Penybab Syirik, Kafir, Murtad Menurut Ulama Madzhab Syafi'i
Penybab Syirik, Kafir, Murtad Menurut Ulama Madzhab Syafi'i
Makna Syirik, Kafir, Murtad Menurut Ulama Madzhab Syafi'i
بحث في تحرير معنى الشرك عن علماء الشافعية
أبو معاذ الأثري
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد :
فهذا بحث في تعريف الشرك عند علماء الشافعية ..
قال الأزهري الشافعي:(( والشرك أن تجعل لله شريكاً في ربوبيته )) تهذيب اللغة (10/16)
وقال الراغب الاصفهانى )) الشرك العظيم هو إثبات شريك لله تعالى يقال أشرك فلان بالله وذلك أعظم كفر )) المفردات للاصبهاني
وقال الحافظ ابن كثير(( الشرك الأعظم يعبد مع الله غيره )) سورة يوسف آية (106) التفسير (2/512)
وقد أفصح السمعاني رحمه الله عن حقيقة الشرك بقوله : (( الإشراك هو الجمع بين الشيئين في معنى فالإشراك بالله تعالى هو أن يجمع مع الله غير الله فيما لايجوز إلا لله )) تفسير السمعاني (2/121)
وقال النووي-رحمه لله- ((الشرك والكفر قد يطلقان بمعنى واحد وهو الكفر بالله تعالى ، وقد يفرّق بينهما فيخص الشرك بعبدة الأوثان وغيرها من المخلوقات مع اعترافهم بالله تعالى ككفار قريش فيكون الكفر أعم من الشرك )) شرح مسلم للنووي (2/56)
وقال ابن كثير عند آيات سورة المؤمنون ((قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون )) أوضح ابن كثير أن الرب تعالى (قال لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين العابدين معه غيره المعترفين له بالربوبية وأنه لاشريك له فيها ومع هذا فقد أشركوا معه في الإلهية فعبدوا غيره معه ) التفسير (3/252)
يستفاد مما تقدم أن الشرك عند علماء الشافعية : هو أن تجعل شريك لله تعالى في ربوبيته أو إلهيته والغالب الإشراك في الألوهية بأن يدعوا مع الله غيره أو يصرف له شيئاً من أنواع العبادات كالذبح والنذر والدعاء والخوف والرجاء والمحبة....
أقوال الشافعية في اعتراف المشركين بتوحيد الربوبية :
قال تعالى { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ } [ يوسف 106 ]
قال الطبري " وإيمانهم بالله هو قولهم : الله خالقنا ورازقنا ومميتنا ومحيينا ، وإشراكهم هو جعلهم لله شريكا في عبادته ودعائه ، فلا يخلصون له في الطلب منه وحده ، وبنحو هذا قال أهل التأويل " ثم روى مثل ذلك عن ابن عباس وعكرمة ومجاهد وعامر وقتادة وعطاء وجمع .قال قتادة " لا تسأل أحدا من المشركين من ربك ؟ إلا ويقول ربي الله وهو يشرك في ذلك " وقال " الخلق كلهم يقرون لله أنه ربهم ثم يشركون بعد ذلك " وقال ابن زيد " ليس أحد يعبد مع الله غيره إلا وهو مؤمن بالله ويعرف أن الله ربه وخالقه ورازقه وهو يشرك به . . . ألا ترى كيف كانت العرب تلبي تقول : لبيك اللهم لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك : المشركون كانوا يقولون هذا " ( ) .
وقال ابن كثير:(( فإن غالب الأمم كانت مقرة بالصانع ولكن تعبد معه غيره من الوسائط التي يظنونها تنفعهم أو تقربهم من الله زلفى )) التفسير (2/544) سورة إبراهيم آية 12
وقال الإمام الطبري عند قوله تعالى:
وَإِذَا مَسَّ الإنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّار [الزمر8]. قال الطبري « كانت العرب تقر بوحدانية الله غير أنها كانت تشرك به في عبادته» (تفسير الطبري 1/128).
وقال الإمام ابن كثير عند تفسير قوله تعالى (( وما يؤمن أكثرهم بالله ألا وهم مشركون )) قال ابن عباس من إيمانهم أنهم إذا قيل لهم : من خلق السموات ومن خلق الأرض ومن خلق الجبال، قالوا الله وهم مشركون به . وكذا قال مجاهد وعطاء وعكرمة وفي الصحيحين: أن المشركين كانوا يقولون في تلبيتهم لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك
وفي صحيح مسلم أنهم كانوا إذا قالوا لبيك لا شريك لك. قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
(( قد قد )) أي حسب حسب لا تزيدوا على هذا )) سورة يوسف آية (106) (3/512) وقال الحافظ ابن حجر (( وقال عكرمة في قوله تعالى (( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون )) قال يسألهم من خلقهم و من خلق السموات و ألأرض؟ فيقولون الله فذلك إيمانهم وهم يعبدون غيره )) وذكر نحوه عن ابن عباس كما مر معنا سابقاً.الفتح (13/49) باب قوله تعالى (( فلا تجعلوا الله أنداداً )) وراجع تفسير ابن كثير عند قوله تعالى (( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ) الزخرف (87)
وهذا الإيمان الذي أقرت به غالب الأمم أطلق عليه العلماء توحيد الربوبية : وهو إفراد الله بالخلق والملك والتدبير .
وإيمانهم بتوحيد الربوبية فقط لا يكفي لذلك لم يدخلهم في الإسلام .
والتوحيد الذي نازع فيه المشركون الرسل هو توحيد الألوهية : وهو إفراد الله بالعبادة .
وهذا هو معنى لا إله إلا الله أي لا معبود بحق إلا الله. قال تعالى (( ولقد بعثنا في كل أمة رسول أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ))
قال الإمام ابن كثير عند قوله تعالى (( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس و القمر ليقولن الله فأنى يؤفكون)) آية ( 61 )
((يقول تعالى مقرراً أنه لا إله إلا هو لأن المشركين الذين يعبدون غيره معترفون بأنه المستقل بخلق السموات والأرض و الشمس والقمر وتسخير الليل والنهار وأنه الخالق الرازق لعباده ومقدر آجالهم .... فذكر أنه المستقل بخلق الأشياء المنفرد بتدبيرها فإذا كان الأمر كذلك فلم يُعبد غيره ؟ ولم يتوكل على غيره ؟ فكما أنه الواحد في ملكه فليكن الواحد في عبادته،وكثيرا ما يقرر تعالى مقام الإلهية بالإعتراف بتوحيد الربوبية وقد كان المشركون يعترفون بذلك كما يقولوا في تلبيتهم لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك)).
معنى لا إله إلا الله
أولاً: الإله معناه المعبود
قال الفيروز أبادي في لفظ الجلالة )) أصله إله كفعال بمعنى مألوه وكل ما اتخذ معبودا إله عند متخذه والتأله التنسك والتعبد والتاليه التعبيد)) القاموس المحيط (4/280)
وقال البيضاوي )) الإله في الأصل لكل معبود ثم غلب على المعبود بالحق ... واشتقاقه من أله آلهة وألوهة وألوهية بمعنى عبد)) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (1/15)
قال الفخر الرازي عند قوله تعالى: ((وإلهكم إله واحد)) :قوله (إلهكم ) يدل على أن معنى الإله مايصح أن تدخله الإضافة فلو كان معنى الإله القادر لصار المعنى وقادركم قادر واحد ومعلوم أنه ركيك فدل على أن الإله هو المعبود)) التفسر الكبير (4/192) وقد خطا الرازي من فسر الإله بالقادر ونحوه.
وفسر ابن كثير الإله بالمعبود عند آية سورة ص ((أجعل الآلهة إله واحدا)) التفسير (4/27)
تعريف العبادة:
قال الرازي ((العبادة عبارة عن كل فعل وترك يؤتى به لمجرد أمر الله تعالى بذلك وهذا يدخل فيه جميع أعمال القلوب وجميع أعمال الجوارح)) التفسير (10/99)
وقال ابن حجر العسقلاني ((المراد بالعبادة عمل الطاعات واجتناب المعاصي)) فتح الباري (24/134)
وأما معنى كلمة التوحيد لا إله إلا الله :
فقد قال الخطيب الشربيني عند شرحه لمقدمة كتاب المنهاج (لا إله) أي لا معبود بحق في الوجود إلا الله ) مغني المحتاج(1/13)
وقال السيوطي عند تفسير آية الكرسي (الله لا إله إلا هو)(أي لا معبود بحق في الوجود إلا هو)
وقال البيضاوي عند تفسير آية الكرسي (الله لا إله إلا هو)(مبتدأ وخبر والمعنى أنه المستحق للعبادة لاغيره) أنوار التنزيل (1/257)
فائدة: قال البغوي عند تفسير قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)
اعْبُدُوا } وحدوا. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كل ما ورد في القرآن من العبادة فمعناها التوحيد) تفسير البغوي - (1 / 71)
جاء عن علماء الشافعية النهي عن نماذج من الشرك منها:
1. من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة:
كما قال تعالى ((والذين اتخذوا من دون الله أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ))الزمر(3) قال الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية:( أي إنما يحملهم على عبادتهم لهم أنهم عمدوا إلى أصنام اتخذوها على صورة الملائكة المقربين في زعمهم فعبدوا تلك الصور تنزيلا لذلك منزلة عبادتهم الملائكة ليشفعوا لهم عند الله تعالى في نصرهم ورزقهم وما ينوبهم من أمور الدنيا فأما المعاد فكانوا جاحدين له كافرين له ، قال قتادة والسدي ومالك عن زيد بن أسلم وابن زيد (( إلا ليقربونا إلى الله زلفى )) إي ليشفعوا لنا ويقربونا عنده منزلة ولهذا كانوا جاحدين له كافرين يقولون في تلبيتهم إذا حجوا في جاهليتهم لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك ، وهذه الشبهة هي التي اعتمدها المشركون في قديم الدهر وحديثة وجاءتهم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بردها والنهي عنها والدعوة إلى إفراد الله وحدة لا شريك له وأن هذا شيء اخترعه المشركون من عند أنفسهم لم يأذن الله فيه ولا رضي به، بل أبغضه ونهى عنه. وأخبر أن الملائكة التي في السموات من الملائكة المقربين وغيرهم كلهم عبيد خاضعون لله لا يشفعون عنده إلا بإذنه لمن ارتضى وليسوا عنده كالأمراء عند ملوكهم يشفعون عنده بغير إذنهم فيما أحبه الملوك وأبوه ((فلا تضربوا لله الأمثال )) تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا .
وذكر التفتازاني أن شرك المشركين وقع حين « مات منهم من هو كامل المرتبة عند الله اتخذوا تمثالاً على صورته وعظموه تشفعاً إلى الله تعالى وتوسلاً» شرح المقاصد (4/ 41).
وهذا ما يؤكده العلماء دائماً أن نوع شرك المشركين السابقين: هو شرك تشفع وتوسل بالصالحين ليقربوهم إلى الله زلفى. وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ [يونس18].
وقال الفخر الرازي الشافعي رحمه الله في تفسيره (17/59) :
((اختلفوا في أنهم قالوا في الأصنام أنهم شفعاؤنا عند الله.....))
فذكر صور منها قوله : ((ورابعها أنهم وضعوا هذه الأصنام والأوثان على صورة أنبيائهم وأكابرهم وزعموا متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل فإن أولئك الأكابر تكون شفعاء لهم عند الله ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور ألأكابر على اعتقادهم أنهم إذا عظموا قبورهم فإنهم يكونون لهم شفعاء عند الله )) .
وقال أيضاً في تفسيره (25/254): (( واعلم أن المذاهب المفضية إلى الشرك أربعة......)) فذكر ثلاثة ثم قال ((رابعها قول من قال :أن نعبد الأصنام التي هي صور الملائكة ليشفعوا لنا فقال تعالى في إبطال قوله(( ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له )) فلا فائدة لعبادتكم غير الله فإن الله لا يأذن في الشفاعة لمن يعبد غيره فبطلبكم الشفاعة تفوتون على أنفسكم الشفاعة ))
فتأمل :أن من طلب الشفاعة فوت على نفسه الشفاعة التي تكون يوم القيامة لأنها لا تنال إلا بالتوحيد.
قال الإمام البغوي في تفسير هذه الآية:( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ) قال قتادة: وذلك أنهم إذا قيل لهم: من ربكم، ومن خلقكم، ومن خلق السموات والأرض؟ قالوا: الله، فيقال لهم: فما معنى عبادتكم الأوثان؟ قالوا: ليقربونا إلى الله زلفى، أي: قربى، وهو اسم أقيم في مقام المصدر: كأنه قال: إلا ليقربونا إلى الله تقريبًا ويشفعوا لنا عند الله، { إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } يوم القيامة { فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } من أمر الدين { إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ } لا يرشد لدينه من كذب فقال: إن الآلهة تشفع وكفى باتخاذ الآلهة دونه كذبًا [وكفرا] تفسير البغوي - (7 / 104)
قال الإمام الطبري رحمه الله ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) يقول تعالى ذكره: والذين اتخذوا من دون الله أولياء يَتَوَلَّوْنَهُم، ويعبدونهم من دون الله، يقولون لهم: ما نعبدكم أيها الآلهة إلا لتقربونا إلى الله زُلْفَى، قربة ومنزلة، وتشفعوا لنا عنده في حاجاتنا) تفسير الطبري - (21 / 251)
قال الإمام النسفي رحمه الله { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } [الزمر : 3] أي آلهة وهو مبتدأ محذوف الخبر تقديره : والذين عبدوا الأصنام يقولون { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } [الزمر : 3] مصدر أي تقريباً { إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } [الزمر : 3] بين المسلمين والمشركين { فِى مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [الزمر : 3] قيل : كان المسلمون إذا قالوا لهم من خلق السماوات والأرض؟ قالوا : الله ، فإذا قالوا لهم : فما لكم تعبدون الأصنام؟ قالوا : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى). تفسير النسفى - (4 / 41)
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى ((وأن الوثني إذا قال:لا إله إلا الله فإن كان يزعم أن الوثن شريك لله تعالى صار كافرا وإن كان يري أن الله تعالى هو الخالق ويعظم الوثن لزعمه أنه يقربه إلى الله تعالى لم يكن مؤمناً حتى يتبرأ من عبادة الوثن ))(7/303) كتاب الردة من كتاب روضة الطالبين للنووي.
واعلم أن الشفاعة الشرعية لاتكون إلا بعد أذن الله للشافع بالشفاعة ورضاه عن المشفوع له كما قال - عز وجل - : { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ } [ البقرة : 255 ] .
ولا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه كما قال - عز وجل - : { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى } [ الأنبياء : 28 ] وهو لا يرضى إلا التوحيد كما قال - عز وجل - : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } [ آل عمران : 85 ] .
فإذا كانت الشفاعة كلها لله ، كما قال تعالى : { قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا } [ الزمر : 44 ] ولا تكون إلا من بعد إذنه ، ولا يشفع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيه ، ولا يأذن إلا لأهل التوحيد . إذاً فأطلبها من الله فقل : اللهم لا تحرمني شفاعته ، اللهم شفعه في ، وأمثال هذا .
قال الطبري :
في قوله عزوجل :( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا ) يقول تعالى ذكره: وكم من ملك في السموات لا تغني: كثير من ملائكة الله، لا تنفع شفاعتهم عند الله لمن شفعوا له شيئا، إلا أن يشفعوا له من بعد أن يأذن الله لهم بالشفاعة لمن يشاء منهم أن يشفعوا له ويرضى، يقول: ومن بعد أن يرضى لملائكته الذين يشفعون له أن يشفعوا له، فتنفعه حينئذ شفاعتهم، وإنما هذا توبيخ من الله تعالى ذكره لعبدة الأوثان والملأ من قريش وغيرهم الذين كانوا يقولون( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) فقال الله جلّ ذكره لهم: ما تنفع شفاعة ملائكتي الذين هم عندي لمن شفعوا له، إلا من بعد إذني لهم بالشفاعة له ورضاي، فكيف بشفاعة من دونهم، فأعلمهم أن شفاعة ما يعبدون من دونه غير نافعتهم.
قال النسفي : في قوله عزوجل { وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِى السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِى شَفَاعَتُهُمْ شيئا إِلا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَى } [النجم : 26] يعني أن أمر الشفاعة ضيق فإن الملائكة مع قربتهم وكثرتهم لو شفعوا بأجمعهم لأحد لم تغن شفاعتهم شيئاً قط ، ولا تنفع إلا إذا شفعوا من بعد أن يأذن الله لهم في الشفاعة لمن يشاء الشفاعة له ويرضاه ويراه أهلاً لأن يشفع له فكيف تشفع الأصنام إليه لعبدتهم
2- الدعاء لغير الله :
الدعاء عبادة فلا يجوز صرفه لغير الله وعلى ذلك دلت الأدلة الكثيرة، قال تعالى ((ولا تدع من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك من الظالمين )) ومن ذلك الاستعانة والاستغاثة فالقول فيها واحد فإنها إذا صرفت لغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فهذا الصرف شرك أكبر وأما إذا كانت في أمور يقدر عليها المستعاذ والمستغاث و المستعان فهذا لا بأس به و لا يكون من العبادة في شيء وذلك لكون الاستعانة والاستغاثة والاستعاذة طلب والطلب دعاء كما هو معروف .
تعريف الدعاء: قال الحافظ ابن حجر: « الدّعاء هو غاية التّذلّل والافتقار » [فتح الباري 11/95]. وقال مثله الزبيدي [فتح الباري 1/149 وانظر إتحاف السادة المتقين5/4]
قال الفخر الرازي: « المقصود من الدعاء إظهار الذلة والانكسار » وقال: « وقال الجمهور الأعظم من العقلاء: الدعاء أعظم مقامات العبادة » [لوامع البينات شرح أسماء الله تعالى والصفات ص91 تحقيق طه عبد الرؤوف سعد ط: دار الكتاب العربي].
وذكر الحليمي: « أن الدعاء من التخشع والتذلل لأن كل من سأل ودعا فقد أظهر الحاجة وباح واعترف بالذلة والفقر والفاقة لمن يدعوه ويسأله » [المنهاج في شعب الإيمان 1/517 ط: دار الفكر 1979].
قال ابن قتيبة في قوله تعالى: وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين [البقرة23].
« أي ادعوهم ليعاونوكم على سورة مثله، ومعنى الدعاء ههنا الاستغاثة، ومنه دعاء الجاهلية وهو قولهم: يا آل فلان، إنما هو استغاثتهم» (غريب القرآن43).
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ. إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي [غافر60]. قال السدي: أي دعائي (تفسير الطبري 16/51 الجزء 24 ص51). قال الحافظ « وضع عبادتي موضع دعائي» (فتح الباري 11/95) وهذا دليل على أن الدعاء مستلزم للعبادة.
أليس الله بكاف عبده [الزمر36]. قال الزبيدي « وقبيح بذوي الإيمان أن ينزلوا حاجتهم بغير الله تعالى مع علمهم بوحدانيته وانفراده بربوبيته وهم يسمعون قوله تعالى أليس الله بكاف عبده (أضاف) : ليعلم العارف أن المستحق لأن يُلجأ إليه ويستعان في جميع الأمور ويعول عليه هو الواجب الوجود المعبود بالحق الذي هو مولى النعم كلها .... ويشغل سره بذكره والاستغناء به عن غيره (إتحاف السادة المتقين 9/498 و5/119).
قال الإمام الذهبي الشافعي رحمه الله أثناء ترجمته لنفيسة بنت الحسن رحمهم الله ((...وللجهلة المصريين فيها اعتقاد يتجاوز الوصف ولا يجوز مما فيه من الشرك ويسجدون لها ويلتمسون منها المغفرة وكان ذلك من دسائس العبيدية)) سير أعلام النبلا (10/106)
الشاهد أنه عدَّ من الشرك التماس أو طلب المغفرة من السيدة نفيسة والمغفرة من خصائص الله وحدة لا شريك له.
وقال الشهرستاني الشافعي ((.....القوم لما عكفوا على التوجه إليها ـ الأصنام ـ كان عكوفهم ذلك عباده وطلبهم الحوائج منها إثبات إلهية لها )) الملل والنحل (2/259)
عدّ رحمه الله طلب الحوائج من الأصنام إثبات لإلهيتها فدل على أن الإله الحق هو الذي يخص بطلب الحوائج .
قلت: ويدل على ذلك قوله تعالى ((أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله .....)) النمل (62 )
وقد نبه ابن الأثير إلى أن الدعاء مشتمل على أمرين عظيمين:
احدهما: انه امتثال أمر الله تعالى حيث قال(( ادعوني أستجيب لكم ))
والثاني: ما فيه من قطع الأمل عما سوى الله وتخصيصه وحده بسؤال الحاجات راجع النهاية في غريب الحديث(4/305)
قال ابن كثير - رحمه الله- عند تفسير قوله تعالى ))وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه))
((أي عند الحاجة يتضرع ويستغيث بالله وحده لاشريك له إلى أن قال : وفي حال العافية يشرك بالله ويجعل له أندادا "قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار" أي قل لمن هذه حالته وطريقته ومسلكه تمتع بكفرك قليلا وهو تهديد شديد ووعيد أكيد)) الزمرآية(8)
والاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك.لأنه يلزم منه أن الميت يسمع كل نجوى ودعاء ولا يخفى عليه شيء من ذلك: و يلزم منه أنه سميع بصير بالغيب. لا يخفى عليه شيء مما يدعو به الناس. لا تلتبس عليه المسائل يسمع المستغيثين أينما كانوا قريبين أو بعيدين بالآلف كانوا أم بالملايين كأن هؤلاء الأموات يسمعون ما يقال لهم ويطلب منهم من الحاجات المختلفة بلغات متباينة فهم عند المستغيثين بهم يعلمون مختلف لغات الدنيا ويميزون كل لغة عن الأخرى ولو كان الكلام بها في آن واحد وهذا هو الشرك في صفات الله تعالى الذي جهله كثير من الناس فوقعوا بسببه في هذه الضلالة الكبرى.
لقد خفيت أمور على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن كان حيا: قال تعالى عن بعض المنافقين (لا تعلمهم نحن نعلمهم).
وخفي عليه قتل القراء السبعين من الصحابة...الخ
وهذا نبي الله عيسى عليه السلام صرح أنه كان شهيدا على أمته ما كان فيهم. فقال (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم).
فكيف يعتقد هؤلاء أنه يسمع استغاثتهم أينما ووقتما كانوا؟ هذا هو التأليه مع الله.
وقال ابن حجر الهيتمي المكي في "الفتح المبين شرح الأربعين" (ص172): (فمع النظر لذلك لا فائدة لسؤال الخلق مع التعويل عليهم فإن قلوبهم كلها بيد الله سبحانه وتعالى، ويصرفها على حسب إرادته، فوجب أن لا يعتمد في أمر من الأمور إلا عليه سبحانه وتعالى، فإنه المعطي المانع، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، له الخلق وله الأمر... ثم قال: (فبقدر ما يميل القلب إلى مخلوق يبعد عن مولاه لضعف يقينه ووقوعه في هوة الغفلة عن حقائق الأمور التي تيقظ لها أصحاب التوكل واليقين، فأعرضوا عما سواه وأنزلوا جميع حوائجهم بباب كرمه وجوده) اهـ.
قال الإمام النووي رحمه الله:((...وقوله (صلى الله عليه وسلم ):(إذا سالت فاسأل الله)إشارة إلى أن العبد لا ينبغي أن يعلق سره بغير الله بل يتوكل عليه في سائر أموره ، ثم إن كانت الحاجة التي يسألها لم تجر العادة بجريانها على أيدي خلقه كطلب الهداية والعلم والفهم في القرآن والسنة وشفاء المرض وحصول العافية من بلاء الدنيا وعذاب ألآخرة، سأل ربه ذلك، وإن كانت الحاجة التي يسألها جرت العادة أن الله سبحانه وتعالى يجريها على أيدي خلقة ،كالحاجات المتعلقة بأصحاب الحرف والصنائع وولاة الأمور، سأل الله تعالى أن يعطف عليه قلوبهم فيقول:اللهم أحنن علينا قلوب عبادك وإمائك وما أشبة ذلك.ولا يدعوا الله تعالى باستغنائه عن الخلق لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) سمع علياً يقول : (اللهم أغننا عن خلقك ) فقال: (لا تقل هذا فإن الخلق يحتاج بعضهم إلى بعض ولكن قل (اللهم اغننا عن شرار خلقك ) وأما سؤال الخلق والاعتماد عليهم فمذموم .)) شرح الأربعين النووية للنووي الحديث(19) .
قال الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية:( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا فروة بن المغراء الكندي، حدثنا القاسم بن مالك -يعني المزني-عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن أبيه، عن كَردم بن أبي السائب الأنصاري قال: خرجت مع أبي من المدينة في حاجة، وذلك أول ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فآوانا المبيت إلى راعي غنم. فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملا من الغنم، فوثب الراعي فقال: يا عامر الوادي، جارك. فنادى مناد لا نراه، يقول: يا سرحان، أرسله. فأتى الحملَ يشتد حتى دخل في الغنم لم تصبه كدمة. وأنزل الله تعالى على رسوله بمكة { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا }
ثم قال: ورُوي عن عبيد بن عمير، ومجاهد، وأبي العالية، والحسن، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النَّخَعي، نحوه.
وقد يكون هذا الذئب الذي أخذ الحمل -وهو ولد الشاة-وكان جنّيا حتى يُرهب الإنسي ويخاف منه، ثم رَدَّه عليه لما استجار به، ليضله ويهينه، ويخرجه عن دينه، والله أعلم. تفسير ابن كثير ـ سورة الجن ـ آية ( 6 )
وقد كان شرك الأولين في الرخاء أما في الشدة فإنهم يخلصون الدعاء لله كماقال تعالى ((فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون )العنكبوت آية 65
قال ابن كثير عند تفسير هذه الآية ((..أخبر تعالى أنهم عند الأضطرار يدعونه وحده لاشريك له فهلا يكون هذا منهم دائما))
وقال الطبري - رحمه الله- في تأويل قوله تعالى : { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) }
يقول تعالى ذكره: فإذا ركب هؤلاء المشركون السفينة في البحر، فخافوا الغرق والهلاك فيه( دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) يقول: أخلصوا لله عند الشدّة التي نزلت بهم التوحيد، وأفردوا له الطاعة، وأذعنوا له بالعبودية، ولم يستغيثوا بآلهتهم وأندادهم، ولكن بالله الذي خلقهم( فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ ) يقول: فلما خلصهم مما كانوا فيه وسلَّمهم، فصاروا إلى البرّ، إذا هم يجعلون مع الله شريكا في عبادتهم، ويدعون الآلهة والأوثان معه أربابا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله:( فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ) فالخلق كلهم يقرّون لله أنه ربهم، ثم يشركون بعد ذلك). تفسير الطبري - (20 / 60)
3- الســـجود لغير الله :
قال ابن الحجر الهيثمي رحمه الله تحت باب الأفعال والأقوال المكفرة(( ومنها ما يفعله كثيرون من الجهلة من السجود بين يدي المشايخ إذا قصدوا عبادتهم أو التـقـرب إليهم.لا إن قصدوا تعظيمهم أو أطلقوا فلا يكون كفراً بل هو حراماً قطعاً )) الإعلام بقواطع الإسلام.
لورود النهي عن ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال (( لو كنت آمر أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها )) من حديث أبي هريرة وغيرة أخرجه الترمذي وغيرة.
وقال الإمام النووي ((وأما ما يفعله عوام الفقراء وشبههم من سجودهم بين يدي المشايخ وربما كانوا محدثين فهو حرام بإجماع المسلمين.....))
وسئل ابن الصلاح عن هذا السجود الذي قدمناه فقال (( هو من عظائم الذنوب ونخشى أن يكون كفراً.)) المجموع (2/44) مس المصحف محدثا
4- الذبح لغير الله :
والذبح الذي يكون صرف لغير الله شرك هو الذبح للغير تعبداً أو تقرباً له كالذبح للأولياء و الصالحين وأما الذبح للغير بنيه إكرامه فلا شيء فيه بل هو مأمور به وأما الذبح بنية الاستمتاع باللحم فهنا أقل أحواله الإباحة .
قال الإمام النووي ((وأما الذبح لغير الله فالمراد به أن يذبح باسم غير الله كمن ذبح للصنم أو الصليب أو لعيسى أو لموسى (صلى الله عليهما ) أو للكعبة ونحوا ذلك فكل هذا حرام ولا تحل هذه الذبيحة سواء كان الذابح مسلماً أو نصرانياً أو يهودياً نص عليه الشافعي واتفق عليه ألأصحاب فإن قصد مع ذلك تعظيم المذبوح له غير الله تعالى والعبادة له كان ذلك كفراً ، فإن كان الذابح مسلماً قبل ذلك صار بالذبح مرتداً ذكر الشيخ إبراهيم المروزي من أصحابنا:أن ما يذبح عند استقبال السلطان تقرباً إليه أفتى أهل نجارة بتحريمه لأنه أهل به لغير الله تعالى ،قال الرافعي ((هذا إنما يذبحونه استبشاراً بقدومه فهو كذبح العقيقة لولادة المولود ومثل هذا لا يوجب التحريم والله أعلم))(7/157) شرح مسلم باب تحريم الذبح لغير الله
وقال الإمام الرافعي الشافعي رحمه الله ((اعلم أن الذبح للمعبود وباسمه نازل منزلة السجود له وكل واحد منهما نوع من أنواع التعظيم والعبادة المخصوصة بالله تعالى الذي هو المستحق للعبادة )) العزيز شرح الوجيز (12/84)
5- النذر لغير الله :
فالنذر عبادة وقربة لا يجوز أن يصرف لغير الله قال تعالى ((يوفون بالنذر))
وقد سئل الإمام ابن حجر الهيثمي الشافعي رحمه الله عن النذر لقبور الأولياء و المساجد و للنبي (صلي الله عليه وسلم ) بعد وفاته قال : ((النذر للولي إنما يقصد به غالبا ً التصدق عنه لخدام قبره وأقاربه وفقرائه فإن قصد النادر شيئاً من ذلك أو أطلق صح وأن قصد التقرب لذات الميت كما يفعله أكثر الجهلة لم يصح وعلى هذا الأخير يحمل إطلاق أبي الحسن الأزرق عدم صحة النذر للميت ....)) الفتاوى (4/284)
وعلل بطلان النذر الذي يريد به صاحبه التقرب لمن في القبر بقوله ((لأن القرب إنما يتقرب بها إلى الله تعالى لا إلى خلقه )) المصدر السابق
فجعل النذر للقبر محتمل لمعنى صحيح ومعنى فاسد أما الفاسد فهو الذي بينه ألأذرعي وغيره من أرادة غير الله بالنذر والمعنى الصحيح جعله لمن نذر صدقة لزوّار القبور وخدّامها.
وما قاله ابن حجر أن الغالب علي الناذرين للقبور الذي صححه غير مسلّم بل ما نص عليه ابن حجر من قبل والأذرعي .
وبالجملة فإن ابن حجر يقرر ما قرره أصحابه من منع التقرب إلى غير الله بالنذر بالنظر أن القرب لا يحل أن يراد بها احد من الخلق .
واعلم أن تصحيح ابن حجر النذر للقبر إذا قصد الناذر الصدقة نظراً ظاهراً
6- الطواف بالقبور :
الطواف هو عبادة عظيمة والتي لا يجوز أن تفعل ببقعة من ألأرض إلا بيت الله الحرام
قال تعالى ( ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوّفوا بالبيت العتيق) الحج (29)
قال الإمام النووي رحمه الله :(( الطواف صلاة فيتأدب بآدابها ويستشعر بقلبه عظمة من يطوف ببيته)) المجموع (8/46)
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله عند قوله تعالى :(( وطهر بيتي للطائفين ..))
قال (( فالطائف به معروف وهو أخص العبادات عند البيت فإنه لا يفعل ببقعة من الأرض سواها (والقائمين ) أي في الصلاة ولهذا قال (والركع السجود ) فقرن الطواف بالصلاة لأنهما لا يشرعان إلا مختصتين بالبيت فالطواف عنده والصلاة إليه في غالب الأحوال إلا ما استثني ))(3/226) سورة الحج
قال الإمام النووي : (( و لا يجوز أن يطاف بقبره ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويكره إلصاق البطن والظهر بجدار القبر قاله أبو عبيد الله الحليمي وغيرة , قالوا ويكره مسحه باليد وتقبيله بل الأدب أن يبعد منه كما يبعد منه من حضرة في حياته - صلى الله عليه وسلم - هذا هو الصواب الذي قاله العلماء وأطبقوا عليه و لا يغتر بمخالفه كثير من العوام وفعلهم كذلك فإن الاقتداء و العمل إنما يكون بالأحاديث الصحيحة وأقوال العلماء ولا يلتفت إلى محدثات العوام و غيرهم و جهالاتهم وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة ( رضي الله عنها ) أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) قال : (( من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد )) وعن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) (( لا تجعلوا قبري عيدا ً , وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم )) . وقال الفضيل بن عياض ما معناه : اتبع طرق الهدى و لا يضرك قلة السالكين و إياك وطرق الضلالة و لا تغتر بكثرة الهالكين .ومن خطر بباله أن المسح باليد و نحوه أبلغ في البركة فهو من جهالته و غفلته لأن البركة إنما هي فيما وافق الشرع و كيف يبتغي الفضل في مخالفة الصواب )) المجموع (8/257ـ 258) كتاب الحج .
وسائل الشرك التي حذر منها علماء الشافعية حماية لجناب التوحيد
اعلم ـ رحمك الله ـ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حمى وحرس جناب التوحيد وحمى التوحيد وسد كل طريق توصل إلى الشرك فإن في سنته - صلى الله عليه وسلم - من الدلائل على قاعدة سد الذرائع الشيء الكثير وأعظم الذرائع التي يجب أن تسد ذرائع الشرك التي توصل إليه ومن تلك الذرائع قول القائل :أنت سيدنا وابن سيدنا وخيرنا وابن خيرنا ونحو ذلك فإن مثل هذه الأقوال فيها من التعظيم الذي لا يجوز أن يواجه به بشر فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو سيد ولد آدم كما أخبر به - صلى الله عليه وسلم - لكن كره المواجهة فحماية النبي - صلي الله عليه وسلم - حمى التوحيد ،وسد طرق الشرك كان في جهة الاعتقادات ومن جهة الأقوال والأفعال ،فإذا تأملت سننه وما جاء عنه وجدت أنه - عليه الصلاة والسلام - سد الباب في الاعتقادات الباطلة وسد الباب في الأفعال الباطلة كقوله : ((اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )) وسد الباب أيضاً في الأقوال التي توصل إلى الغلو المذموم فقال :(( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا :عبدالله ورسوله )).
وفي هذا المبحث سنتناول ((وسائل الشرك التي حذر منها علماء الشافعيةحماية لجناب التوحيد )) فعلماء الشافعية ـ رحمهم الله ـ لهم جهود مشكورة في سد منافذ الشرك حماية لجناب التوحيد فقد جاء عن الإمام الشافعي وأتباعه النهي عن ما هو من وسائل الشرك كتجصيص القبور وتعليتها والبناء عليها و الكتابة عليها وإسراجها واتخاذها مساجد والصلاة إليها وتقبيلها ومسحها باليد أو قول ماشاء الله وشاء فلان ....... الخ.
الأمر بتسوية القبور المشرفة مع قرن ذلك بطمس التماثيل: فعن ثمامة بن شُفي -رحمه الله - قال: (كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بن عبيد بقبره فسوى ثم قال:سمعت رسول الله ( يأمر بتسويتها).وعن أبي الهيَّاج الأسدي-رحمه الله- قال: قال لي علي بن أبي طالب:(ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ( ألا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سوّيته). وهكذا فهم الصحابة رضوان الله عليهم الأمر، فسوّوا القبور المشرفة، وأمروا بذلك وصار هذا شعارهم وديدنهم.
فهذا فضالة بن عبيد ( يطبِّق ما سمع ويأمر بتسوية القبر؛ امتثالاً لأمر رسول الله ( بتسويتها، وهذا علي ( يبعث رئيس شرطته أبالهياج الأسدي لطمس القبوركما بعثه رسول الله ( أي أنه يطبِّق ماعرفه وفهمه من أمر رسول الله ( بذلك، وهذا عثمان ( يأمر بتسوية القبور كذلك. قال عبدالله بن شرحبيل بن حسنة -رحمه الله-: (رأيت عثمان ( يأمر بتسوية القبور فقيل له هذا قبر أم عمرو بنت عثمان! فأمر به فسوِّي) وعن عمرو بن شرحبيل قال: (لا ترفعوا جدثي - يعني القبر - فإني رأيت المهاجرين يكرهون ذلك)
قال الإمام الشافعي-رحمه الله-: (ولم أرَ قبور المهاجرين والأنصار مجصصة قال الراوي عن طاووس: أن رسول الله ( نهى أن تبنى القبور أو تجصص (قال الشافعي) وقد رأيت من الولاة من يهدم بمكة ما يبنى فيها فلم أرَ الفقهاء يعيبون ذلك).
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: ((يكره أن يجصص القبر وأن يكتب عليه اسم صاحبه أو غير ذلك وأن يبنى عليه )) المجموع (5/226)
وقال أيضاً (( ورأيت من الولاة من يهدم ما بني فيها ولم أرى الفقهاء يعيبون عليه ذلك ولأن في ذلك تضييقاً على الناس )) المصدر السابق
وقال:(( وأكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجداً مخافة الفتنه عليه وعلى من بعده من الناس )) المهذب (1/456)
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه :
لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد
قالت : (فلولا ذاك أبرز (1) قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا) رواه البخاري ومسلم
(1) - أي كشف قبره صلى الله عليه وسلم ولم يتخذ عليه الحائل والمراد دفن خارج بيته كذا في " فتح الباري
معنى اتخاذ القبور مساجد
الأول : الصلاة على القبور بمعنى السجود عليها
الثاني : السجود إليها واستقبالها بالصلاة والدعاء
الثالث : بناء المساجد عليها وقصد الصلاة فيها
أما المعنى الثالث : فقد قال به الإمام البخاري فإنه ترجم للحديث الأول بقوله " باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور "
قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث : " قال الكرماني : مفاد الحديث منع اتخاذ القبر مسجدا ومدلول الترجمة اتخاذ المسجد على القبر ومفهومها متغاير ويجاب بأنهما متلازمان وإن تغاير المفهوم "
وجاء في حاشية السندي شرح النسائي:
قوله ( مساجد )
أي قبلة للصلاة يصلون إليها أو بنوا مساجد عليها يصلون فيها ولعل وجه الكراهة أنه قد يفضي إلى عبادة نفس القبر سيما في الأنبياء والأحبار .
وأما المعنى الأول والثاني فقد قال ابن حجر الهيتمي في " الزواجر " ( 1 / 121 ) :
"واتخاذ القبر مسجدا معناه الصلاة عليه أو إليه"
فهذا نص منه على أنه يفهم الاتخاذ المذكور شاملا لمعنيين
وجملة القول : أن الاتخاذ المذكور في الأحاديث يشمل كل هذه المعاني الثلاثة فهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم وقد قال بذلك الإمام الشافعي -رحمه 0الله تعالى- في كتابه "الأم" في كتاب الصلاة: (وأكره أن يُبنى على القبر مسجد وأن يسوَّى أو يصلى عليه وهو غير مسوَّى أو يصلى إليه. قال وإن صلى إليه أجزأه وقد أساء، أخبرنا مالك أن رسول الله ( قال: ((قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يبقى دينان بأرض العرب)). - قال -: وأكره هذا لِلسنّة والآثار وأنه كره - والله أعلم - أن يعظَّم أحد من المسلمين يعني يتخذ قبره مسجداً، ولم تؤمن في ذلك الفتنة والضلال على من يأتي بعده). تأمل قول الشافعي- رحمه الله-: (ولم تؤمن في ذلك الفتنة والضلال على من يأتي بعده)، إذن ليست العلة أن في ذلك تضييقاً على المسلمين في مقابرهم فقط ، وإن كان ذلك لازم من اتخاذ مقابر المسلمين العامة مساجد على بعض القبور، وليست العلة الخوف من تنجس الأرض لأن الحكم عام في القبر الذي ابتدِئ حفره كما هو في القبر المنبوش؛ وإنما العلة عند الشافعي-رحمه الله- خشية الفتنة والضلال على من يأتي بعده،وأي فتنة أو ضلال أعظم من أن يعَظَّم المخلوق حتى يُصرَف لقبره من العبادة والتقديس ما لا يليق إلا بالله عز وجل؟!.
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى : (( واتفقت نصوص الشافعية والأصحاب على كراهة بناء مسجد على القبر سواء كان الميت مشهوراً بالصلاح أو غيره لعموم الأحاديث ، قالوا :وتكره الصلاة إلى القبور سواء كان الميت صالحاً أو غيره ، قال الحافظ أبو موسى قال الإمام أبو الحسن الزعفراني رحمه الله: ((ولا يصلي إلى قبر ولا عنده تبركاً به وإعظاماً له للأحاديث والله أعلم )) كتاب الجنائز من المجموع
قالت عائشة( رضي الله عنها ) قال رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) في مرضه الذي لم يقم منه
(( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا فبور أنبيائهم مساجد ))قالت ((فلولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً ))رواه مسلم (5/12)
قال الإمام النووي في شرح هذا الحديث (( قال العلماء إنما نهى النبي ( صلي الله عليه وسلم ) عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجداً خوفاً من المبالغة في تعظيمه والافتتان به ، فربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية، ولما احتاجت الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين - والتابعون إلى الزيادة في مسجد الرسول- صلى الله عليه وسلم - حين كثر المصلون وامتدت الزيادة في مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ‘إلى أن أدخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه ومنها حجرة عائشة -رضي الله عنها - مدفن رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) وصاحبيه أبي بكر وعمر-رضي الله عنهما - بنوا على القبر حيطاناً مرتفعة مستديرة حوله ، لئلا يظهر فيصلي إليه العوام ، ويؤدى إلى المحذور ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين ،وحرفوهما حتى التقيا ،حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر ،ولهذا قال في الحديث ((ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً والله اعلم بالصواب ))(5/24)
قلت : هذا الكلام من الإمام النووي - رحمه الله- فيه رد على الذين يحتجون بكون قبر النبي - صلي الله عليه وسلم - في مسجده .
قطع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - للشجرة التي بايع تحتها رسول الله - صلي الله عليه وسلم - بيعة الرضوان
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (7/448) ((...أن عمر بلغه أن قوماً يأتون الشجرة فيصلون عندها فتوعدهم ثم أمر بقطعها فقطعت )) قال الحافظ (( وبيان الحكمة في ذلك وهو ألا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير فلو بقيت لما أمن تعظيم بعض الجهال لها حتى ربما أفضى بهم إلى اعتقاد أن لها نفعاً أو ضراً كما نراه اليوم مشاهداً فيما هو دونها ،وإلى ذلك أشار ابن عمر بقوله ((كانت رحمة )) أي كان إخفاؤها عليهم رحمة من الله تعالى ))(6/118)
وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في كلامه على حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهما: (وكأنه علم أنه مرتحل فخاف أن يعظَّم قبره كما فعل من مضى فلعنَ اليهود والنصارى إشارة الى ذم من فعل فعلهم) فتح الباري(1/532).
ويناسب هذا المقام ما ذكره الإمامان النووي وابن حجر في شرحهما على الصحيحين في الكلام على قصة موت موسى (، وسؤال ربه أن يدنيه من الأرض المقدسة.
قال النووي -رحمه الله -: (قال بعض العلماء: وإنما سأل الإدناء ولم يسأل نفس بيت المقدس لأنه خاف أن يكون قبره مشهوراً عندهم فيفتتن به الناس) شرح مسلم (15/128).
وقال ابن حجر:(لكن حكى ابن بطال عن غيره أن الحكمة في أنه لم يطلب دخولها ليُعمِّي موضع قبره لئلا يعبده الجهال من أمته) الفتح(3/207).
من هذه النقول الثلاثة يتبين ما فهمه العلماء من أحاديث النهي عن اتخاذ المساجد على القبور؛ وهو خشية التعظيم المفضي إلى عبادتها كما حصل للأمم السابقة بغلوها في أنبيائها وصالحيها إلى أن عبدتهم من دون الله،وتحولت القبورية إلى وثنية وشرك، أجار الله أمة محمد من ذلك.
وقال العلامة ابن دقيق العيد -رحمه الله تعالى- في شرح عمدة الأحكام في حديث عائشة وقوله ((بنوا على قبره مسجداً)) إشارة الى المنع من ذلك وقد صرح به الحديث الآخر: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد).
بيان أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين
قال الإمام ابن كثير ((قال عبدالله بن عباس وغير واحد من علماء التفسير كان أول ماعبدت الأصنام أن قوما صالحين ماتوا فبنى قومهم عليهم مساجد وصوروا صور أولئك فيها ليتذكروا حاله وعبادته فيتشبهوا بهم فلما طال الزمان جعلوا أجسادا على تلك الصور فلما تمادى الزمان عبدوا تلك الأصنام وسموها بأسماء الصالحين ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا))(2/232)آية(59)من سورة الأعراف
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني « وقصة الصالحين كانت مبتدأ عبادة قوم نوح لهذه الأصنام، ثم تبعهم من بعدهم على ذلك». وذكر أنهم كانوا يتبركون بدعاء سواع وغيره من الصالحين ويتمسحون بصورته». (فتح الباري 8: 668 – 669).
قال البغوي رحمه الله عند قوله تعالى : وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) هذه أسماء آلهتهم.
قال محمد بن كعب: هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح فلما ماتوا كان لهم أتباع يقتدون بهم ويأخذون بعدهم بأخذهم في العبادة فجاءهم إبليس وقال لهم: لو صورتم صورهم كان أنشط لكم وأشوق إلى العبادة، ففعلوا ثم نشأ قوم بعدهم فقال لهم إبليس: إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم فعبدوهم، فابتداء عبادة الأوثان كان من ذلك )
فعبادة الأصنام منشؤها الغلو في الصالحين وقد بنوها لتذكرهم بالصالحين من أنبياء وأولياء.
وقال ابن كثير عند تفسير قوله تعالى (( أفرءيتم اللات والعزى))((..وحكي عن ابن عباس ومجاهد والربيع بن أنس أنهم قرأوا اللات بتشديد التاء وفسروه بأنه رجلا يلت للحجيج في الجاهلية السويق فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه))(4/271) سورة النجم
قال البغوي :
في قوله عزوجل: { أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى }
وقرأ ابن عباس ومجاهد وأبو صالح: "اللات" بتشديد التاء، وقالوا: كان رجلا يلت السويق للحاج، فلما مات عكفوا على قبره يعبدونه
وقال في الدر المنثور :
الآيات 19 - 27 أخرج عبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال : كان اللات رجلا يلت سويق الحاج ولفظ عبد بن حميد : يلت السويق يسقيه الحاج
اتخاذ القبور مساجد وإيقاد السرج عليها و اتخاذها أوثاناً والطواف بها
واستلامها والصلاة إليها.
هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
المصدر
بحث في تحرير معنى الشرك عن علماء الشافعية
أبو معاذ الأثري
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد :
فهذا بحث في تعريف الشرك عند علماء الشافعية ..
قال الأزهري الشافعي:(( والشرك أن تجعل لله شريكاً في ربوبيته )) تهذيب اللغة (10/16)
وقال الراغب الاصفهانى )) الشرك العظيم هو إثبات شريك لله تعالى يقال أشرك فلان بالله وذلك أعظم كفر )) المفردات للاصبهاني
وقال الحافظ ابن كثير(( الشرك الأعظم يعبد مع الله غيره )) سورة يوسف آية (106) التفسير (2/512)
وقد أفصح السمعاني رحمه الله عن حقيقة الشرك بقوله : (( الإشراك هو الجمع بين الشيئين في معنى فالإشراك بالله تعالى هو أن يجمع مع الله غير الله فيما لايجوز إلا لله )) تفسير السمعاني (2/121)
وقال النووي-رحمه لله- ((الشرك والكفر قد يطلقان بمعنى واحد وهو الكفر بالله تعالى ، وقد يفرّق بينهما فيخص الشرك بعبدة الأوثان وغيرها من المخلوقات مع اعترافهم بالله تعالى ككفار قريش فيكون الكفر أعم من الشرك )) شرح مسلم للنووي (2/56)
وقال ابن كثير عند آيات سورة المؤمنون ((قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون )) أوضح ابن كثير أن الرب تعالى (قال لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين العابدين معه غيره المعترفين له بالربوبية وأنه لاشريك له فيها ومع هذا فقد أشركوا معه في الإلهية فعبدوا غيره معه ) التفسير (3/252)
يستفاد مما تقدم أن الشرك عند علماء الشافعية : هو أن تجعل شريك لله تعالى في ربوبيته أو إلهيته والغالب الإشراك في الألوهية بأن يدعوا مع الله غيره أو يصرف له شيئاً من أنواع العبادات كالذبح والنذر والدعاء والخوف والرجاء والمحبة....
أقوال الشافعية في اعتراف المشركين بتوحيد الربوبية :
قال تعالى { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ } [ يوسف 106 ]
قال الطبري " وإيمانهم بالله هو قولهم : الله خالقنا ورازقنا ومميتنا ومحيينا ، وإشراكهم هو جعلهم لله شريكا في عبادته ودعائه ، فلا يخلصون له في الطلب منه وحده ، وبنحو هذا قال أهل التأويل " ثم روى مثل ذلك عن ابن عباس وعكرمة ومجاهد وعامر وقتادة وعطاء وجمع .قال قتادة " لا تسأل أحدا من المشركين من ربك ؟ إلا ويقول ربي الله وهو يشرك في ذلك " وقال " الخلق كلهم يقرون لله أنه ربهم ثم يشركون بعد ذلك " وقال ابن زيد " ليس أحد يعبد مع الله غيره إلا وهو مؤمن بالله ويعرف أن الله ربه وخالقه ورازقه وهو يشرك به . . . ألا ترى كيف كانت العرب تلبي تقول : لبيك اللهم لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك : المشركون كانوا يقولون هذا " ( ) .
وقال ابن كثير:(( فإن غالب الأمم كانت مقرة بالصانع ولكن تعبد معه غيره من الوسائط التي يظنونها تنفعهم أو تقربهم من الله زلفى )) التفسير (2/544) سورة إبراهيم آية 12
وقال الإمام الطبري عند قوله تعالى:
وَإِذَا مَسَّ الإنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّار [الزمر8]. قال الطبري « كانت العرب تقر بوحدانية الله غير أنها كانت تشرك به في عبادته» (تفسير الطبري 1/128).
وقال الإمام ابن كثير عند تفسير قوله تعالى (( وما يؤمن أكثرهم بالله ألا وهم مشركون )) قال ابن عباس من إيمانهم أنهم إذا قيل لهم : من خلق السموات ومن خلق الأرض ومن خلق الجبال، قالوا الله وهم مشركون به . وكذا قال مجاهد وعطاء وعكرمة وفي الصحيحين: أن المشركين كانوا يقولون في تلبيتهم لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك
وفي صحيح مسلم أنهم كانوا إذا قالوا لبيك لا شريك لك. قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
(( قد قد )) أي حسب حسب لا تزيدوا على هذا )) سورة يوسف آية (106) (3/512) وقال الحافظ ابن حجر (( وقال عكرمة في قوله تعالى (( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون )) قال يسألهم من خلقهم و من خلق السموات و ألأرض؟ فيقولون الله فذلك إيمانهم وهم يعبدون غيره )) وذكر نحوه عن ابن عباس كما مر معنا سابقاً.الفتح (13/49) باب قوله تعالى (( فلا تجعلوا الله أنداداً )) وراجع تفسير ابن كثير عند قوله تعالى (( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ) الزخرف (87)
وهذا الإيمان الذي أقرت به غالب الأمم أطلق عليه العلماء توحيد الربوبية : وهو إفراد الله بالخلق والملك والتدبير .
وإيمانهم بتوحيد الربوبية فقط لا يكفي لذلك لم يدخلهم في الإسلام .
والتوحيد الذي نازع فيه المشركون الرسل هو توحيد الألوهية : وهو إفراد الله بالعبادة .
وهذا هو معنى لا إله إلا الله أي لا معبود بحق إلا الله. قال تعالى (( ولقد بعثنا في كل أمة رسول أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ))
قال الإمام ابن كثير عند قوله تعالى (( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس و القمر ليقولن الله فأنى يؤفكون)) آية ( 61 )
((يقول تعالى مقرراً أنه لا إله إلا هو لأن المشركين الذين يعبدون غيره معترفون بأنه المستقل بخلق السموات والأرض و الشمس والقمر وتسخير الليل والنهار وأنه الخالق الرازق لعباده ومقدر آجالهم .... فذكر أنه المستقل بخلق الأشياء المنفرد بتدبيرها فإذا كان الأمر كذلك فلم يُعبد غيره ؟ ولم يتوكل على غيره ؟ فكما أنه الواحد في ملكه فليكن الواحد في عبادته،وكثيرا ما يقرر تعالى مقام الإلهية بالإعتراف بتوحيد الربوبية وقد كان المشركون يعترفون بذلك كما يقولوا في تلبيتهم لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك)).
معنى لا إله إلا الله
أولاً: الإله معناه المعبود
قال الفيروز أبادي في لفظ الجلالة )) أصله إله كفعال بمعنى مألوه وكل ما اتخذ معبودا إله عند متخذه والتأله التنسك والتعبد والتاليه التعبيد)) القاموس المحيط (4/280)
وقال البيضاوي )) الإله في الأصل لكل معبود ثم غلب على المعبود بالحق ... واشتقاقه من أله آلهة وألوهة وألوهية بمعنى عبد)) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (1/15)
قال الفخر الرازي عند قوله تعالى: ((وإلهكم إله واحد)) :قوله (إلهكم ) يدل على أن معنى الإله مايصح أن تدخله الإضافة فلو كان معنى الإله القادر لصار المعنى وقادركم قادر واحد ومعلوم أنه ركيك فدل على أن الإله هو المعبود)) التفسر الكبير (4/192) وقد خطا الرازي من فسر الإله بالقادر ونحوه.
وفسر ابن كثير الإله بالمعبود عند آية سورة ص ((أجعل الآلهة إله واحدا)) التفسير (4/27)
تعريف العبادة:
قال الرازي ((العبادة عبارة عن كل فعل وترك يؤتى به لمجرد أمر الله تعالى بذلك وهذا يدخل فيه جميع أعمال القلوب وجميع أعمال الجوارح)) التفسير (10/99)
وقال ابن حجر العسقلاني ((المراد بالعبادة عمل الطاعات واجتناب المعاصي)) فتح الباري (24/134)
وأما معنى كلمة التوحيد لا إله إلا الله :
فقد قال الخطيب الشربيني عند شرحه لمقدمة كتاب المنهاج (لا إله) أي لا معبود بحق في الوجود إلا الله ) مغني المحتاج(1/13)
وقال السيوطي عند تفسير آية الكرسي (الله لا إله إلا هو)(أي لا معبود بحق في الوجود إلا هو)
وقال البيضاوي عند تفسير آية الكرسي (الله لا إله إلا هو)(مبتدأ وخبر والمعنى أنه المستحق للعبادة لاغيره) أنوار التنزيل (1/257)
فائدة: قال البغوي عند تفسير قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)
اعْبُدُوا } وحدوا. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كل ما ورد في القرآن من العبادة فمعناها التوحيد) تفسير البغوي - (1 / 71)
جاء عن علماء الشافعية النهي عن نماذج من الشرك منها:
1. من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة:
كما قال تعالى ((والذين اتخذوا من دون الله أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ))الزمر(3) قال الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية:( أي إنما يحملهم على عبادتهم لهم أنهم عمدوا إلى أصنام اتخذوها على صورة الملائكة المقربين في زعمهم فعبدوا تلك الصور تنزيلا لذلك منزلة عبادتهم الملائكة ليشفعوا لهم عند الله تعالى في نصرهم ورزقهم وما ينوبهم من أمور الدنيا فأما المعاد فكانوا جاحدين له كافرين له ، قال قتادة والسدي ومالك عن زيد بن أسلم وابن زيد (( إلا ليقربونا إلى الله زلفى )) إي ليشفعوا لنا ويقربونا عنده منزلة ولهذا كانوا جاحدين له كافرين يقولون في تلبيتهم إذا حجوا في جاهليتهم لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك ، وهذه الشبهة هي التي اعتمدها المشركون في قديم الدهر وحديثة وجاءتهم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بردها والنهي عنها والدعوة إلى إفراد الله وحدة لا شريك له وأن هذا شيء اخترعه المشركون من عند أنفسهم لم يأذن الله فيه ولا رضي به، بل أبغضه ونهى عنه. وأخبر أن الملائكة التي في السموات من الملائكة المقربين وغيرهم كلهم عبيد خاضعون لله لا يشفعون عنده إلا بإذنه لمن ارتضى وليسوا عنده كالأمراء عند ملوكهم يشفعون عنده بغير إذنهم فيما أحبه الملوك وأبوه ((فلا تضربوا لله الأمثال )) تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا .
وذكر التفتازاني أن شرك المشركين وقع حين « مات منهم من هو كامل المرتبة عند الله اتخذوا تمثالاً على صورته وعظموه تشفعاً إلى الله تعالى وتوسلاً» شرح المقاصد (4/ 41).
وهذا ما يؤكده العلماء دائماً أن نوع شرك المشركين السابقين: هو شرك تشفع وتوسل بالصالحين ليقربوهم إلى الله زلفى. وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ [يونس18].
وقال الفخر الرازي الشافعي رحمه الله في تفسيره (17/59) :
((اختلفوا في أنهم قالوا في الأصنام أنهم شفعاؤنا عند الله.....))
فذكر صور منها قوله : ((ورابعها أنهم وضعوا هذه الأصنام والأوثان على صورة أنبيائهم وأكابرهم وزعموا متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل فإن أولئك الأكابر تكون شفعاء لهم عند الله ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور ألأكابر على اعتقادهم أنهم إذا عظموا قبورهم فإنهم يكونون لهم شفعاء عند الله )) .
وقال أيضاً في تفسيره (25/254): (( واعلم أن المذاهب المفضية إلى الشرك أربعة......)) فذكر ثلاثة ثم قال ((رابعها قول من قال :أن نعبد الأصنام التي هي صور الملائكة ليشفعوا لنا فقال تعالى في إبطال قوله(( ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له )) فلا فائدة لعبادتكم غير الله فإن الله لا يأذن في الشفاعة لمن يعبد غيره فبطلبكم الشفاعة تفوتون على أنفسكم الشفاعة ))
فتأمل :أن من طلب الشفاعة فوت على نفسه الشفاعة التي تكون يوم القيامة لأنها لا تنال إلا بالتوحيد.
قال الإمام البغوي في تفسير هذه الآية:( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ) قال قتادة: وذلك أنهم إذا قيل لهم: من ربكم، ومن خلقكم، ومن خلق السموات والأرض؟ قالوا: الله، فيقال لهم: فما معنى عبادتكم الأوثان؟ قالوا: ليقربونا إلى الله زلفى، أي: قربى، وهو اسم أقيم في مقام المصدر: كأنه قال: إلا ليقربونا إلى الله تقريبًا ويشفعوا لنا عند الله، { إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } يوم القيامة { فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } من أمر الدين { إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ } لا يرشد لدينه من كذب فقال: إن الآلهة تشفع وكفى باتخاذ الآلهة دونه كذبًا [وكفرا] تفسير البغوي - (7 / 104)
قال الإمام الطبري رحمه الله ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) يقول تعالى ذكره: والذين اتخذوا من دون الله أولياء يَتَوَلَّوْنَهُم، ويعبدونهم من دون الله، يقولون لهم: ما نعبدكم أيها الآلهة إلا لتقربونا إلى الله زُلْفَى، قربة ومنزلة، وتشفعوا لنا عنده في حاجاتنا) تفسير الطبري - (21 / 251)
قال الإمام النسفي رحمه الله { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } [الزمر : 3] أي آلهة وهو مبتدأ محذوف الخبر تقديره : والذين عبدوا الأصنام يقولون { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } [الزمر : 3] مصدر أي تقريباً { إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } [الزمر : 3] بين المسلمين والمشركين { فِى مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [الزمر : 3] قيل : كان المسلمون إذا قالوا لهم من خلق السماوات والأرض؟ قالوا : الله ، فإذا قالوا لهم : فما لكم تعبدون الأصنام؟ قالوا : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى). تفسير النسفى - (4 / 41)
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى ((وأن الوثني إذا قال:لا إله إلا الله فإن كان يزعم أن الوثن شريك لله تعالى صار كافرا وإن كان يري أن الله تعالى هو الخالق ويعظم الوثن لزعمه أنه يقربه إلى الله تعالى لم يكن مؤمناً حتى يتبرأ من عبادة الوثن ))(7/303) كتاب الردة من كتاب روضة الطالبين للنووي.
واعلم أن الشفاعة الشرعية لاتكون إلا بعد أذن الله للشافع بالشفاعة ورضاه عن المشفوع له كما قال - عز وجل - : { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ } [ البقرة : 255 ] .
ولا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه كما قال - عز وجل - : { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى } [ الأنبياء : 28 ] وهو لا يرضى إلا التوحيد كما قال - عز وجل - : { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } [ آل عمران : 85 ] .
فإذا كانت الشفاعة كلها لله ، كما قال تعالى : { قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا } [ الزمر : 44 ] ولا تكون إلا من بعد إذنه ، ولا يشفع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيه ، ولا يأذن إلا لأهل التوحيد . إذاً فأطلبها من الله فقل : اللهم لا تحرمني شفاعته ، اللهم شفعه في ، وأمثال هذا .
قال الطبري :
في قوله عزوجل :( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا ) يقول تعالى ذكره: وكم من ملك في السموات لا تغني: كثير من ملائكة الله، لا تنفع شفاعتهم عند الله لمن شفعوا له شيئا، إلا أن يشفعوا له من بعد أن يأذن الله لهم بالشفاعة لمن يشاء منهم أن يشفعوا له ويرضى، يقول: ومن بعد أن يرضى لملائكته الذين يشفعون له أن يشفعوا له، فتنفعه حينئذ شفاعتهم، وإنما هذا توبيخ من الله تعالى ذكره لعبدة الأوثان والملأ من قريش وغيرهم الذين كانوا يقولون( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ) فقال الله جلّ ذكره لهم: ما تنفع شفاعة ملائكتي الذين هم عندي لمن شفعوا له، إلا من بعد إذني لهم بالشفاعة له ورضاي، فكيف بشفاعة من دونهم، فأعلمهم أن شفاعة ما يعبدون من دونه غير نافعتهم.
قال النسفي : في قوله عزوجل { وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِى السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِى شَفَاعَتُهُمْ شيئا إِلا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَى } [النجم : 26] يعني أن أمر الشفاعة ضيق فإن الملائكة مع قربتهم وكثرتهم لو شفعوا بأجمعهم لأحد لم تغن شفاعتهم شيئاً قط ، ولا تنفع إلا إذا شفعوا من بعد أن يأذن الله لهم في الشفاعة لمن يشاء الشفاعة له ويرضاه ويراه أهلاً لأن يشفع له فكيف تشفع الأصنام إليه لعبدتهم
2- الدعاء لغير الله :
الدعاء عبادة فلا يجوز صرفه لغير الله وعلى ذلك دلت الأدلة الكثيرة، قال تعالى ((ولا تدع من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك من الظالمين )) ومن ذلك الاستعانة والاستغاثة فالقول فيها واحد فإنها إذا صرفت لغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فهذا الصرف شرك أكبر وأما إذا كانت في أمور يقدر عليها المستعاذ والمستغاث و المستعان فهذا لا بأس به و لا يكون من العبادة في شيء وذلك لكون الاستعانة والاستغاثة والاستعاذة طلب والطلب دعاء كما هو معروف .
تعريف الدعاء: قال الحافظ ابن حجر: « الدّعاء هو غاية التّذلّل والافتقار » [فتح الباري 11/95]. وقال مثله الزبيدي [فتح الباري 1/149 وانظر إتحاف السادة المتقين5/4]
قال الفخر الرازي: « المقصود من الدعاء إظهار الذلة والانكسار » وقال: « وقال الجمهور الأعظم من العقلاء: الدعاء أعظم مقامات العبادة » [لوامع البينات شرح أسماء الله تعالى والصفات ص91 تحقيق طه عبد الرؤوف سعد ط: دار الكتاب العربي].
وذكر الحليمي: « أن الدعاء من التخشع والتذلل لأن كل من سأل ودعا فقد أظهر الحاجة وباح واعترف بالذلة والفقر والفاقة لمن يدعوه ويسأله » [المنهاج في شعب الإيمان 1/517 ط: دار الفكر 1979].
قال ابن قتيبة في قوله تعالى: وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين [البقرة23].
« أي ادعوهم ليعاونوكم على سورة مثله، ومعنى الدعاء ههنا الاستغاثة، ومنه دعاء الجاهلية وهو قولهم: يا آل فلان، إنما هو استغاثتهم» (غريب القرآن43).
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ. إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي [غافر60]. قال السدي: أي دعائي (تفسير الطبري 16/51 الجزء 24 ص51). قال الحافظ « وضع عبادتي موضع دعائي» (فتح الباري 11/95) وهذا دليل على أن الدعاء مستلزم للعبادة.
أليس الله بكاف عبده [الزمر36]. قال الزبيدي « وقبيح بذوي الإيمان أن ينزلوا حاجتهم بغير الله تعالى مع علمهم بوحدانيته وانفراده بربوبيته وهم يسمعون قوله تعالى أليس الله بكاف عبده (أضاف) : ليعلم العارف أن المستحق لأن يُلجأ إليه ويستعان في جميع الأمور ويعول عليه هو الواجب الوجود المعبود بالحق الذي هو مولى النعم كلها .... ويشغل سره بذكره والاستغناء به عن غيره (إتحاف السادة المتقين 9/498 و5/119).
قال الإمام الذهبي الشافعي رحمه الله أثناء ترجمته لنفيسة بنت الحسن رحمهم الله ((...وللجهلة المصريين فيها اعتقاد يتجاوز الوصف ولا يجوز مما فيه من الشرك ويسجدون لها ويلتمسون منها المغفرة وكان ذلك من دسائس العبيدية)) سير أعلام النبلا (10/106)
الشاهد أنه عدَّ من الشرك التماس أو طلب المغفرة من السيدة نفيسة والمغفرة من خصائص الله وحدة لا شريك له.
وقال الشهرستاني الشافعي ((.....القوم لما عكفوا على التوجه إليها ـ الأصنام ـ كان عكوفهم ذلك عباده وطلبهم الحوائج منها إثبات إلهية لها )) الملل والنحل (2/259)
عدّ رحمه الله طلب الحوائج من الأصنام إثبات لإلهيتها فدل على أن الإله الحق هو الذي يخص بطلب الحوائج .
قلت: ويدل على ذلك قوله تعالى ((أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله .....)) النمل (62 )
وقد نبه ابن الأثير إلى أن الدعاء مشتمل على أمرين عظيمين:
احدهما: انه امتثال أمر الله تعالى حيث قال(( ادعوني أستجيب لكم ))
والثاني: ما فيه من قطع الأمل عما سوى الله وتخصيصه وحده بسؤال الحاجات راجع النهاية في غريب الحديث(4/305)
قال ابن كثير - رحمه الله- عند تفسير قوله تعالى ))وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه))
((أي عند الحاجة يتضرع ويستغيث بالله وحده لاشريك له إلى أن قال : وفي حال العافية يشرك بالله ويجعل له أندادا "قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار" أي قل لمن هذه حالته وطريقته ومسلكه تمتع بكفرك قليلا وهو تهديد شديد ووعيد أكيد)) الزمرآية(8)
والاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك.لأنه يلزم منه أن الميت يسمع كل نجوى ودعاء ولا يخفى عليه شيء من ذلك: و يلزم منه أنه سميع بصير بالغيب. لا يخفى عليه شيء مما يدعو به الناس. لا تلتبس عليه المسائل يسمع المستغيثين أينما كانوا قريبين أو بعيدين بالآلف كانوا أم بالملايين كأن هؤلاء الأموات يسمعون ما يقال لهم ويطلب منهم من الحاجات المختلفة بلغات متباينة فهم عند المستغيثين بهم يعلمون مختلف لغات الدنيا ويميزون كل لغة عن الأخرى ولو كان الكلام بها في آن واحد وهذا هو الشرك في صفات الله تعالى الذي جهله كثير من الناس فوقعوا بسببه في هذه الضلالة الكبرى.
لقد خفيت أمور على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن كان حيا: قال تعالى عن بعض المنافقين (لا تعلمهم نحن نعلمهم).
وخفي عليه قتل القراء السبعين من الصحابة...الخ
وهذا نبي الله عيسى عليه السلام صرح أنه كان شهيدا على أمته ما كان فيهم. فقال (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم).
فكيف يعتقد هؤلاء أنه يسمع استغاثتهم أينما ووقتما كانوا؟ هذا هو التأليه مع الله.
وقال ابن حجر الهيتمي المكي في "الفتح المبين شرح الأربعين" (ص172): (فمع النظر لذلك لا فائدة لسؤال الخلق مع التعويل عليهم فإن قلوبهم كلها بيد الله سبحانه وتعالى، ويصرفها على حسب إرادته، فوجب أن لا يعتمد في أمر من الأمور إلا عليه سبحانه وتعالى، فإنه المعطي المانع، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، له الخلق وله الأمر... ثم قال: (فبقدر ما يميل القلب إلى مخلوق يبعد عن مولاه لضعف يقينه ووقوعه في هوة الغفلة عن حقائق الأمور التي تيقظ لها أصحاب التوكل واليقين، فأعرضوا عما سواه وأنزلوا جميع حوائجهم بباب كرمه وجوده) اهـ.
قال الإمام النووي رحمه الله:((...وقوله (صلى الله عليه وسلم ):(إذا سالت فاسأل الله)إشارة إلى أن العبد لا ينبغي أن يعلق سره بغير الله بل يتوكل عليه في سائر أموره ، ثم إن كانت الحاجة التي يسألها لم تجر العادة بجريانها على أيدي خلقه كطلب الهداية والعلم والفهم في القرآن والسنة وشفاء المرض وحصول العافية من بلاء الدنيا وعذاب ألآخرة، سأل ربه ذلك، وإن كانت الحاجة التي يسألها جرت العادة أن الله سبحانه وتعالى يجريها على أيدي خلقة ،كالحاجات المتعلقة بأصحاب الحرف والصنائع وولاة الأمور، سأل الله تعالى أن يعطف عليه قلوبهم فيقول:اللهم أحنن علينا قلوب عبادك وإمائك وما أشبة ذلك.ولا يدعوا الله تعالى باستغنائه عن الخلق لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) سمع علياً يقول : (اللهم أغننا عن خلقك ) فقال: (لا تقل هذا فإن الخلق يحتاج بعضهم إلى بعض ولكن قل (اللهم اغننا عن شرار خلقك ) وأما سؤال الخلق والاعتماد عليهم فمذموم .)) شرح الأربعين النووية للنووي الحديث(19) .
قال الإمام ابن كثير في تفسير هذه الآية:( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا فروة بن المغراء الكندي، حدثنا القاسم بن مالك -يعني المزني-عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن أبيه، عن كَردم بن أبي السائب الأنصاري قال: خرجت مع أبي من المدينة في حاجة، وذلك أول ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فآوانا المبيت إلى راعي غنم. فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملا من الغنم، فوثب الراعي فقال: يا عامر الوادي، جارك. فنادى مناد لا نراه، يقول: يا سرحان، أرسله. فأتى الحملَ يشتد حتى دخل في الغنم لم تصبه كدمة. وأنزل الله تعالى على رسوله بمكة { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا }
ثم قال: ورُوي عن عبيد بن عمير، ومجاهد، وأبي العالية، والحسن، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النَّخَعي، نحوه.
وقد يكون هذا الذئب الذي أخذ الحمل -وهو ولد الشاة-وكان جنّيا حتى يُرهب الإنسي ويخاف منه، ثم رَدَّه عليه لما استجار به، ليضله ويهينه، ويخرجه عن دينه، والله أعلم. تفسير ابن كثير ـ سورة الجن ـ آية ( 6 )
وقد كان شرك الأولين في الرخاء أما في الشدة فإنهم يخلصون الدعاء لله كماقال تعالى ((فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون )العنكبوت آية 65
قال ابن كثير عند تفسير هذه الآية ((..أخبر تعالى أنهم عند الأضطرار يدعونه وحده لاشريك له فهلا يكون هذا منهم دائما))
وقال الطبري - رحمه الله- في تأويل قوله تعالى : { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) }
يقول تعالى ذكره: فإذا ركب هؤلاء المشركون السفينة في البحر، فخافوا الغرق والهلاك فيه( دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) يقول: أخلصوا لله عند الشدّة التي نزلت بهم التوحيد، وأفردوا له الطاعة، وأذعنوا له بالعبودية، ولم يستغيثوا بآلهتهم وأندادهم، ولكن بالله الذي خلقهم( فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ ) يقول: فلما خلصهم مما كانوا فيه وسلَّمهم، فصاروا إلى البرّ، إذا هم يجعلون مع الله شريكا في عبادتهم، ويدعون الآلهة والأوثان معه أربابا.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله:( فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ) فالخلق كلهم يقرّون لله أنه ربهم، ثم يشركون بعد ذلك). تفسير الطبري - (20 / 60)
3- الســـجود لغير الله :
قال ابن الحجر الهيثمي رحمه الله تحت باب الأفعال والأقوال المكفرة(( ومنها ما يفعله كثيرون من الجهلة من السجود بين يدي المشايخ إذا قصدوا عبادتهم أو التـقـرب إليهم.لا إن قصدوا تعظيمهم أو أطلقوا فلا يكون كفراً بل هو حراماً قطعاً )) الإعلام بقواطع الإسلام.
لورود النهي عن ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال (( لو كنت آمر أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها )) من حديث أبي هريرة وغيرة أخرجه الترمذي وغيرة.
وقال الإمام النووي ((وأما ما يفعله عوام الفقراء وشبههم من سجودهم بين يدي المشايخ وربما كانوا محدثين فهو حرام بإجماع المسلمين.....))
وسئل ابن الصلاح عن هذا السجود الذي قدمناه فقال (( هو من عظائم الذنوب ونخشى أن يكون كفراً.)) المجموع (2/44) مس المصحف محدثا
4- الذبح لغير الله :
والذبح الذي يكون صرف لغير الله شرك هو الذبح للغير تعبداً أو تقرباً له كالذبح للأولياء و الصالحين وأما الذبح للغير بنيه إكرامه فلا شيء فيه بل هو مأمور به وأما الذبح بنية الاستمتاع باللحم فهنا أقل أحواله الإباحة .
قال الإمام النووي ((وأما الذبح لغير الله فالمراد به أن يذبح باسم غير الله كمن ذبح للصنم أو الصليب أو لعيسى أو لموسى (صلى الله عليهما ) أو للكعبة ونحوا ذلك فكل هذا حرام ولا تحل هذه الذبيحة سواء كان الذابح مسلماً أو نصرانياً أو يهودياً نص عليه الشافعي واتفق عليه ألأصحاب فإن قصد مع ذلك تعظيم المذبوح له غير الله تعالى والعبادة له كان ذلك كفراً ، فإن كان الذابح مسلماً قبل ذلك صار بالذبح مرتداً ذكر الشيخ إبراهيم المروزي من أصحابنا:أن ما يذبح عند استقبال السلطان تقرباً إليه أفتى أهل نجارة بتحريمه لأنه أهل به لغير الله تعالى ،قال الرافعي ((هذا إنما يذبحونه استبشاراً بقدومه فهو كذبح العقيقة لولادة المولود ومثل هذا لا يوجب التحريم والله أعلم))(7/157) شرح مسلم باب تحريم الذبح لغير الله
وقال الإمام الرافعي الشافعي رحمه الله ((اعلم أن الذبح للمعبود وباسمه نازل منزلة السجود له وكل واحد منهما نوع من أنواع التعظيم والعبادة المخصوصة بالله تعالى الذي هو المستحق للعبادة )) العزيز شرح الوجيز (12/84)
5- النذر لغير الله :
فالنذر عبادة وقربة لا يجوز أن يصرف لغير الله قال تعالى ((يوفون بالنذر))
وقد سئل الإمام ابن حجر الهيثمي الشافعي رحمه الله عن النذر لقبور الأولياء و المساجد و للنبي (صلي الله عليه وسلم ) بعد وفاته قال : ((النذر للولي إنما يقصد به غالبا ً التصدق عنه لخدام قبره وأقاربه وفقرائه فإن قصد النادر شيئاً من ذلك أو أطلق صح وأن قصد التقرب لذات الميت كما يفعله أكثر الجهلة لم يصح وعلى هذا الأخير يحمل إطلاق أبي الحسن الأزرق عدم صحة النذر للميت ....)) الفتاوى (4/284)
وعلل بطلان النذر الذي يريد به صاحبه التقرب لمن في القبر بقوله ((لأن القرب إنما يتقرب بها إلى الله تعالى لا إلى خلقه )) المصدر السابق
فجعل النذر للقبر محتمل لمعنى صحيح ومعنى فاسد أما الفاسد فهو الذي بينه ألأذرعي وغيره من أرادة غير الله بالنذر والمعنى الصحيح جعله لمن نذر صدقة لزوّار القبور وخدّامها.
وما قاله ابن حجر أن الغالب علي الناذرين للقبور الذي صححه غير مسلّم بل ما نص عليه ابن حجر من قبل والأذرعي .
وبالجملة فإن ابن حجر يقرر ما قرره أصحابه من منع التقرب إلى غير الله بالنذر بالنظر أن القرب لا يحل أن يراد بها احد من الخلق .
واعلم أن تصحيح ابن حجر النذر للقبر إذا قصد الناذر الصدقة نظراً ظاهراً
6- الطواف بالقبور :
الطواف هو عبادة عظيمة والتي لا يجوز أن تفعل ببقعة من ألأرض إلا بيت الله الحرام
قال تعالى ( ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوّفوا بالبيت العتيق) الحج (29)
قال الإمام النووي رحمه الله :(( الطواف صلاة فيتأدب بآدابها ويستشعر بقلبه عظمة من يطوف ببيته)) المجموع (8/46)
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله عند قوله تعالى :(( وطهر بيتي للطائفين ..))
قال (( فالطائف به معروف وهو أخص العبادات عند البيت فإنه لا يفعل ببقعة من الأرض سواها (والقائمين ) أي في الصلاة ولهذا قال (والركع السجود ) فقرن الطواف بالصلاة لأنهما لا يشرعان إلا مختصتين بالبيت فالطواف عنده والصلاة إليه في غالب الأحوال إلا ما استثني ))(3/226) سورة الحج
قال الإمام النووي : (( و لا يجوز أن يطاف بقبره ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويكره إلصاق البطن والظهر بجدار القبر قاله أبو عبيد الله الحليمي وغيرة , قالوا ويكره مسحه باليد وتقبيله بل الأدب أن يبعد منه كما يبعد منه من حضرة في حياته - صلى الله عليه وسلم - هذا هو الصواب الذي قاله العلماء وأطبقوا عليه و لا يغتر بمخالفه كثير من العوام وفعلهم كذلك فإن الاقتداء و العمل إنما يكون بالأحاديث الصحيحة وأقوال العلماء ولا يلتفت إلى محدثات العوام و غيرهم و جهالاتهم وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة ( رضي الله عنها ) أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) قال : (( من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد )) وعن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) (( لا تجعلوا قبري عيدا ً , وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم )) . وقال الفضيل بن عياض ما معناه : اتبع طرق الهدى و لا يضرك قلة السالكين و إياك وطرق الضلالة و لا تغتر بكثرة الهالكين .ومن خطر بباله أن المسح باليد و نحوه أبلغ في البركة فهو من جهالته و غفلته لأن البركة إنما هي فيما وافق الشرع و كيف يبتغي الفضل في مخالفة الصواب )) المجموع (8/257ـ 258) كتاب الحج .
وسائل الشرك التي حذر منها علماء الشافعية حماية لجناب التوحيد
اعلم ـ رحمك الله ـ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حمى وحرس جناب التوحيد وحمى التوحيد وسد كل طريق توصل إلى الشرك فإن في سنته - صلى الله عليه وسلم - من الدلائل على قاعدة سد الذرائع الشيء الكثير وأعظم الذرائع التي يجب أن تسد ذرائع الشرك التي توصل إليه ومن تلك الذرائع قول القائل :أنت سيدنا وابن سيدنا وخيرنا وابن خيرنا ونحو ذلك فإن مثل هذه الأقوال فيها من التعظيم الذي لا يجوز أن يواجه به بشر فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو سيد ولد آدم كما أخبر به - صلى الله عليه وسلم - لكن كره المواجهة فحماية النبي - صلي الله عليه وسلم - حمى التوحيد ،وسد طرق الشرك كان في جهة الاعتقادات ومن جهة الأقوال والأفعال ،فإذا تأملت سننه وما جاء عنه وجدت أنه - عليه الصلاة والسلام - سد الباب في الاعتقادات الباطلة وسد الباب في الأفعال الباطلة كقوله : ((اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد )) وسد الباب أيضاً في الأقوال التي توصل إلى الغلو المذموم فقال :(( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا :عبدالله ورسوله )).
وفي هذا المبحث سنتناول ((وسائل الشرك التي حذر منها علماء الشافعيةحماية لجناب التوحيد )) فعلماء الشافعية ـ رحمهم الله ـ لهم جهود مشكورة في سد منافذ الشرك حماية لجناب التوحيد فقد جاء عن الإمام الشافعي وأتباعه النهي عن ما هو من وسائل الشرك كتجصيص القبور وتعليتها والبناء عليها و الكتابة عليها وإسراجها واتخاذها مساجد والصلاة إليها وتقبيلها ومسحها باليد أو قول ماشاء الله وشاء فلان ....... الخ.
الأمر بتسوية القبور المشرفة مع قرن ذلك بطمس التماثيل: فعن ثمامة بن شُفي -رحمه الله - قال: (كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بن عبيد بقبره فسوى ثم قال:سمعت رسول الله ( يأمر بتسويتها).وعن أبي الهيَّاج الأسدي-رحمه الله- قال: قال لي علي بن أبي طالب:(ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ( ألا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سوّيته). وهكذا فهم الصحابة رضوان الله عليهم الأمر، فسوّوا القبور المشرفة، وأمروا بذلك وصار هذا شعارهم وديدنهم.
فهذا فضالة بن عبيد ( يطبِّق ما سمع ويأمر بتسوية القبر؛ امتثالاً لأمر رسول الله ( بتسويتها، وهذا علي ( يبعث رئيس شرطته أبالهياج الأسدي لطمس القبوركما بعثه رسول الله ( أي أنه يطبِّق ماعرفه وفهمه من أمر رسول الله ( بذلك، وهذا عثمان ( يأمر بتسوية القبور كذلك. قال عبدالله بن شرحبيل بن حسنة -رحمه الله-: (رأيت عثمان ( يأمر بتسوية القبور فقيل له هذا قبر أم عمرو بنت عثمان! فأمر به فسوِّي) وعن عمرو بن شرحبيل قال: (لا ترفعوا جدثي - يعني القبر - فإني رأيت المهاجرين يكرهون ذلك)
قال الإمام الشافعي-رحمه الله-: (ولم أرَ قبور المهاجرين والأنصار مجصصة قال الراوي عن طاووس: أن رسول الله ( نهى أن تبنى القبور أو تجصص (قال الشافعي) وقد رأيت من الولاة من يهدم بمكة ما يبنى فيها فلم أرَ الفقهاء يعيبون ذلك).
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: ((يكره أن يجصص القبر وأن يكتب عليه اسم صاحبه أو غير ذلك وأن يبنى عليه )) المجموع (5/226)
وقال أيضاً (( ورأيت من الولاة من يهدم ما بني فيها ولم أرى الفقهاء يعيبون عليه ذلك ولأن في ذلك تضييقاً على الناس )) المصدر السابق
وقال:(( وأكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجداً مخافة الفتنه عليه وعلى من بعده من الناس )) المهذب (1/456)
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه :
لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد
قالت : (فلولا ذاك أبرز (1) قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا) رواه البخاري ومسلم
(1) - أي كشف قبره صلى الله عليه وسلم ولم يتخذ عليه الحائل والمراد دفن خارج بيته كذا في " فتح الباري
معنى اتخاذ القبور مساجد
الأول : الصلاة على القبور بمعنى السجود عليها
الثاني : السجود إليها واستقبالها بالصلاة والدعاء
الثالث : بناء المساجد عليها وقصد الصلاة فيها
أما المعنى الثالث : فقد قال به الإمام البخاري فإنه ترجم للحديث الأول بقوله " باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور "
قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث : " قال الكرماني : مفاد الحديث منع اتخاذ القبر مسجدا ومدلول الترجمة اتخاذ المسجد على القبر ومفهومها متغاير ويجاب بأنهما متلازمان وإن تغاير المفهوم "
وجاء في حاشية السندي شرح النسائي:
قوله ( مساجد )
أي قبلة للصلاة يصلون إليها أو بنوا مساجد عليها يصلون فيها ولعل وجه الكراهة أنه قد يفضي إلى عبادة نفس القبر سيما في الأنبياء والأحبار .
وأما المعنى الأول والثاني فقد قال ابن حجر الهيتمي في " الزواجر " ( 1 / 121 ) :
"واتخاذ القبر مسجدا معناه الصلاة عليه أو إليه"
فهذا نص منه على أنه يفهم الاتخاذ المذكور شاملا لمعنيين
وجملة القول : أن الاتخاذ المذكور في الأحاديث يشمل كل هذه المعاني الثلاثة فهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم وقد قال بذلك الإمام الشافعي -رحمه 0الله تعالى- في كتابه "الأم" في كتاب الصلاة: (وأكره أن يُبنى على القبر مسجد وأن يسوَّى أو يصلى عليه وهو غير مسوَّى أو يصلى إليه. قال وإن صلى إليه أجزأه وقد أساء، أخبرنا مالك أن رسول الله ( قال: ((قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يبقى دينان بأرض العرب)). - قال -: وأكره هذا لِلسنّة والآثار وأنه كره - والله أعلم - أن يعظَّم أحد من المسلمين يعني يتخذ قبره مسجداً، ولم تؤمن في ذلك الفتنة والضلال على من يأتي بعده). تأمل قول الشافعي- رحمه الله-: (ولم تؤمن في ذلك الفتنة والضلال على من يأتي بعده)، إذن ليست العلة أن في ذلك تضييقاً على المسلمين في مقابرهم فقط ، وإن كان ذلك لازم من اتخاذ مقابر المسلمين العامة مساجد على بعض القبور، وليست العلة الخوف من تنجس الأرض لأن الحكم عام في القبر الذي ابتدِئ حفره كما هو في القبر المنبوش؛ وإنما العلة عند الشافعي-رحمه الله- خشية الفتنة والضلال على من يأتي بعده،وأي فتنة أو ضلال أعظم من أن يعَظَّم المخلوق حتى يُصرَف لقبره من العبادة والتقديس ما لا يليق إلا بالله عز وجل؟!.
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى : (( واتفقت نصوص الشافعية والأصحاب على كراهة بناء مسجد على القبر سواء كان الميت مشهوراً بالصلاح أو غيره لعموم الأحاديث ، قالوا :وتكره الصلاة إلى القبور سواء كان الميت صالحاً أو غيره ، قال الحافظ أبو موسى قال الإمام أبو الحسن الزعفراني رحمه الله: ((ولا يصلي إلى قبر ولا عنده تبركاً به وإعظاماً له للأحاديث والله أعلم )) كتاب الجنائز من المجموع
قالت عائشة( رضي الله عنها ) قال رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) في مرضه الذي لم يقم منه
(( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا فبور أنبيائهم مساجد ))قالت ((فلولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً ))رواه مسلم (5/12)
قال الإمام النووي في شرح هذا الحديث (( قال العلماء إنما نهى النبي ( صلي الله عليه وسلم ) عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجداً خوفاً من المبالغة في تعظيمه والافتتان به ، فربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية، ولما احتاجت الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين - والتابعون إلى الزيادة في مسجد الرسول- صلى الله عليه وسلم - حين كثر المصلون وامتدت الزيادة في مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ‘إلى أن أدخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه ومنها حجرة عائشة -رضي الله عنها - مدفن رسول الله ( صلي الله عليه وسلم ) وصاحبيه أبي بكر وعمر-رضي الله عنهما - بنوا على القبر حيطاناً مرتفعة مستديرة حوله ، لئلا يظهر فيصلي إليه العوام ، ويؤدى إلى المحذور ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين ،وحرفوهما حتى التقيا ،حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر ،ولهذا قال في الحديث ((ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً والله اعلم بالصواب ))(5/24)
قلت : هذا الكلام من الإمام النووي - رحمه الله- فيه رد على الذين يحتجون بكون قبر النبي - صلي الله عليه وسلم - في مسجده .
قطع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - للشجرة التي بايع تحتها رسول الله - صلي الله عليه وسلم - بيعة الرضوان
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (7/448) ((...أن عمر بلغه أن قوماً يأتون الشجرة فيصلون عندها فتوعدهم ثم أمر بقطعها فقطعت )) قال الحافظ (( وبيان الحكمة في ذلك وهو ألا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير فلو بقيت لما أمن تعظيم بعض الجهال لها حتى ربما أفضى بهم إلى اعتقاد أن لها نفعاً أو ضراً كما نراه اليوم مشاهداً فيما هو دونها ،وإلى ذلك أشار ابن عمر بقوله ((كانت رحمة )) أي كان إخفاؤها عليهم رحمة من الله تعالى ))(6/118)
وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في كلامه على حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهما: (وكأنه علم أنه مرتحل فخاف أن يعظَّم قبره كما فعل من مضى فلعنَ اليهود والنصارى إشارة الى ذم من فعل فعلهم) فتح الباري(1/532).
ويناسب هذا المقام ما ذكره الإمامان النووي وابن حجر في شرحهما على الصحيحين في الكلام على قصة موت موسى (، وسؤال ربه أن يدنيه من الأرض المقدسة.
قال النووي -رحمه الله -: (قال بعض العلماء: وإنما سأل الإدناء ولم يسأل نفس بيت المقدس لأنه خاف أن يكون قبره مشهوراً عندهم فيفتتن به الناس) شرح مسلم (15/128).
وقال ابن حجر:(لكن حكى ابن بطال عن غيره أن الحكمة في أنه لم يطلب دخولها ليُعمِّي موضع قبره لئلا يعبده الجهال من أمته) الفتح(3/207).
من هذه النقول الثلاثة يتبين ما فهمه العلماء من أحاديث النهي عن اتخاذ المساجد على القبور؛ وهو خشية التعظيم المفضي إلى عبادتها كما حصل للأمم السابقة بغلوها في أنبيائها وصالحيها إلى أن عبدتهم من دون الله،وتحولت القبورية إلى وثنية وشرك، أجار الله أمة محمد من ذلك.
وقال العلامة ابن دقيق العيد -رحمه الله تعالى- في شرح عمدة الأحكام في حديث عائشة وقوله ((بنوا على قبره مسجداً)) إشارة الى المنع من ذلك وقد صرح به الحديث الآخر: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد).
بيان أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين
قال الإمام ابن كثير ((قال عبدالله بن عباس وغير واحد من علماء التفسير كان أول ماعبدت الأصنام أن قوما صالحين ماتوا فبنى قومهم عليهم مساجد وصوروا صور أولئك فيها ليتذكروا حاله وعبادته فيتشبهوا بهم فلما طال الزمان جعلوا أجسادا على تلك الصور فلما تمادى الزمان عبدوا تلك الأصنام وسموها بأسماء الصالحين ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا))(2/232)آية(59)من سورة الأعراف
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني « وقصة الصالحين كانت مبتدأ عبادة قوم نوح لهذه الأصنام، ثم تبعهم من بعدهم على ذلك». وذكر أنهم كانوا يتبركون بدعاء سواع وغيره من الصالحين ويتمسحون بصورته». (فتح الباري 8: 668 – 669).
قال البغوي رحمه الله عند قوله تعالى : وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) هذه أسماء آلهتهم.
قال محمد بن كعب: هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح فلما ماتوا كان لهم أتباع يقتدون بهم ويأخذون بعدهم بأخذهم في العبادة فجاءهم إبليس وقال لهم: لو صورتم صورهم كان أنشط لكم وأشوق إلى العبادة، ففعلوا ثم نشأ قوم بعدهم فقال لهم إبليس: إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم فعبدوهم، فابتداء عبادة الأوثان كان من ذلك )
فعبادة الأصنام منشؤها الغلو في الصالحين وقد بنوها لتذكرهم بالصالحين من أنبياء وأولياء.
وقال ابن كثير عند تفسير قوله تعالى (( أفرءيتم اللات والعزى))((..وحكي عن ابن عباس ومجاهد والربيع بن أنس أنهم قرأوا اللات بتشديد التاء وفسروه بأنه رجلا يلت للحجيج في الجاهلية السويق فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه))(4/271) سورة النجم
قال البغوي :
في قوله عزوجل: { أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى }
وقرأ ابن عباس ومجاهد وأبو صالح: "اللات" بتشديد التاء، وقالوا: كان رجلا يلت السويق للحاج، فلما مات عكفوا على قبره يعبدونه
وقال في الدر المنثور :
الآيات 19 - 27 أخرج عبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال : كان اللات رجلا يلت سويق الحاج ولفظ عبد بن حميد : يلت السويق يسقيه الحاج
اتخاذ القبور مساجد وإيقاد السرج عليها و اتخاذها أوثاناً والطواف بها
واستلامها والصلاة إليها.
هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
المصدر