Hukum Talak Bid'i dan Talak Sunni
Hukum Talak Bid'i (bid'ah) dan Talak Sunni (sunnah) menurut ulama empat madzhab.
Istilah talak sunnah bukan berarti talak yang disunnahkan, tapi maksudnya yang dibolehkan sebagai kebalikan dari talak yang diharamkan yang disebut dengan talak bid'ah atau bid'i.
Hukum Talak Bid'i (bid'ah) dan Talak Sunni (sunnah) menurut ulama empat madzhab.
Istilah talak sunnah bukan berarti talak yang disunnahkan, tapi maksudnya yang dibolehkan sebagai kebalikan dari talak yang diharamkan yang disebut dengan talak bid'ah atau bid'i.
الطلاق البدعي باعتبار الوقت [1/2
حسن بن غالب آل دائلة
مقدمة
مشروعية الطلاق وحكمه
أنواع الطلاق
الطلاق في زمن الحيض
الحكمة من تحريم الطلاق البدعي وقتا
مقدمة
الحمد لله واهب النعم، دافع النقم، هدانا من ضلالة، أغنانا من فقر، أعزنا من ذلة، رفعنا من وضيعة, نعمه علينا تترى، وإحسانه وإفضاله يتوالى.
أحمده سبحانه وأشكره ، ومن مساوئ عملي أستغفره، وأصلي وأسلم على خير البرية، وسيد البشرية، أفضل الخلق، ناصر الحق، تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
أما بعد:
فإن أشرف وأعلى وأجدر وأحرى ما يشتغل المسلم به عبادة الله تعالى، وأجلها قدراً وأعظمها نفعاً، وأكثرها بركة: العلم الشرعي، كيف لا؟ وهو الطريق الوحيدة لعبادة الله تعالى على بصيرة وهدى.
ومن هنا كان لزاماً على كل ذي لُبّ رام السعادة في الدارين، وتخليد عمله الصالح في العالمين: أن ينثر غبار الكسل، ويكسر أغلال وسلاسل الراحة والدعة والخلود إلى الأرض؛ لينطلق في رحاب العلم والعلماء تعلما وتعليما وتأليفا وتصنيفا، ولا ينتظر أبداً طريقا مفروشا بالورود، ووقتا للاستجمام والتنزه والراحة، كلا بل سهر بالليل، وتعب بالنهار، وإدامة نظر في المطولات، وتأمل في المختصرات ومراجعة المشايخ، ومراسلة العلماء، والذب عن الحق، وتعليم الخلق، وهكذا حتى يلق الله تعالى.
وفي هذا يقول يحيى بن أبي كثير رحمه الله (لا ينال العلم براحة الجسم).
ووالله إن الحاجة اليوم إلى العلم الشرعي لا سيما النوازل والمستجدات، وبخاصة في المعاملات وفقه الأسرة من أعظم الحاجات، إذ يتوقف على العلم بها تصحيح معاملات الناس وأنكحتهم، وإيجاد البدائل الشرعية الملائمة للتطور الهائل في كافة المجالات؛ لذا فإن عظم المسؤولية وثقل الواجب يزداد طردا مع هذه الحاجة.
فأين أنتم يا طلاب العلم؟!
إن لم تستعدوا وتنبروا لحل إشكالات الناس وتساؤلاتهم حول النوازل المتسارعة، والمسائل العصيبة الشائكة، فمن لهم؟!
أنتركهم هكذا يتخبطون دونما أحكام شرعية رصينة رزينة منبنية على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وإجماع الأمة والقياس الصحيح؟!!
وبعد:
فقد شرفني الله تعالى بالانضمام لهذه الكلية المباركة في برنامج الدكتوراه، ولا سيما مع نخبة من الزملاء والقضاة كان لهم الأثر وأعظمه في الإفادة والاستفادة والنفع والانتفاع، وقد أُضِيف إلى هذا الشرف شرفٌ آخر، وهو عناية الله بنا إذ وفقنا للتتلمذ في هذه المرحلة الحرجة الدقيقة التي تعد أعلى مراحل الدراسة الأكاديمية على نماذج فذة من علماء أفاضل، ومحققين محررين للعلوم، فتحوا لنا صدورهم للنقاش والحوار، وأمتعونا بدقائق الفنون، فجزاهم الله على ما قدموا خير الجزاء.
وكان منهم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ صالح بن غانم السدلان، وهو أشهر من نار على علم، نفعنا الله بعلومه، وقد وقع الاختيار على موضوع بعنوان" الطلاق البدعي باعتبار الوقت" وكنت بادئ ذي بدء أظن البحث فيه يسيراً، بناء على خلفيات سابقة، غير أن وراء الأكمة ما وراءها، وقد بذلت وسعي، واجتهدت طاقتي في تحصيل الحكم الشرعي لهذه المسألة. ولا أدعي كمالاً ولا قريبا منه، إنما جاءت بضاعة مزجاة فاقبلوها على عِلاّتها فإني أراكم من المحسنين، والله أسأل أن يكون هذا البحث باكورة بحوث أخرى في فقه الأسرة ومستجداتها ينتفع بها العباد والبلاد، وما ذلك على ربي بعزيز، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
تعريف الطلاق لغة:
الطلاق لغة: اسم بمعنى المصدر الذي هو التطليق، كالسلام بمعنى التسليم، وبالرجوع إلى كتب اللغة نجد أن كلمة الطلاق تدور حول التخلية وحل القيد والإرسال(1)، ومنه ناقة طالق أي مرسلة بلا قيد ترعى حيث تشاء ولا تمنع(2)، ومن المجاز طلقت المرأة فهي طالق وهُنّ طوالق(3)، قال ابن منظور طلاق النساء لمعنيين: الأول: عقد النكاح(4).
الثاني: الترك والإرسال.
تعريف الطلاق اصطلاحاً.
لقد تعرض الفقهاء عامة لتعريف الطلاق، ومن ذلك:
1- تعريف الحنفية (رفع القيد الثابت شرعا بالنكاح) (5).
2- تعريف المالكية (صفة حكمية ترفع حلية متعة الزوج بزوجته) موجباً تكررها مرتين للحر، ومرة لذي رقٍ حرمتها عليه قبل زوج) (6).
3- تعريف الشافعية (حل عقد النكاح بلفظ الطلاق ونحوه)، أو هو (تصرف مملوك للزوج يحدثه بلا سبب فيقطع النكاح) (7).
4- تعريف الحنابلة (حل قيد النكاح أو بعضه) (8).
وهي تعريفات متقاربة، غير أني أميل إلى تعريف الحنابلة لاختصاره، ووفائة بحالات المعرّف.
مشروعية الطلاق وحكمه
الطلاق ليس له حكم واحد فحسب، بل هو يدور مع الأحكام التكليفية الخمسة (الحرمة، والكراهة، والوجوب والندب والإباحة) بحسب القرائن المحتفة بالطلاق، ومن أمثلة ذلك:
(1) أنه يكون حراما في الطلاق، البدعي كطلاق الحائض والنفساء المدخول بهما، وسيأتي بإذن الله.
(2) ويكون واجبا في موضعين ذكرهما أكثر كتب المذاهب(9).
أ- الطلاق على المولي إذا أبى الفيئة بعد التربص أربعة أشهر وعشراً.
ب- طلاق الحكمين إذا رأيا الطلاق، قال تعالى:" وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما"(10).
فإذا رأى الحكمان أن لا سبيل إلا الإصلاح، وأن لا مفر من الطلاق وقرراه على الزوج وجب عليه ذلك.
(3) ويكون مكروها إذا وقع بغير حاجة، مع استقامة الحال وصلاح الحياة بينهما(11).
(4) ويكون مندوباً، إذا تضررت المرأة ببقاء النكاح، واحتاجت للخلع فيندب له طلاقها(12).
وقد مثل بعضهم بأن تكون المرأة غير عفيفة(13) بمقارفتها للزنا، وفي هذه الحالة لا يقال فقط باستحباب الطلاق، بل الأظهر وجوبه(14) لا سيما إذا كانت المرأة مستمرة على ارتكاب الفاحشة، إذ كيف نبقي معها زوجها ينسب إليه ما يأتي منها من ولد وقد يكون لغيره، وفي هذا من المفاسد العظيمة ما لا يعلم مداه إلا الله من فساد البيوت، واختلاط الأنساب، وفتح مجال لضعيفي الغيرة أن يستمروا على ضعفهم.
(5) ويكون مباحا في حالات منها: إذا كان لحاجة(15).
أنواع الطلاق
يتنوع الطلاق إلى أنواع مختلفة باعتبارات مختلفة، فتارة يقسم باعتبار وقت إيقاعه، وتارة باعتبار صيغته ولفظه، والذي يعنينا تقسيمه باعتبار وقته وعدده إلى نوعين(16).
الطلاق السني:
والمقصود به، ما جاءت السنة بإباحته لمن احتاج إليه، وليس المقصود (بالسني) أنه من الأفعال المسنونة أو المستحبة والتي يؤجر عليها الإنسان كلا(17)، بل سمي بهذا الاسم مقابل الطلاق البدعي، إذ السنة مقابل البدعة، والاتباع مقابل الابتداع.
إذاً هو ( الطلاق الذي يوافق أمر الله، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم) (18).
أما صفته ( أن يطلق الزوج زوجته طلقة واحدة، وهي طاهر من الحيض والنفاس، ولم يجامعها في ذلك الطهر).
وفي ذلك يقول تعالى:" يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن".
أي طاهراً من غير جماع كما نقل عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم.
ومنه أيضاً حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وسيأتي مفصلا بإذن الله في ثنايا البحث.
الطلاق البدعي:
هوالطلاق الذي نهى الشارع عنه(19)، وخالف فيه المطلق أمر الله تعالى، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم في إيقاعه. فقد أمر الله تعالى أن تطلق النساء بصفة مخصوصة (هي الطلاق السني) وما عداه يكون بدعيًّا.
والطلاق البدعي، إما بدعي باعتبار الوقت، وإما بدعي باعتبار العدد، والطلاق البدعي باعتبار الوقت إما أن يكون في زمن الحيض ومثله النفاس، وإما أن يكون في زمن الطهر الذي جامعها فيه(20).
قال الكاساني :" فطلاق البدعة نوعان: نوع يرجع إلى الوقت، ونوع يرجع إلى العدد، أما الذي يرجع إلى الوقت فنوعان أيضا، أحدهما الطلقة الواحدة الرجعية في حالة الحيض إذا كانت مدخولا بها، سواء كانت حرة أو أمة...." (21).
قال ابن عبد البر: " فإن طلقها في طهر جامعها فيه أو حائضا أو نفساء فهو طلاق بدعة"(22).
جاء في كشاف القناع: " وإن طلق المدخول بها في حيض أو نفاس، أو طهر أصابها فيه، ولو في آخره ولم يستبين حملها فهو طلاق بدعة محرم"(23).
الخلاصة: أن الطلاق البدعي نوعان:
[1] بدعة باعتبار الوقت، وفيه:
أ- طلاق المدخول بها وهي حائض.
ب- طلاق المدخول بها وهي نفساء.
ج- طلاق المدخول بها في طهر قد جامعها فيه.
[2] بدعة باعتبار العدد، وهو طلاق المرأة المدخول بها، أو غير المدخول بها أكثر من واحدة.
الطلاق في زمن الحيض
الحكم التكليفي للطلاق أثناء الحيض(24).
ذهب عامة فقهاء المذاهب(25) على أن طلاق المدخول بها في زمن الحيض طلاق بدعي محرم يأثم فاعله ما دام عالما بالحكم.
واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة منها:
[الدليل الأول]: قوله تعالى:" فطلقوهن لعدتهن"(26).
وجه الدلالة:
أن المقصود من قوله تعالى (لعدتهن) أي لاستقبال عدتهن(27) وقد ورد هذا التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما(28)، ووقت العدة هو الطهر الذي لم يمس فيه(29)، فمخالفة أمر الله بإيقاعه في الحيض يكون حراماً.
[الدليل الثاني]: ما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له:" مره فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء"(30).
وجه الدلالة:
من الحديث ظاهر، حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر بأن يأمر ابنه عبد الله بمراجعة زوجته، ثم يتركها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أبقاها عنده وإن شاء طلقها بشرط أن لا يمسها، فعلم أنه لا يجوز أن يطلق الزوج زوجته وهي حائض أو في طهر جامعها فيه، ثم قال في آخر الحديث (وتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء )، ومن طلق في زمن الحيض فقد خالف أمر الله(31) فيكون حراما.
وكذا جاء في بعض روايات هذا الحديث تغيظ النبي صلى الله عليه وسلم(32) وغضبه من فعل ابن عمر، وهو طلاق امرأته في زمن الحيض، فيكون حراما والله أعلم.
[الدليل الثالث]: الإجماع.
فقد أجمع العلماء على تحريم طلاق الحائض(33) التي قد دخل بها، والإجماع حجة شرعية يجب العمل بها.
الحكمة من تحريم الطلاق البدعي وقتا:
عندما تتبع مذاهب الفقهاء وكلام الأئمة رحمهم الله تجد أنهم يتفاوتون في تعليل الحكم بتحريم الطلاق البدعي من حيث الوقت (في أثناء الحيض أو النفاس أو طهر قد جامعها فيه).
ويمكن تلخيص وجهات نظرهم فيما يلي؟
القول الأول/ إن العلة تعبدية لا يعقل معناها.
وقال الإمام زفر(34) صاحب أبي حنيفة(35)، وبعض أصحاب مالك(36)، وأبو إسحاق(37) من الشافعية(38).
دليلهم/ منع الخلع في الحيض، إذ لو كان الحكم معللاً بتطويل العدة لجاز الخلع في الحيض؛ لأن الحق لها وقد رضيت بإسقاطه(39).
ويجاب عنه بأن كثيراً من العلماء قالوا بأن الخلع يقع في الحيض ولا يحرم، وعلّلوا بنفي الضرر على المرأة بتطويل العدة، وبهذا يكون القول بأن العلة تعبدية ضعيف، والله أعلم.
القول الثاني/ إن العلة معقولة المعنى وليست تعبدية، وقال به جماهير أهل العلم.
واختلفوا في تحديدها على أقوال:
[1] ذهب بعض أصحاب أبي حنيفة(40)، وأصحاب مالك(41) والشافعي(42) وأكثر أصحاب أحمد(43) إلى أن العلة في ذلك الإضرار الذي يحصل للزوجة المطلقة حيث تطول عليها العدة؛ لأن ما بقي من تلك الحيضة لا يعتد به، ولا يحسب من العدة، وقد نهى الله تعالى عن الإضرار بالمرأة بتطويل العدة عليها، قال تعالى:" وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا، ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزواً..." الآية(44).
وبالرجوع لكتب التفسير نرى أنهم ذكروا سبب نزول يؤيد ما ذهب إليه هؤلاء الفقهاء، فقد ذكر المفسرون أن هذه الآية نزلت بسبب أن الرجل في الجاهلية كان يطلق المرأة ثم يمهلها، فإذا شارفت انقضاء عدتها راجعها؛ لتطول العدة إضراراً بها، فنهى الله تعالى عن ذلك بهذه الآية(45).
[2] ذهب بعض أصحاب أبي حنيفة(46) وأبو الخطاب(47) من الحنابلة أن العلة في تحريم الطلاق أثناء الحيض، فيه من الإضرار بالرجل؛ لأن زمن الحيض زمان النفرة، فلعله يندم في زمان الطهر عند توقان النفس إلى الجماع.
الراجح:
والذي يترجح لي والله أعلم أن العلة معقولة المعنى، وتشمل كلتا العلتين.
[أثر هذا التعليل في الفروع الفقهية]:
كما كان تعليل تحريم طلاق الحائض هو الإضرار بالمرأة والرجل، فقد فرَّع فقهاء المذاهب لهذا التعليل آثاراً كثيرة منها:
1- فالحنفية لا يكرهون الخلع بالمال للحائض مع أنه طلاق عندهم، وكذا امرأة العنين لا يكره طلاقها في الحيض، وكذا ذكر ابن عابدين: حل ا لطلاق مطلقاً في الحيض إذا رضيت الزوجة به(48)الخ...
2- والمالكية يرون أنه لا يحرم الطلاق على المولي في الحيض إذا أحل الأجل ولم يفئ بكتاب الله، وأجبر على الرجعة بالسنة(49)، وكذا فسخ النكاح الفاسد الذي يفسخ قبل البناء وبعده كالخامسة والمتعة(50).
3- والشافعية يقولون: الحامل إذا حاضت فلا يحرم طلاقها؛ لأنّ عدتها بالوضع فلا تطويل عليها حينئذ، وكذا غير المدخول بها لو طلقها في الحيض لم يحرم طلاقها كذلك؛ لأنه لا عدة عليها(51).
4- أما الحنابلة فلا يرون بأسا بالخلع في الحيض، ولا الخلع في الضرر الذي أصابها فيه؛ لأن المنع من الطلاق إنما كان لأجل الضرر الذي يلحق المطلقة بطول العدة، والخلع لإزالة الضرر عنها لما يلحقها من سوء عشرته لها(52).
وكذا يتوجه إباحته أيضاً – يعني الطلاق وقت الحيض- حال الشقاق إذا رآه الحكمان(53) وغيرها كثير من الفروع الفقهية(54) استنبطت من المسألة السابقة.
(1) ينظر مختار الصحاح للرازي ص (396).
(2) ينظر لسان العرب لابن منظور (10/226) - ، القاموس المحيط للفيروز آبادي (1/1200).
(3) أساس البلاغة للزمخشري.
(4) لسان العرب لابن منظور، مادة (طلق) (10/226)– دار صادر، وكذا تاج العروس للزبيدي (6/427).
(5) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي(2/188).
(6) مواهب الجليل للحطاب (5/268)
(7) مغني المحتاج إلى معرفة المنهاج للشربيني (4/455)، الياقوت النفيس للسيد أحمد الشاطبي ص (140)
(8) حاشية الروض المربع لعبد الرحمن بن قاسم(6/482)، شرح منتهى الإرادات للبهوتي (3/73)
(9) ينظر المغني (10/323).
(10) سورة النساء آية (35).
(11) حاشية الروض المربع لابن قاسم (6/482).
(12) المنتهى (4/221)، كشاف القناع (4/205).
(13) المغني (10/324)، حاشية الروض المربع (6/485).
(14) الإنصاف مع الشرح الكبير (22/132)، مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (32/141).
(15) طلاق الثلاث بلفظ واحد ووقوعه، د/ شرف بن علي الشريف.
(16) هذا التقسيم مبثوث في أغلب كتب الفقهاء.
(17) ينظر: الطلاق البدعي، نورة عبد الله المطلق ص (25)– بتصرف-
(18) ينظر: طلاق الثلاث بلفظ واحد حكمه ووقوعه، د/ شرف بن علي الشريف ص(13). بالهامش.
(19) كشاف القناع (5/239).
(20) الطلاق السني والبدعي في الفقه الإسلامي، فهد الناصر ص (73).
(21) بدائع الصنائع (3/93).
(22) الكافي لابن عبد البر (2/ 572).
(23) كشاف القناع للبهوتي (5/240).
(24) وسأقتصر على هذه المسألة فحكمها ينسحب على طلاق النفساء، وطلاق المرأة في طهر قد جامعها فيه.
(25) ينظر للحنيفية: فتح القدير (3/329)، الفتاوى الهندية (1/ 349)، درر الحكام (1/ 359).
ينظر للماليكة: الشرح الصغير(1/448)، شرح الخرشي على مختصر خليل (4/28)، المنتقى(4/96).
وللشافعية: المهذب (2/80)، روضة الطالبين (8/3)، الحاوي الكبير (10/115).
وللحنابلة: المبدع (7/260)، الإنصاف (8/448)، كشاف القناع (5/241)، المغني (10/327).
(26) سورة الطلاق، آية (1).
(27) بدائع التفسير الجامع لتفسير ابن القيم، جمع: يسري السيد محمد 4/465 – دار ابن الجوزي، أضواء البيان لمحمد الأمين الشنقيطي (8/358).
(28) أخرجه النسائي في سننه، كتاب الطلاق، باب وقت الطلاق للعدة (6/139)، (140).
(29) تفسير القرآن العظيم لابن كثير(8/621) ، دار إحياء التراث.
(30) سيأتي تخريجه.
(31) ينظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر(9/ 262)، ( 263)، شرح النووي على صحيح مسلم
(10/60، 62) بتصرف.
(32) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها (10/64).
(33) المغني (10/324)، شرح النووي على مسلم (4/60).
(34) هو زفر بن الهذيل بن قيس العنبري البصري، ولد سنة (110 هـ)، وتوفي سنة (158 هـ)، قال عنه أبو حنيفة (زفر بن الهذيل إمام من أئمة المسلمين، وعلم من أعلامهم في شرفه، وحسبه، وعلمه)، قال ابن معين عنه (ثقة، مأمون)، قال الذهبي ( كان من بحور الفقه، وأذكياء الوقت، تفقّه بأبي حنيفة، وهو أكبر تلامذته...). [ طبقات الحنفية (1/534)، سير أعلام النبلاء للذهبي (8/39)].
(35) ينظر المبسوط للسرخسي (6/827).
(36) المنتقى شرح الموطأ (4/96).
(37) أبو إسحاق الإسفراييني، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران، كان يلقب بركن الدين، وهو شيخ خراسان كان ثقة في رواية الحديث، توفي سنة (418)هـ. [ ينظر الطبقات الكبرى للشافعية 4/256 ].
(38) ينظر المذهب للشيرازي (2/79).
(39) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (2/363).
(40) البحر الرائق (3/242)، الهداية (1/227)، الجوهرة النيرة (2/31).
(41) المقدمات المهمات (1/500)، شرح الخرشي على مختصر خليل (4/29).
(42) المهذب (2/80)، الحاوي الكبير (10/123).
(43) المغني (10/325)، الفروع (5/372).
(44) سورة البقرة، الآية (231).
(45) التفسير الكبير للرازي (6/110)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3/103)، فتح القدير للشوكاني (1/242)، تفسير البغوي (1/208)، تفسير ابن كثير (1/244).
(46) ينظر تبيين الحقائق (2/190).
(47) شرح الزركشي على مختصر الخرقي (5/378)، (الإنصاف 8/449)، تصحيح الفروع (5/371).
(48) البحر الرائق (3/260)، وحاشية ابن عابدين (3/34).
(49) الشرح الكبير (2/363).
(50) نفس المرجع والصفحة.
(51) نهاية المحتاج 7/هـ، تحفة المحتاج(8/78)، مغني المحتاج (4/497)، روضة الطالبين (8/4).
(52) المغني (7/247).
(53) الإنصاف للمرداوي (1/348).
(54) قد أخالف في بعض الفروع السابقة، ولكن لأنها ليست صلب البحث فأكتفي بهذه الإشارة.
*****
(2/2)
الحكم الوضعي للطلاق أثناء الحيض
وقوع الطلاق في زمن الحيض
عدم وقوع الطلاق
الخاتمة
الحكم الوضعي للطلاق أثناء الحيض.
هذه المسألة من المسائل الشائكة، والقضايا المهمة، بل هي من عضل المسائل، لذا قال ابن القيم عنها :( هذه المسألة الضيقة المعترك، الوعرة المسلك التي يتجاذب أعنة أدلتها الفرسان، وتتضاءل لدى صولتها شجاعة الشجعان) (1) وقد اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة على قولين:
القول الأول/ وقوع الطلاق في زمن الحيض.
وبه قال جماهير أهل العلم من الحنفية(2) والمالكية(3) والشافعية(4) والحنابلة(5) فأما مذهب الحنفية فقد جاء في بدائع الصنائع ( وأما حكم طلاق البدعة فهو أنه واقع ) (6) وأما مذهب المالكية فقد جاء في الفواكه الدواني".... فإن طلق في زمن حيضها عالماً به لزمه الطلاق وإن حرم عليه". (7)
وأما مذهب الشافعية فقد صرح الماوردي بوقوعه حيث قال: (..فمذهبنا أنه واقع وإن كان محرما). (8)
وأما مذهب الحنابلة فقد جاء في المغني ( إن طلق للبدعة..أثم، ووقع طلاقه في قول عامة أهل العلم). (9)
واستدلوا بأدلة كثيرة منها:-
[الدليل الأول]:
عموم أدلة الطلاق في القرآن، ومنها قوله تعالى: " الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"[البقرة:229] وقوله تعالى:" فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره)[البقرة:230] ، وقوله:" والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" [البقرة:288] وغيرها من آيات الطلاق.
وجه الدلالة:
أن هذه الآيات جاءت عامة لكل زوج طلق زوجته من غير تقييد بوقت دون وقت، ولا مطلقة أخرى، فدل على الوقوع في عموم الأوقات والأحوال، ولم يجد من النصوص ما يقيد إطلاق هذه الآيات، فوجب القول بوقوع الطلاق في الحيض والطهر الذي باشر امرأته فيه. (10)
ونوقش:
لا نسلم لكم دخول الطلاق البدعي في عمومات أدلة الطلاق، فالقول بهذا كالقول بدخول أنواع البيع المحرم في قوله تعالى (وأحل الله البيع) [البقرة:275] لشمول اسم البيع لها، وهذا ظاهر البطلان(11).
[الدليل الثاني]:
قوله تعالى: " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن" [الطلاق:1] أي مستقبلات للعدة، ووقت العدة هو الطهر الذي لم يمس امرأته فيه، فإذا طلقها في الحيض أو الطهر الذي مسها فيه يكون مخالفاً لأمر الله، فيكون مرتكبا للحرام، ثم قال بعد ذلك: "ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه"، وهذا دليل على أن من خالف طلاق العدة والحدود التي شرعها الله فقد ظلم نفسه، ولا يكون ظالما لنفسه إلا إذا وقع الطلاق، وإلا فأي معنى لكلام لا أثر له أن يكون محرماً وفيه ظلم لقائله(12).
ونوقش:
بأن هذا الاستدلال محل نظر، ولا يسلم لكم به؛ فالله تعالى قال: " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن"، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم _ المبين عن الله مراده من كلامه- أن الطلاق المشروع هو الطلاق في زمن الطهر الذي لم يجامع فيه، أو بعد استبانة الحمل، وما عداهما فليس بطلاق للعدة في حق المدخول بها، فلا يكون طلاقا، فكيف تحرم المرأة به(13).
وأما قوله تعالى:" ومن يتعد حدود لله فقد ظلم نفسه"[الطلاق:1] ، فصح أن من ظلم نفسه وتعدى حدود الله تعالى ففعله باطل مردود(14)، وإذا كان كذلك فلا يقع طلاق.
[الدليل الثالث]:
قوله تعالى" الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهن إلا اللائي ولدنهم، وإنهم ليقولون منكراً من القول وزوراً وإن الله لعفو غفور"[المجادلة:2].
وجه الدلالة من الآية:
أن الله تعالى سمى الظهار منكراً من القول وزوراً، ثم رتب عليه حكمه من الكفارة والتحريم، وهذا يدل على أن " الطلاق المحرم وهو في حال الحيض يترتب عليه حكمه إذا وقع"(15).
ونوقش من وجهين:
الوجه الأول: بأنّ قياس الطلاق البدعي على الظهار قياسٌ معارض بمثله معارضة القلب بأن يقال: تحريمه يمنع ترتب أثره عليه كالنكاح(16).
الوجه الثاني: هذا قياس مع الفارق، فالظهار كله محرم، بخلاف الطلاق، فهناك نوع محرم (الطلاق البدعي)، ونوع جائز الطلاق السني(17).
[الدليل الرابع]:
ما جاء في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما من الألفاظ الواضحة الدالة على الاعتداد بطلاقه لامرأته وهي حائض.
ومن تلك الألفاظ ما يلي:
(أ) عن نافع رحمه الله أنّ ابن عمر طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال (مره فليراجعها..) (18). والرجعة لا تكون إلا بعد طلاق، فهذا دليل على وقوعها.
ونوقشت هذه الرواية من قبل المانعين.
فهذا ابن القيم رحمه الله يقول:( إنّ المراجعة قد وقعت في كلام الله، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم على ثلاثة معان:
المعنى الأول: ابتداء النكاح، كما في قوله تعالى: " فإنْ طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله"[البقرة:230].
المعنى الثاني: الرد الحسي إلى الحالة التي كان عليها أولا، كقوله صلى الله عليه وسلم لأبي النعمان بن بشير لمّا نحل ابنه غلاما خصه به دون ولده (أرجعه) أي رده.
المعنى الثالث: الرجعة التي تكون بعد الطلاق، ولا يخفى أنَّ الاحتمال يوجب سقوط الاستدلال) (19)
(ب) في رواية أخرى عن ابن أبي ذئب عن نافع بلفظ: ( فأتى عمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فذكر ذلك له فجعلها واحدة) (20) وهذا اللفظ من أظهر ما يكون على وقوع الطلاق.
أما لفظة (وهي واحدة) في رواية ابن أبي ذئب.
فقد نوقشت بما يلي:
الوجه الأول: هل تجزمون بأن هذه اللفظة من في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! بل قد تكون من كلام من دونه، ولا حجة في كلام أحدٍ غيره عليه الصلاة والسلام، إذ هو المعصوم دونما سواه، قال ابن القيم رحمه الله :" وأما قوله في حديث ابن وهب عن ابن أبي ذئب في آخره" وهي واحدة"، فلعمر الله لو كانت هذه اللفظة من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما قدمنا عليها شيئا، ولصرنا إليها بأول وهلة، ولكن لا ندري أقالها ابن وهب من عنده؟ أم ابن أبي ذئب، أم نافع؟ فلا يجوز أن يضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لا يتيقن أنه من كلامه، ويشهد به عليه، وترتب عليه الأحكام، ويقال هذا من عند الله بالوهم والاحتمال). (21)
الوجه الثاني: على فرض التسليم بصحة رفع هذه اللفظة، فإن المعنى أنها واحدة أخطأ فيها ابن عمر. (22)
الوجه الثالث: أورد الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في كتابه" نظام الطلاق في الإسلام، اعتراضاً مفاده: أنّ الضمير في قوله (وهي واحدة) لا يعود على الطلقة التي في الحيض، بل يعود على الطلقة التي في الطهر الثاني من قبل العدة؛ لأنّها أقرب مذكور"(23).
(ج) عن سالم أن عبد الله بن عمر أخبره أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال (ليراجعها) (24) وزاد في روايته (قال ابن عمر: فراجعتها وحسبت لها التطليقة التي طلقتها) (25) وهذا ظاهر في وقوع الطلاق واحتسابه.
ونوقشت هذه الرواية من وجهين:
الوجه الأول: أنّ الذي يظنّ أنّها حسبت هو ابن عمر رضي الله عنهما، وقد يكون هذا رأيه في الطلاق البدعي، ولا حجة في قول أحد مع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
الوجه الثاني: أنّه ربّما يقصد الطلقة التي في الطهر الثاني في قُبُل العدة، لا التي في الحيض، ولما كان موجوداً فلا يستقيم الدليل على ما ذكرتم.
(د) عن يونس بن جبير قال: " قلت لابن عمر: رجل طلق امرأته وهي حائض؟، قال: تعرف ابن عمر؟! إنّ ابن عمر طلق امرأته وهي حائض، فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له، فأمره أن يراجعها، فإذا طهرت فأراد أنْ يطلقها فليطلقها. قلت: فهل عَدَّ ذلك طلاقاً؟ قال: أرأيت إنْ عجز واستحمق؟!"(26)
وفي رواية: ( قلت : أفحسبت عليه؟ قال: فمه، أو إن عجز واستحمق"(27)
وفي رواية ثالثة: " وما لي لا أعتد بها، وإن كنت عجزت واستحمقت"(28)
و في رواية رابعة، أنه سأل ابن عمر، فقال: كم طلقت امرأتك؟ فقال: واحدة"(29)
وهذا الحديث أيضاً دال على احتساب تلك الطلقة.
أما الرواية الأولى، فقوله: أرأيت إنْ عجز كما قال الخطابي(30) رحمه الله.
وأما الثانية فقد قال (فمه؟!) وهو استفهام إنكاري أيْ ولِمَ لا يعتد بها، قال ابن عبد البر (قول ابن عمر فمه، معناه: فأي شيء يكون إذا لم يعتد بها إنكاراً لقول السائل أيعتد بها، فكأنه قال: وهل من ذلك بُد) (31)
والثالثة والرابعة صريحة في احتسابها.
ونوقشت بأن هذه الألفاظ ليست صريحة في وقوع الطلاق، فهل نأخذ بها وندع الألفاظ الصريحة في عدم الوقوع عن ابن عمر رضي الله عنهما، فقد صح عنه بإسناد كالشمس من رواية عبيد الله عن نافع عنه في الرجل يطلق امرأته وهي حائض، قال" لا يعتد بذلك"(32).
(هـ) عن الشعبي قال:" طلق ابن عمر امرأته واحدة وهي حائض، فانطلق عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأمره أن يراجعها، ثم يستقبل الطلاق في عدتها، وتحتسب التطليقة التي طلق أول مرة"(33) .
وهذا ظاهر الدلالة في وقوع طلاق الحائض.
ونوقشت هذه الرواية بأنها جاءت مبنية للمجهول، فمن الذي احتسب هذه الطلقة قد يكون ابن عمر تورعاً، أو غيره من فقهاء الصحابة، ولكن هل تقطعون بأنّ من حسبها عليه المعصوم صلى الله عليه وسلم؟! إنْ أتيتم بما يقطع بذلك أخذنا به وإلا فلا.
قال ابن القيم :" والله يشهد- وكفى بالله شهيداً- أنّا لو تيقنّا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي حسبها عليه لم نتعد ذلك، ولم نذهب إلى سواه"(34)
(و) أخرج الدار قطني من طريق يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب إسحاق جميعاً عن نافع ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (هي واحدة) (35).
قال ابن حجر (هذا نص في موضع الخلاف، فيجب المصير إليه) (36) وقد تقدم نقاش مثلها.
[الدليل الخامس]:
الأثران اللذان رويا عن عثمان بن عفان، وزيد بن ثابت رضي الله عنهما في وقوع طلاق الحائض، فقد جاء:
أ- أن عثمان رضي الله عنه كان يقضي في المرأة يطلقها زوجها وهي حائض أنها لا تعتد بحيضتها تلك، وتعتد بعدها بثلاثة قروء(37).
ب- وروي عن زيد رضي الله عنه أنه قال فيمن طلق زوجته وهي حائض لا يلزمه الطلاق، وتعتد بثلاث حيض سوى ذلك(38).
وهذان الأثران ظاهران في إيقاع طلاق الحائض، ولا يعرف لها مخالف فيكون إجماعاً.
نوقش هذان الأثران بأنهما ساقطان ضعيفان كما ذكر ذلك ابن حزم في المحلى(39) ثم لا عبرة بقول أحد غير الإجماع إلا في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يكون هذان الأثران حجة علينا، والله أعلم.
[الدليل السادس]: الإجماع على ذلك.
قال ابن قدامة:" فالطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه أجمع العلماء في جميع الأمصار وكل الأعصار على تحريمه، ويُسمى طلاق البدعة، لأنّ المطلق خالف السنة، وترك أمر الله تعالى ورسوله"(40) .
وجاء عن السبكي أيضاً نقل الإجماع(41) ، والإجماع حُجّة شرعية ملزمة.
ونوقش/ بأن قال المانعون، لا نسلم لكم بانعقاد الإجماع على الوقوع، قال ابن حزم "ادعى بعض القائلين بهذا أنّه إجماع، وقد كذب مدّعي ذلك؛ لأنَّ الخلاف في ذلك موجود" (42)
وقال ابن القيم :"فإن الخلاف في وقوع الطلاق المحرم لم يزل ثابتاً بين السلف والخلف، وقد وهم من ادعى الإجماع على وقوعه" (43).
[الدليل السابع]: القياس.
حيث قالوا: كما أن الظهار يترتب أثره وهو تحريم الزوجة حتى يكفّر، مع أنه محرم.
فكذا الطلاق البدعي محرم، وتترتب عليه آثاره حتى يراجع، ولا فرق بينهما(44) .
ونوقش بأن القياس مع الفارق كما تقدم سابقاً، وكذا القياس مقابل النص فاسد الاعتبار.
[الدليل الثامن]: تعليلات وبراهين من العقل، تدل على وقوع الطلاق، منها:
(1) أن الطلاق ليس قربة، فيعتبر لوقوعه موافقة السنة، بل هو إزالة عصمة وقطع ملك، فإيقاعه في زمن البدعة أولى تغليظاً عليه، وعقوبة له(45) .
(2) أن الزوج يحتاط لها، والاحتياط يقتضي وقوع الطلاق، وتجديد الرجعة والعقد(46)
(3) أن مذهب ابن عمر رضي الله عنهما الاعتداد بهذا الطلاق الذي وقع في وقت الحيض، وهو صاحب القصة وأعلم بها من غيره، وابن عمر مَنْ؟!
في اتباع السنة والتحرّج من مخالفتها(47)
(4) هذا طلاق صادر من أهله وهو الزوج فيقع(48) .
(5) أنّ الطلاق إزالة ملك مبني على التغليب والسراية، فوجب أن ينفذ في حال الطهر والحيض كالعتق(49) .
ونوقش بأنها تعليلات لا تنهض أمام النصوص ولا تقاومها، ومع هذا سنجيب عنها ونفندها.
(1) يلزم الطلاق من المطيع لله تعالى المتبع لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لما له من قصد صحيح إلى ذلك، وأنه لا يلحقه الضرر بذلك، وكذلك المرأة، أما العاصي الموقع للطلاق البدعي فقد حصل به الضرر على المرأة وربما عليه أو الولد، فحرم الشرع هذا الطلاق منعاً لهذا الضرر لها تخفيفاً عن المعاصي(50).
(2) نعم نحن احتطنا وأبقينا الزوجين على يقين النكاح حتى يأتي ما يزيله بيقين، فإذا أخطأنا فخطؤنا في جهة واحدة، وإن أصبنا فصوابنا في جهتين جهة الزوج الأول وجهة الثاني) (51)
(3) العبرة بما روى الراوي لا بما رأى، فالحجة في كلام محمد صلى الله عليه وسلم لا غيره مهما علا قدره ما لم يكن إجماعاً.
(4) يقع لو أنَّ الشروط متوفرة والموانع منتفية، وأما إذا انتقض أحدها فلا، أرأيتم طلاق النائم لا يقع مع أنه صادر من الزوج!!
(5) قياس الطلاق على العتق هو قياس مع الفارق؛ فالطلاق يبغضه الشرع والعتق يحبه الشرع ويدعو إليه، فالقياس إذاً لا يصح.
القول الثاني/ عدم وقوع الطلاق.
هو مذهب أهل الظاهر(52)، وطائفة من أصحاب أبي حنيفة(53)، والقاضي أبي بكر من المالكية، وابن عقيل من الحنابلة(54)، وهو مذهب بعض الصحابة والتابعين، فقد روي ذلك عن عمر(55)، وابن عباس(56) وابن عمر(57)وطاووس وخلاس(58) وسعيد بن المسيب (59)، وجعفر الصادق(60)، ثم قال به:
محمد بن عبد السلام الخشني(61) وشيخ الإسلام ابن تيمية(62)، وابن القيم(63) ومحمد بن إبراهيم الوزير(64) والصنعاني(65) والشوكاني(66) ومن المعاصرين العلامة أحمد شاكر(67)، وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز(68) والعلامة عبد الرازق عفيفي(69) رحمهم الله تعالى جميعاً.
وقد استدلّوا بأدلة كثيرة منها:
[الدليل الأول]:
قوله تعالى " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن"[الطلاق:1] فقد أمر الله تعالى أن تطلق النساء للعدة، يعني وهن مستقبلات للعدة كما تقدم، وهذا لا يكون إلاّ في طهر لم يجامعها فيه، وقد فسر ابن عباس الآية بأن لا يطلقها وهي حائض، أو في طهر جامعها فيه(70).
والمطلق في حال الحيض أو في حال الطهر الذي وطئ فيه لم يطلق للعدة التي أمر الله بتطليق النساء لها، وقد تقرر في الأصول: أنَّ الأمر بالشيء نهي عن ضدّه، والمنهي عنه لذاته أو لجزئه أو لوصفه القائم به يقتضي الفساد، والفاسد لا يثبت حكمه(71).
ونوقش/ هذا الاستدلال من عدة أوجه:
[الوجه الأول]:
الآية ليس فيها دلالة على عدم وقوع الطلاق البدعي، بل غاية فيه النهي عن طلاق النساء لغير عدتهن، ولا يلزم من ذلك الوقوع ولا عدمه، وهذا يتضح بالوجه الثاني.
[الوجه الثاني]:
قولكم إنّ الأمر بالشيء نهي عن ضده، والنهي عن الشيء يقتضي فساد المنهي عنه، فإننا نقول لكم؟ هل هذه القاعدة محل اتفاق حتى تلزمونا بها، أم هي محل خلاف ونزاع بين العلماء؟! ثم إن مجال تطبيق القاعدة عند القائلين بها محل خلاف طويل بينهم.
ومن أقوى الأقوال في مجال تطبيقها أن النهي يقتضي الفساد إذا عاد النهي لذات المنهي عنه أو شرطه، أو يقال: إنما يقتضي النهي الفساد إذا كان المنهي عنه لحق من حقوق الله تعالى.
أما أذا كان لحق آدمي فلا يقتضي الفساد، قال ابن رجب ( ومنها- أي ومما نهى عنه لحق من حقوق آدمي- الطلاق المنهي عنه، كالطلاق في زمن الحيض فإنه قد قيل إنه قد نهي عنه لحق الزوج، حيث كان يخشى عليه أن يصيبه ندم ... وقيل إنما نهي عن طلاق الحائض لحق المرأة لما فيه من الإضرار بها بتطويل العدة) (72).
وعلى كلا القولين فإن النهي كان لحق آدمي فلا يقتضي الفساد، وإن كان كذلك لم يدل على عدم وقوع الطلاق. وبالله التوفيق.
[الدليل الثاني]:
قوله تعالى :"فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"[البقرة:129].
وجه الدلالة:
إن الأمر بالتسريح إنما هو بإحسان، ولا أشر من التسريح الذي حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وموجب عقد النكاح أحد أمرين:
إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، أما التسريح المحرم فهو أمر لا عبرة به ألبته(73).
ونوقش هذا الاستدلال:
لا يلزم من ذلك عدم الاعتداد به؛ إذ ليس كل قول وعمل خالف فيه المكلف أمر الشارع يكون غيره معتد به، بل هناك كثير من التصرفات يخالف فيها المكلف أمر الشارع ويعتد به كالظهار والقذف، وحال الطلاق البدعي حالهما.
[الدليل الثالث]:
حديث عائشة مرفوعا " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ"(74).
فهذا حديث صحيح شامل عام لا تخصيص فيه برد ما خالف أمر الشارع وإبطاله وإلغائه. والطلاق في زمن الحيض طلاق محرم ليس عليه أمر الشارع، فيكون مردوداً باطلا، فكيف يقال: إنه صحيح نافذ، فأين هذا من الحكم برده؟!(75).
ونوقش بمثل ما نوقش به الدليل الثاني، من أنه لا يلزم من ذلك عدم الاعتداد به.
[الدليل الرابع]:
عن أبي الزبير(76) أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عزة يسأل ابن عمر، وأبو الزبير يسمع، قال:" كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضاً؟ قال: طلق عبد الله بن عمر امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر رسول الله فقال: إن عبد الله طلق امرأته وهي حائض؟ قال عبد الله/ فرد عليّ ولم يرها شيئاً,...) (77).
وجه الدلالة؟
قوله (ولم يرها شيئاً) ظاهر في عدم وقوع الطلاق، إذ المراد ولم ير تلك الطلقة شيئا، ولا يمكن توجيه معناه إلى غير ذلك.
قال ابن القيم :" قالوا: وهذا إسناد غاية في الحسن، فإن أبا الزبير غير مدفوع عن الحفظ والثقة، وإنما يخشى من تدليسه، فإذا قال سمعت أو حدثني زال محذور التدليس، وزالت العلة المتوهمة"(78).
وقال ابن حجر عن هذا الحديث (وإسناده على شرط مسلم) (79).
وقد نوقش الدليل من وجهين:
[الوجه الأول]:
لا نسلم لكم بصحة الحديث، بل هو ضعيف، وقد حكى هذا جماعة كبيرة من أهل العلم، ومن ذلك:-
1- قال أبو داود رحمه الله بعد أن ساق الحديث في سننه، قال: ( والأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير) (80).
2- قال الشافعي رحمه الله: " ونافع أثبت عن ابن عمر من أبي الزبير، والأثبت من الحديثين أولى أن يقال به إذا خالفه، وقد وافق نافعا غيره من أهل التثبيت في الحديث"(81).
3- قال الخطابي رحمه الله " حديث يونس بن جبير أثبت من هذا – يعني قوله: " مره فليراجعها، وقوله: أرأيت إن عجز واستحمق فمه؟"(82).
4- قال ابن عبد البر رحمه الله " قوله: ولم يرها شيئاً منكر لم يقله عنه غير أبي الزبير...، وليس بحجة فيما خالفه فيه مثله، فكيف بمن هو أثبت منه؟!!"(83).
[الوجه الثاني]:
لو سلمنا لكم صحة هذه اللفظة في الحديث إلا أنها ليست صريحة في عدم إيقاع الطلاق.
قال الخطابي رحمه الله:" وقد يحتمل أن يكون معناه: أنه لم يره شيئا بأن تحرم معه المراجعة ولا تحل له إلا بعد زوج، أو لم يره شيئا جائزاً في السنة ماضياً في حكم الاختيار، وإن كان لازما على سبيل الكراهة، والله أعلم"(84).
قال ابن عبد البر رحمه الله: " ولو صح – يعني حديث أبي الزبير- لكان معناه عندي _ والله أعلم- : ولم يرها على استقامة، أي ولم يرها شيئاً مستقيماً؛ لأنه لم يكن طلاقه لها على سنة الله وسنة رسوله، وهذا أولى المعاني بهذه اللفظة إن صحت".
قال ابن حجر رحمه الله:" هو – يعني هذا التأويل جمعا بين الروايات- أولى من إلغاء الصريح في قول ابن عمر رضي الله عنه :" إنها حُسِبَت عليّ بتطليقة، وهذا الجمع الذي ذكره ابن عبد البر وغيره يتعيّن، وهو أولى من تغليظ بعض الثقات".
وبهذا يظهر لنا أنَّ جماهير الفقهاء يقفون إزاء حديث أبي الزبير موقفين:
أولاً- موقف المضعف للحديث لشذوذه عن الروايات الصحيحة.
ثانياً- موقف المؤول للفظة الحديث (لم يره شيئاً) إلى غير الظاهر منها. وبهذين الموقفين، استمروا على القول بعدم إيقاع الطلاق.
[الدليل الخامس]:
استدل المانعون من إيقاع الطلاق على الحائض، أيضاً ببعض الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ومن ذلك:
ما صح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال في رجل طلق امرأته وهي حائض" لا تعتد بذلك" (85).
وهذه الفتوى من ابن عمر رضي الله عنهما صريحة في عدم الاعتداد بطلاق الحائض، وقد عرف ابن عمر رضي الله عنهما بشدة تمسكه بإتباع السنة، ولا يتصور منه مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم، ويفيد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتسب طلقة ابن عمر، إذ لو احتسبها لم يفتِ ابن عمر بخلاف ذلك.
ونوقش هذا بأن فتوى ابن عمر رضي الله عنهما لم تكن في مسألة الطلاق في وقت الحيض، وإنما في مسألة اعتداد المرأة المطلقة بتلك الحيضة، وإذا اختلفت المسألتان فلا نقول إن ابن عمر خالف النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبهذا يسقط استدلالكم المتقدم.
قال ابن حجر:" واحتج بعض من ذهب إلى أن الطلاق – يعني في الحيض- لا يقع ما رُوي عن الشعبي قال: إذا طلق الرجل امرأته وهي حائض لم تعتد بها في قول ابن عمر"، قال ابن عبد البر: وليس معناه ما ذهب إليه، وإنما معناه: لم تعتد المرأة بتلك الحيضة في العدة" (86).
ثم ذكر الحافظ عقبه أثر ابن عمر المتقدم، وقال:" والجواب:" عنه مثله" (87) ، يعني: لم تعتد المرأة المطلقة بتلك الحيضة.
قال الألباني رحمه الله:" والطرق بهذا المعنى عن ابن عمر كثيرة كما تقدم، فإن حملت رواية عبيد الله الأولى ( يعني قوله: لا تعتد بتلك الحيضة) على عدم الاعتداد أو بطلاق الحائض تناقضت مع هذه روايته هذه، [ يعني قوله: وكان تطليقه إياها في الحيض واحدة، غير أنه خالف السنة]. والروايات الأخرى عن ابن عمر، ونتيجة ذلك: أنَّ ابن عمر هو المتناقض، والأصل في مثله عدم التناقض، فحينئذٍ لا بدّ من التوفيق بين الروايتين لرفع التناقض، والتوفيق ما سبق في كلام ابن عبد البر، ودعمناه برواية ابن أبي شيبة، وإنْ لم يمكن فلا مناص من الترجيح بالكثرة والقوة، وهذا ظاهر في رواية عبيد الله الثانية, ولكن لا داعي للترجيح، فالتوفيق ظاهر والحمد لله" (88).
وبهذا يتبين أنَّ جماهير العلماء لم يسلموا للمانعين استدلالهم بفتوى ابن عمر، وجعلوها في غير مسألتنا جمعاً بين الروايات.
[الدليل السادس]:
استدلوا رحمهم الله بتعليلات وقياسات كثيرة منها:
(1) أنّ النكاح المتيقن لا يزول إلا بطلاق متيقن مثله من كتاب أو سنة أو إجماع (89) ، وطلاق الحائض غير متيقن، فنبقى على الأصل وهو استمرار عقد الزوجية.
ونوقش/بأنّ الأدلة على وقوع الطلاق في الحيض، وإنْ كانت ظنية إلاّ أنّ الإجماع منذ عهد الصحابة والتابعين حتى الآن انعقد على ذلك، والإجماع دليل يقيني، فثبت أنّ وقوع الطلاق البدعي يستند على دليل يقيني (90).
(2) إنّ الطلاق لما كان منقسما إلى حلال وحرام كان قياس قواعد الشرع: أنَّ حرامه باطل غير معتد به، كالنكاح وسائر العقود التي تنقسم إلى حلال وحرام (91).
ونوقش/ بأن هذه القاعدة ليست على إطلاقها، وغير مسلمة بكل حال.
(3) قالوا: إذا النكاح المنهي عنه لا يصح؛ لأجل النهي، فما الفرق بينه وبين الطلاق؟ وكيف أبطلتم ما نهى الله عنه من النكاح، وصححتم ما حرمه ونهى عنه من الطلاق، والنهي يقتضي البطلان في الموضعين (92).
ونوقش/ بأن بين النكاح المحرم والطلاق المحرم فرقاً ظاهراً، فالنكاح عقد يتضمن حل الزوجة وملك بضعها، فلا يكون إلا على الوجه المأذون فيه شرعا، فإن الانصياع في الأصل على التحريم، ولا يباح إلا ما أباحه الشارع بخلاف الطلاق فإنه إسقاط لحقّه، وإزالة لملكه وذلك لا يتوقف على كون السبب المزيل مأذوناً له فيه شرعاً كما يزول ملكه على العين بالإتلاف المحرم، وبالإقرار الكاذب، والتبرع المحرم، كهبتها لمن يعلم أنّه يستعين بها على المعاصي والآثام (93).
الترجيح:
بعد أن يتأمل الباحث مليّا في أدلة القولين، وما أورد عليها من مناقشات وأجوبة، يرى أنّ القولين جدُّ قويّان ومتكافئان إلى حد كبير، فمع كلًّ منهما نصوص وروايات صريحة غير صحيحة، أو نصوص وروايات صحيحة غير صريحة، ومع كل منهما تعليلات وأقيسة وأدلة من المعقول والمعنى.
والمرجح القوي في نظري هو البحث الدقيق، والتحقيق في روايات حديث ابن عمر، وهل أوقع النبي صلى الله عليه وسلم الطلاق واحتسبه أم لا؟ فإن ثبت أنه أوقع الطلاق واحتسبه على ابن عمر طلقه فالطلاق البدعي يقع، ولا عبرة بكل الأقيسة والمعلومات والتعليلات لصراحة النص وصحته.
وإن ثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يوقع الطلاق ولم يحتسبه طلقة، فالطلاق البدعي لا يقع، ولا عبرة بالعمومات ولا الأقيسة والتعليلات للصحة والصراحة.
والمسألة تحتاج إلى مزيد بحث ونظر.
وقد جنح بعض الباحثين المعاصرين (94) إلى ترجيح قول المانعين من إيقاع الطلاق البدعي، وذكر توجيهات كثيرة منها (95).
(1) إنّ الرجوع إلى مقاصد الشريعة في الطلاق يقوي ويعضد وجهة المانعين من الوقوع، فالشريعة على أنها أباحت الطلاق فهي تبغضه وتعده من أبغض المباحات، وهي لم تقصد إلى التوسع فيه والإكثار منه، فضبطته بأن يكون واحدة في طهر لم يجامعها فيه، لا في حيض، ولا في نفاس، ولا في طهر قد جامعها فيه قبل أن يتبين الحمل؛ لتضييق دائرته، والتقليل منه، بل الشريعة تتشوف إلى الإبقاء على النكاح المشتمل على مصالح كثيرة من إعفاف الرجل والمرأة، والحفاظ على البيوت والأولاد.
(2) إن الورع والاحتياط أن لا تحرم على المسلم امرأته التي نحن على يقين من صحة نكاحها، وشك من وقوع طلاقها فنبقى على اليقين.
(3) إن الشارع لم يوقع طلاق الثلاث ثلاثاً، بل كان يحتسبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم واحدة، وإنما أمضاه عمر وجعله ثلاثاً من باب السياسة الشرعية، كما ذكر ابن القيم، وهذا يدلنا أن الطلاق البدعي لا يقع في الأصل، وإلا لأوقعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثاً.
فإذا استقر أنّ نوعا من الطلاق البدعي على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يعتد به فكذلك بقية أنواعه. والعلم عند الله تعالى.
الخاتمة
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاما على عبده الذي اقتفى، نبينا وقدوتنا وسيدنا وحبيبنا، وقرة أعيننا: محمد بن عبد الله، صلوات الله وسلامه عليه صلاة وسلاما دائمين سرمديين إلى يوم الدين، أما بعد:
فإني في خاتمة بحثي هذا أشكر الله وليّ النعم، ومسبغها علينا، ثم أثني بالشكر لفضيلة شيخنا على ما بذله ويبذله من نصائح وإرشادات وتوجيهات، بل لقد كان الأب الحنون والصدر الرحب، فيتقبل الحوار والنقاش للوصول للهدف الذي ينشده الجميع وهو الحق.
وقد خلصت في بحثي هذا إلى عدة نتائج منها:
1- إن الطلاق السني هو طلاق الحامل، أو طلاق المرأة في طهر لم تجامع فيه.
2- إن الطلاق البدعي أنواع كثيرة باعتبار الوقت والعدد وغيرهما.
ومنها طلاق المدخول بها وهي حائض، أو النفساء، أو في طهر قد جامعها فيه.
3- إن الطلاق البدعي محرم، ويأثم الواقع فيه، وعليه التوبة النصوح.
4- أما الحكم الوضعي للطلاق البدعي فالمسألة محل خلاف قويّ جداً، وأنا متوقف في المسألة لقوة مأخذ الفريقين، والمسألة تحتاج زيادة بحث حديثي.
5- إن الحكمة من تحريم الطلاق البدعي باعتبار الوقت هو الإضرار بالزوج والزوجة معاً على ما مر تفصيله في ثنايا البحث.
والله أسأل أن يجعل ما كتب في موازين الحسنات، وأن يمحو به الخطيئات، وأن يرفعنا به درجات. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
(1) زاد المعاد (5/220).
(2) فتح القدير (3/468)، المبسوط (6/57)، الفتاوى الهندية (1/349)، بدائع الصنائع(3/96).
(3) الفواكه الدواني (2/33)، مختصر خليل مع شرح الخرشي (4/28)، منح الجليل (4/36)، المدونة (4/89)، المنتقي (4/98)، مواهب الجليل (4/39).
(4) الأم (5/193)،المهذب (2/79) الوسيط(5/361)، شرح النووي على صحيح مسلم(10/60).
(5) المغني (7/279)، الفروع (5/370)، الإنصاف (8/448)، كشاف القناع (3/79).
(6) بدائع الصنائع للكاساني (3/96).
(7) الفواكه الدواني على رسالة أبي زيد القيرواني للنفراوي (2/33).
(8) الحاوي للماوردي (10/115).
(9) المغني لابن قدامة (7/279).
(10) زاد المعاد لابن القيم (4/91)، وينظر المنتقى للباجي (4/98)، والأم (8/661).
(11) زاد المعاد (5/214)بتصرف.
(12) ينظر: كتاب مدى حرية الزوجين في الطلاق (1/419).
(13) زاد المعاد (5/225).
(14) المحلى لابن حزم (9/367) .
(15) أحكام القرآن لابن العربي (4/160).
(16) زاد المعاد (5/238) ، (239).
(17) المرجع السابق، نفس الصفحة، بتصرف.
(18) أخرجه البخاري في صحيحه (5/2011) كتاب الطلاق، باب قول الله تعالى " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن". برقم (4953) واللفظ به، ومسلم في صحيحه (2/1093) كتاب الطلاق باب: طلاق الحائض بغير رضاها..." برقم (1471).
(19) زاد المعاد (5/208)، وكذا ينظر نيل الأوطار للشوكاني (6/28- 229).
(20) أخرجه الدار قطني في سننه (4/9) كتاب الطلاق والخلع والإيلاء، برقم (24)، والطيالسي في مسنده (1/13)، برقم (68) قال عنه الألباني رحمه الله في إرواء الغليل (إسناده صحيح على شرط الشيخين).
(21) زاد المعاد (5/327).
(22) فتح الباري (9/438) .
(23) نظام الطلاق في الإسلام للشيخ أحمد شاكر ص (22).
(24) أخرجه البخاري في صحيحه (4/1864) كتاب التفسير، باب تفسير سورة الطلاق، برقم (4625)واللفظ له، ومسلم في صحيحه (2/1095) كتاب الطلاق، باب: ( تحريم طلاق الحائض...) برقم (1471)
(25) أخرجه مسلم في صحيحه (2/1095) كتاب الطلاق، باب (تحريم طلاق الحائض...)برقم (1471).
(26) أخرجه البخاري في صحيحه (5/2013) كتاب الطلاق، باب:" من طلق، وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق)، برقم (4958) واللفظ له. ومسلم في صحيحه (2/1096)، كتاب الطلاق، باب:" تحريم طلاق الحائض... برقم (1471).
(27) صحيح مسلم (2/1095).
(28) سنن الدارقطني (9/4) كتاب الطلاق والخلع والإيلاء....، برقم (18).
(29) أخرجه أبو داود في سننه (255/2) كتاب الطلاق، باب: (في طلاق السنة)، برقم (2183).
(30) فتح الباري (9/437).
(31) المرجع السابق.
(32) ينظر فتح الباري (9/437).
(33) أخرجه الدار قطني في سننه (4/11) كتاب الطلاق والخلع والإيلاء، برقم (30) وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/326)، كتاب الخلع والطلاق، باب: الطلاق يقع على الحائض برقم (14692) قال الألباني رحمه الله (وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات على شرط الشيخين) إرواء الغليل (7/131).
(34) زاد المعاد (5/237).
(35) سبق تخريجه بلفظ مقارب.
(36) فتح الباري (9/266).
(37) المحلى(9/382).
(38) المحلى (9/377).
(39) المحلى(9/377).
(40) المغني(7/97).
(41) الدرة المضيئة في الرد على ابن تيمية للسبكي ص(9).
(42) المحلى (9/374).
(43) زاد المعاد (5/201).
(44) زاد المعاد (4/60).
(45) المغني (7/366).
(46) زاد المعاد (4/61).
(47) ينظر: زاد المعاد (4/60)، بتصرف يسير.
(48) الطلاق السني والبدعي، عبد الله بن محمد آل الشيخ، رسالة ماجستير من المعهد العالي للقضاء ص (40).
(49) المنتقى شرح الموطأ الباجي( 4/99).
(50) الطلاق البدعي زمناً ص (137-139-) بتصرف.
(51) زاد المعاد (5/240).
(52) المحلى(9/359 ).
(53) مجموع الفتاوى (33/81) .
(54) الفروع (5/372)، الإنصاف(8/448).
(55) مجموع الفتاوى(33 /81 ).
(56) المحلى (9/375)
(57) نفس المرجع نفس الصفحة.
(58) المحلى (9/375)، مجموع الفتاوى (33/81).
(59) تفسير القرطبي (8/150).
(60) نيل الأوطار (6/266)، سبل السلام (2/249).
(61) المحلى (9/375)، زاد المعاد (5/221).
(62) مجموع الفتاوى (33/130،72،66).
(63) زاد المعاد (5/221)، حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (6/165).
(64) سبل السلام (2/251).
(65) سبل السلام (2/251).
(66) في مواضع كثيرة من نيل الأوطار سيأتي في ثنايا البحث.
(67) في كتابه نظام الطلاق في الإسلام.
(68) فتاوى اللجنة الدائمة (20/58).
(69) المرجع السابق.
(70) تفسير القرطبي (28/78).
(71) نيل الأوطار للشوكاني (6/229).
(72) جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي ص (187).
(73) زاد المعاد (5/205)، نيل الأوطار (6/230).
(74) أخرجه البخاري في صحيحه، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود برقم (2697)، ومسلم في صحيحه برقم (1718).
(75) ينظر: المحلى (9/367)، مجموع الفتاوى (33/21،22،23)، زاد المعاد (5/224)، نيل الأوطار (6/230).
(76) هو محمد بن مسلم بن تدرس، أبو الزبير المكي، صدوق إلا أنه يدلس، مات رحمه الله سنة 226 هـ [التقريب/ 6331].
(77) أخرجه أبو داود في سننه (2/256)كتاب الطلاق، باب: (في طلاق السنة)برقم (2185) بهذا اللفظ، وأخرجه مسلم في صحيحه من حديث عبد الرزاق، قال:" وفيه بعض الزيادة" يريد قوله (ولم يرها شيئاً)، قال ابن حجر (فأشار يعني (مسلماً) إلى الزيادة ولعله طوى ذكرها عمدا) فتح الباري (9/266).
(78) زاد المعاد (5/206).
(79) فتح الباري (9/439).
(80) سنن أبي داود (2/256).
(81) كتاب اختلاف الحديث (من كتاب الأم 8/661).
(82) معالم السنن للخطابي (3/95,96).
(83) التمهيد (15/65، 66).
(84) معالم السنن (3/96،97).
(85) لمحلى (9/375)، زاد المعاد (5/236).
(86) فتح الباري (9/267)، وكذا التمهيد (15/66).
(87) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (4/7)، كتاب الطلاق، باب:" ما قالوا في الرجل يطلق امرأته وهي حائض".
(88) إرواء الغليل للألباني (7/135، 136).
(89) زاد المعاد (456).
(90) مدى حرية الزوجين في الطلاق (1/453).
(91) الطلاق البدعي زمناً، د/ أحمد بن علي موافي.
(92) زاد المعاد (4/57).
(93) زاد المعاد (4/57).
(94) هو الدكتور/ أحمد موافي في كتابه، الطلاق البدعي زمناً.
(95) سأذكرها بتصرف من حذف وإضافة.
المصدر
Istilah talak sunnah bukan berarti talak yang disunnahkan, tapi maksudnya yang dibolehkan sebagai kebalikan dari talak yang diharamkan yang disebut dengan talak bid'ah atau bid'i.
الطلاق البدعي باعتبار الوقت [1/2
حسن بن غالب آل دائلة
مقدمة
مشروعية الطلاق وحكمه
أنواع الطلاق
الطلاق في زمن الحيض
الحكمة من تحريم الطلاق البدعي وقتا
مقدمة
الحمد لله واهب النعم، دافع النقم، هدانا من ضلالة، أغنانا من فقر، أعزنا من ذلة، رفعنا من وضيعة, نعمه علينا تترى، وإحسانه وإفضاله يتوالى.
أحمده سبحانه وأشكره ، ومن مساوئ عملي أستغفره، وأصلي وأسلم على خير البرية، وسيد البشرية، أفضل الخلق، ناصر الحق، تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
أما بعد:
فإن أشرف وأعلى وأجدر وأحرى ما يشتغل المسلم به عبادة الله تعالى، وأجلها قدراً وأعظمها نفعاً، وأكثرها بركة: العلم الشرعي، كيف لا؟ وهو الطريق الوحيدة لعبادة الله تعالى على بصيرة وهدى.
ومن هنا كان لزاماً على كل ذي لُبّ رام السعادة في الدارين، وتخليد عمله الصالح في العالمين: أن ينثر غبار الكسل، ويكسر أغلال وسلاسل الراحة والدعة والخلود إلى الأرض؛ لينطلق في رحاب العلم والعلماء تعلما وتعليما وتأليفا وتصنيفا، ولا ينتظر أبداً طريقا مفروشا بالورود، ووقتا للاستجمام والتنزه والراحة، كلا بل سهر بالليل، وتعب بالنهار، وإدامة نظر في المطولات، وتأمل في المختصرات ومراجعة المشايخ، ومراسلة العلماء، والذب عن الحق، وتعليم الخلق، وهكذا حتى يلق الله تعالى.
وفي هذا يقول يحيى بن أبي كثير رحمه الله (لا ينال العلم براحة الجسم).
ووالله إن الحاجة اليوم إلى العلم الشرعي لا سيما النوازل والمستجدات، وبخاصة في المعاملات وفقه الأسرة من أعظم الحاجات، إذ يتوقف على العلم بها تصحيح معاملات الناس وأنكحتهم، وإيجاد البدائل الشرعية الملائمة للتطور الهائل في كافة المجالات؛ لذا فإن عظم المسؤولية وثقل الواجب يزداد طردا مع هذه الحاجة.
فأين أنتم يا طلاب العلم؟!
إن لم تستعدوا وتنبروا لحل إشكالات الناس وتساؤلاتهم حول النوازل المتسارعة، والمسائل العصيبة الشائكة، فمن لهم؟!
أنتركهم هكذا يتخبطون دونما أحكام شرعية رصينة رزينة منبنية على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وإجماع الأمة والقياس الصحيح؟!!
وبعد:
فقد شرفني الله تعالى بالانضمام لهذه الكلية المباركة في برنامج الدكتوراه، ولا سيما مع نخبة من الزملاء والقضاة كان لهم الأثر وأعظمه في الإفادة والاستفادة والنفع والانتفاع، وقد أُضِيف إلى هذا الشرف شرفٌ آخر، وهو عناية الله بنا إذ وفقنا للتتلمذ في هذه المرحلة الحرجة الدقيقة التي تعد أعلى مراحل الدراسة الأكاديمية على نماذج فذة من علماء أفاضل، ومحققين محررين للعلوم، فتحوا لنا صدورهم للنقاش والحوار، وأمتعونا بدقائق الفنون، فجزاهم الله على ما قدموا خير الجزاء.
وكان منهم فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور/ صالح بن غانم السدلان، وهو أشهر من نار على علم، نفعنا الله بعلومه، وقد وقع الاختيار على موضوع بعنوان" الطلاق البدعي باعتبار الوقت" وكنت بادئ ذي بدء أظن البحث فيه يسيراً، بناء على خلفيات سابقة، غير أن وراء الأكمة ما وراءها، وقد بذلت وسعي، واجتهدت طاقتي في تحصيل الحكم الشرعي لهذه المسألة. ولا أدعي كمالاً ولا قريبا منه، إنما جاءت بضاعة مزجاة فاقبلوها على عِلاّتها فإني أراكم من المحسنين، والله أسأل أن يكون هذا البحث باكورة بحوث أخرى في فقه الأسرة ومستجداتها ينتفع بها العباد والبلاد، وما ذلك على ربي بعزيز، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
تعريف الطلاق لغة:
الطلاق لغة: اسم بمعنى المصدر الذي هو التطليق، كالسلام بمعنى التسليم، وبالرجوع إلى كتب اللغة نجد أن كلمة الطلاق تدور حول التخلية وحل القيد والإرسال(1)، ومنه ناقة طالق أي مرسلة بلا قيد ترعى حيث تشاء ولا تمنع(2)، ومن المجاز طلقت المرأة فهي طالق وهُنّ طوالق(3)، قال ابن منظور طلاق النساء لمعنيين: الأول: عقد النكاح(4).
الثاني: الترك والإرسال.
تعريف الطلاق اصطلاحاً.
لقد تعرض الفقهاء عامة لتعريف الطلاق، ومن ذلك:
1- تعريف الحنفية (رفع القيد الثابت شرعا بالنكاح) (5).
2- تعريف المالكية (صفة حكمية ترفع حلية متعة الزوج بزوجته) موجباً تكررها مرتين للحر، ومرة لذي رقٍ حرمتها عليه قبل زوج) (6).
3- تعريف الشافعية (حل عقد النكاح بلفظ الطلاق ونحوه)، أو هو (تصرف مملوك للزوج يحدثه بلا سبب فيقطع النكاح) (7).
4- تعريف الحنابلة (حل قيد النكاح أو بعضه) (8).
وهي تعريفات متقاربة، غير أني أميل إلى تعريف الحنابلة لاختصاره، ووفائة بحالات المعرّف.
مشروعية الطلاق وحكمه
الطلاق ليس له حكم واحد فحسب، بل هو يدور مع الأحكام التكليفية الخمسة (الحرمة، والكراهة، والوجوب والندب والإباحة) بحسب القرائن المحتفة بالطلاق، ومن أمثلة ذلك:
(1) أنه يكون حراما في الطلاق، البدعي كطلاق الحائض والنفساء المدخول بهما، وسيأتي بإذن الله.
(2) ويكون واجبا في موضعين ذكرهما أكثر كتب المذاهب(9).
أ- الطلاق على المولي إذا أبى الفيئة بعد التربص أربعة أشهر وعشراً.
ب- طلاق الحكمين إذا رأيا الطلاق، قال تعالى:" وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما"(10).
فإذا رأى الحكمان أن لا سبيل إلا الإصلاح، وأن لا مفر من الطلاق وقرراه على الزوج وجب عليه ذلك.
(3) ويكون مكروها إذا وقع بغير حاجة، مع استقامة الحال وصلاح الحياة بينهما(11).
(4) ويكون مندوباً، إذا تضررت المرأة ببقاء النكاح، واحتاجت للخلع فيندب له طلاقها(12).
وقد مثل بعضهم بأن تكون المرأة غير عفيفة(13) بمقارفتها للزنا، وفي هذه الحالة لا يقال فقط باستحباب الطلاق، بل الأظهر وجوبه(14) لا سيما إذا كانت المرأة مستمرة على ارتكاب الفاحشة، إذ كيف نبقي معها زوجها ينسب إليه ما يأتي منها من ولد وقد يكون لغيره، وفي هذا من المفاسد العظيمة ما لا يعلم مداه إلا الله من فساد البيوت، واختلاط الأنساب، وفتح مجال لضعيفي الغيرة أن يستمروا على ضعفهم.
(5) ويكون مباحا في حالات منها: إذا كان لحاجة(15).
أنواع الطلاق
يتنوع الطلاق إلى أنواع مختلفة باعتبارات مختلفة، فتارة يقسم باعتبار وقت إيقاعه، وتارة باعتبار صيغته ولفظه، والذي يعنينا تقسيمه باعتبار وقته وعدده إلى نوعين(16).
الطلاق السني:
والمقصود به، ما جاءت السنة بإباحته لمن احتاج إليه، وليس المقصود (بالسني) أنه من الأفعال المسنونة أو المستحبة والتي يؤجر عليها الإنسان كلا(17)، بل سمي بهذا الاسم مقابل الطلاق البدعي، إذ السنة مقابل البدعة، والاتباع مقابل الابتداع.
إذاً هو ( الطلاق الذي يوافق أمر الله، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم) (18).
أما صفته ( أن يطلق الزوج زوجته طلقة واحدة، وهي طاهر من الحيض والنفاس، ولم يجامعها في ذلك الطهر).
وفي ذلك يقول تعالى:" يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن".
أي طاهراً من غير جماع كما نقل عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم.
ومنه أيضاً حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وسيأتي مفصلا بإذن الله في ثنايا البحث.
الطلاق البدعي:
هوالطلاق الذي نهى الشارع عنه(19)، وخالف فيه المطلق أمر الله تعالى، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم في إيقاعه. فقد أمر الله تعالى أن تطلق النساء بصفة مخصوصة (هي الطلاق السني) وما عداه يكون بدعيًّا.
والطلاق البدعي، إما بدعي باعتبار الوقت، وإما بدعي باعتبار العدد، والطلاق البدعي باعتبار الوقت إما أن يكون في زمن الحيض ومثله النفاس، وإما أن يكون في زمن الطهر الذي جامعها فيه(20).
قال الكاساني :" فطلاق البدعة نوعان: نوع يرجع إلى الوقت، ونوع يرجع إلى العدد، أما الذي يرجع إلى الوقت فنوعان أيضا، أحدهما الطلقة الواحدة الرجعية في حالة الحيض إذا كانت مدخولا بها، سواء كانت حرة أو أمة...." (21).
قال ابن عبد البر: " فإن طلقها في طهر جامعها فيه أو حائضا أو نفساء فهو طلاق بدعة"(22).
جاء في كشاف القناع: " وإن طلق المدخول بها في حيض أو نفاس، أو طهر أصابها فيه، ولو في آخره ولم يستبين حملها فهو طلاق بدعة محرم"(23).
الخلاصة: أن الطلاق البدعي نوعان:
[1] بدعة باعتبار الوقت، وفيه:
أ- طلاق المدخول بها وهي حائض.
ب- طلاق المدخول بها وهي نفساء.
ج- طلاق المدخول بها في طهر قد جامعها فيه.
[2] بدعة باعتبار العدد، وهو طلاق المرأة المدخول بها، أو غير المدخول بها أكثر من واحدة.
الطلاق في زمن الحيض
الحكم التكليفي للطلاق أثناء الحيض(24).
ذهب عامة فقهاء المذاهب(25) على أن طلاق المدخول بها في زمن الحيض طلاق بدعي محرم يأثم فاعله ما دام عالما بالحكم.
واستدلوا على ذلك بأدلة كثيرة منها:
[الدليل الأول]: قوله تعالى:" فطلقوهن لعدتهن"(26).
وجه الدلالة:
أن المقصود من قوله تعالى (لعدتهن) أي لاستقبال عدتهن(27) وقد ورد هذا التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما(28)، ووقت العدة هو الطهر الذي لم يمس فيه(29)، فمخالفة أمر الله بإيقاعه في الحيض يكون حراماً.
[الدليل الثاني]: ما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له:" مره فليراجعها ثم ليتركها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء"(30).
وجه الدلالة:
من الحديث ظاهر، حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر بأن يأمر ابنه عبد الله بمراجعة زوجته، ثم يتركها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء أبقاها عنده وإن شاء طلقها بشرط أن لا يمسها، فعلم أنه لا يجوز أن يطلق الزوج زوجته وهي حائض أو في طهر جامعها فيه، ثم قال في آخر الحديث (وتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء )، ومن طلق في زمن الحيض فقد خالف أمر الله(31) فيكون حراما.
وكذا جاء في بعض روايات هذا الحديث تغيظ النبي صلى الله عليه وسلم(32) وغضبه من فعل ابن عمر، وهو طلاق امرأته في زمن الحيض، فيكون حراما والله أعلم.
[الدليل الثالث]: الإجماع.
فقد أجمع العلماء على تحريم طلاق الحائض(33) التي قد دخل بها، والإجماع حجة شرعية يجب العمل بها.
الحكمة من تحريم الطلاق البدعي وقتا:
عندما تتبع مذاهب الفقهاء وكلام الأئمة رحمهم الله تجد أنهم يتفاوتون في تعليل الحكم بتحريم الطلاق البدعي من حيث الوقت (في أثناء الحيض أو النفاس أو طهر قد جامعها فيه).
ويمكن تلخيص وجهات نظرهم فيما يلي؟
القول الأول/ إن العلة تعبدية لا يعقل معناها.
وقال الإمام زفر(34) صاحب أبي حنيفة(35)، وبعض أصحاب مالك(36)، وأبو إسحاق(37) من الشافعية(38).
دليلهم/ منع الخلع في الحيض، إذ لو كان الحكم معللاً بتطويل العدة لجاز الخلع في الحيض؛ لأن الحق لها وقد رضيت بإسقاطه(39).
ويجاب عنه بأن كثيراً من العلماء قالوا بأن الخلع يقع في الحيض ولا يحرم، وعلّلوا بنفي الضرر على المرأة بتطويل العدة، وبهذا يكون القول بأن العلة تعبدية ضعيف، والله أعلم.
القول الثاني/ إن العلة معقولة المعنى وليست تعبدية، وقال به جماهير أهل العلم.
واختلفوا في تحديدها على أقوال:
[1] ذهب بعض أصحاب أبي حنيفة(40)، وأصحاب مالك(41) والشافعي(42) وأكثر أصحاب أحمد(43) إلى أن العلة في ذلك الإضرار الذي يحصل للزوجة المطلقة حيث تطول عليها العدة؛ لأن ما بقي من تلك الحيضة لا يعتد به، ولا يحسب من العدة، وقد نهى الله تعالى عن الإضرار بالمرأة بتطويل العدة عليها، قال تعالى:" وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا، ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزواً..." الآية(44).
وبالرجوع لكتب التفسير نرى أنهم ذكروا سبب نزول يؤيد ما ذهب إليه هؤلاء الفقهاء، فقد ذكر المفسرون أن هذه الآية نزلت بسبب أن الرجل في الجاهلية كان يطلق المرأة ثم يمهلها، فإذا شارفت انقضاء عدتها راجعها؛ لتطول العدة إضراراً بها، فنهى الله تعالى عن ذلك بهذه الآية(45).
[2] ذهب بعض أصحاب أبي حنيفة(46) وأبو الخطاب(47) من الحنابلة أن العلة في تحريم الطلاق أثناء الحيض، فيه من الإضرار بالرجل؛ لأن زمن الحيض زمان النفرة، فلعله يندم في زمان الطهر عند توقان النفس إلى الجماع.
الراجح:
والذي يترجح لي والله أعلم أن العلة معقولة المعنى، وتشمل كلتا العلتين.
[أثر هذا التعليل في الفروع الفقهية]:
كما كان تعليل تحريم طلاق الحائض هو الإضرار بالمرأة والرجل، فقد فرَّع فقهاء المذاهب لهذا التعليل آثاراً كثيرة منها:
1- فالحنفية لا يكرهون الخلع بالمال للحائض مع أنه طلاق عندهم، وكذا امرأة العنين لا يكره طلاقها في الحيض، وكذا ذكر ابن عابدين: حل ا لطلاق مطلقاً في الحيض إذا رضيت الزوجة به(48)الخ...
2- والمالكية يرون أنه لا يحرم الطلاق على المولي في الحيض إذا أحل الأجل ولم يفئ بكتاب الله، وأجبر على الرجعة بالسنة(49)، وكذا فسخ النكاح الفاسد الذي يفسخ قبل البناء وبعده كالخامسة والمتعة(50).
3- والشافعية يقولون: الحامل إذا حاضت فلا يحرم طلاقها؛ لأنّ عدتها بالوضع فلا تطويل عليها حينئذ، وكذا غير المدخول بها لو طلقها في الحيض لم يحرم طلاقها كذلك؛ لأنه لا عدة عليها(51).
4- أما الحنابلة فلا يرون بأسا بالخلع في الحيض، ولا الخلع في الضرر الذي أصابها فيه؛ لأن المنع من الطلاق إنما كان لأجل الضرر الذي يلحق المطلقة بطول العدة، والخلع لإزالة الضرر عنها لما يلحقها من سوء عشرته لها(52).
وكذا يتوجه إباحته أيضاً – يعني الطلاق وقت الحيض- حال الشقاق إذا رآه الحكمان(53) وغيرها كثير من الفروع الفقهية(54) استنبطت من المسألة السابقة.
(1) ينظر مختار الصحاح للرازي ص (396).
(2) ينظر لسان العرب لابن منظور (10/226) - ، القاموس المحيط للفيروز آبادي (1/1200).
(3) أساس البلاغة للزمخشري.
(4) لسان العرب لابن منظور، مادة (طلق) (10/226)– دار صادر، وكذا تاج العروس للزبيدي (6/427).
(5) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي(2/188).
(6) مواهب الجليل للحطاب (5/268)
(7) مغني المحتاج إلى معرفة المنهاج للشربيني (4/455)، الياقوت النفيس للسيد أحمد الشاطبي ص (140)
(8) حاشية الروض المربع لعبد الرحمن بن قاسم(6/482)، شرح منتهى الإرادات للبهوتي (3/73)
(9) ينظر المغني (10/323).
(10) سورة النساء آية (35).
(11) حاشية الروض المربع لابن قاسم (6/482).
(12) المنتهى (4/221)، كشاف القناع (4/205).
(13) المغني (10/324)، حاشية الروض المربع (6/485).
(14) الإنصاف مع الشرح الكبير (22/132)، مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (32/141).
(15) طلاق الثلاث بلفظ واحد ووقوعه، د/ شرف بن علي الشريف.
(16) هذا التقسيم مبثوث في أغلب كتب الفقهاء.
(17) ينظر: الطلاق البدعي، نورة عبد الله المطلق ص (25)– بتصرف-
(18) ينظر: طلاق الثلاث بلفظ واحد حكمه ووقوعه، د/ شرف بن علي الشريف ص(13). بالهامش.
(19) كشاف القناع (5/239).
(20) الطلاق السني والبدعي في الفقه الإسلامي، فهد الناصر ص (73).
(21) بدائع الصنائع (3/93).
(22) الكافي لابن عبد البر (2/ 572).
(23) كشاف القناع للبهوتي (5/240).
(24) وسأقتصر على هذه المسألة فحكمها ينسحب على طلاق النفساء، وطلاق المرأة في طهر قد جامعها فيه.
(25) ينظر للحنيفية: فتح القدير (3/329)، الفتاوى الهندية (1/ 349)، درر الحكام (1/ 359).
ينظر للماليكة: الشرح الصغير(1/448)، شرح الخرشي على مختصر خليل (4/28)، المنتقى(4/96).
وللشافعية: المهذب (2/80)، روضة الطالبين (8/3)، الحاوي الكبير (10/115).
وللحنابلة: المبدع (7/260)، الإنصاف (8/448)، كشاف القناع (5/241)، المغني (10/327).
(26) سورة الطلاق، آية (1).
(27) بدائع التفسير الجامع لتفسير ابن القيم، جمع: يسري السيد محمد 4/465 – دار ابن الجوزي، أضواء البيان لمحمد الأمين الشنقيطي (8/358).
(28) أخرجه النسائي في سننه، كتاب الطلاق، باب وقت الطلاق للعدة (6/139)، (140).
(29) تفسير القرآن العظيم لابن كثير(8/621) ، دار إحياء التراث.
(30) سيأتي تخريجه.
(31) ينظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر(9/ 262)، ( 263)، شرح النووي على صحيح مسلم
(10/60، 62) بتصرف.
(32) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها (10/64).
(33) المغني (10/324)، شرح النووي على مسلم (4/60).
(34) هو زفر بن الهذيل بن قيس العنبري البصري، ولد سنة (110 هـ)، وتوفي سنة (158 هـ)، قال عنه أبو حنيفة (زفر بن الهذيل إمام من أئمة المسلمين، وعلم من أعلامهم في شرفه، وحسبه، وعلمه)، قال ابن معين عنه (ثقة، مأمون)، قال الذهبي ( كان من بحور الفقه، وأذكياء الوقت، تفقّه بأبي حنيفة، وهو أكبر تلامذته...). [ طبقات الحنفية (1/534)، سير أعلام النبلاء للذهبي (8/39)].
(35) ينظر المبسوط للسرخسي (6/827).
(36) المنتقى شرح الموطأ (4/96).
(37) أبو إسحاق الإسفراييني، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران، كان يلقب بركن الدين، وهو شيخ خراسان كان ثقة في رواية الحديث، توفي سنة (418)هـ. [ ينظر الطبقات الكبرى للشافعية 4/256 ].
(38) ينظر المذهب للشيرازي (2/79).
(39) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (2/363).
(40) البحر الرائق (3/242)، الهداية (1/227)، الجوهرة النيرة (2/31).
(41) المقدمات المهمات (1/500)، شرح الخرشي على مختصر خليل (4/29).
(42) المهذب (2/80)، الحاوي الكبير (10/123).
(43) المغني (10/325)، الفروع (5/372).
(44) سورة البقرة، الآية (231).
(45) التفسير الكبير للرازي (6/110)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3/103)، فتح القدير للشوكاني (1/242)، تفسير البغوي (1/208)، تفسير ابن كثير (1/244).
(46) ينظر تبيين الحقائق (2/190).
(47) شرح الزركشي على مختصر الخرقي (5/378)، (الإنصاف 8/449)، تصحيح الفروع (5/371).
(48) البحر الرائق (3/260)، وحاشية ابن عابدين (3/34).
(49) الشرح الكبير (2/363).
(50) نفس المرجع والصفحة.
(51) نهاية المحتاج 7/هـ، تحفة المحتاج(8/78)، مغني المحتاج (4/497)، روضة الطالبين (8/4).
(52) المغني (7/247).
(53) الإنصاف للمرداوي (1/348).
(54) قد أخالف في بعض الفروع السابقة، ولكن لأنها ليست صلب البحث فأكتفي بهذه الإشارة.
*****
(2/2)
الحكم الوضعي للطلاق أثناء الحيض
وقوع الطلاق في زمن الحيض
عدم وقوع الطلاق
الخاتمة
الحكم الوضعي للطلاق أثناء الحيض.
هذه المسألة من المسائل الشائكة، والقضايا المهمة، بل هي من عضل المسائل، لذا قال ابن القيم عنها :( هذه المسألة الضيقة المعترك، الوعرة المسلك التي يتجاذب أعنة أدلتها الفرسان، وتتضاءل لدى صولتها شجاعة الشجعان) (1) وقد اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة على قولين:
القول الأول/ وقوع الطلاق في زمن الحيض.
وبه قال جماهير أهل العلم من الحنفية(2) والمالكية(3) والشافعية(4) والحنابلة(5) فأما مذهب الحنفية فقد جاء في بدائع الصنائع ( وأما حكم طلاق البدعة فهو أنه واقع ) (6) وأما مذهب المالكية فقد جاء في الفواكه الدواني".... فإن طلق في زمن حيضها عالماً به لزمه الطلاق وإن حرم عليه". (7)
وأما مذهب الشافعية فقد صرح الماوردي بوقوعه حيث قال: (..فمذهبنا أنه واقع وإن كان محرما). (8)
وأما مذهب الحنابلة فقد جاء في المغني ( إن طلق للبدعة..أثم، ووقع طلاقه في قول عامة أهل العلم). (9)
واستدلوا بأدلة كثيرة منها:-
[الدليل الأول]:
عموم أدلة الطلاق في القرآن، ومنها قوله تعالى: " الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"[البقرة:229] وقوله تعالى:" فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره)[البقرة:230] ، وقوله:" والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء" [البقرة:288] وغيرها من آيات الطلاق.
وجه الدلالة:
أن هذه الآيات جاءت عامة لكل زوج طلق زوجته من غير تقييد بوقت دون وقت، ولا مطلقة أخرى، فدل على الوقوع في عموم الأوقات والأحوال، ولم يجد من النصوص ما يقيد إطلاق هذه الآيات، فوجب القول بوقوع الطلاق في الحيض والطهر الذي باشر امرأته فيه. (10)
ونوقش:
لا نسلم لكم دخول الطلاق البدعي في عمومات أدلة الطلاق، فالقول بهذا كالقول بدخول أنواع البيع المحرم في قوله تعالى (وأحل الله البيع) [البقرة:275] لشمول اسم البيع لها، وهذا ظاهر البطلان(11).
[الدليل الثاني]:
قوله تعالى: " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن" [الطلاق:1] أي مستقبلات للعدة، ووقت العدة هو الطهر الذي لم يمس امرأته فيه، فإذا طلقها في الحيض أو الطهر الذي مسها فيه يكون مخالفاً لأمر الله، فيكون مرتكبا للحرام، ثم قال بعد ذلك: "ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه"، وهذا دليل على أن من خالف طلاق العدة والحدود التي شرعها الله فقد ظلم نفسه، ولا يكون ظالما لنفسه إلا إذا وقع الطلاق، وإلا فأي معنى لكلام لا أثر له أن يكون محرماً وفيه ظلم لقائله(12).
ونوقش:
بأن هذا الاستدلال محل نظر، ولا يسلم لكم به؛ فالله تعالى قال: " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن"، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم _ المبين عن الله مراده من كلامه- أن الطلاق المشروع هو الطلاق في زمن الطهر الذي لم يجامع فيه، أو بعد استبانة الحمل، وما عداهما فليس بطلاق للعدة في حق المدخول بها، فلا يكون طلاقا، فكيف تحرم المرأة به(13).
وأما قوله تعالى:" ومن يتعد حدود لله فقد ظلم نفسه"[الطلاق:1] ، فصح أن من ظلم نفسه وتعدى حدود الله تعالى ففعله باطل مردود(14)، وإذا كان كذلك فلا يقع طلاق.
[الدليل الثالث]:
قوله تعالى" الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهن إلا اللائي ولدنهم، وإنهم ليقولون منكراً من القول وزوراً وإن الله لعفو غفور"[المجادلة:2].
وجه الدلالة من الآية:
أن الله تعالى سمى الظهار منكراً من القول وزوراً، ثم رتب عليه حكمه من الكفارة والتحريم، وهذا يدل على أن " الطلاق المحرم وهو في حال الحيض يترتب عليه حكمه إذا وقع"(15).
ونوقش من وجهين:
الوجه الأول: بأنّ قياس الطلاق البدعي على الظهار قياسٌ معارض بمثله معارضة القلب بأن يقال: تحريمه يمنع ترتب أثره عليه كالنكاح(16).
الوجه الثاني: هذا قياس مع الفارق، فالظهار كله محرم، بخلاف الطلاق، فهناك نوع محرم (الطلاق البدعي)، ونوع جائز الطلاق السني(17).
[الدليل الرابع]:
ما جاء في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما من الألفاظ الواضحة الدالة على الاعتداد بطلاقه لامرأته وهي حائض.
ومن تلك الألفاظ ما يلي:
(أ) عن نافع رحمه الله أنّ ابن عمر طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال (مره فليراجعها..) (18). والرجعة لا تكون إلا بعد طلاق، فهذا دليل على وقوعها.
ونوقشت هذه الرواية من قبل المانعين.
فهذا ابن القيم رحمه الله يقول:( إنّ المراجعة قد وقعت في كلام الله، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم على ثلاثة معان:
المعنى الأول: ابتداء النكاح، كما في قوله تعالى: " فإنْ طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله"[البقرة:230].
المعنى الثاني: الرد الحسي إلى الحالة التي كان عليها أولا، كقوله صلى الله عليه وسلم لأبي النعمان بن بشير لمّا نحل ابنه غلاما خصه به دون ولده (أرجعه) أي رده.
المعنى الثالث: الرجعة التي تكون بعد الطلاق، ولا يخفى أنَّ الاحتمال يوجب سقوط الاستدلال) (19)
(ب) في رواية أخرى عن ابن أبي ذئب عن نافع بلفظ: ( فأتى عمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فذكر ذلك له فجعلها واحدة) (20) وهذا اللفظ من أظهر ما يكون على وقوع الطلاق.
أما لفظة (وهي واحدة) في رواية ابن أبي ذئب.
فقد نوقشت بما يلي:
الوجه الأول: هل تجزمون بأن هذه اللفظة من في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟! بل قد تكون من كلام من دونه، ولا حجة في كلام أحدٍ غيره عليه الصلاة والسلام، إذ هو المعصوم دونما سواه، قال ابن القيم رحمه الله :" وأما قوله في حديث ابن وهب عن ابن أبي ذئب في آخره" وهي واحدة"، فلعمر الله لو كانت هذه اللفظة من كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما قدمنا عليها شيئا، ولصرنا إليها بأول وهلة، ولكن لا ندري أقالها ابن وهب من عنده؟ أم ابن أبي ذئب، أم نافع؟ فلا يجوز أن يضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لا يتيقن أنه من كلامه، ويشهد به عليه، وترتب عليه الأحكام، ويقال هذا من عند الله بالوهم والاحتمال). (21)
الوجه الثاني: على فرض التسليم بصحة رفع هذه اللفظة، فإن المعنى أنها واحدة أخطأ فيها ابن عمر. (22)
الوجه الثالث: أورد الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في كتابه" نظام الطلاق في الإسلام، اعتراضاً مفاده: أنّ الضمير في قوله (وهي واحدة) لا يعود على الطلقة التي في الحيض، بل يعود على الطلقة التي في الطهر الثاني من قبل العدة؛ لأنّها أقرب مذكور"(23).
(ج) عن سالم أن عبد الله بن عمر أخبره أنه طلق امرأته وهي حائض، فذكر عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال (ليراجعها) (24) وزاد في روايته (قال ابن عمر: فراجعتها وحسبت لها التطليقة التي طلقتها) (25) وهذا ظاهر في وقوع الطلاق واحتسابه.
ونوقشت هذه الرواية من وجهين:
الوجه الأول: أنّ الذي يظنّ أنّها حسبت هو ابن عمر رضي الله عنهما، وقد يكون هذا رأيه في الطلاق البدعي، ولا حجة في قول أحد مع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
الوجه الثاني: أنّه ربّما يقصد الطلقة التي في الطهر الثاني في قُبُل العدة، لا التي في الحيض، ولما كان موجوداً فلا يستقيم الدليل على ما ذكرتم.
(د) عن يونس بن جبير قال: " قلت لابن عمر: رجل طلق امرأته وهي حائض؟، قال: تعرف ابن عمر؟! إنّ ابن عمر طلق امرأته وهي حائض، فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له، فأمره أن يراجعها، فإذا طهرت فأراد أنْ يطلقها فليطلقها. قلت: فهل عَدَّ ذلك طلاقاً؟ قال: أرأيت إنْ عجز واستحمق؟!"(26)
وفي رواية: ( قلت : أفحسبت عليه؟ قال: فمه، أو إن عجز واستحمق"(27)
وفي رواية ثالثة: " وما لي لا أعتد بها، وإن كنت عجزت واستحمقت"(28)
و في رواية رابعة، أنه سأل ابن عمر، فقال: كم طلقت امرأتك؟ فقال: واحدة"(29)
وهذا الحديث أيضاً دال على احتساب تلك الطلقة.
أما الرواية الأولى، فقوله: أرأيت إنْ عجز كما قال الخطابي(30) رحمه الله.
وأما الثانية فقد قال (فمه؟!) وهو استفهام إنكاري أيْ ولِمَ لا يعتد بها، قال ابن عبد البر (قول ابن عمر فمه، معناه: فأي شيء يكون إذا لم يعتد بها إنكاراً لقول السائل أيعتد بها، فكأنه قال: وهل من ذلك بُد) (31)
والثالثة والرابعة صريحة في احتسابها.
ونوقشت بأن هذه الألفاظ ليست صريحة في وقوع الطلاق، فهل نأخذ بها وندع الألفاظ الصريحة في عدم الوقوع عن ابن عمر رضي الله عنهما، فقد صح عنه بإسناد كالشمس من رواية عبيد الله عن نافع عنه في الرجل يطلق امرأته وهي حائض، قال" لا يعتد بذلك"(32).
(هـ) عن الشعبي قال:" طلق ابن عمر امرأته واحدة وهي حائض، فانطلق عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأمره أن يراجعها، ثم يستقبل الطلاق في عدتها، وتحتسب التطليقة التي طلق أول مرة"(33) .
وهذا ظاهر الدلالة في وقوع طلاق الحائض.
ونوقشت هذه الرواية بأنها جاءت مبنية للمجهول، فمن الذي احتسب هذه الطلقة قد يكون ابن عمر تورعاً، أو غيره من فقهاء الصحابة، ولكن هل تقطعون بأنّ من حسبها عليه المعصوم صلى الله عليه وسلم؟! إنْ أتيتم بما يقطع بذلك أخذنا به وإلا فلا.
قال ابن القيم :" والله يشهد- وكفى بالله شهيداً- أنّا لو تيقنّا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي حسبها عليه لم نتعد ذلك، ولم نذهب إلى سواه"(34)
(و) أخرج الدار قطني من طريق يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب إسحاق جميعاً عن نافع ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (هي واحدة) (35).
قال ابن حجر (هذا نص في موضع الخلاف، فيجب المصير إليه) (36) وقد تقدم نقاش مثلها.
[الدليل الخامس]:
الأثران اللذان رويا عن عثمان بن عفان، وزيد بن ثابت رضي الله عنهما في وقوع طلاق الحائض، فقد جاء:
أ- أن عثمان رضي الله عنه كان يقضي في المرأة يطلقها زوجها وهي حائض أنها لا تعتد بحيضتها تلك، وتعتد بعدها بثلاثة قروء(37).
ب- وروي عن زيد رضي الله عنه أنه قال فيمن طلق زوجته وهي حائض لا يلزمه الطلاق، وتعتد بثلاث حيض سوى ذلك(38).
وهذان الأثران ظاهران في إيقاع طلاق الحائض، ولا يعرف لها مخالف فيكون إجماعاً.
نوقش هذان الأثران بأنهما ساقطان ضعيفان كما ذكر ذلك ابن حزم في المحلى(39) ثم لا عبرة بقول أحد غير الإجماع إلا في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يكون هذان الأثران حجة علينا، والله أعلم.
[الدليل السادس]: الإجماع على ذلك.
قال ابن قدامة:" فالطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه أجمع العلماء في جميع الأمصار وكل الأعصار على تحريمه، ويُسمى طلاق البدعة، لأنّ المطلق خالف السنة، وترك أمر الله تعالى ورسوله"(40) .
وجاء عن السبكي أيضاً نقل الإجماع(41) ، والإجماع حُجّة شرعية ملزمة.
ونوقش/ بأن قال المانعون، لا نسلم لكم بانعقاد الإجماع على الوقوع، قال ابن حزم "ادعى بعض القائلين بهذا أنّه إجماع، وقد كذب مدّعي ذلك؛ لأنَّ الخلاف في ذلك موجود" (42)
وقال ابن القيم :"فإن الخلاف في وقوع الطلاق المحرم لم يزل ثابتاً بين السلف والخلف، وقد وهم من ادعى الإجماع على وقوعه" (43).
[الدليل السابع]: القياس.
حيث قالوا: كما أن الظهار يترتب أثره وهو تحريم الزوجة حتى يكفّر، مع أنه محرم.
فكذا الطلاق البدعي محرم، وتترتب عليه آثاره حتى يراجع، ولا فرق بينهما(44) .
ونوقش بأن القياس مع الفارق كما تقدم سابقاً، وكذا القياس مقابل النص فاسد الاعتبار.
[الدليل الثامن]: تعليلات وبراهين من العقل، تدل على وقوع الطلاق، منها:
(1) أن الطلاق ليس قربة، فيعتبر لوقوعه موافقة السنة، بل هو إزالة عصمة وقطع ملك، فإيقاعه في زمن البدعة أولى تغليظاً عليه، وعقوبة له(45) .
(2) أن الزوج يحتاط لها، والاحتياط يقتضي وقوع الطلاق، وتجديد الرجعة والعقد(46)
(3) أن مذهب ابن عمر رضي الله عنهما الاعتداد بهذا الطلاق الذي وقع في وقت الحيض، وهو صاحب القصة وأعلم بها من غيره، وابن عمر مَنْ؟!
في اتباع السنة والتحرّج من مخالفتها(47)
(4) هذا طلاق صادر من أهله وهو الزوج فيقع(48) .
(5) أنّ الطلاق إزالة ملك مبني على التغليب والسراية، فوجب أن ينفذ في حال الطهر والحيض كالعتق(49) .
ونوقش بأنها تعليلات لا تنهض أمام النصوص ولا تقاومها، ومع هذا سنجيب عنها ونفندها.
(1) يلزم الطلاق من المطيع لله تعالى المتبع لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لما له من قصد صحيح إلى ذلك، وأنه لا يلحقه الضرر بذلك، وكذلك المرأة، أما العاصي الموقع للطلاق البدعي فقد حصل به الضرر على المرأة وربما عليه أو الولد، فحرم الشرع هذا الطلاق منعاً لهذا الضرر لها تخفيفاً عن المعاصي(50).
(2) نعم نحن احتطنا وأبقينا الزوجين على يقين النكاح حتى يأتي ما يزيله بيقين، فإذا أخطأنا فخطؤنا في جهة واحدة، وإن أصبنا فصوابنا في جهتين جهة الزوج الأول وجهة الثاني) (51)
(3) العبرة بما روى الراوي لا بما رأى، فالحجة في كلام محمد صلى الله عليه وسلم لا غيره مهما علا قدره ما لم يكن إجماعاً.
(4) يقع لو أنَّ الشروط متوفرة والموانع منتفية، وأما إذا انتقض أحدها فلا، أرأيتم طلاق النائم لا يقع مع أنه صادر من الزوج!!
(5) قياس الطلاق على العتق هو قياس مع الفارق؛ فالطلاق يبغضه الشرع والعتق يحبه الشرع ويدعو إليه، فالقياس إذاً لا يصح.
القول الثاني/ عدم وقوع الطلاق.
هو مذهب أهل الظاهر(52)، وطائفة من أصحاب أبي حنيفة(53)، والقاضي أبي بكر من المالكية، وابن عقيل من الحنابلة(54)، وهو مذهب بعض الصحابة والتابعين، فقد روي ذلك عن عمر(55)، وابن عباس(56) وابن عمر(57)وطاووس وخلاس(58) وسعيد بن المسيب (59)، وجعفر الصادق(60)، ثم قال به:
محمد بن عبد السلام الخشني(61) وشيخ الإسلام ابن تيمية(62)، وابن القيم(63) ومحمد بن إبراهيم الوزير(64) والصنعاني(65) والشوكاني(66) ومن المعاصرين العلامة أحمد شاكر(67)، وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز(68) والعلامة عبد الرازق عفيفي(69) رحمهم الله تعالى جميعاً.
وقد استدلّوا بأدلة كثيرة منها:
[الدليل الأول]:
قوله تعالى " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن"[الطلاق:1] فقد أمر الله تعالى أن تطلق النساء للعدة، يعني وهن مستقبلات للعدة كما تقدم، وهذا لا يكون إلاّ في طهر لم يجامعها فيه، وقد فسر ابن عباس الآية بأن لا يطلقها وهي حائض، أو في طهر جامعها فيه(70).
والمطلق في حال الحيض أو في حال الطهر الذي وطئ فيه لم يطلق للعدة التي أمر الله بتطليق النساء لها، وقد تقرر في الأصول: أنَّ الأمر بالشيء نهي عن ضدّه، والمنهي عنه لذاته أو لجزئه أو لوصفه القائم به يقتضي الفساد، والفاسد لا يثبت حكمه(71).
ونوقش/ هذا الاستدلال من عدة أوجه:
[الوجه الأول]:
الآية ليس فيها دلالة على عدم وقوع الطلاق البدعي، بل غاية فيه النهي عن طلاق النساء لغير عدتهن، ولا يلزم من ذلك الوقوع ولا عدمه، وهذا يتضح بالوجه الثاني.
[الوجه الثاني]:
قولكم إنّ الأمر بالشيء نهي عن ضده، والنهي عن الشيء يقتضي فساد المنهي عنه، فإننا نقول لكم؟ هل هذه القاعدة محل اتفاق حتى تلزمونا بها، أم هي محل خلاف ونزاع بين العلماء؟! ثم إن مجال تطبيق القاعدة عند القائلين بها محل خلاف طويل بينهم.
ومن أقوى الأقوال في مجال تطبيقها أن النهي يقتضي الفساد إذا عاد النهي لذات المنهي عنه أو شرطه، أو يقال: إنما يقتضي النهي الفساد إذا كان المنهي عنه لحق من حقوق الله تعالى.
أما أذا كان لحق آدمي فلا يقتضي الفساد، قال ابن رجب ( ومنها- أي ومما نهى عنه لحق من حقوق آدمي- الطلاق المنهي عنه، كالطلاق في زمن الحيض فإنه قد قيل إنه قد نهي عنه لحق الزوج، حيث كان يخشى عليه أن يصيبه ندم ... وقيل إنما نهي عن طلاق الحائض لحق المرأة لما فيه من الإضرار بها بتطويل العدة) (72).
وعلى كلا القولين فإن النهي كان لحق آدمي فلا يقتضي الفساد، وإن كان كذلك لم يدل على عدم وقوع الطلاق. وبالله التوفيق.
[الدليل الثاني]:
قوله تعالى :"فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"[البقرة:129].
وجه الدلالة:
إن الأمر بالتسريح إنما هو بإحسان، ولا أشر من التسريح الذي حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وموجب عقد النكاح أحد أمرين:
إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، أما التسريح المحرم فهو أمر لا عبرة به ألبته(73).
ونوقش هذا الاستدلال:
لا يلزم من ذلك عدم الاعتداد به؛ إذ ليس كل قول وعمل خالف فيه المكلف أمر الشارع يكون غيره معتد به، بل هناك كثير من التصرفات يخالف فيها المكلف أمر الشارع ويعتد به كالظهار والقذف، وحال الطلاق البدعي حالهما.
[الدليل الثالث]:
حديث عائشة مرفوعا " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ"(74).
فهذا حديث صحيح شامل عام لا تخصيص فيه برد ما خالف أمر الشارع وإبطاله وإلغائه. والطلاق في زمن الحيض طلاق محرم ليس عليه أمر الشارع، فيكون مردوداً باطلا، فكيف يقال: إنه صحيح نافذ، فأين هذا من الحكم برده؟!(75).
ونوقش بمثل ما نوقش به الدليل الثاني، من أنه لا يلزم من ذلك عدم الاعتداد به.
[الدليل الرابع]:
عن أبي الزبير(76) أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عزة يسأل ابن عمر، وأبو الزبير يسمع، قال:" كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضاً؟ قال: طلق عبد الله بن عمر امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر رسول الله فقال: إن عبد الله طلق امرأته وهي حائض؟ قال عبد الله/ فرد عليّ ولم يرها شيئاً,...) (77).
وجه الدلالة؟
قوله (ولم يرها شيئاً) ظاهر في عدم وقوع الطلاق، إذ المراد ولم ير تلك الطلقة شيئا، ولا يمكن توجيه معناه إلى غير ذلك.
قال ابن القيم :" قالوا: وهذا إسناد غاية في الحسن، فإن أبا الزبير غير مدفوع عن الحفظ والثقة، وإنما يخشى من تدليسه، فإذا قال سمعت أو حدثني زال محذور التدليس، وزالت العلة المتوهمة"(78).
وقال ابن حجر عن هذا الحديث (وإسناده على شرط مسلم) (79).
وقد نوقش الدليل من وجهين:
[الوجه الأول]:
لا نسلم لكم بصحة الحديث، بل هو ضعيف، وقد حكى هذا جماعة كبيرة من أهل العلم، ومن ذلك:-
1- قال أبو داود رحمه الله بعد أن ساق الحديث في سننه، قال: ( والأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير) (80).
2- قال الشافعي رحمه الله: " ونافع أثبت عن ابن عمر من أبي الزبير، والأثبت من الحديثين أولى أن يقال به إذا خالفه، وقد وافق نافعا غيره من أهل التثبيت في الحديث"(81).
3- قال الخطابي رحمه الله " حديث يونس بن جبير أثبت من هذا – يعني قوله: " مره فليراجعها، وقوله: أرأيت إن عجز واستحمق فمه؟"(82).
4- قال ابن عبد البر رحمه الله " قوله: ولم يرها شيئاً منكر لم يقله عنه غير أبي الزبير...، وليس بحجة فيما خالفه فيه مثله، فكيف بمن هو أثبت منه؟!!"(83).
[الوجه الثاني]:
لو سلمنا لكم صحة هذه اللفظة في الحديث إلا أنها ليست صريحة في عدم إيقاع الطلاق.
قال الخطابي رحمه الله:" وقد يحتمل أن يكون معناه: أنه لم يره شيئا بأن تحرم معه المراجعة ولا تحل له إلا بعد زوج، أو لم يره شيئا جائزاً في السنة ماضياً في حكم الاختيار، وإن كان لازما على سبيل الكراهة، والله أعلم"(84).
قال ابن عبد البر رحمه الله: " ولو صح – يعني حديث أبي الزبير- لكان معناه عندي _ والله أعلم- : ولم يرها على استقامة، أي ولم يرها شيئاً مستقيماً؛ لأنه لم يكن طلاقه لها على سنة الله وسنة رسوله، وهذا أولى المعاني بهذه اللفظة إن صحت".
قال ابن حجر رحمه الله:" هو – يعني هذا التأويل جمعا بين الروايات- أولى من إلغاء الصريح في قول ابن عمر رضي الله عنه :" إنها حُسِبَت عليّ بتطليقة، وهذا الجمع الذي ذكره ابن عبد البر وغيره يتعيّن، وهو أولى من تغليظ بعض الثقات".
وبهذا يظهر لنا أنَّ جماهير الفقهاء يقفون إزاء حديث أبي الزبير موقفين:
أولاً- موقف المضعف للحديث لشذوذه عن الروايات الصحيحة.
ثانياً- موقف المؤول للفظة الحديث (لم يره شيئاً) إلى غير الظاهر منها. وبهذين الموقفين، استمروا على القول بعدم إيقاع الطلاق.
[الدليل الخامس]:
استدل المانعون من إيقاع الطلاق على الحائض، أيضاً ببعض الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ومن ذلك:
ما صح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال في رجل طلق امرأته وهي حائض" لا تعتد بذلك" (85).
وهذه الفتوى من ابن عمر رضي الله عنهما صريحة في عدم الاعتداد بطلاق الحائض، وقد عرف ابن عمر رضي الله عنهما بشدة تمسكه بإتباع السنة، ولا يتصور منه مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم، ويفيد هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتسب طلقة ابن عمر، إذ لو احتسبها لم يفتِ ابن عمر بخلاف ذلك.
ونوقش هذا بأن فتوى ابن عمر رضي الله عنهما لم تكن في مسألة الطلاق في وقت الحيض، وإنما في مسألة اعتداد المرأة المطلقة بتلك الحيضة، وإذا اختلفت المسألتان فلا نقول إن ابن عمر خالف النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبهذا يسقط استدلالكم المتقدم.
قال ابن حجر:" واحتج بعض من ذهب إلى أن الطلاق – يعني في الحيض- لا يقع ما رُوي عن الشعبي قال: إذا طلق الرجل امرأته وهي حائض لم تعتد بها في قول ابن عمر"، قال ابن عبد البر: وليس معناه ما ذهب إليه، وإنما معناه: لم تعتد المرأة بتلك الحيضة في العدة" (86).
ثم ذكر الحافظ عقبه أثر ابن عمر المتقدم، وقال:" والجواب:" عنه مثله" (87) ، يعني: لم تعتد المرأة المطلقة بتلك الحيضة.
قال الألباني رحمه الله:" والطرق بهذا المعنى عن ابن عمر كثيرة كما تقدم، فإن حملت رواية عبيد الله الأولى ( يعني قوله: لا تعتد بتلك الحيضة) على عدم الاعتداد أو بطلاق الحائض تناقضت مع هذه روايته هذه، [ يعني قوله: وكان تطليقه إياها في الحيض واحدة، غير أنه خالف السنة]. والروايات الأخرى عن ابن عمر، ونتيجة ذلك: أنَّ ابن عمر هو المتناقض، والأصل في مثله عدم التناقض، فحينئذٍ لا بدّ من التوفيق بين الروايتين لرفع التناقض، والتوفيق ما سبق في كلام ابن عبد البر، ودعمناه برواية ابن أبي شيبة، وإنْ لم يمكن فلا مناص من الترجيح بالكثرة والقوة، وهذا ظاهر في رواية عبيد الله الثانية, ولكن لا داعي للترجيح، فالتوفيق ظاهر والحمد لله" (88).
وبهذا يتبين أنَّ جماهير العلماء لم يسلموا للمانعين استدلالهم بفتوى ابن عمر، وجعلوها في غير مسألتنا جمعاً بين الروايات.
[الدليل السادس]:
استدلوا رحمهم الله بتعليلات وقياسات كثيرة منها:
(1) أنّ النكاح المتيقن لا يزول إلا بطلاق متيقن مثله من كتاب أو سنة أو إجماع (89) ، وطلاق الحائض غير متيقن، فنبقى على الأصل وهو استمرار عقد الزوجية.
ونوقش/بأنّ الأدلة على وقوع الطلاق في الحيض، وإنْ كانت ظنية إلاّ أنّ الإجماع منذ عهد الصحابة والتابعين حتى الآن انعقد على ذلك، والإجماع دليل يقيني، فثبت أنّ وقوع الطلاق البدعي يستند على دليل يقيني (90).
(2) إنّ الطلاق لما كان منقسما إلى حلال وحرام كان قياس قواعد الشرع: أنَّ حرامه باطل غير معتد به، كالنكاح وسائر العقود التي تنقسم إلى حلال وحرام (91).
ونوقش/ بأن هذه القاعدة ليست على إطلاقها، وغير مسلمة بكل حال.
(3) قالوا: إذا النكاح المنهي عنه لا يصح؛ لأجل النهي، فما الفرق بينه وبين الطلاق؟ وكيف أبطلتم ما نهى الله عنه من النكاح، وصححتم ما حرمه ونهى عنه من الطلاق، والنهي يقتضي البطلان في الموضعين (92).
ونوقش/ بأن بين النكاح المحرم والطلاق المحرم فرقاً ظاهراً، فالنكاح عقد يتضمن حل الزوجة وملك بضعها، فلا يكون إلا على الوجه المأذون فيه شرعا، فإن الانصياع في الأصل على التحريم، ولا يباح إلا ما أباحه الشارع بخلاف الطلاق فإنه إسقاط لحقّه، وإزالة لملكه وذلك لا يتوقف على كون السبب المزيل مأذوناً له فيه شرعاً كما يزول ملكه على العين بالإتلاف المحرم، وبالإقرار الكاذب، والتبرع المحرم، كهبتها لمن يعلم أنّه يستعين بها على المعاصي والآثام (93).
الترجيح:
بعد أن يتأمل الباحث مليّا في أدلة القولين، وما أورد عليها من مناقشات وأجوبة، يرى أنّ القولين جدُّ قويّان ومتكافئان إلى حد كبير، فمع كلًّ منهما نصوص وروايات صريحة غير صحيحة، أو نصوص وروايات صحيحة غير صريحة، ومع كل منهما تعليلات وأقيسة وأدلة من المعقول والمعنى.
والمرجح القوي في نظري هو البحث الدقيق، والتحقيق في روايات حديث ابن عمر، وهل أوقع النبي صلى الله عليه وسلم الطلاق واحتسبه أم لا؟ فإن ثبت أنه أوقع الطلاق واحتسبه على ابن عمر طلقه فالطلاق البدعي يقع، ولا عبرة بكل الأقيسة والمعلومات والتعليلات لصراحة النص وصحته.
وإن ثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يوقع الطلاق ولم يحتسبه طلقة، فالطلاق البدعي لا يقع، ولا عبرة بالعمومات ولا الأقيسة والتعليلات للصحة والصراحة.
والمسألة تحتاج إلى مزيد بحث ونظر.
وقد جنح بعض الباحثين المعاصرين (94) إلى ترجيح قول المانعين من إيقاع الطلاق البدعي، وذكر توجيهات كثيرة منها (95).
(1) إنّ الرجوع إلى مقاصد الشريعة في الطلاق يقوي ويعضد وجهة المانعين من الوقوع، فالشريعة على أنها أباحت الطلاق فهي تبغضه وتعده من أبغض المباحات، وهي لم تقصد إلى التوسع فيه والإكثار منه، فضبطته بأن يكون واحدة في طهر لم يجامعها فيه، لا في حيض، ولا في نفاس، ولا في طهر قد جامعها فيه قبل أن يتبين الحمل؛ لتضييق دائرته، والتقليل منه، بل الشريعة تتشوف إلى الإبقاء على النكاح المشتمل على مصالح كثيرة من إعفاف الرجل والمرأة، والحفاظ على البيوت والأولاد.
(2) إن الورع والاحتياط أن لا تحرم على المسلم امرأته التي نحن على يقين من صحة نكاحها، وشك من وقوع طلاقها فنبقى على اليقين.
(3) إن الشارع لم يوقع طلاق الثلاث ثلاثاً، بل كان يحتسبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم واحدة، وإنما أمضاه عمر وجعله ثلاثاً من باب السياسة الشرعية، كما ذكر ابن القيم، وهذا يدلنا أن الطلاق البدعي لا يقع في الأصل، وإلا لأوقعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثاً.
فإذا استقر أنّ نوعا من الطلاق البدعي على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يعتد به فكذلك بقية أنواعه. والعلم عند الله تعالى.
الخاتمة
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاما على عبده الذي اقتفى، نبينا وقدوتنا وسيدنا وحبيبنا، وقرة أعيننا: محمد بن عبد الله، صلوات الله وسلامه عليه صلاة وسلاما دائمين سرمديين إلى يوم الدين، أما بعد:
فإني في خاتمة بحثي هذا أشكر الله وليّ النعم، ومسبغها علينا، ثم أثني بالشكر لفضيلة شيخنا على ما بذله ويبذله من نصائح وإرشادات وتوجيهات، بل لقد كان الأب الحنون والصدر الرحب، فيتقبل الحوار والنقاش للوصول للهدف الذي ينشده الجميع وهو الحق.
وقد خلصت في بحثي هذا إلى عدة نتائج منها:
1- إن الطلاق السني هو طلاق الحامل، أو طلاق المرأة في طهر لم تجامع فيه.
2- إن الطلاق البدعي أنواع كثيرة باعتبار الوقت والعدد وغيرهما.
ومنها طلاق المدخول بها وهي حائض، أو النفساء، أو في طهر قد جامعها فيه.
3- إن الطلاق البدعي محرم، ويأثم الواقع فيه، وعليه التوبة النصوح.
4- أما الحكم الوضعي للطلاق البدعي فالمسألة محل خلاف قويّ جداً، وأنا متوقف في المسألة لقوة مأخذ الفريقين، والمسألة تحتاج زيادة بحث حديثي.
5- إن الحكمة من تحريم الطلاق البدعي باعتبار الوقت هو الإضرار بالزوج والزوجة معاً على ما مر تفصيله في ثنايا البحث.
والله أسأل أن يجعل ما كتب في موازين الحسنات، وأن يمحو به الخطيئات، وأن يرفعنا به درجات. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
(1) زاد المعاد (5/220).
(2) فتح القدير (3/468)، المبسوط (6/57)، الفتاوى الهندية (1/349)، بدائع الصنائع(3/96).
(3) الفواكه الدواني (2/33)، مختصر خليل مع شرح الخرشي (4/28)، منح الجليل (4/36)، المدونة (4/89)، المنتقي (4/98)، مواهب الجليل (4/39).
(4) الأم (5/193)،المهذب (2/79) الوسيط(5/361)، شرح النووي على صحيح مسلم(10/60).
(5) المغني (7/279)، الفروع (5/370)، الإنصاف (8/448)، كشاف القناع (3/79).
(6) بدائع الصنائع للكاساني (3/96).
(7) الفواكه الدواني على رسالة أبي زيد القيرواني للنفراوي (2/33).
(8) الحاوي للماوردي (10/115).
(9) المغني لابن قدامة (7/279).
(10) زاد المعاد لابن القيم (4/91)، وينظر المنتقى للباجي (4/98)، والأم (8/661).
(11) زاد المعاد (5/214)بتصرف.
(12) ينظر: كتاب مدى حرية الزوجين في الطلاق (1/419).
(13) زاد المعاد (5/225).
(14) المحلى لابن حزم (9/367) .
(15) أحكام القرآن لابن العربي (4/160).
(16) زاد المعاد (5/238) ، (239).
(17) المرجع السابق، نفس الصفحة، بتصرف.
(18) أخرجه البخاري في صحيحه (5/2011) كتاب الطلاق، باب قول الله تعالى " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن". برقم (4953) واللفظ به، ومسلم في صحيحه (2/1093) كتاب الطلاق باب: طلاق الحائض بغير رضاها..." برقم (1471).
(19) زاد المعاد (5/208)، وكذا ينظر نيل الأوطار للشوكاني (6/28- 229).
(20) أخرجه الدار قطني في سننه (4/9) كتاب الطلاق والخلع والإيلاء، برقم (24)، والطيالسي في مسنده (1/13)، برقم (68) قال عنه الألباني رحمه الله في إرواء الغليل (إسناده صحيح على شرط الشيخين).
(21) زاد المعاد (5/327).
(22) فتح الباري (9/438) .
(23) نظام الطلاق في الإسلام للشيخ أحمد شاكر ص (22).
(24) أخرجه البخاري في صحيحه (4/1864) كتاب التفسير، باب تفسير سورة الطلاق، برقم (4625)واللفظ له، ومسلم في صحيحه (2/1095) كتاب الطلاق، باب: ( تحريم طلاق الحائض...) برقم (1471)
(25) أخرجه مسلم في صحيحه (2/1095) كتاب الطلاق، باب (تحريم طلاق الحائض...)برقم (1471).
(26) أخرجه البخاري في صحيحه (5/2013) كتاب الطلاق، باب:" من طلق، وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق)، برقم (4958) واللفظ له. ومسلم في صحيحه (2/1096)، كتاب الطلاق، باب:" تحريم طلاق الحائض... برقم (1471).
(27) صحيح مسلم (2/1095).
(28) سنن الدارقطني (9/4) كتاب الطلاق والخلع والإيلاء....، برقم (18).
(29) أخرجه أبو داود في سننه (255/2) كتاب الطلاق، باب: (في طلاق السنة)، برقم (2183).
(30) فتح الباري (9/437).
(31) المرجع السابق.
(32) ينظر فتح الباري (9/437).
(33) أخرجه الدار قطني في سننه (4/11) كتاب الطلاق والخلع والإيلاء، برقم (30) وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/326)، كتاب الخلع والطلاق، باب: الطلاق يقع على الحائض برقم (14692) قال الألباني رحمه الله (وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات على شرط الشيخين) إرواء الغليل (7/131).
(34) زاد المعاد (5/237).
(35) سبق تخريجه بلفظ مقارب.
(36) فتح الباري (9/266).
(37) المحلى(9/382).
(38) المحلى (9/377).
(39) المحلى(9/377).
(40) المغني(7/97).
(41) الدرة المضيئة في الرد على ابن تيمية للسبكي ص(9).
(42) المحلى (9/374).
(43) زاد المعاد (5/201).
(44) زاد المعاد (4/60).
(45) المغني (7/366).
(46) زاد المعاد (4/61).
(47) ينظر: زاد المعاد (4/60)، بتصرف يسير.
(48) الطلاق السني والبدعي، عبد الله بن محمد آل الشيخ، رسالة ماجستير من المعهد العالي للقضاء ص (40).
(49) المنتقى شرح الموطأ الباجي( 4/99).
(50) الطلاق البدعي زمناً ص (137-139-) بتصرف.
(51) زاد المعاد (5/240).
(52) المحلى(9/359 ).
(53) مجموع الفتاوى (33/81) .
(54) الفروع (5/372)، الإنصاف(8/448).
(55) مجموع الفتاوى(33 /81 ).
(56) المحلى (9/375)
(57) نفس المرجع نفس الصفحة.
(58) المحلى (9/375)، مجموع الفتاوى (33/81).
(59) تفسير القرطبي (8/150).
(60) نيل الأوطار (6/266)، سبل السلام (2/249).
(61) المحلى (9/375)، زاد المعاد (5/221).
(62) مجموع الفتاوى (33/130،72،66).
(63) زاد المعاد (5/221)، حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (6/165).
(64) سبل السلام (2/251).
(65) سبل السلام (2/251).
(66) في مواضع كثيرة من نيل الأوطار سيأتي في ثنايا البحث.
(67) في كتابه نظام الطلاق في الإسلام.
(68) فتاوى اللجنة الدائمة (20/58).
(69) المرجع السابق.
(70) تفسير القرطبي (28/78).
(71) نيل الأوطار للشوكاني (6/229).
(72) جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي ص (187).
(73) زاد المعاد (5/205)، نيل الأوطار (6/230).
(74) أخرجه البخاري في صحيحه، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود برقم (2697)، ومسلم في صحيحه برقم (1718).
(75) ينظر: المحلى (9/367)، مجموع الفتاوى (33/21،22،23)، زاد المعاد (5/224)، نيل الأوطار (6/230).
(76) هو محمد بن مسلم بن تدرس، أبو الزبير المكي، صدوق إلا أنه يدلس، مات رحمه الله سنة 226 هـ [التقريب/ 6331].
(77) أخرجه أبو داود في سننه (2/256)كتاب الطلاق، باب: (في طلاق السنة)برقم (2185) بهذا اللفظ، وأخرجه مسلم في صحيحه من حديث عبد الرزاق، قال:" وفيه بعض الزيادة" يريد قوله (ولم يرها شيئاً)، قال ابن حجر (فأشار يعني (مسلماً) إلى الزيادة ولعله طوى ذكرها عمدا) فتح الباري (9/266).
(78) زاد المعاد (5/206).
(79) فتح الباري (9/439).
(80) سنن أبي داود (2/256).
(81) كتاب اختلاف الحديث (من كتاب الأم 8/661).
(82) معالم السنن للخطابي (3/95,96).
(83) التمهيد (15/65، 66).
(84) معالم السنن (3/96،97).
(85) لمحلى (9/375)، زاد المعاد (5/236).
(86) فتح الباري (9/267)، وكذا التمهيد (15/66).
(87) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (4/7)، كتاب الطلاق، باب:" ما قالوا في الرجل يطلق امرأته وهي حائض".
(88) إرواء الغليل للألباني (7/135، 136).
(89) زاد المعاد (456).
(90) مدى حرية الزوجين في الطلاق (1/453).
(91) الطلاق البدعي زمناً، د/ أحمد بن علي موافي.
(92) زاد المعاد (4/57).
(93) زاد المعاد (4/57).
(94) هو الدكتور/ أحمد موافي في كتابه، الطلاق البدعي زمناً.
(95) سأذكرها بتصرف من حذف وإضافة.
المصدر