Hukum Minta Tolong pada Jin (1)
Hukum Minta Tolong (1) pada Jin untuk urusan yang halal apakah boleh? Apakah sama dengan meminta tolong pada sesama manusia?
Hukum Minta Tolong pada Jin untuk urusan yang halal apakah boleh? Apakah sama dengan meminta tolong pada sesama manusia? Ada dua pendapat dalam soal ini antara yang membolehkan dan yang mengharamkan. Berikut pendapat yang membolehkan dan dalil-dalilnya.
Baca juga: Minta Tolong Jin Bagian 2
جواز الاستعانة بالجن في المباحات
الفصل الأول
القائلين بجواز الاستعانة بالجن في المباحات وأدلتهم، وتحته مباحث
المبحث الثامن
أدلة المجيزين وما يصلح دليلاً لهم
الدليل الأول:
أن الأصل في الاستعانة بالجن هو الإباحة، وهذا يؤخذ من قول شيخ الإسلام أنه كاستعانة الإنسي بالإنسي كما سبق نقله من مواطن كثيرة من كلامه ومن ذلك قوله –رحمه الله-: (ومن كان يستعمل الجن في أمور مباحة له ، فهو كمن استعمل الإنس في أمور مباحة له)، وقوله: ( ومنهم من يستخدمهم في أمور مباحة... فهذا كاستعانة الإنس بعضهم ببعض في ذلك).
ويقول بعد نقلِه أقوال المفسرين في معنى استمتاع الإنس والجن بعضهم ببعض: (قلت: الاستمتاع بالشيء هو أن يتمتع به، ينال به ما يطلبه ويريده ويهواه [ وذكر الاستمتاع بالجماع ونحوه، وأنه يقع بين الجن والإنس ثم قال ] ويدخل في هذا الاستمتاع بالاستخدام.. كما يتمتع الملوك والسادة بجنودهم ومماليكهم، وفي الجملة: استمتاع الإنس بالجن والجن بالإنس يشبه استمتاع الإنس بالإنس، قال تعالى: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67] ا.هـ
وهذا النقل يعني أن الاستعانة بالجن عند الشيخ إنما حرم ما حرم منه ليس لذات الاستعانة، وإنما هو لما يفضي إليه ذلك من المحرمات أو الشرك والكفر، فإذا خلت الاستعانة من ذلك بقي الأمر على أصله.
ويشبه هذا ما في كتب الفقه الحنبلي عند باب أحكام الجن من مسائل تشعر بهذا الأصل، فمن ذلك قولهم: (ويقبل قولهم: أن ما بيدهم ملكهم مع إسلامهم، فتصح معاملتهم، ولا دليل على المنع منه، ويجري التوارث بينهم، وكافرهم كالحربي يجوز قتله إن لم يسلم، ويحرم عليهم ظلم الآدميين وظلم بعضهم بعضاً، وتحل ذبيحتهم وبولهم وقيئهم طاهران ) [1]، فجعل الجن في هذه الأمور كالإنس. ويؤيد هذا الدليل الثاني.
الدليل الثاني:
في استخدام سليمان عليه السلام للجن، الوارد في قوله تعالى: ﴿ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ ﴾ [ص: 36 - 38]، وفي قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ ﴾ [الأنبياء: 82]. وفي قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 12، 13]، وما ذكره الله تعالى من قول العفريت له: ﴿ قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ﴾ [النمل: 39].
قال شيخ الإسلام:" الذي يستخدم الجن في المباحات، يشبه استخدام سليمان، لكن أعطي ملكا لا ينبغي لأحد من بعده "[2].
ولو كان في أصل ذلك معصية لما سخرهم الله له، فضلاً عن أن يكون قادحاً في أصول العقيدة، ومسائل العقيدة الأصول: لا تصحح لنبي دون لغيره؛ لأنها لا يدخلها النسخ، وعقيدة الأنبياء - وكذا شريعتهم على الصحيح- واحدة، وإنما لم تسخَّر لغير سليمان، ليس لمانع ولكن لدعائه بذلك وطلبه من ربه تعالى ذلك.
يدل على هذا أن نبينا صلى الله عليه وسلم لما تفلت عليه العفريت ليقطع عليه صلاته، قال: فأخذته فذعته حتى سال لعابه على يدي، وأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد ثم ذكرت دعوة أخي سليمان فأرسلته[3]. وفي قول الشيخ هذا جواب على اعتراض من يعترض بقوله تعالى حاكياً عن سليمان عليه السلام ﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [ص: 35]، وقد سبق الكلام عن ذلك مفصلاً بحمد الله.
فإن قال المعترض: قد أجاب الله دعاءه كما في الآيات السابقة ، فلا يجوز هذا لغيره. فيقال: المراد أن الأصل الإباحة، وإلا فإن القدر الذي كان لسليمان لا يمكن أن يكون لنبي بعده فضلا عن غيره، والفرق أن طاعة الجن لسليمان طاعة مطلقة، بل هو خارج عن قدرة الجن والإنس، كما سبق، قال شيخ الإسلام: (وتسخير الجن لسليمان، لم يكن مثله لغيره لكن من الجن المؤمنين من يعاون المؤمنين، ومن الجن الفساق والكفار من يعاون الفساق، كما يعاون الإنس بعضهم بعضا، فأما طاعة مثل طاعة سليمان فهذا لم يكن لغير سليمان)[4].
وقال الألوسي عند تفسير الآية السابقة والتي فيها دعوة سليمان عليه السلام:
(واستدل بعضهم بالآية على بعض الأقوال المذكورة فيها: على تكفير من ادعى استخدام الجن، وطاعتهم له، وأيد ذلك بالحديث السابق ، والحق أن استخدام الجن الثابت لسليمان عليه السلام لم يكن بواسطة أسماء ورياضات بل هو تسخير إلهي من غير واسطة شيء وكان أيضاً على وجه أتم، وهو مع ذلك بعض الملك الذي استوهبه، فالمختص على تقدير إفادة الآية الاختصاص: مجموع ما تضمنه قوله تعالى: ﴿ فَسَخَّرْنَا ﴾ الخ، فالظاهر: عدم إكفار من يدعي استخدام شيء من الجن ، ونحن قد شاهدنا مراراً من يدعي ذلك، وشاهدنا آثار صدق دعواه على وجه لا ينكره إلا سوفسطائي أو مكابر. ومن الاتفاقيات الغريبة أني اجتمعت يوم تفسيري لهذه الآية برجل موصلي يدعي ذلك وامتحنته بما يصدق دعواه في محفل عظيم ففعل وأتى بالعجب العجاب ، وكانت الأدلة على نفي احتمال الشعبذة ونحوها ظاهرة لذوي الألباب[5]).
لكن يتبين لي كما سبق والله أعلم أن استخدام سليمان للجن لا يدل على جواز الاستعانة بالجن في المباحات وذلك أن سليمان عليه السلام لم يكن يستعين بهم بل كان يأمرهم وهو ملك لهم، وهم جنوده، كأمر الأب لولده وزوجه فليست بالاستعانة التي يريدها أصحاب هذا القول، فإن استعمالهم كاستعمال الملوك كسليمان عليه السلام لا كراهة فيه، وكاستعمال ملوك الإنس لجنودهم.
الدليل الثالث:
من الآثار: ذكروا أثراً عن سالم بن عبد الله قال: (أبطأ خبر عمر على أبي موسى، فأتى امرأة في بطنها شيطان، فسألها عنه؟ فقالت: حتى يجيء إلي الشيطان، فجاء فسألته عنه ؟ فقال: تركته مؤتزا بكساء يهنأ [6] إبل الصدقة، وذاك- يعني عمر- لا يراه شيطان إلا خر لمنخره؛ الملك بين يديه وروح القدس ينطق بلسانه)[7]. وهذا إنما استدلوا به للاستئناس لا للاحتجاج.
الدليل الرابع:
هذا الدليل أقوى الأدلة في المسألة وأخَّرته لأني لم أر من استدل به، وهو حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا صح الاستدلال به أضاف لنا علماً جديداً، والحديث ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة، فليناد: يا عباد الله احبسوا، فإن لله عز وجل حاضراً سيحبسه)[8].
والحديث مختلف في تصحيحه لما في إسناده كما في التعليق عليه، لكن الصحيح أنه ثابت بشواهده وبعمل الأئمة به، فقد جاء الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً وموقوفا ففي شعب الإيمان للبيهقي عنه رضي الله عنه: ( إن لله ملائكة في الأرض سوى الحفظة، يكتبون ما يسقط من ورق الشجر، فإذا أصاب أحدكم عرجة في الأرض لا يقدر فيها على الأعوان فليصح فليقل: عباد الله أغيثونا أو أعينونا رحمكم الله فإنه سيعان ) قال البيهقي: لفظ حديث جعفر، وفي رواية روح: (إن لله ملائكة في الأرض يسمَّون الحفظة يكتبون ما يقع في الأرض من ورق الشجر، فما أصاب أحداً منكم عرجة أو احتاج إلى عون بفلاة من الأرض فليقل: أعينوا عباد الله رحمكم الله، فإنه يعان إن شاء الله )[9].
والظاهر من عمل أحمد بالحديث يدل على تصحيحه له، قال عبدالله بن أحمد في مسائله [10]: (سمعت أبي يقول: حججت خمس حجج، منها ثنتين راكباً وثلاثاً ماشياً، أو ثنتين ماشياً وثلاثاً راكباً، فضللت الطريق في حجة، وكنت ماشياً، فجعلت أقول: ياعباد الله دلونا على الطريق، فلم أزل أقول ذلك حتى وقعت على الطريق أو كما قال أبي) لذلك يقول الألباني: (ويبدو أن الحديث الذي حسنه الحافظ كأن الإمام أحمد يقويه لأنه قد عمل به) [11]. وقال النووي - رحمه الله-: (قلت: حكى لي بعض شيوخنا الكبار في العلم أنه أفلتت له دابة – أظنها بغلة – وكان يعرف هذا الحديث، فقاله فحبسها الله عليه في الحال. وكنت أنا مرة مع جماعة، فانفلتت منهم بهيمة، وعجزوا عنها، فقلته فوقفت في الحال بغير سبب سوى هذا الكلام)[12].
والأصل في مثل هذا أنه إذا صح إسناده فإنه يعمل به [13] - لأنه غير مستحيل-، ولا ينظر لما خالفه، ولذلك قال شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي الأنصاري –رحمه الله-: (وضل عبد الله بن المبارك في بعض أسفاره في طريق ، وكان قد بلغه: أن من اضطر في مفازة، فنادى: عباد الله ! أعينوني، أعين. قال: فجعلتُ أطلب الجزء أنظر إسناده)[14]، قال أبو إسماعيل: فلم يستجز أن يدعو بدعاء لا يرضى إسناده [15]، ورحم الله ابن المبارك، على هذا الإتباع العظيم. وهذا يدل أنه لا نكارة عند ابن المبارك في متن الحديث، لكن يبحث عن الإسناد، الحديث فيه: (أن لله حاضرا سيحبسه) وهو يدل أنها استعانة بحاضر يسمع المنادي ويراه ولا يراه المنادي وبه يخرج عن الشرك الأكبر الذي هو استعانة واستغاثة أو دعاء للأموات والغائبين أو فيما لا يقدر عليه المخلوق، لذلك لم ينكره الأئمة.
والحديث دال على جواز الاستعانة بالجن في المباحات في مثل هذه الحالة، وهي حالة ليست متكررة، وهو دال بعمومه وهو قوله: (يا عباد الله احبسوا) فعباد الله يدخل فيه الجن والملائكة، وذكر الملائكة في الشاهد لا يخصص العموم لأنه من ذكر بعض أفراد العام وهذا لا يخصص، كما هو معلوم في أصول الفقه، خاصة أن زيادة الملائكة هي في بعض الطرق وقد لا تصح، إنما الصحيح العام.
وعلى هذا فهو دليل على جواز الاستعانة بالجن في المباحات في مثل هذه الحالات، وأنه أحياناً لا يكره بل يستحب لأنه عمل بالحديث، فتكره الاستعانة بهم في المباحات وقد لا تكره كالحال مع الإنس والله أعلم.
[1] - هذه عبارة كشاف القناع (1/470) وانظر: الفروع (1/539)، شرح منتهى الإرادات ( 1/296)، مطالب أولي النهى (1/645) وغيرها من كتب المذهب.
وعندما تقرأ ما كتبه فقهاؤنا رحمهم الله عن الجن، يظهر لك أنهم يجعلون أصل المعاملة معهم الإباحة في الجملة، وإن منعوا من صور، ووجد الخلاف في أكثر ذلك، لكن لا تجد أحداً استدل على المنع بالأصل، بل كثر قولهم: لا دليل على المنع.
ففيهم من أجاز الزواج بين الجن والإنس، ومنهم من منعه - انظر فتاوى شيخ الإسلام (19/40،39)، وذكر فيه أن مناكحة الإنس والجن واقعة، ويولد بينهما ولد، وأن هذا كثير معروف، وذكر أن أكثر العلماء كرهوه، وأفرد له الشبلي بابا في آكام المرجان ص 79. وانظر: الهواتف ص106-107، وإن كان الصواب أنه محرم لأدلة كثيرة: منها مصلحة الأولاد؛ ولقد حرم من أجل هذا نكاح الأمَة إلا بشروط، ومخالفة مقصد النكاح، وهو السكَن، ولامتنان الله تعالى علينا بانه جعل لنا من أنفسنا أزواجاً، وغير ذلك وليس هذا موطن بسط المسألة - ولكن عند التأمل في كلام الإمام مالك وتعليله سبب منع هذه المصاهرة مع الجن الذي سأسوقه هنا يتبين أن الأصل في التعامل معهم الإباحة: روى أبو عثمان سعيد بن العباس الرازي في كتاب (الإلهام والوسوسة) قال: حدثنا مقاتل حدثني سعيد بن داود الزبيدي، قال: كتب قوم من أهل اليمن إلى مالك يسألونه عن نكاح الجن ؟ وقالوا: إن ههنا رجلاً من الجن يخطب إلينا جارية يزعم أنه يريد الحلال؟ فقال: ما أرى بذلك بأساً في الدين، ولكن أكره إذا وجد امرأة حامل، قيل لها: من زوجك ؟ قالت: من الجن فيكثر الفساد في الإسلام بذلك. انتهى، فهو حرَّم ذلك لأسباب أخرى مع تصريحه أن الأصل الإباحة. والأثر ذكره هكذا السيوطي في الأشباه والنظائر (1/257)، والشبلي في آكام المرجان ص106، وذكره بدون إسناده الألوسي في روح المعاني (27/119). لكن الزبيدي الذي في الإسناد، تحريف، والصواب: الزنبري، انظر: الضعفاء والمتروكين (1/316) (1381)، تقريب التهذيب (1/235).
ونحوها قول من يرى جواز إمامة الجني للإنسي، انظر: الفواكه الدواني (1/318)، فقد ذكر تصحيح هذا وقال: لأنهم مكلفون. وكذا نُقل عن أبي البقاء العكبري الحنبلي وذكر نفس الدليل، كما في آكام المرجان ص73، وهو في حاشية ابن عابدين (1/554) كذلك. وفي حاشية الجمل على شرح المنهج (1/70): (شرط صحة الاقتداء بالجني أن يكون على صورة الآدمي).
وفي كتب الفقه الكلام عن الخلاف حول صحة انعقاد الجماعة بهم، وصحة تغسيلهم للميت، وصحة أكل ذبيحتهم، إذا ما ذبحوا هم - لا الذبيحة تقرباً إليهم فإنه شرك أكبر بالإجماع- والتوارث معهم، والتحاكم بينهم وبين الإنس - في أبواب الصلاة والجنازة والذبائح والفرائض وغيرها - ويفرد فقهاء الحنابلة خاصة فصلاً في آخر صلاة الجماعة وقبل الإمامة يسمونه: أحكام الجن، يُشعر بما ذكرت في مثل هذه الأشياء. يقول ابن مفلح: (الجن يتملك فيصح تمليكه للآدمي، وإذا صح تمليك المسلم الحربي، فمؤمني الجن أولى، وكافرهم كالحربي، ولا دليل على المنع، ويبايع ويشارى إن ملك بالتمليك، وإلا فلا) الفروع (1/539)، وقال: (ومعلوم إن صح معاملتهم، ومناكحتهم، فلا بد من شروط صحة ذلك بطريق قاطع شرعي، ويقطعه قاطع شرعي ). وفي مطالب أولي النهى (1/645): (ويحرم تعدي إنسي عليهم بقتل أو قطع طرف أو إفساد نفس أو مال من غير موجب لذلك)، وفيه ص 644 وفي غيره: (وقال الشيخ تقي الدين ليس الجن كالإنس في الحد والحقيقة فلا يكون ما أمروا به وما نهوا عنه مساويا لما على الإنس في الحد والحقيقة ؛ لكنهم شاركوهم في جنس التكليف بالأمر والنهي والتحليل والتحريم بلا نزاع أعلم بين العلماء)، وفي المنتظم لابن الجوزي (8/301): بإسناده عن علي بن سراج قال: محمد بن عبدالله بن علاثة يقال له قاضي الجن، وذلك أن بئرا كانت بين حران وحصن مسلمة فكان من شرب منها خبطته الجن،قال: فوقف عليها، فقال: أيها الجن إنا قد قضينا بينكم وبين الإنس فلهم النهار ولكم الليل، قال: فكان الرجل إذا استقى منها بالنهار لم يصبه شيء)، وفي البداية والنهاية (10/151) ذكرها ثم قال: قال ابن معين كان ثقة وقال البخاري في حفظه شيء. وذكرها الذهبي في تاريخ الإسلام، وفيها أنه لم ير الجن لكن سمع كلامهم (10/433). فائدة: (34/128) ذكر الذهبي عن ابن الأنماطي بإسناده أن القاضي أبا الحسن الخلعي يحكم بين الجن وأنهم أبطأوا عليه قدر جمعة، ثم أتوا وقالوا: (كان في بيتك شيء من هذا الأترجّ، ونحن لا ندخل مكاناً يكون فيه)، قلت: ليس كل الجن يمتنعون من دخول البيت الذي فيه أترج بل بعضهم وهؤلاء منهم، والله أعلم.
[2] -الفتاوى (13 /89)
[3] - سبق تخريجه وأنه في الصحيحين.
[4] - السابق (1/125)
[5] -وتكملة كلام الألوسي هي: (إلا أن لي إشكالاً في هذا المقام ؛ وهو أن الخادم الجني قد يحضر الشيء الكثيف من نحو صندوق مقفل بين جمع في حجرة أغلقت أبوابها وسدت منافذها ولم يشعر به أحد ، ووجه الإشكال أن الجني لطيف فكيف ستر الكثيف فلم ير في الطريق، وكيف أخرجه من الصندوق وأدخله الحجرة وقد سُددت المنافذ ، وتلطف الكثيف ثم تكثفه بعد مما لا يقبله إلا كثيف أو سخيف ، ومثل ذلك كون الإحضار المذكور على نحو إحضار عرش بلقيس بالإعدام والإيجاد.. أو بوجه آخر كما يقول غيره ، ولعل الشرع أيضاً يأبـى هذا ، وسرعة المرور إن نفعت ففي عدم الرؤية في الطريق ، وقصارى ما يقال لعل للجني سحراً أو نحوه سلب به الإحساس فتصرف بالصندوق ومنافذ الحجرة حسبما أراد وأتى بالكثيف يحمله ولم يشعر به أحد من الناس، فإن تم هذا فبها وإلا فالأمر مشكل). وقد سبق في المبحث الأول قول الحافظ: ويجوز أن يخفى عن رؤيتنا بعض الأجسام الكثيفة إذا لم يخلق الله فينا إدراكها.ا.هـ والله على كل شيء قدير .
وقال الحافظ أيضا:( وقد تواردت الأخبار بتطورهم في الصور ، واختلف أهل الكلام في ذلك فقيل: هو تخييل فقط، ولا ينتقل أحد عن صورته الأصلية ، وقيل: بل ينتقلون لكن لا باقتدارهم على ذلك بل بضرب من الفعل إذا فعله انتقل كالسحر، وهذا قد يرجع إلى الأول ، وفيه أثر عن عمر أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح [(6/94)(29742)] " أن الغيلان ذُكروا عند عمر فقال: إن أحدا لا يستطيع أن يتحول عن صورته التي خلفه الله عليها، ولكن لهم سحرة كسحرتكم، فإذا رأيتم ذلك فأذِّنوا ") الفتح (6/396). وحديث ابن أبي شيبة ذكره في كنز العمال وقال: ( عب ش) -يعني عبدالرزاق في الجامع وابن أبي شيبة- (15231)، وهو في التمهيد لابن عبدالبر (18/310)، وفي آكام المرجان عزوه إلى بن أبي الدنيا في كتاب مكايد الشيطان. انظر الآكام ص26.
[6]- يهنأ: يقال هنأت البعير أهنؤه: إذا طليته بالهناء ، وهو القطران. النهاية (2/914)
[7] - الأثر ضعيف ومنكر، رواه بن أبي الدنيا في الهواتف ( 1/105) (165) قال حدثني عبد الله بن أبي بدر حدثني يحيى بن اليمان عن سفيان عن عمر بن محمد عن سالم بن عبد الله به. والأثر رواه أيضا عبد الله بن أحمد في فضائل الصحابة رقم (1/246)( 304 ) قال: حدثنا شجاع بن مخلد حدثنا يحي بن يمان به مثله إلا أن فيه أنها قالت: ( حتى يجيء شيطاني ). ورواه أيضاً ابن عساكر في تاريخ دمشق ( 44/ 89) في سيرة عمر رضي الله عنه من طريق بن أبي الدنيا. ومداره هنا على يحيى بن يمان هذا، والصواب في حاله أنه ضعيف يعتبر بحديثه ولا يحتج به، انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب (6/193)، تحرير تقريب التهذيب (4/105).. وقد توبع: فرواه عبدالله بن أحمد أيضاً (1/289) رقم (380 ) قال حدثنا داود بن رشيد ثنا الوليد يعني بن مسلم عن عمر بن محمد قثنا سالم بن عبدالله قال: راث على أبي موسى الأشعري خبر عمر وهو أمير البصرة، وكان بها امرأة في جبتها[ وهو تصحيف ففي آكام المرجان (ص166) أورد هذه الرواية بلفظ: جنبها، يدل عليه أن في الرواية الأخرى: بطنها، وهو أقرب للجنب من الجبة ] شيطان يتكلم، فأرسل إليها فقال لها مُري صاحبك فليذهب فليخبرني عن أمير المؤمنين، قالت: هو باليمن، يوشك أن يأتي، فمكثوا غير طويل ثم حضر، فقالوا: اذهب فأخبرنا عن أمير المؤمنين فإنه راث علينا، فقال ذاك الرجل ما نستطيع ندنو منه، إن بيني وبينه روح القدس، وما خلق الله شيطانا يسمع صوته إلا خر لوجهه ) وهذه الرواية فيها توضيح أن أبا موسى رضي الله عنه طلب منها أن تأمر جنيها يذهب يأتي بخبر أمير المؤمنين ففيها استعانة بالجني، وبه يمكن الاستدلال به هنا، وإلا فإن شيخ الإسلام إنما استدل بهذا الأثر على مسألة أخرى وهي مسألة سؤال الجني – وسيأتي ذكرها-بإذن الله- وبين سؤاله والاستعانة به فرق كبير. وهذه الرواية جميع رجالها ثقات لكن فيها عنعنة الوليد بن مسلم ، وهو شديد التدليس والذي يظهر أن هذه الطريق لا تجبر الأولى ؛ لأن الوليد هذا يدلس تدليس التسوية فربما أن الذي أسقطه لا يعتبر به.
وأيضا فالمتأمل يجد في الطريقين أموراً تقدح في صحة الأثر منها: الأول: أن سالم بن عبدالله ولد في خلافة عثمان انظر السير (4/ 458)، وهذا يعني أنه لم يدرك زمان عمر، ولذلك عد أبو زرعة روايته عن عمر مرسلة انظر: المراسيل لابن أبي حاتم (81). والحديث لا يروى إلا من طريق سالم وهو أحد الفقهاء السبعة، وذكر في إحدى سلاسل الذهب عند المحدثين، وعبر هنا بعبارة تُشعر بأنه لم يسمع هذا من أبي موسى رضي الله عنه، وإلا فما المانع له أن يقول حدثني أو أخبرني أو عن مثلا، وهذا الأثر لا يمكن يصح إلا إذا سمعه من أبي موسى فقط، لأنه إذا سمعه من غيره فلا يحتج به للجهل بالواسطة فيكون مرسلاً. الثاني: أن الرواية الأولى فيها أن الجني قال: تركته متزراً يهنأ إبل الصدقة، وفي الثانية: ما يشعر أن الجني اعتذر وقال لا نستطيع الدنو منه، فإن ضعفت هذه الرواية سقط المتابع، وإلا فهناك اضطراب أو نكارة. فإن قيل أحد الرواة لم يحفظ وهذا شاهد لأصل القصة فقط، والاضطراب أو النكارة في وصفها ؟ قيل: العلل السابقة تكفي في نزول الأثر عن مرتبة الاحتجاج . ولذلك ذكره شيخ الإسلام بن تيمية بصيغة التمريض (روي) انظر مجوع الفتاوى ( 19/63)، وفي منهاج السنة (6/69) ذكره عن عبدالله بإسناد عبدالله قال: وقال عبدالله بن أحمد حدثنا شجاع به. والأمر الآخر أنه قد يقال: السامع لهذه القصة لأول مرة يستبعد أن يصدر مثله من الصحابة، فكم من مواقف حصلت لهم أعظم من هذا ولم يلجأوا إلى هذا الطريق، لكمال توكلهم مما يدل على نكارتها. والله أعلم .
[8] - رواه أبو يعلى (9/177) (5269) والطبراني في الكبير (10/217)(10518) وابن السني في عمل اليوم والليلة (510)، وأورده النووي في الأذكار، وابن القيم في الوابل الصيب، وقد ضعف لعدة علل: منها: الانقطاع بين ابن بريدة وابن مسعود قاله الحافظ كما في " الفتوحات الربانية" (5/150) وقال: هذا حديث غريب، وهذا معارض برأي من يرى أن ابن بريدة لقي ابن مسعود وهو أصح، ومنها: فيه معروف بن حسان: منكر الحديث، وبه أعله الهيثمي في المجمع (10/132). وانظر: إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري (6/123)، السلسلة الضعيفة للألباني (655) لكن للحديث شواهد وكلام ذكرته أعلى.
[9] - شعب الإيمان (10/140-141)(7297) قال: أخبرنا أبو عبدالله الحافظ ومحمد بن موسى، قالا: حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا عبدالملك بن عبدالحميد، حدثنا روح[ بن عبادة القيسي]، حدثنا أسامة بن زيد-ح- وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، أخبرنا أبو عبدالله يعقوب، حدثنا محمد بن عبدالوهاب، حدثنا جعفر بن عون، أخبرنا أسامة بن زيد، عن أبان بن صالح، عن مجاهد، عن ابن عباس، به. وقال المحقق: إسناده حسن ، وجاء مرفوعاً عند البزار، كشف الأستار (4/33-34) حدثنا موسى بن إسحاق ثنا منجاب بن الحارث ثنا حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيد عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال البزار: ( لا نعلمه يروى عن النبي بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد)، وقال الحافظ في النتائج (هذا حديث حسن الإسناد، غريب جداً ) كما في شرح ابن علان (5/151) وتابعه على تحسينه السخاوي في " الابتهاج بأذكار المسافر والحاج "(38) وقال الهيثمي: رجاله ثقات، انظر: السلسلة الضعيفة (656)، والشيخ الألباني وافقهم على أنه حسن الإسناد في الموقوف والمرفوع، لكنه أضاف فيما بعد إعلاله بالوقف، فقال –رحمه الله- بعد أن ذكر المرفوع: (خالفه جعفر بن عون فقال: ثنا أسامة بن زيد… فذكره موقوفاً على ابن عباس. أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (2/455/1)، وجعفر بن عون أوثق من حاتم بن إسماعيل فإنهما وإن كانا من رجال الشيخين ، فالأول منهما لم يجرح بشيء ، بخلاف الآخر ، فقد قال فيه النسائي: ليس بالقوي ، وقال غيره: فيه غفلة، ولذلك قال فيه الحافظ: صحيح الكتاب صدوق يهم. وقال في جعفر: (صدوق). ولذلك فالحديث عندي معلول بالمخالفة) اهـ.وذكر أن الحافظ لو وقف على هذه العله لربما أعله بها ولم يستغربه جدا.ا.هـ.الضعيفة (656). فيبقى الموقوف بلا علة وهو شاهد لحديث ابن مسعود، لكن الشيخ- رحمه الله- يرى أنه لا يكون له حكم الرفع لاحتمال أن يكون ابن عباس- رضي الله عنه - أخذه من مسلمة أهل الكتاب. ولكن احتمال أن ابن عباس رضي الله عنه أخذه عن مسلمة أهل الكتاب، فيه نظر لأنه ثبت في البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنه- التشديد في الرواية عن أهل الكتاب فالتحقيق أن ابن عباس رضي الله عنه لا يأخذ عنه أهل الكتاب وإذا أخذ بيَّن. ولا يعلم مخالف لابن عباس فهو قول صحابي. وقد عمل بها الإمام أحمد وهذا يدل على قوتها عنده، وأيضاً لم ينكر متنها ابن المبارك – كما سيأتي قريبا إن شاء الله- وإنما ذهب يبحث عن الإسناد. والله أعلم.
[10] - (2/816-817) وقال الشيخ الألباني: ورواه البيهقي في الشعب وابن عساكر من طريق عبدالله بسند صحيح.الضعيفة(656).
[11] - السلسلة الضعيفة (656).
[12] - الأذكار (1/501).
[13] - قال الإمام الشافعي- رحمه الله - قال: ( إذا حدث الثقة عن الثقة إلى أن ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو ثابت، ولا يترك لرسول الله حديث أبدا، إلا حديث وجد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر يخالفه ) في الأم (7/191) حدثنا الربيع عنه، ورواه البيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى ( 1/104)، وقال الإمام أحمد- رحمه الله-: ( وكل ما روي [جاء] عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد جيد أقررنا به، وإذا لم نقر بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ودفعناه ورددناه، رددنا على الله أمره: قال تعالى: ﴿ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ﴾ (الحشر:7) رواه اللالكائي في اعتقاد أهل السنة (6/1111)(2090) وانظر: تسلية أهل المصائب (1/223)، الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية (3/59)، مجموع الفتاوى (6/500).
[14]- ذم الكلام، لأبي إسماعيل الهروي (3/109-110).
[15]- ففي هذا أن ابن المبارك لم ينكر الحديث، وإنما يبحث عن إسناده، وهذا من كمال علمهم وتحقيقهم.
رابط الموضوع
Baca juga: Minta Tolong Jin Bagian 2
جواز الاستعانة بالجن في المباحات
الفصل الأول
القائلين بجواز الاستعانة بالجن في المباحات وأدلتهم، وتحته مباحث
المبحث الثامن
أدلة المجيزين وما يصلح دليلاً لهم
الدليل الأول:
أن الأصل في الاستعانة بالجن هو الإباحة، وهذا يؤخذ من قول شيخ الإسلام أنه كاستعانة الإنسي بالإنسي كما سبق نقله من مواطن كثيرة من كلامه ومن ذلك قوله –رحمه الله-: (ومن كان يستعمل الجن في أمور مباحة له ، فهو كمن استعمل الإنس في أمور مباحة له)، وقوله: ( ومنهم من يستخدمهم في أمور مباحة... فهذا كاستعانة الإنس بعضهم ببعض في ذلك).
ويقول بعد نقلِه أقوال المفسرين في معنى استمتاع الإنس والجن بعضهم ببعض: (قلت: الاستمتاع بالشيء هو أن يتمتع به، ينال به ما يطلبه ويريده ويهواه [ وذكر الاستمتاع بالجماع ونحوه، وأنه يقع بين الجن والإنس ثم قال ] ويدخل في هذا الاستمتاع بالاستخدام.. كما يتمتع الملوك والسادة بجنودهم ومماليكهم، وفي الجملة: استمتاع الإنس بالجن والجن بالإنس يشبه استمتاع الإنس بالإنس، قال تعالى: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67] ا.هـ
وهذا النقل يعني أن الاستعانة بالجن عند الشيخ إنما حرم ما حرم منه ليس لذات الاستعانة، وإنما هو لما يفضي إليه ذلك من المحرمات أو الشرك والكفر، فإذا خلت الاستعانة من ذلك بقي الأمر على أصله.
ويشبه هذا ما في كتب الفقه الحنبلي عند باب أحكام الجن من مسائل تشعر بهذا الأصل، فمن ذلك قولهم: (ويقبل قولهم: أن ما بيدهم ملكهم مع إسلامهم، فتصح معاملتهم، ولا دليل على المنع منه، ويجري التوارث بينهم، وكافرهم كالحربي يجوز قتله إن لم يسلم، ويحرم عليهم ظلم الآدميين وظلم بعضهم بعضاً، وتحل ذبيحتهم وبولهم وقيئهم طاهران ) [1]، فجعل الجن في هذه الأمور كالإنس. ويؤيد هذا الدليل الثاني.
الدليل الثاني:
في استخدام سليمان عليه السلام للجن، الوارد في قوله تعالى: ﴿ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ ﴾ [ص: 36 - 38]، وفي قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ ﴾ [الأنبياء: 82]. وفي قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 12، 13]، وما ذكره الله تعالى من قول العفريت له: ﴿ قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ﴾ [النمل: 39].
قال شيخ الإسلام:" الذي يستخدم الجن في المباحات، يشبه استخدام سليمان، لكن أعطي ملكا لا ينبغي لأحد من بعده "[2].
ولو كان في أصل ذلك معصية لما سخرهم الله له، فضلاً عن أن يكون قادحاً في أصول العقيدة، ومسائل العقيدة الأصول: لا تصحح لنبي دون لغيره؛ لأنها لا يدخلها النسخ، وعقيدة الأنبياء - وكذا شريعتهم على الصحيح- واحدة، وإنما لم تسخَّر لغير سليمان، ليس لمانع ولكن لدعائه بذلك وطلبه من ربه تعالى ذلك.
يدل على هذا أن نبينا صلى الله عليه وسلم لما تفلت عليه العفريت ليقطع عليه صلاته، قال: فأخذته فذعته حتى سال لعابه على يدي، وأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد ثم ذكرت دعوة أخي سليمان فأرسلته[3]. وفي قول الشيخ هذا جواب على اعتراض من يعترض بقوله تعالى حاكياً عن سليمان عليه السلام ﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [ص: 35]، وقد سبق الكلام عن ذلك مفصلاً بحمد الله.
فإن قال المعترض: قد أجاب الله دعاءه كما في الآيات السابقة ، فلا يجوز هذا لغيره. فيقال: المراد أن الأصل الإباحة، وإلا فإن القدر الذي كان لسليمان لا يمكن أن يكون لنبي بعده فضلا عن غيره، والفرق أن طاعة الجن لسليمان طاعة مطلقة، بل هو خارج عن قدرة الجن والإنس، كما سبق، قال شيخ الإسلام: (وتسخير الجن لسليمان، لم يكن مثله لغيره لكن من الجن المؤمنين من يعاون المؤمنين، ومن الجن الفساق والكفار من يعاون الفساق، كما يعاون الإنس بعضهم بعضا، فأما طاعة مثل طاعة سليمان فهذا لم يكن لغير سليمان)[4].
وقال الألوسي عند تفسير الآية السابقة والتي فيها دعوة سليمان عليه السلام:
(واستدل بعضهم بالآية على بعض الأقوال المذكورة فيها: على تكفير من ادعى استخدام الجن، وطاعتهم له، وأيد ذلك بالحديث السابق ، والحق أن استخدام الجن الثابت لسليمان عليه السلام لم يكن بواسطة أسماء ورياضات بل هو تسخير إلهي من غير واسطة شيء وكان أيضاً على وجه أتم، وهو مع ذلك بعض الملك الذي استوهبه، فالمختص على تقدير إفادة الآية الاختصاص: مجموع ما تضمنه قوله تعالى: ﴿ فَسَخَّرْنَا ﴾ الخ، فالظاهر: عدم إكفار من يدعي استخدام شيء من الجن ، ونحن قد شاهدنا مراراً من يدعي ذلك، وشاهدنا آثار صدق دعواه على وجه لا ينكره إلا سوفسطائي أو مكابر. ومن الاتفاقيات الغريبة أني اجتمعت يوم تفسيري لهذه الآية برجل موصلي يدعي ذلك وامتحنته بما يصدق دعواه في محفل عظيم ففعل وأتى بالعجب العجاب ، وكانت الأدلة على نفي احتمال الشعبذة ونحوها ظاهرة لذوي الألباب[5]).
لكن يتبين لي كما سبق والله أعلم أن استخدام سليمان للجن لا يدل على جواز الاستعانة بالجن في المباحات وذلك أن سليمان عليه السلام لم يكن يستعين بهم بل كان يأمرهم وهو ملك لهم، وهم جنوده، كأمر الأب لولده وزوجه فليست بالاستعانة التي يريدها أصحاب هذا القول، فإن استعمالهم كاستعمال الملوك كسليمان عليه السلام لا كراهة فيه، وكاستعمال ملوك الإنس لجنودهم.
الدليل الثالث:
من الآثار: ذكروا أثراً عن سالم بن عبد الله قال: (أبطأ خبر عمر على أبي موسى، فأتى امرأة في بطنها شيطان، فسألها عنه؟ فقالت: حتى يجيء إلي الشيطان، فجاء فسألته عنه ؟ فقال: تركته مؤتزا بكساء يهنأ [6] إبل الصدقة، وذاك- يعني عمر- لا يراه شيطان إلا خر لمنخره؛ الملك بين يديه وروح القدس ينطق بلسانه)[7]. وهذا إنما استدلوا به للاستئناس لا للاحتجاج.
الدليل الرابع:
هذا الدليل أقوى الأدلة في المسألة وأخَّرته لأني لم أر من استدل به، وهو حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا صح الاستدلال به أضاف لنا علماً جديداً، والحديث ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة، فليناد: يا عباد الله احبسوا، فإن لله عز وجل حاضراً سيحبسه)[8].
والحديث مختلف في تصحيحه لما في إسناده كما في التعليق عليه، لكن الصحيح أنه ثابت بشواهده وبعمل الأئمة به، فقد جاء الحديث عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً وموقوفا ففي شعب الإيمان للبيهقي عنه رضي الله عنه: ( إن لله ملائكة في الأرض سوى الحفظة، يكتبون ما يسقط من ورق الشجر، فإذا أصاب أحدكم عرجة في الأرض لا يقدر فيها على الأعوان فليصح فليقل: عباد الله أغيثونا أو أعينونا رحمكم الله فإنه سيعان ) قال البيهقي: لفظ حديث جعفر، وفي رواية روح: (إن لله ملائكة في الأرض يسمَّون الحفظة يكتبون ما يقع في الأرض من ورق الشجر، فما أصاب أحداً منكم عرجة أو احتاج إلى عون بفلاة من الأرض فليقل: أعينوا عباد الله رحمكم الله، فإنه يعان إن شاء الله )[9].
والظاهر من عمل أحمد بالحديث يدل على تصحيحه له، قال عبدالله بن أحمد في مسائله [10]: (سمعت أبي يقول: حججت خمس حجج، منها ثنتين راكباً وثلاثاً ماشياً، أو ثنتين ماشياً وثلاثاً راكباً، فضللت الطريق في حجة، وكنت ماشياً، فجعلت أقول: ياعباد الله دلونا على الطريق، فلم أزل أقول ذلك حتى وقعت على الطريق أو كما قال أبي) لذلك يقول الألباني: (ويبدو أن الحديث الذي حسنه الحافظ كأن الإمام أحمد يقويه لأنه قد عمل به) [11]. وقال النووي - رحمه الله-: (قلت: حكى لي بعض شيوخنا الكبار في العلم أنه أفلتت له دابة – أظنها بغلة – وكان يعرف هذا الحديث، فقاله فحبسها الله عليه في الحال. وكنت أنا مرة مع جماعة، فانفلتت منهم بهيمة، وعجزوا عنها، فقلته فوقفت في الحال بغير سبب سوى هذا الكلام)[12].
والأصل في مثل هذا أنه إذا صح إسناده فإنه يعمل به [13] - لأنه غير مستحيل-، ولا ينظر لما خالفه، ولذلك قال شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروي الأنصاري –رحمه الله-: (وضل عبد الله بن المبارك في بعض أسفاره في طريق ، وكان قد بلغه: أن من اضطر في مفازة، فنادى: عباد الله ! أعينوني، أعين. قال: فجعلتُ أطلب الجزء أنظر إسناده)[14]، قال أبو إسماعيل: فلم يستجز أن يدعو بدعاء لا يرضى إسناده [15]، ورحم الله ابن المبارك، على هذا الإتباع العظيم. وهذا يدل أنه لا نكارة عند ابن المبارك في متن الحديث، لكن يبحث عن الإسناد، الحديث فيه: (أن لله حاضرا سيحبسه) وهو يدل أنها استعانة بحاضر يسمع المنادي ويراه ولا يراه المنادي وبه يخرج عن الشرك الأكبر الذي هو استعانة واستغاثة أو دعاء للأموات والغائبين أو فيما لا يقدر عليه المخلوق، لذلك لم ينكره الأئمة.
والحديث دال على جواز الاستعانة بالجن في المباحات في مثل هذه الحالة، وهي حالة ليست متكررة، وهو دال بعمومه وهو قوله: (يا عباد الله احبسوا) فعباد الله يدخل فيه الجن والملائكة، وذكر الملائكة في الشاهد لا يخصص العموم لأنه من ذكر بعض أفراد العام وهذا لا يخصص، كما هو معلوم في أصول الفقه، خاصة أن زيادة الملائكة هي في بعض الطرق وقد لا تصح، إنما الصحيح العام.
وعلى هذا فهو دليل على جواز الاستعانة بالجن في المباحات في مثل هذه الحالات، وأنه أحياناً لا يكره بل يستحب لأنه عمل بالحديث، فتكره الاستعانة بهم في المباحات وقد لا تكره كالحال مع الإنس والله أعلم.
[1] - هذه عبارة كشاف القناع (1/470) وانظر: الفروع (1/539)، شرح منتهى الإرادات ( 1/296)، مطالب أولي النهى (1/645) وغيرها من كتب المذهب.
وعندما تقرأ ما كتبه فقهاؤنا رحمهم الله عن الجن، يظهر لك أنهم يجعلون أصل المعاملة معهم الإباحة في الجملة، وإن منعوا من صور، ووجد الخلاف في أكثر ذلك، لكن لا تجد أحداً استدل على المنع بالأصل، بل كثر قولهم: لا دليل على المنع.
ففيهم من أجاز الزواج بين الجن والإنس، ومنهم من منعه - انظر فتاوى شيخ الإسلام (19/40،39)، وذكر فيه أن مناكحة الإنس والجن واقعة، ويولد بينهما ولد، وأن هذا كثير معروف، وذكر أن أكثر العلماء كرهوه، وأفرد له الشبلي بابا في آكام المرجان ص 79. وانظر: الهواتف ص106-107، وإن كان الصواب أنه محرم لأدلة كثيرة: منها مصلحة الأولاد؛ ولقد حرم من أجل هذا نكاح الأمَة إلا بشروط، ومخالفة مقصد النكاح، وهو السكَن، ولامتنان الله تعالى علينا بانه جعل لنا من أنفسنا أزواجاً، وغير ذلك وليس هذا موطن بسط المسألة - ولكن عند التأمل في كلام الإمام مالك وتعليله سبب منع هذه المصاهرة مع الجن الذي سأسوقه هنا يتبين أن الأصل في التعامل معهم الإباحة: روى أبو عثمان سعيد بن العباس الرازي في كتاب (الإلهام والوسوسة) قال: حدثنا مقاتل حدثني سعيد بن داود الزبيدي، قال: كتب قوم من أهل اليمن إلى مالك يسألونه عن نكاح الجن ؟ وقالوا: إن ههنا رجلاً من الجن يخطب إلينا جارية يزعم أنه يريد الحلال؟ فقال: ما أرى بذلك بأساً في الدين، ولكن أكره إذا وجد امرأة حامل، قيل لها: من زوجك ؟ قالت: من الجن فيكثر الفساد في الإسلام بذلك. انتهى، فهو حرَّم ذلك لأسباب أخرى مع تصريحه أن الأصل الإباحة. والأثر ذكره هكذا السيوطي في الأشباه والنظائر (1/257)، والشبلي في آكام المرجان ص106، وذكره بدون إسناده الألوسي في روح المعاني (27/119). لكن الزبيدي الذي في الإسناد، تحريف، والصواب: الزنبري، انظر: الضعفاء والمتروكين (1/316) (1381)، تقريب التهذيب (1/235).
ونحوها قول من يرى جواز إمامة الجني للإنسي، انظر: الفواكه الدواني (1/318)، فقد ذكر تصحيح هذا وقال: لأنهم مكلفون. وكذا نُقل عن أبي البقاء العكبري الحنبلي وذكر نفس الدليل، كما في آكام المرجان ص73، وهو في حاشية ابن عابدين (1/554) كذلك. وفي حاشية الجمل على شرح المنهج (1/70): (شرط صحة الاقتداء بالجني أن يكون على صورة الآدمي).
وفي كتب الفقه الكلام عن الخلاف حول صحة انعقاد الجماعة بهم، وصحة تغسيلهم للميت، وصحة أكل ذبيحتهم، إذا ما ذبحوا هم - لا الذبيحة تقرباً إليهم فإنه شرك أكبر بالإجماع- والتوارث معهم، والتحاكم بينهم وبين الإنس - في أبواب الصلاة والجنازة والذبائح والفرائض وغيرها - ويفرد فقهاء الحنابلة خاصة فصلاً في آخر صلاة الجماعة وقبل الإمامة يسمونه: أحكام الجن، يُشعر بما ذكرت في مثل هذه الأشياء. يقول ابن مفلح: (الجن يتملك فيصح تمليكه للآدمي، وإذا صح تمليك المسلم الحربي، فمؤمني الجن أولى، وكافرهم كالحربي، ولا دليل على المنع، ويبايع ويشارى إن ملك بالتمليك، وإلا فلا) الفروع (1/539)، وقال: (ومعلوم إن صح معاملتهم، ومناكحتهم، فلا بد من شروط صحة ذلك بطريق قاطع شرعي، ويقطعه قاطع شرعي ). وفي مطالب أولي النهى (1/645): (ويحرم تعدي إنسي عليهم بقتل أو قطع طرف أو إفساد نفس أو مال من غير موجب لذلك)، وفيه ص 644 وفي غيره: (وقال الشيخ تقي الدين ليس الجن كالإنس في الحد والحقيقة فلا يكون ما أمروا به وما نهوا عنه مساويا لما على الإنس في الحد والحقيقة ؛ لكنهم شاركوهم في جنس التكليف بالأمر والنهي والتحليل والتحريم بلا نزاع أعلم بين العلماء)، وفي المنتظم لابن الجوزي (8/301): بإسناده عن علي بن سراج قال: محمد بن عبدالله بن علاثة يقال له قاضي الجن، وذلك أن بئرا كانت بين حران وحصن مسلمة فكان من شرب منها خبطته الجن،قال: فوقف عليها، فقال: أيها الجن إنا قد قضينا بينكم وبين الإنس فلهم النهار ولكم الليل، قال: فكان الرجل إذا استقى منها بالنهار لم يصبه شيء)، وفي البداية والنهاية (10/151) ذكرها ثم قال: قال ابن معين كان ثقة وقال البخاري في حفظه شيء. وذكرها الذهبي في تاريخ الإسلام، وفيها أنه لم ير الجن لكن سمع كلامهم (10/433). فائدة: (34/128) ذكر الذهبي عن ابن الأنماطي بإسناده أن القاضي أبا الحسن الخلعي يحكم بين الجن وأنهم أبطأوا عليه قدر جمعة، ثم أتوا وقالوا: (كان في بيتك شيء من هذا الأترجّ، ونحن لا ندخل مكاناً يكون فيه)، قلت: ليس كل الجن يمتنعون من دخول البيت الذي فيه أترج بل بعضهم وهؤلاء منهم، والله أعلم.
[2] -الفتاوى (13 /89)
[3] - سبق تخريجه وأنه في الصحيحين.
[4] - السابق (1/125)
[5] -وتكملة كلام الألوسي هي: (إلا أن لي إشكالاً في هذا المقام ؛ وهو أن الخادم الجني قد يحضر الشيء الكثيف من نحو صندوق مقفل بين جمع في حجرة أغلقت أبوابها وسدت منافذها ولم يشعر به أحد ، ووجه الإشكال أن الجني لطيف فكيف ستر الكثيف فلم ير في الطريق، وكيف أخرجه من الصندوق وأدخله الحجرة وقد سُددت المنافذ ، وتلطف الكثيف ثم تكثفه بعد مما لا يقبله إلا كثيف أو سخيف ، ومثل ذلك كون الإحضار المذكور على نحو إحضار عرش بلقيس بالإعدام والإيجاد.. أو بوجه آخر كما يقول غيره ، ولعل الشرع أيضاً يأبـى هذا ، وسرعة المرور إن نفعت ففي عدم الرؤية في الطريق ، وقصارى ما يقال لعل للجني سحراً أو نحوه سلب به الإحساس فتصرف بالصندوق ومنافذ الحجرة حسبما أراد وأتى بالكثيف يحمله ولم يشعر به أحد من الناس، فإن تم هذا فبها وإلا فالأمر مشكل). وقد سبق في المبحث الأول قول الحافظ: ويجوز أن يخفى عن رؤيتنا بعض الأجسام الكثيفة إذا لم يخلق الله فينا إدراكها.ا.هـ والله على كل شيء قدير .
وقال الحافظ أيضا:( وقد تواردت الأخبار بتطورهم في الصور ، واختلف أهل الكلام في ذلك فقيل: هو تخييل فقط، ولا ينتقل أحد عن صورته الأصلية ، وقيل: بل ينتقلون لكن لا باقتدارهم على ذلك بل بضرب من الفعل إذا فعله انتقل كالسحر، وهذا قد يرجع إلى الأول ، وفيه أثر عن عمر أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح [(6/94)(29742)] " أن الغيلان ذُكروا عند عمر فقال: إن أحدا لا يستطيع أن يتحول عن صورته التي خلفه الله عليها، ولكن لهم سحرة كسحرتكم، فإذا رأيتم ذلك فأذِّنوا ") الفتح (6/396). وحديث ابن أبي شيبة ذكره في كنز العمال وقال: ( عب ش) -يعني عبدالرزاق في الجامع وابن أبي شيبة- (15231)، وهو في التمهيد لابن عبدالبر (18/310)، وفي آكام المرجان عزوه إلى بن أبي الدنيا في كتاب مكايد الشيطان. انظر الآكام ص26.
[6]- يهنأ: يقال هنأت البعير أهنؤه: إذا طليته بالهناء ، وهو القطران. النهاية (2/914)
[7] - الأثر ضعيف ومنكر، رواه بن أبي الدنيا في الهواتف ( 1/105) (165) قال حدثني عبد الله بن أبي بدر حدثني يحيى بن اليمان عن سفيان عن عمر بن محمد عن سالم بن عبد الله به. والأثر رواه أيضا عبد الله بن أحمد في فضائل الصحابة رقم (1/246)( 304 ) قال: حدثنا شجاع بن مخلد حدثنا يحي بن يمان به مثله إلا أن فيه أنها قالت: ( حتى يجيء شيطاني ). ورواه أيضاً ابن عساكر في تاريخ دمشق ( 44/ 89) في سيرة عمر رضي الله عنه من طريق بن أبي الدنيا. ومداره هنا على يحيى بن يمان هذا، والصواب في حاله أنه ضعيف يعتبر بحديثه ولا يحتج به، انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب (6/193)، تحرير تقريب التهذيب (4/105).. وقد توبع: فرواه عبدالله بن أحمد أيضاً (1/289) رقم (380 ) قال حدثنا داود بن رشيد ثنا الوليد يعني بن مسلم عن عمر بن محمد قثنا سالم بن عبدالله قال: راث على أبي موسى الأشعري خبر عمر وهو أمير البصرة، وكان بها امرأة في جبتها[ وهو تصحيف ففي آكام المرجان (ص166) أورد هذه الرواية بلفظ: جنبها، يدل عليه أن في الرواية الأخرى: بطنها، وهو أقرب للجنب من الجبة ] شيطان يتكلم، فأرسل إليها فقال لها مُري صاحبك فليذهب فليخبرني عن أمير المؤمنين، قالت: هو باليمن، يوشك أن يأتي، فمكثوا غير طويل ثم حضر، فقالوا: اذهب فأخبرنا عن أمير المؤمنين فإنه راث علينا، فقال ذاك الرجل ما نستطيع ندنو منه، إن بيني وبينه روح القدس، وما خلق الله شيطانا يسمع صوته إلا خر لوجهه ) وهذه الرواية فيها توضيح أن أبا موسى رضي الله عنه طلب منها أن تأمر جنيها يذهب يأتي بخبر أمير المؤمنين ففيها استعانة بالجني، وبه يمكن الاستدلال به هنا، وإلا فإن شيخ الإسلام إنما استدل بهذا الأثر على مسألة أخرى وهي مسألة سؤال الجني – وسيأتي ذكرها-بإذن الله- وبين سؤاله والاستعانة به فرق كبير. وهذه الرواية جميع رجالها ثقات لكن فيها عنعنة الوليد بن مسلم ، وهو شديد التدليس والذي يظهر أن هذه الطريق لا تجبر الأولى ؛ لأن الوليد هذا يدلس تدليس التسوية فربما أن الذي أسقطه لا يعتبر به.
وأيضا فالمتأمل يجد في الطريقين أموراً تقدح في صحة الأثر منها: الأول: أن سالم بن عبدالله ولد في خلافة عثمان انظر السير (4/ 458)، وهذا يعني أنه لم يدرك زمان عمر، ولذلك عد أبو زرعة روايته عن عمر مرسلة انظر: المراسيل لابن أبي حاتم (81). والحديث لا يروى إلا من طريق سالم وهو أحد الفقهاء السبعة، وذكر في إحدى سلاسل الذهب عند المحدثين، وعبر هنا بعبارة تُشعر بأنه لم يسمع هذا من أبي موسى رضي الله عنه، وإلا فما المانع له أن يقول حدثني أو أخبرني أو عن مثلا، وهذا الأثر لا يمكن يصح إلا إذا سمعه من أبي موسى فقط، لأنه إذا سمعه من غيره فلا يحتج به للجهل بالواسطة فيكون مرسلاً. الثاني: أن الرواية الأولى فيها أن الجني قال: تركته متزراً يهنأ إبل الصدقة، وفي الثانية: ما يشعر أن الجني اعتذر وقال لا نستطيع الدنو منه، فإن ضعفت هذه الرواية سقط المتابع، وإلا فهناك اضطراب أو نكارة. فإن قيل أحد الرواة لم يحفظ وهذا شاهد لأصل القصة فقط، والاضطراب أو النكارة في وصفها ؟ قيل: العلل السابقة تكفي في نزول الأثر عن مرتبة الاحتجاج . ولذلك ذكره شيخ الإسلام بن تيمية بصيغة التمريض (روي) انظر مجوع الفتاوى ( 19/63)، وفي منهاج السنة (6/69) ذكره عن عبدالله بإسناد عبدالله قال: وقال عبدالله بن أحمد حدثنا شجاع به. والأمر الآخر أنه قد يقال: السامع لهذه القصة لأول مرة يستبعد أن يصدر مثله من الصحابة، فكم من مواقف حصلت لهم أعظم من هذا ولم يلجأوا إلى هذا الطريق، لكمال توكلهم مما يدل على نكارتها. والله أعلم .
[8] - رواه أبو يعلى (9/177) (5269) والطبراني في الكبير (10/217)(10518) وابن السني في عمل اليوم والليلة (510)، وأورده النووي في الأذكار، وابن القيم في الوابل الصيب، وقد ضعف لعدة علل: منها: الانقطاع بين ابن بريدة وابن مسعود قاله الحافظ كما في " الفتوحات الربانية" (5/150) وقال: هذا حديث غريب، وهذا معارض برأي من يرى أن ابن بريدة لقي ابن مسعود وهو أصح، ومنها: فيه معروف بن حسان: منكر الحديث، وبه أعله الهيثمي في المجمع (10/132). وانظر: إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري (6/123)، السلسلة الضعيفة للألباني (655) لكن للحديث شواهد وكلام ذكرته أعلى.
[9] - شعب الإيمان (10/140-141)(7297) قال: أخبرنا أبو عبدالله الحافظ ومحمد بن موسى، قالا: حدثنا أبو العباس الأصم، حدثنا عبدالملك بن عبدالحميد، حدثنا روح[ بن عبادة القيسي]، حدثنا أسامة بن زيد-ح- وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق، أخبرنا أبو عبدالله يعقوب، حدثنا محمد بن عبدالوهاب، حدثنا جعفر بن عون، أخبرنا أسامة بن زيد، عن أبان بن صالح، عن مجاهد، عن ابن عباس، به. وقال المحقق: إسناده حسن ، وجاء مرفوعاً عند البزار، كشف الأستار (4/33-34) حدثنا موسى بن إسحاق ثنا منجاب بن الحارث ثنا حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيد عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال البزار: ( لا نعلمه يروى عن النبي بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد)، وقال الحافظ في النتائج (هذا حديث حسن الإسناد، غريب جداً ) كما في شرح ابن علان (5/151) وتابعه على تحسينه السخاوي في " الابتهاج بأذكار المسافر والحاج "(38) وقال الهيثمي: رجاله ثقات، انظر: السلسلة الضعيفة (656)، والشيخ الألباني وافقهم على أنه حسن الإسناد في الموقوف والمرفوع، لكنه أضاف فيما بعد إعلاله بالوقف، فقال –رحمه الله- بعد أن ذكر المرفوع: (خالفه جعفر بن عون فقال: ثنا أسامة بن زيد… فذكره موقوفاً على ابن عباس. أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (2/455/1)، وجعفر بن عون أوثق من حاتم بن إسماعيل فإنهما وإن كانا من رجال الشيخين ، فالأول منهما لم يجرح بشيء ، بخلاف الآخر ، فقد قال فيه النسائي: ليس بالقوي ، وقال غيره: فيه غفلة، ولذلك قال فيه الحافظ: صحيح الكتاب صدوق يهم. وقال في جعفر: (صدوق). ولذلك فالحديث عندي معلول بالمخالفة) اهـ.وذكر أن الحافظ لو وقف على هذه العله لربما أعله بها ولم يستغربه جدا.ا.هـ.الضعيفة (656). فيبقى الموقوف بلا علة وهو شاهد لحديث ابن مسعود، لكن الشيخ- رحمه الله- يرى أنه لا يكون له حكم الرفع لاحتمال أن يكون ابن عباس- رضي الله عنه - أخذه من مسلمة أهل الكتاب. ولكن احتمال أن ابن عباس رضي الله عنه أخذه عن مسلمة أهل الكتاب، فيه نظر لأنه ثبت في البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنه- التشديد في الرواية عن أهل الكتاب فالتحقيق أن ابن عباس رضي الله عنه لا يأخذ عنه أهل الكتاب وإذا أخذ بيَّن. ولا يعلم مخالف لابن عباس فهو قول صحابي. وقد عمل بها الإمام أحمد وهذا يدل على قوتها عنده، وأيضاً لم ينكر متنها ابن المبارك – كما سيأتي قريبا إن شاء الله- وإنما ذهب يبحث عن الإسناد. والله أعلم.
[10] - (2/816-817) وقال الشيخ الألباني: ورواه البيهقي في الشعب وابن عساكر من طريق عبدالله بسند صحيح.الضعيفة(656).
[11] - السلسلة الضعيفة (656).
[12] - الأذكار (1/501).
[13] - قال الإمام الشافعي- رحمه الله - قال: ( إذا حدث الثقة عن الثقة إلى أن ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو ثابت، ولا يترك لرسول الله حديث أبدا، إلا حديث وجد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر يخالفه ) في الأم (7/191) حدثنا الربيع عنه، ورواه البيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى ( 1/104)، وقال الإمام أحمد- رحمه الله-: ( وكل ما روي [جاء] عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد جيد أقررنا به، وإذا لم نقر بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ودفعناه ورددناه، رددنا على الله أمره: قال تعالى: ﴿ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ﴾ (الحشر:7) رواه اللالكائي في اعتقاد أهل السنة (6/1111)(2090) وانظر: تسلية أهل المصائب (1/223)، الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية (3/59)، مجموع الفتاوى (6/500).
[14]- ذم الكلام، لأبي إسماعيل الهروي (3/109-110).
[15]- ففي هذا أن ابن المبارك لم ينكر الحديث، وإنما يبحث عن إسناده، وهذا من كمال علمهم وتحقيقهم.
رابط الموضوع