Perkara yang Menyebabkan Murtad Kufur
Perkara yang Menyebabkan Murtad kufur yang mengeluarkan seseorang dari Islam. Muslim yang melakukan ini harus menyadari dan segera melakukan taubat dengan cara membaca dua kalimat syahadat dan memahami maknanya dan mohon ampun pada Allah
Perkara yang Menyebabkan Murtad kufur yang mengeluarkan seseorang dari Islam. Muslim yang melakukan ini harus menyadari dan segera melakukan taubat dengan cara membaca dua kalimat syahadat dan memahami maknanya dan mohon ampun pada Allah
الأمور التي تقع بها الرِّدّة
يونس عبد الرب فاضل الطلول
المقدمة:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف المرسلين، محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد:
فإنَّ الله تعالى أَمَر عباده بأوامرَ متعددة، تحقق المصلحة لهم في الدنيا والآخرة، ومن هذه الأوامر: أن أمَرَهم بالالتزام بالإسلام، والاستمساك به، والثبات عليه إلى أن يأتي الموت. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
ونعمة الإسلام والعمل به، هي أفضل نعمةٍ في هذه الحياة؛ وذلك لما يتحقق فيها من مصالح عاجلة وآجلة، ولأنها تدوم لصاحبها إلى الآخرة، وتنجيه من الخسارة، قال تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85].
ومن شرائط الالتزام بالإسلام، والحفاظ على هذه النعمة العظيمة، عدم صدور اعتقادٍ أو قولٍ أو فعلٍ منافٍ له؛ لأن معنى الإسلام هو الاستسلام والخضوع لله تعالى وشرعه، وهذه الأمور التي تصدر من صاحبها، والتي هي منافية لما التزم به، دالَّةٌ على عدم الاستسلام والرضا بالدين الإسلامي، ولذلك فقد اعتبرها العلماء من الأمور التي تحصل بها الردة عن الدين.
فما هي هذه الاعتقادات والأقوال والأفعال التي تقع بها الردة؟
هذا ما أحببت أن أكتب فيه في هذا البحث المتواضع، والذي هو بعنوان: (الأمور التي تقع بها الرِّدّة).
وسيكون السير في هذا البحث على النحو التالي:
1. تعريف الرِّدة.
2. ممن تكون الردة؟
3. الأمور التي تقع بها الردة.
4. بم تثبت الردة؟
5. الخاتمة.
وهناك تكملة لهذا البحث في وقتٍ آخر للحديث عن أحكام الردة.
فأقول مستعيناً بالله، وهو حسبي ونعم الوكيل:
تعريف الردة:
أ: تعريف الرِّدة في اللغة:
الرِّدة في اللغة: هي الرجوع عن الشيء.
قال المناوي في التعاريف: "الردة لغةً: الرجوع عن الشيء إلى غيره"(1). وقال ابن منظور: "الردَّة عن الإِسلام، أَي الرجوع عنه، وارتدَّ فلان عن دينه: إِذا كفر بعد إِسلامه... والرِّدّة بالكسر: مصدر قولك: ردَّه يَرُدُّه رَدّاً ورِدَّة. والرِّدَّةُ: الاسم من الارتداد"(2). وبنحوه قال الفيروزآبادي(3)، والرازي(4)، والفيومي(5)، وغيرهم.
ب: تعريف الرِّدة في الشرع:
الرِّدة في الشَّرع: هي الكفر بعد الإسلام. قال الشربيني: الرِّدة هي "قطع استمرار الإسلام ودوامه"(6). على أن يكون هذا القطع طوعاً، أي باختياره من غير إكراهٍ عليه.(7) وبنحو هذا التعريف عرَّف الكاساني(8)، والقرافي(9) والخرشي(10) وابن قدامة(11) وابن عاشور(12) والشوكاني(13) وغيرهم(14). قال الله تعالى: ﴿وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: 217].
وفي كلمة: (يرتدد) وهي صيغة مطاوعة: إشارة إلى أن هذا الرجوع عن الإسلام -إن قدر حصوله- لا يكون إلا عن محاولة من المشركين، فإنَّ من ذاق حلاوة الإيمان لا يسهل عليه رجوعه عنه، ومن عرف الحق لا يرجع عنه إلا بعناء.
وفي كلمة (عن دينه): لم يذكر الدِّين الذي يرجع إليه المرتد؛ إذ لا اعتبار بالدين المرجوع إليه، وإنما نيط الحكم بالارتداد عن الإسلام إلى أي دين.(15)
ممن تكون الردة؟
الردة المعتبرة شرعاً والتي يترتَّب عليها آثارها الشرعية، إنما تكون من مسلمٍ عاقلٍ بالغٍ مختار.
فقد نصَّ الحنفية على أن شرائط صحة الردة التي يترتب عليها آثارها ثلاثة:
1. العقل.
2. البلوغ، وقد اختُلف فيه في المذهب.
3. الطَّوع، فلا تصح ردة المكره على الردة إذا كان قلبه مطمئناً بالإيمان.(16) وبنحوه قال الخرشي المالكي(17)، وكذلك قال الشربيني الشافعي: "ويعتبر فيمن يصير مرتدا...أن يكون مكلَّفا مختاراً، وحينئذ لا تصح ردة صبي ولو مميزاً، ولا ردة مجنون، لعدم تكليفهما، فلا اعتداد بقولهما واعتقادهما"(18). وبمثله قال ابن قدامة(19)، وزاد: والأفضل للمكره على كلمة الكفر ألاَّ يقولها، لما روى خباب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه»(20). وبنحو قول ابن قدامة، قال أبو النجا الحجاوي.(21)
وإذا كان العقل شرطاً لصحة الردة، فهل ردة السكران معتبرة، أم أنها غير معتبرة؟
اختلف الفقهاء في ردة السكران، فقال الحنفية(22) والمالكية(23) والحنابلة في إحدى روايتيهم(24): إن السكران الذي فقد الإدراك والتمييز، يعتبر مثل المجنون، فلا تصح ردته؛ لأن الردة تبنى على تبدل الاعتقاد، والسكران غير معتقدٍ لما يقول.
وقال الحنفية في إحدى روايتهم(25)، والشافعية(26)، والحنابلة في إحدى روايتيهم(27): إن السكران الذي تعدى بسكره، تعتبر ردَّتة صحيحة، وتطبَّق عليه أحكام المرتد.(28)
وإن كان بعض الفقهاء في هذه التصرفات التي تصدر من السكران وغيرها، يفرِّقون بين من كان عنده نوعٌ من العقل، وبين من كان سكره مطبق، فيلزمونه بآثار تصرفاته في الحالة الأولى، دون الأخرى، وهذا مسلك جيد.(29)
الأمور التي تقع بها الردة:
الردَّة تقع بأحدِ هذه الأمور:
1. إمَّا بالاعتقاد.
2. أو بالقول.
3. أو بالفعل.
وإليك بيان أقوال الفقهاء في تفصيل الاعتقادات والأقوال والأفعال التي تحصل بها الردة.
جاء في مختصر خليل للمالكية: أن الأمور التي يقع بها الردة، هي كفر المسلم بصريح، أو لفظ يقتضيه، أو فعل يتضمنه: كإلقاء مصحف بقذر، وشد زنّار، أو أنه جوزَّ اكتساب النبوة، أو ادَّعى أنه يصعد للسماء، أو يعانق الحور، أو استحَلَّ الحرام: كشرب الخمر.(30)
وجاء في مغني المحتاج للشافعية: أن الردة تحصل بأمور، وهي:
1. النية بالكفر، قال: ليدخل من عزم على الكفر في المستقبل، لكن قد انتقد عليه أصحابه في المذهب، فقالوا: ينبغي أن يكون التعبير بالعزم على الكفر، وليس بمجرد النية.
2. القول المكَفِّر، سواء قاله استهزاء أو عناداً أو اعتقاداً، لقوله تعالى: ﴿قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65- 66].
ثم فصَّل الشربيني في القول المكفِّر، فقال: فمن نفى الصانع... أو نفى الرسل بأن قال لم يرسلهم الله، أو نفى نبوة نبي، أو ادعى نبوةً بعد نبينا -صلى الله عليه وسلم- أو صدَّق مدعيها، أو قال النبوة مكتسبة أو تنال رتبتها بصفاء القلوب، أو أوحي إلي ولم يدَّع نبوة، أو كذَّب رسولاً أو نبياً، أو سَبَّه، أو استخفّ به، أو باسمه، أو باسم الله، أو أمرِه، أو وعدِه، أو وعيده، أو جحد آية من القرآن مجمعاً على ثبوتها، أو زاد فيه آية معتقداً أنها منه، أو استخفّ بسنَّةٍ كما لو قيل له: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أكل لعِق أصابعه الثلاثة(31)، فقال: ليس هذا بأدب، أو قيل له: قلِّم أظفارك فإنه سنَّة. فقال: لا أفعل، أو قال لو أمرني الله ورسوله بكذا لم أفعل، أو لو جعل الله القبلة هنا لم أصلِّ إليها، أو لو اتخذ الله فلانا نبياً لم أصدِّقه، ولو شهد عندي نبي بكذا أو ملك لم أقبله، أو قال إن كان ما قاله الأنبياء صدقاً نجونا أو لا أدري النبي أنسي أو جني،... أو صغَّر اسم الله تعالى، أو قال لا أدري ما الإيمان احتقاراً أو قال لمن حوقل لا حول: لا تغني من جوع. أو لو أوجب الله الصلاة عليّ مع مرضي هذا لظلمني، أو سمَّى الله على شرب خمرٍ أو زنا استخفافاً باسمه تعالى، أو لم يكفِّر من دان بغير الإسلام كالنصارى أو شك في كفرهم، أو حلَّلَ محرماً بالإجماع كالزنا، وعكسه بأن حرَّم حلالاً بالإجماع كالبيع والنكاح، أو نفى وجوب مجمعٍ عليه، كان نفي وجوب ركعة من الصلوات الخمس، أو عكسه بأن اعتقد وجوب ما ليس بواجب بالإجماع كزيادة ركعة من الصلاة المفروضة(32).
3. الفعل المكَفِّر.
ثم فصَّل الشربيني في الفعل المكفِّر، فقال: والفعل المكفر ما تعمده صاحبه استهزاء صريحاً بالدين أو جحوداً له كإلقاء مصحف بقاذورةٍ؛ لأنه صريحٌ في الاستخفاف بكلام الله تعالى والاستخفاف بالكلام استخفاف بالمتكلم، وكذلك سجود لصنم، أو سجود لشمس أو غيرها من المخلوقات.(33)
وقال ابن ضويان الحنبلي: ويحصل الكفر بأحدِ أربعة أمور:
1. القول: كسبِّ الله تعالى أو رسوله أو ملائكته؛ لأنه لا يسبُّه، إلا وهو جاحد به، أو ادَّعى النبوة، أو تصديق من ادَّعاها؛ لأن ذلك تكذيبٌ لله تعالى في قوله: ﴿وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب: 40].
2. أو الشركة له تعالى، لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِه﴾ [النساء: 48]. قلت: الشركة له تعالى: إمَّا أن يكون قولاً أو فعلاً أو اعتقاداً.
3. بالفعل: كالسجود للصنم ونحوه كشمسٍ وقمرٍ وشجرٍ وحجرٍ وقبرٍ؛ لأنه إشراك بالله تعالى، وكإلقاء المصحف في قاذورة، أو ادّعى اختلافه أو القدرة على مثله؛ لأن ذلك تكذيب له.
4. بالاعتقاد: كاعتقاد الشريك له تعالى، أو الصاحبة، أو الولد لقوله تعالى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ﴾ [المؤمنون: 91]. أو أنَّ الزنا والخمر حلال، أو أن الخبز حرام ونحو ذلك مما أجمَع عليه العلماء إجماعاً قطعياً؛ لأن ذلك معاندةٌ للإسلام وامتناعٌ من قبول أحكامه، ومخالفةٌ للكتاب والسنة وإجماع الأمة، وكذلك بالشك في تحريم الزنا والخمر، أو في حلِّ الخبز ونحوه، مما لا يجهله، لكونه نشأ بين المسلمين، أما إن كان يجهله مثله لحداثة عهده بالإسلام أو الإفاقة من جنون ونحوه: لم يكفَّر، فإن عرف حكمه ودليله، ثم أصرَّ على خلافه، فإنه يكفر؛ لأن أدلة هذه الأمور ظاهرة من كتاب الله وسنة رسوله، ولا يصدر إنكارها إلا من مكذبٍ لكتاب الله وسنة رسوله.(34)
وقال أبو النجا الحجاوي الحنبلي: "فمن أشرك بالله، أو جحد ربوبيته، أو وحدانيته، أو صفةً من صفاته، أو اتخذ له صاحبةً، أو ولداً، أو ادَّعى النبوة، أو صدَّق من ادَّعاها، أو جحد نبياً، أو كتاباً من كتب الله أو شيئاً منه، أو جحد الملائكة، أو البعث، أو سَبَّ الله، أو رسوله، أو استهزأ بالله، أو كتبه أو رسله،... أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم... أو سجد لصنمٍ أو شمسٍ أو قمر، أو أتى بقولٍ أو فعلٍ صريح في الاستهزاء بالدين، أو وُجِد منه امتهانُ القرآن، أو طلب تناقضه، أو دعوى أنه مختلف، أو مختلق، أو مقدور على مثله، أو إسقاط لحرمته، أو أنكر الإسلام أو الشهادتين أو أحدهما كفر... أو قذف النبي -صلى الله عليه وسلم- أو أُمَّه... أو سخِر بوعد الله أو بوعيده، أو لم يكفِّر من دان بغير الإسلام: كالنصارى، أو شكّ في كفرهم، أو صحَّح مذهبهم، أو قال قولاً يتوصل به إلى تضليل الأمة أو تكفير الصحابة"(35).
تقدَّم من أقوال الفقهاء، أنّ الردة قد تكون بإنكار المجمع عليه، فما هو ضابط منكر المجمع عليه، والذي تقع به الردة؟
قال السيوطي في الأشباه والنظائر: "ضابط منكر المجمع عليه أقسام: أحدها: ما نكفره قطعاً، وهو ما فيه نصٌّ وعُلم من الدين بالضرورة، بأن كان من أمور
الإسلام الظاهرة التي يشترك في معرفتها الخواص والعوام، كالصلاة والزكاة والصوم والحج وتحريم الزنا ونحوه.
الثاني: ما لا نكفره قطعاً، وهو مالا يعرفه إلا الخواص ولا نص فيه، كفساد الحج بالجماع قبل الوقوف.
الثالث: ما يكفر به على الأصح، وهو المشهور المنصوص عليه الذي لم يبلغ رتبة الضرورة كحل البيع وكذا غير المنصوص على ما صححه النووي.
الرابع: ما لا -أي مالا يكفر به- على الأصح، وهو ما فيه نص لكنه خفي غير مشهور، كاستحقاق بنت الابن السدس مع بنت الصلب"(36).
ولمزيدٍ من التفصيل في الاعتقادات والأقوال والأفعال التي تقع بها الردة يُنظر ما قاله الخرشي(37)، وابن قدامة (38)، وابن تيمية(39)، وغيرهم(40).
فهذه الأمور المتقدمة من الاعتقادات والأقوال والأفعال، تقع بها الردة، ويطبَّق على صاحبها أحكام المرتد، إلا أن هذه الأحكام لا تطبَّق إلا على من ثبتت عليه الردة، وتحققت فيه، فبم تثبت الردة؟ هذا ما سأختم به هذا البحث.
بم تثبت الرِّدَّة؟
الرِّدّة تثبت على صاحبها بأمرين اثنين:
1. الإقرار.
2. البيِّنة.
قال ابن قدامة: "وتثبت الردة بشيئين: الإقرار والبينة، فمتى شهد بالردة على المرتد من ثبتت الردة بشهادته فأنكر لم يسمع إنكاره واستتيب فإن تاب وإلا قتل، وحكي عن بعض أصحاب أبي حنيفة: أن إنكاره -أي المرتد- يكفي في الرجوع إلى الإسلام... وتقبل الشهادة على الردة من عدلين في قول أكثر أهل العلم"(41).
إلا أن الفقهاء قد اختلفوا في الشهادة على شخص بالردة، هل تكون هذه الشهادة على وجه الإطلاق أم على وجه التفصيل؟ (42)
والصحيح -والله أعلم- أن الشهادة لا تقبل إلا مفصَّلة، نظراً لاختلاف المذاهب في التكفير، ولأن الحكم بالرِّدة عظيم، فيجب أن يحتاط له، وذلك من خلال استفسار الشاهد عن شهادته. قال الشربيني: "وتقبل الشهادة بالردة مطلقاً أي على وجه الإطلاق ويقضى بها من غير تفصيل؛ لأن الردة لخطرها لا يقدم الشاهد بها إلا عن بصيرة. وقيل: يجب التفصيل، أي استفسار الشاهد بها لاختلاف المذاهب في التكفير، والحكم بالردة عظيم فيحتاط له"(43).
وقال صاحب التاج والإكليل لمختصر خليل: "لا ينبغي أن تقبل الشهادة على الردة دون تفصيل لاختلاف المذاهب في التكفير"(44).
الخاتمة:
نسأل الله تعالى أن يعصمنا من الاعتقادات والأقوال والأفعال التي تقع بها الردِّة، ومن سائر الكبائر، وأن يتوفنا مسلمين.
والله تعالى أعلم, والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه وسلّم.
كتبه الفقير إلى عفو ربه/ يونس عبد الرب فاضل الطلول.
بتاريخ 20 شعبان 1428هـ الموافق 2/ 9/ 2007 م.
راجعه الفقير إلى عفو ربه العلي: علي بن عبد الرحمن بن علي دبيس.
______________________
(1) التعاريف 1/ 361.
(2) لسان العرب 3/ 172.
(3) القاموس المحيط 1/ 360.
(4) مختار الصحاح 1/ 267.
(5) المصباح المنير 1/ 224، وانظر: العين 8/ 7.
(6) مغني المحتاج 4/ 133.
(7) الروض المربع 1/ 681، الإقناع 4/ 297.
(8) بدائع الصنائع 6/ 117.
(9) شرح مختصر خليل للخرشي 23/ 92.
(10) شرح مختصر خليل للخرشي 23/ 92.
(11) الكافي في فقه ابن حنبل 4/ 59، الشرح الكبير 10/ 72.
(12) التحرير والتنوير 1/ 605.
(13) فتح القدير 1/ 331.
(14) زاد المستقنع 1/ 681، منار السبيل 2/ 272.
(15) انظر: التحرير والتنوير 1/ 603.
(16) انظر: بدائع الصنائع 6/ 117، وانظر: تحفة الملوك 1/ 195.
(17) شرح مختصر خليل للخرشي 23/ 92.
(18) مغني المحتاج 4/ 137، وانظر: الأم 6/ 226.
(19) الكافي في فقه ابن حنبل 4/ 59، وانظر: الشرح الكبير 10/ 85.
(20) انظر: الكافي في فقه ابن حنبل 4/ 59. والحديث في صحيح البخاري 3/ 1322، برقم: 3416.
(21) الإقناع 4/ 306.
(22) بدائع الصنائع 6/ 117.
(23) التاج والإكليل لمختصر خليل 12/ 73.
(24) الشرح الكبير 10/ 85.
(25) بدائع الصنائع 6/ 117.
(26) مغني المحتاج 4/ 133.
(27) الشرح الكبير 10/ 85.
(28) الفقه على المذاهب الأربعة 5/ 204.
(29) انظر: حاشية الصاوي على الشرح الصغير 10/ 373.
(30) مختصر خليل1/ 251.
(31) صحيح مسلم 3/ 1605، برقم: 2032.
(32) مغني المحتاج 4/ 134- 135.
(33) انظر: مغني المحتاج 4/ 136، وانظر: شرح مختصر خليل للخرشي 23/ 92.
(34) انظر: منار السبيل 2/ 272.
(35) الإقناع 4/ 297.
(36) الأشباه والنظائر 1/ 744.
(37) شرح مختصر خليل للخرشي 23/ 92.
(38) الكافي في فقه ابن حنبل 4/ 59، الشرح الكبير 10/ 73، العمدة 1/ 561.
(39) الفتاوى الكبرى 5/ 535.
(40) الإقناع 4/ 299، زاد المستقنع 1/ 681، الروض المربع 1/ 681.
(41) الشرح الكبير10/ 103.
(42) انظر: الأم 6/ 175، وانظر: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 25/ 451، وانظر: الشرح الكبير10/ 103.
(43) مغني المحتاج 4/ 138.
(44) التاج والإكليل لمختصر خليل 12/ 50.
المصدر
الأمور التي تقع بها الرِّدّة
يونس عبد الرب فاضل الطلول
المقدمة:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف المرسلين، محمّد صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد:
فإنَّ الله تعالى أَمَر عباده بأوامرَ متعددة، تحقق المصلحة لهم في الدنيا والآخرة، ومن هذه الأوامر: أن أمَرَهم بالالتزام بالإسلام، والاستمساك به، والثبات عليه إلى أن يأتي الموت. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
ونعمة الإسلام والعمل به، هي أفضل نعمةٍ في هذه الحياة؛ وذلك لما يتحقق فيها من مصالح عاجلة وآجلة، ولأنها تدوم لصاحبها إلى الآخرة، وتنجيه من الخسارة، قال تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85].
ومن شرائط الالتزام بالإسلام، والحفاظ على هذه النعمة العظيمة، عدم صدور اعتقادٍ أو قولٍ أو فعلٍ منافٍ له؛ لأن معنى الإسلام هو الاستسلام والخضوع لله تعالى وشرعه، وهذه الأمور التي تصدر من صاحبها، والتي هي منافية لما التزم به، دالَّةٌ على عدم الاستسلام والرضا بالدين الإسلامي، ولذلك فقد اعتبرها العلماء من الأمور التي تحصل بها الردة عن الدين.
فما هي هذه الاعتقادات والأقوال والأفعال التي تقع بها الردة؟
هذا ما أحببت أن أكتب فيه في هذا البحث المتواضع، والذي هو بعنوان: (الأمور التي تقع بها الرِّدّة).
وسيكون السير في هذا البحث على النحو التالي:
1. تعريف الرِّدة.
2. ممن تكون الردة؟
3. الأمور التي تقع بها الردة.
4. بم تثبت الردة؟
5. الخاتمة.
وهناك تكملة لهذا البحث في وقتٍ آخر للحديث عن أحكام الردة.
فأقول مستعيناً بالله، وهو حسبي ونعم الوكيل:
تعريف الردة:
أ: تعريف الرِّدة في اللغة:
الرِّدة في اللغة: هي الرجوع عن الشيء.
قال المناوي في التعاريف: "الردة لغةً: الرجوع عن الشيء إلى غيره"(1). وقال ابن منظور: "الردَّة عن الإِسلام، أَي الرجوع عنه، وارتدَّ فلان عن دينه: إِذا كفر بعد إِسلامه... والرِّدّة بالكسر: مصدر قولك: ردَّه يَرُدُّه رَدّاً ورِدَّة. والرِّدَّةُ: الاسم من الارتداد"(2). وبنحوه قال الفيروزآبادي(3)، والرازي(4)، والفيومي(5)، وغيرهم.
ب: تعريف الرِّدة في الشرع:
الرِّدة في الشَّرع: هي الكفر بعد الإسلام. قال الشربيني: الرِّدة هي "قطع استمرار الإسلام ودوامه"(6). على أن يكون هذا القطع طوعاً، أي باختياره من غير إكراهٍ عليه.(7) وبنحو هذا التعريف عرَّف الكاساني(8)، والقرافي(9) والخرشي(10) وابن قدامة(11) وابن عاشور(12) والشوكاني(13) وغيرهم(14). قال الله تعالى: ﴿وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: 217].
وفي كلمة: (يرتدد) وهي صيغة مطاوعة: إشارة إلى أن هذا الرجوع عن الإسلام -إن قدر حصوله- لا يكون إلا عن محاولة من المشركين، فإنَّ من ذاق حلاوة الإيمان لا يسهل عليه رجوعه عنه، ومن عرف الحق لا يرجع عنه إلا بعناء.
وفي كلمة (عن دينه): لم يذكر الدِّين الذي يرجع إليه المرتد؛ إذ لا اعتبار بالدين المرجوع إليه، وإنما نيط الحكم بالارتداد عن الإسلام إلى أي دين.(15)
ممن تكون الردة؟
الردة المعتبرة شرعاً والتي يترتَّب عليها آثارها الشرعية، إنما تكون من مسلمٍ عاقلٍ بالغٍ مختار.
فقد نصَّ الحنفية على أن شرائط صحة الردة التي يترتب عليها آثارها ثلاثة:
1. العقل.
2. البلوغ، وقد اختُلف فيه في المذهب.
3. الطَّوع، فلا تصح ردة المكره على الردة إذا كان قلبه مطمئناً بالإيمان.(16) وبنحوه قال الخرشي المالكي(17)، وكذلك قال الشربيني الشافعي: "ويعتبر فيمن يصير مرتدا...أن يكون مكلَّفا مختاراً، وحينئذ لا تصح ردة صبي ولو مميزاً، ولا ردة مجنون، لعدم تكليفهما، فلا اعتداد بقولهما واعتقادهما"(18). وبمثله قال ابن قدامة(19)، وزاد: والأفضل للمكره على كلمة الكفر ألاَّ يقولها، لما روى خباب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه»(20). وبنحو قول ابن قدامة، قال أبو النجا الحجاوي.(21)
وإذا كان العقل شرطاً لصحة الردة، فهل ردة السكران معتبرة، أم أنها غير معتبرة؟
اختلف الفقهاء في ردة السكران، فقال الحنفية(22) والمالكية(23) والحنابلة في إحدى روايتيهم(24): إن السكران الذي فقد الإدراك والتمييز، يعتبر مثل المجنون، فلا تصح ردته؛ لأن الردة تبنى على تبدل الاعتقاد، والسكران غير معتقدٍ لما يقول.
وقال الحنفية في إحدى روايتهم(25)، والشافعية(26)، والحنابلة في إحدى روايتيهم(27): إن السكران الذي تعدى بسكره، تعتبر ردَّتة صحيحة، وتطبَّق عليه أحكام المرتد.(28)
وإن كان بعض الفقهاء في هذه التصرفات التي تصدر من السكران وغيرها، يفرِّقون بين من كان عنده نوعٌ من العقل، وبين من كان سكره مطبق، فيلزمونه بآثار تصرفاته في الحالة الأولى، دون الأخرى، وهذا مسلك جيد.(29)
الأمور التي تقع بها الردة:
الردَّة تقع بأحدِ هذه الأمور:
1. إمَّا بالاعتقاد.
2. أو بالقول.
3. أو بالفعل.
وإليك بيان أقوال الفقهاء في تفصيل الاعتقادات والأقوال والأفعال التي تحصل بها الردة.
جاء في مختصر خليل للمالكية: أن الأمور التي يقع بها الردة، هي كفر المسلم بصريح، أو لفظ يقتضيه، أو فعل يتضمنه: كإلقاء مصحف بقذر، وشد زنّار، أو أنه جوزَّ اكتساب النبوة، أو ادَّعى أنه يصعد للسماء، أو يعانق الحور، أو استحَلَّ الحرام: كشرب الخمر.(30)
وجاء في مغني المحتاج للشافعية: أن الردة تحصل بأمور، وهي:
1. النية بالكفر، قال: ليدخل من عزم على الكفر في المستقبل، لكن قد انتقد عليه أصحابه في المذهب، فقالوا: ينبغي أن يكون التعبير بالعزم على الكفر، وليس بمجرد النية.
2. القول المكَفِّر، سواء قاله استهزاء أو عناداً أو اعتقاداً، لقوله تعالى: ﴿قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65- 66].
ثم فصَّل الشربيني في القول المكفِّر، فقال: فمن نفى الصانع... أو نفى الرسل بأن قال لم يرسلهم الله، أو نفى نبوة نبي، أو ادعى نبوةً بعد نبينا -صلى الله عليه وسلم- أو صدَّق مدعيها، أو قال النبوة مكتسبة أو تنال رتبتها بصفاء القلوب، أو أوحي إلي ولم يدَّع نبوة، أو كذَّب رسولاً أو نبياً، أو سَبَّه، أو استخفّ به، أو باسمه، أو باسم الله، أو أمرِه، أو وعدِه، أو وعيده، أو جحد آية من القرآن مجمعاً على ثبوتها، أو زاد فيه آية معتقداً أنها منه، أو استخفّ بسنَّةٍ كما لو قيل له: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أكل لعِق أصابعه الثلاثة(31)، فقال: ليس هذا بأدب، أو قيل له: قلِّم أظفارك فإنه سنَّة. فقال: لا أفعل، أو قال لو أمرني الله ورسوله بكذا لم أفعل، أو لو جعل الله القبلة هنا لم أصلِّ إليها، أو لو اتخذ الله فلانا نبياً لم أصدِّقه، ولو شهد عندي نبي بكذا أو ملك لم أقبله، أو قال إن كان ما قاله الأنبياء صدقاً نجونا أو لا أدري النبي أنسي أو جني،... أو صغَّر اسم الله تعالى، أو قال لا أدري ما الإيمان احتقاراً أو قال لمن حوقل لا حول: لا تغني من جوع. أو لو أوجب الله الصلاة عليّ مع مرضي هذا لظلمني، أو سمَّى الله على شرب خمرٍ أو زنا استخفافاً باسمه تعالى، أو لم يكفِّر من دان بغير الإسلام كالنصارى أو شك في كفرهم، أو حلَّلَ محرماً بالإجماع كالزنا، وعكسه بأن حرَّم حلالاً بالإجماع كالبيع والنكاح، أو نفى وجوب مجمعٍ عليه، كان نفي وجوب ركعة من الصلوات الخمس، أو عكسه بأن اعتقد وجوب ما ليس بواجب بالإجماع كزيادة ركعة من الصلاة المفروضة(32).
3. الفعل المكَفِّر.
ثم فصَّل الشربيني في الفعل المكفِّر، فقال: والفعل المكفر ما تعمده صاحبه استهزاء صريحاً بالدين أو جحوداً له كإلقاء مصحف بقاذورةٍ؛ لأنه صريحٌ في الاستخفاف بكلام الله تعالى والاستخفاف بالكلام استخفاف بالمتكلم، وكذلك سجود لصنم، أو سجود لشمس أو غيرها من المخلوقات.(33)
وقال ابن ضويان الحنبلي: ويحصل الكفر بأحدِ أربعة أمور:
1. القول: كسبِّ الله تعالى أو رسوله أو ملائكته؛ لأنه لا يسبُّه، إلا وهو جاحد به، أو ادَّعى النبوة، أو تصديق من ادَّعاها؛ لأن ذلك تكذيبٌ لله تعالى في قوله: ﴿وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب: 40].
2. أو الشركة له تعالى، لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِه﴾ [النساء: 48]. قلت: الشركة له تعالى: إمَّا أن يكون قولاً أو فعلاً أو اعتقاداً.
3. بالفعل: كالسجود للصنم ونحوه كشمسٍ وقمرٍ وشجرٍ وحجرٍ وقبرٍ؛ لأنه إشراك بالله تعالى، وكإلقاء المصحف في قاذورة، أو ادّعى اختلافه أو القدرة على مثله؛ لأن ذلك تكذيب له.
4. بالاعتقاد: كاعتقاد الشريك له تعالى، أو الصاحبة، أو الولد لقوله تعالى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ﴾ [المؤمنون: 91]. أو أنَّ الزنا والخمر حلال، أو أن الخبز حرام ونحو ذلك مما أجمَع عليه العلماء إجماعاً قطعياً؛ لأن ذلك معاندةٌ للإسلام وامتناعٌ من قبول أحكامه، ومخالفةٌ للكتاب والسنة وإجماع الأمة، وكذلك بالشك في تحريم الزنا والخمر، أو في حلِّ الخبز ونحوه، مما لا يجهله، لكونه نشأ بين المسلمين، أما إن كان يجهله مثله لحداثة عهده بالإسلام أو الإفاقة من جنون ونحوه: لم يكفَّر، فإن عرف حكمه ودليله، ثم أصرَّ على خلافه، فإنه يكفر؛ لأن أدلة هذه الأمور ظاهرة من كتاب الله وسنة رسوله، ولا يصدر إنكارها إلا من مكذبٍ لكتاب الله وسنة رسوله.(34)
وقال أبو النجا الحجاوي الحنبلي: "فمن أشرك بالله، أو جحد ربوبيته، أو وحدانيته، أو صفةً من صفاته، أو اتخذ له صاحبةً، أو ولداً، أو ادَّعى النبوة، أو صدَّق من ادَّعاها، أو جحد نبياً، أو كتاباً من كتب الله أو شيئاً منه، أو جحد الملائكة، أو البعث، أو سَبَّ الله، أو رسوله، أو استهزأ بالله، أو كتبه أو رسله،... أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم... أو سجد لصنمٍ أو شمسٍ أو قمر، أو أتى بقولٍ أو فعلٍ صريح في الاستهزاء بالدين، أو وُجِد منه امتهانُ القرآن، أو طلب تناقضه، أو دعوى أنه مختلف، أو مختلق، أو مقدور على مثله، أو إسقاط لحرمته، أو أنكر الإسلام أو الشهادتين أو أحدهما كفر... أو قذف النبي -صلى الله عليه وسلم- أو أُمَّه... أو سخِر بوعد الله أو بوعيده، أو لم يكفِّر من دان بغير الإسلام: كالنصارى، أو شكّ في كفرهم، أو صحَّح مذهبهم، أو قال قولاً يتوصل به إلى تضليل الأمة أو تكفير الصحابة"(35).
تقدَّم من أقوال الفقهاء، أنّ الردة قد تكون بإنكار المجمع عليه، فما هو ضابط منكر المجمع عليه، والذي تقع به الردة؟
قال السيوطي في الأشباه والنظائر: "ضابط منكر المجمع عليه أقسام: أحدها: ما نكفره قطعاً، وهو ما فيه نصٌّ وعُلم من الدين بالضرورة، بأن كان من أمور
الإسلام الظاهرة التي يشترك في معرفتها الخواص والعوام، كالصلاة والزكاة والصوم والحج وتحريم الزنا ونحوه.
الثاني: ما لا نكفره قطعاً، وهو مالا يعرفه إلا الخواص ولا نص فيه، كفساد الحج بالجماع قبل الوقوف.
الثالث: ما يكفر به على الأصح، وهو المشهور المنصوص عليه الذي لم يبلغ رتبة الضرورة كحل البيع وكذا غير المنصوص على ما صححه النووي.
الرابع: ما لا -أي مالا يكفر به- على الأصح، وهو ما فيه نص لكنه خفي غير مشهور، كاستحقاق بنت الابن السدس مع بنت الصلب"(36).
ولمزيدٍ من التفصيل في الاعتقادات والأقوال والأفعال التي تقع بها الردة يُنظر ما قاله الخرشي(37)، وابن قدامة (38)، وابن تيمية(39)، وغيرهم(40).
فهذه الأمور المتقدمة من الاعتقادات والأقوال والأفعال، تقع بها الردة، ويطبَّق على صاحبها أحكام المرتد، إلا أن هذه الأحكام لا تطبَّق إلا على من ثبتت عليه الردة، وتحققت فيه، فبم تثبت الردة؟ هذا ما سأختم به هذا البحث.
بم تثبت الرِّدَّة؟
الرِّدّة تثبت على صاحبها بأمرين اثنين:
1. الإقرار.
2. البيِّنة.
قال ابن قدامة: "وتثبت الردة بشيئين: الإقرار والبينة، فمتى شهد بالردة على المرتد من ثبتت الردة بشهادته فأنكر لم يسمع إنكاره واستتيب فإن تاب وإلا قتل، وحكي عن بعض أصحاب أبي حنيفة: أن إنكاره -أي المرتد- يكفي في الرجوع إلى الإسلام... وتقبل الشهادة على الردة من عدلين في قول أكثر أهل العلم"(41).
إلا أن الفقهاء قد اختلفوا في الشهادة على شخص بالردة، هل تكون هذه الشهادة على وجه الإطلاق أم على وجه التفصيل؟ (42)
والصحيح -والله أعلم- أن الشهادة لا تقبل إلا مفصَّلة، نظراً لاختلاف المذاهب في التكفير، ولأن الحكم بالرِّدة عظيم، فيجب أن يحتاط له، وذلك من خلال استفسار الشاهد عن شهادته. قال الشربيني: "وتقبل الشهادة بالردة مطلقاً أي على وجه الإطلاق ويقضى بها من غير تفصيل؛ لأن الردة لخطرها لا يقدم الشاهد بها إلا عن بصيرة. وقيل: يجب التفصيل، أي استفسار الشاهد بها لاختلاف المذاهب في التكفير، والحكم بالردة عظيم فيحتاط له"(43).
وقال صاحب التاج والإكليل لمختصر خليل: "لا ينبغي أن تقبل الشهادة على الردة دون تفصيل لاختلاف المذاهب في التكفير"(44).
الخاتمة:
نسأل الله تعالى أن يعصمنا من الاعتقادات والأقوال والأفعال التي تقع بها الردِّة، ومن سائر الكبائر، وأن يتوفنا مسلمين.
والله تعالى أعلم, والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه وسلّم.
كتبه الفقير إلى عفو ربه/ يونس عبد الرب فاضل الطلول.
بتاريخ 20 شعبان 1428هـ الموافق 2/ 9/ 2007 م.
راجعه الفقير إلى عفو ربه العلي: علي بن عبد الرحمن بن علي دبيس.
______________________
(1) التعاريف 1/ 361.
(2) لسان العرب 3/ 172.
(3) القاموس المحيط 1/ 360.
(4) مختار الصحاح 1/ 267.
(5) المصباح المنير 1/ 224، وانظر: العين 8/ 7.
(6) مغني المحتاج 4/ 133.
(7) الروض المربع 1/ 681، الإقناع 4/ 297.
(8) بدائع الصنائع 6/ 117.
(9) شرح مختصر خليل للخرشي 23/ 92.
(10) شرح مختصر خليل للخرشي 23/ 92.
(11) الكافي في فقه ابن حنبل 4/ 59، الشرح الكبير 10/ 72.
(12) التحرير والتنوير 1/ 605.
(13) فتح القدير 1/ 331.
(14) زاد المستقنع 1/ 681، منار السبيل 2/ 272.
(15) انظر: التحرير والتنوير 1/ 603.
(16) انظر: بدائع الصنائع 6/ 117، وانظر: تحفة الملوك 1/ 195.
(17) شرح مختصر خليل للخرشي 23/ 92.
(18) مغني المحتاج 4/ 137، وانظر: الأم 6/ 226.
(19) الكافي في فقه ابن حنبل 4/ 59، وانظر: الشرح الكبير 10/ 85.
(20) انظر: الكافي في فقه ابن حنبل 4/ 59. والحديث في صحيح البخاري 3/ 1322، برقم: 3416.
(21) الإقناع 4/ 306.
(22) بدائع الصنائع 6/ 117.
(23) التاج والإكليل لمختصر خليل 12/ 73.
(24) الشرح الكبير 10/ 85.
(25) بدائع الصنائع 6/ 117.
(26) مغني المحتاج 4/ 133.
(27) الشرح الكبير 10/ 85.
(28) الفقه على المذاهب الأربعة 5/ 204.
(29) انظر: حاشية الصاوي على الشرح الصغير 10/ 373.
(30) مختصر خليل1/ 251.
(31) صحيح مسلم 3/ 1605، برقم: 2032.
(32) مغني المحتاج 4/ 134- 135.
(33) انظر: مغني المحتاج 4/ 136، وانظر: شرح مختصر خليل للخرشي 23/ 92.
(34) انظر: منار السبيل 2/ 272.
(35) الإقناع 4/ 297.
(36) الأشباه والنظائر 1/ 744.
(37) شرح مختصر خليل للخرشي 23/ 92.
(38) الكافي في فقه ابن حنبل 4/ 59، الشرح الكبير 10/ 73، العمدة 1/ 561.
(39) الفتاوى الكبرى 5/ 535.
(40) الإقناع 4/ 299، زاد المستقنع 1/ 681، الروض المربع 1/ 681.
(41) الشرح الكبير10/ 103.
(42) انظر: الأم 6/ 175، وانظر: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 25/ 451، وانظر: الشرح الكبير10/ 103.
(43) مغني المحتاج 4/ 138.
(44) التاج والإكليل لمختصر خليل 12/ 50.
المصدر