Pembatal Keislaman Menurut Madzhab Empat
Pembatal Keislaman perkara yang menyebabkan seseorang menjadi murtad kafir Menurut Madzhab Empat meliputi perbuatan perkataan keyakinan. Ulama fiqih madzhab empat meliputi madzhab Hanafi, Maliki, Syafi'i dan Hanbali (Hambali). Ini berbeda dengan 10 pembatal keislaman versi Wahabi Salafi.
Pembatal Keislaman perkara yang menyebabkan seseorang menjadi murtad kafir Menurut Madzhab Empat meliputi perbuatan perkataan keyakinan. Ulama fiqih madzhab empat meliputi madzhab Hanafi, Maliki, Syafi'i dan Hanbali (Hambali). Ini berbeda dengan 10 pembatal keislaman versi Wahabi Salafi.
أحكام تتعلق بالمرتد في المذاهب الأربعة
إيمان بنت محمد القثامي
المسألة الأولى:
مسألة انتقال الكافر من دينه إلى دين كفر آخر:
هل انتقال الكافر من دين إلى دين كفري آخر يعتبر ردة؟
إن المسلم إذا خرج عن الاسلام كان مرتدا، وجرى عليه حكم الله في المرتدين، ولكن هل الردة قاصرة على المسلمين الخارجين عن الاسلام، أم أنها تتناول غير المسلمين إذا تركوا دينهم إلى غيره من الاديان الكافرة؟
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِقْرَارِهِ عَلَى ذَلِكَ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالمشهور عند الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ غَيْرُ الأْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ يُقَرُّ عَلَى مَا انْتَقَل إِلَيْهِ؛ لأِنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ.
وَالأْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وقول عند المالكية، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ لاَ يُقَرُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لأِنَّهُ أَحْدَثَ دِينًا بَاطِلاً بَعْدَ اعْتِرَافِهِ بِبُطْلاَنِهِ، فَلاَ يُقَرُّ عَلَيْهِ، كَمَا لَوِ ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ.
عند الحنفية:
لَوْ أَنَّ الْيَهُودِيَّ تَنَصَّرَ أَوْ تَمَجَّسَ أَوْ النَّصْرَانِيَّ تَهَوَّدَ أَوْ تَمَجَّسَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْعَوْدِ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ. الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (4 / 225).
عند الشافعية:
قَالَ الإمام الشافعي: وَلَا يُقْتَلُ بِالرِّدَّةِ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ إنَّمَا يُقْتَلُ مَنْ خَرَجَ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ إلَى الشِّرْكِ فَأَمَّا مَنْ خَرَجَ مِنْ بَاطِلٍ إلَى بَاطِلٍ فَلَا يُقْتَلُ وَيُنْفَى مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ.
الأم للشافعي (5 / 9).
وقَالَ الإمام الْمَاوَرْدِيُّ: انْتَقِالَ أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ دِينٍ إِلَى دِين، على ضَرْبَينِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى دِينٍ يُقَرُّ عَلَيْهِ أَهْلُهُ.
وَالثَّانِي: إِلَى دِينٍ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ أَهْلُهُ.
فَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى دِينٍ يُقَرُّ عَلَيْهِ أَهْلُهُ كَمَنْ بَدَّلَ يَهُودِيَّةً بِنَصْرَانِيَّةٍ أَوْ بِمَجُوسِيَّةٍ أَوْ بَدَّلَ نَصْرَانِيَّةً بِيَهُودِيَّةٍ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ، أَوْ بَدَّلَ مَجُوسِيَّةً بِيَهُودِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ، فَفِي إِقْرَارِهِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ يُقَرُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيِّ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ يَتَوَارَثُونَ بِهَا مَعَ اخْتِلَافِ مُعْتَقَدِهِمْ، فَصَارُوا فِي انْتِقَالِهِ فِيهِ مِنْ دِينٍ إِلَى دِينٍ، كَانْتِقَالِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ مَذْهَبٍ إِلَى مَذْهَبٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ أَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ﴾ [آل عمران: 85]؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْوَثَنِيُّ إِذَا انْتَقَلَ إِلَى نَصْرَانِيَّةٍ لَمْ يُقَرَّ، وَالنَّصْرَانِيُّ إِذَا انْتَقَلَ إِلَى وَثَنِيَّةٍ لَمْ يُقَرَّ، وَجَبَ إِذَا انْتَقَلَ النَّصْرَانِيُّ إِلَى يَهُودِيَّةٍ أَنْ لَا يُقَرَّ، لِأَنَّ جَمِيعَهُمْ مُنْتَقِلٌ إِلَى دِينٍ لَيْسَ بِحَقٍّ.
فَإِذَا تَقَرَّرَ الْقَوْلَانِ، فَإِنْ قِيلَ بِالْأَوَّلِ إِنَّهُ مُقَرٌّ فِي انْتِقَالِهِ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ فِيمَا انْتَقَلَ إِلَيْهِ مِنْ ثلاثة أقسام:
أحدهما: أَنْ يَكُونَ مُكَافِئًا لِدِينِهِ كَيَهُودِيٍّ، تَنَصَّرَ أَوْ نَصَرَانِيٍّ تَهَوَّدَ، فَأَصْلُ هَذَيْنِ الدِّينَيْنِ سَوَاءٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَلَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُمَا بِانْتِقَالِهِ مِنْ أَحَدِ الدِّينَيْنِ إِلَى الْآخَرِ إِلَّا فِي قَدْرِ الْجِزْيَةِ، فَتَصِيرُ جِزْيَتُهُ جِزْيَةَ الدِّينِ الَّذِي انْتَقَلَ إليه دون جزية الدين الذين انْتَقَلَ عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَتْ أَقَلَّ أَوْ أَكَثَرَ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الدِّينُ الَّذِي انْتَقَلَ إِلَيْهِ أَخَفَّ حُكْمًا مِنَ الدِّينِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، كَنَصْرَانِيٍّ تَمَجَّسَ، فَيَنْتَقِلُ عَنْ أَحْكَامِهِ فِي الْجِزْيَةِ وَالْمُنَاكَحَةِ وَالذَّبِيحَةِ وَالدِّيَةِ إِلَى أَحْكَامِ الدِّينِ الَّذِي انْتَقَلَ إِلَيْهِ، فَتُقْبَلُ جِزْيَتُهُ، وَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ، وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ، وَتَكُونُ دِيَتُهُ ثُلُثَيْ عُشْرِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ نِصْفَهَا كَالْمَجُوسِ فِي أَحْكَامِهِ كُلِّهَا،فَيَصِيرُ بِذَلِكَ مُنْتَقِلًا مِنْ أَخَفِّ الْأَحْكَامِ إِلَى أَغْلَظِهَا.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الدِّينُ الَّذِي انتقل إليه أغلى حُكْمًا مِنَ الدِّينِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ كَمَجُوسِيٍّ تَنَصَّرَ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الدِّينِ الَّذِي انْتَقَلَ إِلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ عَلَيْهِ فِي إِبَاحَةِ الْمُنَاكَحَةِ وَالذَّبِيحَةِ، وَقَدْرِ الدِّيَةِ، فَيَصِيرُ مُنْتَقِلًا مِنْ أَغْلَظِ الْأَحْكَامِ إِلَى أَخَفِّهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الدِّينِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فِي تَحْرِيمِ مُنَاكَحَتِهِ وَذَبِيحَتِهِ وَقَدْرِ دِيَتِهِ تَغْلِيبًا لِأَحْكَامِ التَّغْلِيظِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حُرُمَاتِهَا عَلَيْهِ، كَالْمَشْكُوكِ فِي دِينِهِ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ.
وَإِنْ قِيلَ: بِالْقَوْلِ الثَّانِي: إِنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى الدِّينِ الَّذِي انْتَقَلَ إِلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يُؤْخَذَ جَبْرًا بِالِانْتِقَالِ عَنْهُ إِلَى دِينٍ يُؤْمَرُ بِهِ، وَفِي الدِّينِ الَّذِي يُؤْمَرُ بِالِانْتِقَالِ إِلَيْهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: دِينُ الْإِسْلَامِ أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إِلَى دِينٍ قَدْ كَانَ مُقِرًّا بِبُطْلَانِهِ، وَانْتَقَلَ عَنْ دِينٍ هُوَ الْآنَ مُقَرٌّ بِبُطْلَانِهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَرَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنَ الدِّينَيْنِ، لِإِقْرَارِهِ بِبُطْلَانِهِمَا، فَوَجَبَ أَنْ يُؤْخَذَ بِالرُّجُوعِ إِلَى دِينِ الْحَقِّ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي إِنَّهُ إِنِ انْتَقَلَ إِلَى دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ إِلَى دِينِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أُقِرَّ عليه، فنزل؛ لأننا قد كُنَّا قَدْ صَالَحْنَاهُ عَلَى الْأَوَّلِ عَلَى دِينِهِ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَنَا بَاطِلًا فَجَازَ أَنْ يُعَادَ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ بَاطِلًا، فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي صِفَةِ دُعَائِهِ إِلَى دِينِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إِنَّنَا نَدْعُوهُ إِلَى الْعَوْدِ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُدْعَى إِلَى الْعَوْدِ إِلَى الْكُفْرِ، فَإِنْ عَادَ إِلَى دِينِهِ فِي الْكُفْرِ أُقِرَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ إِلَى الْكُفْرِ مَعْصِيَةٌ، وَيَجُوزُ إِذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: نَحْنُ نَدْعُوكَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ عُدْتَ إِلَى دِينِكَ الَّذِي كُنْتَ عَلَيْهِ أَقْرَرْنَاكَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّنَا نَدْعُوهُ ابْتِدَاءً إِلَى الْإِسْلَامِ وَإِلَى دِينِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ أَمْرًا بِالْعَوْدِ إِلَى الْكُفْرِ؛ لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَكُنْ أَمْرًا بِالْكُفْرِ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دَعَاهُمْ إِلَى الشَّهَادَةِ أَوِ الْجِزْيَةِ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ أَمْرًا بِالْمُقَامِ عَلَى الْكُفْرِ، وَلَكِنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ فِيهِمْ فَإِذَا تَوَجَّهَ الْقَوْلَانِ فِيمَا يُؤْمَرُ بِالْعَوْدِ إِلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ إِلَى الدِّينِ الْمَأْمُورِ بِهِ أُقِرَّ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إِلَيْهِ فَفِيمَا يَلْزَمُ مِنْ حُكْمِهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ هَاهُنَا إِنَّهُ يُنْبَذُ إِلَيْهِ عَهْدُهُ، وَيُبَلَّغُ مَأْمَنَهُ، ثُمَّ يَكُونُ حَرْبًا؛ لِأَنَّ لَهُ أَمَانًا عَلَى الْكُفْرِ، فَلَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ تَرْكُهُ؛ ليقضي أَشْغَالَهُ وَنَقْلَ مَالِهِ، وَلَا يُتَجَاوَزُ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا بَلَغَ أَدْنَى مَأْمَنِهِ بِذُرِّيَّتِهِ وَمَالِهِ صَارَ حَرْبًا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهُ يَصِيرُ فِي حُكْمِ الْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ لَيْسَتْ بِأَوْكَدَ مِنْ ذِمَّةِ الْإِسْلَامِ، فَعَلَى هَذَا يُسْتَتَابُ، فإن تاب، وإلا قتل صبرا بالسيف؟، وَفِي الِانْتِظَارِ بِقَتْلِهِ ثَلَاثًا قَوْلَانِ: وَيَكُونُ أَمَانُ ذُرِّيَّتِهِ بَاقِيًا، وَأَمَّا مَالُهُ، فَيَكُونُ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَا يُورَثُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ مَنْ قُتِلَ بِحُكْمِ الرِّدَّةِ لَمْ يُورَثْ.
وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي: انْتِقَالِهِ إِلَى دِينٍ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ أَهْلُهُ، كَانْتِقَالِهِ مِنْ يَهُودِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ إِلَى وَثَنِيَّةٍ أَوْ زَنْدَقَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ، وَيُؤْخَذُ بِالِانْتِقَالِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لِمَا انْتَقَلَ إِلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ إِقْرَارُ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، فَكَانَ إِقْرَارُ غَيْرِ أَهْلِهِ أَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَفِي الَّذِي يُؤْمَرُ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:
أَحَدُهَا: الْإِسْلَامُ لَا غَيْرَ؛ لِأَنَّهُ دِينُ الْحَقِّ، فَكَانَ أَحَقَّ بِالْعَوْدِ إِلَيْهِ.
والْقَوْلُ الثَّانِي: الْإِسْلَامُ أَوْ دِينُهُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ صُلْحِهِ عَلَيْهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: الْإِسْلَامُ أَوْ دِينُهُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أَوْ دِينٌ يُقَرُّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ، فَفِيمَا عَلَا كَالْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ، أَوِ انْخَفَضَ كَالْمَجُوسِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَفِي صِفَةِ دُعَائِهِ إِلَى ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ الْوَجْهَيْنِ:
فَإِنْ عَادَ إِلَى الْمَأْمُورِ بِهِ مِنَ الدِّينِ أُقِرَّ عَلَيْهِ، وَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَ انْتِقَالِهِ وَعَوْدِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُرْتَدَّةِ، وَلَا جِزْيَةَ عَلَى مُرْتَدٍّ، وَإِنِ امْتَنَعَ مِنَ الْعَوْدِ إِلَى الدِّينِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَفِيمَا يَلْزَمُ مِنْ حُكْمِهِ قَوْلَانِ عَلَى مَا مَضَى:
أَحَدُهُمَا: يُنْبَذُ إِلَيْهِ عَهْدُهُ، وَيُبَلَّغُ مَأْمَنَهُ بِمَالِهِ وَبِمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، ثُمَّ يَكُونُ حَرْبًا.
فَأَمَّا مَنْ تَمَانَعَ عَلَيْهِ مِنِ ذُرِّيَّتِهِ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ بَالِغًا مِنْ نِسَائِهِ وَبَنَاتِهِ، كَانَ أَمَلَكَ بِنَفْسِهِ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ صَغِيرًا رُوعِيَ مُسْتَحِقُّ حَضَانَتِهِ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لَهَا، كَانَ لَهُ إِخْرَاجُهُمْ جَبْرًا، وَعَاوَنَهُ الْإِمَامُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُقِيمُ أَحَقَّ بِحَضَانَتِهِ مُنِعَ مِنْهُمْ، وَأُقِرَّ مَعَ الْمُقِيمِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهُ يَصِيرُ فِي حُكْمِ الْمُرْتَدِّ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ، وَيَكُونُ مَالُهُ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَالِ.
فَأَمَّا ذُرِّيَّتُهُ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ بَالِغًا، فَلَهُ حُكْمُ مُعْتَقَدِهِ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ أَقَامَ عَلَى دِينِهِ أُقِرَّ عَلَيْهِ، وَإِنِ انْتَقَلَ عَنْهُ مَعَ وَلِيِّهِ صَارَ عَلَى حكمه.
الحاوي الكبير (14 /375 - 376 - 377).
عند الحنابلة:
قال المرداوي: (وَإِنْ انْتَقَلَ أَحَدُ الْكِتَابِيَّيْنِ إلَى دِينٍ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ: فَهُوَ كَرِدَّتِهِ).
إنْ انْتَقَلَ الزَّوْجَانِ. أَوْ أَحَدُهُمَا إلَى دِينٍ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ، أَوْ تَمَجَّسَ كِتَابِيٌّ تَحْتَهُ كِتَابِيَّةٌ: فَكَالرِّدَّةِ. بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ تَمَجَّسَتْ الْمَرْأَةُ تَحْتَ كِتَابِيٍّ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ كَالرِّدَّةِ أَيْضًا وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُنَوِّرِ وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقَرُّ عَلَيْهِ.
الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (8 / 216-217).
وقال ابن قدامة: وإن انتقل الكتابي إلى دين غير أهل الكتاب، كالمجوسية وغيرها، ففيه ثلاث روايات:
إحداهن: يجبر على الإسلام، ولا يقبل منه غيره؛ لأن ما سواه باطل اعترف ببطلانه؛ لأنه لما كان على دينه اعترف ببطلان ما سواه، ثم اعترف ببطلان دينه حين انتقل عنه، فلم يبق إلا الإسلام.
والثانية: لا يقبل منه إلا الإسلام، أو الدين الذي كان عليه؛ لأننا أقررناه عليه أولاً، فنقره عليه ثانياً.
والثالثة: لا يقبل منه إلا الإسلام، أو دين أهل الكتاب؛ لأنه دين أهل كتاب فيقر عليه كغيره من أهل ذلك الدين. وإن انتقل المجوسي إلى دين أهل الكتاب، أو انتقل كتابي إلى دين آخر من دين أهل الكتاب، ففيه ثلاث روايات:
إحداهن: لا يقبل منه إلا الإسلام، لما ذكرنا.
والثانية: يقر على ما انتقل إليه.
والثالثة: لا يقبل منه إلا الإسلام، أو دينه الذي كان عليه، لما تقدم. وإذا قلنا: لا يقبل منه إلا الإسلام ففيه روايتان:
إحداهما: أنه يجبر عليه بالقتل، كالمرتد.
والثانية: أنه إن انتقل إلى المجوسية أجبر بالقتل، وإن انتقل إلى دين أهل الكتاب لم يجبر بالقتل، لكن يجبر بالضرب والحبس؛ لأنه لم يخرج عن دين أهل الكتاب، فلم يقبل كالباقي على دينه.
الكافي في فقه الإمام أحمد (3 / 54- 55).
المسألة الثانية:
مسألة الزنديق هل تقبل توبته:
أولًا المراد بالزنديق:
له عدة معاني منها:
1- الزنديق هو المارق عن الدين كله، وقيل: الزنديق هو المنافق، ولعل الزنديق أشد من المنافق؛ لأن المنافق ربما يتصنع للمسلمين. شرح العقيدة السفارينية (1 / 384).
2- الزنديق هو القائل: ببقاء الدهر، وبعدم وجود عالم ثانٍ بعد الموت؛ فتكون الزندقة: الدهرية، ويكون الزنديق هو: الدهري؛ لقوله بالدهر؛ وبأبدية الكون والمادة. تاريخ الفكر الديني الجاهلي (1 / 326).
3- الزنديق الذي تكلم الفقهاء في قبول توبته في الظاهر، فالمراد به عندهم المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وإن كان مع ذلك يصلي ويصوم ويحج ويقرأ القرآن، وسواء كان في باطنه يهودياً أو نصرانياً أو مشركاً أو وثنياً، وسواء كان معطلاً للصانع وللنبوة أو للنبوة فقط أو لنبوة نبينا فقط، فهذا زنديق وهو منافق. الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بتوحيد الربوبية (1 / 331).
اختلف الفقهاء في الزنديق هل تقبل توبته أم لا على قولين:
القول الأول: للْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَرَأْيٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، عَلَى أَنَّهُ لاَ تُقْبَل تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا ﴾ الآْيَةَ.
وَالزِّنْدِيقُ لاَ يَظْهَرُ مِنْهُ بِالتَّوْبَةِ خِلاَفُ مَا كَانَ عَلَيْهِ؛ لأِنَّهُ كَانَ يُظْهِرُ الإْسْلاَمَ مُسِرًّا بِالْكُفْرِ؛ وَلأِنَّ التَّوْبَةَ عِنْدَ الْخَوْفِ عَيْنُ الزَّنْدَقَةِ. لَكِنِ الْمَالِكِيَّةُ صَرَّحُوا بِقَبُول التَّوْبَةِ مِنَ الزِّنْدِيقِ إِذَا أَظْهَرَهَا قَبْل الاِطِّلاَعِ عَلَيْهِ.
القول الثاني: وَهو رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، أَنَّ الزِّنْدِيقَ تُقْبَل تَوْبَتُهُ بِشُرُوطِهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ [الأنفال: 38].
وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيَّةُ بِالزَّنَادِقَةِ الْبَاطِنِيَّةَ بِمُخْتَلَفِ فِرَقِهِمْ، كَمَا أَلْحَقَ بِهِمِ الْحَنَابِلَةُ الْحُلُولِيَّةَ وَالإْبَاحِيَّةَ وَسَائِرَ الطَّوَائِفِ الْمَارِقِينَ مِنَ الدِّينِ.
عند الحنفية:
القول الأول: يقتل ولا تقبل توبته، قال الجصاص: (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ اُقْتُلْ الزِّنْدِيقَ سِرًّا فَإِنَّ تَوْبَتَهُ لَا تُعْرَفُ وَلَمْ يَحْكِ أَبُو يُوسُفَ خِلَافَهُ). أحكام القرآن للجصاص ت قمحاوي (3 / 274).
القول الثاني: تقبل توبته، قال الجصاص: (وَذَكَرَ بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الزِّنْدِيقِ الَّذِي يظهر الإيمان قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَسْتَتِيبُهُ كَالْمُرْتَدِّ فَإِنْ أَسْلَمَ خَلَّيْت سَبِيلَهُ وَإِنْ أَبَى قَتَلْته).
أحكام القرآن للجصاص ت قمحاوي (3 / 274).
عند الشافعية:
قال ابن حجر: (ويُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النساء: 146] صِحَّةُ تَوْبَةِ الزِّنْدِيقِ وَقَبُولُهَا عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ).
فتح الباري لابن حجر (8 / 267).
قال الماوردي: (قَبُولُ التَّوْبَةِ مِمَّنْ عُلِمَ أَنَّ بَاطِنَهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِهِ فَكَانَ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي قَبُولِ تَوْبَةِ الزِّنْدِيقِ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ بَاطِنَ معتقده مخالفه لظاهر توبته). الحاوي الكبير (11 / 55).
وقال ابن حجر: (وَأفْتى بن الصَّلَاحِ بِأَنَّ الزِّنْدِيقَ إِذَا تَابَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَيُعَزَّرُ فَإِنْ عَادَ بَادَرْنَاهُ بِضَرْبِ عُنُقِهِ وَلَمْ يُمْهَلْ وَاسْتَدَلَّ مَنْ مَنَعَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِلَّا الَّذين تَابُوا وَأَصْلحُوا فَقَالَ الزِّنْدِيقُ لَا يُطَّلَعُ عَلَى صَلَاحِهِ لِأَنَّ الْفَسَادَ إِنَّمَا أَتَى مِمَّا أَسَرَّهُ فَإِذَا اطُّلِعَ عَلَيْهِ وَأَظْهَرَ الْإِقْلَاعَ عَنْهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ).
فتح الباري لابن حجر (12 / 273).
عند الحنابلة:
قال ابن قدامة: (إنَّ مَفْهُومَ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ إذَا تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ، وَلَمْ يُقْتَلْ، أَيَّ كُفْرٍ كَانَ، وَسَوَاءٌ كَانَ زِنْدِيقًا يَسْتَسِرُّ بِالْكُفْرِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَالْعَنْبَرِيِّ. وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ الْخَلَّالِ، وَقَالَ: إنَّهُ أَوْلَى عَلَى مَذْهَبِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى، لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ، وَمَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَإِسْحَاقَ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ، كَهَاتَيْنِ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا ﴾ [البقرة: 160].وَالزِّنْدِيقُ لَا تَظْهَرُ مِنْهُ عَلَامَةٌ تُبَيِّنُ رُجُوعَهُ وَتَوْبَتَهُ).
المغني لابن قدامة (9 / 6).
المسألة الثالثة:
مسألة حكم الساحر:
أولًا المراد بالسحر:
ورد لفظ السحر في آيات كثيرة، ومنها قوله -تعالى-: ﴿ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ﴾ [البقرة - 102] وقوله - سبحانه -: ﴿ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ﴾[يونس - 81].
كما ورد لفظ السحر في السنة، ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اجتنبوا الموبقات الشرك بالله والسحر"، وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من البيان لسحرا". والسحر في الشرع يطلق على عدة معان مختلفة كما هو في اللغة، ولذلك يقول الشافعي - رحمه الله -: "والسحر اسم جامع لمعان مختلفة.
وقال الشنقيطي - رحمه الله -: "اعلم أن السحر في الاصطلاح، لا يمكن حده بحد جامع، مانع، لكثرة الأنواع المختلفة الداخلة تحته، ولا يتحقق قدر مشترك بينها، يكون جامعاً لها مانعاً لغيرها، ومن هنا اختلفت عبارات العلماء في حده اختلافاً متبايناً.
وفيما يلي بعض التعريفات للسحر، وهي تعريفات متباينة - كما قال الشنقيطي - رحمه الله -، وذلك لأن كل تعريف منها قد تضمن نوعاً من أنواع السحر.
يقول الطبري - رحمه الله -: "معنى السحر تخييل الشيء إلى المرء بخلاف ما هو به في عينه وحقيقته".
ويعرف الجصاص - رحمه الله - السحر بأنه: "كل أمر خفي سببه، وتخيل على غير حقيقته، ويجري مجرى التمويه والخداع"، وهذا بمعنى تعريف الطبري.
الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بتوحيد الربوبية (1 / 414).
وعرف أنه عبارة عن عزائم ورُقى وعُقد يؤثر في بدن المسحور بالقتل أو بالمرض، أو بالإخلال بعقله، أو يفرِّق بين الزوجين، أو يأخذ الزوج عن زوجته فلا يستطيع الوصول إليها، قال تعالى: ﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴾ يعني: السواحر.
فالساحر يعقد العقد بالخيط ثمّ ينفث فيها من ريقه، ويستعين بالشيطان، ويؤثِّر هذا بإذن الله في المسحور إما قتلاً، وإما مرضاً، وإما تفريقاً بينه وبين حبيبه، وإما أن يمنعه عن زوجته فلا يستطيع الوصول إليها.
إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (1 / 343).
اختلف الفقهاء في اسْتِتَابَةُ السَّاحِرِ على قولين:
القول الأْولَ: لِلْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ رَأْيٌ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَرَأْيٌ لِلْحَنَابِلَةِ، أَنَّهُ لاَ يُسْتَتَابُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نُقِل عَنِ الصَّحَابَةِ. فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَل عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ اسْتَتَابَ سَاحِرًا، لِخَبَرِ عَائِشَة: إِنَّ السَّاحِرَةَ سَأَلَتْ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ: هَل لَهَا مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَمَا أَفْتَاهَا أَحَدٌ وَلأِنَّ السِّحْرَ مَعْنًى فِي نَفْسِهِ، وَلِسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ.
القول الثَّانِيَ: لِلشَّافِعِيَّةِ، وَرَأْيٌ لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، أَنَّهُ يُسْتَتَابُ. فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ؛ لأِنَّهُ لَيْسَ بِأَعْظَمَ مِنَ الشِّرْكِ، وَلأِنَّ اللَّهَ قَبِل تَوْبَةَ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ؛ وَلأِنَّ السَّاحِرَ لَوْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ صَحَّ إِسْلاَمُهُ وَتَوْبَتُه.
عند الحنفية:
أن الساحر يقتل، ولا يستتاب.
قال الجصاص: (عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي السَّاحِرِ يُقْتَلُ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ سَاحِرٌ وَلَا يُسْتَتَابُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنِّي أَتْرُكُ السِّحْرَ وَأَتُوبُ منه). أحكام القرآن للجصاص ت قمحاوي (1 / 61).
وقال الكمال ابن الهمام: (لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ السَّاحِرِ وَالزِّنْدِيقِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ مَنْ لَا يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ) شرح فتح القدير للكمال ابن الهمام (6 / 98).
عند الشافعية:
قال الإمام السبكي: (وَأَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَحَاصِلُهُ أَنَّ السَّاحِرَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: حَالٌ يُقْتَلُ كُفْرًا وَحَالٌ يُقْتَلُ قِصَاصًا وَحَالٌ لَا يُقْتَلُ أَصْلًا بَلْ يُعَزَّرُ.
أَمَّا الْحَالَةُ الَّتِي يُقْتَلُ فِيهَا كُفْرًا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنْ يَعْمَلَ بِسِحْرِهِ مَا يَبْلُغُ الْكُفْرَ. وَشَرَحَ أَصْحَابُهُ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَمْثِلَةٍ:
(أَحَدُهَا) أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ هُوَ كُفْرٌ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِلْقَتْلِ وَمَتَى تَابَ مِنْهُ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَسَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ، وَهُوَ يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ وَبِالْبَيِّنَةِ.
(الْمِثَالُ الثَّانِي) أَنْ يَعْتَقِدَ مَا اعْتَقَدَهُ مِنْ التَّقَرُّبِ إلَى الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ وَأَنَّهَا تَفْعَلُ بِأَنْفُسِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا الْقَتْلُ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَلَا يَثْبُتُ هَذَا الْقِسْمُ إلَّا بِالْإِقْرَارِ.
(الْمِثَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ حَقٌّ يَقْدِرُ بِهِ عَلَى قَلْبِ الْأَعْيَانِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ أَيْضًا إلَّا بِالْإِقْرَارِ وَإِذَا تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَسَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ.
وَأَمَّا الْحَالَةُ الَّتِي يُقْتَلُ فِيهَا قِصَاصًا فَإِذَا اعْتَرَفَ أَنَّهُ قَتَلَ بِسِحْرِهِ إنْسَانًا فَكَمَا قَالَهُ، وَأَنَّهُ مَاتَ بِهِ وَإِنَّ سِحْرَهُ يَقْتُلُ غَالِبًا فَهَاهُنَا يُقْتَلُ قِصَاصًا وَلَا يُثْبِتُ هَذِهِ الْحَالَةَ إلَّا الْإِقْرَارُ وَلَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ بِالتَّوْبَةِ.
وَأَمَّا الْحَالَةُ الَّتِي لَا يُقْتَلُ فِيهَا أَصْلًا وَلَكِنْ يُعَزَّرُ فَهِيَ مَا عَدَا ذَلِكَ وَيَضْمَنُ مَا اعْتَرَفَ بِإِتْلَافِهِ بِهِ كَمَا إذَا اعْتَرَفَ أَنَّهُ قَتَلَ رُوَالَهُ لَا بِقَتْلِ عَيْنٍ فَيَضْمَنُ الدِّيَةَ). فتاوى السبكي (2 / 324).
عند الحنابلة:
فيه قولان الأول: الساحر يقتل ولا يستتاب.
الثاني: أن الساحر يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
قال ابن قدامة: (هَلْ يُسْتَتَابُ السَّاحِرُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا:
لَا يُسْتَتَابُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ اسْتَتَابَ سَاحِرًا، وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ السَّاحِرَةَ سَأَلَتْ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ، هَلْ لَهَا مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَمَا أَفْتَاهَا أَحَدٌ. وَلِأَنَّ السِّحْرَ مَعْنًى فِي قَلْبِهِ، لَا يَزُولُ بِالتَّوْبَةِ، فَيُشْبِهُ مَنْ لَمْ يَتُبْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَعْظَمَ مِنْ الشِّرْكِ، وَالْمُشْرِكُ يُسْتَتَابُ، وَمَعْرِفَتُهُ السِّحْرَ لَا تَمْنَعُ قَبُولَ تَوْبَتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَبِلَ تَوْبَةَ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ وَجَعَلَهُمْ مِنْ أَوْلِيَائِهِ فِي سَاعَةٍ، وَلِأَنَّ السَّاحِرَ لَوْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ صَحَّ إسْلَامُهُ وَتَوْبَتُهُ، فَإِذَا صَحَّتْ التَّوْبَةُ مِنْهُمَا صَحَّتْ مِنْ أَحَدِهِمَا، كَالْكُفْرِ).
المغني لابن قدامة (9 / 31).
المسألة الرابعة:
مسألة حكم استتابة المرتد؟
اختلف الفقهاء في حكم استتابة المرتد على قولين:
القول الأول: يستحب استتابة المرتد، وقد ذَهَبَ إليه أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ - فِي قَوْلٍ - وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وقالو إنَّ اسْتِتَابَةَ الْمُرْتَدِّ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، بَل مُسْتَحَبَّةٌ كَمَا يُسْتَحَبُّ الإْمْهَال، إِنْ طَلَبَ الْمُرْتَدُّ ذَلِكَ، فَيُمْهَل ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ.
القوَل الثاني: تَجِبُ الاِسْتِتَابَةُ وَيُمْهَل ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ.
وَهُوَ قول المالكية، والْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي أَظْهَرِ الأْقْوَال، وقالو أنه تجِبُ الاِسْتِتَابَةُ وَتَكُونُ فِي الْحَال فَلاَ يُمْهَل.
وَقد ثَبَتَتْ الاِسْتِتَابَةُ بِمَا وَرَدَ أَنَّ امْرَأَةً يُقَال لَهَا أُمُّ رُومَانَ ارْتَدَّتْ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهَا الإْسْلاَمُ فَإِنْ تَابَتْ وَإِلاَّ قُتِلَتْ، وَلأِثَرٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ اسْتَتَابَ الْمُرْتَدَّ ثَلاَثًا.
عند الحنفية:
قال الزيلعي: (وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عَلَى مَا قَالُوا وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ بَلَغَتْهُ غَيْرَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ اعْتَرَاهُ شُبْهَةٌ فَيُعْرَضُ عَلَيْهِ لِتُزَاحَ وَيَعُودَ إلَى الْإِسْلَامِ لِأَنَّ عَوْدَهُ مَرْجُوٌّ).
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3 / 284).
((وَإِذَا ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ) عَنِ الْإِسْلَامِ (يُحْبَسُ وَيُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ وَتُكْشَفُ شُبْهَتُهُ، فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا قُتِلَ)، أَمَّا حَبْسُهُ وَعَرْضُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّهُ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ).
الاختيار لتعليل المختار (4 / 145).
قال الكاساني: (يُسْتَتَابُ الْمُرْتَدُّ ثَلَاثًا، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا ﴾ [النساء: 137] وَلِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّهُ عَرَضَتْ لَهُ شُبْهَةٌ حَمَلَتْهُ عَلَى الرِّدَّةِ، فَيُؤَجَّلُ ثَلَاثًا لَعَلَّهَا تَنْكَشِفُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، فَكَانَتْ الِاسْتِتَابَةُ ثَلَاثًا وَسِيلَةً إلَى الْإِسْلَامِ - عَسَى - فَنَدَبَ إلَيْهَا).
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7 / 135).
قال البابرتي: (وَيُسْتَحَبُّ عَرْضُ الْإِسْلَامِ عَلَى الْمُرْتَدِّينَ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ لِأَنَّ رَجَاءَ الْعَوْدِ إلَى الْإِسْلَامِ ثَابِتٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الرِّدَّةَ كَانَتْ بِاعْتِرَاضِ شُبْهَةٍ. وَقَوْلُهُ (وَتَأْوِيلُ الْأَوَّلِ) يَعْنِي بِهِ قَوْلَهُ وَيُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (أَنَّهُ يُسْتَمْهَلُ) أَيْ يَطْلُبُ الْمُهْلَةَ فَيُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ). العناية شرح الهداية (6 / 68).
عند المالكية:
تجب استتابة المرتد، قال الحطاب: (ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ تَأْخِيرَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَاجِبٌ).
عند الشافعية:
قال الشافعي: (وَإِذَا ارْتَدَّ رَجُلٌ عَنْ الْإِسْلَامِ أَوْ امْرَأَةٌ اُسْتُتِيبَ أَيُّهُمَا ارْتَدَّ، فَظَاهِرُ الْخَبَرِ فِيهِ أَنْ يُسْتَتَابَ مَكَانَهُ فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ الْخَبَرُ أَنْ يُسْتَتَابَ مُدَّةً مِنْ الْمُدَدِ). الأم للشافعي (1 / 295).قال الماوردي في حكم تارك الصلاة: (فَالْوَاجِبُ أَنْ يُسْتَتَابَ فَإِنْ تَابَ وَأَجَابَ إِلَى فِعْلِهَا تُرِكَ). الحاوي الكبير (2 / 525).
قال (ومن ارتد عن الإسلام يستحب أن يستتاب في احد القولين ويجب في الآخر وفي مدة الاستتابة قولان: أحدهما ثلاثة أيام والثاني في الحال وهو الأصح فإن رجع الى الإسلام قبل منه وإن تكرر منه ثم أسلم عزر). التنبية في الفقه الشافعي (1 / 231).
عند الحنابلة:
قال عبد الله ابن الإمام أحمد: (الْمُرْتَد يُسْتَتَاب ثَلَاثًا فَإِن تَابَ وَإِلَّا قتل على حَدِيث عمر).
مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله (1 / 55).
قال ابن قدامة: (أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ حَتَّى يُسْتَتَابَ ثَلَاثًا. هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَعَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ لَا تَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ، لَكِنْ تُسْتَحَبُّ. وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ). المغني لابن قدامة (9 / 4).
المسألة الخامسة:
مسألة حكم قتل المرتد قبل الإستتابة:
اتفق الفقهاء الأربعة على أن المرتد لَوْ قُتِل قَبْل الاِسْتِتَابَةِ فَقَاتِلُهُ مُسِيءٌ، وَلاَ يَجِبُ بِقَتْلِهِ شَيْءٌ غَيْرَ التَّعْزِيرِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَسُولاً لِلْكُفَّارِ فَلاَ يُقْتَل؛ لأِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْتُل رُسُل مُسَيْلِمَةَ الكذاب. فَإِذَا قُتِل الْمُرْتَدُّ عَلَى رِدَّتِهِ، فَلاَ يُغَسَّل، وَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلاَ يُدْفَنُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ.
وَدَلِيل قَتْل الْمُرْتَدِّ قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ بَدَّل دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ)، وَحَدِيثُ: ( لاَ يَحِل دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُول اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ).
المسألة بالتفصيل:
عند الحنفية:
قال الكاساني: (فَإِنْ قَتَلَهُ إنْسَانٌ قَبْلَ الِاسْتِتَابَةِ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِزَوَالِ عِصْمَتِهِ بِالرِّدَّةِ) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7 / 135).
قال الزيلعي: ((وَكُرِهَ قَتْلُهُ قَبْلَهُ) أَيْ كُرِهَ قَتْلُهُ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ لِأَنَّ فِي قَتْلِهِ تَفْوِيتَ الْعَرْضِ الْمُسْتَحَبِّ). تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3 / 284).
عند الشافعية:
قال الإمام الجويني: (قال: " ومن قتل مرتداً قبل أن يستتاب... إلى آخره " أراد أنا وإن أوجبنا الإمهال أياماً، فلو ابتدر مبتدر، فقتل المرتد، فلا قود، وعُزّر .
وكذلك إذا قتله كما لو بدرت منه كلمة الردة قبل الاستتابة فنحكم بالإهدار، ويعزر من فعل ذلك للافتيات على الإمام). نهاية المطلب في دراية المذهب (17 / 170).
عند الحنابلة:
قال ابن قدامة: (فإن قتل قبل الاستتابة، لم يجب ضمانه؛ لأن عصمته قد زالت بردته). الكافي في فقه الإمام أحمد (4 / 61).
قال ابن تيمية الجد: (ومن قتل المرتد بغير إذن الإمام عزر). المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل (2 / 169).
المسألة السادسة:
مسألة قتل المرتدة:
اختلف الفقهاء في حكم قتل الْمُرْتَدَّةُ على قولين:
القول الأول: أنها كَالْمُرْتَدِّ تقتل، وهو قول جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ من المالكية،والشافعية، والحنابلة، لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ بَدَّل دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ، وَلِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ امْرَأَةً يُقَال لَهَا أُمُّ رُومَانَ ارْتَدَّتْ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهَا الإْسْلاَمُ فَإِنْ تَابَتْ وَإِلاَّ قُتِلَتْ.
القول الثاني: أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لاَ تُقْتَل بَل تُحْبَسُ حَتَّى تَتُوبَ أَوْ تَمُوتَ، وَهو قول الْحَنَفِيَّةُ، وذلك لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْل الْكَافِرَةِ الَّتِي لاَ تُقَاتِل أَوْ تُحَرِّضُ عَلَى الْقِتَال، فَتُقَاسُ الْمُرْتَدَّةُ عَلَيْهَا.
المسألة بالتفصيل:
عند الحنفية:
قال الزيلعي: (وَلَا تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ بَلْ تُحْبَسُ حَتَّى تُسْلِمَ).
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3 / 285).
عند الشافعية:
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي غَيْرِ مَا خَالَفَنَا فِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدَّةِ فَقَالَ إذَا ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ عَنْ الْإِسْلَامِ حُبِسَتْ وَلَمْ تُقْتَلْ).
الأم للشافعي (6 / 180).
قال الماوردي: (قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ امْرَأَةً كَانَتْ أَوْ رَجُلًا عَبْدًا كَانَ أَوْ حُرًّا).
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ يَسْتَوِي فِي الْقَتْلِ بِالرِّدَّةِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ، وَتُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ كَمَا يُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ). الحاوي الكبير (13 / 155).
عند الحنابلة:
قال ابن قدامة: (لَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي وُجُوبِ الْقَتْلِ). المغني لابن قدامة (9 / 3).
المسألة السابعة:
مسألة سب النبي صلى الله عليه وسلم :
أجمع الفقهاء على كفر ساب النبي صلى الله عليه وسلم ، واتفقوا على وجوب قتل الساب، وأنه مرتد بلا خلاف.
يقول الإمام السبكي: الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ سَبُّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كُفْرٌ، وَأيضًا الِاسْتِهْزَاءُ بِهِ صلى الله عليه وسلم كُفْرٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [التوبة: 65] ﴿ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة: 66]
فتاوى السبكي (2 / 573).
ويقول ابن حجر: (وَقَدْ نقل ابن الْمُنْذِرِ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرِيحًا وَجَبَ قَتْلُهُ وَنَقَلَ أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ أَحَدُ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ فِي كِتَابِ الْإِجْمَاعِ أَنَّ مَنْ سَبَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا هُوَ قَذْفٌ صَرِيحٌ كَفَرَ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ فَلَوْ تَابَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقَتْلُ لِأَنَّ حَدَّ قَذْفِهِ الْقَتْلُ وَحَدَّ الْقَذْفِ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَخَالَفَهُ الْقَفَّالُ فَقَالَ كَفَرَ بِالسَّبِّ فَيَسْقُطُ الْقَتْلُ بِالْإِسْلَامِ).
فتح الباري لابن حجر (12 / 281).
لكن اختلف الفقهاء هَل يُقْتَل السَّابُّ رِدَّةً أَمْ حَدًّا؟
الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَابْنُ تَيْمِيَّةَ: إِنَّ سَابَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْتَبَرُ مُرْتَدًّا، كَأَيِّ مُرْتَدٍّ؛ لأِنَّهُ بَدَّل دِينَهُ فَيُسْتَتَابُ، وَتُقْبَل تَوْبَتُهُ.
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ - فِيمَا يَنْقُلُهُ السُّبْكِيُّ - فَيَرَوْنَ أَنَّ سَبَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِدَّةٌ وَزِيَادَةٌ، وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ السَّابَّ كَفَرَ أَوَّلاً، فَهُوَ مُرْتَدٌّ، وَأَنَّهُ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْتَمَعَتْ عَلَى قَتْلِهِ عِلَّتَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا تُوجِبُ قَتْلَهُ.
عند الحنفية:
مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ بَغَضَهُ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ رِدَّةً وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّينَ اهـ.
وَفِي النَّتْفِ مَنْ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ مُرْتَدٌّ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ وَيُفْعَلُ بِهِ مَا يُفْعَلُ بِالْمُرْتَدِّ اه.
البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (5 / 135).
عند الشافعية:
قال النووي: (من سب النبي صلى الله عليه وسلم بما هو قذف صريح كفر باتفاق العلماء، فلو تاب لم يسقط عنه القتل، لان حد قذفه القتل وحد القذف لا يسقط بالتوبة، وخالفه القفال فقال كفر بالسب فسقط القتل بالاسلام).
وقال أيضًا: (قال الخطابى لاأعلم خلافا في وجوب قتله إذا كان مسلما، وقال ابن بطال: اختلف العلماء فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم.
فأما أهل العهد والذمة كاليهود فقال ابن القاسم عن مالك يقتل من سبه منهم إلا أن يسلم، وأما المسلم فيقتل بغير استتابة).
المجموع شرح المهذب (19 / 427).
وذكر الشافعية في كتاب الغرر: والِارْتِدَادَ يكون (بِقَذْفِ بَعْضِ الْأَنْبِيَا) صَرِيحًا، أَوْ تَعْرِيضًا، وَمِثْلُهُ سَائِرُ أَنْوَاعِ السَّبِّ كَالِاسْتِخْفَافِ (لَكِنْ مَتَى أَسْلَمَ) قَاذِفُ النَّبِيِّ (يَسْلَمْ) مِنْ الْقَتْلِ، وَ (قَالَ) أَبُو بَكْرٍ: مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ قَذْفِهِ النَّبِيَّ (مُسْلِمٌ) لَكِنَّهُ (يُقْتَلُ حَدْ) بِالْوَقْفِ بِلُغَةِ رَبِيعَةَ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ حَدُّ قَذْفِ النَّبِيِّ، وَحَدُّ الْقَذْفِ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ. الغرر البهية في شرح البهجة الوردية (5 / 78).
عند الحنابلة:
كل من شتم النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو تنقصه، مسلما كان، أو كافرا؛ فعليه القتل.
أحكام أهل الملل والردة من الجامع لمسائل الإمام أحمد بن حنبل (1 / 256).
وقال المرداوي: (لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ إنْ سَبَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ لَا يُعْلَمُ إسْقَاطُهُ. وَأَنَّهَا تُقْبَلُ إنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ: يَقْبَلُ التَّوْبَةَ فِي خَالِصِ حَقِّهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْخَالِقَ مُنَزَّهٌ عَنْ النَّقَائِصِ. فَلَا يَلْحَقُ بِهِ، بِخِلَافِ الْمَخْلُوقِ. فَإِنَّهُ مَحَلٌّ لَهَا. وَلِهَذَا افْتَرَقَا). الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (10 / 333).
قال القاضي عياض: (أجْمَع عَوامّ أهلى الْعِلْم عَلَى أن من سَبّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّم يُقْتَل وَمِمَّن قَال ذَلِك مَالِك بن أَنَس وَاللَّيْث وَأَحْمَد وإسحاق وَهُو مَذْهَب الشَّافِعِيّ قَال الْقَاضِي أَبُو الْفَضْل وَهُو مُقْتَضَى قَوْل أَبِي بَكْر الصَّدّيق رَضِي اللَّه عَنْه وَلَا تُقْبَل تَوْبَتُه عِنْد هَؤْلَاء، وَبِمِثْلِه قَال أَبُو حنيفة وأصحابُه والثَّوْرِيّ وَأَهْل الكُوفَة وَالْأَوزَاعِيّ فِي الْمُسْلِمِين لكِنَّهُم قَالُوا: هِي رِدَّة، وَرَوَى مِثْلُه الْوَلِيد بن مُسْلِم عَن مَالِك وحَكَى الطَّبَرِيّ مِثْلُه عَن أَبِي حنيفة وأصحابه فيمن تَنَقَّصَه صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّم أَو برئ مِنْه أَو كَذَّبَه وَقَال سُحْنُون فيمن سَبَّه: ذَلِك ردّة كَالزَّنْدَقَة وَعَلَى هَذَا وَقَع الخِلَاف فِي استتابته وتَكْفِيرِه وهل قَتْلُه حَد أَو كُفْر). الشفا بتعريف حقوق المصطفى - وحاشية الشمني (2 / 215).
المسألة الثامنة:
مسألة: من يرث مال المرتد:
هناك حالتين للمرتد: الحالة الأولى إذا تاب من الردة من يرثه، والحالة الثانية إذا لم يتب من الردة من يرثه.
اتفق الفقهاء أن المرتد إذا تاب من ردته فإنه يرثه ورثته المسلمين.
واختلف الفقهاء في الحالة الثانية إذا لم يتب ومات على ردته من يرثه على قولين.
القول الأول: أَنَّ جَمِيعَ مَالِهِ يَكُونُ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَال، وَهَذَا قَوْل المالكية، وَالشَّافِعِيِّة، وَالحنابلة.
القول الثاني: أَنَّ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَال إِسْلاَمِهِ لِوَرَثَتِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا اكْتَسَبَهُ فِي حَال رِدَّتِهِ لِبَيْتِ الْمَال، وَهَذَا قَوْل الحنفية.
عند الحنفية:
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ عَنْ مَالِهِ زَوَالًا مَوْقُوفًا فَإِنْ أَسْلَمَ عَادَ مِلْكُهُ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ وَرِثَ كَسْبَ إسْلَامِهِ وَارِثَهُ الْمُسْلِمُ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِ إسْلَامِهِ وَكَسْبُ رِدَّتِهِ فَيْءٌ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِ رِدَّتِهِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَة.
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3 / 285).
عند الشافعية:
قال الماوردي: (مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُورَثُ وَيَكُونُ جَمِيعُ مَالِهِ فَيْئًا لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ).
الحاوي الكبير (8 / 145).
عند الحنابلة:
قال ابن مفلح: يَزُولُ مِلْكُهُ بِرِدَّتِهِ، لِأَنَّ عِصْمَةَ نَفْسِهِ، وَمَالِهِ إِنَّمَا يَثْبُتُ بِإِسْلَامِهِ، فَزَوَالُ إِسْلَامِهِ مُزِيلُ عِصْمَتِهِمَا، كَمَا لَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ مَلَكُوا إِرَاقَةَ دَمِهِ بِرِدَّتِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَمْلِكُوا أَمْوَالَهُ بِهَا. المبدع في شرح المقنع (7 / 492).
المسألة التاسعة:
مسألة تأثير الردة على الصلاة والصوم والزكاة:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّلاَةِ الَّتِي تَرَكَهَا أَثْنَاءَ رِدَّتِهِ؛ لأِنَّهُ كَانَ كَافِرًا، وَإِيمَانُهُ يَجُبُّهَا.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ.
وَنُقِل عَنِ الْحَنَابِلَةِ الْقَضَاءُ وَعَدَمُهُ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ عَدَمُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ.
عند الحنفية:
لا يلزم المرتد قضاء الصلاة والزكاة وكذلك الصوم الذي تركها أثناء ردته.
قال الكاساني: (وَأَمَّا فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ حَتَّى لَا يُخَاطَبَ بِالْأَدَاءِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا حَتَّى إذَا مَضَى عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا إذَا أَسْلَمَ).
قال ابن نجيم المصري: (لا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ عِنْدَنَا لِعَدَمِ خِطَابِ الْكُفَّارِ بِالشَّرَائِعِ عِنْدَنَا فَلَا يَقْضِي مَا فَاتَهُ زَمَنَ رِدَّتِهِ بَعْدَ إسْلَامِهِ). البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (5 / 137).
عند الشافعية:
يجب على المرتد قضاء الصلاة والزكاة والصيام التي تركها أثناء ردته.
قال الشافعي: (إذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عَنْ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ أَسْلَمَ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ كُلِّ صَلَاةٍ تَرَكَهَا فِي رِدَّتِهِ وَكُلِّ زَكَاةٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِيهَا). الأم للشافعي (1 / 89).
قال أبو الخير العمراني: (وإن كان الكافر مرتدًا، فإنه مخاطب بالصلاة؛ لأنه قد التزم ذلك بالإسلام، ولا تصح منه في حال الردة؛ لأن الردة تنافي الصلاة، فلم تصح معها.فإذا أسلم، وجب عليه قضاء ما تركه في حال الردة). البيان في مذهب الإمام الشافعي (2 / 11).
وكذلك الزكاة يجب قضائها، يقول الإمام الشافعي: (وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ....... فَحَالَ الْحَوْلُ عَلَى مَالِهِ مِنْ يَوْمِ مَلَكَهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِيهَا الزَّكَاةَ؛ لِأَنَّ مَالَهُ لَا يَعْدُو أَنْ يَمُوتَ عَلَى رِدَّتِهِ فَيَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ وَمَا كَانَ لَهُمْ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، أَوْ يَرْجِعَ إلَى الْإِسْلَامِ فَيَكُونَ لَهُ فَلَا تُسْقِطُ الرِّدَّةُ عَنْهُ شَيْئًا وَجَبَ عَلَيْهِ). الأم للشافعي (2 / 60).
عند الحنابلة:
لا يلزم المرتد إعادة الصلاة والزكاة والصيام التي تركها أثناء ردته.
قال الإمام البهوتي: (وَلَا تَبْطُلُ عِبَادَتُهُ أَيْ الْمُرْتَدِّ الَّتِي فَعَلَهَا قَبْلَ رِدَّتِهِ بِهَا أَيْ: بِرِدَّتِهِ، مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَحَجٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ).
كشاف القناع عن متن الإقناع (1 / 223).
ويقول الكلوذاني: (إذا صلى المسلم في أول وقت الصلاة ثم ارتد ثم عاد فأسلم قبل أن يخرج الوقت لم يلزمه إعادة الصلاة). الانتصار (2/ 334).
إذا كَانَ عَلَى الْمُرْتَدِّ الَّذِي تَابَ صَلاَةٌ فَائِتَةٌ، قَبْل رِدَّتِهِ أَوْ صَوْمٌ أَوْ زَكَاةٌ فَهَل يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؟
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ؛ لأِنَّ تَرْكَ الْعِبَادَةِ مَعْصِيَةٌ، وَالْمَعْصِيَةُ تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ.
عند الحنفية:
قال ابن نجيم المصري: أن الْمَعْصِيَةِ تبقى مَعَ الرِّدَّةِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ إذَا كَانَ عَلَى الْمُرْتَدِّ قَضَاءُ صَلَوَاتٍ أَوْ صِيَامَاتٍ تَرَكَهَا فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا تَرَكَ فِي الْإِسْلَامِ لِأَنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ مَعْصِيَةٌ وَالْمَعْصِيَةُ تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ اه. البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (5 / 137).
عند الشافعية:
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ:( إِذَا ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ عَنِ الْإِسْلَامِ زَمَانًا ثُمَّ عَادَ إِلَى إِسْلَامِهِ لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا تَرَكَهُ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ).
الحاوي الكبير (2 / 209).
عند الحنابلة:
قال البهوتي: (وَيَقْضِي الْمُرْتَدُّ إذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ مَا فَاتَهُ قَبْلَ رِدَّتِهِ لِاسْتِقْرَارِهِ فِي ذِمَّتِهِ، وَ لَا يَقْضِي مَا فَاتَهُ زَمَنَهَا أَيْ: زَمَنَ رِدَّتِهِ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ كَالْأَصْلِيِّ).
كشاف القناع عن متن الإقناع (1 / 223).
المسألة العاشرة:
مسألة تأثير الردة على الحج:
يَجِبُ عَلَى مَنِ ارْتَدَّ وَتَابَ أَنْ يُعِيدَ حَجَّهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَنِ ارْتَدَّ ثُمَّ تَابَ أَنْ يُعِيدَ حَجَّهُ.
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَالصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ عِنْدَهُمْ: أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ، بَل يُجْزِئُ الْحَجُّ الَّذِي فَعَلَهُ قَبْل رِدَّتِهِ.
عند الحنفية:
يجب على المرتد إعادة الحج.
ففي البحر الرائق: وَفِي الْخُلَاصَةِ مَنْ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ وَهُوَ قَدْ حَجَّ مَرَّةً فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ ثَانِيًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَوَاتِ وَالزَّكَوَاتِ وَالصِّيَامَاتِ لِأَنَّ بِالرِّدَّةِ كَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ كَافِرًا فَإِذَا أَسْلَمَ وَهُوَ غَنِيٌّ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ اه. البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (5 / 137).
عند الشافعية:
لا يلزم المرتد إعادة الحج.
يقول الشربيني: (وَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ حَجَّهُ الَّذِي حَجَّهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ). مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (5 / 427).
عند الحنابلة:
لا يلزمه إعادة الحج.
يقول الإمام الكلوذاني: إذا حج ثم ارتد ثم أسلم لم يلزمه إعادة الحج. الانتصار (2/ 334).
وقال البهوتي: (وَلَا تَبْطُلُ عِبَادَتُهُ أَيْ الْمُرْتَدِّ الَّتِي فَعَلَهَا قَبْلَ رِدَّتِهِ بِهَا أَيْ: بِرِدَّتِهِ، مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَحَجٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ). كشاف القناع عن متن الإقناع (1 / 223).
المسألة الحادية عشرة:
تأثير الردة على تصرفات المرتد ومعاملاته:
عند الحنفية:
قال أبو الفضل الحنفي: (اعْلَمْ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ:
1- نَافِذٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالطَّلَاقِ وَالِاسْتِيلَادِ وَقَبُولِ الْهِبَةِ وَتَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ وَالْحَجْرِ عَلَى عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى تَمَامِ الْوِلَايَةِ وَلَا إِلَى حَقِيقَةِ الْمِلْكِ.
2- وَبَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالنِّكَاحِ وَالذَّبِيحَةِ لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ الْمِلَّةَ وَلَا مِلَّةَ لِلْمُرْتَدِّ.
3- وَمَوْقُوفٌ بِالْإِجْمَاعِ كَالْمُفَاوَضَةِ لِأَنَّهَا تَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ وَلَا مُسَاوَاةَ، فَإِنْ أَسْلَمَ حَصَلَتِ الْمُسَاوَاةُ وَإِلَّا بَطَلَتْ فَيُوقَفُ لِذَلِكَ.
4- وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَقَبْضِ الدُّيُونِ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إِنْ أَسْلَمَ نُفِّذَتْ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ). الاختيار لتعليل المختار (4 / 146).
أما الشافعية فقد ذكرو تصرفات المرتد في أبواب الفقه:
فنكاح المرتد باطل، قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَإِذَا ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ فَنَكَحَ مُسْلِمَةً أَوْ مُرْتَدَّةً أَوْ مُشْرِكَةً أَوْ وَثَنِيَّةً فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ.
وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُرْتَدَّةِ وَإِنْ نَكَحَتْ فَأُصِيبَتْ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَنِكَاحُهَا مَفْسُوخٌ. الأم للشافعي (5 / 62).
أما عن ماله فيوقف، وَيُوقَفُ مَالُهُ وَإِذَا قُتِلَ فَمَالُهُ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ وَجِنَايَتِهِ وَنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فَيْءٌ. مختصر المزني (8 / 367).
وأما تدبيره ففيه ثلاثة أقوال:
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا دَبَّرَ الْمُرْتَدُّ فَفِيهِ أَقَاوِيلُ: أَحَدُهَا، أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ كَانَ عَلَى تَدْبِيرِهِ حَتَّى يَرْجِعَ فِيهِ وَهُوَ عَلَى أَصْلِ مِلْكِهِ، وَإِنْ قُتِلَ فَالتَّدْبِيرُ بَاطِلٌ، وَمَالُهُ فَيْءٌ.
وَالثَّانِي أَنَّ التَّدْبِيرَ بَاطِلٌ لِأَنَّ مَالَهُ مَوْقُوفٌ يَكُون فَيْئًا وَمَالُهُ خَارِجٌ إلَّا بِأَنْ يَعُودَ إلَيْهِ فَالتَّدْبِيرُ وَالْعِتْقُ بَاطِلٌ كُلُّهُ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ التَّدْبِيرُ مَاضِيًا عَاشَ أَوْ مَاتَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَالَهُ إلَّا بِمَوْتِهِ وَبِمَوْتِهِ يَقَعُ الْعِتْقُ. الأم للشافعي (8 / 25).
أما عن وصية المرتد، فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُوصِيَ لِمَنْ يَرْتَدُّ عَنِ الْإِسْلَامِ. فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لِعَقْدِهَا عَلَى مَعْصِيَةٍ.
وَالثَّانِي: أَنْ يُوصِيَ بِهَا لِمُسْلِمٍ فَيَرْتَدُّ عَنِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الوصية له. الوصية جَائِزَةٌ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ صَادَفَتْ حَالَ الْإِسْلَامِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يُوصِيَ بِهَا لِمُرْتَدٍّ مُعَيَّنٍ فَفِي الْوَصِيَّةِ وجهان:
أحدها: بَاطِلَةٌ.
وَالثَّانِي: جَائِزَةٌ. الحاوي الكبير (8 / 193).
أما عند الحنابلة فقد وضع ابن قدامة الحنبلي فصل اسماه [فَصْلٌ تَصَرُّفَات الْمُرْتَدّ فِي رِدَّتِهِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِير وَالْوَصِيَّةِ]
فَصْلٌ: وَتَصَرُّفَاتُ الْمُرْتَدِّ فِي رِدَّتِهِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْوَصِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مَوْقُوفٌ؛ إنْ أَسْلَمَ تَبَيَّنَّا أَنَّ تَصَرُّفَهُ كَانَ صَحِيحًا، وَإِنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ، كَانَ بَاطِلًا. المغني لابن قدامة (9 / 10).
أما النكاح فيفسخ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا، وَهُمَا مُسْلِمَانِ، فَارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ، انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَلَا مَهْرَ لَهَا. وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُرْتَدَّ قَبْلَهَا وَقَبْلَ الدُّخُولِ، فَكَذَلِكَ، إلَّا أَنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ الْمَهْرِ. المغني لابن قدامة (7 / 173).
أما الطلاق، فإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ، فَارْتَدَّتْ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ، ثُمَّ مَاتَ فِي عِدَّتِهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، تَرِثُهُ؛ لِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ فِي الْمَرَضِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ تَرْتَدَّ. وَالثَّانِي، لَا تَرِثُهُ؛ لِأَنَّهَا فَعَلَتْ مَا يُنَافِي النِّكَاحَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَزَوَّجَتْ. وَلَوْ كَانَ هُوَ الْمُرْتَدَّ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَمَاتَ، وَرِثَتْهُ. المغني لابن قدامة (6 / 397).
وأما إحصان المرتد، فلا يبطل إحصان المسلم بردته ولا عباداته التي فعلها في إسلامه إذا عاد إلى الإسلام؛ يعني إذا كان محصناً فارتد ثم أسلم لم يصر غير محصن بل متى زنا رجم لأنه يثبت له حكم الإحصان والأصل بقاء ما كان على ما كان ولا تبطل عباداته التي فعلها في إسلامه إذا عاد إلى الإسلام لأنه فعلها على وجهها وبرئت ذمته منها فلم تعد الى ذمته كديون الآدميين. الشرح الكبير على متن المقنع (10 / 96).
المسألة الثانية عشرة:
مسألة قذف عائشة الصديقة رضي الله عنهم:
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ قَذَفَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقَدْ كَذَّبَ صَرِيحَ الْقُرْآنِ الَّذِي نَزَل بِحَقِّهَا، وَهُوَ بِذَلِكَ كَافِرٌ قَال تَعَالَى فِي حَدِيثِ الإْفْكِ بَعْدَ أَنْ بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ: ﴿ يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾. فَمَنْ عَادَ لِذَلِكَ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ.
عند الحنفية:
قال العيني: (بَرَاءَة عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، من الْإِفْك، وَهِي بَرَاءَة قَطْعِيَّة بِنَصّ الْقُرْآن، فَلَو تشكك فِيهَا إِنْسَان صَار كَافِرًا مُرْتَدا بِإِجْمَاع الْمُسلمين). عمدة القاري شرح صحيح البخاري (13 / 235).
عند الشافعية:
قال السبكي: (مَنْ سَبَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قُتِلَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِيهَا ﴿ يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 17] فَمَنْ رَمَاهَا فَقَدْ خَالَفَ الْقُرْآنَ وَمَنْ خَالَفَ الْقُرْآنَ قُتِلَ). فتاوى السبكي (2 / 569).
عند الحنابلة:
قال البهوتي: (مَنْ قَذَفَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِمَا بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ كَفَرَ بِلَا خِلَافٍ) لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِنَصِّ الْكِتَابِ).
كشاف القناع عن متن الإقناع (6 / 172).
المسألة الثالثة عشر:
مسألة سب زوجات النبي صلى الله عليه وسلم غير عائشة رضي الله عنها ففيه قولان:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَسَابِّ غَيْرِهِنَّ مِنَ الصَّحَابَةِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ مَنْ قَذَفَ وَاحِدَةً مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ كَقَذْفِ عَائِشَةَ، وَذَلِكَ لأِنَّ هَذَا فِيهِ عَارٌ وَغَضَاضَةٌ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَذًى لَهُ أَعْظَمُ مِنْ أَذَاهُ بِنِكَاحِهِنَّ بَعْدَهُ قَال تَعَالَى: ﴿ إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ ﴾.
وَاخْتَارَ الثَّانِيَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ.
قال البهوتي الحنبلي: (وَمَنْ سَبَّ غَيْرَهَا مِنْ أَزْوَاجِهِ - صلى الله عليه وسلم - فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَسَبِّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ) لِعَدَمِ نَصٍّ خَاصٍّ (وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ كَقَذْفِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) لِقَدْحِهِ فِيهِ - صلى الله عليه وسلم -). كشاف القناع عن متن الإقناع (6 / 172).
المسألة الرابعة عشر:
مسألة سب الصحابة رضي الله عنهم:
مَنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ، أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمْ، فَإِنْ نَسَبَ إِلَيْهِمْ مَا لاَ يَقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِمْ، أَوْ فِي دِينِهِمْ بِأَنْ يَصِفَ بَعْضَهُمْ بِبُخْلٍ، أَوْ جُبْنٍ، أَوْ قِلَّةِ عِلْمٍ، أَوْ عَدَمِ الزُّهْدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلاَ يَكْفُرُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَلَكِنَّهُ يَسْتَحِقُّ التَّأْدِيبَ.
أما إن كفر جَمِيعِ الصَّحَابَةِ أَوِ قال بِأَنَّ الصَّحَابَةَ ارْتَدُّوا جَمِيعًا بَعْدَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَنَّهُمْ فَسَقَوْا، فإنه يكفر؛ لأِنَّ في ذَلِكَ تَكْذِيبٌ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الرِّضَا عَنْهُمْ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ.
قال السبكي الشافعي: (فَإِنَّ سَبَّ الْجَمِيعِ لَا شَكَّ أَنَّهُ كُفْرٌ وَهَكَذَا إذَا سَبَّ وَاحِدًا مِنْ الصَّحَابَةِ حَيْثُ هُوَ صَحَابِيٌّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِخْفَافٌ بِحَقِّ الصُّحْبَةِ فَفِيهِ تَعَرُّضٌ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِ السَّابِّ).
فتاوى السبكي (2 / 575).
وقال السبكي أيضًا: (وَحَكَى ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ سَحْنُونٍ مَنْ قَالَ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ إنَّهُمْ كَانُوا عَلَى ضَلَالٍ وَكُفْرٍ قُتِلَ، وَمَنْ شَتَمَ غَيْرَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ بِمِثْلِ هَذَا نُكِّلَ النَّكَالَ الشَّدِيدَ.
قُلْت: قَتْلُ مَنْ كَفَّرَ الْأَرْبَعَةَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ إلَّا الْغُلَاةَ مِنْ الرَّوَافِضِ). فتاوى السبكي (2 /579- 580).
وجاء في مطالب أولي النهى: (وَإِنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ سَبَّا لَا يَقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِمْ وَلَا دِينِهِمْ مِثْلُ مَنْ وَصَفَ بَعْضُهُمْ بِبُخْلٍ أَوْ جُبْنٍ أَوْ قِلَّةِ عِلْمٍ أَوْ عَدَمِ زُهْدٍ وَنَحْوِهِ؛ فَهَذَا يَسْتَحِقُّ التَّأْدِيبَ وَالتَّعْزِيرَ، وَلَا يُكَفَّرُ، وَأَمَّا مَنْ لَعَنَ وَقَبَّحَ مُطْلَقًا، فَهَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ أَعْنِي هَلْ يُكَفَّرُ أَوْ يُفَسَّقُ؟ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي كُفْرِهِ وَقَتْلِهِ، وَقَالَ: يُعَاقَبُ وَيُجْلَدُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ). مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (6 / 287).
وقال المرداوي الحنبلي: (مَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا مُسْتَحِلًّا كَفَرَ، وَإِلَّا فَسَقَ. وَقِيلَ: وَعَنْهُ يَكْفُرُ. نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ فِيمَنْ شَتَمَ صَحَابِيًّا الْقَتْلَ أَجْبُنُ عَنْهُ، وَيُضْرَبُ. مَا أَرَاهُ عَلَى الْإِسْلَامِ).
الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (10 / 324).
المسألة الخامسة عشر:
مسألة تكفير الصحابة رضي الله عنهم :
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ كَفَّرَ الصَّحَابَةِ أو كفر أبو بكر وعمر فَإِنَّهُ يَكْفُرُ؛ لأِنَّهُ أَنْكَرَ مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَكَذَّبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم :
عند الحنفية:
ذكر ابن عابدين في كتابه: ويكفر بإِنْكَارُهُ صُحْبَةَ الصِّدِّيقِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ قَوْله تَعَالَى - ﴿ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ ﴾ [التوبة: 40]- ح. وَفِي الْفَتْحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: وَمَنْ أَنْكَرَ خِلَافَةَ الصِّدِّيقِ أَوْ عُمَرَ فَهُوَ كَافِرٌ اه وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إنْكَارُ اسْتِحْقَاقِهِمَا الْخِلَافَةَ، فَهُوَ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (1 / 561).
عند الشافعية:
قال الماوردي: (مَنْ يَعْتَقِدُ تَكْفِيرَ مُخَالِفِهِ وَلَا يَرَى اسْتِبَاحَةَ دَمِهِ فَيُنْظَرُ فَإِنْ تَعَرَّضَ بِعَرْضٍ بِرَأْيِهِ لِتَكْفِيرِ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ حُكِمَ بِكُفْرِهِ، لِرَدِّهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ﴾ [الفتح: 18] وَرَدِّهِ عَلَى رَسُولِهِ فِي قَوْلِهِ: " أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ "
وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ " فَتَسْقُطُ عَدَالَتُهُمْ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ بِكُفْرِهِمْ). الحاوي الكبير (17 / 171).
قال ابن حجر الهيتمي: (وَأما تَكْفِير أبي بكر ونظرائه مِمَّن شهد لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْجنَّةِ فَلم يتَكَلَّم فِيهَا أَصْحَاب الشَّافِعِي وَالَّذِي أرَاهُ الْكفْر فِيهَا قطعا مُوَافقَة لمن مر وَمر عَن أَحْمد أَن الطعْن فِي خلَافَة عُثْمَان طعن فِي الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار). الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة (1 / 146).
أما عند علماء العقيدة:
فقد ذكر أبو المعالي الألوسي مسألة تكفير الصحابة - رضي الله عنهم - فقال: وبالجملة تكفير أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم الذين تحقق إيمانهم وصدقهم وعدم نفاقهم والإقدام على لعنه بمجرد شبهة هي أوهن من بيت العنكبوت -كفر صريح، لا ينبغي أن يتوقف فيه، وللشيعة الذين في زماننا الحظ الأوفى من هذا الكفر؛ لأنهم كفروا أناسا من الصحابة كان الأمير يصلي وراءهم، ويقتدي بهم في الجمع والجماعات، كأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم، وقد درج معهم على أحسن حال وأرفه بال حتى زوج بنته أم كلثوم من عمر رضي الله تعالى عنه، ونكح هو رضي الله عنه من سبي أبي بكر رضي الله تعالى عنه خولة الحنفية رضي الله تعالى عنها). صب العذاب على من سب الأصحاب (1 / 331).
وقال ابن كثير: قد ذهب عبد الرزاق بن همام إلى تكفير الرافضة وهو رواية عن الامام مالك رحمه الله وذهب طائفة آخرون الى انهم لا يستحقون شيئا من الخير. مسند الفاروق لابن كثير (2 / 523).
المسألة السادسة عشر:
مسألة قذف أم النبي صلى الله عليه وسلم :
اتفق العلماء على أن من قذف أم النبي صلى الله عليه وسلم كفر، إلا أن الخلاف في قبول توبته، فعند الحنفية: (قال أبو الخطاب: إذا قذف أم النبي صلى الله عليه وسلم لا تقبل توبته، وفي الكافر إذا سبها ثم أسلم روايتان. وقال أبو حنيفة والشافعي: تقبل توبته في الحالين اه) الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (4/ 233).
وعند الشافعية:
ينتقض بذلك عهد الذمي، أن من (طعن في نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو نسبه إلى الزنى، فليلتحق بالقتال، وينتقض العهد به قطعا). روضة الطالبين وعمدة المفتين (10/ 330).
وقال الحنابلة:
(ومن قذف أم النبي صلى الله عليه وسلم قتل، مسلما كان أو كافرا، يعني أن حده القتل، ولا تقبل توبته. نص عليه. أحمد ). المغني لابن قدامة (9/ 97).
المسألة السابعة عشر:
مسألة تهنئة المسلم للذمي بالعيد بقول عيدكم مبارك:
تكلم الإمام ابن القيم عن مسألة تهنئة المسلم للذمي بالعيد بقول عيدكم مبارك فقال: (التَّهْنِئَةُ بِشَعَائِرِ الْكُفْرِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ فَحَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ مِثْلَ أَنْ يُهَنِّئَهُمْ بِأَعْيَادِهِمْ وَصَوْمِهِمْ، فَيَقُولَ: عِيدٌ مُبَارَكٌ عَلَيْكَ، أَوْ تَهْنَأُ بِهَذَا الْعِيدِ، وَنَحْوَهُ، فَهَذَا إِنْ سَلِمَ قَائِلُهُ مِنَ الْكُفْرِ فَهُوَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُهَنِّئَهُ بِسُجُودِهِ لِلصَّلِيبِ، بَلْ ذَلِكَ أَعْظَمُ إِثْمًا عِنْدَ اللَّهِ وَأَشَدُّ مَقْتًا مِنَ التَّهْنِئَةِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَقَتْلِ النَّفْسِ وَارْتِكَابِ الْفَرْجِ الْحَرَامِ وَنَحْوِهِ). أحكام أهل الذمة (1 / 441).
وقال أيضا: (وَكَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُهْدِيَ إِلَى النَّصْرَانِيِّ فِي عِيدِهِ مُكَافَأَةً لَهُ، وَرَآهُ مِنْ تَعْظِيمِ عِيدِهِ وَعَوْنًا لَهُ عَلَى كُفْرِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَبِيعُوا مِنَ النَّصَارَى شَيْئًا مِنْ مَصْلَحَةِ عِيدِهِمْ، لَا لَحْمًا وَلَا أَدَمًا وَلَا ثَوْبًا، وَلَا يُعَارُونَ دَابَّةً، وَلَا يُعَانُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ عِيدِهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَعْظِيمِ شِرْكِهِمْ وَعَوْنِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَيَنْبَغِي لِلسَّلَاطِينِ أَنْ يَنْهَوُا الْمُسْلِمِينَ عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ، لَمْ أَعْلَمْهُ اخْتُلِفَ فِيهِ ".
هَذَا لَفْظُهُ فِي " الْوَاضِحَةِ ".
وَفِي كُتُبِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: مَنْ أَهْدَى لَهُمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ بِطِّيخَةً بِقَصْدِ تَعْظِيمِ الْعِيدِ فَقَدْ كَفَرَ). أحكام أهل الذمة (3 / 1250).
قال ابن تيمية: (وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شُهُودُ أَعْيَادِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ﴾ [الفرقان: 72]. قَالَ: الشَّعَانِينُ، وَأَعْيَادُهُمْ.
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي كَلَامٍ لَهُ قَالَ: فَلَا يَعَاوَنُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ عِيدِهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَعْظِيمِ شِرْكِهِمْ، وَعَوْنِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ. وَيَنْبَغِي لِلسَّلَاطِينِ أَنْ يَنْهَوْا الْمُسْلِمِينَ عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ ). الفتاوى الكبرى لابن تيمية (2 / 486).
رابط الموضوع
أحكام تتعلق بالمرتد في المذاهب الأربعة
إيمان بنت محمد القثامي
المسألة الأولى:
مسألة انتقال الكافر من دينه إلى دين كفر آخر:
هل انتقال الكافر من دين إلى دين كفري آخر يعتبر ردة؟
إن المسلم إذا خرج عن الاسلام كان مرتدا، وجرى عليه حكم الله في المرتدين، ولكن هل الردة قاصرة على المسلمين الخارجين عن الاسلام، أم أنها تتناول غير المسلمين إذا تركوا دينهم إلى غيره من الاديان الكافرة؟
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِقْرَارِهِ عَلَى ذَلِكَ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالمشهور عند الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ غَيْرُ الأْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ يُقَرُّ عَلَى مَا انْتَقَل إِلَيْهِ؛ لأِنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ.
وَالأْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وقول عند المالكية، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ لاَ يُقَرُّ عَلَى ذَلِكَ؛ لأِنَّهُ أَحْدَثَ دِينًا بَاطِلاً بَعْدَ اعْتِرَافِهِ بِبُطْلاَنِهِ، فَلاَ يُقَرُّ عَلَيْهِ، كَمَا لَوِ ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ.
عند الحنفية:
لَوْ أَنَّ الْيَهُودِيَّ تَنَصَّرَ أَوْ تَمَجَّسَ أَوْ النَّصْرَانِيَّ تَهَوَّدَ أَوْ تَمَجَّسَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْعَوْدِ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ. الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (4 / 225).
عند الشافعية:
قَالَ الإمام الشافعي: وَلَا يُقْتَلُ بِالرِّدَّةِ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ إنَّمَا يُقْتَلُ مَنْ خَرَجَ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ إلَى الشِّرْكِ فَأَمَّا مَنْ خَرَجَ مِنْ بَاطِلٍ إلَى بَاطِلٍ فَلَا يُقْتَلُ وَيُنْفَى مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ.
الأم للشافعي (5 / 9).
وقَالَ الإمام الْمَاوَرْدِيُّ: انْتَقِالَ أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ دِينٍ إِلَى دِين، على ضَرْبَينِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى دِينٍ يُقَرُّ عَلَيْهِ أَهْلُهُ.
وَالثَّانِي: إِلَى دِينٍ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ أَهْلُهُ.
فَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى دِينٍ يُقَرُّ عَلَيْهِ أَهْلُهُ كَمَنْ بَدَّلَ يَهُودِيَّةً بِنَصْرَانِيَّةٍ أَوْ بِمَجُوسِيَّةٍ أَوْ بَدَّلَ نَصْرَانِيَّةً بِيَهُودِيَّةٍ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ، أَوْ بَدَّلَ مَجُوسِيَّةً بِيَهُودِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ، فَفِي إِقْرَارِهِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ يُقَرُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيِّ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ يَتَوَارَثُونَ بِهَا مَعَ اخْتِلَافِ مُعْتَقَدِهِمْ، فَصَارُوا فِي انْتِقَالِهِ فِيهِ مِنْ دِينٍ إِلَى دِينٍ، كَانْتِقَالِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ مَذْهَبٍ إِلَى مَذْهَبٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ أَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ﴾ [آل عمران: 85]؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْوَثَنِيُّ إِذَا انْتَقَلَ إِلَى نَصْرَانِيَّةٍ لَمْ يُقَرَّ، وَالنَّصْرَانِيُّ إِذَا انْتَقَلَ إِلَى وَثَنِيَّةٍ لَمْ يُقَرَّ، وَجَبَ إِذَا انْتَقَلَ النَّصْرَانِيُّ إِلَى يَهُودِيَّةٍ أَنْ لَا يُقَرَّ، لِأَنَّ جَمِيعَهُمْ مُنْتَقِلٌ إِلَى دِينٍ لَيْسَ بِحَقٍّ.
فَإِذَا تَقَرَّرَ الْقَوْلَانِ، فَإِنْ قِيلَ بِالْأَوَّلِ إِنَّهُ مُقَرٌّ فِي انْتِقَالِهِ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ فِيمَا انْتَقَلَ إِلَيْهِ مِنْ ثلاثة أقسام:
أحدهما: أَنْ يَكُونَ مُكَافِئًا لِدِينِهِ كَيَهُودِيٍّ، تَنَصَّرَ أَوْ نَصَرَانِيٍّ تَهَوَّدَ، فَأَصْلُ هَذَيْنِ الدِّينَيْنِ سَوَاءٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَلَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُمَا بِانْتِقَالِهِ مِنْ أَحَدِ الدِّينَيْنِ إِلَى الْآخَرِ إِلَّا فِي قَدْرِ الْجِزْيَةِ، فَتَصِيرُ جِزْيَتُهُ جِزْيَةَ الدِّينِ الَّذِي انْتَقَلَ إليه دون جزية الدين الذين انْتَقَلَ عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَتْ أَقَلَّ أَوْ أَكَثَرَ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الدِّينُ الَّذِي انْتَقَلَ إِلَيْهِ أَخَفَّ حُكْمًا مِنَ الدِّينِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، كَنَصْرَانِيٍّ تَمَجَّسَ، فَيَنْتَقِلُ عَنْ أَحْكَامِهِ فِي الْجِزْيَةِ وَالْمُنَاكَحَةِ وَالذَّبِيحَةِ وَالدِّيَةِ إِلَى أَحْكَامِ الدِّينِ الَّذِي انْتَقَلَ إِلَيْهِ، فَتُقْبَلُ جِزْيَتُهُ، وَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُ، وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ، وَتَكُونُ دِيَتُهُ ثُلُثَيْ عُشْرِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ نِصْفَهَا كَالْمَجُوسِ فِي أَحْكَامِهِ كُلِّهَا،فَيَصِيرُ بِذَلِكَ مُنْتَقِلًا مِنْ أَخَفِّ الْأَحْكَامِ إِلَى أَغْلَظِهَا.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الدِّينُ الَّذِي انتقل إليه أغلى حُكْمًا مِنَ الدِّينِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ كَمَجُوسِيٍّ تَنَصَّرَ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الدِّينِ الَّذِي انْتَقَلَ إِلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ عَلَيْهِ فِي إِبَاحَةِ الْمُنَاكَحَةِ وَالذَّبِيحَةِ، وَقَدْرِ الدِّيَةِ، فَيَصِيرُ مُنْتَقِلًا مِنْ أَغْلَظِ الْأَحْكَامِ إِلَى أَخَفِّهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّهُ يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الدِّينِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فِي تَحْرِيمِ مُنَاكَحَتِهِ وَذَبِيحَتِهِ وَقَدْرِ دِيَتِهِ تَغْلِيبًا لِأَحْكَامِ التَّغْلِيظِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حُرُمَاتِهَا عَلَيْهِ، كَالْمَشْكُوكِ فِي دِينِهِ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ.
وَإِنْ قِيلَ: بِالْقَوْلِ الثَّانِي: إِنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى الدِّينِ الَّذِي انْتَقَلَ إِلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يُؤْخَذَ جَبْرًا بِالِانْتِقَالِ عَنْهُ إِلَى دِينٍ يُؤْمَرُ بِهِ، وَفِي الدِّينِ الَّذِي يُؤْمَرُ بِالِانْتِقَالِ إِلَيْهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: دِينُ الْإِسْلَامِ أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إِلَى دِينٍ قَدْ كَانَ مُقِرًّا بِبُطْلَانِهِ، وَانْتَقَلَ عَنْ دِينٍ هُوَ الْآنَ مُقَرٌّ بِبُطْلَانِهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَرَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنَ الدِّينَيْنِ، لِإِقْرَارِهِ بِبُطْلَانِهِمَا، فَوَجَبَ أَنْ يُؤْخَذَ بِالرُّجُوعِ إِلَى دِينِ الْحَقِّ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي إِنَّهُ إِنِ انْتَقَلَ إِلَى دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ إِلَى دِينِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أُقِرَّ عليه، فنزل؛ لأننا قد كُنَّا قَدْ صَالَحْنَاهُ عَلَى الْأَوَّلِ عَلَى دِينِهِ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَنَا بَاطِلًا فَجَازَ أَنْ يُعَادَ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ بَاطِلًا، فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي صِفَةِ دُعَائِهِ إِلَى دِينِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إِنَّنَا نَدْعُوهُ إِلَى الْعَوْدِ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُدْعَى إِلَى الْعَوْدِ إِلَى الْكُفْرِ، فَإِنْ عَادَ إِلَى دِينِهِ فِي الْكُفْرِ أُقِرَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ إِلَى الْكُفْرِ مَعْصِيَةٌ، وَيَجُوزُ إِذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ يُقَرُّ عَلَى دِينِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ لَهُ: نَحْنُ نَدْعُوكَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَإِنْ عُدْتَ إِلَى دِينِكَ الَّذِي كُنْتَ عَلَيْهِ أَقْرَرْنَاكَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّنَا نَدْعُوهُ ابْتِدَاءً إِلَى الْإِسْلَامِ وَإِلَى دِينِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ أَمْرًا بِالْعَوْدِ إِلَى الْكُفْرِ؛ لِأَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَكُنْ أَمْرًا بِالْكُفْرِ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دَعَاهُمْ إِلَى الشَّهَادَةِ أَوِ الْجِزْيَةِ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ أَمْرًا بِالْمُقَامِ عَلَى الْكُفْرِ، وَلَكِنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ فِيهِمْ فَإِذَا تَوَجَّهَ الْقَوْلَانِ فِيمَا يُؤْمَرُ بِالْعَوْدِ إِلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ إِلَى الدِّينِ الْمَأْمُورِ بِهِ أُقِرَّ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إِلَيْهِ فَفِيمَا يَلْزَمُ مِنْ حُكْمِهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ هَاهُنَا إِنَّهُ يُنْبَذُ إِلَيْهِ عَهْدُهُ، وَيُبَلَّغُ مَأْمَنَهُ، ثُمَّ يَكُونُ حَرْبًا؛ لِأَنَّ لَهُ أَمَانًا عَلَى الْكُفْرِ، فَلَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ تَرْكُهُ؛ ليقضي أَشْغَالَهُ وَنَقْلَ مَالِهِ، وَلَا يُتَجَاوَزُ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا بَلَغَ أَدْنَى مَأْمَنِهِ بِذُرِّيَّتِهِ وَمَالِهِ صَارَ حَرْبًا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهُ يَصِيرُ فِي حُكْمِ الْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ لَيْسَتْ بِأَوْكَدَ مِنْ ذِمَّةِ الْإِسْلَامِ، فَعَلَى هَذَا يُسْتَتَابُ، فإن تاب، وإلا قتل صبرا بالسيف؟، وَفِي الِانْتِظَارِ بِقَتْلِهِ ثَلَاثًا قَوْلَانِ: وَيَكُونُ أَمَانُ ذُرِّيَّتِهِ بَاقِيًا، وَأَمَّا مَالُهُ، فَيَكُونُ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَالِ، وَلَا يُورَثُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ مَنْ قُتِلَ بِحُكْمِ الرِّدَّةِ لَمْ يُورَثْ.
وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي: انْتِقَالِهِ إِلَى دِينٍ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ أَهْلُهُ، كَانْتِقَالِهِ مِنْ يَهُودِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ إِلَى وَثَنِيَّةٍ أَوْ زَنْدَقَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ، وَيُؤْخَذُ بِالِانْتِقَالِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لِمَا انْتَقَلَ إِلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ إِقْرَارُ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، فَكَانَ إِقْرَارُ غَيْرِ أَهْلِهِ أَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَفِي الَّذِي يُؤْمَرُ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:
أَحَدُهَا: الْإِسْلَامُ لَا غَيْرَ؛ لِأَنَّهُ دِينُ الْحَقِّ، فَكَانَ أَحَقَّ بِالْعَوْدِ إِلَيْهِ.
والْقَوْلُ الثَّانِي: الْإِسْلَامُ أَوْ دِينُهُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ صُلْحِهِ عَلَيْهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: الْإِسْلَامُ أَوْ دِينُهُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أَوْ دِينٌ يُقَرُّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ، فَفِيمَا عَلَا كَالْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ، أَوِ انْخَفَضَ كَالْمَجُوسِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَفِي صِفَةِ دُعَائِهِ إِلَى ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ الْوَجْهَيْنِ:
فَإِنْ عَادَ إِلَى الْمَأْمُورِ بِهِ مِنَ الدِّينِ أُقِرَّ عَلَيْهِ، وَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَ انْتِقَالِهِ وَعَوْدِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُرْتَدَّةِ، وَلَا جِزْيَةَ عَلَى مُرْتَدٍّ، وَإِنِ امْتَنَعَ مِنَ الْعَوْدِ إِلَى الدِّينِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَفِيمَا يَلْزَمُ مِنْ حُكْمِهِ قَوْلَانِ عَلَى مَا مَضَى:
أَحَدُهُمَا: يُنْبَذُ إِلَيْهِ عَهْدُهُ، وَيُبَلَّغُ مَأْمَنَهُ بِمَالِهِ وَبِمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، ثُمَّ يَكُونُ حَرْبًا.
فَأَمَّا مَنْ تَمَانَعَ عَلَيْهِ مِنِ ذُرِّيَّتِهِ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ بَالِغًا مِنْ نِسَائِهِ وَبَنَاتِهِ، كَانَ أَمَلَكَ بِنَفْسِهِ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ صَغِيرًا رُوعِيَ مُسْتَحِقُّ حَضَانَتِهِ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لَهَا، كَانَ لَهُ إِخْرَاجُهُمْ جَبْرًا، وَعَاوَنَهُ الْإِمَامُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُقِيمُ أَحَقَّ بِحَضَانَتِهِ مُنِعَ مِنْهُمْ، وَأُقِرَّ مَعَ الْمُقِيمِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهُ يَصِيرُ فِي حُكْمِ الْمُرْتَدِّ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ، وَيَكُونُ مَالُهُ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَالِ.
فَأَمَّا ذُرِّيَّتُهُ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ بَالِغًا، فَلَهُ حُكْمُ مُعْتَقَدِهِ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ أَقَامَ عَلَى دِينِهِ أُقِرَّ عَلَيْهِ، وَإِنِ انْتَقَلَ عَنْهُ مَعَ وَلِيِّهِ صَارَ عَلَى حكمه.
الحاوي الكبير (14 /375 - 376 - 377).
عند الحنابلة:
قال المرداوي: (وَإِنْ انْتَقَلَ أَحَدُ الْكِتَابِيَّيْنِ إلَى دِينٍ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ: فَهُوَ كَرِدَّتِهِ).
إنْ انْتَقَلَ الزَّوْجَانِ. أَوْ أَحَدُهُمَا إلَى دِينٍ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ، أَوْ تَمَجَّسَ كِتَابِيٌّ تَحْتَهُ كِتَابِيَّةٌ: فَكَالرِّدَّةِ. بِلَا نِزَاعٍ. وَإِنْ تَمَجَّسَتْ الْمَرْأَةُ تَحْتَ كِتَابِيٍّ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ كَالرِّدَّةِ أَيْضًا وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُنَوِّرِ وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقَرُّ عَلَيْهِ.
الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (8 / 216-217).
وقال ابن قدامة: وإن انتقل الكتابي إلى دين غير أهل الكتاب، كالمجوسية وغيرها، ففيه ثلاث روايات:
إحداهن: يجبر على الإسلام، ولا يقبل منه غيره؛ لأن ما سواه باطل اعترف ببطلانه؛ لأنه لما كان على دينه اعترف ببطلان ما سواه، ثم اعترف ببطلان دينه حين انتقل عنه، فلم يبق إلا الإسلام.
والثانية: لا يقبل منه إلا الإسلام، أو الدين الذي كان عليه؛ لأننا أقررناه عليه أولاً، فنقره عليه ثانياً.
والثالثة: لا يقبل منه إلا الإسلام، أو دين أهل الكتاب؛ لأنه دين أهل كتاب فيقر عليه كغيره من أهل ذلك الدين. وإن انتقل المجوسي إلى دين أهل الكتاب، أو انتقل كتابي إلى دين آخر من دين أهل الكتاب، ففيه ثلاث روايات:
إحداهن: لا يقبل منه إلا الإسلام، لما ذكرنا.
والثانية: يقر على ما انتقل إليه.
والثالثة: لا يقبل منه إلا الإسلام، أو دينه الذي كان عليه، لما تقدم. وإذا قلنا: لا يقبل منه إلا الإسلام ففيه روايتان:
إحداهما: أنه يجبر عليه بالقتل، كالمرتد.
والثانية: أنه إن انتقل إلى المجوسية أجبر بالقتل، وإن انتقل إلى دين أهل الكتاب لم يجبر بالقتل، لكن يجبر بالضرب والحبس؛ لأنه لم يخرج عن دين أهل الكتاب، فلم يقبل كالباقي على دينه.
الكافي في فقه الإمام أحمد (3 / 54- 55).
المسألة الثانية:
مسألة الزنديق هل تقبل توبته:
أولًا المراد بالزنديق:
له عدة معاني منها:
1- الزنديق هو المارق عن الدين كله، وقيل: الزنديق هو المنافق، ولعل الزنديق أشد من المنافق؛ لأن المنافق ربما يتصنع للمسلمين. شرح العقيدة السفارينية (1 / 384).
2- الزنديق هو القائل: ببقاء الدهر، وبعدم وجود عالم ثانٍ بعد الموت؛ فتكون الزندقة: الدهرية، ويكون الزنديق هو: الدهري؛ لقوله بالدهر؛ وبأبدية الكون والمادة. تاريخ الفكر الديني الجاهلي (1 / 326).
3- الزنديق الذي تكلم الفقهاء في قبول توبته في الظاهر، فالمراد به عندهم المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، وإن كان مع ذلك يصلي ويصوم ويحج ويقرأ القرآن، وسواء كان في باطنه يهودياً أو نصرانياً أو مشركاً أو وثنياً، وسواء كان معطلاً للصانع وللنبوة أو للنبوة فقط أو لنبوة نبينا فقط، فهذا زنديق وهو منافق. الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بتوحيد الربوبية (1 / 331).
اختلف الفقهاء في الزنديق هل تقبل توبته أم لا على قولين:
القول الأول: للْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَرَأْيٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، عَلَى أَنَّهُ لاَ تُقْبَل تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا ﴾ الآْيَةَ.
وَالزِّنْدِيقُ لاَ يَظْهَرُ مِنْهُ بِالتَّوْبَةِ خِلاَفُ مَا كَانَ عَلَيْهِ؛ لأِنَّهُ كَانَ يُظْهِرُ الإْسْلاَمَ مُسِرًّا بِالْكُفْرِ؛ وَلأِنَّ التَّوْبَةَ عِنْدَ الْخَوْفِ عَيْنُ الزَّنْدَقَةِ. لَكِنِ الْمَالِكِيَّةُ صَرَّحُوا بِقَبُول التَّوْبَةِ مِنَ الزِّنْدِيقِ إِذَا أَظْهَرَهَا قَبْل الاِطِّلاَعِ عَلَيْهِ.
القول الثاني: وَهو رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، أَنَّ الزِّنْدِيقَ تُقْبَل تَوْبَتُهُ بِشُرُوطِهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ [الأنفال: 38].
وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيَّةُ بِالزَّنَادِقَةِ الْبَاطِنِيَّةَ بِمُخْتَلَفِ فِرَقِهِمْ، كَمَا أَلْحَقَ بِهِمِ الْحَنَابِلَةُ الْحُلُولِيَّةَ وَالإْبَاحِيَّةَ وَسَائِرَ الطَّوَائِفِ الْمَارِقِينَ مِنَ الدِّينِ.
عند الحنفية:
القول الأول: يقتل ولا تقبل توبته، قال الجصاص: (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ اُقْتُلْ الزِّنْدِيقَ سِرًّا فَإِنَّ تَوْبَتَهُ لَا تُعْرَفُ وَلَمْ يَحْكِ أَبُو يُوسُفَ خِلَافَهُ). أحكام القرآن للجصاص ت قمحاوي (3 / 274).
القول الثاني: تقبل توبته، قال الجصاص: (وَذَكَرَ بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الزِّنْدِيقِ الَّذِي يظهر الإيمان قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَسْتَتِيبُهُ كَالْمُرْتَدِّ فَإِنْ أَسْلَمَ خَلَّيْت سَبِيلَهُ وَإِنْ أَبَى قَتَلْته).
أحكام القرآن للجصاص ت قمحاوي (3 / 274).
عند الشافعية:
قال ابن حجر: (ويُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النساء: 146] صِحَّةُ تَوْبَةِ الزِّنْدِيقِ وَقَبُولُهَا عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ).
فتح الباري لابن حجر (8 / 267).
قال الماوردي: (قَبُولُ التَّوْبَةِ مِمَّنْ عُلِمَ أَنَّ بَاطِنَهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِهِ فَكَانَ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي قَبُولِ تَوْبَةِ الزِّنْدِيقِ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ بَاطِنَ معتقده مخالفه لظاهر توبته). الحاوي الكبير (11 / 55).
وقال ابن حجر: (وَأفْتى بن الصَّلَاحِ بِأَنَّ الزِّنْدِيقَ إِذَا تَابَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَيُعَزَّرُ فَإِنْ عَادَ بَادَرْنَاهُ بِضَرْبِ عُنُقِهِ وَلَمْ يُمْهَلْ وَاسْتَدَلَّ مَنْ مَنَعَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِلَّا الَّذين تَابُوا وَأَصْلحُوا فَقَالَ الزِّنْدِيقُ لَا يُطَّلَعُ عَلَى صَلَاحِهِ لِأَنَّ الْفَسَادَ إِنَّمَا أَتَى مِمَّا أَسَرَّهُ فَإِذَا اطُّلِعَ عَلَيْهِ وَأَظْهَرَ الْإِقْلَاعَ عَنْهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ).
فتح الباري لابن حجر (12 / 273).
عند الحنابلة:
قال ابن قدامة: (إنَّ مَفْهُومَ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ إذَا تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ، وَلَمْ يُقْتَلْ، أَيَّ كُفْرٍ كَانَ، وَسَوَاءٌ كَانَ زِنْدِيقًا يَسْتَسِرُّ بِالْكُفْرِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَالْعَنْبَرِيِّ. وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَاخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ الْخَلَّالِ، وَقَالَ: إنَّهُ أَوْلَى عَلَى مَذْهَبِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى، لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ، وَمَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَإِسْحَاقَ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ، كَهَاتَيْنِ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا ﴾ [البقرة: 160].وَالزِّنْدِيقُ لَا تَظْهَرُ مِنْهُ عَلَامَةٌ تُبَيِّنُ رُجُوعَهُ وَتَوْبَتَهُ).
المغني لابن قدامة (9 / 6).
المسألة الثالثة:
مسألة حكم الساحر:
أولًا المراد بالسحر:
ورد لفظ السحر في آيات كثيرة، ومنها قوله -تعالى-: ﴿ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ﴾ [البقرة - 102] وقوله - سبحانه -: ﴿ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ﴾[يونس - 81].
كما ورد لفظ السحر في السنة، ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "اجتنبوا الموبقات الشرك بالله والسحر"، وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من البيان لسحرا". والسحر في الشرع يطلق على عدة معان مختلفة كما هو في اللغة، ولذلك يقول الشافعي - رحمه الله -: "والسحر اسم جامع لمعان مختلفة.
وقال الشنقيطي - رحمه الله -: "اعلم أن السحر في الاصطلاح، لا يمكن حده بحد جامع، مانع، لكثرة الأنواع المختلفة الداخلة تحته، ولا يتحقق قدر مشترك بينها، يكون جامعاً لها مانعاً لغيرها، ومن هنا اختلفت عبارات العلماء في حده اختلافاً متبايناً.
وفيما يلي بعض التعريفات للسحر، وهي تعريفات متباينة - كما قال الشنقيطي - رحمه الله -، وذلك لأن كل تعريف منها قد تضمن نوعاً من أنواع السحر.
يقول الطبري - رحمه الله -: "معنى السحر تخييل الشيء إلى المرء بخلاف ما هو به في عينه وحقيقته".
ويعرف الجصاص - رحمه الله - السحر بأنه: "كل أمر خفي سببه، وتخيل على غير حقيقته، ويجري مجرى التمويه والخداع"، وهذا بمعنى تعريف الطبري.
الألفاظ والمصطلحات المتعلقة بتوحيد الربوبية (1 / 414).
وعرف أنه عبارة عن عزائم ورُقى وعُقد يؤثر في بدن المسحور بالقتل أو بالمرض، أو بالإخلال بعقله، أو يفرِّق بين الزوجين، أو يأخذ الزوج عن زوجته فلا يستطيع الوصول إليها، قال تعالى: ﴿ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴾ يعني: السواحر.
فالساحر يعقد العقد بالخيط ثمّ ينفث فيها من ريقه، ويستعين بالشيطان، ويؤثِّر هذا بإذن الله في المسحور إما قتلاً، وإما مرضاً، وإما تفريقاً بينه وبين حبيبه، وإما أن يمنعه عن زوجته فلا يستطيع الوصول إليها.
إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (1 / 343).
اختلف الفقهاء في اسْتِتَابَةُ السَّاحِرِ على قولين:
القول الأْولَ: لِلْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ رَأْيٌ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَرَأْيٌ لِلْحَنَابِلَةِ، أَنَّهُ لاَ يُسْتَتَابُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نُقِل عَنِ الصَّحَابَةِ. فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَل عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ اسْتَتَابَ سَاحِرًا، لِخَبَرِ عَائِشَة: إِنَّ السَّاحِرَةَ سَأَلَتْ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ: هَل لَهَا مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَمَا أَفْتَاهَا أَحَدٌ وَلأِنَّ السِّحْرَ مَعْنًى فِي نَفْسِهِ، وَلِسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ.
القول الثَّانِيَ: لِلشَّافِعِيَّةِ، وَرَأْيٌ لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، أَنَّهُ يُسْتَتَابُ. فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ؛ لأِنَّهُ لَيْسَ بِأَعْظَمَ مِنَ الشِّرْكِ، وَلأِنَّ اللَّهَ قَبِل تَوْبَةَ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ؛ وَلأِنَّ السَّاحِرَ لَوْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ صَحَّ إِسْلاَمُهُ وَتَوْبَتُه.
عند الحنفية:
أن الساحر يقتل، ولا يستتاب.
قال الجصاص: (عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي السَّاحِرِ يُقْتَلُ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ سَاحِرٌ وَلَا يُسْتَتَابُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنِّي أَتْرُكُ السِّحْرَ وَأَتُوبُ منه). أحكام القرآن للجصاص ت قمحاوي (1 / 61).
وقال الكمال ابن الهمام: (لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ السَّاحِرِ وَالزِّنْدِيقِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ مَنْ لَا يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ) شرح فتح القدير للكمال ابن الهمام (6 / 98).
عند الشافعية:
قال الإمام السبكي: (وَأَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَحَاصِلُهُ أَنَّ السَّاحِرَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: حَالٌ يُقْتَلُ كُفْرًا وَحَالٌ يُقْتَلُ قِصَاصًا وَحَالٌ لَا يُقْتَلُ أَصْلًا بَلْ يُعَزَّرُ.
أَمَّا الْحَالَةُ الَّتِي يُقْتَلُ فِيهَا كُفْرًا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَنْ يَعْمَلَ بِسِحْرِهِ مَا يَبْلُغُ الْكُفْرَ. وَشَرَحَ أَصْحَابُهُ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَمْثِلَةٍ:
(أَحَدُهَا) أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ هُوَ كُفْرٌ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِلْقَتْلِ وَمَتَى تَابَ مِنْهُ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَسَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ، وَهُوَ يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ وَبِالْبَيِّنَةِ.
(الْمِثَالُ الثَّانِي) أَنْ يَعْتَقِدَ مَا اعْتَقَدَهُ مِنْ التَّقَرُّبِ إلَى الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ وَأَنَّهَا تَفْعَلُ بِأَنْفُسِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا الْقَتْلُ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَلَا يَثْبُتُ هَذَا الْقِسْمُ إلَّا بِالْإِقْرَارِ.
(الْمِثَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ حَقٌّ يَقْدِرُ بِهِ عَلَى قَلْبِ الْأَعْيَانِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ أَيْضًا إلَّا بِالْإِقْرَارِ وَإِذَا تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَسَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ.
وَأَمَّا الْحَالَةُ الَّتِي يُقْتَلُ فِيهَا قِصَاصًا فَإِذَا اعْتَرَفَ أَنَّهُ قَتَلَ بِسِحْرِهِ إنْسَانًا فَكَمَا قَالَهُ، وَأَنَّهُ مَاتَ بِهِ وَإِنَّ سِحْرَهُ يَقْتُلُ غَالِبًا فَهَاهُنَا يُقْتَلُ قِصَاصًا وَلَا يُثْبِتُ هَذِهِ الْحَالَةَ إلَّا الْإِقْرَارُ وَلَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ بِالتَّوْبَةِ.
وَأَمَّا الْحَالَةُ الَّتِي لَا يُقْتَلُ فِيهَا أَصْلًا وَلَكِنْ يُعَزَّرُ فَهِيَ مَا عَدَا ذَلِكَ وَيَضْمَنُ مَا اعْتَرَفَ بِإِتْلَافِهِ بِهِ كَمَا إذَا اعْتَرَفَ أَنَّهُ قَتَلَ رُوَالَهُ لَا بِقَتْلِ عَيْنٍ فَيَضْمَنُ الدِّيَةَ). فتاوى السبكي (2 / 324).
عند الحنابلة:
فيه قولان الأول: الساحر يقتل ولا يستتاب.
الثاني: أن الساحر يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
قال ابن قدامة: (هَلْ يُسْتَتَابُ السَّاحِرُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا:
لَا يُسْتَتَابُ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ اسْتَتَابَ سَاحِرًا، وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ السَّاحِرَةَ سَأَلَتْ أَصْحَابَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ، هَلْ لَهَا مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَمَا أَفْتَاهَا أَحَدٌ. وَلِأَنَّ السِّحْرَ مَعْنًى فِي قَلْبِهِ، لَا يَزُولُ بِالتَّوْبَةِ، فَيُشْبِهُ مَنْ لَمْ يَتُبْ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَعْظَمَ مِنْ الشِّرْكِ، وَالْمُشْرِكُ يُسْتَتَابُ، وَمَعْرِفَتُهُ السِّحْرَ لَا تَمْنَعُ قَبُولَ تَوْبَتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَبِلَ تَوْبَةَ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ وَجَعَلَهُمْ مِنْ أَوْلِيَائِهِ فِي سَاعَةٍ، وَلِأَنَّ السَّاحِرَ لَوْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ صَحَّ إسْلَامُهُ وَتَوْبَتُهُ، فَإِذَا صَحَّتْ التَّوْبَةُ مِنْهُمَا صَحَّتْ مِنْ أَحَدِهِمَا، كَالْكُفْرِ).
المغني لابن قدامة (9 / 31).
المسألة الرابعة:
مسألة حكم استتابة المرتد؟
اختلف الفقهاء في حكم استتابة المرتد على قولين:
القول الأول: يستحب استتابة المرتد، وقد ذَهَبَ إليه أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ - فِي قَوْلٍ - وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وقالو إنَّ اسْتِتَابَةَ الْمُرْتَدِّ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، بَل مُسْتَحَبَّةٌ كَمَا يُسْتَحَبُّ الإْمْهَال، إِنْ طَلَبَ الْمُرْتَدُّ ذَلِكَ، فَيُمْهَل ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ.
القوَل الثاني: تَجِبُ الاِسْتِتَابَةُ وَيُمْهَل ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ.
وَهُوَ قول المالكية، والْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي أَظْهَرِ الأْقْوَال، وقالو أنه تجِبُ الاِسْتِتَابَةُ وَتَكُونُ فِي الْحَال فَلاَ يُمْهَل.
وَقد ثَبَتَتْ الاِسْتِتَابَةُ بِمَا وَرَدَ أَنَّ امْرَأَةً يُقَال لَهَا أُمُّ رُومَانَ ارْتَدَّتْ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهَا الإْسْلاَمُ فَإِنْ تَابَتْ وَإِلاَّ قُتِلَتْ، وَلأِثَرٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ اسْتَتَابَ الْمُرْتَدَّ ثَلاَثًا.
عند الحنفية:
قال الزيلعي: (وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عَلَى مَا قَالُوا وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ بَلَغَتْهُ غَيْرَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ اعْتَرَاهُ شُبْهَةٌ فَيُعْرَضُ عَلَيْهِ لِتُزَاحَ وَيَعُودَ إلَى الْإِسْلَامِ لِأَنَّ عَوْدَهُ مَرْجُوٌّ).
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3 / 284).
((وَإِذَا ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ) عَنِ الْإِسْلَامِ (يُحْبَسُ وَيُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ وَتُكْشَفُ شُبْهَتُهُ، فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا قُتِلَ)، أَمَّا حَبْسُهُ وَعَرْضُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّهُ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ).
الاختيار لتعليل المختار (4 / 145).
قال الكاساني: (يُسْتَتَابُ الْمُرْتَدُّ ثَلَاثًا، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا ﴾ [النساء: 137] وَلِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّهُ عَرَضَتْ لَهُ شُبْهَةٌ حَمَلَتْهُ عَلَى الرِّدَّةِ، فَيُؤَجَّلُ ثَلَاثًا لَعَلَّهَا تَنْكَشِفُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، فَكَانَتْ الِاسْتِتَابَةُ ثَلَاثًا وَسِيلَةً إلَى الْإِسْلَامِ - عَسَى - فَنَدَبَ إلَيْهَا).
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7 / 135).
قال البابرتي: (وَيُسْتَحَبُّ عَرْضُ الْإِسْلَامِ عَلَى الْمُرْتَدِّينَ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ لِأَنَّ رَجَاءَ الْعَوْدِ إلَى الْإِسْلَامِ ثَابِتٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الرِّدَّةَ كَانَتْ بِاعْتِرَاضِ شُبْهَةٍ. وَقَوْلُهُ (وَتَأْوِيلُ الْأَوَّلِ) يَعْنِي بِهِ قَوْلَهُ وَيُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (أَنَّهُ يُسْتَمْهَلُ) أَيْ يَطْلُبُ الْمُهْلَةَ فَيُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ). العناية شرح الهداية (6 / 68).
عند المالكية:
تجب استتابة المرتد، قال الحطاب: (ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ تَأْخِيرَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَاجِبٌ).
عند الشافعية:
قال الشافعي: (وَإِذَا ارْتَدَّ رَجُلٌ عَنْ الْإِسْلَامِ أَوْ امْرَأَةٌ اُسْتُتِيبَ أَيُّهُمَا ارْتَدَّ، فَظَاهِرُ الْخَبَرِ فِيهِ أَنْ يُسْتَتَابَ مَكَانَهُ فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ الْخَبَرُ أَنْ يُسْتَتَابَ مُدَّةً مِنْ الْمُدَدِ). الأم للشافعي (1 / 295).قال الماوردي في حكم تارك الصلاة: (فَالْوَاجِبُ أَنْ يُسْتَتَابَ فَإِنْ تَابَ وَأَجَابَ إِلَى فِعْلِهَا تُرِكَ). الحاوي الكبير (2 / 525).
قال (ومن ارتد عن الإسلام يستحب أن يستتاب في احد القولين ويجب في الآخر وفي مدة الاستتابة قولان: أحدهما ثلاثة أيام والثاني في الحال وهو الأصح فإن رجع الى الإسلام قبل منه وإن تكرر منه ثم أسلم عزر). التنبية في الفقه الشافعي (1 / 231).
عند الحنابلة:
قال عبد الله ابن الإمام أحمد: (الْمُرْتَد يُسْتَتَاب ثَلَاثًا فَإِن تَابَ وَإِلَّا قتل على حَدِيث عمر).
مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله (1 / 55).
قال ابن قدامة: (أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ حَتَّى يُسْتَتَابَ ثَلَاثًا. هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ عُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَعَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ لَا تَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ، لَكِنْ تُسْتَحَبُّ. وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ). المغني لابن قدامة (9 / 4).
المسألة الخامسة:
مسألة حكم قتل المرتد قبل الإستتابة:
اتفق الفقهاء الأربعة على أن المرتد لَوْ قُتِل قَبْل الاِسْتِتَابَةِ فَقَاتِلُهُ مُسِيءٌ، وَلاَ يَجِبُ بِقَتْلِهِ شَيْءٌ غَيْرَ التَّعْزِيرِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَسُولاً لِلْكُفَّارِ فَلاَ يُقْتَل؛ لأِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْتُل رُسُل مُسَيْلِمَةَ الكذاب. فَإِذَا قُتِل الْمُرْتَدُّ عَلَى رِدَّتِهِ، فَلاَ يُغَسَّل، وَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلاَ يُدْفَنُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ.
وَدَلِيل قَتْل الْمُرْتَدِّ قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ بَدَّل دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ)، وَحَدِيثُ: ( لاَ يَحِل دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُول اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ).
المسألة بالتفصيل:
عند الحنفية:
قال الكاساني: (فَإِنْ قَتَلَهُ إنْسَانٌ قَبْلَ الِاسْتِتَابَةِ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِزَوَالِ عِصْمَتِهِ بِالرِّدَّةِ) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (7 / 135).
قال الزيلعي: ((وَكُرِهَ قَتْلُهُ قَبْلَهُ) أَيْ كُرِهَ قَتْلُهُ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ لِأَنَّ فِي قَتْلِهِ تَفْوِيتَ الْعَرْضِ الْمُسْتَحَبِّ). تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3 / 284).
عند الشافعية:
قال الإمام الجويني: (قال: " ومن قتل مرتداً قبل أن يستتاب... إلى آخره " أراد أنا وإن أوجبنا الإمهال أياماً، فلو ابتدر مبتدر، فقتل المرتد، فلا قود، وعُزّر .
وكذلك إذا قتله كما لو بدرت منه كلمة الردة قبل الاستتابة فنحكم بالإهدار، ويعزر من فعل ذلك للافتيات على الإمام). نهاية المطلب في دراية المذهب (17 / 170).
عند الحنابلة:
قال ابن قدامة: (فإن قتل قبل الاستتابة، لم يجب ضمانه؛ لأن عصمته قد زالت بردته). الكافي في فقه الإمام أحمد (4 / 61).
قال ابن تيمية الجد: (ومن قتل المرتد بغير إذن الإمام عزر). المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل (2 / 169).
المسألة السادسة:
مسألة قتل المرتدة:
اختلف الفقهاء في حكم قتل الْمُرْتَدَّةُ على قولين:
القول الأول: أنها كَالْمُرْتَدِّ تقتل، وهو قول جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ من المالكية،والشافعية، والحنابلة، لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ بَدَّل دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ، وَلِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ امْرَأَةً يُقَال لَهَا أُمُّ رُومَانَ ارْتَدَّتْ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهَا الإْسْلاَمُ فَإِنْ تَابَتْ وَإِلاَّ قُتِلَتْ.
القول الثاني: أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لاَ تُقْتَل بَل تُحْبَسُ حَتَّى تَتُوبَ أَوْ تَمُوتَ، وَهو قول الْحَنَفِيَّةُ، وذلك لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْل الْكَافِرَةِ الَّتِي لاَ تُقَاتِل أَوْ تُحَرِّضُ عَلَى الْقِتَال، فَتُقَاسُ الْمُرْتَدَّةُ عَلَيْهَا.
المسألة بالتفصيل:
عند الحنفية:
قال الزيلعي: (وَلَا تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ بَلْ تُحْبَسُ حَتَّى تُسْلِمَ).
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3 / 285).
عند الشافعية:
(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي غَيْرِ مَا خَالَفَنَا فِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ الْمُرْتَدِّ وَالْمُرْتَدَّةِ فَقَالَ إذَا ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ عَنْ الْإِسْلَامِ حُبِسَتْ وَلَمْ تُقْتَلْ).
الأم للشافعي (6 / 180).
قال الماوردي: (قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ امْرَأَةً كَانَتْ أَوْ رَجُلًا عَبْدًا كَانَ أَوْ حُرًّا).
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ يَسْتَوِي فِي الْقَتْلِ بِالرِّدَّةِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ، وَتُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ كَمَا يُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ). الحاوي الكبير (13 / 155).
عند الحنابلة:
قال ابن قدامة: (لَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي وُجُوبِ الْقَتْلِ). المغني لابن قدامة (9 / 3).
المسألة السابعة:
مسألة سب النبي صلى الله عليه وسلم :
أجمع الفقهاء على كفر ساب النبي صلى الله عليه وسلم ، واتفقوا على وجوب قتل الساب، وأنه مرتد بلا خلاف.
يقول الإمام السبكي: الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ سَبُّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كُفْرٌ، وَأيضًا الِاسْتِهْزَاءُ بِهِ صلى الله عليه وسلم كُفْرٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [التوبة: 65] ﴿ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [التوبة: 66]
فتاوى السبكي (2 / 573).
ويقول ابن حجر: (وَقَدْ نقل ابن الْمُنْذِرِ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرِيحًا وَجَبَ قَتْلُهُ وَنَقَلَ أَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ أَحَدُ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ فِي كِتَابِ الْإِجْمَاعِ أَنَّ مَنْ سَبَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا هُوَ قَذْفٌ صَرِيحٌ كَفَرَ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ فَلَوْ تَابَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقَتْلُ لِأَنَّ حَدَّ قَذْفِهِ الْقَتْلُ وَحَدَّ الْقَذْفِ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَخَالَفَهُ الْقَفَّالُ فَقَالَ كَفَرَ بِالسَّبِّ فَيَسْقُطُ الْقَتْلُ بِالْإِسْلَامِ).
فتح الباري لابن حجر (12 / 281).
لكن اختلف الفقهاء هَل يُقْتَل السَّابُّ رِدَّةً أَمْ حَدًّا؟
الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَابْنُ تَيْمِيَّةَ: إِنَّ سَابَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْتَبَرُ مُرْتَدًّا، كَأَيِّ مُرْتَدٍّ؛ لأِنَّهُ بَدَّل دِينَهُ فَيُسْتَتَابُ، وَتُقْبَل تَوْبَتُهُ.
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ - فِيمَا يَنْقُلُهُ السُّبْكِيُّ - فَيَرَوْنَ أَنَّ سَبَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِدَّةٌ وَزِيَادَةٌ، وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ السَّابَّ كَفَرَ أَوَّلاً، فَهُوَ مُرْتَدٌّ، وَأَنَّهُ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْتَمَعَتْ عَلَى قَتْلِهِ عِلَّتَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا تُوجِبُ قَتْلَهُ.
عند الحنفية:
مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَوْ بَغَضَهُ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ رِدَّةً وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّينَ اهـ.
وَفِي النَّتْفِ مَنْ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ مُرْتَدٌّ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ وَيُفْعَلُ بِهِ مَا يُفْعَلُ بِالْمُرْتَدِّ اه.
البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (5 / 135).
عند الشافعية:
قال النووي: (من سب النبي صلى الله عليه وسلم بما هو قذف صريح كفر باتفاق العلماء، فلو تاب لم يسقط عنه القتل، لان حد قذفه القتل وحد القذف لا يسقط بالتوبة، وخالفه القفال فقال كفر بالسب فسقط القتل بالاسلام).
وقال أيضًا: (قال الخطابى لاأعلم خلافا في وجوب قتله إذا كان مسلما، وقال ابن بطال: اختلف العلماء فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم.
فأما أهل العهد والذمة كاليهود فقال ابن القاسم عن مالك يقتل من سبه منهم إلا أن يسلم، وأما المسلم فيقتل بغير استتابة).
المجموع شرح المهذب (19 / 427).
وذكر الشافعية في كتاب الغرر: والِارْتِدَادَ يكون (بِقَذْفِ بَعْضِ الْأَنْبِيَا) صَرِيحًا، أَوْ تَعْرِيضًا، وَمِثْلُهُ سَائِرُ أَنْوَاعِ السَّبِّ كَالِاسْتِخْفَافِ (لَكِنْ مَتَى أَسْلَمَ) قَاذِفُ النَّبِيِّ (يَسْلَمْ) مِنْ الْقَتْلِ، وَ (قَالَ) أَبُو بَكْرٍ: مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ قَذْفِهِ النَّبِيَّ (مُسْلِمٌ) لَكِنَّهُ (يُقْتَلُ حَدْ) بِالْوَقْفِ بِلُغَةِ رَبِيعَةَ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ حَدُّ قَذْفِ النَّبِيِّ، وَحَدُّ الْقَذْفِ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ. الغرر البهية في شرح البهجة الوردية (5 / 78).
عند الحنابلة:
كل من شتم النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو تنقصه، مسلما كان، أو كافرا؛ فعليه القتل.
أحكام أهل الملل والردة من الجامع لمسائل الإمام أحمد بن حنبل (1 / 256).
وقال المرداوي: (لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ إنْ سَبَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ لَا يُعْلَمُ إسْقَاطُهُ. وَأَنَّهَا تُقْبَلُ إنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ: يَقْبَلُ التَّوْبَةَ فِي خَالِصِ حَقِّهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الْخَالِقَ مُنَزَّهٌ عَنْ النَّقَائِصِ. فَلَا يَلْحَقُ بِهِ، بِخِلَافِ الْمَخْلُوقِ. فَإِنَّهُ مَحَلٌّ لَهَا. وَلِهَذَا افْتَرَقَا). الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (10 / 333).
قال القاضي عياض: (أجْمَع عَوامّ أهلى الْعِلْم عَلَى أن من سَبّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّم يُقْتَل وَمِمَّن قَال ذَلِك مَالِك بن أَنَس وَاللَّيْث وَأَحْمَد وإسحاق وَهُو مَذْهَب الشَّافِعِيّ قَال الْقَاضِي أَبُو الْفَضْل وَهُو مُقْتَضَى قَوْل أَبِي بَكْر الصَّدّيق رَضِي اللَّه عَنْه وَلَا تُقْبَل تَوْبَتُه عِنْد هَؤْلَاء، وَبِمِثْلِه قَال أَبُو حنيفة وأصحابُه والثَّوْرِيّ وَأَهْل الكُوفَة وَالْأَوزَاعِيّ فِي الْمُسْلِمِين لكِنَّهُم قَالُوا: هِي رِدَّة، وَرَوَى مِثْلُه الْوَلِيد بن مُسْلِم عَن مَالِك وحَكَى الطَّبَرِيّ مِثْلُه عَن أَبِي حنيفة وأصحابه فيمن تَنَقَّصَه صَلَّى اللَّه عَلَيْه وَسَلَّم أَو برئ مِنْه أَو كَذَّبَه وَقَال سُحْنُون فيمن سَبَّه: ذَلِك ردّة كَالزَّنْدَقَة وَعَلَى هَذَا وَقَع الخِلَاف فِي استتابته وتَكْفِيرِه وهل قَتْلُه حَد أَو كُفْر). الشفا بتعريف حقوق المصطفى - وحاشية الشمني (2 / 215).
المسألة الثامنة:
مسألة: من يرث مال المرتد:
هناك حالتين للمرتد: الحالة الأولى إذا تاب من الردة من يرثه، والحالة الثانية إذا لم يتب من الردة من يرثه.
اتفق الفقهاء أن المرتد إذا تاب من ردته فإنه يرثه ورثته المسلمين.
واختلف الفقهاء في الحالة الثانية إذا لم يتب ومات على ردته من يرثه على قولين.
القول الأول: أَنَّ جَمِيعَ مَالِهِ يَكُونُ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَال، وَهَذَا قَوْل المالكية، وَالشَّافِعِيِّة، وَالحنابلة.
القول الثاني: أَنَّ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَال إِسْلاَمِهِ لِوَرَثَتِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا اكْتَسَبَهُ فِي حَال رِدَّتِهِ لِبَيْتِ الْمَال، وَهَذَا قَوْل الحنفية.
عند الحنفية:
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ عَنْ مَالِهِ زَوَالًا مَوْقُوفًا فَإِنْ أَسْلَمَ عَادَ مِلْكُهُ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ وَرِثَ كَسْبَ إسْلَامِهِ وَارِثَهُ الْمُسْلِمُ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِ إسْلَامِهِ وَكَسْبُ رِدَّتِهِ فَيْءٌ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِ رِدَّتِهِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَة.
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (3 / 285).
عند الشافعية:
قال الماوردي: (مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُورَثُ وَيَكُونُ جَمِيعُ مَالِهِ فَيْئًا لِبَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ).
الحاوي الكبير (8 / 145).
عند الحنابلة:
قال ابن مفلح: يَزُولُ مِلْكُهُ بِرِدَّتِهِ، لِأَنَّ عِصْمَةَ نَفْسِهِ، وَمَالِهِ إِنَّمَا يَثْبُتُ بِإِسْلَامِهِ، فَزَوَالُ إِسْلَامِهِ مُزِيلُ عِصْمَتِهِمَا، كَمَا لَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ مَلَكُوا إِرَاقَةَ دَمِهِ بِرِدَّتِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَمْلِكُوا أَمْوَالَهُ بِهَا. المبدع في شرح المقنع (7 / 492).
المسألة التاسعة:
مسألة تأثير الردة على الصلاة والصوم والزكاة:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّلاَةِ الَّتِي تَرَكَهَا أَثْنَاءَ رِدَّتِهِ؛ لأِنَّهُ كَانَ كَافِرًا، وَإِيمَانُهُ يَجُبُّهَا.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ.
وَنُقِل عَنِ الْحَنَابِلَةِ الْقَضَاءُ وَعَدَمُهُ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ عَدَمُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ.
عند الحنفية:
لا يلزم المرتد قضاء الصلاة والزكاة وكذلك الصوم الذي تركها أثناء ردته.
قال الكاساني: (وَأَمَّا فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ حَتَّى لَا يُخَاطَبَ بِالْأَدَاءِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا حَتَّى إذَا مَضَى عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا إذَا أَسْلَمَ).
قال ابن نجيم المصري: (لا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ عِنْدَنَا لِعَدَمِ خِطَابِ الْكُفَّارِ بِالشَّرَائِعِ عِنْدَنَا فَلَا يَقْضِي مَا فَاتَهُ زَمَنَ رِدَّتِهِ بَعْدَ إسْلَامِهِ). البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (5 / 137).
عند الشافعية:
يجب على المرتد قضاء الصلاة والزكاة والصيام التي تركها أثناء ردته.
قال الشافعي: (إذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عَنْ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ أَسْلَمَ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ كُلِّ صَلَاةٍ تَرَكَهَا فِي رِدَّتِهِ وَكُلِّ زَكَاةٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ فِيهَا). الأم للشافعي (1 / 89).
قال أبو الخير العمراني: (وإن كان الكافر مرتدًا، فإنه مخاطب بالصلاة؛ لأنه قد التزم ذلك بالإسلام، ولا تصح منه في حال الردة؛ لأن الردة تنافي الصلاة، فلم تصح معها.فإذا أسلم، وجب عليه قضاء ما تركه في حال الردة). البيان في مذهب الإمام الشافعي (2 / 11).
وكذلك الزكاة يجب قضائها، يقول الإمام الشافعي: (وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ....... فَحَالَ الْحَوْلُ عَلَى مَالِهِ مِنْ يَوْمِ مَلَكَهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِيهَا الزَّكَاةَ؛ لِأَنَّ مَالَهُ لَا يَعْدُو أَنْ يَمُوتَ عَلَى رِدَّتِهِ فَيَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ وَمَا كَانَ لَهُمْ فَفِيهِ الزَّكَاةُ، أَوْ يَرْجِعَ إلَى الْإِسْلَامِ فَيَكُونَ لَهُ فَلَا تُسْقِطُ الرِّدَّةُ عَنْهُ شَيْئًا وَجَبَ عَلَيْهِ). الأم للشافعي (2 / 60).
عند الحنابلة:
لا يلزم المرتد إعادة الصلاة والزكاة والصيام التي تركها أثناء ردته.
قال الإمام البهوتي: (وَلَا تَبْطُلُ عِبَادَتُهُ أَيْ الْمُرْتَدِّ الَّتِي فَعَلَهَا قَبْلَ رِدَّتِهِ بِهَا أَيْ: بِرِدَّتِهِ، مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَحَجٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ).
كشاف القناع عن متن الإقناع (1 / 223).
ويقول الكلوذاني: (إذا صلى المسلم في أول وقت الصلاة ثم ارتد ثم عاد فأسلم قبل أن يخرج الوقت لم يلزمه إعادة الصلاة). الانتصار (2/ 334).
إذا كَانَ عَلَى الْمُرْتَدِّ الَّذِي تَابَ صَلاَةٌ فَائِتَةٌ، قَبْل رِدَّتِهِ أَوْ صَوْمٌ أَوْ زَكَاةٌ فَهَل يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؟
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ؛ لأِنَّ تَرْكَ الْعِبَادَةِ مَعْصِيَةٌ، وَالْمَعْصِيَةُ تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ.
عند الحنفية:
قال ابن نجيم المصري: أن الْمَعْصِيَةِ تبقى مَعَ الرِّدَّةِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ إذَا كَانَ عَلَى الْمُرْتَدِّ قَضَاءُ صَلَوَاتٍ أَوْ صِيَامَاتٍ تَرَكَهَا فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَسْلَمَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا تَرَكَ فِي الْإِسْلَامِ لِأَنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ مَعْصِيَةٌ وَالْمَعْصِيَةُ تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ اه. البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (5 / 137).
عند الشافعية:
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ:( إِذَا ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ عَنِ الْإِسْلَامِ زَمَانًا ثُمَّ عَادَ إِلَى إِسْلَامِهِ لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا تَرَكَهُ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ).
الحاوي الكبير (2 / 209).
عند الحنابلة:
قال البهوتي: (وَيَقْضِي الْمُرْتَدُّ إذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ مَا فَاتَهُ قَبْلَ رِدَّتِهِ لِاسْتِقْرَارِهِ فِي ذِمَّتِهِ، وَ لَا يَقْضِي مَا فَاتَهُ زَمَنَهَا أَيْ: زَمَنَ رِدَّتِهِ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ كَالْأَصْلِيِّ).
كشاف القناع عن متن الإقناع (1 / 223).
المسألة العاشرة:
مسألة تأثير الردة على الحج:
يَجِبُ عَلَى مَنِ ارْتَدَّ وَتَابَ أَنْ يُعِيدَ حَجَّهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَنِ ارْتَدَّ ثُمَّ تَابَ أَنْ يُعِيدَ حَجَّهُ.
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَالصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ عِنْدَهُمْ: أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ، بَل يُجْزِئُ الْحَجُّ الَّذِي فَعَلَهُ قَبْل رِدَّتِهِ.
عند الحنفية:
يجب على المرتد إعادة الحج.
ففي البحر الرائق: وَفِي الْخُلَاصَةِ مَنْ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ وَهُوَ قَدْ حَجَّ مَرَّةً فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ ثَانِيًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَوَاتِ وَالزَّكَوَاتِ وَالصِّيَامَاتِ لِأَنَّ بِالرِّدَّةِ كَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ كَافِرًا فَإِذَا أَسْلَمَ وَهُوَ غَنِيٌّ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ اه. البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (5 / 137).
عند الشافعية:
لا يلزم المرتد إعادة الحج.
يقول الشربيني: (وَإِنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ حَجَّهُ الَّذِي حَجَّهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ). مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (5 / 427).
عند الحنابلة:
لا يلزمه إعادة الحج.
يقول الإمام الكلوذاني: إذا حج ثم ارتد ثم أسلم لم يلزمه إعادة الحج. الانتصار (2/ 334).
وقال البهوتي: (وَلَا تَبْطُلُ عِبَادَتُهُ أَيْ الْمُرْتَدِّ الَّتِي فَعَلَهَا قَبْلَ رِدَّتِهِ بِهَا أَيْ: بِرِدَّتِهِ، مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَحَجٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ). كشاف القناع عن متن الإقناع (1 / 223).
المسألة الحادية عشرة:
تأثير الردة على تصرفات المرتد ومعاملاته:
عند الحنفية:
قال أبو الفضل الحنفي: (اعْلَمْ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ:
1- نَافِذٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالطَّلَاقِ وَالِاسْتِيلَادِ وَقَبُولِ الْهِبَةِ وَتَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ وَالْحَجْرِ عَلَى عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى تَمَامِ الْوِلَايَةِ وَلَا إِلَى حَقِيقَةِ الْمِلْكِ.
2- وَبَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالنِّكَاحِ وَالذَّبِيحَةِ لِأَنَّهُ يَعْتَمِدُ الْمِلَّةَ وَلَا مِلَّةَ لِلْمُرْتَدِّ.
3- وَمَوْقُوفٌ بِالْإِجْمَاعِ كَالْمُفَاوَضَةِ لِأَنَّهَا تَعْتَمِدُ الْمُسَاوَاةَ وَلَا مُسَاوَاةَ، فَإِنْ أَسْلَمَ حَصَلَتِ الْمُسَاوَاةُ وَإِلَّا بَطَلَتْ فَيُوقَفُ لِذَلِكَ.
4- وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ وَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَقَبْضِ الدُّيُونِ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إِنْ أَسْلَمَ نُفِّذَتْ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ). الاختيار لتعليل المختار (4 / 146).
أما الشافعية فقد ذكرو تصرفات المرتد في أبواب الفقه:
فنكاح المرتد باطل، قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَإِذَا ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ فَنَكَحَ مُسْلِمَةً أَوْ مُرْتَدَّةً أَوْ مُشْرِكَةً أَوْ وَثَنِيَّةً فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ.
وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُرْتَدَّةِ وَإِنْ نَكَحَتْ فَأُصِيبَتْ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَنِكَاحُهَا مَفْسُوخٌ. الأم للشافعي (5 / 62).
أما عن ماله فيوقف، وَيُوقَفُ مَالُهُ وَإِذَا قُتِلَ فَمَالُهُ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ وَجِنَايَتِهِ وَنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فَيْءٌ. مختصر المزني (8 / 367).
وأما تدبيره ففيه ثلاثة أقوال:
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا دَبَّرَ الْمُرْتَدُّ فَفِيهِ أَقَاوِيلُ: أَحَدُهَا، أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ كَانَ عَلَى تَدْبِيرِهِ حَتَّى يَرْجِعَ فِيهِ وَهُوَ عَلَى أَصْلِ مِلْكِهِ، وَإِنْ قُتِلَ فَالتَّدْبِيرُ بَاطِلٌ، وَمَالُهُ فَيْءٌ.
وَالثَّانِي أَنَّ التَّدْبِيرَ بَاطِلٌ لِأَنَّ مَالَهُ مَوْقُوفٌ يَكُون فَيْئًا وَمَالُهُ خَارِجٌ إلَّا بِأَنْ يَعُودَ إلَيْهِ فَالتَّدْبِيرُ وَالْعِتْقُ بَاطِلٌ كُلُّهُ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ التَّدْبِيرُ مَاضِيًا عَاشَ أَوْ مَاتَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَالَهُ إلَّا بِمَوْتِهِ وَبِمَوْتِهِ يَقَعُ الْعِتْقُ. الأم للشافعي (8 / 25).
أما عن وصية المرتد، فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُوصِيَ لِمَنْ يَرْتَدُّ عَنِ الْإِسْلَامِ. فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لِعَقْدِهَا عَلَى مَعْصِيَةٍ.
وَالثَّانِي: أَنْ يُوصِيَ بِهَا لِمُسْلِمٍ فَيَرْتَدُّ عَنِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الوصية له. الوصية جَائِزَةٌ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ صَادَفَتْ حَالَ الْإِسْلَامِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يُوصِيَ بِهَا لِمُرْتَدٍّ مُعَيَّنٍ فَفِي الْوَصِيَّةِ وجهان:
أحدها: بَاطِلَةٌ.
وَالثَّانِي: جَائِزَةٌ. الحاوي الكبير (8 / 193).
أما عند الحنابلة فقد وضع ابن قدامة الحنبلي فصل اسماه [فَصْلٌ تَصَرُّفَات الْمُرْتَدّ فِي رِدَّتِهِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِير وَالْوَصِيَّةِ]
فَصْلٌ: وَتَصَرُّفَاتُ الْمُرْتَدِّ فِي رِدَّتِهِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْوَصِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مَوْقُوفٌ؛ إنْ أَسْلَمَ تَبَيَّنَّا أَنَّ تَصَرُّفَهُ كَانَ صَحِيحًا، وَإِنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ، كَانَ بَاطِلًا. المغني لابن قدامة (9 / 10).
أما النكاح فيفسخ، وَلَوْ تَزَوَّجَهَا، وَهُمَا مُسْلِمَانِ، فَارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ، انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَلَا مَهْرَ لَهَا. وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُرْتَدَّ قَبْلَهَا وَقَبْلَ الدُّخُولِ، فَكَذَلِكَ، إلَّا أَنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ الْمَهْرِ. المغني لابن قدامة (7 / 173).
أما الطلاق، فإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي مَرَضِهِ، فَارْتَدَّتْ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ، ثُمَّ مَاتَ فِي عِدَّتِهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، تَرِثُهُ؛ لِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ فِي الْمَرَضِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ تَرْتَدَّ. وَالثَّانِي، لَا تَرِثُهُ؛ لِأَنَّهَا فَعَلَتْ مَا يُنَافِي النِّكَاحَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَزَوَّجَتْ. وَلَوْ كَانَ هُوَ الْمُرْتَدَّ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَمَاتَ، وَرِثَتْهُ. المغني لابن قدامة (6 / 397).
وأما إحصان المرتد، فلا يبطل إحصان المسلم بردته ولا عباداته التي فعلها في إسلامه إذا عاد إلى الإسلام؛ يعني إذا كان محصناً فارتد ثم أسلم لم يصر غير محصن بل متى زنا رجم لأنه يثبت له حكم الإحصان والأصل بقاء ما كان على ما كان ولا تبطل عباداته التي فعلها في إسلامه إذا عاد إلى الإسلام لأنه فعلها على وجهها وبرئت ذمته منها فلم تعد الى ذمته كديون الآدميين. الشرح الكبير على متن المقنع (10 / 96).
المسألة الثانية عشرة:
مسألة قذف عائشة الصديقة رضي الله عنهم:
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ قَذَفَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقَدْ كَذَّبَ صَرِيحَ الْقُرْآنِ الَّذِي نَزَل بِحَقِّهَا، وَهُوَ بِذَلِكَ كَافِرٌ قَال تَعَالَى فِي حَدِيثِ الإْفْكِ بَعْدَ أَنْ بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ: ﴿ يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾. فَمَنْ عَادَ لِذَلِكَ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ.
عند الحنفية:
قال العيني: (بَرَاءَة عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، من الْإِفْك، وَهِي بَرَاءَة قَطْعِيَّة بِنَصّ الْقُرْآن، فَلَو تشكك فِيهَا إِنْسَان صَار كَافِرًا مُرْتَدا بِإِجْمَاع الْمُسلمين). عمدة القاري شرح صحيح البخاري (13 / 235).
عند الشافعية:
قال السبكي: (مَنْ سَبَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قُتِلَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِيهَا ﴿ يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 17] فَمَنْ رَمَاهَا فَقَدْ خَالَفَ الْقُرْآنَ وَمَنْ خَالَفَ الْقُرْآنَ قُتِلَ). فتاوى السبكي (2 / 569).
عند الحنابلة:
قال البهوتي: (مَنْ قَذَفَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِمَا بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ كَفَرَ بِلَا خِلَافٍ) لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِنَصِّ الْكِتَابِ).
كشاف القناع عن متن الإقناع (6 / 172).
المسألة الثالثة عشر:
مسألة سب زوجات النبي صلى الله عليه وسلم غير عائشة رضي الله عنها ففيه قولان:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَسَابِّ غَيْرِهِنَّ مِنَ الصَّحَابَةِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ مَنْ قَذَفَ وَاحِدَةً مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ كَقَذْفِ عَائِشَةَ، وَذَلِكَ لأِنَّ هَذَا فِيهِ عَارٌ وَغَضَاضَةٌ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَذًى لَهُ أَعْظَمُ مِنْ أَذَاهُ بِنِكَاحِهِنَّ بَعْدَهُ قَال تَعَالَى: ﴿ إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ ﴾.
وَاخْتَارَ الثَّانِيَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ.
قال البهوتي الحنبلي: (وَمَنْ سَبَّ غَيْرَهَا مِنْ أَزْوَاجِهِ - صلى الله عليه وسلم - فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَسَبِّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ) لِعَدَمِ نَصٍّ خَاصٍّ (وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ كَقَذْفِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -) لِقَدْحِهِ فِيهِ - صلى الله عليه وسلم -). كشاف القناع عن متن الإقناع (6 / 172).
المسألة الرابعة عشر:
مسألة سب الصحابة رضي الله عنهم:
مَنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ، أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمْ، فَإِنْ نَسَبَ إِلَيْهِمْ مَا لاَ يَقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِمْ، أَوْ فِي دِينِهِمْ بِأَنْ يَصِفَ بَعْضَهُمْ بِبُخْلٍ، أَوْ جُبْنٍ، أَوْ قِلَّةِ عِلْمٍ، أَوْ عَدَمِ الزُّهْدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلاَ يَكْفُرُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَلَكِنَّهُ يَسْتَحِقُّ التَّأْدِيبَ.
أما إن كفر جَمِيعِ الصَّحَابَةِ أَوِ قال بِأَنَّ الصَّحَابَةَ ارْتَدُّوا جَمِيعًا بَعْدَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَنَّهُمْ فَسَقَوْا، فإنه يكفر؛ لأِنَّ في ذَلِكَ تَكْذِيبٌ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الرِّضَا عَنْهُمْ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ.
قال السبكي الشافعي: (فَإِنَّ سَبَّ الْجَمِيعِ لَا شَكَّ أَنَّهُ كُفْرٌ وَهَكَذَا إذَا سَبَّ وَاحِدًا مِنْ الصَّحَابَةِ حَيْثُ هُوَ صَحَابِيٌّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِخْفَافٌ بِحَقِّ الصُّحْبَةِ فَفِيهِ تَعَرُّضٌ إلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِ السَّابِّ).
فتاوى السبكي (2 / 575).
وقال السبكي أيضًا: (وَحَكَى ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ سَحْنُونٍ مَنْ قَالَ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ إنَّهُمْ كَانُوا عَلَى ضَلَالٍ وَكُفْرٍ قُتِلَ، وَمَنْ شَتَمَ غَيْرَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ بِمِثْلِ هَذَا نُكِّلَ النَّكَالَ الشَّدِيدَ.
قُلْت: قَتْلُ مَنْ كَفَّرَ الْأَرْبَعَةَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ إلَّا الْغُلَاةَ مِنْ الرَّوَافِضِ). فتاوى السبكي (2 /579- 580).
وجاء في مطالب أولي النهى: (وَإِنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ سَبَّا لَا يَقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِمْ وَلَا دِينِهِمْ مِثْلُ مَنْ وَصَفَ بَعْضُهُمْ بِبُخْلٍ أَوْ جُبْنٍ أَوْ قِلَّةِ عِلْمٍ أَوْ عَدَمِ زُهْدٍ وَنَحْوِهِ؛ فَهَذَا يَسْتَحِقُّ التَّأْدِيبَ وَالتَّعْزِيرَ، وَلَا يُكَفَّرُ، وَأَمَّا مَنْ لَعَنَ وَقَبَّحَ مُطْلَقًا، فَهَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ أَعْنِي هَلْ يُكَفَّرُ أَوْ يُفَسَّقُ؟ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي كُفْرِهِ وَقَتْلِهِ، وَقَالَ: يُعَاقَبُ وَيُجْلَدُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ). مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (6 / 287).
وقال المرداوي الحنبلي: (مَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا مُسْتَحِلًّا كَفَرَ، وَإِلَّا فَسَقَ. وَقِيلَ: وَعَنْهُ يَكْفُرُ. نَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ فِيمَنْ شَتَمَ صَحَابِيًّا الْقَتْلَ أَجْبُنُ عَنْهُ، وَيُضْرَبُ. مَا أَرَاهُ عَلَى الْإِسْلَامِ).
الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (10 / 324).
المسألة الخامسة عشر:
مسألة تكفير الصحابة رضي الله عنهم :
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ كَفَّرَ الصَّحَابَةِ أو كفر أبو بكر وعمر فَإِنَّهُ يَكْفُرُ؛ لأِنَّهُ أَنْكَرَ مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَكَذَّبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم :
عند الحنفية:
ذكر ابن عابدين في كتابه: ويكفر بإِنْكَارُهُ صُحْبَةَ الصِّدِّيقِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ قَوْله تَعَالَى - ﴿ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ ﴾ [التوبة: 40]- ح. وَفِي الْفَتْحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: وَمَنْ أَنْكَرَ خِلَافَةَ الصِّدِّيقِ أَوْ عُمَرَ فَهُوَ كَافِرٌ اه وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إنْكَارُ اسْتِحْقَاقِهِمَا الْخِلَافَةَ، فَهُوَ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ. الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (1 / 561).
عند الشافعية:
قال الماوردي: (مَنْ يَعْتَقِدُ تَكْفِيرَ مُخَالِفِهِ وَلَا يَرَى اسْتِبَاحَةَ دَمِهِ فَيُنْظَرُ فَإِنْ تَعَرَّضَ بِعَرْضٍ بِرَأْيِهِ لِتَكْفِيرِ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ حُكِمَ بِكُفْرِهِ، لِرَدِّهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ﴾ [الفتح: 18] وَرَدِّهِ عَلَى رَسُولِهِ فِي قَوْلِهِ: " أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ "
وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ " فَتَسْقُطُ عَدَالَتُهُمْ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ بِكُفْرِهِمْ). الحاوي الكبير (17 / 171).
قال ابن حجر الهيتمي: (وَأما تَكْفِير أبي بكر ونظرائه مِمَّن شهد لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْجنَّةِ فَلم يتَكَلَّم فِيهَا أَصْحَاب الشَّافِعِي وَالَّذِي أرَاهُ الْكفْر فِيهَا قطعا مُوَافقَة لمن مر وَمر عَن أَحْمد أَن الطعْن فِي خلَافَة عُثْمَان طعن فِي الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار). الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة (1 / 146).
أما عند علماء العقيدة:
فقد ذكر أبو المعالي الألوسي مسألة تكفير الصحابة - رضي الله عنهم - فقال: وبالجملة تكفير أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم الذين تحقق إيمانهم وصدقهم وعدم نفاقهم والإقدام على لعنه بمجرد شبهة هي أوهن من بيت العنكبوت -كفر صريح، لا ينبغي أن يتوقف فيه، وللشيعة الذين في زماننا الحظ الأوفى من هذا الكفر؛ لأنهم كفروا أناسا من الصحابة كان الأمير يصلي وراءهم، ويقتدي بهم في الجمع والجماعات، كأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم، وقد درج معهم على أحسن حال وأرفه بال حتى زوج بنته أم كلثوم من عمر رضي الله تعالى عنه، ونكح هو رضي الله عنه من سبي أبي بكر رضي الله تعالى عنه خولة الحنفية رضي الله تعالى عنها). صب العذاب على من سب الأصحاب (1 / 331).
وقال ابن كثير: قد ذهب عبد الرزاق بن همام إلى تكفير الرافضة وهو رواية عن الامام مالك رحمه الله وذهب طائفة آخرون الى انهم لا يستحقون شيئا من الخير. مسند الفاروق لابن كثير (2 / 523).
المسألة السادسة عشر:
مسألة قذف أم النبي صلى الله عليه وسلم :
اتفق العلماء على أن من قذف أم النبي صلى الله عليه وسلم كفر، إلا أن الخلاف في قبول توبته، فعند الحنفية: (قال أبو الخطاب: إذا قذف أم النبي صلى الله عليه وسلم لا تقبل توبته، وفي الكافر إذا سبها ثم أسلم روايتان. وقال أبو حنيفة والشافعي: تقبل توبته في الحالين اه) الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (4/ 233).
وعند الشافعية:
ينتقض بذلك عهد الذمي، أن من (طعن في نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو نسبه إلى الزنى، فليلتحق بالقتال، وينتقض العهد به قطعا). روضة الطالبين وعمدة المفتين (10/ 330).
وقال الحنابلة:
(ومن قذف أم النبي صلى الله عليه وسلم قتل، مسلما كان أو كافرا، يعني أن حده القتل، ولا تقبل توبته. نص عليه. أحمد ). المغني لابن قدامة (9/ 97).
المسألة السابعة عشر:
مسألة تهنئة المسلم للذمي بالعيد بقول عيدكم مبارك:
تكلم الإمام ابن القيم عن مسألة تهنئة المسلم للذمي بالعيد بقول عيدكم مبارك فقال: (التَّهْنِئَةُ بِشَعَائِرِ الْكُفْرِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ فَحَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ مِثْلَ أَنْ يُهَنِّئَهُمْ بِأَعْيَادِهِمْ وَصَوْمِهِمْ، فَيَقُولَ: عِيدٌ مُبَارَكٌ عَلَيْكَ، أَوْ تَهْنَأُ بِهَذَا الْعِيدِ، وَنَحْوَهُ، فَهَذَا إِنْ سَلِمَ قَائِلُهُ مِنَ الْكُفْرِ فَهُوَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُهَنِّئَهُ بِسُجُودِهِ لِلصَّلِيبِ، بَلْ ذَلِكَ أَعْظَمُ إِثْمًا عِنْدَ اللَّهِ وَأَشَدُّ مَقْتًا مِنَ التَّهْنِئَةِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَقَتْلِ النَّفْسِ وَارْتِكَابِ الْفَرْجِ الْحَرَامِ وَنَحْوِهِ). أحكام أهل الذمة (1 / 441).
وقال أيضا: (وَكَرِهَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُهْدِيَ إِلَى النَّصْرَانِيِّ فِي عِيدِهِ مُكَافَأَةً لَهُ، وَرَآهُ مِنْ تَعْظِيمِ عِيدِهِ وَعَوْنًا لَهُ عَلَى كُفْرِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَبِيعُوا مِنَ النَّصَارَى شَيْئًا مِنْ مَصْلَحَةِ عِيدِهِمْ، لَا لَحْمًا وَلَا أَدَمًا وَلَا ثَوْبًا، وَلَا يُعَارُونَ دَابَّةً، وَلَا يُعَانُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ عِيدِهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَعْظِيمِ شِرْكِهِمْ وَعَوْنِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَيَنْبَغِي لِلسَّلَاطِينِ أَنْ يَنْهَوُا الْمُسْلِمِينَ عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ، لَمْ أَعْلَمْهُ اخْتُلِفَ فِيهِ ".
هَذَا لَفْظُهُ فِي " الْوَاضِحَةِ ".
وَفِي كُتُبِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: مَنْ أَهْدَى لَهُمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ بِطِّيخَةً بِقَصْدِ تَعْظِيمِ الْعِيدِ فَقَدْ كَفَرَ). أحكام أهل الذمة (3 / 1250).
قال ابن تيمية: (وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شُهُودُ أَعْيَادِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ﴾ [الفرقان: 72]. قَالَ: الشَّعَانِينُ، وَأَعْيَادُهُمْ.
وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي كَلَامٍ لَهُ قَالَ: فَلَا يَعَاوَنُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ عِيدِهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَعْظِيمِ شِرْكِهِمْ، وَعَوْنِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ. وَيَنْبَغِي لِلسَّلَاطِينِ أَنْ يَنْهَوْا الْمُسْلِمِينَ عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ ). الفتاوى الكبرى لابن تيمية (2 / 486).
رابط الموضوع