Fatwa Suyuthi: Hukum Meluruskan dan Merapatkan Barisan
Fatwa Suyuthi: Hukum Meluruskan dan Merapatkan Barisan Imam Suyuthi dalam kitab Al-Hawi lil Fatawa menjelaskan secara detail tentang hukum meluruskan dan merapatkan barisan dalam sholat berjamaah. Fatwa ini dibuat pada tahun 876 hijriah.
Imam Suyuthi dalam kitab Al-Hawi lil Fatawa menjelaskan secara detail tentang hukum meluruskan dan merapatkan barisan dalam sholat berjamaah. Fatwa ini dibuat pada tahun 876 hijriah.
Baca juga:
- Hukum Menempelkan Kaki Saat Shalat Berjamaah
- Hukum Meluruskan Barisan Shaf Shalat Berjamaah
- Posisi Kedua Kaki Orang yang Shalat
الحاوي للفتاوي
جلال الدين السيوطي واسمه عبد الرحمن بن الكمال بن محمد الخضيري السيوطي
[ ص: 59 ] بسط الكف في إتمام الصف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا يقطع من وصله ، ولا ينصر من خذله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أفضل نبي أرسله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الطائفة المكملة ، وبعد
فقد سئلت عن عدم إتمام الصفوف ، والشروع في صف قبل إتمام صف ، فأجبت بأنه مكروه لا تحصل به فضيلة الجماعة ، ثم وردت إلي فتوى في ذلك فكتبت عليها ما نصه : لا تحصل الفضيلة وبيان ذلك بتقرير أمرين : أحدهما أن هذا الفعل مكروه ، الثاني أن المكروه في الجماعة يسقط فضيلتها ، فأما الأول : فقد صرحوا بذلك حيث قالوا في الكلام على التخطي يكره إلا إذا كان بين يديه فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي فإنهم مقصرون بتركها إذ يكره إنشاء صف قبل إتمام ما قبله ، ويشهد له من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم : ( أتموا الصفوف ما كان من نقص ففي المؤخر ) رواه أبو داود .
وفي شرح المهذب في باب التيمم : لو أدرك الإمام في ركوع غير الأخيرة فالمحافظة على الصف الأول أولى من المبادرة إلى الإحرام لإدراك الركعة ، وأما كون كل مكروه في الجماعة يسقط الفضيلة ، فهذا أمر معروف مقرر متداول على ألسنة الفقهاء ، يكاد يكون متفقا عليه ، هذا آخر ما كتبت ، وقد أردت في هذه الأوراق تحرير ما قلت ، بعد أن تعرف أن الفضيلة التي نعنيها هي التضعيف المعبر عنه في الحديث ببضع وعشرين لا أصل بركة الجماعة ، وسيأتي تقرير الفرق بين الأمرين ، ثم الكلام أولا في تحرير أن هذا الفعل مكروه من كلام الفقهاء والمحدثين ، قال النووي في شرح المهذب في باب الجماعة : اتفق أصحابنا وغيرهم على استحباب سد الفرج في الصفوف ، وإتمام الصف الأول ، ثم الذي يليه إلى آخرها ، ولا يشرع في صف حتى يتم ما قبله - هذه عبارته .
ولا يقابل المستحب إلا المكروه ، فإن قيل يقابله خلاف الأولى قلت : الجواب من وجهين : أحدهما أن المتقدمين لم يفرقوا بينهما ، وإنما فرق إمام الحرمين ، ومن تابعه ، الثاني أن القائلين به قالوا : هو ما لم يرد فيه دليل خاص ، وإنما استفيد من العمومات ، والمكروه : ما ورد فيه دليل خاص ، وهذا قد وردت فيه أدلة خاصة فضلا عن دليل واحد ، فمن ذلك [ ص: 60 ] الحديث المذكور في الفتوى ، وقد رواه أبو داود من حديث أنس قال النووي في شرح المهذب بإسناد حسن ، ومن ذلك ما رواه أبو داود ، وابن خزيمة ، والحاكم بإسناد صحيح عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أقيموا الصلاة ، وحاذوا بين المناكب ، وسدوا الخلل ، ولينوا بأيدي إخوانكم ، ولا تذروا فرجات للشيطان ، ومن وصل صفا وصله الله ، ومن قطع صفا قطعه الله ) ومعنى قطعه الله أي من الخير والفضيلة ، والأجر الجزيل .
وقال البخاري في صحيحه باب إثم من لا يتم الصفوف ، وأورد فيه حديث أنس : ( ما أنكرت شيئا إلا أنكم لا تقيمون الصفوف ) ، فقال الحافظ ابن حجر : يحتمل أن البخاري أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله : " سووا " ، ومن عموم قوله : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) ، ومن ورود الوعيد على تركه ، فترجح عنده بهذه القرائن أن إنكار أنس إنما وقع على ترك الواجب ومع القول به صلاة من خالف صحيحة لاختلاف الجهتين .
وأفرط ابن حزم فجزم بالبطلان ، ونازع من ادعى الإجماع على عدم الوجوب بما صح عن عمر ، أنه ضرب قدم أبي عثمان النهدي لإقامة الصف ، وبما صح عن سويد بن غفلة قال : كان بلال يسوي مناكبنا ، ويضرب أقدامنا في الصلاة فقال : ما كان عمر وبلال يضربان أحدا على ترك غير الواجب قال ابن حجر : وفيه نظر لجواز أنهما كانا يريان التعزير على ترك السنة .
وقال ابن بطال : تسوية الصفوف لما كانت من السنن المندوب إليها التي يستحق فاعلها المدح عليها ، دل على أن تاركها يستحق الذم ، وهذا صريح في أنه لا تحصل له الفضيلة ، وفي الصحيح حديث ( لتسون صفوفكم ، أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) .
قال شراح الحديث : تسوية الصفوف تطلق على أمرين : اعتدال القائمين على سمت واحد ، وسد الخلل الذي في الصف ، واختلف في الوعيد المذكور فقيل هو على حقيقته ، والمراد بتشويه الوجه تحويل خلقه عن وضعه بجعله موضع القفا ، قال الحافظ ابن حجر : وعلى هذا ، فهو واجب والتفريط فيه حرام قال : وهو نظير الوعيد فيمن رفع رأسه قبل الإمام قال : ويؤيد ذلك حديث أبي أمامة : ( لتسون الصفوف ، أو لتطمسن الوجوه ) رواه أحمد بسند فيه ضعف ، قلت : وإذا كان هذا نظير مسابقة الإمام في الوعيد ، فهو نظيره في سقوط الفضيلة ، وهو أمر متفق عليه ، كما سيأتي ، ومنهم من حمله على المجاز قال النووي : معناه توقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب .
وفي الصحيح أيضا حديث ( أقيموا صفوفكم ، وتراصوا ) قال الشراح : المراد بأقيموا اعتدلوا ، وبتراصوا تلاصقوا بغير خلل ، وفيه أيضا حديث ( سووا صفوفكم ، فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة ) استدل [ ص: 61 ] به الجمهور على سنة التسوية ، وابن حزم على وجوبها ; لأن إقامة الصلاة واجبة ، وكل شيء من الواجب واجب ، وروى أبو يعلى ، والطبراني عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن من تمام الصلاة إقامة الصف ) ، وروى أحمد بسند صحيح عن ابن مسعود قال : رأيتنا ، وما تقام الصلاة حتى تتكامل الصفوف ، وروى الطبراني في الكبير بسند رجاله ثقات عن ابن مسعود موقوفا : سووا صفوفكم ، فإن الشيطان يتخللها .
وروى أيضا بسند رجاله ثقات عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والفرج ) يعني في الصلاة ، وأخرج أبو يعلى عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تراصوا الصفوف فإني رأيت الشياطين تتخللكم ) .
وروى أحمد بسند حسن عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سووا صفوفكم وسدوا الخلل ، فإن الشيطان يدخل فيما بينكم ) .
وروى الطبراني عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من نظر إلى فرجة في صف فليسدها بنفسه ، فإن لم يفعل ، فمن مر فليتخط على رقبته ، فإنه لا حرمة له ) .
والأحاديث في ترك الفرج وتقطيع الصفوف كثيرة جدا وفيما أوردناه كفاية ، ومن الأحاديث التي في الترغيب ، ولا ترهيب فيها حديث : ( من سد فرجة في الصف غفر له ) رواه البزار بإسناد حسن عن أبي جحيفة .
وحديث : ( من سد فرجة في صف رفعه الله بها درجة ، وبنى له بيتا في الجنة ) رواه الطبراني في الأوسط ، عن عائشة بسند لا بأس به ، وأخرجه ابن أبي شيبة عن عطاء مرسلا .
وحديث ( إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف ) رواه الحاكم وغيره .
وحديث ( ألا تصفون ، كما تصف الملائكة عند ربهم ؟ قالوا : وكيف تصف الملائكة ؟ قال : يتمون الصف المقدم ، ويتراصون في الصف ) أخرجه النسائي .
وأخرج عبد الرزاق في مصنفه ، وابن أبي شيبة عن ابن عمر قال : لأن تقع ثنتاي أحب إلي من أرى فرجة في الصف أمامي ، فلا أصلها ، وأخرج عبد الرزاق عن إبراهيم النخعي أنه كان يكره أن يقوم الرجل في الصف الثاني حتى يتم الصف الأول ، ويكره أن يقوم في الصف الثالث حتى يتم الصف الثاني ، وأخرج عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : أيكره أن يقوم الرجل وحده وراء الصف ؟ قال : نعم ، والرجلان ، والثلاثة ، إلا في الصف . قلت لعطاء : أرأيت إن وجدت الصف مزحوما ، لا أرى فيه فرجة . قال : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، وأحب إلي والله أن أدخل فيه ، وأخرج عن النخعي قال : يقال : إذا دحس الصف ، فلم يكن فيه مدخل فليستخرج رجلا من ذلك [ ص: 62 ] الصف فليقم معه ، فإن لم يفعل فصلاته تلك صلاة واحدة ، ليست بصلاة جماعة ، وأخرج عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : أيكره أن يمشي الرجل يخرق الصفوف ؟ قال : إن خرق الصفوف إلى فرجة ، فقد أحسن وحق على الناس أن يدحسوا الصفوف حتى لا يكون بينهم فرج ، ثم قال : ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) فالصلاة أحق أن يكون فيها ذلك ، وأخرج عن يحيى بن جعدة قال : أحق الصفوف بالإتمام أولها ، وأخرج سعيد بن منصور في سننه ، وابن أبي شيبة ، والحاكم عن العرباض بن سارية قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصف المقدم ثلاثا ، وعلى الذي يليه واحدة ، وأخرج سعيد بن منصور عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول ) قالوا : يا رسول الله ، وعلى الثاني ؟ قال : ( إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول ) قالوا : يا رسول الله ، وعلى الثاني ؟ قال : ( إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول ) قالوا : يا رسول الله ، وعلى الثاني ؟ قال : ( سووا صفوفكم وحاذوا بين مناكبكم ، ولينوا في أيدي إخوانكم ، وسدوا الخلل ، فإن الشيطان يدخل فيما بينكم بمنزلة الحذف ) .
وأخرج عن إبراهيم النخعي قال كان يقال : سووا الصفوف ، وتراصوا لا تتخللكم الشياطين ، كأنها بنات الحذف .
وأخرج عن ابن عمر قال : ما خطا رجل خطوة أعظم أجرا من خطوة إلى ثلمة صف ليسدها .
وأخرج عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن سابط قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما تغبرت الأقدام ، في مشي أحب إلى الله من رقع صف ) يعني في الصلاة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إذا قمتم إلى الصلاة فاعدلوا صفوفكم ، وسدوا الفرج فإني أراكم من وراء ظهري .
ومما يناسب ذلك أيضا قال البخاري في الصحيح باب الصلاة بين السواري في غير جماعة ، ثم أورد فيه حديث ابن عمر عن بلال في الصلاة في الكعبة ، قال الحافظ ابن حجر : إنما قيدها بغير الجماعة ; لأن ذلك يقطع الصفوف ، وتسوية الصفوف في الجماعة مطلوب ، وقال الرافعي في شرح المسند : احتج البخاري [ ص: 63 ] بهذا الحديث على أنه لا بأس بالصلاة بين الساريتين ، إذا لم يكن في جماعة ، وقال المحب الطبري : كره قوم الصف بين السواري ، للنهي الوارد عن ذلك ، ومحل الكراهة عند عدم الضيق ، والحكمة فيه انقطاع الصف .
فهذا الذي أوردناه من الأحاديث ، وكلام شارحيها من أهل المذهب وغيرهم صريح في كراهة هذا الفعل ، وفي بعضها ما يصرح بسقوط الفضيلة ، ولنذكر الآن ما وقع في كتب المذهب من المكروهات التي لا فضيلة معها ، فأول ما صرحوا بذلك في مسألة المقارنة ، قال الرافعي رحمه الله في الشرح : قال : صاحب التهذيب ، وغيره : ذكروا أنه يكره الإتيان بالأفعال مع الإمام ، وتفوت به فضيلة الجماعة .
وكذا قال النووي في الروضة وشرح المهذب ، وابن الرفعة في الكفاية ، قال الزركشي في الخادم الكلام في هذه المسألة في شيئين أحدهما : في كون المقارنة مكروهة ، الثاني : تفويتها فضيلة الجماعة ، فأما الأول فقد صرح بالكراهة البغوي وتابعه الروياني ، وكلام الإمام وغيره يقتضي أنه خلاف الأولى ، وأما الثاني فعبارة التهذيب : إذا أتى بالأفعال مع الإمام يكره ، وتفوت به فضيلة الجماعة ، ولكن تصح صلاته .
وقال ابن الأستاذ : في هذا نظر ، فإنه حينئذ ينبغي أن يجري الخلاف في صحة صلاته إلا أن يقال : تفوته فضيلة الأولوية مع أن حكم الجماعة عليه ، وقال التاج الفزاري : في كلام البغوي نظر ، فإنه حكم بفوات فضيلة الجماعة وحكم بصحة الصلاة وذلك تناقض وتبعه أيضا السبكي ، وصاحب المهمات والبارزي في توضيحه الكبير ، قال الزركشي : وهذا كله مردود ، فإن الصحة لا تستلزم الثواب بدليل الصلاة في الثوب الحرير ، والدار المغصوبة وإفراد يوم الجمعة بالصوم ، والحكم بانتفاء فضيلة الجماعة لا يناقض حصولها بدليل ما لو صلى بالجماعة في أرض مغصوبة ، فالاقتداء صحيح ، وهو في جماعة لا ثواب فيها قال : ومما يشهد لانفكاك ثواب الجماعة ، المسبوق يدرك الإمام بعد الركوع من الركعة الأخيرة ، فإنه في جماعة قطعا ; لأن اقتداءه صحيح بلا خلاف ، وإلا لبطلت صلاته ، ومع ذلك اختلفوا في حصول الفضيلة له قال : وكذلك كل صلاة لا تستحب فيها الجماعة كصلاة العراة جماعة ، فإنه يصح الاقتداء ومع ذلك لا ثواب فيها ; لأنها غير مطلوبة .
قال : والحاصل أن النووي نفى فضيلة الجماعة أي ثوابها ، ولم يقل : بطلت الجماعة . فدل على أن الجماعة باقية وأنه في حكم المقتدي ; لأنه يتحمل عنه السهو وغيره قال : والعجب من هؤلاء المشايخ ، كيف غفلوا عن هذا وتتابعوا على هذا الفساد وأن فوات الفضيلة يستلزم الخروج عن المتابعة ؟ [ ص: 64 ] وهذا عجب من القول مع وضوح أنه لا تلازم بينهما ، لما قلناه من بقاء الجماعة وصحة الاقتداء مع انتفاء الثواب في ما لا يحصى ، قال : وأما جزم البارزي بأنه يحصل له فضيلة الجماعة فأعجب ; لأن المقارنة مكروهة ، والمكروه لا ثواب فيه ، وكيف يتخيل مع ذلك حصول الثواب ؟ .
وقد ذكر الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في تذكرة الخلاف فيمن أخرج نفسه من الجماعة : إنا وإن حكمنا بالصحة فقد فاتته الفضيلة ، قال الزركشي : وإذا ثبت هذا في المقارنة جرى مثله في سبق الإمام من باب أولى ، بل يجري أيضا في المساواة معه في الموقف ; فإنها مكروهة ، والضابط أنه حيث فعل مكروها في الجماعة من مخالفة المأموم ، فاتته فضيلتها إذ المكروه لا ثواب فيه ، وكذا لو اقتدى بإمام محدث ، وهو جاهل بحدثه ، فإن صلاته تصح ، وإن فاتته فضيلة الجماعة ، انتهى كلام الخادم بحروفه ، وقد تحصل من هذا صور منقولة تسقط فيها الفضيلة مع الصحة ، بعضها للكراهة وبعضها للتحريم ، وبعضها لعدم الطلب .
فمن الأول المسابقة ، والمقارنة ، والمفارقة والمساواة في الموقف ، ومن الثاني صلاة الجماعة في أرض مغصوبة ، ومن الثالث صلاة العراة ، وممن صرح بمسألة المساواة أيضا الحافظ ابن حجر ، فقال في شرح البخاري : الأصل في الإمام أن يكون مقدما على المأمومين ، إلا إن ضاق المكان ، أو كانوا عراة ، وما عدا ذلك تجزئ ، ولكن تفوت الفضيلة .
وصرح بذلك أيضا ابن العماد في القول التمام ، وعلله بارتكاب المكروه ، وكذا قال الشيخ جلال الدين المحلي في شرح المنهاج معبرا بقوله : ويؤخذ من الكراهة سقوط الفضيلة على قياس ما ذكر في المقارنة ، ثم قال الزركشي عند الكلام على مسألة المفارقة : حيث جوزنا له المفارقة ، فهل يبقى للمأموم فضيلة الجماعة التي أدركها ؟ الذي صرح به الصيرفي البقاء ، وكلام المهذب يقتضي المنع ، ويؤيده ما سبق عن البغوي من تفويت الفضيلة بالمقارنة ; فإنها إذا فاتت مع الاتفاق على الصحة ، فلأن تفوت مع الاختلاف في البطلان أولى ثم قال : والمتجه التفصيل بين المعذور وغيره انتهى .
وذكر مثل ذلك ابن العماد في القول التمام ، ويؤخذ من قوله أنها إذا فاتت مع الاتفاق على الصحة ففي الاختلاف في البطلان أولى فواتها أيضا في المنفرد وخلف الصف ، فإن مذهب أحمد بطلانها ، وهو وجه عندنا حكاه الدارمي عن ابن خزيمة ، وحكاه القاضي أبو الطيب عن ابن المنذر ، والحميدي من أصحابنا قال السبكي وغيره : ودليلهم قوي ، وقد علق الشافعي القول به على صحة الحديث فقالوا : لو ثبت حديث وابصة [ ص: 65 ] لقلت به وقد صححه ابن حبان والحاكم وحسنه الترمذي ، ثم أطال الكلام في تقريره الجواب عن حديث أبي بكرة ، وقد ورد أثر في سقوط الفضيلة في هذه الصورة بعينها أورده البيهقي مستدلا به - وهو من كبار الشافعية - فروى من طريق المغيرة عن إبراهيم فيمن صلى خلف الصف وحده ، فقال : صلاته تامة ، وليس له تضعيف ، ومعنى ذلك أنه لا تحصل له المضاعفة إلى بضع وعشرين الذي هو فضل الجماعة ، وقال في الروضة في مسألة الأداء خلف القضاء وعكسه : الأولى الانفراد للخروج من خلاف العلماء ، قال في الخادم : وإذا كان الأولى الانفراد لم يحصل له فضيلة الجماعة ، فهذه صورة أخرى ، وقال الحافظ ابن حجر والشيخ جلال الدين المحلي في شرح المنهاج في مسألة الاقتداء في خلال الصلاة : صرح في شرح المهذب بأنه مكروه ، ويؤخذ من الكراهة سقوط الفضيلة على قياس ما ذكر في المقارنة ، فهذه صورة ثامنة ، ورأيت الشيخ جلال الدين يشير إلى أنه حيث وجدت الكراهة سقطت الفضيلة ، كما لا يخفى ذلك من عبارته .
ومما يدل للكراهة في الصورة التي نحن بصددها ، قولهم بجواز التخطي في مثلها ، مع أن أصل التخطي مكروه كراهة شديدة عند الجمهور ، وحرام عند قوم ، واختاره النووي للأحاديث ، فلولا أنه أمر مهم جدا ما أبيح له ما هو في الأصل محرم أو مكروه كراهة شديدة مع قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث " ( فإنه لا حرمة له ) ، ومما يؤنسك بهذا أن من قواعد الفقه وأصوله أن ما كان ممنوعا إذا جاز وجب ، وهذه قاعدة نفيسة استدلوا بها على إيجاب الختان ، فإن قطع جزء من بدن الإنسان ممنوع منه ، فلما جاز كان واجبا ، وتقريره هنا أن التخطي ممنوع منه إما تحريما أو كراهة ، فلما جاز بل طلب دل على أنه واجب في حصول الفضيلة والتضعيف وإن لم يكن واجبا في ذاته ، إذ لا يأثم تاركه ولا يقدح في صحة الصلاة .
وأما تحرير الفرق بين بركة الجماعة وفضيلتها ، ففي الخادم في مسألة من أدرك الإمام بعد ركوع الأخيرة ذكروا أن كلام الرافعي في آخر هذه المسألة يقتضي أن بركة الجماعة أمر غير فضيلة الجماعة ، وأن البركة هي التي تحصل لهذا دون الفضيلة ، قال : وبهذا يندفع ما قيل في المسألة من تناقض أو إشكال ، وقد وقع في ذكر حكمة هذا العدد المخصوص في الحديث ما يؤيد الفرق بين بركة الجماعة وفضيلتها ، قال الحافظ ابن حجر : ذكر المحب الطبري أن بعضهم قال : إن في حديث أبي هريرة ما يشير إلى ذلك حيث قال [ ص: 66 ] وذلك أنه إذا توضأ إلى آخره ، وهذا ظاهر في أن الأمور المذكورة عليه للتضعيف المذكور ، وإذا كان كذلك فما رتب على موضوعات متعددة لا يوجد بوجود بعضها إلا إذا دل الدليل على إلغاء ما ليس معتبرا ، وهذه الزيادة التي في حديث أبي هريرة معقولة المعنى فالأخذ بها متوجه والروايات المطلقة لا تنافيها بل تحمل عليها ، قال : وقد نقحت الأسباب المقتضية للدرجات المذكورة فإذا هي خمس وعشرون في السرية ، وسبع وعشرون في الجهرية ، وبذلك يجمع بين الحديثين ، أولها إلى الخامس : إجابة المؤذن بنية الصلاة في الجماعة ، والتبكير إليها في أول الوقت ، والمشي إلى المسجد بالسكينة ، ودخول المسجد داعيا ، وصلاة التحية عند دخوله ، كل ذلك بنية الصلاة في الجماعة ، سادسها : انتظار صلاة الجماعة والتعاون على الطاعة ، سابعها : صلاة الملائكة عليه واستغفارهم له ، ثامنها : شهادتهم له ، تاسعها : إجابة الإقامة ، عاشرها : السلامة من الشيطان حين يفر عند الإقامة ، حادي عشرها : الوقوف منتظرا إحرام الإمام والدخول معه في أي هيئة وجده عليها ، ثاني عشرها : إدراك تكبيرة الإحرام ، ثالث عشرها : تسوية الصفوف وسد فرجها ، رابع عشرها : جواب الإمام عند قوله : سمع الله لمن حمده ، خامس عشرها : الأمن من السهو غالبا وتنبيه الإمام إذا سها بالتسبيح والفتح عليه ، سادس عشرها : حصول الخشوع والسلامة مما يلهي غالبا ، سابع عشرها : تحسين الهيئة غالبا ، ثامن عشرها : إحفاف الملائكة ، تاسع عشرها : التدريب على تجويد القراءة ، وتعلم الأركان والأبعاض ، العشرون : إظهار شعائر الإسلام ، الحادي والعشرون : إرغام الشيطان بالاجتماع على العبادة والتعاون على الطاعة ونشاط المتكاسل ، الثاني والعشرون : السلامة من صفة النفاق ومن إساءة غيره به الظن بأنه ترك الصلاة رأسا ، الثالث والعشرون : رد السلام على الإمام ، الرابع والعشرون : الانتفاع باجتماعهم على الدعاء والذكر وعود بركة الكامل منهم على الناقص ، الخامس والعشرون : قيام نظام الألفة بين الجيران وحصول تعاهدهم في أوقات الصلوات . وتزيد الجهرية بالإنصات عند قراءة الإمام والاستماع لها والتيامن عند تأمينه ، قال الحافظ ابن حجر : ومقتضى ذلك اختصاص التضعيف بالتجميع في المسجد وإلا تسقط ثلاثة أشياء وهي : المشي والدخول والتحية ، فيمكن أن يعوض من ذلك ما يشتمل على خصلتين متقاربتين أقيمتا مقام خصلة واحدة ، لأن منفعة الاجتماع على الدعاء والذكر غير منفعة عود بركة الكامل على الناقص ، وكذا فائدة قيام الألفة غير فائدة حصول التعاهد ، وكذا فائدة أمن [ ص: 67 ] المأمومين من السهو غالبا غير تنبيه الإمام إذا سها ، فيمكن أن يعوض من تلك الثلاثة هذه فيحصل المطلوب ، قال : ولا يرد على ذلك كون بعض الخصال تختص ببعض من صلى جماعة دون بعض ، كالتكبير وانتظار الجماعة وانتظار إحرام الإمام ، ونحو ذلك ، لأن أجر ذلك يحصل لقاصده بمجرد الجماعة وانتظار إحرام الإمام ونحو ذلك ; لأن أجر ذلك يحصل لقاصده بمجرد النية ولو لم يقع ، إذا علمت ذلك فالإخلال بسد الفرجة لا يحصل معه التضعيف المذكور قطعا لأنه خصلة من الخصال المقابلة بدرجة ، ثم إنه يسقط بسببه خصال أخر كالسلامة من الشيطان ; لتصريح الحديث بتخلل الشيطان بينهم ، وإحفاف الملائكة لعدم مجامعتهم للشياطين ، وصلاة الملائكة وشهادتهم له؛ لأن ذلك ينافي ورود الوعيد عليه ، وقيام نظام الألفة لإخبار الحديث بأنه يورث مخالفة القلوب ، وعود بركة الكامل على الناقص لذلك أيضا ، وعدم الأمن من السهو غالبا ، وعدم إرغام الشيطان ، وعدم الخشوع لوسوسة الشياطين المتخللة ، فهذه عشر خصال تفوت بعدم سد الفرجة فيفوت بسببها عشر درجات .
فإن انضم إلى ذلك عدم التبكير والانتظار والوقوف منتظرا إحرام الإمام وإدراك تكبيرة الإحرام إذ المقصر في سد الفرجة مع سهولتها أقرب إلى التقصير في المذكورات ، وأبعد من المبادرة إليها ، ومن أن تكون له عادة بالمحافظة عليها سقط خمسة أخرى ، وإن انضم إلى ذلك بعده عن الإمام وتراخي الصف الذي وقف فيه عن سد الفرجة تسقط خصلتان وهي تنبيه الإمام إذا سها والاستماع لقراءة الإمام فيصير الحاصل له في الجهرية عشر درجات ، وفي السرية تسع والله أعلم .
ومما يدل على ذلك أيضا ما رواه سعيد بن منصور في سننه بإسناد حسن عن أوس المعافري أنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص : أرأيت من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى في بيته ؟ قال : حسن جميل ، قال : فإن صلى في مسجد عشيرته ، قال : خمس عشرة صلاة ، قال : فإن مشى إلى مسجد جماعة فصلى فيه ، قال : خمس وعشرون .
وبذلك يندفع قول من قال : إن الجماعة الكاملة يحصل فيها خمس وعشرون درجة والجماعة التي فيها خلل يحصل فيها هذا العدد ، لكن درجات الأول أعظم وأكمل كما قيل في بدنة المبكر إلى الجمعة ، حيث يشترك فيها الآتي أول الساعة وآخرها ، والصحابة أعلم بمراد النبي صلى الله عليه وسلم وبتفسير معاني كلامه من غيرهم ، وأيضا فالأصح في تفسير الدرجة [ ص: 68 ] أو الجزء حصول مقدار صلاة المنفرد بالعدد المذكور للمجمع كما رجحه جماعة منهم ابن دقيق العيد ; لأنه ورد مبينا في بعض الروايات كحديث مسلم : ( صلاة الجماعة تعدل خمسا وعشرين من صلاة الفذ ) ، قال الحافظ ابن حجر : وهو مقتضى قوله تضعف؛ لأن الضعف كما قال الأزهري المثل إلى ما زاد ، فالتفاوت في ذلك إنما يقع بزيادة عدد المثل ونقصانه لا بارتفاعه وانحطاطه بخلاف البدنة ونحوها ، فإنها مما تقبل العظم والخسة كما لا يخفى ، وقد أورد أن الصلاة أيضا تتفاوت بالكمال والنقصان ، فقلت : المراد أن تلك الصلاة التي صلاها بعينها في الجماعة تحصل له مثل ما لو صلاها منفردا بضعا وعشرين مرة ، سواء كانت في نهاية الكمال أم لا ، فنقصان سد الفرج ونحوه أمر زائد على نقصان أصل الصلاة قطعا ، وأورد أن كلام ابن عمرو محمول على أنه قاله اجتهادا فلا يقلد فيه، ولو قاله مرفوعا لتم الاحتجاج به على ذلك ، فقلت : هذا من قبيل المرفوع؛ لأن مثله لا يقال من قبل الرأي إذ هو من أمور الآخرة التي لا تقال إلا عن توقيف ، وأورد أن الآتي ولا فرجة في الصف يؤمر بجذب رجل ويؤمر ذاك بمساعدته فيصير في الصف فرجة ، فقلت : هذا للضرورة ولدفع ما هو أشد كراهة وإحرازا لصحة الصلاة على قول من يرى بطلانها [ قال الشمس الداودي : قال مؤلفه شيخنا : وكانت هذه الفتوى والتأليف في صفر سنة ست وسبعين وثمانمائة ] والله أعلم .
Baca juga:
- Hukum Menempelkan Kaki Saat Shalat Berjamaah
- Hukum Meluruskan Barisan Shaf Shalat Berjamaah
- Posisi Kedua Kaki Orang yang Shalat
الحاوي للفتاوي
جلال الدين السيوطي واسمه عبد الرحمن بن الكمال بن محمد الخضيري السيوطي
[ ص: 59 ] بسط الكف في إتمام الصف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا يقطع من وصله ، ولا ينصر من خذله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أفضل نبي أرسله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الطائفة المكملة ، وبعد
فقد سئلت عن عدم إتمام الصفوف ، والشروع في صف قبل إتمام صف ، فأجبت بأنه مكروه لا تحصل به فضيلة الجماعة ، ثم وردت إلي فتوى في ذلك فكتبت عليها ما نصه : لا تحصل الفضيلة وبيان ذلك بتقرير أمرين : أحدهما أن هذا الفعل مكروه ، الثاني أن المكروه في الجماعة يسقط فضيلتها ، فأما الأول : فقد صرحوا بذلك حيث قالوا في الكلام على التخطي يكره إلا إذا كان بين يديه فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي فإنهم مقصرون بتركها إذ يكره إنشاء صف قبل إتمام ما قبله ، ويشهد له من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم : ( أتموا الصفوف ما كان من نقص ففي المؤخر ) رواه أبو داود .
وفي شرح المهذب في باب التيمم : لو أدرك الإمام في ركوع غير الأخيرة فالمحافظة على الصف الأول أولى من المبادرة إلى الإحرام لإدراك الركعة ، وأما كون كل مكروه في الجماعة يسقط الفضيلة ، فهذا أمر معروف مقرر متداول على ألسنة الفقهاء ، يكاد يكون متفقا عليه ، هذا آخر ما كتبت ، وقد أردت في هذه الأوراق تحرير ما قلت ، بعد أن تعرف أن الفضيلة التي نعنيها هي التضعيف المعبر عنه في الحديث ببضع وعشرين لا أصل بركة الجماعة ، وسيأتي تقرير الفرق بين الأمرين ، ثم الكلام أولا في تحرير أن هذا الفعل مكروه من كلام الفقهاء والمحدثين ، قال النووي في شرح المهذب في باب الجماعة : اتفق أصحابنا وغيرهم على استحباب سد الفرج في الصفوف ، وإتمام الصف الأول ، ثم الذي يليه إلى آخرها ، ولا يشرع في صف حتى يتم ما قبله - هذه عبارته .
ولا يقابل المستحب إلا المكروه ، فإن قيل يقابله خلاف الأولى قلت : الجواب من وجهين : أحدهما أن المتقدمين لم يفرقوا بينهما ، وإنما فرق إمام الحرمين ، ومن تابعه ، الثاني أن القائلين به قالوا : هو ما لم يرد فيه دليل خاص ، وإنما استفيد من العمومات ، والمكروه : ما ورد فيه دليل خاص ، وهذا قد وردت فيه أدلة خاصة فضلا عن دليل واحد ، فمن ذلك [ ص: 60 ] الحديث المذكور في الفتوى ، وقد رواه أبو داود من حديث أنس قال النووي في شرح المهذب بإسناد حسن ، ومن ذلك ما رواه أبو داود ، وابن خزيمة ، والحاكم بإسناد صحيح عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أقيموا الصلاة ، وحاذوا بين المناكب ، وسدوا الخلل ، ولينوا بأيدي إخوانكم ، ولا تذروا فرجات للشيطان ، ومن وصل صفا وصله الله ، ومن قطع صفا قطعه الله ) ومعنى قطعه الله أي من الخير والفضيلة ، والأجر الجزيل .
وقال البخاري في صحيحه باب إثم من لا يتم الصفوف ، وأورد فيه حديث أنس : ( ما أنكرت شيئا إلا أنكم لا تقيمون الصفوف ) ، فقال الحافظ ابن حجر : يحتمل أن البخاري أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله : " سووا " ، ومن عموم قوله : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) ، ومن ورود الوعيد على تركه ، فترجح عنده بهذه القرائن أن إنكار أنس إنما وقع على ترك الواجب ومع القول به صلاة من خالف صحيحة لاختلاف الجهتين .
وأفرط ابن حزم فجزم بالبطلان ، ونازع من ادعى الإجماع على عدم الوجوب بما صح عن عمر ، أنه ضرب قدم أبي عثمان النهدي لإقامة الصف ، وبما صح عن سويد بن غفلة قال : كان بلال يسوي مناكبنا ، ويضرب أقدامنا في الصلاة فقال : ما كان عمر وبلال يضربان أحدا على ترك غير الواجب قال ابن حجر : وفيه نظر لجواز أنهما كانا يريان التعزير على ترك السنة .
وقال ابن بطال : تسوية الصفوف لما كانت من السنن المندوب إليها التي يستحق فاعلها المدح عليها ، دل على أن تاركها يستحق الذم ، وهذا صريح في أنه لا تحصل له الفضيلة ، وفي الصحيح حديث ( لتسون صفوفكم ، أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) .
قال شراح الحديث : تسوية الصفوف تطلق على أمرين : اعتدال القائمين على سمت واحد ، وسد الخلل الذي في الصف ، واختلف في الوعيد المذكور فقيل هو على حقيقته ، والمراد بتشويه الوجه تحويل خلقه عن وضعه بجعله موضع القفا ، قال الحافظ ابن حجر : وعلى هذا ، فهو واجب والتفريط فيه حرام قال : وهو نظير الوعيد فيمن رفع رأسه قبل الإمام قال : ويؤيد ذلك حديث أبي أمامة : ( لتسون الصفوف ، أو لتطمسن الوجوه ) رواه أحمد بسند فيه ضعف ، قلت : وإذا كان هذا نظير مسابقة الإمام في الوعيد ، فهو نظيره في سقوط الفضيلة ، وهو أمر متفق عليه ، كما سيأتي ، ومنهم من حمله على المجاز قال النووي : معناه توقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب .
وفي الصحيح أيضا حديث ( أقيموا صفوفكم ، وتراصوا ) قال الشراح : المراد بأقيموا اعتدلوا ، وبتراصوا تلاصقوا بغير خلل ، وفيه أيضا حديث ( سووا صفوفكم ، فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة ) استدل [ ص: 61 ] به الجمهور على سنة التسوية ، وابن حزم على وجوبها ; لأن إقامة الصلاة واجبة ، وكل شيء من الواجب واجب ، وروى أبو يعلى ، والطبراني عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن من تمام الصلاة إقامة الصف ) ، وروى أحمد بسند صحيح عن ابن مسعود قال : رأيتنا ، وما تقام الصلاة حتى تتكامل الصفوف ، وروى الطبراني في الكبير بسند رجاله ثقات عن ابن مسعود موقوفا : سووا صفوفكم ، فإن الشيطان يتخللها .
وروى أيضا بسند رجاله ثقات عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والفرج ) يعني في الصلاة ، وأخرج أبو يعلى عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تراصوا الصفوف فإني رأيت الشياطين تتخللكم ) .
وروى أحمد بسند حسن عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سووا صفوفكم وسدوا الخلل ، فإن الشيطان يدخل فيما بينكم ) .
وروى الطبراني عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من نظر إلى فرجة في صف فليسدها بنفسه ، فإن لم يفعل ، فمن مر فليتخط على رقبته ، فإنه لا حرمة له ) .
والأحاديث في ترك الفرج وتقطيع الصفوف كثيرة جدا وفيما أوردناه كفاية ، ومن الأحاديث التي في الترغيب ، ولا ترهيب فيها حديث : ( من سد فرجة في الصف غفر له ) رواه البزار بإسناد حسن عن أبي جحيفة .
وحديث : ( من سد فرجة في صف رفعه الله بها درجة ، وبنى له بيتا في الجنة ) رواه الطبراني في الأوسط ، عن عائشة بسند لا بأس به ، وأخرجه ابن أبي شيبة عن عطاء مرسلا .
وحديث ( إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف ) رواه الحاكم وغيره .
وحديث ( ألا تصفون ، كما تصف الملائكة عند ربهم ؟ قالوا : وكيف تصف الملائكة ؟ قال : يتمون الصف المقدم ، ويتراصون في الصف ) أخرجه النسائي .
وأخرج عبد الرزاق في مصنفه ، وابن أبي شيبة عن ابن عمر قال : لأن تقع ثنتاي أحب إلي من أرى فرجة في الصف أمامي ، فلا أصلها ، وأخرج عبد الرزاق عن إبراهيم النخعي أنه كان يكره أن يقوم الرجل في الصف الثاني حتى يتم الصف الأول ، ويكره أن يقوم في الصف الثالث حتى يتم الصف الثاني ، وأخرج عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : أيكره أن يقوم الرجل وحده وراء الصف ؟ قال : نعم ، والرجلان ، والثلاثة ، إلا في الصف . قلت لعطاء : أرأيت إن وجدت الصف مزحوما ، لا أرى فيه فرجة . قال : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، وأحب إلي والله أن أدخل فيه ، وأخرج عن النخعي قال : يقال : إذا دحس الصف ، فلم يكن فيه مدخل فليستخرج رجلا من ذلك [ ص: 62 ] الصف فليقم معه ، فإن لم يفعل فصلاته تلك صلاة واحدة ، ليست بصلاة جماعة ، وأخرج عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : أيكره أن يمشي الرجل يخرق الصفوف ؟ قال : إن خرق الصفوف إلى فرجة ، فقد أحسن وحق على الناس أن يدحسوا الصفوف حتى لا يكون بينهم فرج ، ثم قال : ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) فالصلاة أحق أن يكون فيها ذلك ، وأخرج عن يحيى بن جعدة قال : أحق الصفوف بالإتمام أولها ، وأخرج سعيد بن منصور في سننه ، وابن أبي شيبة ، والحاكم عن العرباض بن سارية قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصف المقدم ثلاثا ، وعلى الذي يليه واحدة ، وأخرج سعيد بن منصور عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول ) قالوا : يا رسول الله ، وعلى الثاني ؟ قال : ( إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول ) قالوا : يا رسول الله ، وعلى الثاني ؟ قال : ( إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول ) قالوا : يا رسول الله ، وعلى الثاني ؟ قال : ( سووا صفوفكم وحاذوا بين مناكبكم ، ولينوا في أيدي إخوانكم ، وسدوا الخلل ، فإن الشيطان يدخل فيما بينكم بمنزلة الحذف ) .
وأخرج عن إبراهيم النخعي قال كان يقال : سووا الصفوف ، وتراصوا لا تتخللكم الشياطين ، كأنها بنات الحذف .
وأخرج عن ابن عمر قال : ما خطا رجل خطوة أعظم أجرا من خطوة إلى ثلمة صف ليسدها .
وأخرج عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن سابط قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما تغبرت الأقدام ، في مشي أحب إلى الله من رقع صف ) يعني في الصلاة .
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إذا قمتم إلى الصلاة فاعدلوا صفوفكم ، وسدوا الفرج فإني أراكم من وراء ظهري .
ومما يناسب ذلك أيضا قال البخاري في الصحيح باب الصلاة بين السواري في غير جماعة ، ثم أورد فيه حديث ابن عمر عن بلال في الصلاة في الكعبة ، قال الحافظ ابن حجر : إنما قيدها بغير الجماعة ; لأن ذلك يقطع الصفوف ، وتسوية الصفوف في الجماعة مطلوب ، وقال الرافعي في شرح المسند : احتج البخاري [ ص: 63 ] بهذا الحديث على أنه لا بأس بالصلاة بين الساريتين ، إذا لم يكن في جماعة ، وقال المحب الطبري : كره قوم الصف بين السواري ، للنهي الوارد عن ذلك ، ومحل الكراهة عند عدم الضيق ، والحكمة فيه انقطاع الصف .
فهذا الذي أوردناه من الأحاديث ، وكلام شارحيها من أهل المذهب وغيرهم صريح في كراهة هذا الفعل ، وفي بعضها ما يصرح بسقوط الفضيلة ، ولنذكر الآن ما وقع في كتب المذهب من المكروهات التي لا فضيلة معها ، فأول ما صرحوا بذلك في مسألة المقارنة ، قال الرافعي رحمه الله في الشرح : قال : صاحب التهذيب ، وغيره : ذكروا أنه يكره الإتيان بالأفعال مع الإمام ، وتفوت به فضيلة الجماعة .
وكذا قال النووي في الروضة وشرح المهذب ، وابن الرفعة في الكفاية ، قال الزركشي في الخادم الكلام في هذه المسألة في شيئين أحدهما : في كون المقارنة مكروهة ، الثاني : تفويتها فضيلة الجماعة ، فأما الأول فقد صرح بالكراهة البغوي وتابعه الروياني ، وكلام الإمام وغيره يقتضي أنه خلاف الأولى ، وأما الثاني فعبارة التهذيب : إذا أتى بالأفعال مع الإمام يكره ، وتفوت به فضيلة الجماعة ، ولكن تصح صلاته .
وقال ابن الأستاذ : في هذا نظر ، فإنه حينئذ ينبغي أن يجري الخلاف في صحة صلاته إلا أن يقال : تفوته فضيلة الأولوية مع أن حكم الجماعة عليه ، وقال التاج الفزاري : في كلام البغوي نظر ، فإنه حكم بفوات فضيلة الجماعة وحكم بصحة الصلاة وذلك تناقض وتبعه أيضا السبكي ، وصاحب المهمات والبارزي في توضيحه الكبير ، قال الزركشي : وهذا كله مردود ، فإن الصحة لا تستلزم الثواب بدليل الصلاة في الثوب الحرير ، والدار المغصوبة وإفراد يوم الجمعة بالصوم ، والحكم بانتفاء فضيلة الجماعة لا يناقض حصولها بدليل ما لو صلى بالجماعة في أرض مغصوبة ، فالاقتداء صحيح ، وهو في جماعة لا ثواب فيها قال : ومما يشهد لانفكاك ثواب الجماعة ، المسبوق يدرك الإمام بعد الركوع من الركعة الأخيرة ، فإنه في جماعة قطعا ; لأن اقتداءه صحيح بلا خلاف ، وإلا لبطلت صلاته ، ومع ذلك اختلفوا في حصول الفضيلة له قال : وكذلك كل صلاة لا تستحب فيها الجماعة كصلاة العراة جماعة ، فإنه يصح الاقتداء ومع ذلك لا ثواب فيها ; لأنها غير مطلوبة .
قال : والحاصل أن النووي نفى فضيلة الجماعة أي ثوابها ، ولم يقل : بطلت الجماعة . فدل على أن الجماعة باقية وأنه في حكم المقتدي ; لأنه يتحمل عنه السهو وغيره قال : والعجب من هؤلاء المشايخ ، كيف غفلوا عن هذا وتتابعوا على هذا الفساد وأن فوات الفضيلة يستلزم الخروج عن المتابعة ؟ [ ص: 64 ] وهذا عجب من القول مع وضوح أنه لا تلازم بينهما ، لما قلناه من بقاء الجماعة وصحة الاقتداء مع انتفاء الثواب في ما لا يحصى ، قال : وأما جزم البارزي بأنه يحصل له فضيلة الجماعة فأعجب ; لأن المقارنة مكروهة ، والمكروه لا ثواب فيه ، وكيف يتخيل مع ذلك حصول الثواب ؟ .
وقد ذكر الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في تذكرة الخلاف فيمن أخرج نفسه من الجماعة : إنا وإن حكمنا بالصحة فقد فاتته الفضيلة ، قال الزركشي : وإذا ثبت هذا في المقارنة جرى مثله في سبق الإمام من باب أولى ، بل يجري أيضا في المساواة معه في الموقف ; فإنها مكروهة ، والضابط أنه حيث فعل مكروها في الجماعة من مخالفة المأموم ، فاتته فضيلتها إذ المكروه لا ثواب فيه ، وكذا لو اقتدى بإمام محدث ، وهو جاهل بحدثه ، فإن صلاته تصح ، وإن فاتته فضيلة الجماعة ، انتهى كلام الخادم بحروفه ، وقد تحصل من هذا صور منقولة تسقط فيها الفضيلة مع الصحة ، بعضها للكراهة وبعضها للتحريم ، وبعضها لعدم الطلب .
فمن الأول المسابقة ، والمقارنة ، والمفارقة والمساواة في الموقف ، ومن الثاني صلاة الجماعة في أرض مغصوبة ، ومن الثالث صلاة العراة ، وممن صرح بمسألة المساواة أيضا الحافظ ابن حجر ، فقال في شرح البخاري : الأصل في الإمام أن يكون مقدما على المأمومين ، إلا إن ضاق المكان ، أو كانوا عراة ، وما عدا ذلك تجزئ ، ولكن تفوت الفضيلة .
وصرح بذلك أيضا ابن العماد في القول التمام ، وعلله بارتكاب المكروه ، وكذا قال الشيخ جلال الدين المحلي في شرح المنهاج معبرا بقوله : ويؤخذ من الكراهة سقوط الفضيلة على قياس ما ذكر في المقارنة ، ثم قال الزركشي عند الكلام على مسألة المفارقة : حيث جوزنا له المفارقة ، فهل يبقى للمأموم فضيلة الجماعة التي أدركها ؟ الذي صرح به الصيرفي البقاء ، وكلام المهذب يقتضي المنع ، ويؤيده ما سبق عن البغوي من تفويت الفضيلة بالمقارنة ; فإنها إذا فاتت مع الاتفاق على الصحة ، فلأن تفوت مع الاختلاف في البطلان أولى ثم قال : والمتجه التفصيل بين المعذور وغيره انتهى .
وذكر مثل ذلك ابن العماد في القول التمام ، ويؤخذ من قوله أنها إذا فاتت مع الاتفاق على الصحة ففي الاختلاف في البطلان أولى فواتها أيضا في المنفرد وخلف الصف ، فإن مذهب أحمد بطلانها ، وهو وجه عندنا حكاه الدارمي عن ابن خزيمة ، وحكاه القاضي أبو الطيب عن ابن المنذر ، والحميدي من أصحابنا قال السبكي وغيره : ودليلهم قوي ، وقد علق الشافعي القول به على صحة الحديث فقالوا : لو ثبت حديث وابصة [ ص: 65 ] لقلت به وقد صححه ابن حبان والحاكم وحسنه الترمذي ، ثم أطال الكلام في تقريره الجواب عن حديث أبي بكرة ، وقد ورد أثر في سقوط الفضيلة في هذه الصورة بعينها أورده البيهقي مستدلا به - وهو من كبار الشافعية - فروى من طريق المغيرة عن إبراهيم فيمن صلى خلف الصف وحده ، فقال : صلاته تامة ، وليس له تضعيف ، ومعنى ذلك أنه لا تحصل له المضاعفة إلى بضع وعشرين الذي هو فضل الجماعة ، وقال في الروضة في مسألة الأداء خلف القضاء وعكسه : الأولى الانفراد للخروج من خلاف العلماء ، قال في الخادم : وإذا كان الأولى الانفراد لم يحصل له فضيلة الجماعة ، فهذه صورة أخرى ، وقال الحافظ ابن حجر والشيخ جلال الدين المحلي في شرح المنهاج في مسألة الاقتداء في خلال الصلاة : صرح في شرح المهذب بأنه مكروه ، ويؤخذ من الكراهة سقوط الفضيلة على قياس ما ذكر في المقارنة ، فهذه صورة ثامنة ، ورأيت الشيخ جلال الدين يشير إلى أنه حيث وجدت الكراهة سقطت الفضيلة ، كما لا يخفى ذلك من عبارته .
ومما يدل للكراهة في الصورة التي نحن بصددها ، قولهم بجواز التخطي في مثلها ، مع أن أصل التخطي مكروه كراهة شديدة عند الجمهور ، وحرام عند قوم ، واختاره النووي للأحاديث ، فلولا أنه أمر مهم جدا ما أبيح له ما هو في الأصل محرم أو مكروه كراهة شديدة مع قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث " ( فإنه لا حرمة له ) ، ومما يؤنسك بهذا أن من قواعد الفقه وأصوله أن ما كان ممنوعا إذا جاز وجب ، وهذه قاعدة نفيسة استدلوا بها على إيجاب الختان ، فإن قطع جزء من بدن الإنسان ممنوع منه ، فلما جاز كان واجبا ، وتقريره هنا أن التخطي ممنوع منه إما تحريما أو كراهة ، فلما جاز بل طلب دل على أنه واجب في حصول الفضيلة والتضعيف وإن لم يكن واجبا في ذاته ، إذ لا يأثم تاركه ولا يقدح في صحة الصلاة .
وأما تحرير الفرق بين بركة الجماعة وفضيلتها ، ففي الخادم في مسألة من أدرك الإمام بعد ركوع الأخيرة ذكروا أن كلام الرافعي في آخر هذه المسألة يقتضي أن بركة الجماعة أمر غير فضيلة الجماعة ، وأن البركة هي التي تحصل لهذا دون الفضيلة ، قال : وبهذا يندفع ما قيل في المسألة من تناقض أو إشكال ، وقد وقع في ذكر حكمة هذا العدد المخصوص في الحديث ما يؤيد الفرق بين بركة الجماعة وفضيلتها ، قال الحافظ ابن حجر : ذكر المحب الطبري أن بعضهم قال : إن في حديث أبي هريرة ما يشير إلى ذلك حيث قال [ ص: 66 ] وذلك أنه إذا توضأ إلى آخره ، وهذا ظاهر في أن الأمور المذكورة عليه للتضعيف المذكور ، وإذا كان كذلك فما رتب على موضوعات متعددة لا يوجد بوجود بعضها إلا إذا دل الدليل على إلغاء ما ليس معتبرا ، وهذه الزيادة التي في حديث أبي هريرة معقولة المعنى فالأخذ بها متوجه والروايات المطلقة لا تنافيها بل تحمل عليها ، قال : وقد نقحت الأسباب المقتضية للدرجات المذكورة فإذا هي خمس وعشرون في السرية ، وسبع وعشرون في الجهرية ، وبذلك يجمع بين الحديثين ، أولها إلى الخامس : إجابة المؤذن بنية الصلاة في الجماعة ، والتبكير إليها في أول الوقت ، والمشي إلى المسجد بالسكينة ، ودخول المسجد داعيا ، وصلاة التحية عند دخوله ، كل ذلك بنية الصلاة في الجماعة ، سادسها : انتظار صلاة الجماعة والتعاون على الطاعة ، سابعها : صلاة الملائكة عليه واستغفارهم له ، ثامنها : شهادتهم له ، تاسعها : إجابة الإقامة ، عاشرها : السلامة من الشيطان حين يفر عند الإقامة ، حادي عشرها : الوقوف منتظرا إحرام الإمام والدخول معه في أي هيئة وجده عليها ، ثاني عشرها : إدراك تكبيرة الإحرام ، ثالث عشرها : تسوية الصفوف وسد فرجها ، رابع عشرها : جواب الإمام عند قوله : سمع الله لمن حمده ، خامس عشرها : الأمن من السهو غالبا وتنبيه الإمام إذا سها بالتسبيح والفتح عليه ، سادس عشرها : حصول الخشوع والسلامة مما يلهي غالبا ، سابع عشرها : تحسين الهيئة غالبا ، ثامن عشرها : إحفاف الملائكة ، تاسع عشرها : التدريب على تجويد القراءة ، وتعلم الأركان والأبعاض ، العشرون : إظهار شعائر الإسلام ، الحادي والعشرون : إرغام الشيطان بالاجتماع على العبادة والتعاون على الطاعة ونشاط المتكاسل ، الثاني والعشرون : السلامة من صفة النفاق ومن إساءة غيره به الظن بأنه ترك الصلاة رأسا ، الثالث والعشرون : رد السلام على الإمام ، الرابع والعشرون : الانتفاع باجتماعهم على الدعاء والذكر وعود بركة الكامل منهم على الناقص ، الخامس والعشرون : قيام نظام الألفة بين الجيران وحصول تعاهدهم في أوقات الصلوات . وتزيد الجهرية بالإنصات عند قراءة الإمام والاستماع لها والتيامن عند تأمينه ، قال الحافظ ابن حجر : ومقتضى ذلك اختصاص التضعيف بالتجميع في المسجد وإلا تسقط ثلاثة أشياء وهي : المشي والدخول والتحية ، فيمكن أن يعوض من ذلك ما يشتمل على خصلتين متقاربتين أقيمتا مقام خصلة واحدة ، لأن منفعة الاجتماع على الدعاء والذكر غير منفعة عود بركة الكامل على الناقص ، وكذا فائدة قيام الألفة غير فائدة حصول التعاهد ، وكذا فائدة أمن [ ص: 67 ] المأمومين من السهو غالبا غير تنبيه الإمام إذا سها ، فيمكن أن يعوض من تلك الثلاثة هذه فيحصل المطلوب ، قال : ولا يرد على ذلك كون بعض الخصال تختص ببعض من صلى جماعة دون بعض ، كالتكبير وانتظار الجماعة وانتظار إحرام الإمام ، ونحو ذلك ، لأن أجر ذلك يحصل لقاصده بمجرد الجماعة وانتظار إحرام الإمام ونحو ذلك ; لأن أجر ذلك يحصل لقاصده بمجرد النية ولو لم يقع ، إذا علمت ذلك فالإخلال بسد الفرجة لا يحصل معه التضعيف المذكور قطعا لأنه خصلة من الخصال المقابلة بدرجة ، ثم إنه يسقط بسببه خصال أخر كالسلامة من الشيطان ; لتصريح الحديث بتخلل الشيطان بينهم ، وإحفاف الملائكة لعدم مجامعتهم للشياطين ، وصلاة الملائكة وشهادتهم له؛ لأن ذلك ينافي ورود الوعيد عليه ، وقيام نظام الألفة لإخبار الحديث بأنه يورث مخالفة القلوب ، وعود بركة الكامل على الناقص لذلك أيضا ، وعدم الأمن من السهو غالبا ، وعدم إرغام الشيطان ، وعدم الخشوع لوسوسة الشياطين المتخللة ، فهذه عشر خصال تفوت بعدم سد الفرجة فيفوت بسببها عشر درجات .
فإن انضم إلى ذلك عدم التبكير والانتظار والوقوف منتظرا إحرام الإمام وإدراك تكبيرة الإحرام إذ المقصر في سد الفرجة مع سهولتها أقرب إلى التقصير في المذكورات ، وأبعد من المبادرة إليها ، ومن أن تكون له عادة بالمحافظة عليها سقط خمسة أخرى ، وإن انضم إلى ذلك بعده عن الإمام وتراخي الصف الذي وقف فيه عن سد الفرجة تسقط خصلتان وهي تنبيه الإمام إذا سها والاستماع لقراءة الإمام فيصير الحاصل له في الجهرية عشر درجات ، وفي السرية تسع والله أعلم .
ومما يدل على ذلك أيضا ما رواه سعيد بن منصور في سننه بإسناد حسن عن أوس المعافري أنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص : أرأيت من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى في بيته ؟ قال : حسن جميل ، قال : فإن صلى في مسجد عشيرته ، قال : خمس عشرة صلاة ، قال : فإن مشى إلى مسجد جماعة فصلى فيه ، قال : خمس وعشرون .
وبذلك يندفع قول من قال : إن الجماعة الكاملة يحصل فيها خمس وعشرون درجة والجماعة التي فيها خلل يحصل فيها هذا العدد ، لكن درجات الأول أعظم وأكمل كما قيل في بدنة المبكر إلى الجمعة ، حيث يشترك فيها الآتي أول الساعة وآخرها ، والصحابة أعلم بمراد النبي صلى الله عليه وسلم وبتفسير معاني كلامه من غيرهم ، وأيضا فالأصح في تفسير الدرجة [ ص: 68 ] أو الجزء حصول مقدار صلاة المنفرد بالعدد المذكور للمجمع كما رجحه جماعة منهم ابن دقيق العيد ; لأنه ورد مبينا في بعض الروايات كحديث مسلم : ( صلاة الجماعة تعدل خمسا وعشرين من صلاة الفذ ) ، قال الحافظ ابن حجر : وهو مقتضى قوله تضعف؛ لأن الضعف كما قال الأزهري المثل إلى ما زاد ، فالتفاوت في ذلك إنما يقع بزيادة عدد المثل ونقصانه لا بارتفاعه وانحطاطه بخلاف البدنة ونحوها ، فإنها مما تقبل العظم والخسة كما لا يخفى ، وقد أورد أن الصلاة أيضا تتفاوت بالكمال والنقصان ، فقلت : المراد أن تلك الصلاة التي صلاها بعينها في الجماعة تحصل له مثل ما لو صلاها منفردا بضعا وعشرين مرة ، سواء كانت في نهاية الكمال أم لا ، فنقصان سد الفرج ونحوه أمر زائد على نقصان أصل الصلاة قطعا ، وأورد أن كلام ابن عمرو محمول على أنه قاله اجتهادا فلا يقلد فيه، ولو قاله مرفوعا لتم الاحتجاج به على ذلك ، فقلت : هذا من قبيل المرفوع؛ لأن مثله لا يقال من قبل الرأي إذ هو من أمور الآخرة التي لا تقال إلا عن توقيف ، وأورد أن الآتي ولا فرجة في الصف يؤمر بجذب رجل ويؤمر ذاك بمساعدته فيصير في الصف فرجة ، فقلت : هذا للضرورة ولدفع ما هو أشد كراهة وإحرازا لصحة الصلاة على قول من يرى بطلانها [ قال الشمس الداودي : قال مؤلفه شيخنا : وكانت هذه الفتوى والتأليف في صفر سنة ست وسبعين وثمانمائة ] والله أعلم .