Ulama Wahabi Membolehkan Ucapan Selamat Natal
Tidak semua ulama Wahabi mengharamkan ucapan selamat natal. Salah satu yang membolehkan adalah Al-Syarif Hatim Al-Awni, dosen universitas Ummul Qura, Makkah. Berikut analisanya.
Tidak semua ulama Wahabi mengharamkan ucapan selamat natal. Salah satu yang membolehkan adalah Al-Syarif Hatim Al-Awni, dosen universitas Ummul Qura, Makkah. Berikut analisanya.
تأصيل لبيان حكم تهنئة الكفار بأعيادهم
الشريف حاتم العوني حفظه الله
الأصل في حكم التعامل مع الكافر غير المعتدي هو الإحسان , كما في قوله تعالى{ لاَّ يَنْهَٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَٰتِلُوكُمْ فِى ٱلدّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مّن دِيَٰرِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُواْ إِلَيْهِمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } .
والبر هو الإحسان , والقسط هو العدل .
ومن لطيف التعبير في هذه الآية الكريمة : أنها جاءت بنفي النهي عن الإحسان والعدل , وليس بالأمر الصريح بهما ؛ لأن الله تعالى يعلم أن الفطرة السوية التي فطرها سبحانه تميل إلى حب الإحسان والعدل مع غير المعتدي , فالنفوس الصحيحة تميل إلى ذلك بغير حث ولا تشجيع , ويكفيها بيان عدم النهي عنه ورفع التأثيم عليه لتسعى إليه وتعمل به . فجاء التعبير بعدم النهي , اكتفاء بدلالة الفطرة على حب هذا الفعل الفاضل ! مع أن الآية لم تخل من حث على البر وترغيب في القسط , من اسميهما نفسه (البر) و(القسط) , فهذان الاسمان المتضمنان وصفي ثناء وحدهما يدلان على الترغيب فيهما . وكذلك ورد الترغيب في خاتمتها , في قوله تعالى {إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ} ؛ إذ أيُّ حث أعظم من بيان حب الله لفعل من الأفعال ؟! كما أن العدل قيمة ثابتة وواجب شرعي مع كل أحد , سواء أكان مسلما أو كافرا معتديا , فضلا عن غير المعتدي , كما قال تعالى{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } .
ومن هذا الأصل : الإحسان بالقول , ويدل عليه أيضا على وجه الخصوص قوله تعالى { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسَنًا} , وعبارة (للناس) تعم المسلم والكافر من الجنس البشري كله . فهذا أمر بالقول الحسن للناس كلهم , دون تخصيص .
ومما ورد عن السلف في هذا الباب :
ما أخرجه الإمام البخاري بإسناد حسن في (الأدب المفرد) عن عقبة بن عامر (رضي الله عنه) : ((أنه مر برجل هيئته هيئة مسلم , فسلم , فرد عليه : وعليك ورحمة الله وبركاته . فقال له الغلام : إنه نصراني , فقام عقبة , فتبعه , حتى أدركه , فقال : إن رحمة الله وبركاته على المؤمنين , لكن أطال الله حياتك وأكثر مالك وولدك)) .
فمع أنه (رضي الله عنه) أراد أن يعرف هذا النصراني أنه غير مستحق للرحمة المطلقة ولا للبركة التامة , إلا أنه دعا له بطول العمر وكثرة المال والولد !!
وهنا لقائل أن يقول ممن ضعف فقهه في هذه الأبواب : هذا فيه دعاء للكافر بالتقوي على الكفر ؛ فزيادة ماله وولده مما يقويه على المسلمين , وفيه أيضا دعاء للكافر بأن يطول عمره على عداوة الله ورسوله بشركه وتكذيبه !!
ولن أجيب عن هذه الاستشكالات الفارغة , ويكفيني هنا : أن هذا هو فقه أحد فقهاء الصحابة ممن نزلوا مصر وفقهوا أهلها , ألا وهو عقبة بن عامر (رضي الله عنه) !!!
ولم تنته دروس الصحابة (رضوان الله عليهم) إلى هذا الحد :
فقد أتبعه الإمام البخاري بأثر آخر صحيح عن فقيه الأمة ومفسرها عبدالله بن العباس رضي الله عنهما , من حديث سعيد بن جبير عنه أنه قال : ((لو قال لي فرعون : بارك الله فيك , لقلت : وفيك . وفرعون قد مات)) . [يعني إن ابن عباس يقول ذلك مع العلم بنهاية فرعون وأنه مات على الكفر] .
ففي هذا الأثر يستجيز ابن عباس (رضي الله عنهما) الدعاء لفرعون بالبركة , خلافا لعقبة بن عامر !! وواضح من إيراد الإمام البخاري للأثرين أحدهما عقب الآخر : أنه يريد أن يبين الاختلاف الواقع فيهما : بين مستجيز الدعاء بالبركة للكافر : وهو ابن عباس (رضي الله عنهما), وغير مستجيز : وهو عقبة بن عامر (رضي الله عنه)!
فهل هذا كله من تمييع الدين ؟!!
وهل كنا سنحترم هذا الاجتهاد الجليل فيما لو ذكرته دون ذكر الصحابة القائلين به ؟!
أما دعوى الإجماع على تحريم مطلق تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية فهي دعوى مستغربة , لعدم ورود نص فيها يلزم التسليم له حتى لو لم نعرف علته . فلا ورد في القرآن ولا جاء في السنة دليل خاص يدل على حرمة تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية , مما يدل على أن الإجماع المنقول إذا تحقق , فلا بد أن يكون مستندا إلى أصول شرعية عامة وقواعد يقينية معلومة , وليس حكما تعبديا لا نعرف له علة ولا حكمة .
ولذلك فإني أستغرب ممن يدعي الإجماع على تحريم مطلق التهنئة ولو بلفظ لا يدل على الرضا بالدين ، بل ربما كان صريحا بعدم الرضا ، كأن يهنئه المسلم شفاهة أو برسالة أو ببطاقة معايدة يكتب فيها : كل عام وأنت بخير ، وكم أتمنى أن تنعم بالإسلام ورحمته !
فأين هذه العبارة ونحوها من إيهام الرضا عن الدين ؟!!
وأعود مستغربا ممن يدعي تحقق الإجماع السكوتي في مسألة لا نص فيها كما سبق , نعم .. أستغرب ممن لا يقبل قول العالم إلا بدليل ، ويعدّ اجتهاده من غير استدلال اجتهادا مرفوضا ، ثم هو نفسه يقبل منه ما هو أشد من مجرد الاجتهاد بغير استدلال ، وهو أن يزعم الإجماع . فما أن يدعي هذا العالم الإجماع حتى يصبح اجتهاده ليس فقط مقبولا بغير استدلال ، بل يصبح اجتهادا لا تجوز مخالفته ، وبغير استدلال أيضا ؛ إلا من دعواه الإجماع !
فكيف يكون اجتهاد العالم مردودا بغير استدلال ، في حين أنه هو نفسه سيكون اجتهاده مقبولا وواجبا بل سيكون ملزما غيره مع أنه مازال اجتهادا بغير استدلال أيضا ، إلا من دعواه الإجماع ؟!
إن تحقيق الإجماع وإثبات حصوله كما أنه سياج مهم يحمي الشريعة من تطاول شطحات الاجتهاد ، خاصة عند شيوع الجهل واتخاذ الرؤوس الجهلاء . إلا أن السماح لدعاواه التي لا دليل عليها ، يفتح مجال التشريع بما لم يأذن به الله ، ويضيف إلى مصادر التشريع مصدرا لا علاقة له بالوحي ولا بمصادر التشريع المجمع عليها ؛ إلا من دعوى عدم العلم بالمخالف ، حتى في الأمر الذي ليس فيه نص ، ولا هو مما يستحيل عادة عدم نقل خلافه لو وقع ، ولا توجب غلبة الظن نقله في أقل تقدير .
وهنا في مسألة حكم تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية : أتمنى أن يذكر لي المتعصبون للتحريم سلفهم عليه من الصحابة والتابعين وتابعيهم , حتى ننظر هل هناك قول صحيح ومشتهر لهم في المسألة , مع عدم العلم بمخالفهم ؟
أعيد التحدي بصورة واضحة : بعد الاتفاق على عدم وجود نص صريح في الكتاب والسنة يدل على حرمة تهنئة الكفار بأعيادهم , هل هناك آثار عن الصحابة أو التابعين أو تابعيهم تدل على تحريم هذه التهنئة (لا على حضور الأعياد وشهودها , فهذه مسألة غير مسألة التهنئة) , تدل على شهرة هذه المسألة بينهم , مما يصح بعد عدم وجود المخالف أن ندعي الإجماع عليها .
أما المطالبة بإيجاد نص عن السلف بالإباحة مع عدم وجود نص عنهم على التحريم , فهو جهل بطرائق الاستدلال ؛ لأن على مدعي الإجماع البينة على دعواه , وإلا فستكون دعواه باطلة , وترجع المسألة بعد بطلان الإجماع إلى النصوص العامة وأصول الشريعة لاستخراج حكمها منها .
وهنا أنبه أنه لو كان هناك من حرم التهنئة من السلف , فمجرد الوجود لا يدل على حصول الإجماع ؛ فإن عدم العلم بوجود من أباحها لا يدل على عدم وجوده في الواقع (عدم العلم لا يدل على العدم) ، خاصة في مثل هذه المسألة ، التي تفتقر للنقل فيها لمن قال بالتحريم من السلف , والذي لا بد أن يكون نقلا يدل على شهرة هذا القول بينهم , حتى يمكن الاستدلال بعدم وجود المخالف على عدم وجوده , ظنا غالبا أو يقينا .
فللإجماع السكوتي شرط لصحة الاحتجاج به ، وهو غير متوفر في هذه المسألة ! فيكفيك ضعف النقل فيها في جانب التحريم الذي تدعي عليه الإجماع .
وأما كلام ابن القيم الذي جعله المتعصبون للتحريم دليلا لتعصبهم (لا لترجيحهم) فهو قوله في كتابه (أحكام أهل الذمة) :
((فصل في تهنئتهم
بزوجة أو ولد أو قدوم غائب أو عافية أو سلامة من مكروه ونحو ذلك , وقد اختلفت الرواية في ذلك عن أحمد , فأباحها مرة , ومنعها أخرى .
والكلام فيها كالكلام في التعزية والعيادة , ولا فرق بينهما .
ولكن ليحذر الوقوع فيما يقع فيه الجهال من الألفاظ التي تدل على رضاه بدينه , كما يقول أحدهم : متعك الله بدينك أو نيحك فيه , أو يقول له : أعزك الله أو أكرمك . إلا أن يقول : أكرمك الله بالإسلام , وأعزك به , ونحو ذلك , فهذا في التهنئة بالأمور المشتركة .
وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق , مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم , فيقول : عيد مبارك عليك , أو تهنأ بهذا العيد , ونحوه , فهذا إن سلم قائله من الكفر , فهو من المحرمات , وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب , بل ذلك أعظم إثما عند الله وأشد مقتا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه.
وكثير ممن لا قدر للدين عنده , يقع في ذلك , ولا يدري قبح ما فعل .
فمن هنأ عبدا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه .
وقد كان أهل الورع من اهل العلم يتجنبون تهنئة الظلمة بالولايات وتهنئة الجهال بمنصب القضاء والتدريس والإفتاء تجنبا لمقت الله وسقوطهم من عينه وإن بلي الرجل بذلك فتعاطاه دفعا لشر يتوقعه منهم فمشى إليهم ولم يقل إلا خيرا ودعا لهم بالتوفيق والتسديد فلا بأس بذلك وبالله التوفيق)) .
انتهى كلامه (رحمه الله) , وهو صحيح لا إشكال فيه , لمن وفقه الله في فهمه .
فأولا : تنبه لتفريق ابن القيم بين اللفظ الدال على الرضا بالدين والدال على عدم الرضا , وتفصيله بناء عليه حكم المسألة في التهنئة بزوجة أو ولد أو قدوم غائب أو عافية أو سلامة من مكروه ونحو ذلك . مما يدل على صحة هذا الأصل في حكم تهنئة الكفار , وأنه ليس تفصيلا مبتدعا ولا مبتورا عن أصول الدين .
ثانيا : تنبه أن ابن القيم لما نقل الاتفاق على تحريم التهنئة بأعياد الكفار الدينية علل ذلك بأنه يدل على التهنئة على الكفر , ومعنى ذلك أن هذا هو سبب التحريم عنده .
والحق أن هذا التعليل حتى لو لم يذكره ابن القيم للزم أن نذكره نحن دليلا لصحة قوله ؛ لأنه لا دليل على التحريم سواه أصلا , كما سبق !
وحينئذ أقول : لا يقول قائل إن قول المسلم للكافر في عيده الديني : ((أسعدك الله ومتعك بالعافية وهداك للتصديق بالإسلام)) فيه تهنئة له بالكفر ويدل على الرضا عن دينه . ولا يقول عاقل أيضا : إن هذه العبارات ليست تهنئة , فقد قال ابن القيم (الذي احتجوا بكلامه على مطلق التحريم) : ((إلا أن يقول أكرمك الله بالإسلام وأعزك به ونحو ذلك , فهذا في التهنئة بالأمور المشتركة)) .
ثالثا : تعليل ابن القيم بذلك التعليل يجعل التهنئة التي لا تدل على الرضا بالدين غير داخلة أصلا في كلامه , ولا فيما نقل الإجماع عليه .
وعليه : فيبقى النقاش بعد هذا التقرير حول عبارات التهنئة : هل يمكن أن لا تدل على الرضا عن الدين والتهنئة بالكفر ؟ أم لا يمكن فيها ذلك ؟ فإن أمكن , بنحو العبارات السابقة من التهنئة بالأمور المشتركة , بل المضموم إليها دعوته للإسلام , يكون ادعاء استحالة وجود تهنئة للكفار بأعيادهم لا تتضمن الرضا عن دينهم ادعاءً باطلا مخالفا للواقع , وهذا هو الواقع !
المصدر
تأصيل لبيان حكم تهنئة الكفار بأعيادهم
الشريف حاتم العوني حفظه الله
الأصل في حكم التعامل مع الكافر غير المعتدي هو الإحسان , كما في قوله تعالى{ لاَّ يَنْهَٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَٰتِلُوكُمْ فِى ٱلدّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مّن دِيَٰرِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُواْ إِلَيْهِمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } .
والبر هو الإحسان , والقسط هو العدل .
ومن لطيف التعبير في هذه الآية الكريمة : أنها جاءت بنفي النهي عن الإحسان والعدل , وليس بالأمر الصريح بهما ؛ لأن الله تعالى يعلم أن الفطرة السوية التي فطرها سبحانه تميل إلى حب الإحسان والعدل مع غير المعتدي , فالنفوس الصحيحة تميل إلى ذلك بغير حث ولا تشجيع , ويكفيها بيان عدم النهي عنه ورفع التأثيم عليه لتسعى إليه وتعمل به . فجاء التعبير بعدم النهي , اكتفاء بدلالة الفطرة على حب هذا الفعل الفاضل ! مع أن الآية لم تخل من حث على البر وترغيب في القسط , من اسميهما نفسه (البر) و(القسط) , فهذان الاسمان المتضمنان وصفي ثناء وحدهما يدلان على الترغيب فيهما . وكذلك ورد الترغيب في خاتمتها , في قوله تعالى {إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ} ؛ إذ أيُّ حث أعظم من بيان حب الله لفعل من الأفعال ؟! كما أن العدل قيمة ثابتة وواجب شرعي مع كل أحد , سواء أكان مسلما أو كافرا معتديا , فضلا عن غير المعتدي , كما قال تعالى{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } .
ومن هذا الأصل : الإحسان بالقول , ويدل عليه أيضا على وجه الخصوص قوله تعالى { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسَنًا} , وعبارة (للناس) تعم المسلم والكافر من الجنس البشري كله . فهذا أمر بالقول الحسن للناس كلهم , دون تخصيص .
ومما ورد عن السلف في هذا الباب :
ما أخرجه الإمام البخاري بإسناد حسن في (الأدب المفرد) عن عقبة بن عامر (رضي الله عنه) : ((أنه مر برجل هيئته هيئة مسلم , فسلم , فرد عليه : وعليك ورحمة الله وبركاته . فقال له الغلام : إنه نصراني , فقام عقبة , فتبعه , حتى أدركه , فقال : إن رحمة الله وبركاته على المؤمنين , لكن أطال الله حياتك وأكثر مالك وولدك)) .
فمع أنه (رضي الله عنه) أراد أن يعرف هذا النصراني أنه غير مستحق للرحمة المطلقة ولا للبركة التامة , إلا أنه دعا له بطول العمر وكثرة المال والولد !!
وهنا لقائل أن يقول ممن ضعف فقهه في هذه الأبواب : هذا فيه دعاء للكافر بالتقوي على الكفر ؛ فزيادة ماله وولده مما يقويه على المسلمين , وفيه أيضا دعاء للكافر بأن يطول عمره على عداوة الله ورسوله بشركه وتكذيبه !!
ولن أجيب عن هذه الاستشكالات الفارغة , ويكفيني هنا : أن هذا هو فقه أحد فقهاء الصحابة ممن نزلوا مصر وفقهوا أهلها , ألا وهو عقبة بن عامر (رضي الله عنه) !!!
ولم تنته دروس الصحابة (رضوان الله عليهم) إلى هذا الحد :
فقد أتبعه الإمام البخاري بأثر آخر صحيح عن فقيه الأمة ومفسرها عبدالله بن العباس رضي الله عنهما , من حديث سعيد بن جبير عنه أنه قال : ((لو قال لي فرعون : بارك الله فيك , لقلت : وفيك . وفرعون قد مات)) . [يعني إن ابن عباس يقول ذلك مع العلم بنهاية فرعون وأنه مات على الكفر] .
ففي هذا الأثر يستجيز ابن عباس (رضي الله عنهما) الدعاء لفرعون بالبركة , خلافا لعقبة بن عامر !! وواضح من إيراد الإمام البخاري للأثرين أحدهما عقب الآخر : أنه يريد أن يبين الاختلاف الواقع فيهما : بين مستجيز الدعاء بالبركة للكافر : وهو ابن عباس (رضي الله عنهما), وغير مستجيز : وهو عقبة بن عامر (رضي الله عنه)!
فهل هذا كله من تمييع الدين ؟!!
وهل كنا سنحترم هذا الاجتهاد الجليل فيما لو ذكرته دون ذكر الصحابة القائلين به ؟!
أما دعوى الإجماع على تحريم مطلق تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية فهي دعوى مستغربة , لعدم ورود نص فيها يلزم التسليم له حتى لو لم نعرف علته . فلا ورد في القرآن ولا جاء في السنة دليل خاص يدل على حرمة تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية , مما يدل على أن الإجماع المنقول إذا تحقق , فلا بد أن يكون مستندا إلى أصول شرعية عامة وقواعد يقينية معلومة , وليس حكما تعبديا لا نعرف له علة ولا حكمة .
ولذلك فإني أستغرب ممن يدعي الإجماع على تحريم مطلق التهنئة ولو بلفظ لا يدل على الرضا بالدين ، بل ربما كان صريحا بعدم الرضا ، كأن يهنئه المسلم شفاهة أو برسالة أو ببطاقة معايدة يكتب فيها : كل عام وأنت بخير ، وكم أتمنى أن تنعم بالإسلام ورحمته !
فأين هذه العبارة ونحوها من إيهام الرضا عن الدين ؟!!
وأعود مستغربا ممن يدعي تحقق الإجماع السكوتي في مسألة لا نص فيها كما سبق , نعم .. أستغرب ممن لا يقبل قول العالم إلا بدليل ، ويعدّ اجتهاده من غير استدلال اجتهادا مرفوضا ، ثم هو نفسه يقبل منه ما هو أشد من مجرد الاجتهاد بغير استدلال ، وهو أن يزعم الإجماع . فما أن يدعي هذا العالم الإجماع حتى يصبح اجتهاده ليس فقط مقبولا بغير استدلال ، بل يصبح اجتهادا لا تجوز مخالفته ، وبغير استدلال أيضا ؛ إلا من دعواه الإجماع !
فكيف يكون اجتهاد العالم مردودا بغير استدلال ، في حين أنه هو نفسه سيكون اجتهاده مقبولا وواجبا بل سيكون ملزما غيره مع أنه مازال اجتهادا بغير استدلال أيضا ، إلا من دعواه الإجماع ؟!
إن تحقيق الإجماع وإثبات حصوله كما أنه سياج مهم يحمي الشريعة من تطاول شطحات الاجتهاد ، خاصة عند شيوع الجهل واتخاذ الرؤوس الجهلاء . إلا أن السماح لدعاواه التي لا دليل عليها ، يفتح مجال التشريع بما لم يأذن به الله ، ويضيف إلى مصادر التشريع مصدرا لا علاقة له بالوحي ولا بمصادر التشريع المجمع عليها ؛ إلا من دعوى عدم العلم بالمخالف ، حتى في الأمر الذي ليس فيه نص ، ولا هو مما يستحيل عادة عدم نقل خلافه لو وقع ، ولا توجب غلبة الظن نقله في أقل تقدير .
وهنا في مسألة حكم تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية : أتمنى أن يذكر لي المتعصبون للتحريم سلفهم عليه من الصحابة والتابعين وتابعيهم , حتى ننظر هل هناك قول صحيح ومشتهر لهم في المسألة , مع عدم العلم بمخالفهم ؟
أعيد التحدي بصورة واضحة : بعد الاتفاق على عدم وجود نص صريح في الكتاب والسنة يدل على حرمة تهنئة الكفار بأعيادهم , هل هناك آثار عن الصحابة أو التابعين أو تابعيهم تدل على تحريم هذه التهنئة (لا على حضور الأعياد وشهودها , فهذه مسألة غير مسألة التهنئة) , تدل على شهرة هذه المسألة بينهم , مما يصح بعد عدم وجود المخالف أن ندعي الإجماع عليها .
أما المطالبة بإيجاد نص عن السلف بالإباحة مع عدم وجود نص عنهم على التحريم , فهو جهل بطرائق الاستدلال ؛ لأن على مدعي الإجماع البينة على دعواه , وإلا فستكون دعواه باطلة , وترجع المسألة بعد بطلان الإجماع إلى النصوص العامة وأصول الشريعة لاستخراج حكمها منها .
وهنا أنبه أنه لو كان هناك من حرم التهنئة من السلف , فمجرد الوجود لا يدل على حصول الإجماع ؛ فإن عدم العلم بوجود من أباحها لا يدل على عدم وجوده في الواقع (عدم العلم لا يدل على العدم) ، خاصة في مثل هذه المسألة ، التي تفتقر للنقل فيها لمن قال بالتحريم من السلف , والذي لا بد أن يكون نقلا يدل على شهرة هذا القول بينهم , حتى يمكن الاستدلال بعدم وجود المخالف على عدم وجوده , ظنا غالبا أو يقينا .
فللإجماع السكوتي شرط لصحة الاحتجاج به ، وهو غير متوفر في هذه المسألة ! فيكفيك ضعف النقل فيها في جانب التحريم الذي تدعي عليه الإجماع .
وأما كلام ابن القيم الذي جعله المتعصبون للتحريم دليلا لتعصبهم (لا لترجيحهم) فهو قوله في كتابه (أحكام أهل الذمة) :
((فصل في تهنئتهم
بزوجة أو ولد أو قدوم غائب أو عافية أو سلامة من مكروه ونحو ذلك , وقد اختلفت الرواية في ذلك عن أحمد , فأباحها مرة , ومنعها أخرى .
والكلام فيها كالكلام في التعزية والعيادة , ولا فرق بينهما .
ولكن ليحذر الوقوع فيما يقع فيه الجهال من الألفاظ التي تدل على رضاه بدينه , كما يقول أحدهم : متعك الله بدينك أو نيحك فيه , أو يقول له : أعزك الله أو أكرمك . إلا أن يقول : أكرمك الله بالإسلام , وأعزك به , ونحو ذلك , فهذا في التهنئة بالأمور المشتركة .
وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق , مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم , فيقول : عيد مبارك عليك , أو تهنأ بهذا العيد , ونحوه , فهذا إن سلم قائله من الكفر , فهو من المحرمات , وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب , بل ذلك أعظم إثما عند الله وأشد مقتا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه.
وكثير ممن لا قدر للدين عنده , يقع في ذلك , ولا يدري قبح ما فعل .
فمن هنأ عبدا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه .
وقد كان أهل الورع من اهل العلم يتجنبون تهنئة الظلمة بالولايات وتهنئة الجهال بمنصب القضاء والتدريس والإفتاء تجنبا لمقت الله وسقوطهم من عينه وإن بلي الرجل بذلك فتعاطاه دفعا لشر يتوقعه منهم فمشى إليهم ولم يقل إلا خيرا ودعا لهم بالتوفيق والتسديد فلا بأس بذلك وبالله التوفيق)) .
انتهى كلامه (رحمه الله) , وهو صحيح لا إشكال فيه , لمن وفقه الله في فهمه .
فأولا : تنبه لتفريق ابن القيم بين اللفظ الدال على الرضا بالدين والدال على عدم الرضا , وتفصيله بناء عليه حكم المسألة في التهنئة بزوجة أو ولد أو قدوم غائب أو عافية أو سلامة من مكروه ونحو ذلك . مما يدل على صحة هذا الأصل في حكم تهنئة الكفار , وأنه ليس تفصيلا مبتدعا ولا مبتورا عن أصول الدين .
ثانيا : تنبه أن ابن القيم لما نقل الاتفاق على تحريم التهنئة بأعياد الكفار الدينية علل ذلك بأنه يدل على التهنئة على الكفر , ومعنى ذلك أن هذا هو سبب التحريم عنده .
والحق أن هذا التعليل حتى لو لم يذكره ابن القيم للزم أن نذكره نحن دليلا لصحة قوله ؛ لأنه لا دليل على التحريم سواه أصلا , كما سبق !
وحينئذ أقول : لا يقول قائل إن قول المسلم للكافر في عيده الديني : ((أسعدك الله ومتعك بالعافية وهداك للتصديق بالإسلام)) فيه تهنئة له بالكفر ويدل على الرضا عن دينه . ولا يقول عاقل أيضا : إن هذه العبارات ليست تهنئة , فقد قال ابن القيم (الذي احتجوا بكلامه على مطلق التحريم) : ((إلا أن يقول أكرمك الله بالإسلام وأعزك به ونحو ذلك , فهذا في التهنئة بالأمور المشتركة)) .
ثالثا : تعليل ابن القيم بذلك التعليل يجعل التهنئة التي لا تدل على الرضا بالدين غير داخلة أصلا في كلامه , ولا فيما نقل الإجماع عليه .
وعليه : فيبقى النقاش بعد هذا التقرير حول عبارات التهنئة : هل يمكن أن لا تدل على الرضا عن الدين والتهنئة بالكفر ؟ أم لا يمكن فيها ذلك ؟ فإن أمكن , بنحو العبارات السابقة من التهنئة بالأمور المشتركة , بل المضموم إليها دعوته للإسلام , يكون ادعاء استحالة وجود تهنئة للكفار بأعيادهم لا تتضمن الرضا عن دينهم ادعاءً باطلا مخالفا للواقع , وهذا هو الواقع !
المصدر