبادة بن الصامت حاضر يصدقه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل فيكم غريب؟ - يعني من أهل الكتاب- فقلنا: لا يا رسول، فأمر بغلق الباب فقال: ارفعوا أيديكم وقولوا: لا إله إلا الله، فرفعنا أيدينا ساعة وقلنا: لا إله إلا الله، ثم وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم قال: الحمد لله، اللهم بعثتني بهذه الكلمة، وأمرتني بها، ووعدتني عليها الجنة، وإنك لا تخلف الميعاد. ثم قال: أبشروا فإن الله عز وجل قد غفر لكم)). [قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 191، ط. دار المأمون للتراث: رجاله موثقون].
ومن التلقين الإفرادي ما أخرجه أحمد في مسنده والطبراني في الكبير والأوسط والحاكم في مستدركه والبيهقي في سننه عن بشر بن الخصاصية رضي الله عنه قال: ((أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لأبايعه، قال: فاشترط علي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن أقيم الصلاة، وأن أؤدي الزكاة، وأن أحج حجة الإسلام، وأن أصوم شهر رمضان، وأن أجاهد في سبيل الله، فقلت: يا رسول الله، أما اثنتان فوالله ما أطيقهما: الجهاد والصدقة. فإنهم زعموا أنه من ولى الدبر فقد باء بغضب من الله، فأخاف إن حضرت تلك جشعت نفسي وكرهت الموت. والصدقة، فوالله ما لي إلا غنيمة وعشر ذود هن رسل أهلي وحمولتهم. قال: فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم حرك يده، ثم قال: فلا جهاد ولا صدقة! فبم تدخل الجنة إذًا؟! قال: قلت: يا رسول الله أنا أبايعك. قال: فبايعت عليهن كلهن)). [قال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 294: رجال أحمد موثقون].
والذود من الإبل: ما بين الاثنين إلى التسع، وقيل ما بين الثلاث إلى العشر. وقوله: رسل، أي: اللبن. وقوله: حمولتهم، بالفتح: ما يحتمل عليه الناس من الدواب سواء أكانت عليها الأحمال أم لم تكن، وبالضم: الأحمال.
وأخرج أحمد والنسائي عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت: ((يا رسول الله اشترط علي فأنت أعلم بالشرط. قال: أبايعك على أن تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتنصح المسلم، وتبرأ من الشرك)).
وفي صحيح البخاري عن جرير أيضا قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم.
وأخرج الترمذي والنسائي عن أميمة بنت رقيقة قالت: ((أتيت رسول الله في نسوة يبايعنه فقلن: نبايعك يا رسول الله على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيما استطعتن وأطقتن. فقلن: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، هلم نبايعك يا رسول الله. فقال: إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة)).
يستفاد مما ذكر من آيات القرآن الكريم، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، أن العهد الصوفي المذكور يمكن أن يخرج على هذه الأصول الشرعية، وأيضا ولما فيه من التعاون على البر والتقوى، قال تعالى: ﴿وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب﴾ [المائدة: 2].
وقد نهج الوارث من مرشدي الصوفية منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في أخذ البيعة في كل عصر، فقد ذكر الشيخ أبو الحسن الندوي في كتابه [رجال الفكر والدعوة في الإسلام 1/ 209، ط. مكتبة نزار مصطفى الباز]: أن الشيخ عبد القادر الجيلاني فتح باب البيعة والتوبة على مصراعيه يدخل فيه المسلمون من كل ناحية من نواحي العالم الإسلامي يجددون العهد والميثاق مع الله، ويعاهدون على ألا يشركوا ولا يكفروا ولا يفسقوا ولا يبتدعوا، ولا يظلموا ولا يستحلوا ما حرم الله، ولا يتركوا ما فرض الله ولا يتفانوا في الدنيا ولا يتناسوا الآخرة، وقد دخل في هذا الباب -وقد فتحه الله على يد الشيخ عبد القادر الجيلاني- خلق لا يحصيهم إلا الله، وصلحت أحوالهم وحسن إسلامهم، وظل الشيخ يربيهم ويحاسبهم ويشرف عليهم وعلى تقدمهم، فأصبح هؤلاء التلاميذ الروحيون يشعرون بالمسؤولية بعد البيعة والتوبة وتجديد الإيمان.
فكان لهذه المعاهدات والبيعات من الأثر في التزكية والإصلاح الفردي والجماعي أقوى شأن وأوفر نصيب.
وكيفية العهد مع الرجال أن يجلس المريد أمام شيخه جلسة الصلاة طاهر البدن والملبس فيلقنه التوبة، ثم بعدها يقول له: تعاهدني على ترك المعاصي وفعل الطاعات ما استطعت حتى لا يراك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك، وأن تلتزم بواجبات الدعوة والطريق، فإن قبل وضع يده في يده وقرأ آية المبايعة، وهي ﴿إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرًا عظيمًا﴾ [الفتح: 10]، ثم يقول له: هذا عهد الله على كتاب الله وسنة رسول الله، وطريقنا إليه تعالى لا مغيرين ولا مبدلين، العهد عهد الله واليد يد الله، وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا، نحن جميعا على بركة الله فيما وفق إليه شيخنا ومولانا فلان، ثم يسمي شيخه عن شيخه إلى صاحب الطريقة التي رضي أن ينتظم فيها، ثم إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. [راجع في تفصيل البيعة والعهد من المريد للشيخ كتاب: النفحات الإلهية في كيفية سلوك الطريقة المحمدية للشيخ/ محمد عبد الكريم القرشي المدني الشهير بالسمان ص13، 14، ط. مطبعة الآداب والمؤيد- مصر].
فإن قبل لقنه الجلالة في أذنه ثلاث مرات مفرغا فيها سره مستحضرا أمداد شيوخه حتى تتصل روحانية القلبين عليها، ثم يأمره أن يرددها عليه ثلاثا -للحديث المشهور في أنه عليه الصلاة والسلام أغلق الباب ولقن جماعة لا إله إلا الله ثلاثا، بعد أن عرف أن ليس فيهم غريب كما ذكرنا آنفا- وبعدها يأمره باتباع التعاليم ومكارم الأخلاق وموافاة مجالس الذكر وملازمته الورد.
أما مع النساء فيجب أن يكون العهد في طريقة وهيئة يرضاها الشرع الشريف بحسب ما تدعو إليه الحال، ولا يشرع وضع اليد في اليد ولا القرب من الآذان في تلقين الجلالة، ولا المعاهدة على حضور مجالس الرجال، ولا على ما لم تخص به الشريعة جنس النساء، أما مجالس العلم فيكون للنساء فيها مجال ومكان خاص بعيدا عن الاختلاط المحرم.
وعلى هذا فليس في العهد الصوفي بهذا الاعتبار من مخالفة شرعية، ولا يعد تعارضا مع أصول الشريعة، ونصوص الكتاب والسنة تشهد له، وفقنا الله لطاعته في السر والعلن، والله تعالى أعلم.
رابط
التاريخ : 30/03/2014
الســؤال
سمعنا أنه يوجد عند الصوفية ما يسمى بالعهد، فماذا يقصدون به؟ وهل لهذا العهد الصوفي وجهة شرعية، أو تخريج على أصول الشرع، أم إنه بدعة ما أنزل الله بها من سلطان؟
الجـــواب
بسم الله، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد، فقد شاع بين الصوفية مصطلحات تدل على عمق العلاقة بين الشيخ والمريد، فسموا بداية الرباط بـ«العهد، البيعة، التحكيم، إلباس الخرقة، الطريق»، وهي ألفاظ لها دلالات تربوية سلوكية عميقة، تعني -بحسب الظاهر- ابتداء الرابطة بين المريد السالك والشيخ الكامل، وتعني -بحسب الحقيقة والباطن- ربط المريد بالمراد سبحانه.
ويرجع العهد في اللغة إلى عدة معان منها: الوصية، والضمان، والأمر، والرؤية، والمنزل. فكل ما عوهد الله عليه، وكل ما بين العباد من المواثيق هو عهد، وأمر اليتيم من العهد، وكذلك كل ما أمر الله به ونهى عنه. وفي الصحيح في دعاء سيد الاستغفار: ((وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت)) [أخرجه البخاري].
وأما العهد في العرف الصوفي، فيقول الشيخ السهروردي إنه ارتباط بين الشيخ والمريد، وتحكيم من المريد للشيخ في نفسه لمصالح دينه ودنياه، يرشده ويهديه ويبصره بآفات النفوس وفساد الأعمال ومداخل العدو. [عوارف المعارف للسهروردي ص251- 260].
أو هو التزام قربة دينية كالتزام الأنصار أنهم يحمون النبي صلى الله عليه وسلم مما يحمون منه نساءهم وأولادهم، ولابد فيه من لفظ دال على المعاهدة. [أعذب المسالك المحمودية للشيخ محمود خطاب السبكي 2/ 245، ط. المكتبة المحمودية].
وحفظ العهد هو الوقوف عند ما حده الله تعالى لعباده: فلا يفقد حيث أمر ولا يوجد حيث نهى، وحفظ عهد الربوبية والعبودية هو أن لا ينسب كمالا إلا إلى الرب ولا نقصانا إلا إلى العبد. [المعجم الصوفي دكتور محمد عبد المنعم الحفني ص190، ط. دار المسيرة- بيروت].
وفي معنى العهد أيضا: البيعة، فهي مدخل الصحبة المباركة بين الشيخ المرشد ومريد الوصول إلى معرفة الحق تبارك وتعالى، وبها يسري تأثير الشيخ في مريده بالحال والمقال، ويتحقق الرباط الوثيق الذي يستهدف تزكية النفس الإنسانية وصلاح القلب والروح.
وذلك لأنه لا يكفي عند الصوفية -في سلوكهم إلى طريق الله سبحانه وتعالى- مجرد العلم، فمجرد قراءة كتب التصوف عندهم بلا معاناة يعد متعة ذهنية، وثقافة عقلية، قد تشارك فيها النفس الأمارة بالسوء، فتكون طريقا إلى الضلالة طردا أو عكسا، أما المنح الروحية من الله تعالى فهي نتيجة الجهود والأعمال؛ فالصوفية أرباب أحوال، لا أصحاب أقوال، وعندهم «لم ينل المشاهدة من ترك المجاهدة».
فالسائر في طريق الله سبحانه لا بد له من ترك المرغوبات والمألوفات، ومراعاة الأنفاس، ثم لا بد له من زاد، وهو التقوى، وسلاح يتقوى به على عدوه اللدود، وهو الذكر، ومركوب يقصر عليه وعثاء السفر، وهو الهمة.
ولا يستقيم السير مع كل هذا إلا بدليل، وهو الأستاذ الكامل المربي الفاضل، وقد اشتهرت عباراتهم «من لا شيخ له فالشيطان شيخه». فمن أراد السلوك إلى الله على يد بعض الواصلين وقد يسر الله له من هو كذلك، فعليه أن يلزم نفسه طاعته والدخول تحت أوامره ونواهيه. [الفتاوى الحديثية للهيتمي ص77، ط. الحلبي].
فإن المرشد يتعهد السائر إلى الله بالتوجيه ويرشده إلى الطريق الحق، ويضيء له ما أظلم من جوانب نفسه، حتى يعبد الله تعالى على بصيرة وهدى ويقين. فإن المريد يبايع المرشد، ويعاهده على السير معه في طريق التخلي عن العيوب والتحلي بالصفات الحسنة، والتحقق بركن الإحسان والترقي في مقاماته. وحفظ العهد هو الوقوف عند ما حده الله تعالى لعباده فلا يفقد حيث أمر، ولا يوجد حيث نهي.
فالعهد في حقيقته عهد الله، واليد يد الله: ﴿إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم﴾ [الفتح: 10]، ومن هنا كان التحذير من عاقبة النكوص والمخالفة ونقض العهد: ﴿فمن نكث فإنما ينكث على نفسه﴾[الفتح: 10]، فالعهد الظاهر عهد الشيخ، والعهد الباطن الحقيقي هو عهد الله سبحانه وتعالى.
فإذا اتضح معنى العهد الصوفي في اللغة وفي عرف الصوفيين بقي سؤال، وهو: وهل لهذا العهد الصوفي توجيه شرعي، وتخريج يجعله منسجما مع أصول الشرع الشريف؟
والجواب: نعم له تخريج شرعي من نصوص الكتاب والسنة: فأما القرآن، فقد قال الله تعالى: ﴿إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرًا عظيمًا﴾ [الفتح: 10].
نقل صاحب تفسير روح البيان [9/ 21، ط. دار الفكر] عن الشيخ إسماعيل بن سودكين قوله: «المبايعون ثلاثة: الرسل، والشيوخ الورثة، والسلاطين. والمبايع في هؤلاء الثلاثة على الحقيقة واحد وهو الله تعالى، وهؤلاء الثلاثة شهود الله تعالى على بيعة هؤلاء الأتباع، وعلى هؤلاء الثلاثة شروط يجمعها: القيام بأمر الله، وعلى الأتباع الذين بايعوهم شروط يجمعها: المتابعة فيما أمروا به. فأما الرسل والشيوخ فلا يأمرون بمعصية أصلًا، فإن الرسل معصومون من هذا، والشيوخ محفوظون. وأما السلاطين فمن لـحق منهم بالشيوخ كان محفوظا وإلا كان مخذولا، ومع هذا فلا يطاع في معصية، والبيعة لازمة حتى يلقوا الله تعالى».
وقوله تعالى: ﴿وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولًا﴾ [الإسراء: 34]، فالعهد المذكور عام شامل أنواع البيعة الثلاثة التي ذكرت آنفا، ومنها البيعة بين الشيخ المربي ومريديه.
وأخذ العهد والبيعة في السنة النبوية ما كان يتخذ صورة واحدة من التلقين، أو يختص بجماعة من المسلمين، وإنما كان أخذ العهد في السنة جامعا بين بيعة الرجال وتلقين الجماعات والأفراد ومبايعة النساء بل وحتى من لم يحتلم. [ينظر: العهد عند الصوفية للأستاذ أشرف سعد، مجلة البحوث والدراسات الصوفية، العدد الثاني ص458].
ففي الصحيحين عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئًا ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه، فبايعناه على ذلك)).
وأما التلقين جماعة فقد أخرج أحمد في مسنده والطبراني في معجمه الكبير والحاكم في مستدركه عن يعلى بن شداد قال: ((حدثني أبي شداد رضي الله عنه وعبادة بن الصامت حاضر يصدقه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل فيكم غريب؟ - يعني من أهل الكتاب- فقلنا: لا يا رسول، فأمر بغلق الباب فقال: ارفعوا أيديكم وقولوا: لا إله إلا الله، فرفعنا أيدينا ساعة وقلنا: لا إله إلا الله، ثم وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم قال: الحمد لله، اللهم بعثتني بهذه الكلمة، وأمرتني بها، ووعدتني عليها الجنة، وإنك لا تخلف الميعاد. ثم قال: أبشروا فإن الله عز وجل قد غفر لكم)). [قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 191، ط. دار المأمون للتراث: رجاله موثقون].
ومن التلقين الإفرادي ما أخرجه أحمد في مسنده والطبراني في الكبير والأوسط والحاكم في مستدركه والبيهقي في سننه عن بشر بن الخصاصية رضي الله عنه قال: ((أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لأبايعه، قال: فاشترط علي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن أقيم الصلاة، وأن أؤدي الزكاة، وأن أحج حجة الإسلام، وأن أصوم شهر رمضان، وأن أجاهد في سبيل الله، فقلت: يا رسول الله، أما اثنتان فوالله ما أطيقهما: الجهاد والصدقة. فإنهم زعموا أنه من ولى الدبر فقد باء بغضب من الله، فأخاف إن حضرت تلك جشعت نفسي وكرهت الموت. والصدقة، فوالله ما لي إلا غنيمة وعشر ذود هن رسل أهلي وحمولتهم. قال: فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم حرك يده، ثم قال: فلا جهاد ولا صدقة! فبم تدخل الجنة إذًا؟! قال: قلت: يا رسول الله أنا أبايعك. قال: فبايعت عليهن كلهن)). [قال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 294: رجال أحمد موثقون].
والذود من الإبل: ما بين الاثنين إلى التسع، وقيل ما بين الثلاث إلى العشر. وقوله: رسل، أي: اللبن. وقوله: حمولتهم، بالفتح: ما يحتمل عليه الناس من الدواب سواء أكانت عليها الأحمال أم لم تكن، وبالضم: الأحمال.
وأخرج أحمد والنسائي عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت: ((يا رسول الله اشترط علي فأنت أعلم بالشرط. قال: أبايعك على أن تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتنصح المسلم، وتبرأ من الشرك)).
وفي صحيح البخاري عن جرير أيضا قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم.
وأخرج الترمذي والنسائي عن أميمة بنت رقيقة قالت: ((أتيت رسول الله في نسوة يبايعنه فقلن: نبايعك يا رسول الله على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيما استطعتن وأطقتن. فقلن: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، هلم نبايعك يا رسول الله. فقال: إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة)).
يستفاد مما ذكر من آيات القرآن الكريم، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، أن العهد الصوفي المذكور يمكن أن يخرج على هذه الأصول الشرعية، وأيضا ولما فيه من التعاون على البر والتقوى، قال تعالى: ﴿وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب﴾ [المائدة: 2].
وقد نهج الوارث من مرشدي الصوفية منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في أخذ البيعة في كل عصر، فقد ذكر الشيخ أبو الحسن الندوي في كتابه [رجال الفكر والدعوة في الإسلام 1/ 209، ط. مكتبة نزار مصطفى الباز]: أن الشيخ عبد القادر الجيلاني فتح باب البيعة والتوبة على مصراعيه يدخل فيه المسلمون من كل ناحية من نواحي العالم الإسلامي يجددون العهد والميثاق مع الله، ويعاهدون على ألا يشركوا ولا يكفروا ولا يفسقوا ولا يبتدعوا، ولا يظلموا ولا يستحلوا ما حرم الله، ولا يتركوا ما فرض الله ولا يتفانوا في الدنيا ولا يتناسوا الآخرة، وقد دخل في هذا الباب -وقد فتحه الله على يد الشيخ عبد القادر الجيلاني- خلق لا يحصيهم إلا الله، وصلحت أحوالهم وحسن إسلامهم، وظل الشيخ يربيهم ويحاسبهم ويشرف عليهم وعلى تقدمهم، فأصبح هؤلاء التلاميذ الروحيون يشعرون بالمسؤولية بعد البيعة والتوبة وتجديد الإيمان.
فكان لهذه المعاهدات والبيعات من الأثر في التزكية والإصلاح الفردي والجماعي أقوى شأن وأوفر نصيب.
وكيفية العهد مع الرجال أن يجلس المريد أمام شيخه جلسة الصلاة طاهر البدن والملبس فيلقنه التوبة، ثم بعدها يقول له: تعاهدني على ترك المعاصي وفعل الطاعات ما استطعت حتى لا يراك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك، وأن تلتزم بواجبات الدعوة والطريق، فإن قبل وضع يده في يده وقرأ آية المبايعة، وهي ﴿إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرًا عظيمًا﴾ [الفتح: 10]، ثم يقول له: هذا عهد الله على كتاب الله وسنة رسول الله، وطريقنا إليه تعالى لا مغيرين ولا مبدلين، العهد عهد الله واليد يد الله، وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا، نحن جميعا على بركة الله فيما وفق إليه شيخنا ومولانا فلان، ثم يسمي شيخه عن شيخه إلى صاحب الطريقة التي رضي أن ينتظم فيها، ثم إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. [راجع في تفصيل البيعة والعهد من المريد للشيخ كتاب: النفحات الإلهية في كيفية سلوك الطريقة المحمدية للشيخ/ محمد عبد الكريم القرشي المدني الشهير بالسمان ص13، 14، ط. مطبعة الآداب والمؤيد- مصر].
فإن قبل لقنه الجلالة في أذنه ثلاث مرات مفرغا فيها سره مستحضرا أمداد شيوخه حتى تتصل روحانية القلبين عليها، ثم يأمره أن يرددها عليه ثلاثا -للحديث المشهور في أنه عليه الصلاة والسلام أغلق الباب ولقن جماعة لا إله إلا الله ثلاثا، بعد أن عرف أن ليس فيهم غريب كما ذكرنا آنفا- وبعدها يأمره باتباع التعاليم ومكارم الأخلاق وموافاة مجالس الذكر وملازمته الورد.
أما مع النساء فيجب أن يكون العهد في طريقة وهيئة يرضاها الشرع الشريف بحسب ما تدعو إليه الحال، ولا يشرع وضع اليد في اليد ولا القرب من الآذان في تلقين الجلالة، ولا المعاهدة على حضور مجالس الرجال، ولا على ما لم تخص به الشريعة جنس النساء، أما مجالس العلم فيكون للنساء فيها مجال ومكان خاص بعيدا عن الاختلاط المحرم.
وعلى هذا فليس في العهد الصوفي بهذا الاعتبار من مخالفة شرعية، ولا يعد تعارضا مع أصول الشريعة، ونصوص الكتاب والسنة تشهد له، وفقنا الله لطاعته في السر والعلن، والله تعالى أعلم.
رابط