Jihad defensif dan jihad ofensif
Jihad defensif dan jihad ofensif
قديما وحديثا انقسم الفقهاء إلى فريق الهجوميين كما سماهم القرضاوي وإلى فريق الدفاعيين، أعلن القرضاوي اعتزازه بانتمائه إليهم: هجوميون يرون فرضا على جماعة المسلمين أن تغزو ولو مرة واحدة في السنة ديار الكافرين للدعوة للإسلام وتوسيع دياره، ويرون في الكفر بحد ذاته سببا كافيا لإعلان الحرب وشرعية القتل، حتى وإن لم يجترح أهله عدوانا على المسلمين.
Jihad defensif dan jihad ofensif (Arab: jihad difa' / daf'i dan jihad tholab / hujum)
الجهاد بين الدفع والطلب
قديما وحديثا انقسم الفقهاء إلى فريق الهجوميين كما سماهم القرضاوي وإلى فريق الدفاعيين، أعلن القرضاوي اعتزازه بانتمائه إليهم: هجوميون يرون فرضا على جماعة المسلمين أن تغزو ولو مرة واحدة في السنة ديار الكافرين للدعوة للإسلام وتوسيع دياره، ويرون في الكفر بحد ذاته سببا كافيا لإعلان الحرب وشرعية القتل، حتى وإن لم يجترح أهله عدوانا على المسلمين. وأن جماعة المسلمين تكون آثمة إذا لم تفعل ذلك. ويسند أهل هذا الرأي -وهم جمهور من الفقهاء أبرزهم من القدامى الإمام الشافعي ومن المحدثين سيد قطب والمودودي والنبهاني- يسندون موقفهم بأدلة من الكتاب والسنة ومن وقائع التاريخ.
تتلخص في الآيات الداعية إلى مقاتلة المشركين كافة "وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة" (التوبة/36) و"قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" (التوبة/29) و"فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" (التوبة 5)، واختلفوا في أي منها الآية التي دعوها بآية السيف التي نسخت في رأيهم كل ما يخالفها من آيات ناهزت المائتين تدعو إلى الرحمة والعفو وحرية المعتقد والنهي عن الإكراه والقسوة، وتكل المحاسبة على العقائد إلى الله سبحانه. كما يستندون إلى نصوص حديثية مثل حديث "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله إلا الله" (رواه البخاري). ويجدون في غزوات النبي عليه السلام وفي الفتوحات الإسلامية في صدر الإسلام ما يعززون به تصورا ينطلق من أن الحرب وليس السلم الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم.
"لا تمنع القرضاوي مخالفته لفريق الهجوميين أن يلتمس العذر لهم وبالخصوص القدامى منهم بسبب ما كان سائدا من علاقات بين الأمم والدول تقوم على أساس القوة والحرب، والتهديد الوجودي الذي ظل الإسلام معرضا له "
ولا تمنع القرضاوي مخالفته لهم أن يلتمس العذر لهم وبالخصوص القدامى منهم بسبب ما كان سائدا من علاقات بين الأمم والدول تقوم على أساس القوة والحرب، والتهديد الوجودي الذي ظل الإسلام معرضا له منذ لحظة ظهوره داخل البيئة العربية أو من محيطها.
ورغم تأكيد القرضاوي مع آخرين قدامى ومحدثين مما هو إجماع بين المسلمين أن الجهاد يكون واجبا على كل مسلم إذا تعرضت دار الإسلام للعدوان أو تعرض المسلمون للفتنة في دينهم، وأن لكل مسلم حظه من الجهاد مجاهدة لنفسه وللشيطان وللمنكرات وبسطا للمعروف ونصرة للدين بحسب وسعه فإن القرضاوي قد أفضت دراساته وتمحيصاته لمختلف النصوص المتعلقة بالجهاد ومقاربات العلماء والقدامى والمحدثين لها إلى النتائج التالية:
1- أن ما ورد من آي في القرآن الكريم وبخاصة في سورة التوبة من نصوص تأمر بقتال المشركين كافة، كانت من قبيل المعاملة بالمثل "كما يقاتلونكم كافة" ولم تكن توجيها عاما وقاعدة للتعامل مع غير المسلمين كافة، بل كانت حديثا عن فئة مخصوصة من مشركي العرب بدأت بحرب الإسلام منذ ظهوره وطاردته حتى في مهجره ونكثت العهود وألبت عليه الجميع لاستئصال شأفته "ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرة" (التوبة 13) وفي السورة نفسها وفي غيرها ما يخصصها من مثل "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها" (الأنفال/61) ولا مجال لضرب القرآن بعضه ببعض بل الأصل إعمال كل الآيات والأحاديث وهي تجتمع على إقرار قاعدة: الإسلام يسالم من يسالمه ويحارب من يحاربه.
2- أن الجهاد القتالي ليس فريضة على الجماعة المسلمة وعلى كل مسلم في كل حال مثل فريضة الشهادتين والصلاة والصيام والزكاة والحج لأنه على أهميته في بنية الإسلام لم يرد في الأوصاف الثابتة للمتقين التي وردت في سورة البقرة وفي أوصاف المؤمنين كما وردت في سورة الأنفال وسورة (المؤمنون) وصفات أولي الألباب في الرعد وصفات عباد الرحمن في الفرقان وصفات المحسنين في الذاريات وصفات الأبرار في سورة الإنسان، بما يجعل ممارسة الجهاد القتالي فريضة تجب على المسلمين فقط عندما تتوفر موجباتها من مثل العدوان على المسلمين وعلى بلادهم وعلى دينهم ... أما الإعداد له فواجب عليهم في كل حال بحسب الوسع سبيلا للردع وتحقيقا للسلم.
3- ليس على المسلمين غزو ديار الكافرين إذا كانوا آمنين على أنفسهم منهم، حسبهم أن يكون لهم جيش مرهوب الجانب مسلحا بأحدث الأسلحة وعلى أعلى مستوى من التدريب ينشر قواته في كل الثغور حتى يرتدع الأعداء ولا يفكروا في الهجوم على المسلمين فيكون فرض الكفاية قد أدي، (ص91). مع ملاحظة أن القرضاوي يؤثر استخدام مصطلح غير المسلمين بديلا عن مصطلح الكافرين فذلك عرف القرآن في الاستعمال "يا أهل الكتاب" "يا أيها الناس" "يا أيها الإنسان" "يا بني إسرائيل" "يا قوم" "يا بني آدم". ولم يخاطب غير المسلمين بالكافرين إلا في حالات خاصة كانت فيها مساومات على العقيدة.
4- لقد اعترف الإسلام بحرية المعتقد ومسؤولية الإنسان على معتقده أمام الله، وعلى أساس ذلك لم تعرف مجتمعاته الحروب الدينية، فقد تعايشت في ظله ولا تزال كل الديانات السماوية والوضعية، وفق نظام الذمة الذي خوّل المواطنة حتى لغير المسلمين مهما اختلفت دياناتهم، حسبهم ليتمتعوا بحقوق حماية الدولة المسلمة على غرار المسلمين أن يؤدي القادرون منهم ضريبة "الجزية"، وهي تقابل في العصر ضريبة الخدمة العسكرية، فيمكن على أساس توحيد الوعاء الضريبي وتعميم الخدمة العسكرية الاستغناء عن نظام الذمة بسبب ما تعرض للتشويه وليس هو قاعدة من قواعد الدين، وإنما إجراء تنظيمي.
5- أن الظروف التاريخية وليست نصوص الإسلام ما دعا كثيرا من الفقهاء إلى القول بفرضية جهاد الطلب لغزو ديار الكافرين، إذ كانت الأمة مهددة باستمرار من جيرانها الأقوياء، الفرس والروم (ص82)، حيث لم تكن قوانين دولية تقوم على تبادل الاعتراف بين الدول ومنع العدوان كما هو اليوم رغم تجاوز الأقوياء لها.
"الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هو السلم والتعاون على الخير, فالإسلام يبغض الحرب ولا يقدم عليها إلا كارها مضطرا "كتب عليكم القتال وهو كره لكم" والسلم هو عنوان الإسلام وهو تحية المسلمين وتحية أهل الجنة وهو اسم من أسماء الله"
6- الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هو السلم والتعاون على الخير. فالإسلام يبغض الحرب ولا يقدم عليها إلا كارها مضطرا "كتب عليكم القتال وهو كره لكم" (البقرة/216) والسلم هو عنوان الإسلام وهو تحية المسلمين وتحية أهل الجنة وهو اسم من أسماء الله. وأبغض الأسماء عند الله "حرب". وكانت العرب محاربة وتتسمى بهذا الاسم، لكن النبي عليه السلام عندما أخبره علي رضي الله عنه بأن فاطمة رزقت ولدا وأنه سماه "حرب" أمره أن يسميه "حسن".
7- الإسلام يرحب بالمواثيق الدولية التي تحظر العدوان وتنادي إلى السلم في علاقات الدول كما يرحب بالهيئات الدولية التي تقوم على رعايتها مثل الأمم المتحدة واليونسكو، إلا أن الغرب لا يزال يؤمن بمبدأ القوة في علاقاته بالدول والأمم الأخرى. ومن ذلك احتكار دوله الكبرى لحق الاعتراض في تحد صارخ لمبدأ المساواة وضمانا لحماية مصالحها وضروب عدوانها من كل إدانة كما فعلت الولايات المتحدة وبريطانيا في غزوهما للعراق دون تفويض، آمنتين من كل إدانة وكما تفعلان في حمايتهما لكل ما يقوم به الصهاينة من ضروب عدوان على فلسطين وأهلها.
8- في ظل الاعتراف الدولي بحقوق الإنسان ومنها حقه في حرية الاعتقاد والدعوة إليه وإقامة مؤسساته وحماية الأقليات ينتفي مسوغ أساسي من مسوغات جهاد الطلب أي الغزو من أجل الدعوة إلى الإسلام وما كان يهدف إليه من إزاحة عقبة الأنظمة الطاغوتية التي كانت تمنع الشعوب من أن تفكر أو تؤمن بخلاف الفرعون الذي لم يتردد في الاستنكار على بني إسرائيل أن يؤمنوا بالله قبل أن يأذن لهم "ءامنتم له قبل أن آذن لكم" (طه/71) بينما اليوم قد انداحت في الأرض كما لم يحصل في أي فترة ماضية من تاريخ الإسلام مساجده وأقلياته، بما يجعل حاجتنا أكثر إلى "جيوش جرارة من الدعاة والمعلمين والإعلاميين المدربين المقتدرين على مخاطبة العالم بلغاته المختلفة وبأساليب عصر للأسف الشديد لا نملك ولو واحد من الألف من المطلوب" (16) ويتحسر القرضاوي على أنك قد تجد الكثير ممن هو مستعد لأن يموت في سبيل الله ولكن القليل القليل من يملك الاستعداد ليعيش في سبيل الله.
9- تكشف مصادر الإسلام أن العالم ينقسم من وجهة نظر الإسلام إلى عوالم ثلاثة: دار إسلام حيث تسود شريعته وفي الأقل تظهر شعائره ويأمن القائمون بها والداعون لها، ودار عهد أي دول بينها وبين دولة المسلمين أو دولتهم تبادل اعتراف ومنع اعتداء، ودار حرب. ويعتبر القرضاوي أن المسلمين بمقتضى كونهم جزءا من نظام الأمم المتحدة هم في حالة تعاهد مع كل دول العالم باستثناء دولة الكيان الصهيوني، بسبب اغتصاب الصهاينة لأرض فلسطين وتشريدهم لشعبها، والمؤسف أن ذلك قد تم بمساعدة الدول الكبرى ولذلك يعتبر القرضاوي أن المشكلة الأكبر في علاقتنا بالغرب هذه المشكلة: دعمه الثابت غير المحدود لإسرائيل وعدوانها المستمر على فلسطين وأهلها.
10- يميز القرضاوي بين الجهاد والإرهاب أو قل بين الإرهاب المشروع أي إرهاب العدو لمنعه من العدوان، وبين الإرهاب غير المشروع، وهو ترويع الآمنين بمثل ما تفعل بعض الجماعات المنتسبة للإسلام من إعلانها الحرب على العالم في استخدام غير مشروع للجهاد في غير موضعه، إذ تروع الآمنين مسلمين وغير مسلمين من أجل تحقيق أهداف سياسية تزعمها سواء داخل دار الإسلام أو خارجها، في مخالفات صريحة لمبادئ وأخلاقيات الجهاد في الإسلام وإساءة له أيما إساءة وتأليب الأمم عليه وعلى أهله ومحاصرة أقلياته. ولذلك استنكر القرضاوي أحداث العنف المعروفة التي اقترفتها هذه الجماعات المتشددة في بلاد إسلامية وغير إسلامية في حق نفوس آمنة، سواء أكانوا سواحا مستأمنين أم غيرهم. وفند مشروعية ما تقترفه هذه الجماعات من قتل عشوائي واستباحة لأرواح ودماء معصومة.
11- القرضاوي حريص أيما حرص على التمييز بين جماعات التشدد المعلنة حربها على العالم في قتل عشوائي أساء للإسلام ومكن لأعدائه أسلحة ماضية في حربه، وبين جماعات المقاومة للاحتلال، فبقدر ما شجب الأولى وفند أسانيدها بقدر دفاعه عن الثانية وتحريضه الأمة للوقوف معها وبخاصة في فلسطين، على أن تستهدف أعمالها العسكريين. ولم يتردد في تسويغ العمليات الاستشهادية معتبرا إياها سلاح المضطر الذي حرم من سلاح مكافئ لما في يد عدوه لدفعه عن داره وأرضه إلا أن عدالة الله سبحانه تأبى أن يحرم الضعيف من أي سلاح ، فكان استخدامه لجسمه ذاته سلاحا رادعا. وفي كل الأحوال يجب الالتزام بأخلاقيات الجهاد في الإسلام فلا يستهدف إلا مقاتل.
"يرى القرضاوي أن الحرب القائمة بيننا وبين اليهود ليست حربا من أجل أنهم ساميون, أو أنها حرب من أجل العقيدة، ولكن المعركة معهم بسبب أنهم اغتصبوا أرض فلسطين وشردوا أهلنا وستظل المعركة قائمة ما دامت الأسباب قائمة"
12- ولا يفوت القرضاوي وهو يؤكد أن أول أنواع الجهاد الواجب على الأمة في العصر تحريرها من بقايا الاستعمار وخصوصا في فلسطين، أن ينبه ويؤكد خطأ البعض ممن يتوهم أن الحرب القائمة بيننا وبين اليهود حرب من أجل أنهم ساميون مع أننا ساميون مثلهم ننحدر جميعا من سلالة إبراهيم، أو أنها حرب من أجل العقيدة، كلا فاليهود يعتبرهم الإسلام أهل كتاب يبيح مؤاكلتهم ومصاهرتهم وعاشوا بين ظهراني المسلمين آمنين وآويناهم لما نبذتهم أوروبا من إسبانيا وغيرها ولم يجدوا صدرا حنونا إلا في دار الإسلام. الواقع أن المعركة بيننا وبين اليهود بدأت بسبب واحد لا شريك له أنهم اغتصبوا أرض فلسطين وشردوا أهلنا وفرضوا وجودهم الدخيل بالحديد والنار وستظل المعركة قائمة ما دامت الأسباب قائمة. لا يملك أحد أن يتنازل عن أرض إسلامية، إنما يمكن إقامة هدنة بيننا وبين إسرائيل لفترة من الزمن. أما مبدأ الأرض مقابل السلام فهو مبدأ غريب حقا فرضه منطق القوة الغاشمة للعدو لا غير، لأن الأرض أرضنا لا أرضه حتى يتفضل بتنازله عنها مقابل سلامه هو. (ص1090)
13- وكما كان له ولشيخه محمد الغزالي دور ريادي في التصدي لتلك الجماعات ومنعها من اختطاف الإسلام ودفعها عن المجرى الرئيس للإسلام نحو الهامش بتعرية أعمالها عن كل مشروعية جهادية إسلامية داخل دار الإسلام وخارجها، فقد نوه بالمراجعات المهمة التي قامت بها أهم تلك الجماعات واجدة في أعماله بعد أن كانت تطعن فيها سندا قويا للإقدام على تلك المراجعات التي وصفها بالشجاعة والمستنيرة .(ص1168)
وفي الخلاصة: إنه مهما بلغ هذا العمل في هذه القضية الكبرى من العمق والإحاطة تبقى جوانب منه تحتاج للمزيد من التعمق والبيان من مثل وضعية العلاقة بين الدولة/الدول الإسلامية، وبين دول تضطهد أقليات إسلامية اضطهادا قد يبلغ حد فتنتها عن دينها واستهدافها بالاستئصال، كما حصل للأقليات الإسلامية في ظل الاتحاد السوفياتي سابقا وفي الصين حاليا وبورما والفلبين ..إلخ. كانت قبل ضم أراضيها أغلبية وسيدة في أرضها. هل يسري عليها اعتبار المؤلف أن العالم كله دار عهد وسلم حسب قانون الأمم المتحدة وانحصرت علاقات الحرب في إسرائيل، بينما آيتا الممتحنة "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم..." (الممتحنة/8-9) اعتبرهما المؤلف تمثلان الدستور الذي يحكم علاقة الدولة الإسلامية بغيرها، يستثني مثل تلك الدول التي تفتن مسلميها، من علاقات السلم معها.
أما إذا أردنا أن يشملها السلم على أساس أنها مستثناة بآية الأنفال "إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق" فهل يجوز عقد ذلك الميثاق أصلا مع دولة تضطهد المسلمين، والشبه كبير بين ما تعرضت وتتعرض له أقليات إسلامية من تقتيل وترحيل وتطهير وبين ما حصل ويحصل في إسرائيل بل أشد منه؟ وبالنسبة للكيان الصهيوني الذي حرّم الشيخ مع جمهور الفقهاء إقامة علاقة سلم معه، ما أثر مواثيق السلم التي عقدتها "دول إسلامية" معه، على واجب المسلمين في دعم حركات المقاومة، هل يجب أن ينضبط بمواثيق تلك الدول؟
وعلى ذلك تأسس التزام النظام المصري بالحصار المفروض على غزة و إدانته لخلية حزب الله في مصر وحوكم إسلاميون مثل د. عبد المنعم أبو الفتوح؟ أم يجب اعتبار تلك المواثيق باطلة أصلا وما بني عليها مثلها؟ وفي هذه الحالة كيف تكون العلاقة مع مثل تلك الدول التي تعقد متحدية إرادة شعوبها، علاقات سلم مع أعداء الأمة؟ هل يجوز الخروج عليها بنوع من أنواع الخروج إذا توفرت أسبابه باعتبارها متحدية لمصالح الأمة العليا وما هو معلوم من الدين من واجب موالاة المسلمين، على غرار الدول العلمانية المتطرفة التي تجاهر بمحاربة التدين وتتبنى خطط تجفيف منابع التدين حتى جرّمت المسلمة التي تأتمر بأوامر ربها وحرمتها من التعلم والتوظف والعلاج ولم يعد الإسلام مرجعيتها الحاكمة ولم تعد قيم الإسلام وموازينه ومفاهيمه هي الحاكمة، تلك الدول التي تحدث عنها المؤلف وأجاز الخروج عليها إذا توفرت أسبابه لولا أن المؤلف يعتبر أن الجماهير لم تعد تملك من القوة لمواجهة مثل تلك الحكومات، فالواجب اتخاذ الوسائل السلمية في التغيير؟. (ص1187 وما بعدها)
ويبقى عمل القرضاوي في فقه الجهاد انجازا علميا وسياسيا عظيما واجتهادا إسلاميا أصيلا ينتصر لمبدأ الجهاد باعتباره آلية إسلامية دائمة للدفاع بمعناه الشامل، تعرضت من داخل الإسلام وخارجه لضروب شتى من التشويه والإساءة للإسلام من خلاله.
"أفسح القرضاوي من خلال طرحه لفكر الجهاد أرضا رحبة للحوار والسماحة والتلاقي والتعايش بين الإسلام وسائر الديانات الأخرى والقيم الإنسانية والمواثيق الدولية "
القرضاوي يستعيد لهذه الآلية فعاليتها ووسطيتها واعتدالها ساحبا لها من أيدي المتطرفين. ولم تكن جرأته في التصدي لحملات أعداء الإسلام على الجهاد أشد من جرأته على حجج جماعات التشدد وإعلان الحرب الشاملة على العالم، ولم يتردد في التصدي لجمهور الفقهاء المنادين بالحرب الهجومية (جهاد الطلب)، ولا استخذى من اعتزازه بالانتماء للدفاعيين.
ولا يزال يوالي سيل حججه المتدفق على أسانيد الطالبين وتأويلاتهم للنصوص غير هياب ولا وجل ولا مفتأت ولا محقر لعالم مخالف بل هو يلتمس العذر لمخالفيه، لا يزال يفعل ذلك حتى أسقط أو كاد وقوض ما عرف بجهاد الطلب، مؤسسا لجهاد دفاعي بمعناه الشامل، جهاد يدرأ عنه شبهة الإرهاب راسما حدا فاصلا بينه وبين المقاومة المشروعة للاحتلال، جهاد تلتقي أخلاقياته مع ما استقر في المواثيق الدولية من مبادئ وقيم وقوانين تحظر العدوان والاحتلال واستخدام أسلحة الدمار الشامل وتعذيب الأسرى لدرجة القتل والاسترقاق.
جهاد يرحب بعالم مفتوح تجول فيه بحرية الأفكار والأشخاص وتتدافع بسلاح الحجة والبرهان بدل التقاتل والسنان.
لقد أفسح القرضاوي من خلال طرحه هذا للجهاد أرضا رحبة للحوار والسماحة والتلاقي والتعايش بين الإسلام وسائر الديانات الأخرى والقيم الإنسانية والمواثيق الدولية بما يفسح مجالا للاستجابة لنداء القرآن الخالد "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم". (الحجرات/13).
المصدر : الجزيرة
الجهاد بين الدفع والطلب
قديما وحديثا انقسم الفقهاء إلى فريق الهجوميين كما سماهم القرضاوي وإلى فريق الدفاعيين، أعلن القرضاوي اعتزازه بانتمائه إليهم: هجوميون يرون فرضا على جماعة المسلمين أن تغزو ولو مرة واحدة في السنة ديار الكافرين للدعوة للإسلام وتوسيع دياره، ويرون في الكفر بحد ذاته سببا كافيا لإعلان الحرب وشرعية القتل، حتى وإن لم يجترح أهله عدوانا على المسلمين. وأن جماعة المسلمين تكون آثمة إذا لم تفعل ذلك. ويسند أهل هذا الرأي -وهم جمهور من الفقهاء أبرزهم من القدامى الإمام الشافعي ومن المحدثين سيد قطب والمودودي والنبهاني- يسندون موقفهم بأدلة من الكتاب والسنة ومن وقائع التاريخ.
تتلخص في الآيات الداعية إلى مقاتلة المشركين كافة "وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة" (التوبة/36) و"قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" (التوبة/29) و"فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" (التوبة 5)، واختلفوا في أي منها الآية التي دعوها بآية السيف التي نسخت في رأيهم كل ما يخالفها من آيات ناهزت المائتين تدعو إلى الرحمة والعفو وحرية المعتقد والنهي عن الإكراه والقسوة، وتكل المحاسبة على العقائد إلى الله سبحانه. كما يستندون إلى نصوص حديثية مثل حديث "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله إلا الله" (رواه البخاري). ويجدون في غزوات النبي عليه السلام وفي الفتوحات الإسلامية في صدر الإسلام ما يعززون به تصورا ينطلق من أن الحرب وليس السلم الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم.
"لا تمنع القرضاوي مخالفته لفريق الهجوميين أن يلتمس العذر لهم وبالخصوص القدامى منهم بسبب ما كان سائدا من علاقات بين الأمم والدول تقوم على أساس القوة والحرب، والتهديد الوجودي الذي ظل الإسلام معرضا له "
ولا تمنع القرضاوي مخالفته لهم أن يلتمس العذر لهم وبالخصوص القدامى منهم بسبب ما كان سائدا من علاقات بين الأمم والدول تقوم على أساس القوة والحرب، والتهديد الوجودي الذي ظل الإسلام معرضا له منذ لحظة ظهوره داخل البيئة العربية أو من محيطها.
ورغم تأكيد القرضاوي مع آخرين قدامى ومحدثين مما هو إجماع بين المسلمين أن الجهاد يكون واجبا على كل مسلم إذا تعرضت دار الإسلام للعدوان أو تعرض المسلمون للفتنة في دينهم، وأن لكل مسلم حظه من الجهاد مجاهدة لنفسه وللشيطان وللمنكرات وبسطا للمعروف ونصرة للدين بحسب وسعه فإن القرضاوي قد أفضت دراساته وتمحيصاته لمختلف النصوص المتعلقة بالجهاد ومقاربات العلماء والقدامى والمحدثين لها إلى النتائج التالية:
1- أن ما ورد من آي في القرآن الكريم وبخاصة في سورة التوبة من نصوص تأمر بقتال المشركين كافة، كانت من قبيل المعاملة بالمثل "كما يقاتلونكم كافة" ولم تكن توجيها عاما وقاعدة للتعامل مع غير المسلمين كافة، بل كانت حديثا عن فئة مخصوصة من مشركي العرب بدأت بحرب الإسلام منذ ظهوره وطاردته حتى في مهجره ونكثت العهود وألبت عليه الجميع لاستئصال شأفته "ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرة" (التوبة 13) وفي السورة نفسها وفي غيرها ما يخصصها من مثل "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها" (الأنفال/61) ولا مجال لضرب القرآن بعضه ببعض بل الأصل إعمال كل الآيات والأحاديث وهي تجتمع على إقرار قاعدة: الإسلام يسالم من يسالمه ويحارب من يحاربه.
2- أن الجهاد القتالي ليس فريضة على الجماعة المسلمة وعلى كل مسلم في كل حال مثل فريضة الشهادتين والصلاة والصيام والزكاة والحج لأنه على أهميته في بنية الإسلام لم يرد في الأوصاف الثابتة للمتقين التي وردت في سورة البقرة وفي أوصاف المؤمنين كما وردت في سورة الأنفال وسورة (المؤمنون) وصفات أولي الألباب في الرعد وصفات عباد الرحمن في الفرقان وصفات المحسنين في الذاريات وصفات الأبرار في سورة الإنسان، بما يجعل ممارسة الجهاد القتالي فريضة تجب على المسلمين فقط عندما تتوفر موجباتها من مثل العدوان على المسلمين وعلى بلادهم وعلى دينهم ... أما الإعداد له فواجب عليهم في كل حال بحسب الوسع سبيلا للردع وتحقيقا للسلم.
3- ليس على المسلمين غزو ديار الكافرين إذا كانوا آمنين على أنفسهم منهم، حسبهم أن يكون لهم جيش مرهوب الجانب مسلحا بأحدث الأسلحة وعلى أعلى مستوى من التدريب ينشر قواته في كل الثغور حتى يرتدع الأعداء ولا يفكروا في الهجوم على المسلمين فيكون فرض الكفاية قد أدي، (ص91). مع ملاحظة أن القرضاوي يؤثر استخدام مصطلح غير المسلمين بديلا عن مصطلح الكافرين فذلك عرف القرآن في الاستعمال "يا أهل الكتاب" "يا أيها الناس" "يا أيها الإنسان" "يا بني إسرائيل" "يا قوم" "يا بني آدم". ولم يخاطب غير المسلمين بالكافرين إلا في حالات خاصة كانت فيها مساومات على العقيدة.
4- لقد اعترف الإسلام بحرية المعتقد ومسؤولية الإنسان على معتقده أمام الله، وعلى أساس ذلك لم تعرف مجتمعاته الحروب الدينية، فقد تعايشت في ظله ولا تزال كل الديانات السماوية والوضعية، وفق نظام الذمة الذي خوّل المواطنة حتى لغير المسلمين مهما اختلفت دياناتهم، حسبهم ليتمتعوا بحقوق حماية الدولة المسلمة على غرار المسلمين أن يؤدي القادرون منهم ضريبة "الجزية"، وهي تقابل في العصر ضريبة الخدمة العسكرية، فيمكن على أساس توحيد الوعاء الضريبي وتعميم الخدمة العسكرية الاستغناء عن نظام الذمة بسبب ما تعرض للتشويه وليس هو قاعدة من قواعد الدين، وإنما إجراء تنظيمي.
5- أن الظروف التاريخية وليست نصوص الإسلام ما دعا كثيرا من الفقهاء إلى القول بفرضية جهاد الطلب لغزو ديار الكافرين، إذ كانت الأمة مهددة باستمرار من جيرانها الأقوياء، الفرس والروم (ص82)، حيث لم تكن قوانين دولية تقوم على تبادل الاعتراف بين الدول ومنع العدوان كما هو اليوم رغم تجاوز الأقوياء لها.
"الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هو السلم والتعاون على الخير, فالإسلام يبغض الحرب ولا يقدم عليها إلا كارها مضطرا "كتب عليكم القتال وهو كره لكم" والسلم هو عنوان الإسلام وهو تحية المسلمين وتحية أهل الجنة وهو اسم من أسماء الله"
6- الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هو السلم والتعاون على الخير. فالإسلام يبغض الحرب ولا يقدم عليها إلا كارها مضطرا "كتب عليكم القتال وهو كره لكم" (البقرة/216) والسلم هو عنوان الإسلام وهو تحية المسلمين وتحية أهل الجنة وهو اسم من أسماء الله. وأبغض الأسماء عند الله "حرب". وكانت العرب محاربة وتتسمى بهذا الاسم، لكن النبي عليه السلام عندما أخبره علي رضي الله عنه بأن فاطمة رزقت ولدا وأنه سماه "حرب" أمره أن يسميه "حسن".
7- الإسلام يرحب بالمواثيق الدولية التي تحظر العدوان وتنادي إلى السلم في علاقات الدول كما يرحب بالهيئات الدولية التي تقوم على رعايتها مثل الأمم المتحدة واليونسكو، إلا أن الغرب لا يزال يؤمن بمبدأ القوة في علاقاته بالدول والأمم الأخرى. ومن ذلك احتكار دوله الكبرى لحق الاعتراض في تحد صارخ لمبدأ المساواة وضمانا لحماية مصالحها وضروب عدوانها من كل إدانة كما فعلت الولايات المتحدة وبريطانيا في غزوهما للعراق دون تفويض، آمنتين من كل إدانة وكما تفعلان في حمايتهما لكل ما يقوم به الصهاينة من ضروب عدوان على فلسطين وأهلها.
8- في ظل الاعتراف الدولي بحقوق الإنسان ومنها حقه في حرية الاعتقاد والدعوة إليه وإقامة مؤسساته وحماية الأقليات ينتفي مسوغ أساسي من مسوغات جهاد الطلب أي الغزو من أجل الدعوة إلى الإسلام وما كان يهدف إليه من إزاحة عقبة الأنظمة الطاغوتية التي كانت تمنع الشعوب من أن تفكر أو تؤمن بخلاف الفرعون الذي لم يتردد في الاستنكار على بني إسرائيل أن يؤمنوا بالله قبل أن يأذن لهم "ءامنتم له قبل أن آذن لكم" (طه/71) بينما اليوم قد انداحت في الأرض كما لم يحصل في أي فترة ماضية من تاريخ الإسلام مساجده وأقلياته، بما يجعل حاجتنا أكثر إلى "جيوش جرارة من الدعاة والمعلمين والإعلاميين المدربين المقتدرين على مخاطبة العالم بلغاته المختلفة وبأساليب عصر للأسف الشديد لا نملك ولو واحد من الألف من المطلوب" (16) ويتحسر القرضاوي على أنك قد تجد الكثير ممن هو مستعد لأن يموت في سبيل الله ولكن القليل القليل من يملك الاستعداد ليعيش في سبيل الله.
9- تكشف مصادر الإسلام أن العالم ينقسم من وجهة نظر الإسلام إلى عوالم ثلاثة: دار إسلام حيث تسود شريعته وفي الأقل تظهر شعائره ويأمن القائمون بها والداعون لها، ودار عهد أي دول بينها وبين دولة المسلمين أو دولتهم تبادل اعتراف ومنع اعتداء، ودار حرب. ويعتبر القرضاوي أن المسلمين بمقتضى كونهم جزءا من نظام الأمم المتحدة هم في حالة تعاهد مع كل دول العالم باستثناء دولة الكيان الصهيوني، بسبب اغتصاب الصهاينة لأرض فلسطين وتشريدهم لشعبها، والمؤسف أن ذلك قد تم بمساعدة الدول الكبرى ولذلك يعتبر القرضاوي أن المشكلة الأكبر في علاقتنا بالغرب هذه المشكلة: دعمه الثابت غير المحدود لإسرائيل وعدوانها المستمر على فلسطين وأهلها.
10- يميز القرضاوي بين الجهاد والإرهاب أو قل بين الإرهاب المشروع أي إرهاب العدو لمنعه من العدوان، وبين الإرهاب غير المشروع، وهو ترويع الآمنين بمثل ما تفعل بعض الجماعات المنتسبة للإسلام من إعلانها الحرب على العالم في استخدام غير مشروع للجهاد في غير موضعه، إذ تروع الآمنين مسلمين وغير مسلمين من أجل تحقيق أهداف سياسية تزعمها سواء داخل دار الإسلام أو خارجها، في مخالفات صريحة لمبادئ وأخلاقيات الجهاد في الإسلام وإساءة له أيما إساءة وتأليب الأمم عليه وعلى أهله ومحاصرة أقلياته. ولذلك استنكر القرضاوي أحداث العنف المعروفة التي اقترفتها هذه الجماعات المتشددة في بلاد إسلامية وغير إسلامية في حق نفوس آمنة، سواء أكانوا سواحا مستأمنين أم غيرهم. وفند مشروعية ما تقترفه هذه الجماعات من قتل عشوائي واستباحة لأرواح ودماء معصومة.
11- القرضاوي حريص أيما حرص على التمييز بين جماعات التشدد المعلنة حربها على العالم في قتل عشوائي أساء للإسلام ومكن لأعدائه أسلحة ماضية في حربه، وبين جماعات المقاومة للاحتلال، فبقدر ما شجب الأولى وفند أسانيدها بقدر دفاعه عن الثانية وتحريضه الأمة للوقوف معها وبخاصة في فلسطين، على أن تستهدف أعمالها العسكريين. ولم يتردد في تسويغ العمليات الاستشهادية معتبرا إياها سلاح المضطر الذي حرم من سلاح مكافئ لما في يد عدوه لدفعه عن داره وأرضه إلا أن عدالة الله سبحانه تأبى أن يحرم الضعيف من أي سلاح ، فكان استخدامه لجسمه ذاته سلاحا رادعا. وفي كل الأحوال يجب الالتزام بأخلاقيات الجهاد في الإسلام فلا يستهدف إلا مقاتل.
"يرى القرضاوي أن الحرب القائمة بيننا وبين اليهود ليست حربا من أجل أنهم ساميون, أو أنها حرب من أجل العقيدة، ولكن المعركة معهم بسبب أنهم اغتصبوا أرض فلسطين وشردوا أهلنا وستظل المعركة قائمة ما دامت الأسباب قائمة"
12- ولا يفوت القرضاوي وهو يؤكد أن أول أنواع الجهاد الواجب على الأمة في العصر تحريرها من بقايا الاستعمار وخصوصا في فلسطين، أن ينبه ويؤكد خطأ البعض ممن يتوهم أن الحرب القائمة بيننا وبين اليهود حرب من أجل أنهم ساميون مع أننا ساميون مثلهم ننحدر جميعا من سلالة إبراهيم، أو أنها حرب من أجل العقيدة، كلا فاليهود يعتبرهم الإسلام أهل كتاب يبيح مؤاكلتهم ومصاهرتهم وعاشوا بين ظهراني المسلمين آمنين وآويناهم لما نبذتهم أوروبا من إسبانيا وغيرها ولم يجدوا صدرا حنونا إلا في دار الإسلام. الواقع أن المعركة بيننا وبين اليهود بدأت بسبب واحد لا شريك له أنهم اغتصبوا أرض فلسطين وشردوا أهلنا وفرضوا وجودهم الدخيل بالحديد والنار وستظل المعركة قائمة ما دامت الأسباب قائمة. لا يملك أحد أن يتنازل عن أرض إسلامية، إنما يمكن إقامة هدنة بيننا وبين إسرائيل لفترة من الزمن. أما مبدأ الأرض مقابل السلام فهو مبدأ غريب حقا فرضه منطق القوة الغاشمة للعدو لا غير، لأن الأرض أرضنا لا أرضه حتى يتفضل بتنازله عنها مقابل سلامه هو. (ص1090)
13- وكما كان له ولشيخه محمد الغزالي دور ريادي في التصدي لتلك الجماعات ومنعها من اختطاف الإسلام ودفعها عن المجرى الرئيس للإسلام نحو الهامش بتعرية أعمالها عن كل مشروعية جهادية إسلامية داخل دار الإسلام وخارجها، فقد نوه بالمراجعات المهمة التي قامت بها أهم تلك الجماعات واجدة في أعماله بعد أن كانت تطعن فيها سندا قويا للإقدام على تلك المراجعات التي وصفها بالشجاعة والمستنيرة .(ص1168)
وفي الخلاصة: إنه مهما بلغ هذا العمل في هذه القضية الكبرى من العمق والإحاطة تبقى جوانب منه تحتاج للمزيد من التعمق والبيان من مثل وضعية العلاقة بين الدولة/الدول الإسلامية، وبين دول تضطهد أقليات إسلامية اضطهادا قد يبلغ حد فتنتها عن دينها واستهدافها بالاستئصال، كما حصل للأقليات الإسلامية في ظل الاتحاد السوفياتي سابقا وفي الصين حاليا وبورما والفلبين ..إلخ. كانت قبل ضم أراضيها أغلبية وسيدة في أرضها. هل يسري عليها اعتبار المؤلف أن العالم كله دار عهد وسلم حسب قانون الأمم المتحدة وانحصرت علاقات الحرب في إسرائيل، بينما آيتا الممتحنة "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم..." (الممتحنة/8-9) اعتبرهما المؤلف تمثلان الدستور الذي يحكم علاقة الدولة الإسلامية بغيرها، يستثني مثل تلك الدول التي تفتن مسلميها، من علاقات السلم معها.
أما إذا أردنا أن يشملها السلم على أساس أنها مستثناة بآية الأنفال "إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق" فهل يجوز عقد ذلك الميثاق أصلا مع دولة تضطهد المسلمين، والشبه كبير بين ما تعرضت وتتعرض له أقليات إسلامية من تقتيل وترحيل وتطهير وبين ما حصل ويحصل في إسرائيل بل أشد منه؟ وبالنسبة للكيان الصهيوني الذي حرّم الشيخ مع جمهور الفقهاء إقامة علاقة سلم معه، ما أثر مواثيق السلم التي عقدتها "دول إسلامية" معه، على واجب المسلمين في دعم حركات المقاومة، هل يجب أن ينضبط بمواثيق تلك الدول؟
وعلى ذلك تأسس التزام النظام المصري بالحصار المفروض على غزة و إدانته لخلية حزب الله في مصر وحوكم إسلاميون مثل د. عبد المنعم أبو الفتوح؟ أم يجب اعتبار تلك المواثيق باطلة أصلا وما بني عليها مثلها؟ وفي هذه الحالة كيف تكون العلاقة مع مثل تلك الدول التي تعقد متحدية إرادة شعوبها، علاقات سلم مع أعداء الأمة؟ هل يجوز الخروج عليها بنوع من أنواع الخروج إذا توفرت أسبابه باعتبارها متحدية لمصالح الأمة العليا وما هو معلوم من الدين من واجب موالاة المسلمين، على غرار الدول العلمانية المتطرفة التي تجاهر بمحاربة التدين وتتبنى خطط تجفيف منابع التدين حتى جرّمت المسلمة التي تأتمر بأوامر ربها وحرمتها من التعلم والتوظف والعلاج ولم يعد الإسلام مرجعيتها الحاكمة ولم تعد قيم الإسلام وموازينه ومفاهيمه هي الحاكمة، تلك الدول التي تحدث عنها المؤلف وأجاز الخروج عليها إذا توفرت أسبابه لولا أن المؤلف يعتبر أن الجماهير لم تعد تملك من القوة لمواجهة مثل تلك الحكومات، فالواجب اتخاذ الوسائل السلمية في التغيير؟. (ص1187 وما بعدها)
ويبقى عمل القرضاوي في فقه الجهاد انجازا علميا وسياسيا عظيما واجتهادا إسلاميا أصيلا ينتصر لمبدأ الجهاد باعتباره آلية إسلامية دائمة للدفاع بمعناه الشامل، تعرضت من داخل الإسلام وخارجه لضروب شتى من التشويه والإساءة للإسلام من خلاله.
"أفسح القرضاوي من خلال طرحه لفكر الجهاد أرضا رحبة للحوار والسماحة والتلاقي والتعايش بين الإسلام وسائر الديانات الأخرى والقيم الإنسانية والمواثيق الدولية "
القرضاوي يستعيد لهذه الآلية فعاليتها ووسطيتها واعتدالها ساحبا لها من أيدي المتطرفين. ولم تكن جرأته في التصدي لحملات أعداء الإسلام على الجهاد أشد من جرأته على حجج جماعات التشدد وإعلان الحرب الشاملة على العالم، ولم يتردد في التصدي لجمهور الفقهاء المنادين بالحرب الهجومية (جهاد الطلب)، ولا استخذى من اعتزازه بالانتماء للدفاعيين.
ولا يزال يوالي سيل حججه المتدفق على أسانيد الطالبين وتأويلاتهم للنصوص غير هياب ولا وجل ولا مفتأت ولا محقر لعالم مخالف بل هو يلتمس العذر لمخالفيه، لا يزال يفعل ذلك حتى أسقط أو كاد وقوض ما عرف بجهاد الطلب، مؤسسا لجهاد دفاعي بمعناه الشامل، جهاد يدرأ عنه شبهة الإرهاب راسما حدا فاصلا بينه وبين المقاومة المشروعة للاحتلال، جهاد تلتقي أخلاقياته مع ما استقر في المواثيق الدولية من مبادئ وقيم وقوانين تحظر العدوان والاحتلال واستخدام أسلحة الدمار الشامل وتعذيب الأسرى لدرجة القتل والاسترقاق.
جهاد يرحب بعالم مفتوح تجول فيه بحرية الأفكار والأشخاص وتتدافع بسلاح الحجة والبرهان بدل التقاتل والسنان.
لقد أفسح القرضاوي من خلال طرحه هذا للجهاد أرضا رحبة للحوار والسماحة والتلاقي والتعايش بين الإسلام وسائر الديانات الأخرى والقيم الإنسانية والمواثيق الدولية بما يفسح مجالا للاستجابة لنداء القرآن الخالد "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم". (الحجرات/13).
المصدر : الجزيرة