Siksa Kubur Menurut Hizbut Tahrir
Siksa Kubur Menurut Hizbut Tahrir itu tidak ada karena sumbernya berasal dari hadits ahad yang menurut mereka bersifat zhanni sedangkan soal siksa kubur itu masalah akidah yang harus didukung oleh hadits mutawatir. Betulkan anggapan hizbut tahrir ini?
Siksa Kubur Menurut Hizbut Tahrir itu tidak ada karena sumbernya berasal dari hadits ahad yang menurut mereka bersifat zhanni sedangkan soal siksa kubur itu masalah akidah yang harus didukung oleh hadits mutawatir. Betulkan anggapan hizbut tahrir ini?
عذاب القبر عند حزب التحرير.
السلام عليكم ورحمة الله
"بسم الله الرحمن الرحيم
جواب سؤال
ورد سؤالان عن عذاب القبر ملخصهما ما يلي:
1ـ هل يُفهم مما جاء في الكراسة المتبناة أن الحزب لم يتبنَّ رأياً في عذاب القبر ؟
2ـ هل الأحاديث الواردة في عذاب القبر والاستعاذة منه وسؤال الملكين متواترة أم لا ؟
3ـ هل في الآيات القرآنية دلالة قطعية على عذاب القبر ؟
4ـ ما الجواب عما قاله العلماء من تواتر الأحاديث إما لفظاً وأمَا معنى ؟
5ـ ما الجواب على المنقول من إجماع الصحابة اعتماداً على مروياتهم وعدم نقل الخلاف عنهم في ذلك ؟
الجواب على ذلك إجمالي وهو ما يلي:
إن قول الحزب في الكراسة المتبناة ( 7ـ8) عن حديثي أبي هريرة وعائشة رضي الله عنهما: "فهذان الحديثان خبر آحاد" يفسّره جواب سؤال في المجموعة الفكرية (136) جاء فيه: "فحديث عذاب القبر ثابت في صحيح البخاري ولكنه خبر آحاد". وجاء مثله أيضاً في جواب آخر وهو جواب يشرح فكراً متبنى فيكون متبنى، أي أن الحزب تبنى بأن حديث عذاب القبر خبر آحاد وليس متواتراً.
والحزب إنما أورده في معرض بيان أن العقائد لا تؤخذ إلاّ عن يقين، ولم يقصد إلى الخوض فيما اختلف فيه من الأفكار المتعلقة بالعقيدة الإسلامية، كما لم يقصد الاشتغال بتخريج الأحاديث لبيان المتواتر والآحاد. لأن الجنوح إلى هذا انحراف بالثقافة الحزبية عما وضعت له.
فالحزب يتبنى ما يلزمه بوصفه حزباً، ويتبنى ما يلزم لإحداث النهضة في الأمة الإسلامية، من أجل هذا شرح بعض أفكار العقيدة الإسلامية، وبنى هذا الشرح على ضوابط وقواعد تحفظ صحة التصور، وتحافظ على نقائه وصفائه.
أما في ما يتعلق بقبول الحديث ورده وبالتواتر والآحاد فإن أنظار العلماء تختلف فيها تبعاً لقواعد كل منهم وسعة اطّلاعه وقـوة إدراكه. ولا بد حين الرجوع إليها من معرفة قواعدهم، وبناء الأحكام على الثقافة الحزبية وإلاّ كان الاطّلاع عليها مربكاً وضارّاً. والعلماء منازل فمنهم العالم المتحقق فيما يخوض فيه السابر لأغواره، ومنهم المشارك في جملة من المعارف الشرعية، متحقّق في بعضها ومقلِّد في البعض الآخر. فالغزالي وإمام الحرمين إمامان في الفقه والأصول، وأما الحديث فلا دراية لهما بصحيحه من ضعيفة فضلاً عن متواترة. وابن قتيبة كان رأساً في علم اللسان العربـي والأخبار وأيام الناس وليس بصاحب حديث. فلا يُغترّ بكثرة النقول عن هؤلاء وأمثالهم.
والمتبنى في التواتر هو تواتر الحديث لفظاً، وهو الذي شرحه الحزب في كتبه وبيّن شروطه، وأما ذكره في كتاب الشخصية / الجزء الأول (267) من وجود التواتر المعنوي فيلغيه جواب سؤال في المجموعة الفكرية (136) جاء فيه "لا يوجد تواتر معنوي وإنما يوجد تواتر حديث". وما سوى هذا الجواب فهو مما أُسقط من المتبنَّى لأنه مما صدر بعد عام (1977). وأما الاستدلال بإجماع الصحابة على عذاب القبر فهو استدلال في غير موضعه، لأن البحث هو في تواتر الأخبار عن عذاب القبر وليس في إثبات عذاب القبر فعذاب القبر ثابت في النصوص، وأقصى ما تفيده النقول عن الصحابة هو إثبات عذاب القبر، ولا تثبت تواتره، ولذلك لا تصلح دليلاً عليه. على أن الإجماع المذكور هو إجماع بالمعنى اللغوي وهو اتفاق كل طائفة على أمرٍ من الأمور وليس إجماعـاً بالمعنى الاصطلاحي.
والإجماع المعتبر دليلاً هو الإجماع الأصولـي، وهو اتفاق الصاحبة على حكم واقعة من الوقائع بأنه حكم شرعي، وهو إجماع يرجع إلى النص الشرعي وليس إلى اتفاق رأيهم. فاتفاقهم يكشف عن دليل شرعي استندوا إليه، فرووا الحكم ولم يرووا الدليل. وأماّ عُرِف دليل الحكم فلا يعتبر موافقتهم له إجماعاً، بل هو انقياد منهم للدليل وتأكيد له، وهم ومَن بعده فيه سواء، هذا في الحكم الشرعي، أمّا في العقائد فاتفاقهم على أمرٍ منها هو في حقيقته نقل للدين وتبليغ له وليس إجماعاً، ولا يكون اتفاقهم دليلاً على العقائد إلاّ إذا نُقل ذلك الاتفاق عنهم نقلاً متواتراً. ولا يكفي النقل الصحيح أو عدم معرفة المخالِف، لأن الأمر قد يكون متواتراً في عصر وغير متواتر فيما بعده من الأعصار، والعبرة هي في استمرار التواتر في أعصار النقل حتى تقوم الحجة.
وأمّا الآيـات التي استدل بها العلماء على عذاب القبر من مثل قوله تعالى: {وحاق بآل فرعون سوء العذاب، النار يُعرضون عليها غدوّاً وعشيـاً ويوم تقوم الساعة أدخِلوا آل فرعون أشدَّ العذاب} و{ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا} و{ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يَمْهَدون} و{وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك} و{ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر، كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون} و{يثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} و{ولو ترى إذا الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرِجوا أنفسكم * اليوم تُجزون عذاب الهُون} و{فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم} و{سنعذبهم مرتين ثم يردّون إلى عذاب عظيم}. فإن دلالتها على عذاب القبر ظنيّة وليست قطعية، لأنها تحتمل أكثر من معنى، لذلك لا تصلح دليلاً على المسألة.
وأما الأحاديث فقد جرت دراستها دراسة مستفيضة وهي بين صحيح وحسن وضعيف، ولم يثبت تواتر أي منها، بل هي أحاديث متعددة رويت بألفاظ مختلفة، فأحاديث فتنة القبر بسؤال الملكين بلغت أكثر من سبعين حديثاً وما من حديث منها إلاّ وفيه زيادة ليست في غيره، وقد اختلفت متونها ففي بعضها سؤال ملكين وفي أخرى ملك واحد، وفي بعضها ثلاثة وفي أخرى أربعةٍ، واختلف في كيفية السؤال والجواب ولمن يكون السؤال للمؤمن والمنافق فقط أم أن الكافر يُسأل كذلك، وسكتت الروايات عن عدد مرات السؤال، وجاء في رواية أنه يسأل في المجلس الواحد ثلاث مرات. وأما عموم السؤال وخصوصه فلا يمكن القطع باختصاص الأمة بالسؤال أو عمومه لكل الأمم لوجود الاختلاف، ففي بعض الروايات: "العبد" "المؤمــــن" "الإنسان" "الميت" وفي بعضها على الشك "وأما الكافر أو المنافق" وفي أخرى: "وأما الكافر والمنافق فيقول" و"فإن كان فاجراً أو كافراً" و"وأما المنافق أو المرتاب" و"أما الرجل السوء" و"فإذا كان الرجل الصالح". وفي روايات: "إن هذه الأمة تبتلى في قبورها" و"فبي تفتنون" وصحَّ عن عبيد بن عمير ـ أحد التابعين ـ موقوفاً: "إنما يفتن رجلان مؤمن ومنافق، وأما الكافر فلا يُسأل عن محمد ولا يعرفه".
وأما الأطفال فاختلف العلماء في سؤالهم، ولم يصحّ في سؤالهم خبر مرفوع. وجاء في بعض الروايات استثناء الشهيد والمرابط من السؤال، وفي رواية "المريض" بدل "المرابط" وهي رواية ضعيفة شاذّة، وكذلك جاء عدم سؤال المسلم يموت يوم الجمعة أو ليلتها. وكذلك جاء استثناء مَنْ قرأ سورة "تبارك" كل ليلة، وفي أخرى "ألم السجدة، وتبارك المُلك" وهي رواية ضعيفة، وكذلك استثناء المخضوب، وقد ضعف الخبر، وأما مدة السؤال فجاء عن بعض التابعين موقوفاً: "أن المؤمن يفتن سبعاً والمنافق في أربعين صباحاً". واختلف هل السؤال واقع على الروح أم على البدن.
وأما الأحاديث الأخرى التي ورد فيها ذكر عذاب القبر ـ سوى ما تقدم ـ والأحاديث الواردة في التعوّذ منه وفي التنزّه من البول فهي أيضاً أخبار آحاد. فقد جاء ذكر عذاب القبر في أحاديث متعددة وجاءت في الكافر والمنافق، وفي طائفة من المؤمنين، وورد فيها العذاب من البول والغيبة والنميمة، وورد العذاب للغالّ وللصلاة من غير طهور وخذلان المظلوم، ولرافض القرآن ـ تاركه ـ والنائم عن الصلاة والكاذب، وجاء في الزناة وآكل الربا والمتزين لمن لا يحل له. وبعض هذه الأحاديث من مراسيل الصحابة، وذلك مثل حديث ابن عمر في قليب قتلى بدر من المشركين، وفي بعض ألفاظها تخالف من مثل حديث عائشة مع المرأة اليهودية التي ذكرت لها عذاب القبر. وجــاء أن العذاب يعم من مات في الإشراك والجاهلية واليهود، وذُكر فيها الكافر والمؤمن، وجاء بلفظ: "الموتى" و"هذه الأمة". وجاء أنه ينجو من عذاب القبر مَنْ قتله بطنه، وأنه ينجّي منه طول السجود، وقراءة سورة المُلْك وألم تنزيل، السجدة، وزلزلت، والموت يوم الجمعة أو ليلتها. واختُلف في سعة قبر المؤمن فجاء في رواية "سبعون ذراعاً" وفي أخــــرى "سبعون في سبعين" وفي أخرى "مدّ البصر".
وأما وصف العذاب فجاء: "يسلَّط على الكافر تسعة وتسعون تنيناً" وفي أخرى "تسعون" ولم يذكر العدد في بعضها وزيد فيها وصف العذاب، واقتُصر في بعضها على "يسلط على الكافر أعمى أصمّ" وفي بعضها: "يفرش له لوحان من نار" وفي أخرى "ثَمْ نومة المنهوس" وفي أخرى: "فما مِنْ دابة إلاّ ولها في جسده نصيب" وفي بعضها "يضيق عليه القبر حتى تختلف أضلاعه" وفي أخرى "جاءه ملك في يده مِطْراق". وجاء غير ذلك أيضاً.
وأما أحاديث الاستعاذة من عذاب القبر فهي أحاديث متعددة وألفاظها مختلفة وفي بعضها ما ليس في الآخر. وأمّا أحاديث عرض المَقْعد فاختلف في معناها وفيما يعرض على المؤمن الكامل والمخلط. وأما أحاديث التنزّه من البول، فجاء في لفظ: "كان لا يَسْتنْزِه عن البول أو من البول" وفي آخر "لا يَسْتنْثِر من بوله" و"لا يَسْتبْرِىء من البول" و"لا يَسْتَتِر من بوله" وفي رواية: "أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة" وفي لفظ "يُعذَبان في الغيبة والبول" ففي أحدهما الغيبة وفي الآخر النميمة. وأختُلِف في سيـاق الحديث، فجاء أنه صلى الله عليه وسلم "أخذ عَسِيْباً وشقّه نصفين" وفي آخر "إءتونـي بجريدتين". وله ألفاظ أخرى. ولم يذكر سبب التعذيب في بعضها، وعلّل تخفيف العذاب برطوبة الغصن، وزيد في رواية ذكر شفاعته صلى الله عليه وسلم. ولم نقف على قول قائل يعتدّ به بتواتر حديث التنزه من البول، على أن هذه الأحاديث متعددة وألفاظها مختلفة وليست حديثاً واحداً.
وأما مدة العذاب فقد جاء في بعض الأحاديث: "فلا يزال فيها معذباً حتى يبعثه الله عز وجل من مضجعه ذلك" و"فيصنع به إلى يوم القيامة". مع أنها معارِضة معارَضةً ظاهرةً لقوله تعالى: {يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا، هذا ما وَعَدَ الرحمن، وصـدق المرسلون}، وقد لاحظ بعض العلماء ذلك فاندفع إلى تأويل الآية.
هذا وقد نفى عذاب القبر مطلقاً بعض الخوارج وبعض المعتزلة، وذهب المعتزلة إلى أنه يقع على الكفار دون المؤمنين. وردّه بعضهم لأنه لم يَرِد ذكره إلاّ من أخبار الآحاد. واشتهر الخلاف بين المتكلمين في وقوع عذاب القبر على الروح أو عليها وعلى الجسد، والأدلة الصحيحة ليست قاطعة في أحد الأمرين. والذي تبيّن لنا بعد دراسة أسانيد الحديث ومتونه أن أحاديث عذاب القبر ونعيم أهل الطاعة في القبر وسؤال منكَر ونكير، أخبار آحاد ولم يتواتر منها حديث بعينه.
6 جمادى الأولى 1419هـ
28/8/1998م"
المصدر
عذاب القبر عند حزب التحرير.
السلام عليكم ورحمة الله
"بسم الله الرحمن الرحيم
جواب سؤال
ورد سؤالان عن عذاب القبر ملخصهما ما يلي:
1ـ هل يُفهم مما جاء في الكراسة المتبناة أن الحزب لم يتبنَّ رأياً في عذاب القبر ؟
2ـ هل الأحاديث الواردة في عذاب القبر والاستعاذة منه وسؤال الملكين متواترة أم لا ؟
3ـ هل في الآيات القرآنية دلالة قطعية على عذاب القبر ؟
4ـ ما الجواب عما قاله العلماء من تواتر الأحاديث إما لفظاً وأمَا معنى ؟
5ـ ما الجواب على المنقول من إجماع الصحابة اعتماداً على مروياتهم وعدم نقل الخلاف عنهم في ذلك ؟
الجواب على ذلك إجمالي وهو ما يلي:
إن قول الحزب في الكراسة المتبناة ( 7ـ8) عن حديثي أبي هريرة وعائشة رضي الله عنهما: "فهذان الحديثان خبر آحاد" يفسّره جواب سؤال في المجموعة الفكرية (136) جاء فيه: "فحديث عذاب القبر ثابت في صحيح البخاري ولكنه خبر آحاد". وجاء مثله أيضاً في جواب آخر وهو جواب يشرح فكراً متبنى فيكون متبنى، أي أن الحزب تبنى بأن حديث عذاب القبر خبر آحاد وليس متواتراً.
والحزب إنما أورده في معرض بيان أن العقائد لا تؤخذ إلاّ عن يقين، ولم يقصد إلى الخوض فيما اختلف فيه من الأفكار المتعلقة بالعقيدة الإسلامية، كما لم يقصد الاشتغال بتخريج الأحاديث لبيان المتواتر والآحاد. لأن الجنوح إلى هذا انحراف بالثقافة الحزبية عما وضعت له.
فالحزب يتبنى ما يلزمه بوصفه حزباً، ويتبنى ما يلزم لإحداث النهضة في الأمة الإسلامية، من أجل هذا شرح بعض أفكار العقيدة الإسلامية، وبنى هذا الشرح على ضوابط وقواعد تحفظ صحة التصور، وتحافظ على نقائه وصفائه.
أما في ما يتعلق بقبول الحديث ورده وبالتواتر والآحاد فإن أنظار العلماء تختلف فيها تبعاً لقواعد كل منهم وسعة اطّلاعه وقـوة إدراكه. ولا بد حين الرجوع إليها من معرفة قواعدهم، وبناء الأحكام على الثقافة الحزبية وإلاّ كان الاطّلاع عليها مربكاً وضارّاً. والعلماء منازل فمنهم العالم المتحقق فيما يخوض فيه السابر لأغواره، ومنهم المشارك في جملة من المعارف الشرعية، متحقّق في بعضها ومقلِّد في البعض الآخر. فالغزالي وإمام الحرمين إمامان في الفقه والأصول، وأما الحديث فلا دراية لهما بصحيحه من ضعيفة فضلاً عن متواترة. وابن قتيبة كان رأساً في علم اللسان العربـي والأخبار وأيام الناس وليس بصاحب حديث. فلا يُغترّ بكثرة النقول عن هؤلاء وأمثالهم.
والمتبنى في التواتر هو تواتر الحديث لفظاً، وهو الذي شرحه الحزب في كتبه وبيّن شروطه، وأما ذكره في كتاب الشخصية / الجزء الأول (267) من وجود التواتر المعنوي فيلغيه جواب سؤال في المجموعة الفكرية (136) جاء فيه "لا يوجد تواتر معنوي وإنما يوجد تواتر حديث". وما سوى هذا الجواب فهو مما أُسقط من المتبنَّى لأنه مما صدر بعد عام (1977). وأما الاستدلال بإجماع الصحابة على عذاب القبر فهو استدلال في غير موضعه، لأن البحث هو في تواتر الأخبار عن عذاب القبر وليس في إثبات عذاب القبر فعذاب القبر ثابت في النصوص، وأقصى ما تفيده النقول عن الصحابة هو إثبات عذاب القبر، ولا تثبت تواتره، ولذلك لا تصلح دليلاً عليه. على أن الإجماع المذكور هو إجماع بالمعنى اللغوي وهو اتفاق كل طائفة على أمرٍ من الأمور وليس إجماعـاً بالمعنى الاصطلاحي.
والإجماع المعتبر دليلاً هو الإجماع الأصولـي، وهو اتفاق الصاحبة على حكم واقعة من الوقائع بأنه حكم شرعي، وهو إجماع يرجع إلى النص الشرعي وليس إلى اتفاق رأيهم. فاتفاقهم يكشف عن دليل شرعي استندوا إليه، فرووا الحكم ولم يرووا الدليل. وأماّ عُرِف دليل الحكم فلا يعتبر موافقتهم له إجماعاً، بل هو انقياد منهم للدليل وتأكيد له، وهم ومَن بعده فيه سواء، هذا في الحكم الشرعي، أمّا في العقائد فاتفاقهم على أمرٍ منها هو في حقيقته نقل للدين وتبليغ له وليس إجماعاً، ولا يكون اتفاقهم دليلاً على العقائد إلاّ إذا نُقل ذلك الاتفاق عنهم نقلاً متواتراً. ولا يكفي النقل الصحيح أو عدم معرفة المخالِف، لأن الأمر قد يكون متواتراً في عصر وغير متواتر فيما بعده من الأعصار، والعبرة هي في استمرار التواتر في أعصار النقل حتى تقوم الحجة.
وأمّا الآيـات التي استدل بها العلماء على عذاب القبر من مثل قوله تعالى: {وحاق بآل فرعون سوء العذاب، النار يُعرضون عليها غدوّاً وعشيـاً ويوم تقوم الساعة أدخِلوا آل فرعون أشدَّ العذاب} و{ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا} و{ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يَمْهَدون} و{وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك} و{ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر، كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون} و{يثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} و{ولو ترى إذا الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرِجوا أنفسكم * اليوم تُجزون عذاب الهُون} و{فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم} و{سنعذبهم مرتين ثم يردّون إلى عذاب عظيم}. فإن دلالتها على عذاب القبر ظنيّة وليست قطعية، لأنها تحتمل أكثر من معنى، لذلك لا تصلح دليلاً على المسألة.
وأما الأحاديث فقد جرت دراستها دراسة مستفيضة وهي بين صحيح وحسن وضعيف، ولم يثبت تواتر أي منها، بل هي أحاديث متعددة رويت بألفاظ مختلفة، فأحاديث فتنة القبر بسؤال الملكين بلغت أكثر من سبعين حديثاً وما من حديث منها إلاّ وفيه زيادة ليست في غيره، وقد اختلفت متونها ففي بعضها سؤال ملكين وفي أخرى ملك واحد، وفي بعضها ثلاثة وفي أخرى أربعةٍ، واختلف في كيفية السؤال والجواب ولمن يكون السؤال للمؤمن والمنافق فقط أم أن الكافر يُسأل كذلك، وسكتت الروايات عن عدد مرات السؤال، وجاء في رواية أنه يسأل في المجلس الواحد ثلاث مرات. وأما عموم السؤال وخصوصه فلا يمكن القطع باختصاص الأمة بالسؤال أو عمومه لكل الأمم لوجود الاختلاف، ففي بعض الروايات: "العبد" "المؤمــــن" "الإنسان" "الميت" وفي بعضها على الشك "وأما الكافر أو المنافق" وفي أخرى: "وأما الكافر والمنافق فيقول" و"فإن كان فاجراً أو كافراً" و"وأما المنافق أو المرتاب" و"أما الرجل السوء" و"فإذا كان الرجل الصالح". وفي روايات: "إن هذه الأمة تبتلى في قبورها" و"فبي تفتنون" وصحَّ عن عبيد بن عمير ـ أحد التابعين ـ موقوفاً: "إنما يفتن رجلان مؤمن ومنافق، وأما الكافر فلا يُسأل عن محمد ولا يعرفه".
وأما الأطفال فاختلف العلماء في سؤالهم، ولم يصحّ في سؤالهم خبر مرفوع. وجاء في بعض الروايات استثناء الشهيد والمرابط من السؤال، وفي رواية "المريض" بدل "المرابط" وهي رواية ضعيفة شاذّة، وكذلك جاء عدم سؤال المسلم يموت يوم الجمعة أو ليلتها. وكذلك جاء استثناء مَنْ قرأ سورة "تبارك" كل ليلة، وفي أخرى "ألم السجدة، وتبارك المُلك" وهي رواية ضعيفة، وكذلك استثناء المخضوب، وقد ضعف الخبر، وأما مدة السؤال فجاء عن بعض التابعين موقوفاً: "أن المؤمن يفتن سبعاً والمنافق في أربعين صباحاً". واختلف هل السؤال واقع على الروح أم على البدن.
وأما الأحاديث الأخرى التي ورد فيها ذكر عذاب القبر ـ سوى ما تقدم ـ والأحاديث الواردة في التعوّذ منه وفي التنزّه من البول فهي أيضاً أخبار آحاد. فقد جاء ذكر عذاب القبر في أحاديث متعددة وجاءت في الكافر والمنافق، وفي طائفة من المؤمنين، وورد فيها العذاب من البول والغيبة والنميمة، وورد العذاب للغالّ وللصلاة من غير طهور وخذلان المظلوم، ولرافض القرآن ـ تاركه ـ والنائم عن الصلاة والكاذب، وجاء في الزناة وآكل الربا والمتزين لمن لا يحل له. وبعض هذه الأحاديث من مراسيل الصحابة، وذلك مثل حديث ابن عمر في قليب قتلى بدر من المشركين، وفي بعض ألفاظها تخالف من مثل حديث عائشة مع المرأة اليهودية التي ذكرت لها عذاب القبر. وجــاء أن العذاب يعم من مات في الإشراك والجاهلية واليهود، وذُكر فيها الكافر والمؤمن، وجاء بلفظ: "الموتى" و"هذه الأمة". وجاء أنه ينجو من عذاب القبر مَنْ قتله بطنه، وأنه ينجّي منه طول السجود، وقراءة سورة المُلْك وألم تنزيل، السجدة، وزلزلت، والموت يوم الجمعة أو ليلتها. واختُلف في سعة قبر المؤمن فجاء في رواية "سبعون ذراعاً" وفي أخــــرى "سبعون في سبعين" وفي أخرى "مدّ البصر".
وأما وصف العذاب فجاء: "يسلَّط على الكافر تسعة وتسعون تنيناً" وفي أخرى "تسعون" ولم يذكر العدد في بعضها وزيد فيها وصف العذاب، واقتُصر في بعضها على "يسلط على الكافر أعمى أصمّ" وفي بعضها: "يفرش له لوحان من نار" وفي أخرى "ثَمْ نومة المنهوس" وفي أخرى: "فما مِنْ دابة إلاّ ولها في جسده نصيب" وفي بعضها "يضيق عليه القبر حتى تختلف أضلاعه" وفي أخرى "جاءه ملك في يده مِطْراق". وجاء غير ذلك أيضاً.
وأما أحاديث الاستعاذة من عذاب القبر فهي أحاديث متعددة وألفاظها مختلفة وفي بعضها ما ليس في الآخر. وأمّا أحاديث عرض المَقْعد فاختلف في معناها وفيما يعرض على المؤمن الكامل والمخلط. وأما أحاديث التنزّه من البول، فجاء في لفظ: "كان لا يَسْتنْزِه عن البول أو من البول" وفي آخر "لا يَسْتنْثِر من بوله" و"لا يَسْتبْرِىء من البول" و"لا يَسْتَتِر من بوله" وفي رواية: "أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة" وفي لفظ "يُعذَبان في الغيبة والبول" ففي أحدهما الغيبة وفي الآخر النميمة. وأختُلِف في سيـاق الحديث، فجاء أنه صلى الله عليه وسلم "أخذ عَسِيْباً وشقّه نصفين" وفي آخر "إءتونـي بجريدتين". وله ألفاظ أخرى. ولم يذكر سبب التعذيب في بعضها، وعلّل تخفيف العذاب برطوبة الغصن، وزيد في رواية ذكر شفاعته صلى الله عليه وسلم. ولم نقف على قول قائل يعتدّ به بتواتر حديث التنزه من البول، على أن هذه الأحاديث متعددة وألفاظها مختلفة وليست حديثاً واحداً.
وأما مدة العذاب فقد جاء في بعض الأحاديث: "فلا يزال فيها معذباً حتى يبعثه الله عز وجل من مضجعه ذلك" و"فيصنع به إلى يوم القيامة". مع أنها معارِضة معارَضةً ظاهرةً لقوله تعالى: {يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا، هذا ما وَعَدَ الرحمن، وصـدق المرسلون}، وقد لاحظ بعض العلماء ذلك فاندفع إلى تأويل الآية.
هذا وقد نفى عذاب القبر مطلقاً بعض الخوارج وبعض المعتزلة، وذهب المعتزلة إلى أنه يقع على الكفار دون المؤمنين. وردّه بعضهم لأنه لم يَرِد ذكره إلاّ من أخبار الآحاد. واشتهر الخلاف بين المتكلمين في وقوع عذاب القبر على الروح أو عليها وعلى الجسد، والأدلة الصحيحة ليست قاطعة في أحد الأمرين. والذي تبيّن لنا بعد دراسة أسانيد الحديث ومتونه أن أحاديث عذاب القبر ونعيم أهل الطاعة في القبر وسؤال منكَر ونكير، أخبار آحاد ولم يتواتر منها حديث بعينه.
6 جمادى الأولى 1419هـ
28/8/1998م"
المصدر