Hukum Jihad Perang dalam Islam
Hukum Jihad Perang dalam Islam
في حكم الجهاد عند العلماء ثلاثة أقوال :
القول الأول : أنه فرض كفاية ، وفرض الكفاية هو الذي لا يتعلق بكل مكلف من المسلمين عينا ، وإنما الفرض القيام به قياما كافيا من طائفة منهم ، فإذا قامت به طائفة كافية سقط فرضه عن غيرها ، وإن لم تقم به طائفة قياما كافيا ، كان فرضا على جميع المسلمين أن يخرجوا منهم من يكفي قيامهم به ، ولو لم يكف إلا المسلمون جميعا وجب عليهم القيام به جميعا ، ويأثمون كلهم بتركه ، فيصبح في هذه الحالة فرض عين لا فرض كفاية . وعلى هذا القول عامة المذاهب وجمهور علماء المسلمين .
Hukum Jihad Perang dalam Islam
حكم الجهاد في سبيل الله
في حكم الجهاد عند العلماء ثلاثة أقوال :
القول الأول : أنه فرض كفاية ، وفرض الكفاية هو الذي لا يتعلق بكل مكلف من المسلمين عينا ، وإنما الفرض القيام به قياما كافيا من طائفة منهم ، فإذا قامت به طائفة كافية سقط فرضه عن غيرها ، وإن لم تقم به طائفة قياما كافيا ، كان فرضا على جميع المسلمين أن يخرجوا منهم من يكفي قيامهم به ، ولو لم يكف إلا المسلمون جميعا وجب عليهم القيام به جميعا ، ويأثمون كلهم بتركه ، فيصبح في هذه الحالة فرض عين لا فرض كفاية . وعلى هذا القول عامة المذاهب وجمهور علماء المسلمين .
وقد استدل أهل هذا القول بالقرآن والسنة من وجهين :
الوجه الأول : ورود نصوص دالة بعمومها على وجوب الجهاد .
الوجه الثاني : ورود نصوص تدل على أن ذلك الوجوب كفائي وليس عينيا .
1- النصوص الدالة على الوجوب بعمومها
أ – من القرآن :
من ذلك قوله تعالى : ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ) [ التوبة 5 ]
وقوله تعالى : ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم …) الآية [ البقرة : 266 ]
وقوله تعالى : ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم …. وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله … ) الآية [ 190-193 ]
وقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض …. إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ) [ التوبة : 38- 39 ]
وقوله تعالى : ( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم ) [ التوبة 41 ]
وقوله تعالى : ( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة … ) [ التوبة 36 ]
ب ـ من السنة :
ـ من ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الجهاد واجب مع كل أمير ، برا كان أو فاجرا ) أخرجه أبو داود (3/40) وفي صحة الحديث كلام أوردته في كتاب ( الجهاد في سبيل الله – حقيقته وغايته )
- وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم ) رواه أبو داود ، وهو حديث صحيح .
- وحديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه الإمام مسلم (3/1517) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو ماتت على شعبة من نفاق ) .
والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا .
قالوا : هذه النصوص واضحة في أن الجهاد فرض يأثم المسلمون بتركه ، لأنها وردت بصيغ لا تحتمل إلا ذلك ، كصيغ الأمر في قوله ) فاقتلوا المشركين . وقاتلوا في سبيل الله . واقتلوهم حيث ثقفتموهم . فإن قاتلوكم فاقتلوهم .( ( والكفار لا يكفون عن قتال المسلمين إلا لضعف طارئ أو خضوع المسلمين لهم ) ) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة . انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا … )
وصيغة التوبيخ والإنكار كما في قوله ( مالك إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم من الحياة الدنيا بالآخرة . إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ) .
هذا هو الوجه الأول من الاستدلال بالنصوص على أن الجهاد فرض لازم ، وهي واضحة في الدلالة على المراد .
أما الوجه الثاني الدال على أن فريضة الجهاد فرض كفاية ، وليست فرض عين فسيأتي في الحلقة القادمة .
أقوال العلماء مبسوطة في مصادرها ، وقد تركتها من أجل الاختصار ، وهي مستوفاة في الأصل ، وأذكر منها على سبيل المثال الكتب الآتية ، وهي شاملة للمذاهب الأربعة :
المبسوط (10/3) للسرخسي … الكافي لابن عبد البر (1463) حواشي تحفة المحتاج على المنهاج للنووي (9/212) المغني لابن قدامة (9/196) بداية المجتهد (1/ونهاية المقتصد (1/396)
الوجه الثاني الدال على أن الجهاد فرض كفاية وليس فرض عين .
النصوص التي ذكرت في الوجه الأول دلت دلالة عامة على أن الجهاد فرض ، وقد وردت نصوص أخرى تدل على أن هذه الفريضة كفائية وليست عينية ، والقياس يقتضي ذلك أيضا .
أولا : الأدلة من القرآن الكريم :
من ذلك قول الله عز وجل : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) [ التوبة 122 ]
ودلالة الآية على المقصود من وجهين : الوجه الأول : في قوله تعالى : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) أي ما صح ذلك ولا استقام أن يهب جميع أفراد المؤمنين القادرين على الجهاد للغزو ، لما في ذلك من ضياع من وراءهم من العيال ، ومن ترك السعي للرزق وحرث الأرض وعمارتها التي لا يتم الجهاد إلا بها .
سواء فسر الفريق المتفقه في الدين بالنافرين للجهاد ، أم بالمقيم في البلد .
الوجه الثاني من دلالة الآية ، يؤخذ من قوله تعالى : ) فلولا نفر من كل فرقة طائفة منهم ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ( فإنه ظاهر بأن الله تعالى كما نفى في أول الآية أن ينفر المسلمون للجهاد كافة ، حض في آخرها على أن ينفر من كل جماعة من المسلمين طائفة لتقوم الطائفة النافرة بفرض الجهاد الذي يسقط عن الباقية ، وتقوم الباقية بالمصالح التي لا بد منها …
ـ وقوله تعالى : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ) [ النساء : 95 ]
ودلالة الآية على أن الجهاد فرض كفاية واضحة ، لأن الله فضل المجاهدين على القاعدين بدون عذر ، ووعدهم جميعا بالحسنى ، فالقاعد عن الجهاد بدون عذر لا يأثم إذا قام به غيره قياما كافيا ، ولم يستنفره ولي الأمر .
ـ وقوله تعالى : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) [ آل عمران 104 ]
والجهاد قمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهما فرض كفاية.
وفي الحلقة القادمة سيكون الكلام في دلالة السنة - وكذا المعنى - على أن الجهاد فرض كفاية .
( 5 )
ثانيا : الأدلة من السنة على أن الجهاد فرض كفاية:
1- من السنة القولية :
من ذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا إلى بني لحيان من هذيل ، فقال : ( لينبعث من كل رجلين أحدهما ، والأجر بينهما ) وفي رواية : ( وليخرج من كل رجلين رجل ) ثم قال للقاعد : ( أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج ) رواه الإمام مسلم [ 3/1507 ].
فالحديث صريح في أن الجهاد ليس فرضا على الأعيان ، بل هو فرض كفاية ، وإلا لما قال : ( لينبعث من كل رجلين أحدهما ] ولما أثبت للقاعد الذي يخلف الخارج أجرا
[ والأحر بينهما ]
ومن ذلك حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ( من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ، ومن خلفه في أهله وماله بخير فقد غزا ) مسلم أيضا نفس الجزء والصفحة .
2- السنة الفعلية :
فقد كان صلى الله عليه وسلم يخرج في الغزوات تارة ، ويبقى في المدينة تارة ، ويؤمر غيره على الغزوة أو السرية ، كما في حديث بريدة عن ، أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا علفى جيش أو سرية ، وصاه في خاصته بتقوى الله ، ومن معه من المسلمين خيرا ، ثم قال : ( اغزوا باسم الله ، في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله … ) الحديث . رواه مسلم [ 3/1357 ]
ولم يكن يأمر جميع أصحابه بالخروج ، بل يأمر بعضهم دون بعض ، إلا أ ن يكون نفيرا عاما ،كما في غزوة تبوك . وهذا من أقوى الأدلة على أن الجهاد ليس فرض عين وإنما هو فرض كفاية .
2- المعنى يقتضي كون الجهاد فرض كفاية .
ومما يدل على أن الجهاد فرض كفاية المعنى الذي شرع له ، وهو إعلاء كلمة الله ، فإذا قامت به طائفة من المسلمين حتى تحقق هذا المعنى فعلت كلمة الله في الأرض ، وقُهِ أعداء الإسلام المحاربون له بتلك الطائفة ، فقد حصل المقصود الذي شرع له الجهاد ، فلا محل لجعله فرض عين على كل المسلمين كالصلاة مثلا .
تنبيه مهم
وهنا لا بد من التنبيه على معنى فرض الكفاية الذي لا يفهم فقهه كثير من الناس ، ولو فقهه المسلمون حق الفقه ، لكان للجهاد في هذا العصر شأن آخر ، غير ما أصيب به المسلمون من ذلة وصغار في كل أنحاء الأرض .
ففرض الكفاية الذي يسقط عن الأمة بقيام طائفة به ، هو أن تكون تلك الطائفة كافية في القيام به ، وليس المراد مجرد قيام طائفة مجاهدة ولو لم يكن جهادها كافيا ، فلا يصح إسقاط الجهاد عن الأمة الإسلامية كلهم بقيام طائفة منهم في جزء من الأرض ، ولو كانت كافية في ذلك الجزء ، مع بقاء أجزاء أخرى ترتفع فيها راية الكفر، فإن كل جزء من تلك الأجزاء يجب على المسلمين القريبين منه أن يجاهدوا – ما داموا قادرين - من حارب الله ورسوله وعباده المؤمنين ووقفوا عقبة لصد الناس عن الدعوة إلى الله حتى يقهروهم ، فإذا لم يقدروا على قهرهم ، وجب على من يليهم من المسلمين أن ينفروا معهم ، وهكذا حتى تحصل الكفاية . ولهذا فال في حاشية ابن عابدين : " وغياك أن تتوهم أن فرضيته ( الجهاد ) تسقط عن أهل الهند بقيام أهل الروم مثلا ، بل يفرض على الأقرب فالأقرب من العدو إلى أن تقع الكفاية ، فلو لم تقع إلا بكل الناس فرض عينا ، كصلاة وصوم "
قلت : والذي يتأمل أحوال المسلمين مع أعداء الله المحاربين للإسلام ، يجد أن الجهاد اليوم فرض عين على كل قادر عليه من أفراد المسلمين ، وليس فرض كفاية ، لأن بعض طوائف المسلمين التي تقوم بالجهاد ضد عدوان الكفار على أرضها وعرضها ومقدساتها في عقر دارها لا تكفي لقهر عدوها ، بل العدو هو الذي يقهرها ، بل ينصر العدو عليها من يدعي الإسلام ، وما قضية المسلمين في فلسطين بخافية على المسلمين !!!
راجع في تفسير الآيات الكتب الآتية : الجامع لأحكام القرآن [ 3/293 ] جامع البيان عن تأويل آي القرآن [ 11/70 ] التفسير الكبير للرازي [ 11/9 ]
وراجع في كتب الفقه : المبسوط [ 10/3 ] والمغني لابن قدامة [ 9/196 ] وبدائع الصنائع [ 9/4300 ] وتكملة المجموع للعقبي [ 18/ 47 ] وحاشية ابن عابدين [ 4/124 )
( 6 )
القول الثاني في حكم الجهاد أنه فرض عين .
وهو رأي سعيد بن المسيب رحمه الله ، وبه قال بعض الشافعية ، وذكره ابن قدامة في المغني ورد عليه ، وذكره ابن رشد عن عبد الله بن الحسن واستدل هؤلاء بأدلة فرض الجهاد المطلقة ، وقد ذكر كثير منها في القول الأول من الكتاب والسنة ، ومضى ذكر ما عارضها من النصوص الدالة على أنه فرض كفاية ، وبهذا يعلم أن القول الأول هو الراجح ، والله أعلم .
==========
مراجع هذا القول : فتح القدير لابن الهمام (5/439) المغني لابن قدامة (9/196)
حواشي تحفة المحتاج (9/439) بداية المجتهد(1/396)
( 7 )
القول الثالث : أن الجهاد مندوب .
أي إن الجهاد في سبيل الله ، ليس واجبا عينا ولا كفاية ، ونقل هذا القول عن ابن عمر وعطاء والثوري وابن شبرمة رحمهم الله .
ويفهم من عبارات بعض العلماء أنهم قد يحتجون بدخول التخصيص على النصوص العامة التي تدل على وجوب الجهاد ، لأن النص إذا دخله التخصيص ، يصبح ظني الدلالة فيضعف الاحتجاج به على الوجوب ، فيبقى على الندب .
ولكن هذا الاستدلال في غاية الضعف ، لأن العام إذا دخله التخصيص عند أهل الأصول قصر تخصيصه على بعض أفراده …وقد حمل بعض العلماء مراد ابن عمر ومن ذكر معه على أنهم أرادوا أن الجهاد ليس بفرض عين ، وغنما هو فرض كفاية ، فإذا قامت به طائفة كافية أصبح في حق غيرها مندوبا .
ولهذا قال الجصاص رحمه الله ( في أحكام القرآن (3/114) : " ومعلوم في اعتقاد جميع المسلمين أنه إذا خاف أهل الثغور من العدو ( قلت فكيف والمسلمون اليوم يعتدى عليهم في داخل منازلهم ومساجدهم ؟؟!! ) ولم تكن فيهم مقاومة لهم ، فخافوا على بلادهم وأنفسهم وذراريهم ، أن الفرض على كافة الأمة أن ينفر إليهم من يكف عاديتهم عن المسلمين ، وهذا لا خلاف فيه بين الأمة ، إذ ليس من قول أحد من المسلمين إباحة القعود عنهم حتى يستبيحوا دماء المسلمين وسبي ذراريهم ، ولكن موضع الخلاف بينهم أنه متى ما كان بإزاء العدو مقاومين له ، ولا يخافون غلبة العدو عليهم ، هل يجوز للمسلمين ترك جهادهم حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية ؟ فكان من قول ابن عمر وعطاء وعمر بن دينار وابن شبرمة أنه جائز للإمام والمسلمين أن لا يغزوهم ، وأن يقعدوا عنهم . وقال آخرون : على الإمام والمسلمين أن يغزوهم أبدا حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية . "
قلت : وحمل قول هؤلاء – إذا صح عنهم – على هذا الوجه متعين ، وإلا فلا وجه له ، وكل واحد يؤخذ من قوله ويترك ، غير الرسول المعصوم صلى الله عليه وسلم .
وإذا لم تكن نصوص القرآن والسنة الواردة في فريضة الجهاد ، وإجماع الأمة الإسلامية على مضمونها ، والواقع التاريخي لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، إذا لم تكن كافية في الدلالة على أن الجهاد في سبيل الله فريضة ، فأي فريضة بعد ذلك ستثبت بنصوص هي أقل من نصوص الجهاد عددا ، وأضعف دلالة ؟! وعلى هذا فالقول بأن الجهاد مندوب وليس بفرض عين ولا كفاية قول ساقط لا يجوز التعويل عليه …
وينبغي أن يعلم أن هذا الخلاف إنما هو في الجهاد بمعناه الخاص ، وهو قتال الكفار ، والراجح فيه ما مضى من أنه فرض كفاية .
أما الجهاد بمعناه الشامل الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، فإنه فرض عين في الجملة ن بمعنى أن المسلم لا يخلو في وقت من الأوقات من جهاد واجب عليه ، إذ ليس الجهاد مقصورا على قتال الكفار ، بل يشمل جهاد النفس والهوى والشيطان ، وجهاد الأسرة لاستقامتهم على طاعة الله ، وجهاد كثير من المسلمين الذين لا يلتزمون بطاعة الله بدعوتهم إلى الخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ، وتعليمهم أمور دينهم ، وجهاد ولي الأمر بنصحه وإرشاده ، وكلمة الحق عنده ، وإعداد العدة لجهاد العدو الكافر .
ولهذا قال ابن القيم رحمه الله في كتابه العظيم – زاد المعاد (2/65) " ثم فرض عليهم قتال المشركين كافة ، وكان محرما ، ثم مأذونا فيه ، ثم مأمورا به لمن بدأهم بالقتال ، ثم مأمورا به لجميع المشركين ، إما فرض عين على أحد القولين ، أو فرض كفاية على المشهور ,
والتحقيق أن جنس الجهاد فرض عين إما بالقلب ، وإما باللسان ، وإما بالمال ، وإما باليد ، فعلى كل مسلم أن يجاهد بنوع من هذه الأنواع " .
ولعل هذا المعنى الذي أشار إليه ابن القيم يفهم من قوله تعالى ) وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ( الحج [ 78 ]
فقوله : ) جاهدوا في الله حق جهاده ( ثم أمره بعد ذلك بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والاعتصام بالله ، يدل على شمول الجهاد لكل ما كلفه الله عباده .
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
المصدر
حكم الجهاد في سبيل الله
في حكم الجهاد عند العلماء ثلاثة أقوال :
القول الأول : أنه فرض كفاية ، وفرض الكفاية هو الذي لا يتعلق بكل مكلف من المسلمين عينا ، وإنما الفرض القيام به قياما كافيا من طائفة منهم ، فإذا قامت به طائفة كافية سقط فرضه عن غيرها ، وإن لم تقم به طائفة قياما كافيا ، كان فرضا على جميع المسلمين أن يخرجوا منهم من يكفي قيامهم به ، ولو لم يكف إلا المسلمون جميعا وجب عليهم القيام به جميعا ، ويأثمون كلهم بتركه ، فيصبح في هذه الحالة فرض عين لا فرض كفاية . وعلى هذا القول عامة المذاهب وجمهور علماء المسلمين .
وقد استدل أهل هذا القول بالقرآن والسنة من وجهين :
الوجه الأول : ورود نصوص دالة بعمومها على وجوب الجهاد .
الوجه الثاني : ورود نصوص تدل على أن ذلك الوجوب كفائي وليس عينيا .
1- النصوص الدالة على الوجوب بعمومها
أ – من القرآن :
من ذلك قوله تعالى : ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ) [ التوبة 5 ]
وقوله تعالى : ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم …) الآية [ البقرة : 266 ]
وقوله تعالى : ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم …. وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله … ) الآية [ 190-193 ]
وقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض …. إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ) [ التوبة : 38- 39 ]
وقوله تعالى : ( انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم ) [ التوبة 41 ]
وقوله تعالى : ( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة … ) [ التوبة 36 ]
ب ـ من السنة :
ـ من ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الجهاد واجب مع كل أمير ، برا كان أو فاجرا ) أخرجه أبو داود (3/40) وفي صحة الحديث كلام أوردته في كتاب ( الجهاد في سبيل الله – حقيقته وغايته )
- وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم ) رواه أبو داود ، وهو حديث صحيح .
- وحديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه الإمام مسلم (3/1517) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو ماتت على شعبة من نفاق ) .
والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا .
قالوا : هذه النصوص واضحة في أن الجهاد فرض يأثم المسلمون بتركه ، لأنها وردت بصيغ لا تحتمل إلا ذلك ، كصيغ الأمر في قوله ) فاقتلوا المشركين . وقاتلوا في سبيل الله . واقتلوهم حيث ثقفتموهم . فإن قاتلوكم فاقتلوهم .( ( والكفار لا يكفون عن قتال المسلمين إلا لضعف طارئ أو خضوع المسلمين لهم ) ) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة . انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا … )
وصيغة التوبيخ والإنكار كما في قوله ( مالك إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم من الحياة الدنيا بالآخرة . إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ) .
هذا هو الوجه الأول من الاستدلال بالنصوص على أن الجهاد فرض لازم ، وهي واضحة في الدلالة على المراد .
أما الوجه الثاني الدال على أن فريضة الجهاد فرض كفاية ، وليست فرض عين فسيأتي في الحلقة القادمة .
أقوال العلماء مبسوطة في مصادرها ، وقد تركتها من أجل الاختصار ، وهي مستوفاة في الأصل ، وأذكر منها على سبيل المثال الكتب الآتية ، وهي شاملة للمذاهب الأربعة :
المبسوط (10/3) للسرخسي … الكافي لابن عبد البر (1463) حواشي تحفة المحتاج على المنهاج للنووي (9/212) المغني لابن قدامة (9/196) بداية المجتهد (1/ونهاية المقتصد (1/396)
الوجه الثاني الدال على أن الجهاد فرض كفاية وليس فرض عين .
النصوص التي ذكرت في الوجه الأول دلت دلالة عامة على أن الجهاد فرض ، وقد وردت نصوص أخرى تدل على أن هذه الفريضة كفائية وليست عينية ، والقياس يقتضي ذلك أيضا .
أولا : الأدلة من القرآن الكريم :
من ذلك قول الله عز وجل : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) [ التوبة 122 ]
ودلالة الآية على المقصود من وجهين : الوجه الأول : في قوله تعالى : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) أي ما صح ذلك ولا استقام أن يهب جميع أفراد المؤمنين القادرين على الجهاد للغزو ، لما في ذلك من ضياع من وراءهم من العيال ، ومن ترك السعي للرزق وحرث الأرض وعمارتها التي لا يتم الجهاد إلا بها .
سواء فسر الفريق المتفقه في الدين بالنافرين للجهاد ، أم بالمقيم في البلد .
الوجه الثاني من دلالة الآية ، يؤخذ من قوله تعالى : ) فلولا نفر من كل فرقة طائفة منهم ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ( فإنه ظاهر بأن الله تعالى كما نفى في أول الآية أن ينفر المسلمون للجهاد كافة ، حض في آخرها على أن ينفر من كل جماعة من المسلمين طائفة لتقوم الطائفة النافرة بفرض الجهاد الذي يسقط عن الباقية ، وتقوم الباقية بالمصالح التي لا بد منها …
ـ وقوله تعالى : ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ) [ النساء : 95 ]
ودلالة الآية على أن الجهاد فرض كفاية واضحة ، لأن الله فضل المجاهدين على القاعدين بدون عذر ، ووعدهم جميعا بالحسنى ، فالقاعد عن الجهاد بدون عذر لا يأثم إذا قام به غيره قياما كافيا ، ولم يستنفره ولي الأمر .
ـ وقوله تعالى : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) [ آل عمران 104 ]
والجهاد قمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهما فرض كفاية.
وفي الحلقة القادمة سيكون الكلام في دلالة السنة - وكذا المعنى - على أن الجهاد فرض كفاية .
( 5 )
ثانيا : الأدلة من السنة على أن الجهاد فرض كفاية:
1- من السنة القولية :
من ذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا إلى بني لحيان من هذيل ، فقال : ( لينبعث من كل رجلين أحدهما ، والأجر بينهما ) وفي رواية : ( وليخرج من كل رجلين رجل ) ثم قال للقاعد : ( أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج ) رواه الإمام مسلم [ 3/1507 ].
فالحديث صريح في أن الجهاد ليس فرضا على الأعيان ، بل هو فرض كفاية ، وإلا لما قال : ( لينبعث من كل رجلين أحدهما ] ولما أثبت للقاعد الذي يخلف الخارج أجرا
[ والأحر بينهما ]
ومن ذلك حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ( من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ، ومن خلفه في أهله وماله بخير فقد غزا ) مسلم أيضا نفس الجزء والصفحة .
2- السنة الفعلية :
فقد كان صلى الله عليه وسلم يخرج في الغزوات تارة ، ويبقى في المدينة تارة ، ويؤمر غيره على الغزوة أو السرية ، كما في حديث بريدة عن ، أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا علفى جيش أو سرية ، وصاه في خاصته بتقوى الله ، ومن معه من المسلمين خيرا ، ثم قال : ( اغزوا باسم الله ، في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله … ) الحديث . رواه مسلم [ 3/1357 ]
ولم يكن يأمر جميع أصحابه بالخروج ، بل يأمر بعضهم دون بعض ، إلا أ ن يكون نفيرا عاما ،كما في غزوة تبوك . وهذا من أقوى الأدلة على أن الجهاد ليس فرض عين وإنما هو فرض كفاية .
2- المعنى يقتضي كون الجهاد فرض كفاية .
ومما يدل على أن الجهاد فرض كفاية المعنى الذي شرع له ، وهو إعلاء كلمة الله ، فإذا قامت به طائفة من المسلمين حتى تحقق هذا المعنى فعلت كلمة الله في الأرض ، وقُهِ أعداء الإسلام المحاربون له بتلك الطائفة ، فقد حصل المقصود الذي شرع له الجهاد ، فلا محل لجعله فرض عين على كل المسلمين كالصلاة مثلا .
تنبيه مهم
وهنا لا بد من التنبيه على معنى فرض الكفاية الذي لا يفهم فقهه كثير من الناس ، ولو فقهه المسلمون حق الفقه ، لكان للجهاد في هذا العصر شأن آخر ، غير ما أصيب به المسلمون من ذلة وصغار في كل أنحاء الأرض .
ففرض الكفاية الذي يسقط عن الأمة بقيام طائفة به ، هو أن تكون تلك الطائفة كافية في القيام به ، وليس المراد مجرد قيام طائفة مجاهدة ولو لم يكن جهادها كافيا ، فلا يصح إسقاط الجهاد عن الأمة الإسلامية كلهم بقيام طائفة منهم في جزء من الأرض ، ولو كانت كافية في ذلك الجزء ، مع بقاء أجزاء أخرى ترتفع فيها راية الكفر، فإن كل جزء من تلك الأجزاء يجب على المسلمين القريبين منه أن يجاهدوا – ما داموا قادرين - من حارب الله ورسوله وعباده المؤمنين ووقفوا عقبة لصد الناس عن الدعوة إلى الله حتى يقهروهم ، فإذا لم يقدروا على قهرهم ، وجب على من يليهم من المسلمين أن ينفروا معهم ، وهكذا حتى تحصل الكفاية . ولهذا فال في حاشية ابن عابدين : " وغياك أن تتوهم أن فرضيته ( الجهاد ) تسقط عن أهل الهند بقيام أهل الروم مثلا ، بل يفرض على الأقرب فالأقرب من العدو إلى أن تقع الكفاية ، فلو لم تقع إلا بكل الناس فرض عينا ، كصلاة وصوم "
قلت : والذي يتأمل أحوال المسلمين مع أعداء الله المحاربين للإسلام ، يجد أن الجهاد اليوم فرض عين على كل قادر عليه من أفراد المسلمين ، وليس فرض كفاية ، لأن بعض طوائف المسلمين التي تقوم بالجهاد ضد عدوان الكفار على أرضها وعرضها ومقدساتها في عقر دارها لا تكفي لقهر عدوها ، بل العدو هو الذي يقهرها ، بل ينصر العدو عليها من يدعي الإسلام ، وما قضية المسلمين في فلسطين بخافية على المسلمين !!!
راجع في تفسير الآيات الكتب الآتية : الجامع لأحكام القرآن [ 3/293 ] جامع البيان عن تأويل آي القرآن [ 11/70 ] التفسير الكبير للرازي [ 11/9 ]
وراجع في كتب الفقه : المبسوط [ 10/3 ] والمغني لابن قدامة [ 9/196 ] وبدائع الصنائع [ 9/4300 ] وتكملة المجموع للعقبي [ 18/ 47 ] وحاشية ابن عابدين [ 4/124 )
( 6 )
القول الثاني في حكم الجهاد أنه فرض عين .
وهو رأي سعيد بن المسيب رحمه الله ، وبه قال بعض الشافعية ، وذكره ابن قدامة في المغني ورد عليه ، وذكره ابن رشد عن عبد الله بن الحسن واستدل هؤلاء بأدلة فرض الجهاد المطلقة ، وقد ذكر كثير منها في القول الأول من الكتاب والسنة ، ومضى ذكر ما عارضها من النصوص الدالة على أنه فرض كفاية ، وبهذا يعلم أن القول الأول هو الراجح ، والله أعلم .
==========
مراجع هذا القول : فتح القدير لابن الهمام (5/439) المغني لابن قدامة (9/196)
حواشي تحفة المحتاج (9/439) بداية المجتهد(1/396)
( 7 )
القول الثالث : أن الجهاد مندوب .
أي إن الجهاد في سبيل الله ، ليس واجبا عينا ولا كفاية ، ونقل هذا القول عن ابن عمر وعطاء والثوري وابن شبرمة رحمهم الله .
ويفهم من عبارات بعض العلماء أنهم قد يحتجون بدخول التخصيص على النصوص العامة التي تدل على وجوب الجهاد ، لأن النص إذا دخله التخصيص ، يصبح ظني الدلالة فيضعف الاحتجاج به على الوجوب ، فيبقى على الندب .
ولكن هذا الاستدلال في غاية الضعف ، لأن العام إذا دخله التخصيص عند أهل الأصول قصر تخصيصه على بعض أفراده …وقد حمل بعض العلماء مراد ابن عمر ومن ذكر معه على أنهم أرادوا أن الجهاد ليس بفرض عين ، وغنما هو فرض كفاية ، فإذا قامت به طائفة كافية أصبح في حق غيرها مندوبا .
ولهذا قال الجصاص رحمه الله ( في أحكام القرآن (3/114) : " ومعلوم في اعتقاد جميع المسلمين أنه إذا خاف أهل الثغور من العدو ( قلت فكيف والمسلمون اليوم يعتدى عليهم في داخل منازلهم ومساجدهم ؟؟!! ) ولم تكن فيهم مقاومة لهم ، فخافوا على بلادهم وأنفسهم وذراريهم ، أن الفرض على كافة الأمة أن ينفر إليهم من يكف عاديتهم عن المسلمين ، وهذا لا خلاف فيه بين الأمة ، إذ ليس من قول أحد من المسلمين إباحة القعود عنهم حتى يستبيحوا دماء المسلمين وسبي ذراريهم ، ولكن موضع الخلاف بينهم أنه متى ما كان بإزاء العدو مقاومين له ، ولا يخافون غلبة العدو عليهم ، هل يجوز للمسلمين ترك جهادهم حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية ؟ فكان من قول ابن عمر وعطاء وعمر بن دينار وابن شبرمة أنه جائز للإمام والمسلمين أن لا يغزوهم ، وأن يقعدوا عنهم . وقال آخرون : على الإمام والمسلمين أن يغزوهم أبدا حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية . "
قلت : وحمل قول هؤلاء – إذا صح عنهم – على هذا الوجه متعين ، وإلا فلا وجه له ، وكل واحد يؤخذ من قوله ويترك ، غير الرسول المعصوم صلى الله عليه وسلم .
وإذا لم تكن نصوص القرآن والسنة الواردة في فريضة الجهاد ، وإجماع الأمة الإسلامية على مضمونها ، والواقع التاريخي لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، إذا لم تكن كافية في الدلالة على أن الجهاد في سبيل الله فريضة ، فأي فريضة بعد ذلك ستثبت بنصوص هي أقل من نصوص الجهاد عددا ، وأضعف دلالة ؟! وعلى هذا فالقول بأن الجهاد مندوب وليس بفرض عين ولا كفاية قول ساقط لا يجوز التعويل عليه …
وينبغي أن يعلم أن هذا الخلاف إنما هو في الجهاد بمعناه الخاص ، وهو قتال الكفار ، والراجح فيه ما مضى من أنه فرض كفاية .
أما الجهاد بمعناه الشامل الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، فإنه فرض عين في الجملة ن بمعنى أن المسلم لا يخلو في وقت من الأوقات من جهاد واجب عليه ، إذ ليس الجهاد مقصورا على قتال الكفار ، بل يشمل جهاد النفس والهوى والشيطان ، وجهاد الأسرة لاستقامتهم على طاعة الله ، وجهاد كثير من المسلمين الذين لا يلتزمون بطاعة الله بدعوتهم إلى الخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ، وتعليمهم أمور دينهم ، وجهاد ولي الأمر بنصحه وإرشاده ، وكلمة الحق عنده ، وإعداد العدة لجهاد العدو الكافر .
ولهذا قال ابن القيم رحمه الله في كتابه العظيم – زاد المعاد (2/65) " ثم فرض عليهم قتال المشركين كافة ، وكان محرما ، ثم مأذونا فيه ، ثم مأمورا به لمن بدأهم بالقتال ، ثم مأمورا به لجميع المشركين ، إما فرض عين على أحد القولين ، أو فرض كفاية على المشهور ,
والتحقيق أن جنس الجهاد فرض عين إما بالقلب ، وإما باللسان ، وإما بالمال ، وإما باليد ، فعلى كل مسلم أن يجاهد بنوع من هذه الأنواع " .
ولعل هذا المعنى الذي أشار إليه ابن القيم يفهم من قوله تعالى ) وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ( الحج [ 78 ]
فقوله : ) جاهدوا في الله حق جهاده ( ثم أمره بعد ذلك بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والاعتصام بالله ، يدل على شمول الجهاد لكل ما كلفه الله عباده .
كتبه
د . عبد الله قادري الأهدل
المصدر