Shalat Fardhu di Atas Kendaraan Pesawat, Kereta, Bus, Mobil dan Kapal Laut
Shalat Fardhu di Atas Kendaraan Pesawat, Kereta, Bus, Mobil dan Kapal Laut bagaimana hukumnya boleh apa tidak? Kalau boleh apakah perlu diqadha atau tidak?
Shalat Fardhu di Atas Kendaraan Pesawat, Kereta, Bus, Mobil dan Kapal Laut bagaimana hukumnya boleh apa tidak? Kalau boleh apakah perlu diqadha atau tidak?
روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح على الراحلة قِبَلَ أي وجه توجه، ويوتر عليها، غير أنه لا يُصلي عليها المكتوبة.
قال النووي في شرح مسلم : وفيه دليل على أن المكتوبة لا تجوز إلى غير القبلة، ولا على الدابة وهذا مجمع عليه؛ إلا في شدة الخوف. ا.هـ.
فصلاة الفريضة لا تجوز على الراحلة في الأصل، لكن قد يعرض لها من الأحوال ما يجوزها.
منها ما ذكره النووي في المجموع وشرح مسلم قال: ولو حضرت الصلاة المكتوبة، وخاف لو نزل ليصليها على الأرض إلى القبلة انقطاعاً عن رفقته أو خاف على نفسه أو ماله لم يجز ترك الصلاة وإخراجها عن وقتها، بل يصليها على الدابة لحرمة الوقت، وتجب الإعادة لأنه عذر نادر. ا.هـ.
ونقل عن بعضهم أنه لا تجب الإعادة، لأن فعل الفرض يطلب مرة واحدة، وهو الراجح، وإن كانت الإعادة أحوط.
ومنها: حالة الخوف. كما ذكرته آنفاً، ولا يعيدها لما سبق.
ومنها ما ذكره النووي في شرح مسلم قال: فلو أمكنه استقبال القبلة، والقيام والركوع والسجود على الدابة واقفة - يعني غير سائرة - عليها هودج، أو نحوه جازت الفريضة على الصحيح من مذهبنا، فإن كانت سائرة لم تصح على الصحيح المنصوص للشافعي. ا.هـ.
وهذا الذي نرجحه، لأن الدابة المستقرة التي عليها ركاب يمكن الركوع والسجود عليه تشبه الصلاة على الأرض. أما المتحركة فليست مستقرة.
ومنها: حالة التحام القتال مع العدو الكافر أو غيره، من كل قتال جائز لا يمكن النزول فيه عن الدابة، فيصلي الفرض على ظهرها إيماءً، وللقبلة إن أمكن ولا يُعيد.
ومنها: الراكب في خضخاض (قليل) من ماء، لا يطيق النزول فيه أو خشي تلطخ ثيابه، وخاف خروج الوقت، فإن لم يخف خروج الوقت، أخر الصلاة حتى يخرج من الماء بدابته، ويصلي في آخر الوقت.
ومنها: مرض الراكب الذي لا يُطيق النزول عن الدابة، فيؤدي الفريضة إيماءً لمرضه، بعد إيقاف الدابة واستقبال القبلة.
وليُعلم أن بعض هذه المسائل فيها خلاف بين العلماء، لكننا ذكرنا لك قولاً واحداً -وهو الراجح عندنا- ليسهُل عليك الأمر.
***
حكم الصلاة في الطائرة:
الطائرة هي من المراكب الجوية المستحدثة التي لم يطَّلع عليها الفقهاء الأقدمون، إلا أنها لا تخرج عن كونها راحلةً، من حيث صحة أداء الصلاة فيها، ووجوب أدائها إن خشي صاحبها فوات وقتها، فقد روى الترمذي وغيره، عن عمرو بن عثمان بن يعلى بن مرة عن أبيه عن جده: «أنهم كانوا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في مسير، فانتهوا إلى مضِيقٍ، وحضرت الصلاة، فمُطِروا السماء من فوقهم، والبلَّةُ من أسفل منهم، فأذَّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو على راحلته وأقام أو أقام، فتقدم على راحلته فصلَّى بهم يومئ إيماءً يجعل السجود أخفض من الركوع»(24). وهذا الحديث ضعيف، لكن قال الترمذي: "والعمل على هذا عند أهل العلم"(25). وقال النووي: "وهذه الصلاة كانت فريضة، ولهذا أذّن لها وصلاَّها على الدَّابة للعذر"(26). وقال العظيم آبادي: "وأمّا الضرورة الشّرعية، فيجوز أداء الفرض على الدواب والراحلة"(27). وسيأتي ذكر الأحاديث التي تفيد صحة الصلاة في السفينة، وقياس الطائرة عليها.
وكونه يلزم أداء الصلاة في وقتها، فيجب أداؤها على الطائرة، لمن أدركه وقتها، وخشي فواتها، وهذا هو ما أفتت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فقالت: "إذا حان وقت الصلاة، والطائرة مستمرة في طيرانها، ويخشى فوات وقت الصلاة قبل هبوطها في أحد المطارات، فقد أجمع أهل العلم على وجوب أدائها بقدر الاستطاعة، ركوعاً وسجوداً واستقبالاً للقبلة"(28). وكذلك هو ما أفتى به الأزهر(29).
قياس صحة أداء الصلاة في الطائرة:
يمكن قياس صحة أداء الصلاة على الطائرة، وذلك من خلال قياس الطائرة على السفينة، في أن كلاًّ منهما لا يتصل بالأرض مباشرةً حال سيره، وقد وردت أحاديث وآثار كثيرة تُبيِّن صحة الصلاة في السفينة، ومن هذه الأحاديث والآثار ما يلي:
1. عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: «سئل النبي -صلى الله عليه و سلم- عن الصلاة في السفينة؟ فقال: صلِّ فيها قائما إلا أن تخاف الغرق»(30).
2. وعن جعفر -رضي الله عنه- «أن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أمره أن يصلي قائماً إلا أن يخشى الغرق»(31).
3. وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: «أنه صلَّى بأصحابه في السفينة قاعدا على بساط»(32)، وقد سئل أنسٌ عن الصلاة في السفينة؟ فقال عبد الله بن أبي عتبة مولى أنس -وهو معنا جالس-: «سافرت مع أبي سعيد الخدري وأبي الدرداء وجابر بن عبد الله. قال حميد: وأناس قد سماهم، فكان إمامنا يصلي بنا في السفينة قائماً ونحن نصلي خلفه قياماً ولو شئنا لأرفأنا وخرجنا»(33).
4. وعن عطاء: قال: «يصلون في السفينة قياما إلا أن يخافوا أن يغرقوا فيصلون جلوسا يتبعون القبلة حيث ما زالت»(34). وقد رويت آثار كثيرة في صحة الصلاة على السفينة لمن أراد الرجوع إليها، وذلك عن قتادة(35)، ومجاهد(36)، وإبراهيم النخعي(37)، والشعبي(38).
وقد قرَّر الفقهاء صحة الصلاة في السفينة. قال النووي من الشافعية: "وتصح الفريضة في السفينة الواقفة والجارية والزورق المشدود بطرف الساحل بلا خلاف، إذا استقبل القبلة وأتمَّ الأركان"(39). وبنحوه قال البهوتي(40).
ومما علَّلَ به الفقهاء صحة الصلاة على السفينة، أنها موضع حاجة. قال الرافعي: "تصح الصلاة فيها(أي السفينة) وإن كانت تجرى وتتحرك بمن فيها كالدواب تتحرك بالراكبين؛ لأن ذلك إنما يجوز لمساس الحاجة إلى ركوب البحر وتعذر العدول في أوقات الصلاة عنه، فجعل الماء على الأرض كالأرض وجعلت السفينة كالصفائح المبطوحة علي الأرض"(41).
وعند النظر والمقارنة بين السفينة والطائرة نجد الآتي:
- أنَّ السفينة والطائرة يشتركان في كونهما موضع حاجة، وليس بينهما فرقٌ مؤثر يوجب اختلافهما في الحكم، والمقرر في علم الأصول، أنّ الأصل إذا لم يكن بينه وبين الفرع فارقٌ مؤثرٌ اتّحدا في الحكم، وهو ما يسميه الأصوليون بالقياس في معنى الأصل أو الجمع بنفي الفارق.(42)
- وأمَّا كون الطائرة تجري في الهواء والسفينة تجري على الماء، فلا يعتبر هذا فارقًا مؤثرًا، فالماء كما أنه جِرمٌ، فإن الهواء أيضًا يعتبر جِرمًا، كما هو مقرّرٌ ومعلومٌ لدى الجميع، قال الأصفهاني في تعريف الهواء: هو "جِرمٌ خفيف مضاف، أي ينحو جهة الفوق"(43).
• كما أنَّ بعض الفقهاء قد نصَّ على صحة الصلاة في الأرجوحة. وممن نصَّ على ذلك فقهاء الشافعية. قال الرملي في النهاية: "ولو صلى شخص فرضًا عينيًا أو غيره على دابةٍ واستقبل القبلة وأتمَّ ركوعه وسجوده وبقية أركانه بأن كان فـي نحـو هودج -وهي واقفة وإن لم تكن معقولة- أو كان على سريرٍ يمشي به رجال، أو في زورقٍ، أو أرجوحةٍ معلَّقة بحبال، جاز لاستقرار ذلك في نفسه"(44).
وهذا التعليل من الفقهاء على صحة الصلاة في الأرجوحة، مُطَّرِدٌ في الطائرة أكثر من اطِّراده في السفينة، إذا البقعة التي يصلي عليها المصلي في الطائرة مستقرةٌ في نفسها، وإن لم تكن الطائرة غير مستقرة أو ساكنة في الظاهر، إلا أنّ محلّ الصلاة مستقرٌ في نفسه، وهذا الاستقرار الذي في الطائرة أكثر من استقرار السفينة؛ لأن السفينة أكثر عرضةً للاضطراب والأمواج، فإذا صحَّت الصلاة في السّفينة مع ضعف استقرارها، فلأن تصح في الطائرة أولى، طالما أن المصلي قد استوفى شرائط الصلاة وأتم أركانها.
وكما أن ّبعض الفقهاء قد نصَّ على صحة الصلاة في الأرجوحة، فكذلك قد نصَّ آخرين منهم على صحة الصلاة، في السرير المحمول، ونحوه كالمِحَفَّة(45) والمَحمِل (46).قال الإمام النووي: "فإن صلى كذلك في سريرٍ يحمله رجال، أو أرجوحةٍ مشدودةٍ بالحبال... ففي صحة فريضته وجهان، الأصح: الصِّحة كالسّفينة، وبه قطع القاضي أبو الطيب، فقال في باب موقف الإمام والمأموم، قال أصحابنا: لو كان يصلي على سريرٍ فحمله رجالٌ وساروا به صحَّت صلاته"(47). وقد تقدم قول الرّملي الشافعي(48)، وقال البهوتي الحنبلي: "ومن أتى بكل فرضٍ وشرطٍ لمكتوبة، أو نافلةٍ وصلَّى عليها أي: الراحلة أو صلَّى بسفينةٍ ونحوها كالمحفة سائرة، أو واقفة، ولو بلا عذر من مرضٍ، أو نحو مطرٍ، أو مع إمكان خروجٍ من نحو سفينة، صحَّت صلاته لاستيفائها ما يعتبر لها"(49). وهذا القول الأخير، يفيد صحة أداء الصلاة على المحفة، وذلك في أيّ حالةٍ من أحوالِ الاستخدام الضرورية أو غيرها، وتقاس عليها الطّائرة.
وكذلك فقد تكلم بعض الفقهاء الذين لم يعاصروا الطائرات، ولا القطارات، ولا المراكب الحديثة، عن صحة الصلاة في المسجد المتنقل. جاء في حاشية قليوبي وعميرة، في سياق الكلام عن المسجد المتنقل، فقال: "فإن ثبَّته بنحو تسميرٍ صحَّ إن كان محله الانتفاع به،... ولا يضر نقله بعد ذلك (أي المسجد) وحينئذٍ يصح الاعتكاف عليه ولو في هوائه» .(50) فكذلك الطائرة في صحة الصلاة عليها.
كيفية أداء الصلاة في الطائرة:
لا تخلو الصلاة على الطائرة من أن تكون نافلةً أو أن تكون فريضةً.
فإن كانت الصلاة على الطائرة نافلةً: فيجوز أن يؤدِّيها الشخص على هيئته جالساً، وذلك إلى جهة سير الطائرة؛ ويومئ بالركوع، ويجعل السجود أخفض من الركوع، وذلك لحديث جابر -رضي الله عنه- قال: «بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حاجةٍ، قال: فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق، والسجود أخفض من الركوع»(51). وفي روايةٍ عند البخاري: «حيث كان وجهه»(52).
قال الترمذي: "والعمل على هذا عند عامة أهل العلم، لا نعلم بينهم اختلافاً، لا يرون بأسا أن يصلي الرجل على راحلته تطوعاً حيث ما كان وجهه إلى القبلة أو غيرها"(53). وقال مالك: "يتنفَّل الرجل في السفر ليلاً أو نهاراً على دابته حيثما توجهت به"(54). وقال ابن عبد البر: "أجمعوا على أنه جائزٌ لكل من سافر سفراً يقصر فيه الصلاة، أن يتطوّع على دابته حيثما توجهت، يومىء بالركوع، والسجود أخفض من الركوع"(55). وقال ابن قدامة: "لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في إباحة التطوع على الراحلة في السفر الطويل"(56).
ولم يفرِّق ابن قدامة بين قصير السفر وطويله، في جواز أداء صلاة النافلة على الراحلة، فقال: "لأن إباحة الصلاة على الراحلة تخفيفٌ في التطوع، كيلا يؤدي إلى قطعها وتقليلها، وهذا يستوي فيه الطويل والقصير... قال القاضي: الأحكام التي يستوي فيها الطويل من السفر والقصر(57) ثلاثة: التيمم، وأكل الميتة في المخمصة، والتطوع على الراحلة، وبقية الرخص تختص الطويل, الفطر، والجمع والمسح ثلاثا".(58)
وإن كانت الصلاة على الطائرة فريضةً: فتؤدَّى الصلاة على حسب القدرة والاستطاعة، فإن وجد ماءً وجب عليه التطهر به، وإن لم يجد ماءً أو وجده وعجز عن استعماله، لزمه أن يتيمَّم، إن وجد ترابًا أو نحوه، فإن لم يجد ماء ولا ترابًا، تيمَّم بما يجد من كراسي الطائرة، أو أيّ قطعة منها، عند من يقول بأنَّ هذا مما صعد على الأرض، ثم يصلَّى على حسب حاله؛ لقول الله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: 16]. وقوله تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286].
و أما استقبال القبلة، فيمكن تحديد الاتجاهات ومعرفتها عن طريق الآلات المتطوِّرة والبوصلات الحديثة، وبناءً عليه فيلزم المصلي على الطائرة أن يتوجه إلى القبلة، إن تمكن من ذلك، من خلال معرفته بالقبلة، ومناسبة المكان في الطائرة لاستقبال القبلة، وإن لم يتمكن من ذلك فلا حرج عليه. قال في شرح المهذب: "فإن هَبَّت الريح وحوّلت السفينة، فتحوَّلَ وجهه عن القبلة، وجب ردّه إلى القبلة، ويبني على صلاته بخلاف ما لو كان في البر، وحوَّل إنسانٌ وجهه عن القبلة قهرًا، فإنه تبطل صلاته كما سبق بيانه قريبًا، قال القاضي حسين: والفرق أنّ هذا في البر نادر وفي البحر غالب، وربما تحوَّلَت في ساعةٍ واحدةٍ مرارًا"(59).
وهذا هو ما أفتت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، فقالت: "يجوز للإنسان أن يصلي على متن الطائرة؛ لعموم أدلة وجوب أداء الصلاة إذا دخل وقتها، ولا فرق في ذلك بين من كان في البر والجو والبحر، ويستقبل القبلة ما أمكنه، وإذا حصل انحراف من الطائرة عن القبلة في أثناء الصلاة استمر في صلاته مستقبلاً القبلة ما أمكن، ولا حرج عليه في ذلك؛ لعموم أدلة يسر الشريعة"(60).
فإن قيل: إنَّ المصلي على الطائرة، حتىّ وإن كان متوجهاً جهة القبلة، إلا أنه في حكم غير المستقبل لها، وذلك لارتفاعه وعلوِّه عنها؟
والجواب: إن الذي يصلي على الطائرة، وإن لم يستقبل عين الكعبة، فإنه مستقبل لهوائها، فكما أن الكعبة قبلة، فإن هواءها أيضًا قبلة، كما هو منصوص عليه في المذاهب المتَّبَعة، وقد نُقِل عليه الإجماع. جاء في حاشية العلامة الشِّلْبي على تبيين الحقائق من كتب الحنفية - عند قول المتن: "وللمكي فرضه إصابة عينها... أي إصابة عين الكعبة بأنه لو أُخْرج خطٌ مستقيمٌ منه وقع على الكعبة أو هوائها، إذ القبلة هي العرصة إلى عنان السماء حتى لو رُفع البناء وصلَّى إلى هوائه جاز بالإجماع، وكذا لو صلى على أبي قبيس جاز وهو أعلى من البناء"(61). وقال الشيخ عليش المالكي في شرح المختصر: "فإن قيل صحة صلاة مَنْ على أبي قبيس ونحوه من الجبال المحيطة بمكة المشرفة مشكلة لارتفاعها عن البيت ومن بمكة ونحوها، وشرطُ صحةِ صلاته استقبال عين الكعبة. قلت: صحتها بناءً على الاكتفاء باستقبال هوائها وهو متصل منها إلى السماء وأيضًا استقبالها مع الارتفاع عنها ممكن كإمكانه ممن على الأرض"(62). وقال النووي الشافعي في شرح المهذب: "قال أصحابنا: لو وقف على أبي قبيس أو غيره من المواضع العالية على الكعبة بقربها صحت صلاته بلا خلاف; لأنه يعد مستقبلا"(63). وفي المنتهى وشرحه للبهوتي الحنبلي: "ولا يضر علوٌّ عن الكعبة، كالمصلي على جبل أبي قبيس، ولا يضر نزولٌ عنها، كمن في حفرةٍ في الأرض، فنزل بها عن مسامتتها، لأن الجدار لا أثر له، والمقصود البقعة وهواؤها"(64).
وأما أداء الصلاة قائماً في الطائرة، فإن كان المصلي يستطيع أن يصلي قائماً، ويركع ويسجد، فيلزمه ذلك، لما تقدم من الأحاديث في بيان أداء الصلاة مطلقاً، وبيان الصلاة على السفينة، بشكلٍ خاص، ومن هذه الأحاديث حديث ابن عمر-رضي الله عنهما- قال: «سئل النبي -صلى الله عليه و سلم- عن الصلاة في السفينة؟ فقال: صلِّ فيها قائماً إلا أن تخاف الغرق»(65). والشاهد قوله: «صلِّ فيها قائماً». قال النووي في شرح المهذب: "قال أصحابنا: إذا صلى الفريضة في السفينة لم يجز له ترك القيام مع القدرة، كما لو كان في البر، وبه قال مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة: يجوز إذا كانت سائرة، قال أصحابنا: فإن كان له عذرٌ من دوران الرأس ونحوه جازت الفريضة قاعدا; لأنه عاجز"(66).
فعند وجود العذر في القيام، عند أداء فريضة الصلاة في السفينة، فيجوز أن يؤديها الشخص قاعداًً، وتقاس عليها الطائرة، فإن كان لا يستطيع القيام في الطائرة لعجزٍ، أو لعدم وجود مكانٍ مناسبٍ للقيام، فله أن يصلي جالساً يومئ بالركوع، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه، لقول الله سبحانه: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: 16]. قال ابن باز: "الواجب على المسلم في الطائرة إذا حضرت الصلاة أن يصليها حسب الطاقة، فإن استطاع أن يصليها قائماً ويركع ويسجد فعل ذلك، وإن لم يستطع صلى جالساً وأومأ بالركوع والسجود، فإن وجد مكانا في الطائرة يستطيع فيه القيام والسجود في الأرض بدلاً من الإيماء وجب عليه ذلك"(67).
الخلاصة:
يمكن تلخيص هذا البحث والذي عنوانه: حكم الصلاة على الطائرة وكيفيتها، بما يلي:
- يلزم على المكلّفين أداء الصلاة في الوقت المحدَّد لها شرعاً، ولو لم يكن هذا الأداء على الوجه الأكمل، لمن كان على سفينةٍ أو قطارٍ أو طائرةٍ، ولم يتمكن من القيام بجميع أعمال الصلاة، وذلك لأن الوقت هو أوكد فرائض الصلاة.
- وردت أحاديث كثيرة تدلّ على فضلٌ أداء الصلاة في أول وقتها، وأنه من أحب الأعمال إلى الله تعالى.
- يلزم على المصلي أن يؤدي الصلاة بالكيفية المحددة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وذلك بأن يصلِّي قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنب، كما دلَّ عليه حديث عمران بن حصين المتقدم.
- إذا دخل وقت الصلاة المفروضة، والطائرة مستمرة في طيرانها، ويخشى الإنسان من فوات وقت الصلاة قبل هبوطها في أحد المطارات، فيجب أداؤها على الطائرة في وقتها.
- تقاس صحة أداء الصلاة في الطائرة على الصلاة في السفينة، وعلى الصلاة في الأرجوحة، وعلى الصلاة في السرير المحمول، والمحفة، والمحمل، وعلى الصلاة في المسجد المتنقل.
- تؤدى الصلاة في الطائرة حسب الاستطاعة، قياماً وركوعاً وسجوداً واستقبالاً للقبلة.
وممّا سبق في البحث يتبيَّن أن الصلاة في الطائرة صحيحة، وأنها تؤدَّى بالكيفية المستطاعة حسب الإمكان؛ لانَّ السفر مَظِنَّة الترخص كما هو معلوم، ولأنَّ الشّرع الشريف دائمًا يتشوّف إلى التّخفيف ورفع الحرج والتّوسعة عند عموم البلوى.
كتبه الفقير إلى عفو ربه/ يونس عبد الرب فاضل الطلول.
راجعه/ علي عمر بلعجم
(25) سنن الترمذي 2/ 185.
(26) المجموع 3/ 106.
(27) عون المعبود 3/ 176.
(28) اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء من الفتوى رقم: (6275).
(29) فتاوى الأزهر 8/ 484.
(30) المستدرك 1/ 409، برقم: 1019. قال الألباني: صحيح، انظر: الجامع الصغير وزيادته 1/ 723، برقم: 7225.
(31) سنن الدارقطني 1/ 394، برقم: 2. وقال الدارقطني: يعني في السفينة. قال الألباني: رواه الدار قطني وصححه الحاكم، انظر: صفة الصلاة 1/ 79.
(32) مصنف عبد الرزاق 2/ 582، برقم: 4554.
(33) مصنف ابن أبي شيبة 2/ 69، برقم: 6564.
(34) مصنف عبد الرزاق 2/ 581، برقم: 4549.
(35) مصنف عبد الرزاق 2/ 581، برقم: 4551.
(36) مصنف عبد الرزاق 2/ 582، برقم: 4555.
(37) مصنف عبد الرزاق 2/ 581، برقم: 4552.
(38) مصنف عبد الرزاق 2/ 582، برقم: 4558.
(39) المجموع للنووي 3/ 222.
(40) كشاف القناع عن متن الإقتاع للبهوتي 1/ 502.
(41) شرح الوجيز للرافعي، وانظر: مطالب أولي النهى شرح غاية المنتهى للرحيباني 1/ 369.
(42) شرح المحلي على جمع الجوامع مع حاشية العطار 2/ 382.
(43) مطالع النظار شرح طوالع الأنوار 1/ 340.
(44) نهاية المحتاج 1/ 434.
(45) المحفة -بكسر الميم-: مركب من مراكب النساء، كالهودج. المصباح المنير ص: 142.
(46) المحمل: الهودج. المصباح المنير ص: 152.
(47) المجموع 3/ 242.
(48) نهاية المحتاج 1/ 434.
(49) شرح منتهى الإرادات 1/ 290، 291، وانظر: كشاف القناع عن متن الإقتاع 1/ 502.
(50) حاشيتا قليوبي - وعميرة 9/ 477.
(51) سنن أبي داود 1/ 391، برقم: 1227. قال الألباني: صحيح، صحيح أبي داود 1/ 226، برقم: 1086.
(52) صحيح البخاري 1/ 373، برقم: 1054. وأما عندما يتمكَّن الشخص من افتتاح صلاة النافلة إلى جهة القبلة، فهل يلزمه أن يستقبل القبلة؟ فيه روايتان. انظر: المغني 1/ 486.
(53) سنن الترمذي 2/ 182.
(54) المدونة الكبرى 1/ 173.
(55) المغني 1/ 485.
(56) المصدر السابق.
(57) هكذا وجدتها، ولعلَّ اللفظ الصحيح: والقصير، والله اعلم.
(58) المغني 1/ 485.
(59) المجموع 3/ 222.
(60) اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، من الفتوى رقم: (1375).
(61) حاشية الشلبي على تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي 1/ 100.
(62) منح الجليل شرح مختصر خليل 1/ 365.
(63) المجموع شرح المهذب 3/ 199.
(64) دقائق أولي النهى 1/ 170.
(65) المستدرك 1/ 409، برقم: 1019. تقدم الحكم على الحديث.
(66) المجموع 3/ 222.
(67) تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام 1/ 99.
المصدر
روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح على الراحلة قِبَلَ أي وجه توجه، ويوتر عليها، غير أنه لا يُصلي عليها المكتوبة.
قال النووي في شرح مسلم : وفيه دليل على أن المكتوبة لا تجوز إلى غير القبلة، ولا على الدابة وهذا مجمع عليه؛ إلا في شدة الخوف. ا.هـ.
فصلاة الفريضة لا تجوز على الراحلة في الأصل، لكن قد يعرض لها من الأحوال ما يجوزها.
منها ما ذكره النووي في المجموع وشرح مسلم قال: ولو حضرت الصلاة المكتوبة، وخاف لو نزل ليصليها على الأرض إلى القبلة انقطاعاً عن رفقته أو خاف على نفسه أو ماله لم يجز ترك الصلاة وإخراجها عن وقتها، بل يصليها على الدابة لحرمة الوقت، وتجب الإعادة لأنه عذر نادر. ا.هـ.
ونقل عن بعضهم أنه لا تجب الإعادة، لأن فعل الفرض يطلب مرة واحدة، وهو الراجح، وإن كانت الإعادة أحوط.
ومنها: حالة الخوف. كما ذكرته آنفاً، ولا يعيدها لما سبق.
ومنها ما ذكره النووي في شرح مسلم قال: فلو أمكنه استقبال القبلة، والقيام والركوع والسجود على الدابة واقفة - يعني غير سائرة - عليها هودج، أو نحوه جازت الفريضة على الصحيح من مذهبنا، فإن كانت سائرة لم تصح على الصحيح المنصوص للشافعي. ا.هـ.
وهذا الذي نرجحه، لأن الدابة المستقرة التي عليها ركاب يمكن الركوع والسجود عليه تشبه الصلاة على الأرض. أما المتحركة فليست مستقرة.
ومنها: حالة التحام القتال مع العدو الكافر أو غيره، من كل قتال جائز لا يمكن النزول فيه عن الدابة، فيصلي الفرض على ظهرها إيماءً، وللقبلة إن أمكن ولا يُعيد.
ومنها: الراكب في خضخاض (قليل) من ماء، لا يطيق النزول فيه أو خشي تلطخ ثيابه، وخاف خروج الوقت، فإن لم يخف خروج الوقت، أخر الصلاة حتى يخرج من الماء بدابته، ويصلي في آخر الوقت.
ومنها: مرض الراكب الذي لا يُطيق النزول عن الدابة، فيؤدي الفريضة إيماءً لمرضه، بعد إيقاف الدابة واستقبال القبلة.
وليُعلم أن بعض هذه المسائل فيها خلاف بين العلماء، لكننا ذكرنا لك قولاً واحداً -وهو الراجح عندنا- ليسهُل عليك الأمر.
***
حكم الصلاة في الطائرة:
الطائرة هي من المراكب الجوية المستحدثة التي لم يطَّلع عليها الفقهاء الأقدمون، إلا أنها لا تخرج عن كونها راحلةً، من حيث صحة أداء الصلاة فيها، ووجوب أدائها إن خشي صاحبها فوات وقتها، فقد روى الترمذي وغيره، عن عمرو بن عثمان بن يعلى بن مرة عن أبيه عن جده: «أنهم كانوا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في مسير، فانتهوا إلى مضِيقٍ، وحضرت الصلاة، فمُطِروا السماء من فوقهم، والبلَّةُ من أسفل منهم، فأذَّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو على راحلته وأقام أو أقام، فتقدم على راحلته فصلَّى بهم يومئ إيماءً يجعل السجود أخفض من الركوع»(24). وهذا الحديث ضعيف، لكن قال الترمذي: "والعمل على هذا عند أهل العلم"(25). وقال النووي: "وهذه الصلاة كانت فريضة، ولهذا أذّن لها وصلاَّها على الدَّابة للعذر"(26). وقال العظيم آبادي: "وأمّا الضرورة الشّرعية، فيجوز أداء الفرض على الدواب والراحلة"(27). وسيأتي ذكر الأحاديث التي تفيد صحة الصلاة في السفينة، وقياس الطائرة عليها.
وكونه يلزم أداء الصلاة في وقتها، فيجب أداؤها على الطائرة، لمن أدركه وقتها، وخشي فواتها، وهذا هو ما أفتت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فقالت: "إذا حان وقت الصلاة، والطائرة مستمرة في طيرانها، ويخشى فوات وقت الصلاة قبل هبوطها في أحد المطارات، فقد أجمع أهل العلم على وجوب أدائها بقدر الاستطاعة، ركوعاً وسجوداً واستقبالاً للقبلة"(28). وكذلك هو ما أفتى به الأزهر(29).
قياس صحة أداء الصلاة في الطائرة:
يمكن قياس صحة أداء الصلاة على الطائرة، وذلك من خلال قياس الطائرة على السفينة، في أن كلاًّ منهما لا يتصل بالأرض مباشرةً حال سيره، وقد وردت أحاديث وآثار كثيرة تُبيِّن صحة الصلاة في السفينة، ومن هذه الأحاديث والآثار ما يلي:
1. عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: «سئل النبي -صلى الله عليه و سلم- عن الصلاة في السفينة؟ فقال: صلِّ فيها قائما إلا أن تخاف الغرق»(30).
2. وعن جعفر -رضي الله عنه- «أن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- أمره أن يصلي قائماً إلا أن يخشى الغرق»(31).
3. وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: «أنه صلَّى بأصحابه في السفينة قاعدا على بساط»(32)، وقد سئل أنسٌ عن الصلاة في السفينة؟ فقال عبد الله بن أبي عتبة مولى أنس -وهو معنا جالس-: «سافرت مع أبي سعيد الخدري وأبي الدرداء وجابر بن عبد الله. قال حميد: وأناس قد سماهم، فكان إمامنا يصلي بنا في السفينة قائماً ونحن نصلي خلفه قياماً ولو شئنا لأرفأنا وخرجنا»(33).
4. وعن عطاء: قال: «يصلون في السفينة قياما إلا أن يخافوا أن يغرقوا فيصلون جلوسا يتبعون القبلة حيث ما زالت»(34). وقد رويت آثار كثيرة في صحة الصلاة على السفينة لمن أراد الرجوع إليها، وذلك عن قتادة(35)، ومجاهد(36)، وإبراهيم النخعي(37)، والشعبي(38).
وقد قرَّر الفقهاء صحة الصلاة في السفينة. قال النووي من الشافعية: "وتصح الفريضة في السفينة الواقفة والجارية والزورق المشدود بطرف الساحل بلا خلاف، إذا استقبل القبلة وأتمَّ الأركان"(39). وبنحوه قال البهوتي(40).
ومما علَّلَ به الفقهاء صحة الصلاة على السفينة، أنها موضع حاجة. قال الرافعي: "تصح الصلاة فيها(أي السفينة) وإن كانت تجرى وتتحرك بمن فيها كالدواب تتحرك بالراكبين؛ لأن ذلك إنما يجوز لمساس الحاجة إلى ركوب البحر وتعذر العدول في أوقات الصلاة عنه، فجعل الماء على الأرض كالأرض وجعلت السفينة كالصفائح المبطوحة علي الأرض"(41).
وعند النظر والمقارنة بين السفينة والطائرة نجد الآتي:
- أنَّ السفينة والطائرة يشتركان في كونهما موضع حاجة، وليس بينهما فرقٌ مؤثر يوجب اختلافهما في الحكم، والمقرر في علم الأصول، أنّ الأصل إذا لم يكن بينه وبين الفرع فارقٌ مؤثرٌ اتّحدا في الحكم، وهو ما يسميه الأصوليون بالقياس في معنى الأصل أو الجمع بنفي الفارق.(42)
- وأمَّا كون الطائرة تجري في الهواء والسفينة تجري على الماء، فلا يعتبر هذا فارقًا مؤثرًا، فالماء كما أنه جِرمٌ، فإن الهواء أيضًا يعتبر جِرمًا، كما هو مقرّرٌ ومعلومٌ لدى الجميع، قال الأصفهاني في تعريف الهواء: هو "جِرمٌ خفيف مضاف، أي ينحو جهة الفوق"(43).
• كما أنَّ بعض الفقهاء قد نصَّ على صحة الصلاة في الأرجوحة. وممن نصَّ على ذلك فقهاء الشافعية. قال الرملي في النهاية: "ولو صلى شخص فرضًا عينيًا أو غيره على دابةٍ واستقبل القبلة وأتمَّ ركوعه وسجوده وبقية أركانه بأن كان فـي نحـو هودج -وهي واقفة وإن لم تكن معقولة- أو كان على سريرٍ يمشي به رجال، أو في زورقٍ، أو أرجوحةٍ معلَّقة بحبال، جاز لاستقرار ذلك في نفسه"(44).
وهذا التعليل من الفقهاء على صحة الصلاة في الأرجوحة، مُطَّرِدٌ في الطائرة أكثر من اطِّراده في السفينة، إذا البقعة التي يصلي عليها المصلي في الطائرة مستقرةٌ في نفسها، وإن لم تكن الطائرة غير مستقرة أو ساكنة في الظاهر، إلا أنّ محلّ الصلاة مستقرٌ في نفسه، وهذا الاستقرار الذي في الطائرة أكثر من استقرار السفينة؛ لأن السفينة أكثر عرضةً للاضطراب والأمواج، فإذا صحَّت الصلاة في السّفينة مع ضعف استقرارها، فلأن تصح في الطائرة أولى، طالما أن المصلي قد استوفى شرائط الصلاة وأتم أركانها.
وكما أن ّبعض الفقهاء قد نصَّ على صحة الصلاة في الأرجوحة، فكذلك قد نصَّ آخرين منهم على صحة الصلاة، في السرير المحمول، ونحوه كالمِحَفَّة(45) والمَحمِل (46).قال الإمام النووي: "فإن صلى كذلك في سريرٍ يحمله رجال، أو أرجوحةٍ مشدودةٍ بالحبال... ففي صحة فريضته وجهان، الأصح: الصِّحة كالسّفينة، وبه قطع القاضي أبو الطيب، فقال في باب موقف الإمام والمأموم، قال أصحابنا: لو كان يصلي على سريرٍ فحمله رجالٌ وساروا به صحَّت صلاته"(47). وقد تقدم قول الرّملي الشافعي(48)، وقال البهوتي الحنبلي: "ومن أتى بكل فرضٍ وشرطٍ لمكتوبة، أو نافلةٍ وصلَّى عليها أي: الراحلة أو صلَّى بسفينةٍ ونحوها كالمحفة سائرة، أو واقفة، ولو بلا عذر من مرضٍ، أو نحو مطرٍ، أو مع إمكان خروجٍ من نحو سفينة، صحَّت صلاته لاستيفائها ما يعتبر لها"(49). وهذا القول الأخير، يفيد صحة أداء الصلاة على المحفة، وذلك في أيّ حالةٍ من أحوالِ الاستخدام الضرورية أو غيرها، وتقاس عليها الطّائرة.
وكذلك فقد تكلم بعض الفقهاء الذين لم يعاصروا الطائرات، ولا القطارات، ولا المراكب الحديثة، عن صحة الصلاة في المسجد المتنقل. جاء في حاشية قليوبي وعميرة، في سياق الكلام عن المسجد المتنقل، فقال: "فإن ثبَّته بنحو تسميرٍ صحَّ إن كان محله الانتفاع به،... ولا يضر نقله بعد ذلك (أي المسجد) وحينئذٍ يصح الاعتكاف عليه ولو في هوائه» .(50) فكذلك الطائرة في صحة الصلاة عليها.
كيفية أداء الصلاة في الطائرة:
لا تخلو الصلاة على الطائرة من أن تكون نافلةً أو أن تكون فريضةً.
فإن كانت الصلاة على الطائرة نافلةً: فيجوز أن يؤدِّيها الشخص على هيئته جالساً، وذلك إلى جهة سير الطائرة؛ ويومئ بالركوع، ويجعل السجود أخفض من الركوع، وذلك لحديث جابر -رضي الله عنه- قال: «بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حاجةٍ، قال: فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق، والسجود أخفض من الركوع»(51). وفي روايةٍ عند البخاري: «حيث كان وجهه»(52).
قال الترمذي: "والعمل على هذا عند عامة أهل العلم، لا نعلم بينهم اختلافاً، لا يرون بأسا أن يصلي الرجل على راحلته تطوعاً حيث ما كان وجهه إلى القبلة أو غيرها"(53). وقال مالك: "يتنفَّل الرجل في السفر ليلاً أو نهاراً على دابته حيثما توجهت به"(54). وقال ابن عبد البر: "أجمعوا على أنه جائزٌ لكل من سافر سفراً يقصر فيه الصلاة، أن يتطوّع على دابته حيثما توجهت، يومىء بالركوع، والسجود أخفض من الركوع"(55). وقال ابن قدامة: "لا نعلم خلافاً بين أهل العلم في إباحة التطوع على الراحلة في السفر الطويل"(56).
ولم يفرِّق ابن قدامة بين قصير السفر وطويله، في جواز أداء صلاة النافلة على الراحلة، فقال: "لأن إباحة الصلاة على الراحلة تخفيفٌ في التطوع، كيلا يؤدي إلى قطعها وتقليلها، وهذا يستوي فيه الطويل والقصير... قال القاضي: الأحكام التي يستوي فيها الطويل من السفر والقصر(57) ثلاثة: التيمم، وأكل الميتة في المخمصة، والتطوع على الراحلة، وبقية الرخص تختص الطويل, الفطر، والجمع والمسح ثلاثا".(58)
وإن كانت الصلاة على الطائرة فريضةً: فتؤدَّى الصلاة على حسب القدرة والاستطاعة، فإن وجد ماءً وجب عليه التطهر به، وإن لم يجد ماءً أو وجده وعجز عن استعماله، لزمه أن يتيمَّم، إن وجد ترابًا أو نحوه، فإن لم يجد ماء ولا ترابًا، تيمَّم بما يجد من كراسي الطائرة، أو أيّ قطعة منها، عند من يقول بأنَّ هذا مما صعد على الأرض، ثم يصلَّى على حسب حاله؛ لقول الله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: 16]. وقوله تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286].
و أما استقبال القبلة، فيمكن تحديد الاتجاهات ومعرفتها عن طريق الآلات المتطوِّرة والبوصلات الحديثة، وبناءً عليه فيلزم المصلي على الطائرة أن يتوجه إلى القبلة، إن تمكن من ذلك، من خلال معرفته بالقبلة، ومناسبة المكان في الطائرة لاستقبال القبلة، وإن لم يتمكن من ذلك فلا حرج عليه. قال في شرح المهذب: "فإن هَبَّت الريح وحوّلت السفينة، فتحوَّلَ وجهه عن القبلة، وجب ردّه إلى القبلة، ويبني على صلاته بخلاف ما لو كان في البر، وحوَّل إنسانٌ وجهه عن القبلة قهرًا، فإنه تبطل صلاته كما سبق بيانه قريبًا، قال القاضي حسين: والفرق أنّ هذا في البر نادر وفي البحر غالب، وربما تحوَّلَت في ساعةٍ واحدةٍ مرارًا"(59).
وهذا هو ما أفتت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، فقالت: "يجوز للإنسان أن يصلي على متن الطائرة؛ لعموم أدلة وجوب أداء الصلاة إذا دخل وقتها، ولا فرق في ذلك بين من كان في البر والجو والبحر، ويستقبل القبلة ما أمكنه، وإذا حصل انحراف من الطائرة عن القبلة في أثناء الصلاة استمر في صلاته مستقبلاً القبلة ما أمكن، ولا حرج عليه في ذلك؛ لعموم أدلة يسر الشريعة"(60).
فإن قيل: إنَّ المصلي على الطائرة، حتىّ وإن كان متوجهاً جهة القبلة، إلا أنه في حكم غير المستقبل لها، وذلك لارتفاعه وعلوِّه عنها؟
والجواب: إن الذي يصلي على الطائرة، وإن لم يستقبل عين الكعبة، فإنه مستقبل لهوائها، فكما أن الكعبة قبلة، فإن هواءها أيضًا قبلة، كما هو منصوص عليه في المذاهب المتَّبَعة، وقد نُقِل عليه الإجماع. جاء في حاشية العلامة الشِّلْبي على تبيين الحقائق من كتب الحنفية - عند قول المتن: "وللمكي فرضه إصابة عينها... أي إصابة عين الكعبة بأنه لو أُخْرج خطٌ مستقيمٌ منه وقع على الكعبة أو هوائها، إذ القبلة هي العرصة إلى عنان السماء حتى لو رُفع البناء وصلَّى إلى هوائه جاز بالإجماع، وكذا لو صلى على أبي قبيس جاز وهو أعلى من البناء"(61). وقال الشيخ عليش المالكي في شرح المختصر: "فإن قيل صحة صلاة مَنْ على أبي قبيس ونحوه من الجبال المحيطة بمكة المشرفة مشكلة لارتفاعها عن البيت ومن بمكة ونحوها، وشرطُ صحةِ صلاته استقبال عين الكعبة. قلت: صحتها بناءً على الاكتفاء باستقبال هوائها وهو متصل منها إلى السماء وأيضًا استقبالها مع الارتفاع عنها ممكن كإمكانه ممن على الأرض"(62). وقال النووي الشافعي في شرح المهذب: "قال أصحابنا: لو وقف على أبي قبيس أو غيره من المواضع العالية على الكعبة بقربها صحت صلاته بلا خلاف; لأنه يعد مستقبلا"(63). وفي المنتهى وشرحه للبهوتي الحنبلي: "ولا يضر علوٌّ عن الكعبة، كالمصلي على جبل أبي قبيس، ولا يضر نزولٌ عنها، كمن في حفرةٍ في الأرض، فنزل بها عن مسامتتها، لأن الجدار لا أثر له، والمقصود البقعة وهواؤها"(64).
وأما أداء الصلاة قائماً في الطائرة، فإن كان المصلي يستطيع أن يصلي قائماً، ويركع ويسجد، فيلزمه ذلك، لما تقدم من الأحاديث في بيان أداء الصلاة مطلقاً، وبيان الصلاة على السفينة، بشكلٍ خاص، ومن هذه الأحاديث حديث ابن عمر-رضي الله عنهما- قال: «سئل النبي -صلى الله عليه و سلم- عن الصلاة في السفينة؟ فقال: صلِّ فيها قائماً إلا أن تخاف الغرق»(65). والشاهد قوله: «صلِّ فيها قائماً». قال النووي في شرح المهذب: "قال أصحابنا: إذا صلى الفريضة في السفينة لم يجز له ترك القيام مع القدرة، كما لو كان في البر، وبه قال مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة: يجوز إذا كانت سائرة، قال أصحابنا: فإن كان له عذرٌ من دوران الرأس ونحوه جازت الفريضة قاعدا; لأنه عاجز"(66).
فعند وجود العذر في القيام، عند أداء فريضة الصلاة في السفينة، فيجوز أن يؤديها الشخص قاعداًً، وتقاس عليها الطائرة، فإن كان لا يستطيع القيام في الطائرة لعجزٍ، أو لعدم وجود مكانٍ مناسبٍ للقيام، فله أن يصلي جالساً يومئ بالركوع، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه، لقول الله سبحانه: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: 16]. قال ابن باز: "الواجب على المسلم في الطائرة إذا حضرت الصلاة أن يصليها حسب الطاقة، فإن استطاع أن يصليها قائماً ويركع ويسجد فعل ذلك، وإن لم يستطع صلى جالساً وأومأ بالركوع والسجود، فإن وجد مكانا في الطائرة يستطيع فيه القيام والسجود في الأرض بدلاً من الإيماء وجب عليه ذلك"(67).
الخلاصة:
يمكن تلخيص هذا البحث والذي عنوانه: حكم الصلاة على الطائرة وكيفيتها، بما يلي:
- يلزم على المكلّفين أداء الصلاة في الوقت المحدَّد لها شرعاً، ولو لم يكن هذا الأداء على الوجه الأكمل، لمن كان على سفينةٍ أو قطارٍ أو طائرةٍ، ولم يتمكن من القيام بجميع أعمال الصلاة، وذلك لأن الوقت هو أوكد فرائض الصلاة.
- وردت أحاديث كثيرة تدلّ على فضلٌ أداء الصلاة في أول وقتها، وأنه من أحب الأعمال إلى الله تعالى.
- يلزم على المصلي أن يؤدي الصلاة بالكيفية المحددة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وذلك بأن يصلِّي قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنب، كما دلَّ عليه حديث عمران بن حصين المتقدم.
- إذا دخل وقت الصلاة المفروضة، والطائرة مستمرة في طيرانها، ويخشى الإنسان من فوات وقت الصلاة قبل هبوطها في أحد المطارات، فيجب أداؤها على الطائرة في وقتها.
- تقاس صحة أداء الصلاة في الطائرة على الصلاة في السفينة، وعلى الصلاة في الأرجوحة، وعلى الصلاة في السرير المحمول، والمحفة، والمحمل، وعلى الصلاة في المسجد المتنقل.
- تؤدى الصلاة في الطائرة حسب الاستطاعة، قياماً وركوعاً وسجوداً واستقبالاً للقبلة.
وممّا سبق في البحث يتبيَّن أن الصلاة في الطائرة صحيحة، وأنها تؤدَّى بالكيفية المستطاعة حسب الإمكان؛ لانَّ السفر مَظِنَّة الترخص كما هو معلوم، ولأنَّ الشّرع الشريف دائمًا يتشوّف إلى التّخفيف ورفع الحرج والتّوسعة عند عموم البلوى.
كتبه الفقير إلى عفو ربه/ يونس عبد الرب فاضل الطلول.
راجعه/ علي عمر بلعجم
(25) سنن الترمذي 2/ 185.
(26) المجموع 3/ 106.
(27) عون المعبود 3/ 176.
(28) اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء من الفتوى رقم: (6275).
(29) فتاوى الأزهر 8/ 484.
(30) المستدرك 1/ 409، برقم: 1019. قال الألباني: صحيح، انظر: الجامع الصغير وزيادته 1/ 723، برقم: 7225.
(31) سنن الدارقطني 1/ 394، برقم: 2. وقال الدارقطني: يعني في السفينة. قال الألباني: رواه الدار قطني وصححه الحاكم، انظر: صفة الصلاة 1/ 79.
(32) مصنف عبد الرزاق 2/ 582، برقم: 4554.
(33) مصنف ابن أبي شيبة 2/ 69، برقم: 6564.
(34) مصنف عبد الرزاق 2/ 581، برقم: 4549.
(35) مصنف عبد الرزاق 2/ 581، برقم: 4551.
(36) مصنف عبد الرزاق 2/ 582، برقم: 4555.
(37) مصنف عبد الرزاق 2/ 581، برقم: 4552.
(38) مصنف عبد الرزاق 2/ 582، برقم: 4558.
(39) المجموع للنووي 3/ 222.
(40) كشاف القناع عن متن الإقتاع للبهوتي 1/ 502.
(41) شرح الوجيز للرافعي، وانظر: مطالب أولي النهى شرح غاية المنتهى للرحيباني 1/ 369.
(42) شرح المحلي على جمع الجوامع مع حاشية العطار 2/ 382.
(43) مطالع النظار شرح طوالع الأنوار 1/ 340.
(44) نهاية المحتاج 1/ 434.
(45) المحفة -بكسر الميم-: مركب من مراكب النساء، كالهودج. المصباح المنير ص: 142.
(46) المحمل: الهودج. المصباح المنير ص: 152.
(47) المجموع 3/ 242.
(48) نهاية المحتاج 1/ 434.
(49) شرح منتهى الإرادات 1/ 290، 291، وانظر: كشاف القناع عن متن الإقتاع 1/ 502.
(50) حاشيتا قليوبي - وعميرة 9/ 477.
(51) سنن أبي داود 1/ 391، برقم: 1227. قال الألباني: صحيح، صحيح أبي داود 1/ 226، برقم: 1086.
(52) صحيح البخاري 1/ 373، برقم: 1054. وأما عندما يتمكَّن الشخص من افتتاح صلاة النافلة إلى جهة القبلة، فهل يلزمه أن يستقبل القبلة؟ فيه روايتان. انظر: المغني 1/ 486.
(53) سنن الترمذي 2/ 182.
(54) المدونة الكبرى 1/ 173.
(55) المغني 1/ 485.
(56) المصدر السابق.
(57) هكذا وجدتها، ولعلَّ اللفظ الصحيح: والقصير، والله اعلم.
(58) المغني 1/ 485.
(59) المجموع 3/ 222.
(60) اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، من الفتوى رقم: (1375).
(61) حاشية الشلبي على تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي 1/ 100.
(62) منح الجليل شرح مختصر خليل 1/ 365.
(63) المجموع شرح المهذب 3/ 199.
(64) دقائق أولي النهى 1/ 170.
(65) المستدرك 1/ 409، برقم: 1019. تقدم الحكم على الحديث.
(66) المجموع 3/ 222.
(67) تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام 1/ 99.
المصدر