Tawasul dan Kebodohan Wahabi Salafi (2)
Tawassul dan Kebodohan Wahabi Salafi (2)
(3) - وقال في الجزء الثاني من منهاج السنة ص 62 بعد ثرثرة ذم فيها جميع فرق المسلمين من المتكلمين مصرحا بأنهم عبدوا غير الله لجهلهم توحيد الألوهية وإثبات حقائق أسماء الله، ما نصه: فإنهم قصروا عن معرفة الأدلة العقلية التي ذكرها الله في كتابه فعدلوا عنها إلى طرق أخرى مبتدعة فيها من الباطل ما لأجله خرجوا عن بعض الحق المشترك بينهم وبين غيرهم، ودخلوا في بعض الباطل المبدع، وأخرجوا من التوحيد ما هو منه كتوحيد الإلهية، وإثبات حقائق أسماء الله وصفاته
Tawassul dan Kebodohan Wahabi Salafi (2)
ص 26
(3) - وقال في الجزء الثاني من منهاج السنة ص 62 بعد ثرثرة ذم فيها جميع فرق المسلمين من المتكلمين مصرحا بأنهم عبدوا غير الله لجهلهم توحيد الألوهية وإثبات حقائق أسماء الله، ما نصه: فإنهم قصروا عن معرفة الأدلة العقلية التي ذكرها الله في كتابه فعدلوا عنها إلى طرق أخرى مبتدعة فيها من الباطل ما لأجله خرجوا عن بعض الحق المشترك بينهم وبين غيرهم، ودخلوا في بعض الباطل المبدع، وأخرجوا من التوحيد ما هو منه كتوحيد الإلهية، وإثبات حقائق أسماء الله وصفاته، ولم يعرفوا من التوحيد إلا توحيد الربوبية، وهو الإقرار بأن الله خالق كل شيء وهذا التوحيد كان يقر به المشركون الذين قال الله عنهم: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله)، وقال تعالى: (قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون الله، الآيات). وقال عنهم: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)، فالطائفة من السلف تقول لهم من خلق السماوات والأرض فيقولون الله، وهم مع ذلك يعبدون غيره، وإنما التوحيد الذي أمر الله به العباد هو توحيد الألوهية المتضمن توحيد الربوبية، بأن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا فيكون الدين كله لله إ ه. (4): وقال في رسالة أهل الصفة ص 34: توحيد الربوبية وحده لا ينفي الكفر ولا يكفي إ ه. أقول: قد لبس ابن تيمية في تآليفه على العامة وأشباههم من المتفقهة كثيرا بالسلف الصالح والكتاب والسنة لترويج هواه في سوقهم ولكنه في هذا الكلام صرح بهواه ولم يلصقه بهما ولا بالسلف وإني بحول الله وتوفيقه أكيل له بصاعه الذي لبس به على البسطاء تكيلا حقيقيا وافيا، مبرهنا فأقول كلامه هذا في الأربعة المواضع باطل باثنين وثلاثين وجها.
ص 27
اثنان وثلاثين وجها لبطلان كلام ابن تيمية
الوجه الأول:
لم يقل الإمام أحمد بن حنبل الذي انتسب إليه كذبا لأصحابه: إن التوحيد قسمان: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وإن من لم يعرف توحيد الألوهية لا تعتبر معرفته لتوحيد الربوبية لأن هذا يعرفه المشركون، وهذا عقيدة الإمام أحمد مدونة في مصنفات أتباعه في مناقبه لابن الجوزي وفي غيره ليس فيه هذا الهذيان.
الوجه الثاني:
لم يقل أي واحد من أتباع التابعين لأصحابه إن التوحيد قسمان: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وإن من لم يعرف توحيد الألوهية لا يعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية، فلو اجتمع معه الثقلان على إثباته عن أي واحد منهم لا يستطيعون.
الوجه الثالث:
لم يقل أي واحد من التابعين لأصحابه إن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، فلو اجتمع معه الثقلان على إثباته عن أي واحد منهم لا يستطيعون.
الوجه الرابع:
لم يقل أي صحابي من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورضي عنهم أن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وإن من لم يعرف توحيد الألوهية لا يعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية لأن هذا يعرفه المشركون، وإني أتحدى كل من له إلمام بالعلم أن ينقل لنا هذا التقسيم المخترع عنهم ولو برواية واهية.
ص 28
الوجه الخامس:
لم يأت في سنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الواسعة التي هي بيان لكتاب الله عز وجل من صحاح وسنن ومسانيد ومعاجم، أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقول لأصحابه ويعلمهم أن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وإن من لم يعرف توحيد الألوهية لا يعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية، لأن هذا يعرفه المشركون، فلو اجتمع معه الثقلان على إثبات هذا الهذيان عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بإسناد ولو واهيا لا يستطيعون.
الوجه السادس:
بل كتب السنة طافحة بأن دعوته (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس إلى الله كانت إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وخلع عبادة الأوثان، ومن أشهرها حديث معاذ بن جبل لما أرسله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى اليمن فقال له: (ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأخبرهم أن عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة - الحديث)، وروى الخمسة وصححه ابن حبان أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبره أعرابي برؤية الهلال، فأمر بالصيام ولم يسأله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا عن الإقرار بالشهادتين، وكان اللازم على هذيانه هذا أن يدعو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جميع الناس إلى توحيد الألوهية الذي جهلوه وأما توحيد الربوبية فقد عرفوه ويقول لمعاذا ادعهم إلى توحيد الألوهية، ويقول للأعرابي الذي رأى هلال رمضان هل تعرف توحيد الألوهية؟.
الوجه السابع:
لم يأمر الله في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه عباده بتوحيد الألوهية، ولم يقل لهم إن من لم يعرفه لا يعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية، بل أمر وهو:
ص 29
الوجه الثامن:
بكلمة التوحيد مطلقة، قال الله تبارك وتعالى مخاطبا نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) (فاعلم أنه لا إله إلا الله الله) وهكذا جميع آيات التوحيد المذكورة في القرآن مع سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن.
الوجه التاسع:
يلزم على هذا الهذيان على الله تبارك وتعالى لعباده حيث عرفوا كلهم توحيد الربوبية ولم يعرفوا توحيد الألوهية - أن يبينه لهم ولا يضلهم ولا يعذبهم على جهلهم نصف التوحيد ولا يقول لهم: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) نعوذ بالله من زلقات اللسان وفساد الجنان. الإله هو الرب، والرب هو الإله.
الوجه العاشر:
الإله هو الرب والرب هو الإله فهما متلازمان يقع كل منهما في موضع الآخر، وكتاب الله تعالى طافح بذلك، وكذلك سنته عليه الصلاة والسلام. قال الله تبارك وتعالى: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم)، وكان اللازم = على زعمه = حيث كانوا يعرفون توحيد الربوبية ولا يعرفون توحيد الألوهية أن يقول الله: (اعبدوا إلهكم)، وقال الله تعالى: (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه - الآية)، وكان اللازم = على زعمه = حيث كان النمرود يعرف توحيد الربوبية ويجهل توحيد الألوهية أن يقول الله تعالى: (ألم تر إلى الذي
ص 30
حاج إبراهيم في إلهه) وكان اللازم - على زعمه = أن يقول الله في قوله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة) اتقوا إلهكم. وكان اللازم - على زعمه = أن يقول الله في قوله تعالى: (إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء)، هل يستطيع إلهك، وكان اللازم - على زعمه = أن يقول الله في قوله تعالى: (ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) ثم الذين كفروا بإلههم يعدلون لأن الرب يعرفونه، وهو شيء كثير في القرآن.
الوجه الحادي عشر:
يلزم = على زعمه = عدم تبيين الذي لا ينطق عن الهوى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) للناس في دعوته لهم إلى الله تبارك وتعالى توحيد الألوهية الذي جهلوه وعدم تبيينه (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم ذلك، لا يخلو من أن يكون جهلا له أو كتمانا، وكلاهما مستحيل في حقه (صلى الله عليه وآله وسلم) وكفر، نعوذ بالله من زلقات اللسان وفساد الجنان.
الوجه الثاني عشر:
زعمه أن المشركين يعرفون توحيد الربوبية، أي يعرفون أن الرب هو الخالق الرازق المحيي المميت غير صحيح في مشركي العرب وحدهم فضلا عن مشركي جميع الأمم، وقد أخبر الله عنهم في آيات كثيرة بأنهم أنكروا البعث أشد الانكار وأنهم ما يهلكهم إلا الدهر، مرور الزمان، وقد اشتهر ذلك في أشعارهم. قال أحدهم: (أشاب الصغير وأفني الكبير كر الغداة ومر العشي)، واشتهر قولهم: (أرحام تدفع وأرض تبلع)، أيقول عاقل في هؤلاء مع هذا الكفر أنهم يعرفون توحيد الربوبية؟، ولو سلم أنهم يقرون بتوحيد الربوبية فإن مجرد الإقرار به لا يسمى توحيدا عند علماء الإسلام، ولو كان الإقرار بالربوبية توحيدا = كما زعم =
ص 31
لكان تصديق عتاة قريش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتكذيبهم بآيات الله تعالى توحيد ولا يقول بهذا عاقل. قال الله تعالى: (فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) ولو كان الإقرار بالربوبية توحيد = كما زعم = لكان علم عاد بالخالق لهم مع تكذيبهم آياته ورسوله هودا عليه الصلاة والسلام لما هددهم بالعذاب توحيدا، زاجرا لهم عن قولهم: (من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون)، ولا يقول بهذا عاقل، أيقول عاقل في فرعون الذي قال: (أنا ربكم الأعلى) وقال: (يا أيها الناس ما علمت لكم من إله غيري) وقال لملأه: (إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون)، لما أجابه موسى عليه الصلاة والسلام عن سؤاله عن حقيقة رب العالمين قائلا هو: (رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين)، و(ربكم ورب آبائكم الأولين)، إنه يعرف توحيد الربوبية، أيقول عاقل في النمرود بن كنعان الذي ادعى الربوبية وحاج خليل الله عليه الصلاة والسلام في ربه وزعم أنه يحيي ويميت، إنه يعرف توحيد الربوبية؟، أيقول عاقل في الدهريين المنكرين وجود الإله وفي الثنوية المنكرين وجود إله واحد وفي الوثنية القائلين بكثرة الأرباب والآلهة وفي التناسخية وفي المزدكية والخرمية والبابية والماركسية، ويدعي في هذه الطوائف الضالة كلها إنها تعرف توحيد الربوبية؟، وكثير من سكان المعمورة دهريون طبائعيون إباحيون ملاحدة ينكرون وجود الرب، حتى من كان منهم متدينا بالمسيحية واليهودية كأهل أو ربا انسلخ أكثرهم منهما إلى الالحاد والإباحة ولا زال الالحاد والإباحة منتشرين في الأرض من بعد نوح عليه الصلاة والسلام، وعليهما أكثر سكان الربع العامر الآن.
الوجه الثالث عشر:
قوله في تفسير قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ولا ينفع ذا الجد منك الجد)، فبين في هذا الحديث أصلين عظيمين أحدهما: توحيد الربوبية والثاني توحيد الإلهية، كذب مكشوف يجوز على الأغبياء، ولا يخلو فاعل بين من كونه
ص 32
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بين أن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، أو الحديث نفسه بين نفسه، أو فهمه من الحديث ذلك، ولا شك أنه كذب مكشوف في الأول والثاني قطعا فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يبين في هذا الحديث أصلين عظيمين إلى آخر الهذيان، ولا الحديث بين ذلك، فانحصر فاعل بين في فهمه، وكان الواجب عليه للعامة وأشباههم التصريح بفهمه، بأن يقول لهم فهمت من هذا الحديث أصلين عظيمين الخ.. ولا يلبس عليهم بهذا الهراء، وباقي كلامه هنا ثرثرة لا تحتاج إلى تعليق.
الوجه الرابع عشر:
يقال في قوله في الموضع الثاني (وإن كانت الإلهية تتضمن الربوبية والربوبية تستلزم الإلهية) هل قال الإمام أحمد بن حنبل الذي يقدسه عند غرضه هذا الكلام؟.
الوجه الخامس عشر:
هل قاله أحد من أتباع التابعين رحمهم الله تعالى؟.
الوجه السادس عشر:
هل قاله أحد من التابعين رحمهم الله تعالى؟.
الوجه السابع عشر:
هل قاله أحد من الصحابة رضوان الله عليهم؟.
الوجه الثامن عشر:
هل قاله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟.
ص 33
الوجه التاسع عشر:
هل قاله الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز؟. كتاب في تحريم علم المنطق
الوجه العشرون:
التضمن والالتزام من علم المنطق، وهو قد ألف كتابا في تحريمه، فقد صدق من قال فيه: إنه لا يدري ما يقول، وهو كثير التناقض في كلامه ولا يشعر.
الوجه الحادي والعشرون:
يقال للمفتونين به وضحوا لنا هذا الكلام: (وإن كانت الإلهية تتضمن الربوبية والربوبية تستلزم الإلهية، فإن أحدهما إذا تضمن الآخر عند الانفراد لم يمنع أن يختص بمعناه عند الاقتران كما في قوله: قل أعوذ برب الناس الخ. وهل كان السلف الصالح الذين يلبس بهم على البسطاء يقولون هذا الهذيان ويعلمونه تلامذتهم؟، وهل قاله علماء الإسلام والمفسرون؟.
الوجه الثاني والعشرون:
قوله في الموضع الثالث (فإنهم قصروا عن معرفة الأدلة العقلية التي ذكرها الله في كتابه)، دعوى كاذبة مقلوبة عليه فيقال له: إنما المقصر عن معرفة الأدلة العقلية التي ذكرها الله تعالى في كتابه أنت وأشياخك المجسمة، مبنية على إعجابه بنفسه وتأليهه هواه وازدرائه علماء الإسلام، وكل مائق يمكنه أن يقول: إن الناس
ص 34
كلهم مخطئون: أو أن المتكلمين جميعا قصروا عن معرفة الأدلة العقلية الخ..، لأن الثرثرة لا ضريبة عليها، ولكن هل يضمن لهذره الصواب دائما؟. وكل من تصفح تآليفه يجد إعجاب برأيه وازدراءه للعلماء ماثلين أمام عينه في كل صفحة، والإعجاب واحتقار عباد الله من أوليات إبليس.
الوجه الثالث والعشرون:
يقال له في قوله: (فعدلوا عنها إلى طرق آخر مبتدعة)، من أين لك إن علماء الإسلام كلهم عدلوا عن الأدلة العقلية التي ذكرها الله تعالى في كتابه إلى طرق أخرى مبتدعة، ومشيت أنت وحدك عليها فعصمت من الطرق المبتدعة؟، أبنص صريح من كتاب الله تعالى أو من سنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)؟، فلو استظهر بالثقلين على أن يجد فيهما ما يصوب رأيه ويخطئ علماء الإسلام، لم يظفر بذلك.
الوجه الرابع والعشرون:
قوله (فيها من الباطل ما لأجله خرجوا عن بعض الحق المشترك بينهم وبين غيرهم ودخلوا في بعض الباطل المبتدع وأخرجوا من التوحيد ما هو منه كتوحيد الإلهية وإثبات حقائق أسماء الله وصفاته)، كلام معمى ملبس فاسد مشتمل على خمسة أوجه كلها فاسدة: (الأول) فيها أي الطرق التي ابتدعها علماء الإسلام = زعمه = من الباطل أي الكفر ومن للتبعيض أي بعض الكفر، ما أي الذي لأجله خرجوا عن بعض الحق المشترك بينهم بينهم وبين غيرهم، أي خرجوا عن توحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات اللذين هما مع توحيد الربوبية مجموع الحق المشترك بينهم يعني جميع المسلمين، وبين غيرهم يعني نفسه، ودخلوا في بعض الباطل المبتدع، أي دخلوا في بعض الكفر المبتدع، (وأخرجوا من التوحيد ما هو منه كتوحيد الإلهية وإثبات حقائق أسماء الله وصفاته)، أي أخرجوا هذين القسمين من مجموع التوحيد الذي هو توحيد
ص 35
الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، وقد قلده محمد بن عبد الوهاب في هذا الموضع أيضا، فقسم التوحيد في بعض رسائله إلى ثلاثة أقسام، وتقدم في الموضع الأول والثاني والرابع من كلامه ما يدل صريحا على أن التوحيد ينقسم إلى قسمين فقط: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، فليتأمل الألباء هذا الخبط. (الثاني): الحق معنى من المعاني لا يصح تبعيضه والباطل كذلك، فتقويم كلامه هذا = على مقتضى زعمه = أن يقول: علماء الإسلام قاطبة خرجوا عن الحق الذي هو الإيمان، ودخلوا في الباطل الذي هو الكفر، أي كفروا، والعياذ بالله، وماذا بعد الحق إلا الضلال، ولم يقل عاقل من المسلمين إن الإيمان والكفر يتجزءان لذاتهما، فقد كفر المسلمين في أول هذا الكلام، وليس تكفيرهم بالتعبير بلفظ بعض في وسطه، وصرح بتكفيرهم في آخره كما سأحلله. (الثالث): قوله: (خرجوا عن بعض الحق المشترك بينهم وبين غيرهم) كلام يضحك منه المجانين قبل العقلاء، لأن معناه توحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات بضاعة مشتركة بينه وبين علماء الإسلام فخرجوا هم عن هذه الشركة باختيارهم وتركوها له خالصة. (الرابع): وهو أشد فسادا مما قبله قوله: (وأخرجوا من التوحيد ما هو منه كتوحيد الألوهية وإثبات حقائق أسماء الله وصفاته)، فإنه يدل على أن علماء الإسلام كلهم يعرفون أقسام التوحيد الثلاثة حق المعرفة، ومع ذلك أخرجوا منه قسمين عمدا وهما: توحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، وأبقوا لأنفسهم توحيد الربوبية الذي أقر به المشركون. (الخامس) قوله: (وإثبات حقائق أسماء الله وصفاته) تلبيس فاسد فإن الله تبارك وتعالى لم يكلف عباده بمعرفة (إثبات حقائق أسماء الله وصفاته)، ورسوله المبعوث رحمة للعالمين لم يأمر الناس لما دعاهم إلى الله بذلك، وإنما أمر الله عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وأمرنا تعالى أن ندعوه بأسمائه الحسنى ولم يأمرنا بإثبات حقائقها، وأمرنا باتباع نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) في جميع ما آتانا به من الأوامر واجتناب ما نهانا
ص 36
عنه، وسلفنا الصالح الصحابة وأتباعهم وأتباع أتباعهم لما نشروا محاسن الدين الإسلامي على المعمورة لم يأمروا الناس بإثبات حقائق أسماء الله وصفاته، ومن شك في هذا أو كابر فليبرز لنا نقلا صحيحا عنهم يدل لهذيانه هذا، ومقصوده به حقائق صفات الله فقط، لأنه يعتقد في ظواهر القرآن والسنة المتشابهة أنها صفات لله حقيقة، فيقول: إنه تعالى استوى على عرشه حقيقة، وفوق العرش حقيقة، تقليدا لسلفه المجسمة، وقد تقدم رد ابن الجوزي عليهم بأن تسميتها صفات بدعة لم يقلها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا أصحابه، فأسماء الله تعالى مقحم بين المضاف والمضاف إليه.
الوجه الخامس والعشرون:
قوله (ولم يعرفوا من التوحيد إلا توحيد الربوبية وهو الإقرار بأن الله تعالى خالق كل شيء، وهذا التوحيد كان يقر به المشركون الذين قال الله عنهم: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) وقال تعالى: (قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون الله - الآيات) وقال عنهم (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)، صريح في تكفير المتكلمين، متناول أيضا للصحابة فمن بعدهم إلى يوم القيامة إلا من قال برأيه، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله (أي ومحمد رسول الله) فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله)، وصح عنه أيضا أنه قال (من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا فهو المسلم الذي له ما لنا وعليه ما علينا)، وصح عنه أيضا أنه قال لمولاه أسامة بن زيد رضي الله عنهما: (أقتله بعد ما قال لا إله إلا الله) فقال يا رسول الله إنما قالها خوفا من السيف فقال له (فهلا شققت عن قلبه حتى تعلم أنه قالها لذلك)، وصح عنه أيضا أنه قال: (إني لم أو مر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم)، وصح عنه أيضا أنه قال: (إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما). ودلت نصوص الشريعة المستفيضة
ص 37
على أن الكفر أمر باطني لا يعلمه إلا الله فالحكم به على واحد من المسلمين خطير جدا، فكيف الحكم به على الأمة الإسلامية كلها؟، فهذا لا يتفوه به إلا من نزع من قلبه مخافة المنتقم الجبار، فقد برهن بهذا الكلام، على أنه مقتد بأسلافه الحروريين الذين كفروا كثيرا من سادات المسلمين الصحابة رضوان الله عليهم والأمة الإسلامية جمعاء إلا من وافقهم على هواهم، ولذلك جاء في الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال فيهم: (هم شرار الخلق عمدوا إلى آيات نزلت في الكفار فحملوها على المؤمنين)، فهو في المائة الثامنة مجدد الربوع البالية يحمل الآيات الواردة في الكفار على المؤمنين كما حملها عليهم أسلافه كلاب النار، فالذي قال من العلماء إنه كفر ابن عربي وابن الفارض وابن سبعين فقط، والذي قال منهم إنه طعن في الشريف أبي الحسن الشاذلي، والذي قال إنه طعن في رجال الصوفية جميعا، والذي قال إنه كفر إمام الحرمين أبا المعالي الجويني وتلميذه أبا حامد الغزالي، كلهم صادقون، لأن كلا منهم اطلع على قبيحة من قبائحه المدسوسة المفرقة في كتبه ورسائله، ولم يطلعوا على كلامه هذا ولو اطلعوا عليه لتحققوا إنه كفر الأمة الإسلامية جمعاء، متكلمين وفقهاء ومحدثين وصوفية، في مقدمتها سلفها الصالح الصحابة والتابعون وأتباعهم رضوان الله عليهم. فإن قيل: منطوق كلامه في حكمه بالشرك خاص بفرق المتكلمين فكيف عممته في الأمة الإسلامية كلها، فادعيت إنه متناول للصحابة والتابعين وأتباعهم وللفقهاء والمحدثين والصوفية؟. قلت: الصحابة وعلماء التابعين وأتباعهم ومن بعدهم من علماء المسلمين كلهم متكلمون، والدليل عليه عشرة أوجه: (الأول) علم الكلام علم قرآني فإنه مبسوط في كلام الله تعالى بذكر الإلهيات والنبويات والسمعيات والثلاثة مجموعة، مع ذكر ما يتوقف عليه وجود الصانع من حدوث العالم المشار إليه بخلق السماوات والأرض والنفوس وغيرها والإشارة إلى مذاهب المبطلين والطبائعيين وإنكار ذلك عليهم والجواب عن شبه المبطلين المنكرين لشيء من ذلك، إمكانا أو وجودا، كقوله تعالى: (كما بدأنا أول خلق نعيده)، وقوله
ص 38
تعالى: (قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم)، وقوله تعالى: (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا)، وذكر حجج إبراهيم وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وحكم لقمان وغير ذلك مما يطول ذكره، وتكلم فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كإبطاله اعتقاد الأعراب في الأنواء وفي العدوي وفي جوابه للأشعريين عن سؤالهم عن أول هذا الأمر، قال (كان الله ولم يكن شيء غيره - إلى آخر الحديث) وغير ذلك، وهو كسائر العلوم مركوز في طباع الصحابة الناصعة الصافية، ولاتفاقهم جميعا في العقيدة الإسلامية لم يحتاجوا إلى الكلام فيه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. تحقيق مطنب فيه للعلامة سعد الدين التفتازاني في شرح المقاصد قال العلامة سعد الدين التفتازاني في شرح المقاصد: الأحكام المنسوبة إلى الشرع منها ما يتعلق بالعمل وتسمى فرعية وعملية ومنها ما يتعلق بالاعتقاد وتسمى أصلية واعتقادية، وكانت الأوائل من العلماء ببركة صحبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقرب العهد بزمانه وسماع الأخبار منه ومشاهدة الآثار مع قلة الوقائع والاختلافات مستغنين عن تدوين الأحكام وترتيبها أبوابا وفصولا وتكثير المسائل فروعا وأصولا إلى أن ظهر اختلاف الآراء والميل إلى البدع والأهواء، وكثرت الفتاوى والواقعات ومست الحاجة فيها إلى زيادة نظر والتفات فأخذ أرباب النظر والاستدلال في استنباط الأحكام وبذلوا جهدهم في تحقيق عقائد الإسلام، وأقبلوا على تمهيد أصولها وقوانينها وتلخيص حججها وبراهينا وتدوين المسائل بأدلتها والشبه بأجوبتها، وسموا العلم بها فقها وخصوا الاعتقاديات باسم الفقه الأكبر، والأكثرون خصوا العمليات باسم الفقه، والاعتقاديات بعلم التوحيد والصفات، تسمية بأشهر أجزائه وأشرفها، وبعلم الكلام، لأن مباحثه كانت مصردة بقولهم الكلام في كذا وكذا، ولأن أشهر الاختلافات فيه كانت مسألة كلام الله تعالى أنه قديم أو حادث، ولأنه يورث قدرة على الكلام في تحقيق الشرعيات، كالمنطق في الفلسفيات، ولأنه كثر فيه من الكلام مع المخالفين والرد عليهم
ص 39
ما لم يكثر في غيره، ولأنه لقوة أدلته صار كأنه هو الكلام دون ما عداه، كما يقال للأقوى من الكلامين هذا هو الكلام، واعتبروا في أدلتها اليقين لأنه لا عبرة بالظن في الاعتقاديات بل في العمليات، فظهر أنه العلم بالقواعد الشرعية الاعتقادية المكتسب من أدلتها اليقينية، وهذا هو معنى العقائد الدينية، أي المنسوبة إلى دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، سواء توقف على الشرع أم لا وسواء كان من الدين في الواقع ككلام أهل الحق أم لا ككلام المخالفين، وصار قولنا هو العلم بالعقائد الدينية عن الأدلة اليقينية مناسبا لقولهم في الفقه إنه العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية، وموافقا لما نقل عن بعض عظماء الملة إن الفقه معرفة النفس ما لها وما عليها، وإن ما يتعلق منها بالاعتقاديات هو الفقه الأكبر، وخرج العلم بغير الشرعيات وبالشرعية الاعتقادية الشرعية الفرعية، وعلم الله تعالى، وعلم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالاعتقاديات، وكذا اعتقاد المقلد فيمن يسميه علما، ودخل علم علماء الصحابة بذلك فإنه كلام وإن لم يكن، وسمي في ذلك الزمان بهذا الاسم، كما أن علمهم بالعمليات فقه وإن لم يكن ثمة هذا التدوين والترتيب، وذلك إذا كان متعلقا بجميع العقائد بقدر الطاقة البشرية مكتسبا من النظر في الأدلة اليقينية، أو كان ملكة يتعلق بها بأن يكون عندهم من المأخذ والشرائط ما يكفيهم في استحضار العقائد على ما هو المراد بقولنا العلم بالعقائد عن الأدلة، وإلى المعنى الأخير يشير قول المواقف إنه علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج ودفع الشبه، ومعنى إثبات العقائد تحصيلها واكتسابها بحيث يحصل الترقي من التقليد إلى التحقيق، أو إثباتها على الغير بحيث يتمكن من إلزام المعاندين، أو إتقانها وإحكامها بحيث لا تزلزلها شبه المبطلين إ ه. أقام الحجة على أربعين رجلا من اليهود المجسمة (الثاني): قد تكلم الفاروق رضي الله تعالى عنه في علم الكلام. ناظر أبا عبيدة ابن الجراح بسرغ في القدر، لما أراد أن يرجع إلى المدينة بمن معه من أجل طاعون عمواس ، فحجه ومناظرتهما مسطرة في صحيح البخاري، وقطع حيدرة كرم الله وجهه الخوارج بالحجة وقطع دهريا وأقام الحجة على أربعين رجلا من اليهود المجسمة بكلام
ص 40
نفيس مطنب، رواه الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في الحلية، وقطع ابن عمه الحبر ابن عباس رضي الله عنهما الخوارج بالحجة أيضا، ولا يقول من له مسكة من عقل ودين في هؤلاء السادة من الصحابة أنهم ليسوا بمتكلمين أو ليسوا بفقهاء أو ليسوا بمحدثين. والعلم = كما قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس = ليس بكثرة الرواية وإنما هو نور يقذفه الله تعالى في قلب من يشاء من عباده. قطع أياس بن معاوية القدرية (الثالث): قد قطع أياس بن معاوية القاضي القدرية، وقطع الخليفة العادل عمر عبد العزيز أصحاب شوذب الخارجي، وقطع ربيعة الرأي شيخ الإمام مالك غيلان القدري، وقطعه أيضا داود بن أبي هند، وقطع الإمام أبو حنيفة الضحاك الخارجي حين دخل الكوفة وأمر بقتل الرجال واسترقاق النساء والصبيان، وقطع أيضا سبعين من الخوارج دخلوا عليه وأرادوا قتله فتابوا من مذهبهم، وقطع أيضا جماعة من الدهريين دخلوا عليه، وقطع أيضا شيخ الرافضة المسمى بشيطان الطاق، وناظر جهم ابن صفوان فألزمه الحجة. ولا يقول من له مسكة من عقل ودين في هؤلاء السادة من التابعين أنهم ليسوا بمتكلمين أو ليسوا بفقهاء أو ليسوا بمحدثين. (الرابع): قد قطع الإمام أبو عمرو الأوزاعي غيلان القدري أيضا، وألف الإمام مالك رسالة في القدر في الرد على القدرية، قالوا وهي من خيار الكتب الدالة على سعة علمه، وناظر الإمام الشافعي حفصا الفرد المعتزلي فقطعه، وناظر أيضا بشرا المريسي فقطعه، ولا يقول من له مسكة من عقل ودين في هؤلاء الأئمة أنهم ليسوا بمتكلمين أو أنهم ليسوا بفقهاء أو ليسوا بمحدثين. (الخامس): قد صنف سيد المحدثين في زمانه محمد بن إسماعيل البخاري المتوفى سنة ست وخمسين ومائتين كتابا في خلق أفعال العباد، وصنف المحدث نعيم بن حماد الخزاعي وهو من أقران الإمام أحمد المتوفى في حبس الوثق سنة ثمان وعشرين ومائتين
ص 41
كتبا في الرد على الجهمية وغيرهم، وصنف المحدث محمد بن أسلم الطوسي المتوفى سنة اثنتين وأربعين ومائتين وهو من أقران الإمام أحمد أيضا في الرد على الجهمية. ليس علم الكلام محظورها على المحدث والفقيه وناظر الإمام أحمد بن حنبل المعتزلة في خلق القرآن، وقال الحنابلة إنه صنف كتابا في الرد على الجهمية، ولا يقول من له مسكة من عقل ودين في هؤلاء الأئمة أنهم ليسوا بمتكلمين أو ليسوا بفقهاء، وليس علم الكلام محظورا على المحدث والفقيه ولا علم الحديث محظورا على المتكلم والفقيه. فإن قيل: قد ذم علم الكلام جماعة من السلف فروي عن الشعبي أنه قال من طلب الدين بالكلام تزندق ومن طلب المال بالكيماء أفلس ومن حدث بغرائب الحديث كذب، وروي مثله عن مالك الإمام والقاضي أبي يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة، وأجاب الحافظ أبو بكر البيهقي عنه بقوله: إنما أرادوا بالكلام كلام أهل البدع، لأن عصرهم إنما كان يعرف بالكلام فيه أهل البدع، وأما أهل السنة فقلما كانوا يخوضون في الكلام حتى اضطروا إليه بعد، ويحتمل ذمهم له وجها آخر وهو أن يكون المراد به أن يقتصر على علم الكلام ويترك تعلم الفقه الذي يتوصل به إلى معرفة الحلال والحرام، ويرفض العمل بما أمر بفعله من شرائع الإسلام ولا يلتزم فعل ما أمر به الشارع وترك ما نهى عنه من الأحكام، قال: وقد بلغني عن حاتم الأصم، وكان من أفاضل الزهاد وأهل العلم أنه قال: الكلام أصل الدين والفقه فرعه والعمل ثمره فمن اكتفى بالكلام دون الفقه والعمل تزندق، ومن اكتفى بالعمل دون الكلام والفقه ابتدع، ومن اكتفى بالفقه دون الكلام والعمل تفسق، ومن تفنن في الأبواب كلها تخلص. وقد روي مثل كلام حاتم هذا عن أبي بكر الوراق. وما ورد عن الإمام الشافعي رضي الله عنه في ذم علم الكلام والمتكلمين ليس على إطلاقه وإنما هو في المبتدعة القدرية وغيرهم الذين جانبوا نصوص الشريعة، كتابا وسنة، وتعمقوا في الأهواء الفاسدة، وأما الكلام الموافق للكتاب والسنة الموضح لحقائق الأصول عند ظهور الفتنة فهو محمود عند العلماء قاطبة يستحيل ذم الشافعي له وقد كان يحسنه ويفهمه.
ص 42
وقد ناظر بشرا المريسي وحفصا الفرد فقطعهما، وناظر أيضا إبراهيم بن إسماعيل بن علية في خبر الواحد وكان هذا ينكره فقطعه، وقال: ما ناظرت أحدا أحببت أن إلايخطئ صاحب بدعة فإني أحب أن ينكشف أمر للناس رضي الله عنه. رد على المعتزلة فأجاد. (السادس): قد رد على المعتزلة فأجاد بالتأليف ثلاثة من علماء السنة من أقران الإمام أحمد بن حنبل الحارث المحاسبي والحسين الكرابيسي وعبد الله بن سعيد بن كلاب المتوفى بعد الأربعين ومائتين بقليل، ويمتاز الأول بإمامته أيضا في التصوف ولا يقول من له مسكة من عقل ودين في هؤلاء العلماء أنهم قصروا عن معرفة الأدلة العقلية التي ذكرها الله في كتابه فعدلوا عنها إلى آخر هذيانه، أوانهم ليسوا بمحدثين ولا بفقهاء. (السابع): قد صنف إماما أهل السنة والجماعة في عصرهما وبعده إلى يومنا هذا أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي المصنفات العظيمة في الرد على طوائف المبتدعة والمخالفين للإسلام مملوءة بحجج المنقول والمعقول، وامتاز الأول بمناظراته العديدة للمعتزلة بالبصرة التي قل بها حدهم وقلل عددهم، وصنف أتباعهما من بعدهما المئات من المجلدات في الرد على المبتدعة والمخالفين للإسلام على تعاقب الأجيال. قام بالرد على المبتدعة المخالفين للإسلام وقام كثير فحول الأشاعرة بالرد على طوائف المبتدعة والمخالفين للإسلام بالتآليف الكثيرة والمناظرات العديدة بزوا بهما المعتزلة الذين هم أفحل طوائف المبتدعة كما بزوا غيرهم من المبتدعة والدهريين والفلاسفة والمنجمين في الحلبتين ورفعوا لواء مذهب الأشعري على المعمورة، أحسن قيام، وأبرزهم في نشره ثلاثة الأستاذ أبو بكر بن فورك وأبو إسحاق الاسفرائيني والقاضي الإمام أبو بكر الباقلاني، فالأولان نشراه في المشرق والقاضي نشره في المشرق والمغرب وتلامذتهم، فما جاءت المائة الخامسة إلا والأمة الإسلامية أشعرية وما تريدية لم يشذ عنها سوى نزر من المعتزلة ونزر من المشبهة وطائفة من الخوارج،
ص 43
فهما الأمة الإسلامية، والأشعرية في عصره هم المقصودون المخصوصون بتكفيره هذا، لأنه موتور منهم، فقد قضوا على مذهب سلفه المجسمة ببغداد بمحاوراتهم ودروسهم ومحاضرهم وقضوا عليهم في مدن خراسان والمشرق بالمناظرات والدروس والتآليف، وغضبوا غضبة مضرية لابن عبد السلام فقاموا على الأشرف الأيوبي فأرجعوه إلى الحق خجلا، مستغفرا مما وقع منه في حق ابن عبد السلام من الجهل، وقاموا عليه بدمشق لما جهر ببعض شواذه فناظروه فأفحموه وردوا عليه بالتآليف فأجادوا وصدر في قمعه مرسوم السلطان محمد بن قلاوون، واحتمى بالأمراء لما طلب إلى مصر لمناظرته ومحاكمته فيما صدر منه فلم يحضر عند قاضي المالكية زين الدين بن مخلوف، وقد حقق إحدى علامتي سلفه الخوارج وهي حمل الآيات الواردة في الكفار على المسلمين، والثانية وهي قتل أهل الإيمان وترك أهل الأوثان وجدت فيه بالقوة، فلو وجد أنصارا يحاربون معه لاستحل دماء المالكية والشافعية والحنفية وفضلاء الحنابلة، وقد استعاض عنها لما فقدها بالبضاعة التي لا يرتكبها إلا سفلة الناس، وهي السب والقذف والتكفير. فحول المحدثين من بعد أبي الحسن الأشعري إلى عصرنا هذا أشاعرة، وكتب التاريخ والطبقات ناطقة بذلك وفرق هذه البضاعة في كتبه ورسائله تضليلا ملبسا على العامة وأشباههم بالسلف متقولا عليهم وعلى الأشعري وأتباعه، وفحول المحدثين من بعد أبي الحسن إلى عصرنا هذا أشاعرة وكتب التاريخ والطبقات ناطقة بذلك. ومن خصائص هذه الأمة المرحومة وتميزها عن جميع الأمم كثرة علمائها ومؤلفيها فلا تجد عالما محققا أو فقيها مدققا إلا وهو أشعري أو ماتريدي، وتآليفهم في العلوم المتنوعة من تفسير وحديث وأصول وفروع وغيرها شاهدة لهم، ولا تجد نفاجا مهذارا من المتأخرين إلا وهو سارق من درهم متشبع به، نعوذ بالله من نكران الجميل، لم يسجل التاريخ لمجسم أنه ناظر قدريا أو دهريا أو كتابيا، كما سجل للأشعرية والماتريدية ذلك، ولم يسجل للمجسمة أنهم ألفوا كتبا مبسوطة مبرهنة في الرد على مخالفيهم
ص 44
ومخالفي دين الإسلام كما سجل ذلك للأشعرية والماتريدية، ولم يسجل لهم إنهم كانت لهم مجالس بالبحث والمناظرة في الفروع ومسائل الخلاف، فضلا عن مجالس البحث والمناظرة في الأصلين كما سجل ذلك لغيرهم من علماء المسلمين في مدائن المعمورة، حينما كانت الأمة الإسلامية قوية رافعة ألوية مجدها على المشرق والمغرب، ولم يسجل لفاضل حنبلي إنه أثنى على مجسم ثناء بليغا كما سجل ذلك لأبي الفضل التميمي الحنبلي على القاضي الإمام أبي بكر الباقلاني، فقد قالوا حضر يوم موت القاضي أبي بكر الباقلاني، أبو الفضل التميمي الحنبلي العزاء حافيا مع إخوته وأصحابه، وأمر أن ينادي بين يدي جنازته: هذا ناصر السنة والدين: هذا إمام المسلمين. هذا الذي كان يذب عن الشريعة ألسنة المخالفين. هذا الذي صنف سبعين ألف ورقة ردا على الملحدين، وقعد للعزاء مع أصحابه ثلاثة أيام فلم يبرح، وكان يزور تربته كل يوم جمعة، فهل يقول من له مسكة من عقل ودين في الملايين من الأشاعرة والماتريدية من أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) المرحومة أنهم كلهم ليسوا بفقهاء أو ليسوا بمحدثين؟، وإنهم متكلمون قصروا عن معرفة الأدلة العقلية التي ذكرها الله تعالى في كتابة فعدلوا عنها؟، إلى آخر هذيانه، وجاء هو وحده في القرون المتأخرة فعرفها، نعوذ بالله من زلقات اللسان وفساد الجنان ومصارع الاعجاب بالنفس. يلزم من كلامه هذا إن المعتزلة عرفوا الأدلة العقلية التي ذكرها الله تعالى في كتابه (الثامن): يلزم من كلامه هذا أن المعتزلة الذين هم أفحل طوائف المبتدعة عرفوا الأدلة العقلية التي ذكرها الله تعالى في كتابه ولم يعدلوا عنها إلى طرق أخرى مبتدعة، فإنهم أول فرق المتكلمين نشأوا في آخر المائة الأولى للهجرة، فإن رأسهم عمرو ابن عبيد المتوفى سنة أربع وأربعين ومائة كان يجلس في حلقة سيد التابعين الحسن البصري الذي توفي سنة عشر ومائة، وقد زجر رضي الله تعالى عنه عمرو بن عبيد لما تيقن ضلاله فاعتزل عمرو مجلسه وجعل لنفسه حلقة جهر هو وأصحابه بعقائدهم فيها وناضلوا عليها واعتمدوا على العقليات وتعمقوا فيها ورفضوا كثيرا من سنته عليه الصلاة
ص 45
والسلام، وتأولوا الباقي منها مع كتاب الله على ما يوافق أهواءهم فقالوا بمنزلة بين المنزلتين وبخلق القرآن، ونفوا صفات الله ونفوا رؤيته في الآخرة، وأنكروا عذاب القبر والميزان والصراط وغير هذه من السمعيات الثابتة في السنة وسموا أنفسهم عدلية. وفي صدر المائة الثالثة عضدهم المأمون على نشرها في الأمة بالقوة وبعده أخوه المعتصم وبعد هذا ابنه الواثق، فأكرهوا العلماء على القول بخلق القرآن وامتحنوا كثيرا منهم بالحبس والضرب والقتل، ولم يقاوموا المعتزلة بالمناظرات الحاسمة، وقاومهم المحاسبي وابن كلاب، وإنهم محقون في عقائدهم وفيما صنعوه وأن الجماهير من علماء آخرون من أهل السنة دونهم في الشهرة بالتآليف الجيدة، الحسين الكرابيسي والحارث المسلمين، من نشأتهم إلى زمن الأشعري مبطلون، لأنهم لم يعرفوا الأدلة العقلية التي ذكرها الله تعالى في كتابه، فيوقفوا بها تيار ضلالهم الذي انتشر في الأمة الإسلامية هذه المدة، وقد قطع في أثنائها أبو محمد الأذرمي باطلهم، بمناظرة وجيزة أمام الواثق، لم ينحسم بها تيار ضلالهم ولا بمنع المتوكل لهم من امتحان العلماء وتعذيبهم، وفسحه لأهل السنة بنشرها في الأمة، فقد ارجعوا حربهم لأهل السنة بعدها إلى حلبتين، حلبة أقلام بالتآليف، وحلبة مناظرات فردية نحو سبعين عاما، حتى جاء أبو الحسن الأشعري فخرب في البصرة وكرهم، وصرع بالمناظرات والتآليف باطلهم، وأجهز عليهم في كل مكان من الأرض تلامذته وتلامذة تلامذته وأتباعه، فهل يقول من له مسكة من عقل ودين أنهم حيث مكثوا مائتي سنة ينشرون ضلالهم أهانوا في أثنائهم علماء الإسلام بالحبس والضرب والقتل عرفوا الأدلة العقلية التي ذكرها الله تعالى في كتابه؟، وأن الآلاف المؤلفة من علماء الأمة في هذه المدة كلهم لم يعرفوها لأنهم لم يستطيعوا إيقاف تيار ضلالهم، إلا أبو محمد الأذرمي وأبو الحسن الأشعري وأتباعه فإنهم عرفوها، نعوذ بالله تعالى من زلقات اللسان وفساد الجنان.
ص 46
لم يكفر الفقهاء ولا المحدثون المعتزلة مع ضلالهم وانحرافهم عن نهج السواد الأعظم ومع ضلالهم لم يكفر هم التابعون ولا أتباعهم ومع تعذيبهم للعلماء لم يكفرهم أيضا الفقهاء ولا المحدثون، وأقصى ما قاله فيهم أهل السنة جميعا: إنهم مبتدعة، وقد كان لهم مع انحرافهم عن نهج السواد الأعظم مواقف مشكورة في الرد على الملاحدة والزنادقة الذين كثروا، فطعنوا في صدر الخلافة العباسية في الشريعة الإسلامية بشتى الوسائل، بالمناظرات والتآليف، وقد ظهر منهم في المذهبين الشافعي والحنفي أعيان من العلماء، ففي الشافعية القاضي عبد الجيار الهمداني المتوفى سنة خمس عشرة وأربعمائة، وأبو لحسن الماوردي البصري المتوفى سنة خمسين وأربعمائة، وأبو يوسف القزويني المفسر المتوفى سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وفي الحنفية أبو بكر الحصاص الرازي المتوفى سنة سبعين وثلاثمائة، والزمخشري المتوفى سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، والمطرزي المتوفى سنة عشر وستمائة. (التاسع): قد قصر هو عن معرفة الأدلة العقلية التي ذكرها الله في كتابه وعدل عنها إلى طرق أخرى مبتدعة فقسم التوحيد إلى قسمين وثلاثة توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، أو هما مع توحيد الأسماء والصفات، ولم يقل الله هذا في كتابه العزيز ولا رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا السلف الذين يلبس بهم وزعم أن متشابهات القرآن والسنة كلها حقائق، وأن الله استوى على العرش حقيقة، وأنه فوقه حقيقة، وجوز قيام الحوادث به جل وعلا، وزعم أن كلامه تعالى قديم بالنوع حادث بالجزئيات وأن عرشه تعالى كذلك وكل هذا لم يقله الله تعالى في كتابه ولا رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا المسلمون أجمعون. (العاشر): تحقق بجميع ما تقدم أنه جاهل بأصول الدين جهلا مركبا، وأنه قد حكم على نفسه بالشرك وعبادة غير الله وهو لا يشعر، فصدق عليه المثل العربي (رمتني بدائها وانسلت).
ص 47
الوجه السادس والعشرون:
حمله قوله تعالى: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله)، الواردة في المشركين على المسلمين فاسد، ودعواه أن المشركين، مع إنكارهم البعث واتخاذهم الأنداد والولد له تعالى يعرفون توحيد الربوبية، تقدم إبطالها، ومعنى الآية عند المفسرين ليسندن خلقها في الحقيقة ونفس الأمر أي الفطرة التي فطر الله الناس عليها إلى الله تعالى، فلو استظهر بالثقلين على إثبات أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) سألهم عن ذلك فأجابوه بالقول لا يستطيعون.
الوجه السابع والعشرون
حمله قوله تعالى: (قل رب السماوات السبع ورب العرش العظيم) الواردة أيضا في المشركين على المسلمين فاسد أيضا، لأنهم لو كانوا يعرفون توحيد الربوبية، = كما زعم = ما أمر الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بسؤالهم عن الأرض ومن فيها لمن هي وعن رب السماوات السبع ورب العرش العظيم وعمن بيده ملكوت كل شيء وهو يجيز ولا يجار عليه، ولكان الأمر بسؤالهم عن هذه الأشياء مع معرفتهم خالقها عبثا وأمرا بتحصيل الحاصل وهو محال منه تعالى ولو كانوا يعرفون توحيد الربوبية = كما زعم = ما كفروا به عز وجل وما أنكروا البعث وما اتخذوا له أندادا عبدوهم من دونه، ولو كانوا يعرفون توحيد الربوبية ما قال تعالى عنهم: (بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون)، أي فيما قالوا من إنكار البعث وفيما قالوا وفعلوا من الشرك باتخاذ الأنداد من دونه وغير هذا من أنواع الكفر، وإنما أمر الله سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بتوقيفهم على هذه الأشياء التي لا يمكنهم في الفطرة والعقل
ص 48
السليم إنكارها، وأن أنكروها في الواقع، تبكيتا وإقامة للحجة عليهم، ولا يمكنه أن يثبت عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه سألهم عن هذه الأشياء وأجابوه قولا، ولو استظهر بجميع أهل الأرض.
الوجه الثامن والعشرون
حمله قوله تعالى: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) الثامن والعشرون: حمله قوله تعالى (وما يؤمن أكثرهم بالله ولا وهم مشركون، الواردة في المشركين على المسلمين فاسد أيضا، ومعناها عند المفسرين: (وما يؤمن أكثرهم بالله)، في إقرارهم بوجود الخالق (إلا وهم مشركون) باتخاذهم له أندادا عبدوهم من دونه أو باتخاذهم الأحبار والرهبان أربابا، أو بقولهم واعتقادهم الولد له سبحانه، أو بقولهم لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك، أو بغير ذلك. التعبير في جانب شركهم بالجملة الأشمية الدالة على الثبوت والدوام الواقعة حالا لازمة والتعبير في جانب شركهم بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت والدوام الواقعة حالا لازمة، وفي جانب إيمانهم، أي إقرارهم بالجملة الفعلية الدالة على التجدد، دليل على أن شركهم دائم مستمر ملازم لهم، وأن إقرارهم غير دائم ولا مستمر، وإقرارهم بوجود الخالق الرازق المحيي المميت، مع ارتكابهم ما ينافيه مما تقدم من الأقوال والأفعال، دليل على أنه لا يكون توحيدا = كما زعم = ولا إيمانا لا لغة ولا شرعا، فإن الإيمان لغة هو (التصديق بالقلب مطلقا)، وشرعا (تصديق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما علم مجبيئه به بالضرورة)، أي فيما اشتهر كونه من الدين بحيث يعلمه العامة من غير افتقار إلى نظر واستدلال، ويكفي الاجمال فيما يلاحظ إجمالا، ويشترط التفصيل يلاحظفيما تفصيلا، وهذا هو المشهود وعليه الجمهور، والإقرار باللسان شرط في
ص 49
إجراء الأحكام الدنيوية عند الإمام أبي منصور الماتريدي والأشاعرة وشطر منه عند أكثر الحنيفة، والعمل بالطاعات شرط في كماله عند الجمهور غير داخل في حقيقة، فليس الإيمان مجرد معرفة الله، بدون الاذعان والنطق باللسان = كما قال جهم بن صفوان = ولو كان مجرد المعرفة إيمانا بالله تعالى لكان إبليس مؤمنا لأنه عارف بربه يعرف أنه خالفه ومميته وباعثه ومعذبه، (قال رب بما أغويتني)، وقال: (انظرني إلى يوم يبعثون)، وقال: (خلقتني من نار وخلقته من طين)، ولكان الكفار مؤمنين بربهم، إذا أنكروا بلسانهم قال تعالى: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم)، فلم يجعلهم مع استيقانهم بأن الله تعالى واحد مؤمنين مع جحدهم بلسانهم. وقال تعالى: (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون)، وقال تعالى: (قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون فذلكم الله ربكم الحق)، فلم تنفعهم معرفتهم مع إنكارهم. وقال تعالى (يعرفونه كما يعرفون أبناءهم)، فلم تنفعهم معرفته (صلى الله عليه وآله وسلم) مع كتمانهم أمره وجحودهم به، وليس الإيمان هو الإقرار باللسان فقط = كما قالت الكرامية = ولو كان هو الإقرار ما نفاه الله تعالى عن المنافقين في قوله تعالى: (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين)، وليس الإيمان مجموع الاعتقاد بالجنان والإقرار باللسان والعمل بالأركان = كما قالت الخوارج والمعتزلة =، عليه كفر اعتقاد القلب ولا تعلق له باللسان والأركان إلا أنه لما كان أمرا باطنا لا يوقف التصديق اعتقاد القلب ولا تعلق له باللسان والأركان إلا أنه لما كان أمرا باطنا لا يوقف عليه ولا يمكن بناء أحكام الشرع عليه جعل الشرع العبارة عما في القلب بالإقرار أمارة عليه وشرطا لإجراء الأحكام الدنيوية، كما قال عليه الصلاة والسلام: (أمرت أن أقاتل حتىالناس يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) ومن أطلق اسم الإيمان على غير التصديق فقد صرفه عما هو المفهوم
ص 50
منه في اللغة، ولو جاز ذلك لجار صرف كل اسم عن موضوعه في اللغة وفيه إبطال اللسان، ولم يصح حينئذ الاحتجاج بالقرآن. والدليل على صحة ما ذكرنا جواب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لجبريل عليه السلام: (ما الإيمان؟) بقوله: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله = الحديث) وروي أن جبريل عليه السلام قال بعد ذلك: (فإذا قلت هذا فأنا مؤمن) قال (نعم) فلو كان الإيمان اسما لما وراء التصديق لكان تفسير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إياه بالتصديق خطأ وقوله نعم كذبا والقول به باطل. واستدل المحققون على أن الأعمال الصالحة خارجة عن حقيقة الإيمان بوجوه، أحدها أن الله سبحانه وتعالى فرق بين الإيماني وبين الأعمال في كثير من الآيات نحو قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، وقوله تعالى: (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون)، وقوله تعالى: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة)، وقوله تعالى: (تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله - الآية)، وغير هذه من الآيات. والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما سئل عن أفضل الأعمال قال: (إيمان بالله لا شك فيه وجهاد لا غلول فيه وحج مبرور)، وكذا في حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عن قلت أي الأعمال أفضل؟، قال: (الإيمان بالله ورسوله) قلت: ثم أي؟ قال (الصلاة لميقاتها) قلت ثم أي؟، قال (بر الوالدين)، ووجه ذلك أنه عطف الأعمال على الإيمان والعطف يقتضي المغايرة، وشرط الإيمان لصحة الأعمال في قوله تعالى: (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن)، والشرط غير المشروط لا محالة، وصح إيمان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإيمان أصحاب قبل مشروعية الصلاة والصوم والزكاة والحج غيرها، ولو كانت الأعمال من أركان الإيمان لم يكن الإيمان موجودا بدون أركانه. (الثاني): إن الله تعالى جعل محل الإيمان القلب فقال: (إلا من أكره وقلبه
المصدر
ص 26
(3) - وقال في الجزء الثاني من منهاج السنة ص 62 بعد ثرثرة ذم فيها جميع فرق المسلمين من المتكلمين مصرحا بأنهم عبدوا غير الله لجهلهم توحيد الألوهية وإثبات حقائق أسماء الله، ما نصه: فإنهم قصروا عن معرفة الأدلة العقلية التي ذكرها الله في كتابه فعدلوا عنها إلى طرق أخرى مبتدعة فيها من الباطل ما لأجله خرجوا عن بعض الحق المشترك بينهم وبين غيرهم، ودخلوا في بعض الباطل المبدع، وأخرجوا من التوحيد ما هو منه كتوحيد الإلهية، وإثبات حقائق أسماء الله وصفاته، ولم يعرفوا من التوحيد إلا توحيد الربوبية، وهو الإقرار بأن الله خالق كل شيء وهذا التوحيد كان يقر به المشركون الذين قال الله عنهم: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله)، وقال تعالى: (قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون الله، الآيات). وقال عنهم: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)، فالطائفة من السلف تقول لهم من خلق السماوات والأرض فيقولون الله، وهم مع ذلك يعبدون غيره، وإنما التوحيد الذي أمر الله به العباد هو توحيد الألوهية المتضمن توحيد الربوبية، بأن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا فيكون الدين كله لله إ ه. (4): وقال في رسالة أهل الصفة ص 34: توحيد الربوبية وحده لا ينفي الكفر ولا يكفي إ ه. أقول: قد لبس ابن تيمية في تآليفه على العامة وأشباههم من المتفقهة كثيرا بالسلف الصالح والكتاب والسنة لترويج هواه في سوقهم ولكنه في هذا الكلام صرح بهواه ولم يلصقه بهما ولا بالسلف وإني بحول الله وتوفيقه أكيل له بصاعه الذي لبس به على البسطاء تكيلا حقيقيا وافيا، مبرهنا فأقول كلامه هذا في الأربعة المواضع باطل باثنين وثلاثين وجها.
ص 27
اثنان وثلاثين وجها لبطلان كلام ابن تيمية
الوجه الأول:
لم يقل الإمام أحمد بن حنبل الذي انتسب إليه كذبا لأصحابه: إن التوحيد قسمان: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وإن من لم يعرف توحيد الألوهية لا تعتبر معرفته لتوحيد الربوبية لأن هذا يعرفه المشركون، وهذا عقيدة الإمام أحمد مدونة في مصنفات أتباعه في مناقبه لابن الجوزي وفي غيره ليس فيه هذا الهذيان.
الوجه الثاني:
لم يقل أي واحد من أتباع التابعين لأصحابه إن التوحيد قسمان: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وإن من لم يعرف توحيد الألوهية لا يعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية، فلو اجتمع معه الثقلان على إثباته عن أي واحد منهم لا يستطيعون.
الوجه الثالث:
لم يقل أي واحد من التابعين لأصحابه إن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، فلو اجتمع معه الثقلان على إثباته عن أي واحد منهم لا يستطيعون.
الوجه الرابع:
لم يقل أي صحابي من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورضي عنهم أن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وإن من لم يعرف توحيد الألوهية لا يعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية لأن هذا يعرفه المشركون، وإني أتحدى كل من له إلمام بالعلم أن ينقل لنا هذا التقسيم المخترع عنهم ولو برواية واهية.
ص 28
الوجه الخامس:
لم يأت في سنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الواسعة التي هي بيان لكتاب الله عز وجل من صحاح وسنن ومسانيد ومعاجم، أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقول لأصحابه ويعلمهم أن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وإن من لم يعرف توحيد الألوهية لا يعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية، لأن هذا يعرفه المشركون، فلو اجتمع معه الثقلان على إثبات هذا الهذيان عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بإسناد ولو واهيا لا يستطيعون.
الوجه السادس:
بل كتب السنة طافحة بأن دعوته (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس إلى الله كانت إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وخلع عبادة الأوثان، ومن أشهرها حديث معاذ بن جبل لما أرسله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى اليمن فقال له: (ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأخبرهم أن عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة - الحديث)، وروى الخمسة وصححه ابن حبان أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبره أعرابي برؤية الهلال، فأمر بالصيام ولم يسأله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا عن الإقرار بالشهادتين، وكان اللازم على هذيانه هذا أن يدعو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جميع الناس إلى توحيد الألوهية الذي جهلوه وأما توحيد الربوبية فقد عرفوه ويقول لمعاذا ادعهم إلى توحيد الألوهية، ويقول للأعرابي الذي رأى هلال رمضان هل تعرف توحيد الألوهية؟.
الوجه السابع:
لم يأمر الله في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه عباده بتوحيد الألوهية، ولم يقل لهم إن من لم يعرفه لا يعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية، بل أمر وهو:
ص 29
الوجه الثامن:
بكلمة التوحيد مطلقة، قال الله تبارك وتعالى مخاطبا نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) (فاعلم أنه لا إله إلا الله الله) وهكذا جميع آيات التوحيد المذكورة في القرآن مع سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن.
الوجه التاسع:
يلزم على هذا الهذيان على الله تبارك وتعالى لعباده حيث عرفوا كلهم توحيد الربوبية ولم يعرفوا توحيد الألوهية - أن يبينه لهم ولا يضلهم ولا يعذبهم على جهلهم نصف التوحيد ولا يقول لهم: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) نعوذ بالله من زلقات اللسان وفساد الجنان. الإله هو الرب، والرب هو الإله.
الوجه العاشر:
الإله هو الرب والرب هو الإله فهما متلازمان يقع كل منهما في موضع الآخر، وكتاب الله تعالى طافح بذلك، وكذلك سنته عليه الصلاة والسلام. قال الله تبارك وتعالى: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم)، وكان اللازم = على زعمه = حيث كانوا يعرفون توحيد الربوبية ولا يعرفون توحيد الألوهية أن يقول الله: (اعبدوا إلهكم)، وقال الله تعالى: (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه - الآية)، وكان اللازم = على زعمه = حيث كان النمرود يعرف توحيد الربوبية ويجهل توحيد الألوهية أن يقول الله تعالى: (ألم تر إلى الذي
ص 30
حاج إبراهيم في إلهه) وكان اللازم - على زعمه = أن يقول الله في قوله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة) اتقوا إلهكم. وكان اللازم - على زعمه = أن يقول الله في قوله تعالى: (إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء)، هل يستطيع إلهك، وكان اللازم - على زعمه = أن يقول الله في قوله تعالى: (ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) ثم الذين كفروا بإلههم يعدلون لأن الرب يعرفونه، وهو شيء كثير في القرآن.
الوجه الحادي عشر:
يلزم = على زعمه = عدم تبيين الذي لا ينطق عن الهوى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) للناس في دعوته لهم إلى الله تبارك وتعالى توحيد الألوهية الذي جهلوه وعدم تبيينه (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم ذلك، لا يخلو من أن يكون جهلا له أو كتمانا، وكلاهما مستحيل في حقه (صلى الله عليه وآله وسلم) وكفر، نعوذ بالله من زلقات اللسان وفساد الجنان.
الوجه الثاني عشر:
زعمه أن المشركين يعرفون توحيد الربوبية، أي يعرفون أن الرب هو الخالق الرازق المحيي المميت غير صحيح في مشركي العرب وحدهم فضلا عن مشركي جميع الأمم، وقد أخبر الله عنهم في آيات كثيرة بأنهم أنكروا البعث أشد الانكار وأنهم ما يهلكهم إلا الدهر، مرور الزمان، وقد اشتهر ذلك في أشعارهم. قال أحدهم: (أشاب الصغير وأفني الكبير كر الغداة ومر العشي)، واشتهر قولهم: (أرحام تدفع وأرض تبلع)، أيقول عاقل في هؤلاء مع هذا الكفر أنهم يعرفون توحيد الربوبية؟، ولو سلم أنهم يقرون بتوحيد الربوبية فإن مجرد الإقرار به لا يسمى توحيدا عند علماء الإسلام، ولو كان الإقرار بالربوبية توحيدا = كما زعم =
ص 31
لكان تصديق عتاة قريش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتكذيبهم بآيات الله تعالى توحيد ولا يقول بهذا عاقل. قال الله تعالى: (فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) ولو كان الإقرار بالربوبية توحيد = كما زعم = لكان علم عاد بالخالق لهم مع تكذيبهم آياته ورسوله هودا عليه الصلاة والسلام لما هددهم بالعذاب توحيدا، زاجرا لهم عن قولهم: (من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون)، ولا يقول بهذا عاقل، أيقول عاقل في فرعون الذي قال: (أنا ربكم الأعلى) وقال: (يا أيها الناس ما علمت لكم من إله غيري) وقال لملأه: (إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون)، لما أجابه موسى عليه الصلاة والسلام عن سؤاله عن حقيقة رب العالمين قائلا هو: (رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين)، و(ربكم ورب آبائكم الأولين)، إنه يعرف توحيد الربوبية، أيقول عاقل في النمرود بن كنعان الذي ادعى الربوبية وحاج خليل الله عليه الصلاة والسلام في ربه وزعم أنه يحيي ويميت، إنه يعرف توحيد الربوبية؟، أيقول عاقل في الدهريين المنكرين وجود الإله وفي الثنوية المنكرين وجود إله واحد وفي الوثنية القائلين بكثرة الأرباب والآلهة وفي التناسخية وفي المزدكية والخرمية والبابية والماركسية، ويدعي في هذه الطوائف الضالة كلها إنها تعرف توحيد الربوبية؟، وكثير من سكان المعمورة دهريون طبائعيون إباحيون ملاحدة ينكرون وجود الرب، حتى من كان منهم متدينا بالمسيحية واليهودية كأهل أو ربا انسلخ أكثرهم منهما إلى الالحاد والإباحة ولا زال الالحاد والإباحة منتشرين في الأرض من بعد نوح عليه الصلاة والسلام، وعليهما أكثر سكان الربع العامر الآن.
الوجه الثالث عشر:
قوله في تفسير قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ولا ينفع ذا الجد منك الجد)، فبين في هذا الحديث أصلين عظيمين أحدهما: توحيد الربوبية والثاني توحيد الإلهية، كذب مكشوف يجوز على الأغبياء، ولا يخلو فاعل بين من كونه
ص 32
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بين أن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، أو الحديث نفسه بين نفسه، أو فهمه من الحديث ذلك، ولا شك أنه كذب مكشوف في الأول والثاني قطعا فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يبين في هذا الحديث أصلين عظيمين إلى آخر الهذيان، ولا الحديث بين ذلك، فانحصر فاعل بين في فهمه، وكان الواجب عليه للعامة وأشباههم التصريح بفهمه، بأن يقول لهم فهمت من هذا الحديث أصلين عظيمين الخ.. ولا يلبس عليهم بهذا الهراء، وباقي كلامه هنا ثرثرة لا تحتاج إلى تعليق.
الوجه الرابع عشر:
يقال في قوله في الموضع الثاني (وإن كانت الإلهية تتضمن الربوبية والربوبية تستلزم الإلهية) هل قال الإمام أحمد بن حنبل الذي يقدسه عند غرضه هذا الكلام؟.
الوجه الخامس عشر:
هل قاله أحد من أتباع التابعين رحمهم الله تعالى؟.
الوجه السادس عشر:
هل قاله أحد من التابعين رحمهم الله تعالى؟.
الوجه السابع عشر:
هل قاله أحد من الصحابة رضوان الله عليهم؟.
الوجه الثامن عشر:
هل قاله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟.
ص 33
الوجه التاسع عشر:
هل قاله الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز؟. كتاب في تحريم علم المنطق
الوجه العشرون:
التضمن والالتزام من علم المنطق، وهو قد ألف كتابا في تحريمه، فقد صدق من قال فيه: إنه لا يدري ما يقول، وهو كثير التناقض في كلامه ولا يشعر.
الوجه الحادي والعشرون:
يقال للمفتونين به وضحوا لنا هذا الكلام: (وإن كانت الإلهية تتضمن الربوبية والربوبية تستلزم الإلهية، فإن أحدهما إذا تضمن الآخر عند الانفراد لم يمنع أن يختص بمعناه عند الاقتران كما في قوله: قل أعوذ برب الناس الخ. وهل كان السلف الصالح الذين يلبس بهم على البسطاء يقولون هذا الهذيان ويعلمونه تلامذتهم؟، وهل قاله علماء الإسلام والمفسرون؟.
الوجه الثاني والعشرون:
قوله في الموضع الثالث (فإنهم قصروا عن معرفة الأدلة العقلية التي ذكرها الله في كتابه)، دعوى كاذبة مقلوبة عليه فيقال له: إنما المقصر عن معرفة الأدلة العقلية التي ذكرها الله تعالى في كتابه أنت وأشياخك المجسمة، مبنية على إعجابه بنفسه وتأليهه هواه وازدرائه علماء الإسلام، وكل مائق يمكنه أن يقول: إن الناس
ص 34
كلهم مخطئون: أو أن المتكلمين جميعا قصروا عن معرفة الأدلة العقلية الخ..، لأن الثرثرة لا ضريبة عليها، ولكن هل يضمن لهذره الصواب دائما؟. وكل من تصفح تآليفه يجد إعجاب برأيه وازدراءه للعلماء ماثلين أمام عينه في كل صفحة، والإعجاب واحتقار عباد الله من أوليات إبليس.
الوجه الثالث والعشرون:
يقال له في قوله: (فعدلوا عنها إلى طرق آخر مبتدعة)، من أين لك إن علماء الإسلام كلهم عدلوا عن الأدلة العقلية التي ذكرها الله تعالى في كتابه إلى طرق أخرى مبتدعة، ومشيت أنت وحدك عليها فعصمت من الطرق المبتدعة؟، أبنص صريح من كتاب الله تعالى أو من سنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)؟، فلو استظهر بالثقلين على أن يجد فيهما ما يصوب رأيه ويخطئ علماء الإسلام، لم يظفر بذلك.
الوجه الرابع والعشرون:
قوله (فيها من الباطل ما لأجله خرجوا عن بعض الحق المشترك بينهم وبين غيرهم ودخلوا في بعض الباطل المبتدع وأخرجوا من التوحيد ما هو منه كتوحيد الإلهية وإثبات حقائق أسماء الله وصفاته)، كلام معمى ملبس فاسد مشتمل على خمسة أوجه كلها فاسدة: (الأول) فيها أي الطرق التي ابتدعها علماء الإسلام = زعمه = من الباطل أي الكفر ومن للتبعيض أي بعض الكفر، ما أي الذي لأجله خرجوا عن بعض الحق المشترك بينهم بينهم وبين غيرهم، أي خرجوا عن توحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات اللذين هما مع توحيد الربوبية مجموع الحق المشترك بينهم يعني جميع المسلمين، وبين غيرهم يعني نفسه، ودخلوا في بعض الباطل المبتدع، أي دخلوا في بعض الكفر المبتدع، (وأخرجوا من التوحيد ما هو منه كتوحيد الإلهية وإثبات حقائق أسماء الله وصفاته)، أي أخرجوا هذين القسمين من مجموع التوحيد الذي هو توحيد
ص 35
الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، وقد قلده محمد بن عبد الوهاب في هذا الموضع أيضا، فقسم التوحيد في بعض رسائله إلى ثلاثة أقسام، وتقدم في الموضع الأول والثاني والرابع من كلامه ما يدل صريحا على أن التوحيد ينقسم إلى قسمين فقط: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، فليتأمل الألباء هذا الخبط. (الثاني): الحق معنى من المعاني لا يصح تبعيضه والباطل كذلك، فتقويم كلامه هذا = على مقتضى زعمه = أن يقول: علماء الإسلام قاطبة خرجوا عن الحق الذي هو الإيمان، ودخلوا في الباطل الذي هو الكفر، أي كفروا، والعياذ بالله، وماذا بعد الحق إلا الضلال، ولم يقل عاقل من المسلمين إن الإيمان والكفر يتجزءان لذاتهما، فقد كفر المسلمين في أول هذا الكلام، وليس تكفيرهم بالتعبير بلفظ بعض في وسطه، وصرح بتكفيرهم في آخره كما سأحلله. (الثالث): قوله: (خرجوا عن بعض الحق المشترك بينهم وبين غيرهم) كلام يضحك منه المجانين قبل العقلاء، لأن معناه توحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات بضاعة مشتركة بينه وبين علماء الإسلام فخرجوا هم عن هذه الشركة باختيارهم وتركوها له خالصة. (الرابع): وهو أشد فسادا مما قبله قوله: (وأخرجوا من التوحيد ما هو منه كتوحيد الألوهية وإثبات حقائق أسماء الله وصفاته)، فإنه يدل على أن علماء الإسلام كلهم يعرفون أقسام التوحيد الثلاثة حق المعرفة، ومع ذلك أخرجوا منه قسمين عمدا وهما: توحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، وأبقوا لأنفسهم توحيد الربوبية الذي أقر به المشركون. (الخامس) قوله: (وإثبات حقائق أسماء الله وصفاته) تلبيس فاسد فإن الله تبارك وتعالى لم يكلف عباده بمعرفة (إثبات حقائق أسماء الله وصفاته)، ورسوله المبعوث رحمة للعالمين لم يأمر الناس لما دعاهم إلى الله بذلك، وإنما أمر الله عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وأمرنا تعالى أن ندعوه بأسمائه الحسنى ولم يأمرنا بإثبات حقائقها، وأمرنا باتباع نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) في جميع ما آتانا به من الأوامر واجتناب ما نهانا
ص 36
عنه، وسلفنا الصالح الصحابة وأتباعهم وأتباع أتباعهم لما نشروا محاسن الدين الإسلامي على المعمورة لم يأمروا الناس بإثبات حقائق أسماء الله وصفاته، ومن شك في هذا أو كابر فليبرز لنا نقلا صحيحا عنهم يدل لهذيانه هذا، ومقصوده به حقائق صفات الله فقط، لأنه يعتقد في ظواهر القرآن والسنة المتشابهة أنها صفات لله حقيقة، فيقول: إنه تعالى استوى على عرشه حقيقة، وفوق العرش حقيقة، تقليدا لسلفه المجسمة، وقد تقدم رد ابن الجوزي عليهم بأن تسميتها صفات بدعة لم يقلها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا أصحابه، فأسماء الله تعالى مقحم بين المضاف والمضاف إليه.
الوجه الخامس والعشرون:
قوله (ولم يعرفوا من التوحيد إلا توحيد الربوبية وهو الإقرار بأن الله تعالى خالق كل شيء، وهذا التوحيد كان يقر به المشركون الذين قال الله عنهم: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) وقال تعالى: (قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون الله - الآيات) وقال عنهم (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون)، صريح في تكفير المتكلمين، متناول أيضا للصحابة فمن بعدهم إلى يوم القيامة إلا من قال برأيه، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله (أي ومحمد رسول الله) فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله)، وصح عنه أيضا أنه قال (من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا فهو المسلم الذي له ما لنا وعليه ما علينا)، وصح عنه أيضا أنه قال لمولاه أسامة بن زيد رضي الله عنهما: (أقتله بعد ما قال لا إله إلا الله) فقال يا رسول الله إنما قالها خوفا من السيف فقال له (فهلا شققت عن قلبه حتى تعلم أنه قالها لذلك)، وصح عنه أيضا أنه قال: (إني لم أو مر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم)، وصح عنه أيضا أنه قال: (إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما). ودلت نصوص الشريعة المستفيضة
ص 37
على أن الكفر أمر باطني لا يعلمه إلا الله فالحكم به على واحد من المسلمين خطير جدا، فكيف الحكم به على الأمة الإسلامية كلها؟، فهذا لا يتفوه به إلا من نزع من قلبه مخافة المنتقم الجبار، فقد برهن بهذا الكلام، على أنه مقتد بأسلافه الحروريين الذين كفروا كثيرا من سادات المسلمين الصحابة رضوان الله عليهم والأمة الإسلامية جمعاء إلا من وافقهم على هواهم، ولذلك جاء في الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال فيهم: (هم شرار الخلق عمدوا إلى آيات نزلت في الكفار فحملوها على المؤمنين)، فهو في المائة الثامنة مجدد الربوع البالية يحمل الآيات الواردة في الكفار على المؤمنين كما حملها عليهم أسلافه كلاب النار، فالذي قال من العلماء إنه كفر ابن عربي وابن الفارض وابن سبعين فقط، والذي قال منهم إنه طعن في الشريف أبي الحسن الشاذلي، والذي قال إنه طعن في رجال الصوفية جميعا، والذي قال إنه كفر إمام الحرمين أبا المعالي الجويني وتلميذه أبا حامد الغزالي، كلهم صادقون، لأن كلا منهم اطلع على قبيحة من قبائحه المدسوسة المفرقة في كتبه ورسائله، ولم يطلعوا على كلامه هذا ولو اطلعوا عليه لتحققوا إنه كفر الأمة الإسلامية جمعاء، متكلمين وفقهاء ومحدثين وصوفية، في مقدمتها سلفها الصالح الصحابة والتابعون وأتباعهم رضوان الله عليهم. فإن قيل: منطوق كلامه في حكمه بالشرك خاص بفرق المتكلمين فكيف عممته في الأمة الإسلامية كلها، فادعيت إنه متناول للصحابة والتابعين وأتباعهم وللفقهاء والمحدثين والصوفية؟. قلت: الصحابة وعلماء التابعين وأتباعهم ومن بعدهم من علماء المسلمين كلهم متكلمون، والدليل عليه عشرة أوجه: (الأول) علم الكلام علم قرآني فإنه مبسوط في كلام الله تعالى بذكر الإلهيات والنبويات والسمعيات والثلاثة مجموعة، مع ذكر ما يتوقف عليه وجود الصانع من حدوث العالم المشار إليه بخلق السماوات والأرض والنفوس وغيرها والإشارة إلى مذاهب المبطلين والطبائعيين وإنكار ذلك عليهم والجواب عن شبه المبطلين المنكرين لشيء من ذلك، إمكانا أو وجودا، كقوله تعالى: (كما بدأنا أول خلق نعيده)، وقوله
ص 38
تعالى: (قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم)، وقوله تعالى: (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا)، وذكر حجج إبراهيم وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وحكم لقمان وغير ذلك مما يطول ذكره، وتكلم فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كإبطاله اعتقاد الأعراب في الأنواء وفي العدوي وفي جوابه للأشعريين عن سؤالهم عن أول هذا الأمر، قال (كان الله ولم يكن شيء غيره - إلى آخر الحديث) وغير ذلك، وهو كسائر العلوم مركوز في طباع الصحابة الناصعة الصافية، ولاتفاقهم جميعا في العقيدة الإسلامية لم يحتاجوا إلى الكلام فيه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. تحقيق مطنب فيه للعلامة سعد الدين التفتازاني في شرح المقاصد قال العلامة سعد الدين التفتازاني في شرح المقاصد: الأحكام المنسوبة إلى الشرع منها ما يتعلق بالعمل وتسمى فرعية وعملية ومنها ما يتعلق بالاعتقاد وتسمى أصلية واعتقادية، وكانت الأوائل من العلماء ببركة صحبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقرب العهد بزمانه وسماع الأخبار منه ومشاهدة الآثار مع قلة الوقائع والاختلافات مستغنين عن تدوين الأحكام وترتيبها أبوابا وفصولا وتكثير المسائل فروعا وأصولا إلى أن ظهر اختلاف الآراء والميل إلى البدع والأهواء، وكثرت الفتاوى والواقعات ومست الحاجة فيها إلى زيادة نظر والتفات فأخذ أرباب النظر والاستدلال في استنباط الأحكام وبذلوا جهدهم في تحقيق عقائد الإسلام، وأقبلوا على تمهيد أصولها وقوانينها وتلخيص حججها وبراهينا وتدوين المسائل بأدلتها والشبه بأجوبتها، وسموا العلم بها فقها وخصوا الاعتقاديات باسم الفقه الأكبر، والأكثرون خصوا العمليات باسم الفقه، والاعتقاديات بعلم التوحيد والصفات، تسمية بأشهر أجزائه وأشرفها، وبعلم الكلام، لأن مباحثه كانت مصردة بقولهم الكلام في كذا وكذا، ولأن أشهر الاختلافات فيه كانت مسألة كلام الله تعالى أنه قديم أو حادث، ولأنه يورث قدرة على الكلام في تحقيق الشرعيات، كالمنطق في الفلسفيات، ولأنه كثر فيه من الكلام مع المخالفين والرد عليهم
ص 39
ما لم يكثر في غيره، ولأنه لقوة أدلته صار كأنه هو الكلام دون ما عداه، كما يقال للأقوى من الكلامين هذا هو الكلام، واعتبروا في أدلتها اليقين لأنه لا عبرة بالظن في الاعتقاديات بل في العمليات، فظهر أنه العلم بالقواعد الشرعية الاعتقادية المكتسب من أدلتها اليقينية، وهذا هو معنى العقائد الدينية، أي المنسوبة إلى دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، سواء توقف على الشرع أم لا وسواء كان من الدين في الواقع ككلام أهل الحق أم لا ككلام المخالفين، وصار قولنا هو العلم بالعقائد الدينية عن الأدلة اليقينية مناسبا لقولهم في الفقه إنه العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية، وموافقا لما نقل عن بعض عظماء الملة إن الفقه معرفة النفس ما لها وما عليها، وإن ما يتعلق منها بالاعتقاديات هو الفقه الأكبر، وخرج العلم بغير الشرعيات وبالشرعية الاعتقادية الشرعية الفرعية، وعلم الله تعالى، وعلم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالاعتقاديات، وكذا اعتقاد المقلد فيمن يسميه علما، ودخل علم علماء الصحابة بذلك فإنه كلام وإن لم يكن، وسمي في ذلك الزمان بهذا الاسم، كما أن علمهم بالعمليات فقه وإن لم يكن ثمة هذا التدوين والترتيب، وذلك إذا كان متعلقا بجميع العقائد بقدر الطاقة البشرية مكتسبا من النظر في الأدلة اليقينية، أو كان ملكة يتعلق بها بأن يكون عندهم من المأخذ والشرائط ما يكفيهم في استحضار العقائد على ما هو المراد بقولنا العلم بالعقائد عن الأدلة، وإلى المعنى الأخير يشير قول المواقف إنه علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج ودفع الشبه، ومعنى إثبات العقائد تحصيلها واكتسابها بحيث يحصل الترقي من التقليد إلى التحقيق، أو إثباتها على الغير بحيث يتمكن من إلزام المعاندين، أو إتقانها وإحكامها بحيث لا تزلزلها شبه المبطلين إ ه. أقام الحجة على أربعين رجلا من اليهود المجسمة (الثاني): قد تكلم الفاروق رضي الله تعالى عنه في علم الكلام. ناظر أبا عبيدة ابن الجراح بسرغ في القدر، لما أراد أن يرجع إلى المدينة بمن معه من أجل طاعون عمواس ، فحجه ومناظرتهما مسطرة في صحيح البخاري، وقطع حيدرة كرم الله وجهه الخوارج بالحجة وقطع دهريا وأقام الحجة على أربعين رجلا من اليهود المجسمة بكلام
ص 40
نفيس مطنب، رواه الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في الحلية، وقطع ابن عمه الحبر ابن عباس رضي الله عنهما الخوارج بالحجة أيضا، ولا يقول من له مسكة من عقل ودين في هؤلاء السادة من الصحابة أنهم ليسوا بمتكلمين أو ليسوا بفقهاء أو ليسوا بمحدثين. والعلم = كما قال إمام دار الهجرة مالك بن أنس = ليس بكثرة الرواية وإنما هو نور يقذفه الله تعالى في قلب من يشاء من عباده. قطع أياس بن معاوية القدرية (الثالث): قد قطع أياس بن معاوية القاضي القدرية، وقطع الخليفة العادل عمر عبد العزيز أصحاب شوذب الخارجي، وقطع ربيعة الرأي شيخ الإمام مالك غيلان القدري، وقطعه أيضا داود بن أبي هند، وقطع الإمام أبو حنيفة الضحاك الخارجي حين دخل الكوفة وأمر بقتل الرجال واسترقاق النساء والصبيان، وقطع أيضا سبعين من الخوارج دخلوا عليه وأرادوا قتله فتابوا من مذهبهم، وقطع أيضا جماعة من الدهريين دخلوا عليه، وقطع أيضا شيخ الرافضة المسمى بشيطان الطاق، وناظر جهم ابن صفوان فألزمه الحجة. ولا يقول من له مسكة من عقل ودين في هؤلاء السادة من التابعين أنهم ليسوا بمتكلمين أو ليسوا بفقهاء أو ليسوا بمحدثين. (الرابع): قد قطع الإمام أبو عمرو الأوزاعي غيلان القدري أيضا، وألف الإمام مالك رسالة في القدر في الرد على القدرية، قالوا وهي من خيار الكتب الدالة على سعة علمه، وناظر الإمام الشافعي حفصا الفرد المعتزلي فقطعه، وناظر أيضا بشرا المريسي فقطعه، ولا يقول من له مسكة من عقل ودين في هؤلاء الأئمة أنهم ليسوا بمتكلمين أو أنهم ليسوا بفقهاء أو ليسوا بمحدثين. (الخامس): قد صنف سيد المحدثين في زمانه محمد بن إسماعيل البخاري المتوفى سنة ست وخمسين ومائتين كتابا في خلق أفعال العباد، وصنف المحدث نعيم بن حماد الخزاعي وهو من أقران الإمام أحمد المتوفى في حبس الوثق سنة ثمان وعشرين ومائتين
ص 41
كتبا في الرد على الجهمية وغيرهم، وصنف المحدث محمد بن أسلم الطوسي المتوفى سنة اثنتين وأربعين ومائتين وهو من أقران الإمام أحمد أيضا في الرد على الجهمية. ليس علم الكلام محظورها على المحدث والفقيه وناظر الإمام أحمد بن حنبل المعتزلة في خلق القرآن، وقال الحنابلة إنه صنف كتابا في الرد على الجهمية، ولا يقول من له مسكة من عقل ودين في هؤلاء الأئمة أنهم ليسوا بمتكلمين أو ليسوا بفقهاء، وليس علم الكلام محظورا على المحدث والفقيه ولا علم الحديث محظورا على المتكلم والفقيه. فإن قيل: قد ذم علم الكلام جماعة من السلف فروي عن الشعبي أنه قال من طلب الدين بالكلام تزندق ومن طلب المال بالكيماء أفلس ومن حدث بغرائب الحديث كذب، وروي مثله عن مالك الإمام والقاضي أبي يوسف صاحب الإمام أبي حنيفة، وأجاب الحافظ أبو بكر البيهقي عنه بقوله: إنما أرادوا بالكلام كلام أهل البدع، لأن عصرهم إنما كان يعرف بالكلام فيه أهل البدع، وأما أهل السنة فقلما كانوا يخوضون في الكلام حتى اضطروا إليه بعد، ويحتمل ذمهم له وجها آخر وهو أن يكون المراد به أن يقتصر على علم الكلام ويترك تعلم الفقه الذي يتوصل به إلى معرفة الحلال والحرام، ويرفض العمل بما أمر بفعله من شرائع الإسلام ولا يلتزم فعل ما أمر به الشارع وترك ما نهى عنه من الأحكام، قال: وقد بلغني عن حاتم الأصم، وكان من أفاضل الزهاد وأهل العلم أنه قال: الكلام أصل الدين والفقه فرعه والعمل ثمره فمن اكتفى بالكلام دون الفقه والعمل تزندق، ومن اكتفى بالعمل دون الكلام والفقه ابتدع، ومن اكتفى بالفقه دون الكلام والعمل تفسق، ومن تفنن في الأبواب كلها تخلص. وقد روي مثل كلام حاتم هذا عن أبي بكر الوراق. وما ورد عن الإمام الشافعي رضي الله عنه في ذم علم الكلام والمتكلمين ليس على إطلاقه وإنما هو في المبتدعة القدرية وغيرهم الذين جانبوا نصوص الشريعة، كتابا وسنة، وتعمقوا في الأهواء الفاسدة، وأما الكلام الموافق للكتاب والسنة الموضح لحقائق الأصول عند ظهور الفتنة فهو محمود عند العلماء قاطبة يستحيل ذم الشافعي له وقد كان يحسنه ويفهمه.
ص 42
وقد ناظر بشرا المريسي وحفصا الفرد فقطعهما، وناظر أيضا إبراهيم بن إسماعيل بن علية في خبر الواحد وكان هذا ينكره فقطعه، وقال: ما ناظرت أحدا أحببت أن إلايخطئ صاحب بدعة فإني أحب أن ينكشف أمر للناس رضي الله عنه. رد على المعتزلة فأجاد. (السادس): قد رد على المعتزلة فأجاد بالتأليف ثلاثة من علماء السنة من أقران الإمام أحمد بن حنبل الحارث المحاسبي والحسين الكرابيسي وعبد الله بن سعيد بن كلاب المتوفى بعد الأربعين ومائتين بقليل، ويمتاز الأول بإمامته أيضا في التصوف ولا يقول من له مسكة من عقل ودين في هؤلاء العلماء أنهم قصروا عن معرفة الأدلة العقلية التي ذكرها الله في كتابه فعدلوا عنها إلى آخر هذيانه، أوانهم ليسوا بمحدثين ولا بفقهاء. (السابع): قد صنف إماما أهل السنة والجماعة في عصرهما وبعده إلى يومنا هذا أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي المصنفات العظيمة في الرد على طوائف المبتدعة والمخالفين للإسلام مملوءة بحجج المنقول والمعقول، وامتاز الأول بمناظراته العديدة للمعتزلة بالبصرة التي قل بها حدهم وقلل عددهم، وصنف أتباعهما من بعدهما المئات من المجلدات في الرد على المبتدعة والمخالفين للإسلام على تعاقب الأجيال. قام بالرد على المبتدعة المخالفين للإسلام وقام كثير فحول الأشاعرة بالرد على طوائف المبتدعة والمخالفين للإسلام بالتآليف الكثيرة والمناظرات العديدة بزوا بهما المعتزلة الذين هم أفحل طوائف المبتدعة كما بزوا غيرهم من المبتدعة والدهريين والفلاسفة والمنجمين في الحلبتين ورفعوا لواء مذهب الأشعري على المعمورة، أحسن قيام، وأبرزهم في نشره ثلاثة الأستاذ أبو بكر بن فورك وأبو إسحاق الاسفرائيني والقاضي الإمام أبو بكر الباقلاني، فالأولان نشراه في المشرق والقاضي نشره في المشرق والمغرب وتلامذتهم، فما جاءت المائة الخامسة إلا والأمة الإسلامية أشعرية وما تريدية لم يشذ عنها سوى نزر من المعتزلة ونزر من المشبهة وطائفة من الخوارج،
ص 43
فهما الأمة الإسلامية، والأشعرية في عصره هم المقصودون المخصوصون بتكفيره هذا، لأنه موتور منهم، فقد قضوا على مذهب سلفه المجسمة ببغداد بمحاوراتهم ودروسهم ومحاضرهم وقضوا عليهم في مدن خراسان والمشرق بالمناظرات والدروس والتآليف، وغضبوا غضبة مضرية لابن عبد السلام فقاموا على الأشرف الأيوبي فأرجعوه إلى الحق خجلا، مستغفرا مما وقع منه في حق ابن عبد السلام من الجهل، وقاموا عليه بدمشق لما جهر ببعض شواذه فناظروه فأفحموه وردوا عليه بالتآليف فأجادوا وصدر في قمعه مرسوم السلطان محمد بن قلاوون، واحتمى بالأمراء لما طلب إلى مصر لمناظرته ومحاكمته فيما صدر منه فلم يحضر عند قاضي المالكية زين الدين بن مخلوف، وقد حقق إحدى علامتي سلفه الخوارج وهي حمل الآيات الواردة في الكفار على المسلمين، والثانية وهي قتل أهل الإيمان وترك أهل الأوثان وجدت فيه بالقوة، فلو وجد أنصارا يحاربون معه لاستحل دماء المالكية والشافعية والحنفية وفضلاء الحنابلة، وقد استعاض عنها لما فقدها بالبضاعة التي لا يرتكبها إلا سفلة الناس، وهي السب والقذف والتكفير. فحول المحدثين من بعد أبي الحسن الأشعري إلى عصرنا هذا أشاعرة، وكتب التاريخ والطبقات ناطقة بذلك وفرق هذه البضاعة في كتبه ورسائله تضليلا ملبسا على العامة وأشباههم بالسلف متقولا عليهم وعلى الأشعري وأتباعه، وفحول المحدثين من بعد أبي الحسن إلى عصرنا هذا أشاعرة وكتب التاريخ والطبقات ناطقة بذلك. ومن خصائص هذه الأمة المرحومة وتميزها عن جميع الأمم كثرة علمائها ومؤلفيها فلا تجد عالما محققا أو فقيها مدققا إلا وهو أشعري أو ماتريدي، وتآليفهم في العلوم المتنوعة من تفسير وحديث وأصول وفروع وغيرها شاهدة لهم، ولا تجد نفاجا مهذارا من المتأخرين إلا وهو سارق من درهم متشبع به، نعوذ بالله من نكران الجميل، لم يسجل التاريخ لمجسم أنه ناظر قدريا أو دهريا أو كتابيا، كما سجل للأشعرية والماتريدية ذلك، ولم يسجل للمجسمة أنهم ألفوا كتبا مبسوطة مبرهنة في الرد على مخالفيهم
ص 44
ومخالفي دين الإسلام كما سجل ذلك للأشعرية والماتريدية، ولم يسجل لهم إنهم كانت لهم مجالس بالبحث والمناظرة في الفروع ومسائل الخلاف، فضلا عن مجالس البحث والمناظرة في الأصلين كما سجل ذلك لغيرهم من علماء المسلمين في مدائن المعمورة، حينما كانت الأمة الإسلامية قوية رافعة ألوية مجدها على المشرق والمغرب، ولم يسجل لفاضل حنبلي إنه أثنى على مجسم ثناء بليغا كما سجل ذلك لأبي الفضل التميمي الحنبلي على القاضي الإمام أبي بكر الباقلاني، فقد قالوا حضر يوم موت القاضي أبي بكر الباقلاني، أبو الفضل التميمي الحنبلي العزاء حافيا مع إخوته وأصحابه، وأمر أن ينادي بين يدي جنازته: هذا ناصر السنة والدين: هذا إمام المسلمين. هذا الذي كان يذب عن الشريعة ألسنة المخالفين. هذا الذي صنف سبعين ألف ورقة ردا على الملحدين، وقعد للعزاء مع أصحابه ثلاثة أيام فلم يبرح، وكان يزور تربته كل يوم جمعة، فهل يقول من له مسكة من عقل ودين في الملايين من الأشاعرة والماتريدية من أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) المرحومة أنهم كلهم ليسوا بفقهاء أو ليسوا بمحدثين؟، وإنهم متكلمون قصروا عن معرفة الأدلة العقلية التي ذكرها الله تعالى في كتابة فعدلوا عنها؟، إلى آخر هذيانه، وجاء هو وحده في القرون المتأخرة فعرفها، نعوذ بالله من زلقات اللسان وفساد الجنان ومصارع الاعجاب بالنفس. يلزم من كلامه هذا إن المعتزلة عرفوا الأدلة العقلية التي ذكرها الله تعالى في كتابه (الثامن): يلزم من كلامه هذا أن المعتزلة الذين هم أفحل طوائف المبتدعة عرفوا الأدلة العقلية التي ذكرها الله تعالى في كتابه ولم يعدلوا عنها إلى طرق أخرى مبتدعة، فإنهم أول فرق المتكلمين نشأوا في آخر المائة الأولى للهجرة، فإن رأسهم عمرو ابن عبيد المتوفى سنة أربع وأربعين ومائة كان يجلس في حلقة سيد التابعين الحسن البصري الذي توفي سنة عشر ومائة، وقد زجر رضي الله تعالى عنه عمرو بن عبيد لما تيقن ضلاله فاعتزل عمرو مجلسه وجعل لنفسه حلقة جهر هو وأصحابه بعقائدهم فيها وناضلوا عليها واعتمدوا على العقليات وتعمقوا فيها ورفضوا كثيرا من سنته عليه الصلاة
ص 45
والسلام، وتأولوا الباقي منها مع كتاب الله على ما يوافق أهواءهم فقالوا بمنزلة بين المنزلتين وبخلق القرآن، ونفوا صفات الله ونفوا رؤيته في الآخرة، وأنكروا عذاب القبر والميزان والصراط وغير هذه من السمعيات الثابتة في السنة وسموا أنفسهم عدلية. وفي صدر المائة الثالثة عضدهم المأمون على نشرها في الأمة بالقوة وبعده أخوه المعتصم وبعد هذا ابنه الواثق، فأكرهوا العلماء على القول بخلق القرآن وامتحنوا كثيرا منهم بالحبس والضرب والقتل، ولم يقاوموا المعتزلة بالمناظرات الحاسمة، وقاومهم المحاسبي وابن كلاب، وإنهم محقون في عقائدهم وفيما صنعوه وأن الجماهير من علماء آخرون من أهل السنة دونهم في الشهرة بالتآليف الجيدة، الحسين الكرابيسي والحارث المسلمين، من نشأتهم إلى زمن الأشعري مبطلون، لأنهم لم يعرفوا الأدلة العقلية التي ذكرها الله تعالى في كتابه، فيوقفوا بها تيار ضلالهم الذي انتشر في الأمة الإسلامية هذه المدة، وقد قطع في أثنائها أبو محمد الأذرمي باطلهم، بمناظرة وجيزة أمام الواثق، لم ينحسم بها تيار ضلالهم ولا بمنع المتوكل لهم من امتحان العلماء وتعذيبهم، وفسحه لأهل السنة بنشرها في الأمة، فقد ارجعوا حربهم لأهل السنة بعدها إلى حلبتين، حلبة أقلام بالتآليف، وحلبة مناظرات فردية نحو سبعين عاما، حتى جاء أبو الحسن الأشعري فخرب في البصرة وكرهم، وصرع بالمناظرات والتآليف باطلهم، وأجهز عليهم في كل مكان من الأرض تلامذته وتلامذة تلامذته وأتباعه، فهل يقول من له مسكة من عقل ودين أنهم حيث مكثوا مائتي سنة ينشرون ضلالهم أهانوا في أثنائهم علماء الإسلام بالحبس والضرب والقتل عرفوا الأدلة العقلية التي ذكرها الله تعالى في كتابه؟، وأن الآلاف المؤلفة من علماء الأمة في هذه المدة كلهم لم يعرفوها لأنهم لم يستطيعوا إيقاف تيار ضلالهم، إلا أبو محمد الأذرمي وأبو الحسن الأشعري وأتباعه فإنهم عرفوها، نعوذ بالله تعالى من زلقات اللسان وفساد الجنان.
ص 46
لم يكفر الفقهاء ولا المحدثون المعتزلة مع ضلالهم وانحرافهم عن نهج السواد الأعظم ومع ضلالهم لم يكفر هم التابعون ولا أتباعهم ومع تعذيبهم للعلماء لم يكفرهم أيضا الفقهاء ولا المحدثون، وأقصى ما قاله فيهم أهل السنة جميعا: إنهم مبتدعة، وقد كان لهم مع انحرافهم عن نهج السواد الأعظم مواقف مشكورة في الرد على الملاحدة والزنادقة الذين كثروا، فطعنوا في صدر الخلافة العباسية في الشريعة الإسلامية بشتى الوسائل، بالمناظرات والتآليف، وقد ظهر منهم في المذهبين الشافعي والحنفي أعيان من العلماء، ففي الشافعية القاضي عبد الجيار الهمداني المتوفى سنة خمس عشرة وأربعمائة، وأبو لحسن الماوردي البصري المتوفى سنة خمسين وأربعمائة، وأبو يوسف القزويني المفسر المتوفى سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وفي الحنفية أبو بكر الحصاص الرازي المتوفى سنة سبعين وثلاثمائة، والزمخشري المتوفى سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة، والمطرزي المتوفى سنة عشر وستمائة. (التاسع): قد قصر هو عن معرفة الأدلة العقلية التي ذكرها الله في كتابه وعدل عنها إلى طرق أخرى مبتدعة فقسم التوحيد إلى قسمين وثلاثة توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، أو هما مع توحيد الأسماء والصفات، ولم يقل الله هذا في كتابه العزيز ولا رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا السلف الذين يلبس بهم وزعم أن متشابهات القرآن والسنة كلها حقائق، وأن الله استوى على العرش حقيقة، وأنه فوقه حقيقة، وجوز قيام الحوادث به جل وعلا، وزعم أن كلامه تعالى قديم بالنوع حادث بالجزئيات وأن عرشه تعالى كذلك وكل هذا لم يقله الله تعالى في كتابه ولا رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا المسلمون أجمعون. (العاشر): تحقق بجميع ما تقدم أنه جاهل بأصول الدين جهلا مركبا، وأنه قد حكم على نفسه بالشرك وعبادة غير الله وهو لا يشعر، فصدق عليه المثل العربي (رمتني بدائها وانسلت).
ص 47
الوجه السادس والعشرون:
حمله قوله تعالى: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله)، الواردة في المشركين على المسلمين فاسد، ودعواه أن المشركين، مع إنكارهم البعث واتخاذهم الأنداد والولد له تعالى يعرفون توحيد الربوبية، تقدم إبطالها، ومعنى الآية عند المفسرين ليسندن خلقها في الحقيقة ونفس الأمر أي الفطرة التي فطر الله الناس عليها إلى الله تعالى، فلو استظهر بالثقلين على إثبات أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) سألهم عن ذلك فأجابوه بالقول لا يستطيعون.
الوجه السابع والعشرون
حمله قوله تعالى: (قل رب السماوات السبع ورب العرش العظيم) الواردة أيضا في المشركين على المسلمين فاسد أيضا، لأنهم لو كانوا يعرفون توحيد الربوبية، = كما زعم = ما أمر الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بسؤالهم عن الأرض ومن فيها لمن هي وعن رب السماوات السبع ورب العرش العظيم وعمن بيده ملكوت كل شيء وهو يجيز ولا يجار عليه، ولكان الأمر بسؤالهم عن هذه الأشياء مع معرفتهم خالقها عبثا وأمرا بتحصيل الحاصل وهو محال منه تعالى ولو كانوا يعرفون توحيد الربوبية = كما زعم = ما كفروا به عز وجل وما أنكروا البعث وما اتخذوا له أندادا عبدوهم من دونه، ولو كانوا يعرفون توحيد الربوبية ما قال تعالى عنهم: (بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون)، أي فيما قالوا من إنكار البعث وفيما قالوا وفعلوا من الشرك باتخاذ الأنداد من دونه وغير هذا من أنواع الكفر، وإنما أمر الله سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بتوقيفهم على هذه الأشياء التي لا يمكنهم في الفطرة والعقل
ص 48
السليم إنكارها، وأن أنكروها في الواقع، تبكيتا وإقامة للحجة عليهم، ولا يمكنه أن يثبت عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه سألهم عن هذه الأشياء وأجابوه قولا، ولو استظهر بجميع أهل الأرض.
الوجه الثامن والعشرون
حمله قوله تعالى: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) الثامن والعشرون: حمله قوله تعالى (وما يؤمن أكثرهم بالله ولا وهم مشركون، الواردة في المشركين على المسلمين فاسد أيضا، ومعناها عند المفسرين: (وما يؤمن أكثرهم بالله)، في إقرارهم بوجود الخالق (إلا وهم مشركون) باتخاذهم له أندادا عبدوهم من دونه أو باتخاذهم الأحبار والرهبان أربابا، أو بقولهم واعتقادهم الولد له سبحانه، أو بقولهم لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك، أو بغير ذلك. التعبير في جانب شركهم بالجملة الأشمية الدالة على الثبوت والدوام الواقعة حالا لازمة والتعبير في جانب شركهم بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت والدوام الواقعة حالا لازمة، وفي جانب إيمانهم، أي إقرارهم بالجملة الفعلية الدالة على التجدد، دليل على أن شركهم دائم مستمر ملازم لهم، وأن إقرارهم غير دائم ولا مستمر، وإقرارهم بوجود الخالق الرازق المحيي المميت، مع ارتكابهم ما ينافيه مما تقدم من الأقوال والأفعال، دليل على أنه لا يكون توحيدا = كما زعم = ولا إيمانا لا لغة ولا شرعا، فإن الإيمان لغة هو (التصديق بالقلب مطلقا)، وشرعا (تصديق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما علم مجبيئه به بالضرورة)، أي فيما اشتهر كونه من الدين بحيث يعلمه العامة من غير افتقار إلى نظر واستدلال، ويكفي الاجمال فيما يلاحظ إجمالا، ويشترط التفصيل يلاحظفيما تفصيلا، وهذا هو المشهود وعليه الجمهور، والإقرار باللسان شرط في
ص 49
إجراء الأحكام الدنيوية عند الإمام أبي منصور الماتريدي والأشاعرة وشطر منه عند أكثر الحنيفة، والعمل بالطاعات شرط في كماله عند الجمهور غير داخل في حقيقة، فليس الإيمان مجرد معرفة الله، بدون الاذعان والنطق باللسان = كما قال جهم بن صفوان = ولو كان مجرد المعرفة إيمانا بالله تعالى لكان إبليس مؤمنا لأنه عارف بربه يعرف أنه خالفه ومميته وباعثه ومعذبه، (قال رب بما أغويتني)، وقال: (انظرني إلى يوم يبعثون)، وقال: (خلقتني من نار وخلقته من طين)، ولكان الكفار مؤمنين بربهم، إذا أنكروا بلسانهم قال تعالى: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم)، فلم يجعلهم مع استيقانهم بأن الله تعالى واحد مؤمنين مع جحدهم بلسانهم. وقال تعالى: (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون)، وقال تعالى: (قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون فذلكم الله ربكم الحق)، فلم تنفعهم معرفتهم مع إنكارهم. وقال تعالى (يعرفونه كما يعرفون أبناءهم)، فلم تنفعهم معرفته (صلى الله عليه وآله وسلم) مع كتمانهم أمره وجحودهم به، وليس الإيمان هو الإقرار باللسان فقط = كما قالت الكرامية = ولو كان هو الإقرار ما نفاه الله تعالى عن المنافقين في قوله تعالى: (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين)، وليس الإيمان مجموع الاعتقاد بالجنان والإقرار باللسان والعمل بالأركان = كما قالت الخوارج والمعتزلة =، عليه كفر اعتقاد القلب ولا تعلق له باللسان والأركان إلا أنه لما كان أمرا باطنا لا يوقف التصديق اعتقاد القلب ولا تعلق له باللسان والأركان إلا أنه لما كان أمرا باطنا لا يوقف عليه ولا يمكن بناء أحكام الشرع عليه جعل الشرع العبارة عما في القلب بالإقرار أمارة عليه وشرطا لإجراء الأحكام الدنيوية، كما قال عليه الصلاة والسلام: (أمرت أن أقاتل حتىالناس يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) ومن أطلق اسم الإيمان على غير التصديق فقد صرفه عما هو المفهوم
ص 50
منه في اللغة، ولو جاز ذلك لجار صرف كل اسم عن موضوعه في اللغة وفيه إبطال اللسان، ولم يصح حينئذ الاحتجاج بالقرآن. والدليل على صحة ما ذكرنا جواب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لجبريل عليه السلام: (ما الإيمان؟) بقوله: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله = الحديث) وروي أن جبريل عليه السلام قال بعد ذلك: (فإذا قلت هذا فأنا مؤمن) قال (نعم) فلو كان الإيمان اسما لما وراء التصديق لكان تفسير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إياه بالتصديق خطأ وقوله نعم كذبا والقول به باطل. واستدل المحققون على أن الأعمال الصالحة خارجة عن حقيقة الإيمان بوجوه، أحدها أن الله سبحانه وتعالى فرق بين الإيماني وبين الأعمال في كثير من الآيات نحو قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، وقوله تعالى: (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون)، وقوله تعالى: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة)، وقوله تعالى: (تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله - الآية)، وغير هذه من الآيات. والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما سئل عن أفضل الأعمال قال: (إيمان بالله لا شك فيه وجهاد لا غلول فيه وحج مبرور)، وكذا في حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عن قلت أي الأعمال أفضل؟، قال: (الإيمان بالله ورسوله) قلت: ثم أي؟ قال (الصلاة لميقاتها) قلت ثم أي؟، قال (بر الوالدين)، ووجه ذلك أنه عطف الأعمال على الإيمان والعطف يقتضي المغايرة، وشرط الإيمان لصحة الأعمال في قوله تعالى: (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن)، والشرط غير المشروط لا محالة، وصح إيمان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإيمان أصحاب قبل مشروعية الصلاة والصوم والزكاة والحج غيرها، ولو كانت الأعمال من أركان الإيمان لم يكن الإيمان موجودا بدون أركانه. (الثاني): إن الله تعالى جعل محل الإيمان القلب فقال: (إلا من أكره وقلبه
المصدر