Hukum Sembelihan Ahli Kitab Nasrani Yahudi
Hukum Sembelihan Ahli Kitab Nasrani Yahudi
Hukum Sembelihan Ahli Kitab Nasrani Yahudi
المقدمة ـ تعريف الذبح وحكمه شرعا ً:
الذبح أو الذكاة أو التذكية لغة: القطع أو الشق وإزهاق الحيوان. واصطلاحاً: يختلف بحسب الواجب قطعه في كل مذهب. فعند الحنفية والمالكية (1): هو فري العروق، والعروق التي تقطع في الذكاة أربعة: الحلقوم، والمريء، والودجان (2). ومحله ما بين الَّلبة والَّلحيين (عظمي الحنك)، لقول النبي صلّى الله عليه وسلم: «الذكاة: ما بين الَّلبة والِّلحية» (3) أي محل الذكاة: ما بين اللبة واللحيين. واللبة: أسفل العنق. واللحية شعر الذقن. والنحر: فري الأوداج، ومحله: آخر الحلق، والذكاة الاضطرارية: جرح في أي موضع كان من البدن.
وعند الشافعية والحنابلة (4): الذكاة: ذبح حيوان مقدور عليه مباح أكله بقطع الحلقوم والمري. ومحله الحلق: أعلى العنق، أو اللبة: أسفل العنق فيسمى نحراً (5)، أوعقر مزهق للروح عند التعذر في أي موضع كان. والخلاصة باتفاق المذاهب أن الذكاة: هي ذبح أو نحر أوعقر حيوان مباح الأكل.
وحكمه: أنه شرط حل الأكل في الحيوان البري المأكول، فلا يحل شيء من الحيوان المأكول بغير ذكاة شرعية، لقوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم
الخنزير، وما أهل لغير الله به، والمنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع، إلا ما ذكيتم} [المائدة:3/ 5] فقد علق الحل بالتذكية.
ولقوله صلّى الله عليه وسلم: «ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه، فكلوا ما لم يكن سناً أو ظفراً، وسأحدثكم عن ذلك: أما السن فعظم، وأما الظُّفر فمدى الحبشة» (6).
والحكمة من الذبح: مراعاة صحة الإنسان العامة، ودفع الضرر عن الجسم، بفصل الدم عن اللحم وتطهيره من الدم؛ لأن تناول الدم المسفوح حرام بسبب إضراره بالإنسان، لأنه مباءة الجراثيم والمكروبات، ولكل دم زمرة أو فصيلة تناسبه، فيمنع الاختلاط بين الدماء، ويعد الدم نجساً تنفيراً منه. قال بعض العلماء: والحكمة في اشتراط الذبح وإنهار الدم تمييز حلال اللحم والشحم من حرامهما، وتنبيه على تحريم الميتة لبقاء دمها.
المبحث الأول ـ الذابح الذابح أحد أصناف ثلاثة: صنف تحرم ذكاته بالاتفاق، وصنف تجوز تذكيته بالاتفاق، وصنف مختلف فيه (7).
ف الذابح الذي لا تؤكل ذبيحته وتحرم بالاتفاق: هو الكافر من غير أهل الكتاب، كالمشرك أو الوثني عابد الأصنام، والملحد الذي لا يدين بدين، والمرتد وإن تدين بدين أهل الكتاب، والزنديق، لقوله تعالى: {وما ذُبح على النُّصُب} [المائدة:3/ 5] وقوله: {وما أهل لغير الله به} [المائدة:3/ 5] لأنه يحرم الاتجاه
بالذبح إلى غير الله تعالى، والمرتد لا يقر على الدين الذي انتقل إليه، وبناء عليه تحرم اللحوم المستوردة من البلاد الوثنية كاليابان، أو الشيوعية كروسيا والصين، أو التي لا تدين بدين سماوي كالهند. كماتحرم ذبيحة الباطنية إلا من ثبت إيمانه بالإسلام وترك ملته.
والذابح المتفق على ذكاته: هو المسلم البالغ العاقل الذكر، الذي لا يضيع الصلاة، لقوله تعالى: {إلا ما ذكيتم} [المائدة:3/ 5] والخطاب فيه موجه للمسلمين.
وأشهر المختلف في تذكيته بين الفقهاء: أهل الكتاب والمجوس والصابئون، والمرأة والصبي والمجنون والسكران، والسارق والغاصب.
1ً ـ ذبيحة الكتابي: فأما أهل الكتاب: فتجوز من حيث المبدأ ذبائحهم بالإجماع (8) لقوله تعالى: {وطعام الذين أوتوا الكتاب} ـ أي ذبائحهم ـ {حل لكم، وطعامكم حل لهم} [المائدة:5/ 5]. والجائز: هو ما يعتقدونه في شريعتهم حلالاً لهم، ولم يحرم عليهم، كلحم الخنزير، ولو لم يعلم أنهم سموا الله تعالى، أو كانت الذبيحة لكنائسهم وأعيادهم ولو اعتقدوا تحريمه كالإبل. قال ابن عباس: «وإنما أحلت ذبائح اليهود والنصارى من أجل أنهم آمنوا بالتوراة والإنجيل» (9).
إلا أن الإمام مالك قال: ذبائحهم المحرمة عليهم مكروهة لنا، كالإبل والشحوم الخالصة، وهي المذكورة في قوله تعالى: {وعلى الذين هادوا حرمنا كل
ذي ظفر (10)، ومن البقر والغنم، حرمنا عليهم شحومهما، إلا ما حملت ظهورهما، أو الحوايا، أو ما اختلط بعظم} [الأنعام:146/ 6]. وأجازها الجمهور لأنها مسكوت عنها في شرعنا، فتبقى على أصل الإباحة.
وكذلك تكره عند المالكية والشافعية وفي رواية عن أحمد المذبوحة لكنائسهم وأعيادهم، لما فيها من تعظيم شركهم، ولأن الذابح قصد بقلبه الذبح لغير الله، ولم يذكر اسم الله عليه. وهذا هو الأصوب.
وأما إذا علم أن الذابح سمى على الذبيحة غير اسم الله، بأن ذبح النصراني باسم المسيح، واليهودي باسم العزير، فقال الجمهور بعدم الحل لقوله تعالى: {وما أهل لغير الله به} [المائدة:3/ 5] {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} [الأنعام:121/ 6] وهذا هو الأولى بالصحة؛ لأن المراد بحل ذبائحهم ما ذبحوه بشرطه كالمسلم.
وقال المالكية: بكراهة ذلك في غير حرمة، لعموم آية {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} [المائدة:5/ 5] لأنه قد علم الله أنهم سيقولون على ذبائحهم مثل ذلك، ولأن تسميتهم باسم الإله حقيقة ليست على طريق العبادة، فكانت التسمية منهم وعدمها على سواء.
وقيد الشافعية حل ذبيحة الكتابي وزواج الكتابية بشرط هو ما يأتي (11):إن لم يكن الكتابي إسرائيلياً: فالأظهر الحل إن علم دخول قومه (أي أول من تدين من آبائه) في ذلك الدين (أي دين موسى وعيسى عليهما السلام) قبل نسخه وتحريفه، لتمسكهم بذلك الدين حين كان حقاً.
وإن كان الكتابي إسرائيلياً (12) فالشرط فيه: ألا يعلم دخول أول آبائه في ذلك الدين بعد بعثة تنسخه، بأن علم دخول أول آبائه في ذلك الدين قبل البعثة، أو شك. فإن علم دخوله فيه بعد تحريفه، أو بعد بعثه لا تنسخه، كبعثة بين موسى وعيسى، فإنه يحل ذبحه، وتزوج الأنثى (13). وفي علمي أنه لا دليل للشافعية على هذا الشرط؛ لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أكلوا من ذبائح الكتابيين وتزوجوا من نسائهم، ولم يبحثوا عن توافر هذا الشرط.
2ً ـ ذبيحة المجوس: لا تؤكل ذبيحة المجوس وصيدهم (14)؛ لأنهم مشركون ليسوا من أهل الكتاب، إذ يعتقد المجوسي بخالقين اثنين: للخير والشر، ولقوله صلّى الله عليه وسلم: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم، ولا آكلي ذبائحهم» (15) وقد روى أحمد بإسناده عن قيس بن سكن الأسدي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنكم نزلتم بفارس من النَّبط، فإذا اشتريتم لحماً، فإن كان من يهودي أو نصراني، فكلوا، وإ ن كان ذبيحة مجوسي، فلا تأكلوا».
3ً ـ ذبيحة الصابئة: الصابئون إن وافقوا أهل الكتاب في أصول العقائد تؤكل ذبائحهم، وإن لم يوافقوهم وكان دينهم بين المجوسية والنصرانية، أو يعتقدون بتأثير النجوم، فلا تؤكل ذبائحهم (16). وهذا التفصيل وهو رأي الشافعية هو الأولى خلافاً لمن قال بالحل كأبي حنيفة، أو بالحرمة مطلقاً وهم المالكية.
شروط الذابح: مما سبق تعرف شروط الذابح: وهي أن يكون مميزاً عاقلاً، مسلماً أو كتابياً: ذمياً أو حربياً أو من نصارى بني تغلب، قاصداً التذكية، ولو كان
مكرهاً على الذبح، ذكراً أو أنثى، طاهراً أو حائضاً أو جنباً، بصيراً أوأعمى، عدلاً أو فاسقاً؛ لعموم الأدلة وعدم المخصص، فلا يصح ذبح غير المميز والمجنون والسكران عند الجمهور خلافاً للشافعي، ولا تؤكل ذبيحة المشرك والمجوسي والوثني والمرتد، وتكره عند الشافعية ذكاة الأعمى وغير المميز والمجنون والسكران. وتكره عند الكل ذبيحة النصراني أو اليهودي والفاسق وتارك الصلاة.
___________
المراجع
(1) البدائع: 41/ 5، تكملة الفتح: 52/ 8، اللباب مع الكتاب: 225/ 3 ومابعدها، الشرح الكبير: 99/ 2.
(2) الحلقوم هو الحلق، والمري: مجرى الطعام والشراب، والودجان: عرقان عظيمان في جانبي العنق، بينهما الحلقوم والمريء.
(3) قال الزيلعي عنه: غريب بهذا اللفظ، وأخرج الدارقطني عن أبي هريرة: «ألا إن الذكاة في الحلق واللبة» وإسناده ضعيف جداً. وأخرجه عبد الرزاق موقوفاً على ابن عباس وعلى عمر: «الذكاة في الحلق واللبة» (نصب الراية: 185/ 4).
(4) مغني المحتاج: 265/ 4،270، كشاف القناع: 201/ 3.
(5) يسن نحر الإبل، وذبح البقر والغنم (نيل الأوطار: 122/ 5).
(6) رواه الجماعة عن رافع بن خديج (نيل الأوطار: 141/ 8).
(7) بداية المجتهد: 435/ 1، القوانين الفقهية: ص 180، الميزان: 60/ 2، رحمة الأمة بهامش الميزان للدمشقي: 154/ 1، البدائع: 45/ 5، المهذب: 251/ 1، المغني: 564/ 8، كشاف القناع: 203/ 6.
(8) البدائع، المكان السابق، تكملة الفتح: 52/ 8، تبيين الحقائق: 287/ 5، رد المحتار: 208/ 5، بداية المجتهد: 436/ 1، الشرح الكبير: 99/ 2، المنتقى على الموطأ: 112/ 2، مغني المحتاج: 266/ 4 ومابعدها، المغني: 567/ 8 ومابعدها. تفسير القرطبي: 76/ 6، أحكام القرآن للجصاص: 146/ 1.
(9) رواه الحاكم وصححه.
(10) قال قتادة: تفسير كل ذي ظفر: هي الإبل والنعام والبط وكل ما ليس بمشقوق الأصابع.
(11) مغني المحتاج: 187/ 3 وما بعدها.
(12) وهو المنسوب إلى إسرائيل، وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام.
(13) ولم يجز الشيعة الإمامية أكل ذبيحة الكتابي لقول جعفر الصادق: «لا تأكلوا ذبائحهم» ولأن الإله الذي يذكرون اسمه ـ إن ذكروه ـ هو أبو المسيح أو أبو عزير، فوجود هذا اللفظ كعدمه. (المختصر النافع في فقه الإمامية: ص 251).
(14) تبيين الحقائق: 287/ 5، البدائع: 45/ 5، الدر المختار: /209، بداية المجتهد: 438/ 1، مغني المحتاج: 266/ 4، المغني: 570/ 8.
(15) غريب بهذا اللفظ، وروي من طريق آخر، مطعون السند (نصب الراية: 181/ 4). ومن تمسك بحل ذبيحة المجوسي كأبي ثور احتج بالشق الأول منه وهو «سنوا بهم سنة أهل الكتاب».
(16) القوانين الفقهية: ص 180، بداية المجتهد: 438/ 1.
================
الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي
4/2764
المقدمة ـ تعريف الذبح وحكمه شرعا ً:
الذبح أو الذكاة أو التذكية لغة: القطع أو الشق وإزهاق الحيوان. واصطلاحاً: يختلف بحسب الواجب قطعه في كل مذهب. فعند الحنفية والمالكية (1): هو فري العروق، والعروق التي تقطع في الذكاة أربعة: الحلقوم، والمريء، والودجان (2). ومحله ما بين الَّلبة والَّلحيين (عظمي الحنك)، لقول النبي صلّى الله عليه وسلم: «الذكاة: ما بين الَّلبة والِّلحية» (3) أي محل الذكاة: ما بين اللبة واللحيين. واللبة: أسفل العنق. واللحية شعر الذقن. والنحر: فري الأوداج، ومحله: آخر الحلق، والذكاة الاضطرارية: جرح في أي موضع كان من البدن.
وعند الشافعية والحنابلة (4): الذكاة: ذبح حيوان مقدور عليه مباح أكله بقطع الحلقوم والمري. ومحله الحلق: أعلى العنق، أو اللبة: أسفل العنق فيسمى نحراً (5)، أوعقر مزهق للروح عند التعذر في أي موضع كان. والخلاصة باتفاق المذاهب أن الذكاة: هي ذبح أو نحر أوعقر حيوان مباح الأكل.
وحكمه: أنه شرط حل الأكل في الحيوان البري المأكول، فلا يحل شيء من الحيوان المأكول بغير ذكاة شرعية، لقوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم
الخنزير، وما أهل لغير الله به، والمنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع، إلا ما ذكيتم} [المائدة:3/ 5] فقد علق الحل بالتذكية.
ولقوله صلّى الله عليه وسلم: «ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه، فكلوا ما لم يكن سناً أو ظفراً، وسأحدثكم عن ذلك: أما السن فعظم، وأما الظُّفر فمدى الحبشة» (6).
والحكمة من الذبح: مراعاة صحة الإنسان العامة، ودفع الضرر عن الجسم، بفصل الدم عن اللحم وتطهيره من الدم؛ لأن تناول الدم المسفوح حرام بسبب إضراره بالإنسان، لأنه مباءة الجراثيم والمكروبات، ولكل دم زمرة أو فصيلة تناسبه، فيمنع الاختلاط بين الدماء، ويعد الدم نجساً تنفيراً منه. قال بعض العلماء: والحكمة في اشتراط الذبح وإنهار الدم تمييز حلال اللحم والشحم من حرامهما، وتنبيه على تحريم الميتة لبقاء دمها.
المبحث الأول ـ الذابح الذابح أحد أصناف ثلاثة: صنف تحرم ذكاته بالاتفاق، وصنف تجوز تذكيته بالاتفاق، وصنف مختلف فيه (7).
ف الذابح الذي لا تؤكل ذبيحته وتحرم بالاتفاق: هو الكافر من غير أهل الكتاب، كالمشرك أو الوثني عابد الأصنام، والملحد الذي لا يدين بدين، والمرتد وإن تدين بدين أهل الكتاب، والزنديق، لقوله تعالى: {وما ذُبح على النُّصُب} [المائدة:3/ 5] وقوله: {وما أهل لغير الله به} [المائدة:3/ 5] لأنه يحرم الاتجاه
بالذبح إلى غير الله تعالى، والمرتد لا يقر على الدين الذي انتقل إليه، وبناء عليه تحرم اللحوم المستوردة من البلاد الوثنية كاليابان، أو الشيوعية كروسيا والصين، أو التي لا تدين بدين سماوي كالهند. كماتحرم ذبيحة الباطنية إلا من ثبت إيمانه بالإسلام وترك ملته.
والذابح المتفق على ذكاته: هو المسلم البالغ العاقل الذكر، الذي لا يضيع الصلاة، لقوله تعالى: {إلا ما ذكيتم} [المائدة:3/ 5] والخطاب فيه موجه للمسلمين.
وأشهر المختلف في تذكيته بين الفقهاء: أهل الكتاب والمجوس والصابئون، والمرأة والصبي والمجنون والسكران، والسارق والغاصب.
1ً ـ ذبيحة الكتابي: فأما أهل الكتاب: فتجوز من حيث المبدأ ذبائحهم بالإجماع (8) لقوله تعالى: {وطعام الذين أوتوا الكتاب} ـ أي ذبائحهم ـ {حل لكم، وطعامكم حل لهم} [المائدة:5/ 5]. والجائز: هو ما يعتقدونه في شريعتهم حلالاً لهم، ولم يحرم عليهم، كلحم الخنزير، ولو لم يعلم أنهم سموا الله تعالى، أو كانت الذبيحة لكنائسهم وأعيادهم ولو اعتقدوا تحريمه كالإبل. قال ابن عباس: «وإنما أحلت ذبائح اليهود والنصارى من أجل أنهم آمنوا بالتوراة والإنجيل» (9).
إلا أن الإمام مالك قال: ذبائحهم المحرمة عليهم مكروهة لنا، كالإبل والشحوم الخالصة، وهي المذكورة في قوله تعالى: {وعلى الذين هادوا حرمنا كل
ذي ظفر (10)، ومن البقر والغنم، حرمنا عليهم شحومهما، إلا ما حملت ظهورهما، أو الحوايا، أو ما اختلط بعظم} [الأنعام:146/ 6]. وأجازها الجمهور لأنها مسكوت عنها في شرعنا، فتبقى على أصل الإباحة.
وكذلك تكره عند المالكية والشافعية وفي رواية عن أحمد المذبوحة لكنائسهم وأعيادهم، لما فيها من تعظيم شركهم، ولأن الذابح قصد بقلبه الذبح لغير الله، ولم يذكر اسم الله عليه. وهذا هو الأصوب.
وأما إذا علم أن الذابح سمى على الذبيحة غير اسم الله، بأن ذبح النصراني باسم المسيح، واليهودي باسم العزير، فقال الجمهور بعدم الحل لقوله تعالى: {وما أهل لغير الله به} [المائدة:3/ 5] {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} [الأنعام:121/ 6] وهذا هو الأولى بالصحة؛ لأن المراد بحل ذبائحهم ما ذبحوه بشرطه كالمسلم.
وقال المالكية: بكراهة ذلك في غير حرمة، لعموم آية {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} [المائدة:5/ 5] لأنه قد علم الله أنهم سيقولون على ذبائحهم مثل ذلك، ولأن تسميتهم باسم الإله حقيقة ليست على طريق العبادة، فكانت التسمية منهم وعدمها على سواء.
وقيد الشافعية حل ذبيحة الكتابي وزواج الكتابية بشرط هو ما يأتي (11):إن لم يكن الكتابي إسرائيلياً: فالأظهر الحل إن علم دخول قومه (أي أول من تدين من آبائه) في ذلك الدين (أي دين موسى وعيسى عليهما السلام) قبل نسخه وتحريفه، لتمسكهم بذلك الدين حين كان حقاً.
وإن كان الكتابي إسرائيلياً (12) فالشرط فيه: ألا يعلم دخول أول آبائه في ذلك الدين بعد بعثة تنسخه، بأن علم دخول أول آبائه في ذلك الدين قبل البعثة، أو شك. فإن علم دخوله فيه بعد تحريفه، أو بعد بعثه لا تنسخه، كبعثة بين موسى وعيسى، فإنه يحل ذبحه، وتزوج الأنثى (13). وفي علمي أنه لا دليل للشافعية على هذا الشرط؛ لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أكلوا من ذبائح الكتابيين وتزوجوا من نسائهم، ولم يبحثوا عن توافر هذا الشرط.
2ً ـ ذبيحة المجوس: لا تؤكل ذبيحة المجوس وصيدهم (14)؛ لأنهم مشركون ليسوا من أهل الكتاب، إذ يعتقد المجوسي بخالقين اثنين: للخير والشر، ولقوله صلّى الله عليه وسلم: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم، ولا آكلي ذبائحهم» (15) وقد روى أحمد بإسناده عن قيس بن سكن الأسدي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنكم نزلتم بفارس من النَّبط، فإذا اشتريتم لحماً، فإن كان من يهودي أو نصراني، فكلوا، وإ ن كان ذبيحة مجوسي، فلا تأكلوا».
3ً ـ ذبيحة الصابئة: الصابئون إن وافقوا أهل الكتاب في أصول العقائد تؤكل ذبائحهم، وإن لم يوافقوهم وكان دينهم بين المجوسية والنصرانية، أو يعتقدون بتأثير النجوم، فلا تؤكل ذبائحهم (16). وهذا التفصيل وهو رأي الشافعية هو الأولى خلافاً لمن قال بالحل كأبي حنيفة، أو بالحرمة مطلقاً وهم المالكية.
شروط الذابح: مما سبق تعرف شروط الذابح: وهي أن يكون مميزاً عاقلاً، مسلماً أو كتابياً: ذمياً أو حربياً أو من نصارى بني تغلب، قاصداً التذكية، ولو كان
مكرهاً على الذبح، ذكراً أو أنثى، طاهراً أو حائضاً أو جنباً، بصيراً أوأعمى، عدلاً أو فاسقاً؛ لعموم الأدلة وعدم المخصص، فلا يصح ذبح غير المميز والمجنون والسكران عند الجمهور خلافاً للشافعي، ولا تؤكل ذبيحة المشرك والمجوسي والوثني والمرتد، وتكره عند الشافعية ذكاة الأعمى وغير المميز والمجنون والسكران. وتكره عند الكل ذبيحة النصراني أو اليهودي والفاسق وتارك الصلاة.
___________
المراجع
(1) البدائع: 41/ 5، تكملة الفتح: 52/ 8، اللباب مع الكتاب: 225/ 3 ومابعدها، الشرح الكبير: 99/ 2.
(2) الحلقوم هو الحلق، والمري: مجرى الطعام والشراب، والودجان: عرقان عظيمان في جانبي العنق، بينهما الحلقوم والمريء.
(3) قال الزيلعي عنه: غريب بهذا اللفظ، وأخرج الدارقطني عن أبي هريرة: «ألا إن الذكاة في الحلق واللبة» وإسناده ضعيف جداً. وأخرجه عبد الرزاق موقوفاً على ابن عباس وعلى عمر: «الذكاة في الحلق واللبة» (نصب الراية: 185/ 4).
(4) مغني المحتاج: 265/ 4،270، كشاف القناع: 201/ 3.
(5) يسن نحر الإبل، وذبح البقر والغنم (نيل الأوطار: 122/ 5).
(6) رواه الجماعة عن رافع بن خديج (نيل الأوطار: 141/ 8).
(7) بداية المجتهد: 435/ 1، القوانين الفقهية: ص 180، الميزان: 60/ 2، رحمة الأمة بهامش الميزان للدمشقي: 154/ 1، البدائع: 45/ 5، المهذب: 251/ 1، المغني: 564/ 8، كشاف القناع: 203/ 6.
(8) البدائع، المكان السابق، تكملة الفتح: 52/ 8، تبيين الحقائق: 287/ 5، رد المحتار: 208/ 5، بداية المجتهد: 436/ 1، الشرح الكبير: 99/ 2، المنتقى على الموطأ: 112/ 2، مغني المحتاج: 266/ 4 ومابعدها، المغني: 567/ 8 ومابعدها. تفسير القرطبي: 76/ 6، أحكام القرآن للجصاص: 146/ 1.
(9) رواه الحاكم وصححه.
(10) قال قتادة: تفسير كل ذي ظفر: هي الإبل والنعام والبط وكل ما ليس بمشقوق الأصابع.
(11) مغني المحتاج: 187/ 3 وما بعدها.
(12) وهو المنسوب إلى إسرائيل، وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام.
(13) ولم يجز الشيعة الإمامية أكل ذبيحة الكتابي لقول جعفر الصادق: «لا تأكلوا ذبائحهم» ولأن الإله الذي يذكرون اسمه ـ إن ذكروه ـ هو أبو المسيح أو أبو عزير، فوجود هذا اللفظ كعدمه. (المختصر النافع في فقه الإمامية: ص 251).
(14) تبيين الحقائق: 287/ 5، البدائع: 45/ 5، الدر المختار: /209، بداية المجتهد: 438/ 1، مغني المحتاج: 266/ 4، المغني: 570/ 8.
(15) غريب بهذا اللفظ، وروي من طريق آخر، مطعون السند (نصب الراية: 181/ 4). ومن تمسك بحل ذبيحة المجوسي كأبي ثور احتج بالشق الأول منه وهو «سنوا بهم سنة أهل الكتاب».
(16) القوانين الفقهية: ص 180، بداية المجتهد: 438/ 1.
================
الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي
4/2764