Jilbab dalam Al-Quran Surah Al-Ahzab 59
Jilbab dalam Al-Quran Surah Al-Ahzab 59 القول في تأويل قوله تعالى : ( ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما ( 59 ) )
Jilbab dalam Al-Quran Surah Al-Ahzab 59
تفسير الطبري
محمد بن جرير الطبري
الجزء العشرون ص: 325
التحليل الموضوعي
القول في تأويل قوله تعالى : ( ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما ( 59 ) )
يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين : لا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن ، فكشفن شعورهن ووجوههن . ولكن ليدنين عليهن من جلابيبهن ; لئلا يعرض لهن فاسق ، إذا علم أنهن حرائر ، بأذى من قول .
ثم اختلف أهل التأويل في صفة الإدناء الذي أمرهن الله به فقال بعضهم : هو أن يغطين وجوههن ورءوسهن فلا يبدين منهن إلا عينا واحدة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال ثني معاوية عن علي عن ابن عباس ، قوله ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة .
حدثني يعقوب قال ثنا ابن علية ، عن ابن عون ، عن محمد ، عن عبيدة في قوله ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) فلبسها [ ص: 325 ] عندنا ابن عون قال : ولبسها عندنا محمد قال محمد : ولبسها عندي عبيدة قال ابن عون بردائه فتقنع به ، فغطى أنفه وعينه اليسرى وأخرج عينه اليمنى ، وأدنى رداءه من فوق حتى جعله قريبا من حاجبه أو على الحاجب .
حدثني يعقوب قال : ثنا هشيم ، قال أخبرنا هشام ، عن ابن سيرين قال : سألت عبيدة ، عن قوله ( قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) قال : فقال بثوبه ، فغطى رأسه ووجهه ، وأبرز ثوبه عن إحدى عينيه .
وقال آخرون : بل أمرن أن يشددن جلابيبهن على جباههن .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) إلى قوله ( وكان الله غفورا رحيما ) قال : كانت الحرة تلبس لباس الأمة فأمر الله نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن . وإدناء الجلباب : أن تقنع وتشد على جبينها .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين ) أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يقنعن على الحواجب ( ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) وقد كانت المملوكة إذا مرت تناولوها بالإيذاء ، فنهى الله الحرائر أن يتشبهن بالإماء .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله ( يدنين عليهن من جلابيبهن ) يتجلببن فيعلم أنهن حرائر فلا يعرض لهن فاسق بأذى من قول ولا ريبة .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عمن حدثه ، عن أبي صالح قال : [ ص: 326 ] قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة على غير منزل ، فكان نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهن إذا كان الليل خرجن يقضين حوائجهن . وكان رجال يجلسون على الطريق للغزل . فأنزل الله ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) يقنعن بالجلباب حتى تعرف الأمة من الحرة .
وقوله ( ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) يقول - تعالى ذكره - : إدناؤهن جلابيبهن إذا أدنينها عليهن أقرب وأحرى أن يعرفن ممن مررن به ، ويعلموا أنهن لسن بإماء فيتنكبوا عن أذاهن بقول مكروه ، أو تعرض بريبة ( وكان الله غفورا ) لما سلف منهن من تركهن إدناءهن الجلابيب عليهن ( رحيما ) بهن أن يعاقبهن بعد توبتهن بإدناء الجلابيب عليهن .
________________
تفسير البغوي
الحسين بن مسعود البغوي
الجزء السادس ص: 377
( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ( 58 ) يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما ( 59 ) )
( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا ) من غير أن علموا ما أوجب أذاهم ، وقال مجاهد : يقعون فيهم ويرمونهم بغير جرم ( فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا )
وقال مقاتل : نزلت في علي بن أبي طالب وذلك أن ناسا من المنافقين كانوا يؤذونه ويشتمونه .
وقيل : نزلت في شأن عائشة .
وقال الضحاك ، والكلبي : نزلت في الزناة الذين كانوا يمشون في طرق المدينة يتبعون النساء إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن ، فيغمزون المرأة ، فإن سكتت اتبعوها ، وإن زجرتهم انتهوا عنها ، ولم يكونوا يطلبون إلا الإماء ، ولكن كانوا لا يعرفون الحرة من الأمة لأن زي الكل كان واحدا ، يخرجن في درع وخمار ، الحرة والأمة ، فشكون ذلك إلى أزواجهن ، فذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية : ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات ) الآية . ثم نهى الحرائر أن يتشبهن بالإماء فقال جل ذكره : ( ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) جمع الجلباب ، وهو الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار .
وقال ابن عباس وأبو عبيدة : أمر نساء المؤمنين أن يغطين رؤسهن ووجوههن بالجلابيب إلا عينا واحدة ليعلم أنهن حرائر . [ ص: 377 ]
( ذلك أدنى أن يعرفن ) أنهن حرائر ( فلا يؤذين ) فلا يتعرض لهن ( وكان الله غفورا رحيما ) قال أنس : مرت بعمر بن الخطاب جارية متقنعة فعلاها بالدرة ، وقال يالكاع أتتشبهين بالحرائر ، ألقي القناع .
________________
تفسير ابن كثير
إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء السادس ص: 482
( ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما ( 59 ) لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ( 60 ) ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ( 61 ) سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ( 62 ) ) .
يقول تعالى آمرا رسوله ، صلى الله عليه وسلم تسليما ، أن يأمر النساء المؤمنات - خاصة أزواجه وبناته لشرفهن - بأن يدنين عليهن من جلابيبهن ، ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية وسمات الإماء . والجلباب هو : الرداء فوق الخمار . قاله ابن مسعود ، وعبيدة ، وقتادة ، والحسن البصري ، وسعيد بن جبير ، وإبراهيم النخعي ، وعطاء الخراساني ، وغير واحد . وهو بمنزلة الإزار اليوم .
قاله الجوهري : الجلباب : الملحفة ، قالت امرأة من هذيل ترثي قتيلا لها :
تمشي النسور إليه وهي لاهية مشي العذارى عليهن الجلابيب
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في [ ص: 482 ] حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ، ويبدين عينا واحدة .
وقال محمد بن سيرين : سألت عبيدة السلماني عن قول الله تعالى : ( يدنين عليهن من جلابيبهن ) ، فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى .
وقال عكرمة : تغطي ثغرة نحرها بجلبابها تدنيه عليها .
وقال ابن أبي حاتم : أخبرنا أبو عبد الله الظهراني فيما كتب إلي ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن ابن خثيم ، عن صفية بنت شيبة ، عن أم سلمة قالت : لما نزلت هذه الآية : ( يدنين عليهن من جلابيبهن ) ، خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من السكينة ، وعليهن أكسية سود يلبسنها .
وقال ابن أبي حاتم ، حدثنا أبي ، حدثنا أبو صالح ، حدثني الليث ، حدثنا يونس بن يزيد قال : وسألناه يعني : الزهري - : هل على الوليدة خمار متزوجة أو غير متزوجة ؟ قال : عليها الخمار إن كانت متزوجة ، وتنهى عن الجلباب لأنه يكره لهن أن يتشبهن بالحرائر إلا محصنات . وقد قال الله تعالى : ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) .
وروي عن سفيان الثوري أنه قال : لا بأس بالنظر إلى زينة نساء أهل الذمة ، إنما ينهى عن ذلك لخوف الفتنة; لا لحرمتهن ، واستدل بقوله تعالى : ( ونساء المؤمنين ) .
وقوله : ( ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) أي : إذا فعلن ذلك عرفن أنهن حرائر ، لسن بإماء ولا عواهر ، قال السدي في قوله تعالى : ( [ يا أيها النبي ] قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) قال : كان ناس من فساق أهل المدينة يخرجون بالليل حين يختلط الظلام إلى طرق المدينة ، يتعرضون للنساء ، وكانت مساكن أهل المدينة ضيقة ، فإذا كان الليل خرج النساء إلى الطرق يقضين حاجتهن ، فكان أولئك الفساق يبتغون ذلك منهن ، فإذا رأوا امرأة عليها جلباب قالوا : هذه حرة ، كفوا عنها . وإذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب ، قالوا : هذه أمة . فوثبوا إليها .
وقال مجاهد : يتجلببن فيعلم أنهن حرائر ، فلا يتعرض لهن فاسق بأذى ولا ريبة .
وقوله : ( وكان الله غفورا رحيما ) أي : لما سلف في أيام الجاهلية حيث لم يكن عندهن علم بذلك .
ثم قال تعالى متوعدا للمنافقين ، وهم الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر : ( والذين في قلوبهم مرض ) قال عكرمة وغيره : هم الزناة هاهنا ( والمرجفون في المدينة ) يعني : الذين يقولون : " جاء [ ص: 483 ] الأعداء " و " جاءت الحروب " ، وهو كذب وافتراء ، لئن لم ينتهوا عن ذلك ويرجعوا إلى الحق ( لنغرينك بهم ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أي : لنسلطنك عليهم . وقال قتادة ، رحمه الله : لنحرشنك بهم . وقال السدي : لنعلمنك بهم .
( ثم لا يجاورونك فيها ) أي : في المدينة ) إلا قليلا ملعونين ) حال منهم في مدة إقامتهم في المدينة مدة قريبة مطرودين مبعدين ، ( أين ما ثقفوا ) أي : وجدوا ، ( أخذوا ) لذلتهم وقلتهم ، ( وقتلوا تقتيلا ) .
ثم قال : ( سنة الله في الذين خلوا من قبل ) أي : هذه سنته في المنافقين إذا تمردوا على نفاقهم وكفرهم ولم يرجعوا عما هم فيه ، أن أهل الإيمان يسلطون عليهم ويقهرونهم ، ( ولن تجد لسنة الله تبديلا ) أي : وسنة الله في ذلك لا تبدل ولا تغير .
________________
تفسير الماوردي
أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري
الجزء الرابع ص: 425
يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا
قوله تعالى : يدنين عليهن من جلابيبهن فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن الجلباب الرداء ، قاله ابن مسعود والحسن .
الثاني : أنه القناع; قاله ابن جبير .
[ ص: 424 ] الثالث : أنه كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها ، قاله قطرب . وفي إدناء جلابيبهن عليهن قولان :
أحدهما : أن تشده فوق رأسها وتلقيه فوق خمارها حتى لا ترى ثغرة نحرها ، قاله عكرمة .
الثاني : أن تغطي وجهها حتى لا تظهر إلا عينها اليسرى ، قاله عبيدة السلماني .
ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين فيه وجهان :
أحدهما : ليعرفن من الإماء بالحرية .
الثاني : يعرفن من المتبرجات بالصيانة . قال قتادة : كانت الأمة إذا مرت تناولها المنافقون بالأذى فنهى الله الحرائر أن يتشبهن بالإماء .
قوله : لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض فيهم قولان :
أحدهما : أنهم الزناة ، قاله عكرمة والسدي .
الثاني : أصحاب الفواحش والقبائح ، قاله سلمة بن كهيل . وفي قوله : لئن لم ينته المنافقون قولان :
أحدهما : عن إيذاء نساء المسلمين قاله الكلبي .
الثاني : عن إظهار ما في قلوبهم من النفاق ، قاله الحسن وقتادة .
والمرجفون في المدينة فيهم ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم الذين يكاثرون النساء ويتعرضون لهن ، قاله السدي .
الثاني : أنهم الذين يذكرون من الأخبار ما يضعف به قلوب المؤمنين وتقوى به قلوب المشركين قاله قتادة .
الثالث : أن الإرجاف التماس الفتنة ، قاله ابن عباس ، وسميت الأراجيف لاضطراب الأصوات بها وإفاضة الناس فيها .
لنغرينك بهم فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : معناه لنسلطنك عليهم ، قاله ابن عباس .
[ ص: 425 ] الثاني : لنعلمنك بهم ، قاله السدي .
الثالث : لنحملنك على مؤاخذتهم ، وهو معنى قول قتادة .
ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا قيل بالنفي عنها ، وقيل الذي استثناه ما بين قوله لهم اخرجوا وبين خروجهم .
قوله : سنة الله في الذين خلوا من قبل فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : يعني سنته فيهم أن من أظهر الشرك قتل ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : سنته فيهم أن من زنى حد ، وهو معنى قول السدي .
الثالث : سنته فيهم أن من أظهر النفاق أبعد ، قاله قتادة .
ولن تجد لسنة الله تبديلا فيه وجهان :
أحدهما : يعني تحويلا وتغييرا ، حكاه النقاش .
الثاني : يعني أن من قتل بحق فلا دية له على قاتله ، قاله السدي .
________________
التفسير الكبير
الإمام فخر الدين الرازي أبو عبد الله محمد بن عمر بن حسين القرشي الطبرستاني الأصل
ثم قال تعالى : ( ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) .
لما ذكر أن من يؤذي المؤمنين يحتمل بهتانا وكان فيه منع المكلف عن إيذاء المؤمن ، أمر المؤمن باجتناب المواضع التي فيها التهم الموجبة للتأذي لئلا يحصل الإيذاء الممنوع منه . ولما كان الإيذاء القولي مختصا بالذكر اختص بالذكر ما هو سبب الإيذاء القولي وهو النساء فإن ذكرهن بالسوء يؤذي الرجال والنساء بخلاف ذكر الرجال فإن من ذكر امرأة بالسوء تأذت وتأذى أقاربها أكثر من تأذيها ، ومن ذكر رجلا بالسوء تأذى ولا يتأذى نساؤه ، وكان في الجاهلية تخرج الحرة والأمة مكشوفات يتبعهن الزناة وتقع التهم ، فأمر الله الحرائر بالتجلبب .
وقوله : ( ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) قيل يعرفن أنهن حرائر فلا يتبعن ويمكن أن يقال : المراد يعرفن أنهن لا يزنين لأن من تستر وجهها مع أنه ليس بعورة لا يطمع فيها أنها تكشف عورتها فيعرفن أنهن مستورات [ ص: 199 ] لا يمكن طلب الزنا منهن . وقوله : ( وكان الله غفورا رحيما ) يغفر لكم ما قد سلف برحمته ويثيبكم على ما تأتون به راحما عليكم .
( لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا )
لما ذكر حال المشرك الذي يؤذي الله ورسوله ، والمجاهر الذي يؤذي المؤمنين ، ذكر حال المسر الذي يظهر الحق ويضمر الباطل وهو المنافق ، ولما كان المذكور من قبل أقواما ثلاثة نظرا إلى اعتبار أمور ثلاثة : وهم المؤذون الله ، والمؤذون الرسول ، والمؤذون المؤمنين ، ذكر من المسرين ثلاثة نظرا إلى اعتبار أمور ثلاثة :
أحدها : المنافق الذي يؤذي الله سرا .
والثاني : الذي في قلبه مرض الذي يؤذي المؤمن باتباع نسائه .
والثالث : المرجف الذي يؤذي النبي عليه السلام بالإرجاف بقوله : غلب محمد وسيخرج من المدينة وسيؤخذ ، وهؤلاء وإن كانوا قوما واحدا إلا أن لهم ثلاث اعتبارات وهذا في مقابلة قوله تعالى : ( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ) [ الأحزاب : 35 ] حيث ذكر أصنافا عشرة ، وكلهم يوجد في واحد ، فهم واحد بالشخص كثير بالاعتبار ، وقوله : ( لنغرينك بهم ) أي لنسلطنك عليهم ولنخرجنهم من المدينة ، ثم لا يجاورونك وتخلو المدينة منهم بالموت أو الإخراج ، ويحتمل أن يكون المراد لنغرينك بهم ، فإذا أغريناك لا يجاورونك ، والأول : كقول القائل : يخرج فلان ويقرأ ؛ إشارة إلى أمرين .
والثاني : كقوله يخرج فلان ويدخل السوق ففي الأول يقرأ وإن لم يخرج ، وفي الثاني لا يدخل إلا إذا خرج . والاستثناء فيه لطيفة وهي أن الله تعالى وعد النبي عليه السلام أنه يخرج أعداءه من المدينة وينفيهم على يده إظهارا لشوكته ، ولو كان النفي بإرادة الله من غير واسطة النبي لأخلى المدينة عنهم في ألطف آن [ بقوله ] كن فيكون ، ولكن لما أراد الله أن يكون على يد النبي لا يقع ذلك إلا بزمان وإن لطف فقال : ( ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ) وهو أن يتهيئوا ويتأهبوا للخروج .
________________
التفسير الكبير المسمى البحر المحيط
أثير الدين أبو عبد
الله محمد بن يوسف الأندلسي
الجزء السابع ص: 250
كان دأب الجاهلية أن تخرج الحرة والأمة مكشوفتي الوجه في درع وخمار ، وكان الزناة يتعرضون إذا خرجن بالليل لقضاء حوائجهن في النخيل والغيطان للإماء ، وربما تعرضوا للحرة بعلة الأمة ، يقولون : حسبناها أمة ، فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء ، بلبس الأردية والملاحف ، وستر الرءوس والوجوه ، ليحتشمن ويهبن ، فلا يطمع فيهن . وروي أنه كان في المدينة قوم يجلسون على الصعدات لرؤية النساء ومعارضتهن ومراودتهن ، فنزلت .
قيل : والجلابيب : الأردية التي تستر من فوق إلى أسفل ، وقال ابن جبير : المقانع ; وقيل : الملاحف ، وقيل : الجلباب : كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها ، وقيل : كل ما تستتر به من كساء أو غيره . قال أبو زيد :
تجلببت من سواد الليل جلبابا
وقيل : الجلباب أكبر من الخمار . وقال عكرمة : تلقي جانب الجلباب على غيرها ولا يرى . وقال عبيدة السلماني حين سئل عن ذلك ، فقال : أن تضع رداءها فوق الحاجب ، ثم تديره حتى تضعه على أنفها . وقال السدي : تغطي إحدى عينيها وجبهتها والشق الآخر إلا العين . انتهى . وكذا عادة بلاد الأندلس ، لا يظهر من المرأة إلا عينها الواحدة . وقال الكسائي : يتقنعن بملاحفهن منضمة عليهن ، أراد بالانضمام معنى الإدناء . وقال ابن عباس وقتادة : وذلك أن تلويه فوق الجبين وتشده ، ثم تعطفه على الأنف ، وإن ظهرت عيناها ، لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه . والظاهر أن قوله : ( ونساء المؤمنين ) يشمل الحرائر والإماء ، والفتنة بالإماء أكثر ، لكثرة تصرفهن بخلاف الحرائر ، فيحتاج إخراجهن من عموم النساء إلى دليل واضح . و " من " في : ( من جلابيبهن ) للتبعيض ، و ( عليهن ) شامل لجميع أجسادهن ، أو ( عليهن ) على وجوههن ; لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه . ( ذلك أدنى أن يعرفن ) لتسترهن بالعفة ، فلا يتعرض لهن ، ولا يلقين بما يكرهن ; لأن المرأة إذا كانت في غاية التستر والانضمام لم يقدم عليها بخلاف المتبرجة ، فإنها مطموع فيها . ( وكان الله غفورا رحيما ) تأنيس للنساء في ترك الاستتار قبل أن يؤمرن بذلك .
ولما ذكر حال المشرك الذي يؤذي الله ورسوله ، والمجاهر الذي يؤذي المؤمنين ، ذكر حال المسر الذي يؤذي الله ورسوله ، ويظهر الحق ويضمر النفاق . ولما كان المؤذون ثلاثة باعتبار إذايتهم لله ولرسوله وللمؤمنين ، كان المشركون ثلاثة : منافق ، ومن في قلبه مرض ، ومرجف . فالمنافق يؤذي سرا ، والثاني يؤذي المؤمن باتباع نسائه ، والثالث يرجف بالرسول ، يقول : غلب ، سيخرج من المدينة ، سيؤخذ ، هزمت سراياه . وظاهر العطف التغاير بالشخص ، فيكون المعنى : لئن لم ينته المنافقون عن عداوتهم وكيدهم ، والفسقة عن فجورهم ، والمرجفون عما يقولون [ ص: 251 ] من أخبار السوء ويشيعونه ، ويجوز أن يكون التغاير بالوصف ، فيكون واحدا بالشخص ثلاثة بالوصف . كما جاء : إن المسلمين والمسلمات ، فذكر أوصافا عشرة ، والموصوف بها واحد ، ونص على هذين الوصفين من المنافقين لشدة ضررهما على المؤمنين . قال عكرمة : ( الذين في قلوبهم مرض ) هو الغزل وحب الزنى ، ومنه : ( فيطمع الذي في قلبه مرض ) . وقال السدي : المرض : النفاق ، ومن في قلوبهم مرض . وقال ابن عباس : هم الذين آذوا عمر . وقال الكلبي : من آذى المسلمين . وقال ابن عباس : ( المرجفون ) ملتمسو الفتن . وقال قتادة : الذين يؤذون قلوب المؤمنين بإيهام القتل والهزيمة . ( لنغرينك بهم ) أي : لنسلطنك عليهم ، قاله ابن عباس . وقال قتادة : لنحرسنك بهم .
( ثم لا يجاورونك فيها ) أي في المدينة ، و ( ثم لا يجاورونك ) معطوف على ( لنغرينك ) ولم يكن العطف بالفاء ; لأنه لم يقصد أنه متسبب عن الإغراء ، بل كونه جوابا للقسم أبلغ . وكان العطف بـ : ثم ; لأن الجلاء عن الوطن كان أعظم عليهم من جميع ما أصيبوا به ، فتراخت حالة الجلاء عن حالة الإغراء . ( إلا قليلا ) أي : جوارا قليلا ، أو زمانا قليلا ، أو عددا قليلا ، وهذا الأخير استثناء من المنطوق ، وهو ضمير الرفع في ( يجاورونك ) أو ينتصب قليلا على الحال ، أي : إلا قليلين ، والأول استثناء من المصدر الدال عليه ( يجاورونك ) والثاني من الزمان الدال عليه ( يجاورونك ) والمعنى : أنهم يضطرون إلى طلب الجلاء عن المدينة خوف القتل . وانتصب ( ملعونين ) على الذم ، قاله الطبري . وأجاز ابن عطية أن يكون بدلا من ( قليلا ) قال : هو من إقلاء الذي قدرناه ; وأجاز هو أيضا أن يكون حالا من الضمير في ( يجاورونك ) قال : كأنه قال : ينتفون من المدينة معلونين ، فلا يقدر ( لا يجاورونك ) فقدر " ينتفون " حسن هذا . انتهى . وقال الزمخشري والحوفي وتبعهما أبو البقاء : يجوز أن يكون حالا من الضمير في ( لا يجاورونك ) كما قال ابن عطية . قال الزمخشري : وهذا نصه ملعونين ، نصب على الشتم أو الحال أي : لا يجاورونك إلا ملعونين . دخل حرف الاستثناء على الظرف والحال معا ، كما مر في قول : ( إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ) ولا يصح أن ينتصب من أخذوا لأن ما بعد كلمة الشرط لا يعمل فيما قبلها . انتهى . وتقدم الكلام معه في مجيء الحال مما قبل إلا مذكورة بعدما استثنى بإلا ، فيكون الاستثناء منصبا عليهما ، وأن جمهور البصريين منعوا من ذلك . وأما تجويز ابن عطية أن يكون بدلا فالبدل بالمشتق قليل . وأما قول الزمخشري : لأن ما بعد كلمة الشرط لا يعمل فيما قبلها فليس هذا مجمعا عليه ; لأن ما بعد كلمة الشرط شيئان : فعل الشرط والجواب ، فأما فعل الشرط فأجاز الكسائي تقديم معموله على الكلمة ، أجاز : زيد أن يضرب اضربه ، وأما الجواب فقد أجاز أيضا تقديم معموله عليه نحو : إن يقم زيد عمرا يضرب . وقد حكي عن بعض النحويين أنه قال المعنى : ( أينما ثقفوا ) أخذوا ملعونين ، والصحيح أن ملعونين صفة لقليل ، أي : إلا قليلين ملعونين ، ويكون قليلا مستثنى من الواو في ( لا يجاورونك ) ، والجملة الشرطية صفة أيضا أي : مقهورين مغلوبا عليهم . ومعنى ( ثقفوا ) حصروا وظفر بهم ، ومعنى ( أخذوا ) أسروا ، والأخيذ : الأسير . وقرأ الجمهور : ( قتلوا ) بتشديد التاء . وفرقة : بتخفيفها فيكون ( تقتيلا ) مصدرا على غير قياس المصدر .
والظاهر أن المنافقين انتهوا عما كانوا يؤذون به الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، وتستر جميعهم ، وكفوا خوفا من أن يقع بهم ما وقع القسم عليه ، وهو الإغراء والجلاء والأخذ والقتل . وقيل : لم يمتثلوا للانتهاء جملة ، ولا نفذ عليهم الوعيد كاملا . ألا ترى إلى إخراجهم من المسجد ، ونهيه عن الصلاة عليهم ، وما نزل فيهم في سورة براءة ؟ وأبعد من ذهب إلى أنه لم ينته هؤلاء الأصناف ، ولم ينفذ الله الوعيد عليهم ففيه [ ص: 252 ] دليل على بطلان القول بإنفاذ الوعيد في الآخرة ، ويكون هذا الوعيد مفروضا ومشروطا بالمشيئة .
( سنة الله ) مصدر مؤكد أي : سن الله في الذين ينافقون الأنبياء أن يقتلوا حيثما ظفر بهم . وعن مقاتل : كما قتل أهل بدر وأسروا ، فالذين خلوا يشمل أتباع الأنبياء الذين نافقوا ، ومن قتل يوم بدر . ( يسألك الناس ) أي : المشركون ، عن وقت قيام الساعة استعجالا على سبيل الهزء ، واليهود على سبيل الامتحان ، إذ كانت معمى وقتها في التوراة ، فنزلت الآية بأن يرد العلم إلى الله ، إذ لم يطلع عليها ملكا ولا نبيا . ولما ذكر حالهم في الدنيا أنهم ملعونون مهانون مقتولون بين حالهم في الآخرة . ( وما يدريك ) ما استفهام في موضع رفع بالابتداء أي : وأي شيء يدريك بها ؟ ومعناه النفي أي : ما يدريك بها أحد . ( لعل الساعة تكون قريبا ) بين قرب الساعة ، وفي ذلك تسلية للممتحن ، وتهديد للمستعجل . وانتصب ( قريبا ) على الظرف أي : في زمان قريب ، إذ استعماله ظرفا كثير ، ويستعمل أيضا غير ظرف ، تقول : إن قريبا منك زيدا ، فجاز أن يكون التقدير : شيئا قريبا ، أو تكون الساعة بمعنى الوقت ، فذكر ( قريبا ) على المعنى . أو يكون التقدير : لعل قيام الساعة ، فلوحظ الساعة في ( تكون ) فأنث ، ولوحظ المضاف المحذوف وهو " قيام " في ( قريبا ) فذكر .
( يوم تقلب وجوههم في النار ) يجوز أن ينتصب ( يوم ) بقوله : ( لا يجدون ) ويكون ( يقولون ) استئناف إخبار عنهم ، أو تم الكلام عند قولهم : ( ولا نصيرا ) . وينتصب ( يوم ) بقوله : ( يقولون ) أو بمحذوف أي : اذكر و ( يقولون ) حال . وقرأ الجمهور : ( تقلب ) مبنيا للمفعول . والحسن وعيسى وأبو جعفر الرؤاسي : بفتح التاء ، أي : تتقلب وحكاها ابن عطية عن أبي حيوة . وقال ابن خالويه عن أبي حيوة : " نقلب " بالنون ، ( وجوههم ) بالنصب . وحكاها ابن عطية عن أبي حيوة أيضا وخارجة . زاد صاحب اللوامح أنها قراءة عيسى البصري . وقرأ عيسى الكوفي كذلك إلا أن بدل النون تاء ، وفاعل ( تقلب ) ضمير يعود على ( سعيرا ) وعلى جهنم أسند إليهما اتساعا . وقراءة ابن أبي عبلة : تتقلب بتاءين ، وتقليب الوجوه في النار : تحركها في الجهات ، أو تغيرها عن هيئاتها ، أو إلقاؤها في النار منكوسة . والظاهر هو الأول ، والوجه أشرف ما في الإنسان ، فإذا قلب في النار كان تقليب ما سواه أولى . وعبر بالوجه عن الجملة ، وتمنيهم حيث لا ينفع ، وتشكيهم من كبرائهم لا يجدي . وقرأ الجمهور : ( سادتنا ) جمعا على وزن فعلات ، أصله سودة ، وهو شاذ في جمع فيعل ، فإن جعلت جمع سائد قرب من القياس . وقرأ الحسن ، وأبو رجاء ، وقتادة ، والسلمي ، وابن عامر ، والعامة في الجامع بالبصرة : " ساداتنا " على الجمع بالألف والتاء ، وهو لا ينقاس ، كسوقات ومواليات بني هاشم . وسادتهم : رؤساء الكفر الذين لقنوهم الكفر وزينوه لهم . قال قتادة : سادتنا : رؤساؤنا . وقال طاوس : أشرافنا . وقال أبو أسامة : أمراؤنا وقال الشاعر :
تسلسل قوم سادة ثم زادة يبدون أهل الجمع يوم المحصب
ويقال : ضل السبيل ، وضل عن السبيل . فإذا دخلت همزة النقل تعدى لاثنين ; وتقدم الكلام على إثبات الألف في ( الرسولا ) و ( السبيلا ) في قوله : ( وتظنون بالله الظنونا ) . ولما لم يجد تمنيهم الإيمان بطاعة الله ورسوله ، ولا قام لهم عذر في تشكيهم ممن أضلهم ، دعوا على ساداتهم . ( ربنا آتهم ضعفين من العذاب ) ضعفا على ضلالهم في أنفسهم ، وضعفا على إضلال من أضلوا . وقرأ الجمهور : كثيرا بالثاء المثلثة . وقرأ حذيفة بن اليمان ، وابن عامر ، وعاصم ، والأعرج بخلاف عنه بالباء . ( كالذين آذوا موسى ) قيل : نزلت في شأن زيد وزينب ، وما سمع فيه من قالة بعض الناس . وقيل : المراد حديث الإفك على أنه ما أوذي نبي مثل ما أوذيت . وفي حديث الرجل الذي قال لقسم قسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله ، فغضب وقال : رحم الله أخي موسى ، لقد أوذي أكثر من هذا فصبر . وإذاية موسى قولهم : [ ص: 253 ] إنه أبرص وآدر ، وأنه حسد أخاه هارون وقتله . أو حديث المومسة المستأجرة لأن تقول : إن موسى زنى بها ، أو ما نسبوه إليه من السحر والجنون ، أقوال .
( مما قالوا ) أي : من وصم ما قالوا ، و " ما " موصولة أو مصدرية . وقرأ الجمهور : ( وكان عند الله ) الظرف معمول لـ : ( وجيها ) أي : ذا وجه ومنزلة عند الله تعالى ، تميط عنه الأذى وتدفع التهم . وقرأ عبد الله ، والأعمش ، وأبو حيوة : عبد من العبودية ، لله جر بلام الجر ، و ( عبدا ) خبر كان ، و ( وجيها ) صفة له . قال ابن خالويه : صليت خلف ابن شنبوذ في شهر رمضان فسمعته يقرأ : وكان عبد الله على قراءة ابن مسعود . قال ابن زيد : ( وجيها ) مقبولا . وقال الحسن : مستجاب الدعوة ، ما سأل شيئا إلا أعطي ، إلا الرؤية في الدنيا . وقال قطرب : رفيع القدر . وقيل : وجاهته أنه كلمه ولقبه كليم الله . والسديد : تقدم شرحه في أوائل النساء . وقال ابن عباس : هنا صوابا . وقال مقاتل وقتادة : سديدا في شأن زيد وزينب والرسول . وقال ابن عباس ، وعكرمة أيضا : لا إله إلا الله ، وقيل : ما يوافق ظاهره باطنه ، وقيل : ما هو إصلاح من تسديد السهم ليصيب الغرض ، وقيل : السديد يعم الخيرات . ورتب على القول السديد : صلاح الأعمال وغفران الذنوب . قال الزمخشري : وهذه الآية مقررة للتي قبلها . بنيت تلك على النهي عما يؤذى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذه على الأمر باتقاء الله في حفظ اللسان ، ليترادف عليهم النهي والأمر ، مع إتباع النهي ما يتضمن الوعيد من قصة موسى ، وإتباع الأمر الوعد البليغ ، فيقوى الصارف عن الأذى والداعي إلى تركه . انتهى ، وهو كلام حسن .
تفسير الطبري
محمد بن جرير الطبري
الجزء العشرون ص: 325
التحليل الموضوعي
القول في تأويل قوله تعالى : ( ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما ( 59 ) )
يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين : لا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن ، فكشفن شعورهن ووجوههن . ولكن ليدنين عليهن من جلابيبهن ; لئلا يعرض لهن فاسق ، إذا علم أنهن حرائر ، بأذى من قول .
ثم اختلف أهل التأويل في صفة الإدناء الذي أمرهن الله به فقال بعضهم : هو أن يغطين وجوههن ورءوسهن فلا يبدين منهن إلا عينا واحدة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال ثني معاوية عن علي عن ابن عباس ، قوله ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة .
حدثني يعقوب قال ثنا ابن علية ، عن ابن عون ، عن محمد ، عن عبيدة في قوله ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) فلبسها [ ص: 325 ] عندنا ابن عون قال : ولبسها عندنا محمد قال محمد : ولبسها عندي عبيدة قال ابن عون بردائه فتقنع به ، فغطى أنفه وعينه اليسرى وأخرج عينه اليمنى ، وأدنى رداءه من فوق حتى جعله قريبا من حاجبه أو على الحاجب .
حدثني يعقوب قال : ثنا هشيم ، قال أخبرنا هشام ، عن ابن سيرين قال : سألت عبيدة ، عن قوله ( قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) قال : فقال بثوبه ، فغطى رأسه ووجهه ، وأبرز ثوبه عن إحدى عينيه .
وقال آخرون : بل أمرن أن يشددن جلابيبهن على جباههن .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) إلى قوله ( وكان الله غفورا رحيما ) قال : كانت الحرة تلبس لباس الأمة فأمر الله نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن . وإدناء الجلباب : أن تقنع وتشد على جبينها .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين ) أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يقنعن على الحواجب ( ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) وقد كانت المملوكة إذا مرت تناولوها بالإيذاء ، فنهى الله الحرائر أن يتشبهن بالإماء .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله ( يدنين عليهن من جلابيبهن ) يتجلببن فيعلم أنهن حرائر فلا يعرض لهن فاسق بأذى من قول ولا ريبة .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عمن حدثه ، عن أبي صالح قال : [ ص: 326 ] قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة على غير منزل ، فكان نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهن إذا كان الليل خرجن يقضين حوائجهن . وكان رجال يجلسون على الطريق للغزل . فأنزل الله ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) يقنعن بالجلباب حتى تعرف الأمة من الحرة .
وقوله ( ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) يقول - تعالى ذكره - : إدناؤهن جلابيبهن إذا أدنينها عليهن أقرب وأحرى أن يعرفن ممن مررن به ، ويعلموا أنهن لسن بإماء فيتنكبوا عن أذاهن بقول مكروه ، أو تعرض بريبة ( وكان الله غفورا ) لما سلف منهن من تركهن إدناءهن الجلابيب عليهن ( رحيما ) بهن أن يعاقبهن بعد توبتهن بإدناء الجلابيب عليهن .
________________
تفسير البغوي
الحسين بن مسعود البغوي
الجزء السادس ص: 377
( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ( 58 ) يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما ( 59 ) )
( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا ) من غير أن علموا ما أوجب أذاهم ، وقال مجاهد : يقعون فيهم ويرمونهم بغير جرم ( فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا )
وقال مقاتل : نزلت في علي بن أبي طالب وذلك أن ناسا من المنافقين كانوا يؤذونه ويشتمونه .
وقيل : نزلت في شأن عائشة .
وقال الضحاك ، والكلبي : نزلت في الزناة الذين كانوا يمشون في طرق المدينة يتبعون النساء إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن ، فيغمزون المرأة ، فإن سكتت اتبعوها ، وإن زجرتهم انتهوا عنها ، ولم يكونوا يطلبون إلا الإماء ، ولكن كانوا لا يعرفون الحرة من الأمة لأن زي الكل كان واحدا ، يخرجن في درع وخمار ، الحرة والأمة ، فشكون ذلك إلى أزواجهن ، فذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية : ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات ) الآية . ثم نهى الحرائر أن يتشبهن بالإماء فقال جل ذكره : ( ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) جمع الجلباب ، وهو الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار .
وقال ابن عباس وأبو عبيدة : أمر نساء المؤمنين أن يغطين رؤسهن ووجوههن بالجلابيب إلا عينا واحدة ليعلم أنهن حرائر . [ ص: 377 ]
( ذلك أدنى أن يعرفن ) أنهن حرائر ( فلا يؤذين ) فلا يتعرض لهن ( وكان الله غفورا رحيما ) قال أنس : مرت بعمر بن الخطاب جارية متقنعة فعلاها بالدرة ، وقال يالكاع أتتشبهين بالحرائر ، ألقي القناع .
________________
تفسير ابن كثير
إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي
الجزء السادس ص: 482
( ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما ( 59 ) لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ( 60 ) ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا ( 61 ) سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ( 62 ) ) .
يقول تعالى آمرا رسوله ، صلى الله عليه وسلم تسليما ، أن يأمر النساء المؤمنات - خاصة أزواجه وبناته لشرفهن - بأن يدنين عليهن من جلابيبهن ، ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية وسمات الإماء . والجلباب هو : الرداء فوق الخمار . قاله ابن مسعود ، وعبيدة ، وقتادة ، والحسن البصري ، وسعيد بن جبير ، وإبراهيم النخعي ، وعطاء الخراساني ، وغير واحد . وهو بمنزلة الإزار اليوم .
قاله الجوهري : الجلباب : الملحفة ، قالت امرأة من هذيل ترثي قتيلا لها :
تمشي النسور إليه وهي لاهية مشي العذارى عليهن الجلابيب
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في [ ص: 482 ] حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ، ويبدين عينا واحدة .
وقال محمد بن سيرين : سألت عبيدة السلماني عن قول الله تعالى : ( يدنين عليهن من جلابيبهن ) ، فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى .
وقال عكرمة : تغطي ثغرة نحرها بجلبابها تدنيه عليها .
وقال ابن أبي حاتم : أخبرنا أبو عبد الله الظهراني فيما كتب إلي ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن ابن خثيم ، عن صفية بنت شيبة ، عن أم سلمة قالت : لما نزلت هذه الآية : ( يدنين عليهن من جلابيبهن ) ، خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من السكينة ، وعليهن أكسية سود يلبسنها .
وقال ابن أبي حاتم ، حدثنا أبي ، حدثنا أبو صالح ، حدثني الليث ، حدثنا يونس بن يزيد قال : وسألناه يعني : الزهري - : هل على الوليدة خمار متزوجة أو غير متزوجة ؟ قال : عليها الخمار إن كانت متزوجة ، وتنهى عن الجلباب لأنه يكره لهن أن يتشبهن بالحرائر إلا محصنات . وقد قال الله تعالى : ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) .
وروي عن سفيان الثوري أنه قال : لا بأس بالنظر إلى زينة نساء أهل الذمة ، إنما ينهى عن ذلك لخوف الفتنة; لا لحرمتهن ، واستدل بقوله تعالى : ( ونساء المؤمنين ) .
وقوله : ( ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) أي : إذا فعلن ذلك عرفن أنهن حرائر ، لسن بإماء ولا عواهر ، قال السدي في قوله تعالى : ( [ يا أيها النبي ] قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) قال : كان ناس من فساق أهل المدينة يخرجون بالليل حين يختلط الظلام إلى طرق المدينة ، يتعرضون للنساء ، وكانت مساكن أهل المدينة ضيقة ، فإذا كان الليل خرج النساء إلى الطرق يقضين حاجتهن ، فكان أولئك الفساق يبتغون ذلك منهن ، فإذا رأوا امرأة عليها جلباب قالوا : هذه حرة ، كفوا عنها . وإذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب ، قالوا : هذه أمة . فوثبوا إليها .
وقال مجاهد : يتجلببن فيعلم أنهن حرائر ، فلا يتعرض لهن فاسق بأذى ولا ريبة .
وقوله : ( وكان الله غفورا رحيما ) أي : لما سلف في أيام الجاهلية حيث لم يكن عندهن علم بذلك .
ثم قال تعالى متوعدا للمنافقين ، وهم الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر : ( والذين في قلوبهم مرض ) قال عكرمة وغيره : هم الزناة هاهنا ( والمرجفون في المدينة ) يعني : الذين يقولون : " جاء [ ص: 483 ] الأعداء " و " جاءت الحروب " ، وهو كذب وافتراء ، لئن لم ينتهوا عن ذلك ويرجعوا إلى الحق ( لنغرينك بهم ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : أي : لنسلطنك عليهم . وقال قتادة ، رحمه الله : لنحرشنك بهم . وقال السدي : لنعلمنك بهم .
( ثم لا يجاورونك فيها ) أي : في المدينة ) إلا قليلا ملعونين ) حال منهم في مدة إقامتهم في المدينة مدة قريبة مطرودين مبعدين ، ( أين ما ثقفوا ) أي : وجدوا ، ( أخذوا ) لذلتهم وقلتهم ، ( وقتلوا تقتيلا ) .
ثم قال : ( سنة الله في الذين خلوا من قبل ) أي : هذه سنته في المنافقين إذا تمردوا على نفاقهم وكفرهم ولم يرجعوا عما هم فيه ، أن أهل الإيمان يسلطون عليهم ويقهرونهم ، ( ولن تجد لسنة الله تبديلا ) أي : وسنة الله في ذلك لا تبدل ولا تغير .
________________
تفسير الماوردي
أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري
الجزء الرابع ص: 425
يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا
قوله تعالى : يدنين عليهن من جلابيبهن فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن الجلباب الرداء ، قاله ابن مسعود والحسن .
الثاني : أنه القناع; قاله ابن جبير .
[ ص: 424 ] الثالث : أنه كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها ، قاله قطرب . وفي إدناء جلابيبهن عليهن قولان :
أحدهما : أن تشده فوق رأسها وتلقيه فوق خمارها حتى لا ترى ثغرة نحرها ، قاله عكرمة .
الثاني : أن تغطي وجهها حتى لا تظهر إلا عينها اليسرى ، قاله عبيدة السلماني .
ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين فيه وجهان :
أحدهما : ليعرفن من الإماء بالحرية .
الثاني : يعرفن من المتبرجات بالصيانة . قال قتادة : كانت الأمة إذا مرت تناولها المنافقون بالأذى فنهى الله الحرائر أن يتشبهن بالإماء .
قوله : لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض فيهم قولان :
أحدهما : أنهم الزناة ، قاله عكرمة والسدي .
الثاني : أصحاب الفواحش والقبائح ، قاله سلمة بن كهيل . وفي قوله : لئن لم ينته المنافقون قولان :
أحدهما : عن إيذاء نساء المسلمين قاله الكلبي .
الثاني : عن إظهار ما في قلوبهم من النفاق ، قاله الحسن وقتادة .
والمرجفون في المدينة فيهم ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم الذين يكاثرون النساء ويتعرضون لهن ، قاله السدي .
الثاني : أنهم الذين يذكرون من الأخبار ما يضعف به قلوب المؤمنين وتقوى به قلوب المشركين قاله قتادة .
الثالث : أن الإرجاف التماس الفتنة ، قاله ابن عباس ، وسميت الأراجيف لاضطراب الأصوات بها وإفاضة الناس فيها .
لنغرينك بهم فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : معناه لنسلطنك عليهم ، قاله ابن عباس .
[ ص: 425 ] الثاني : لنعلمنك بهم ، قاله السدي .
الثالث : لنحملنك على مؤاخذتهم ، وهو معنى قول قتادة .
ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا قيل بالنفي عنها ، وقيل الذي استثناه ما بين قوله لهم اخرجوا وبين خروجهم .
قوله : سنة الله في الذين خلوا من قبل فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : يعني سنته فيهم أن من أظهر الشرك قتل ، قاله يحيى بن سلام .
الثاني : سنته فيهم أن من زنى حد ، وهو معنى قول السدي .
الثالث : سنته فيهم أن من أظهر النفاق أبعد ، قاله قتادة .
ولن تجد لسنة الله تبديلا فيه وجهان :
أحدهما : يعني تحويلا وتغييرا ، حكاه النقاش .
الثاني : يعني أن من قتل بحق فلا دية له على قاتله ، قاله السدي .
________________
التفسير الكبير
الإمام فخر الدين الرازي أبو عبد الله محمد بن عمر بن حسين القرشي الطبرستاني الأصل
ثم قال تعالى : ( ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) .
لما ذكر أن من يؤذي المؤمنين يحتمل بهتانا وكان فيه منع المكلف عن إيذاء المؤمن ، أمر المؤمن باجتناب المواضع التي فيها التهم الموجبة للتأذي لئلا يحصل الإيذاء الممنوع منه . ولما كان الإيذاء القولي مختصا بالذكر اختص بالذكر ما هو سبب الإيذاء القولي وهو النساء فإن ذكرهن بالسوء يؤذي الرجال والنساء بخلاف ذكر الرجال فإن من ذكر امرأة بالسوء تأذت وتأذى أقاربها أكثر من تأذيها ، ومن ذكر رجلا بالسوء تأذى ولا يتأذى نساؤه ، وكان في الجاهلية تخرج الحرة والأمة مكشوفات يتبعهن الزناة وتقع التهم ، فأمر الله الحرائر بالتجلبب .
وقوله : ( ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) قيل يعرفن أنهن حرائر فلا يتبعن ويمكن أن يقال : المراد يعرفن أنهن لا يزنين لأن من تستر وجهها مع أنه ليس بعورة لا يطمع فيها أنها تكشف عورتها فيعرفن أنهن مستورات [ ص: 199 ] لا يمكن طلب الزنا منهن . وقوله : ( وكان الله غفورا رحيما ) يغفر لكم ما قد سلف برحمته ويثيبكم على ما تأتون به راحما عليكم .
( لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا )
لما ذكر حال المشرك الذي يؤذي الله ورسوله ، والمجاهر الذي يؤذي المؤمنين ، ذكر حال المسر الذي يظهر الحق ويضمر الباطل وهو المنافق ، ولما كان المذكور من قبل أقواما ثلاثة نظرا إلى اعتبار أمور ثلاثة : وهم المؤذون الله ، والمؤذون الرسول ، والمؤذون المؤمنين ، ذكر من المسرين ثلاثة نظرا إلى اعتبار أمور ثلاثة :
أحدها : المنافق الذي يؤذي الله سرا .
والثاني : الذي في قلبه مرض الذي يؤذي المؤمن باتباع نسائه .
والثالث : المرجف الذي يؤذي النبي عليه السلام بالإرجاف بقوله : غلب محمد وسيخرج من المدينة وسيؤخذ ، وهؤلاء وإن كانوا قوما واحدا إلا أن لهم ثلاث اعتبارات وهذا في مقابلة قوله تعالى : ( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ) [ الأحزاب : 35 ] حيث ذكر أصنافا عشرة ، وكلهم يوجد في واحد ، فهم واحد بالشخص كثير بالاعتبار ، وقوله : ( لنغرينك بهم ) أي لنسلطنك عليهم ولنخرجنهم من المدينة ، ثم لا يجاورونك وتخلو المدينة منهم بالموت أو الإخراج ، ويحتمل أن يكون المراد لنغرينك بهم ، فإذا أغريناك لا يجاورونك ، والأول : كقول القائل : يخرج فلان ويقرأ ؛ إشارة إلى أمرين .
والثاني : كقوله يخرج فلان ويدخل السوق ففي الأول يقرأ وإن لم يخرج ، وفي الثاني لا يدخل إلا إذا خرج . والاستثناء فيه لطيفة وهي أن الله تعالى وعد النبي عليه السلام أنه يخرج أعداءه من المدينة وينفيهم على يده إظهارا لشوكته ، ولو كان النفي بإرادة الله من غير واسطة النبي لأخلى المدينة عنهم في ألطف آن [ بقوله ] كن فيكون ، ولكن لما أراد الله أن يكون على يد النبي لا يقع ذلك إلا بزمان وإن لطف فقال : ( ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ) وهو أن يتهيئوا ويتأهبوا للخروج .
________________
التفسير الكبير المسمى البحر المحيط
أثير الدين أبو عبد
الله محمد بن يوسف الأندلسي
الجزء السابع ص: 250
كان دأب الجاهلية أن تخرج الحرة والأمة مكشوفتي الوجه في درع وخمار ، وكان الزناة يتعرضون إذا خرجن بالليل لقضاء حوائجهن في النخيل والغيطان للإماء ، وربما تعرضوا للحرة بعلة الأمة ، يقولون : حسبناها أمة ، فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء ، بلبس الأردية والملاحف ، وستر الرءوس والوجوه ، ليحتشمن ويهبن ، فلا يطمع فيهن . وروي أنه كان في المدينة قوم يجلسون على الصعدات لرؤية النساء ومعارضتهن ومراودتهن ، فنزلت .
قيل : والجلابيب : الأردية التي تستر من فوق إلى أسفل ، وقال ابن جبير : المقانع ; وقيل : الملاحف ، وقيل : الجلباب : كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها ، وقيل : كل ما تستتر به من كساء أو غيره . قال أبو زيد :
تجلببت من سواد الليل جلبابا
وقيل : الجلباب أكبر من الخمار . وقال عكرمة : تلقي جانب الجلباب على غيرها ولا يرى . وقال عبيدة السلماني حين سئل عن ذلك ، فقال : أن تضع رداءها فوق الحاجب ، ثم تديره حتى تضعه على أنفها . وقال السدي : تغطي إحدى عينيها وجبهتها والشق الآخر إلا العين . انتهى . وكذا عادة بلاد الأندلس ، لا يظهر من المرأة إلا عينها الواحدة . وقال الكسائي : يتقنعن بملاحفهن منضمة عليهن ، أراد بالانضمام معنى الإدناء . وقال ابن عباس وقتادة : وذلك أن تلويه فوق الجبين وتشده ، ثم تعطفه على الأنف ، وإن ظهرت عيناها ، لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه . والظاهر أن قوله : ( ونساء المؤمنين ) يشمل الحرائر والإماء ، والفتنة بالإماء أكثر ، لكثرة تصرفهن بخلاف الحرائر ، فيحتاج إخراجهن من عموم النساء إلى دليل واضح . و " من " في : ( من جلابيبهن ) للتبعيض ، و ( عليهن ) شامل لجميع أجسادهن ، أو ( عليهن ) على وجوههن ; لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه . ( ذلك أدنى أن يعرفن ) لتسترهن بالعفة ، فلا يتعرض لهن ، ولا يلقين بما يكرهن ; لأن المرأة إذا كانت في غاية التستر والانضمام لم يقدم عليها بخلاف المتبرجة ، فإنها مطموع فيها . ( وكان الله غفورا رحيما ) تأنيس للنساء في ترك الاستتار قبل أن يؤمرن بذلك .
ولما ذكر حال المشرك الذي يؤذي الله ورسوله ، والمجاهر الذي يؤذي المؤمنين ، ذكر حال المسر الذي يؤذي الله ورسوله ، ويظهر الحق ويضمر النفاق . ولما كان المؤذون ثلاثة باعتبار إذايتهم لله ولرسوله وللمؤمنين ، كان المشركون ثلاثة : منافق ، ومن في قلبه مرض ، ومرجف . فالمنافق يؤذي سرا ، والثاني يؤذي المؤمن باتباع نسائه ، والثالث يرجف بالرسول ، يقول : غلب ، سيخرج من المدينة ، سيؤخذ ، هزمت سراياه . وظاهر العطف التغاير بالشخص ، فيكون المعنى : لئن لم ينته المنافقون عن عداوتهم وكيدهم ، والفسقة عن فجورهم ، والمرجفون عما يقولون [ ص: 251 ] من أخبار السوء ويشيعونه ، ويجوز أن يكون التغاير بالوصف ، فيكون واحدا بالشخص ثلاثة بالوصف . كما جاء : إن المسلمين والمسلمات ، فذكر أوصافا عشرة ، والموصوف بها واحد ، ونص على هذين الوصفين من المنافقين لشدة ضررهما على المؤمنين . قال عكرمة : ( الذين في قلوبهم مرض ) هو الغزل وحب الزنى ، ومنه : ( فيطمع الذي في قلبه مرض ) . وقال السدي : المرض : النفاق ، ومن في قلوبهم مرض . وقال ابن عباس : هم الذين آذوا عمر . وقال الكلبي : من آذى المسلمين . وقال ابن عباس : ( المرجفون ) ملتمسو الفتن . وقال قتادة : الذين يؤذون قلوب المؤمنين بإيهام القتل والهزيمة . ( لنغرينك بهم ) أي : لنسلطنك عليهم ، قاله ابن عباس . وقال قتادة : لنحرسنك بهم .
( ثم لا يجاورونك فيها ) أي في المدينة ، و ( ثم لا يجاورونك ) معطوف على ( لنغرينك ) ولم يكن العطف بالفاء ; لأنه لم يقصد أنه متسبب عن الإغراء ، بل كونه جوابا للقسم أبلغ . وكان العطف بـ : ثم ; لأن الجلاء عن الوطن كان أعظم عليهم من جميع ما أصيبوا به ، فتراخت حالة الجلاء عن حالة الإغراء . ( إلا قليلا ) أي : جوارا قليلا ، أو زمانا قليلا ، أو عددا قليلا ، وهذا الأخير استثناء من المنطوق ، وهو ضمير الرفع في ( يجاورونك ) أو ينتصب قليلا على الحال ، أي : إلا قليلين ، والأول استثناء من المصدر الدال عليه ( يجاورونك ) والثاني من الزمان الدال عليه ( يجاورونك ) والمعنى : أنهم يضطرون إلى طلب الجلاء عن المدينة خوف القتل . وانتصب ( ملعونين ) على الذم ، قاله الطبري . وأجاز ابن عطية أن يكون بدلا من ( قليلا ) قال : هو من إقلاء الذي قدرناه ; وأجاز هو أيضا أن يكون حالا من الضمير في ( يجاورونك ) قال : كأنه قال : ينتفون من المدينة معلونين ، فلا يقدر ( لا يجاورونك ) فقدر " ينتفون " حسن هذا . انتهى . وقال الزمخشري والحوفي وتبعهما أبو البقاء : يجوز أن يكون حالا من الضمير في ( لا يجاورونك ) كما قال ابن عطية . قال الزمخشري : وهذا نصه ملعونين ، نصب على الشتم أو الحال أي : لا يجاورونك إلا ملعونين . دخل حرف الاستثناء على الظرف والحال معا ، كما مر في قول : ( إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ) ولا يصح أن ينتصب من أخذوا لأن ما بعد كلمة الشرط لا يعمل فيما قبلها . انتهى . وتقدم الكلام معه في مجيء الحال مما قبل إلا مذكورة بعدما استثنى بإلا ، فيكون الاستثناء منصبا عليهما ، وأن جمهور البصريين منعوا من ذلك . وأما تجويز ابن عطية أن يكون بدلا فالبدل بالمشتق قليل . وأما قول الزمخشري : لأن ما بعد كلمة الشرط لا يعمل فيما قبلها فليس هذا مجمعا عليه ; لأن ما بعد كلمة الشرط شيئان : فعل الشرط والجواب ، فأما فعل الشرط فأجاز الكسائي تقديم معموله على الكلمة ، أجاز : زيد أن يضرب اضربه ، وأما الجواب فقد أجاز أيضا تقديم معموله عليه نحو : إن يقم زيد عمرا يضرب . وقد حكي عن بعض النحويين أنه قال المعنى : ( أينما ثقفوا ) أخذوا ملعونين ، والصحيح أن ملعونين صفة لقليل ، أي : إلا قليلين ملعونين ، ويكون قليلا مستثنى من الواو في ( لا يجاورونك ) ، والجملة الشرطية صفة أيضا أي : مقهورين مغلوبا عليهم . ومعنى ( ثقفوا ) حصروا وظفر بهم ، ومعنى ( أخذوا ) أسروا ، والأخيذ : الأسير . وقرأ الجمهور : ( قتلوا ) بتشديد التاء . وفرقة : بتخفيفها فيكون ( تقتيلا ) مصدرا على غير قياس المصدر .
والظاهر أن المنافقين انتهوا عما كانوا يؤذون به الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، وتستر جميعهم ، وكفوا خوفا من أن يقع بهم ما وقع القسم عليه ، وهو الإغراء والجلاء والأخذ والقتل . وقيل : لم يمتثلوا للانتهاء جملة ، ولا نفذ عليهم الوعيد كاملا . ألا ترى إلى إخراجهم من المسجد ، ونهيه عن الصلاة عليهم ، وما نزل فيهم في سورة براءة ؟ وأبعد من ذهب إلى أنه لم ينته هؤلاء الأصناف ، ولم ينفذ الله الوعيد عليهم ففيه [ ص: 252 ] دليل على بطلان القول بإنفاذ الوعيد في الآخرة ، ويكون هذا الوعيد مفروضا ومشروطا بالمشيئة .
( سنة الله ) مصدر مؤكد أي : سن الله في الذين ينافقون الأنبياء أن يقتلوا حيثما ظفر بهم . وعن مقاتل : كما قتل أهل بدر وأسروا ، فالذين خلوا يشمل أتباع الأنبياء الذين نافقوا ، ومن قتل يوم بدر . ( يسألك الناس ) أي : المشركون ، عن وقت قيام الساعة استعجالا على سبيل الهزء ، واليهود على سبيل الامتحان ، إذ كانت معمى وقتها في التوراة ، فنزلت الآية بأن يرد العلم إلى الله ، إذ لم يطلع عليها ملكا ولا نبيا . ولما ذكر حالهم في الدنيا أنهم ملعونون مهانون مقتولون بين حالهم في الآخرة . ( وما يدريك ) ما استفهام في موضع رفع بالابتداء أي : وأي شيء يدريك بها ؟ ومعناه النفي أي : ما يدريك بها أحد . ( لعل الساعة تكون قريبا ) بين قرب الساعة ، وفي ذلك تسلية للممتحن ، وتهديد للمستعجل . وانتصب ( قريبا ) على الظرف أي : في زمان قريب ، إذ استعماله ظرفا كثير ، ويستعمل أيضا غير ظرف ، تقول : إن قريبا منك زيدا ، فجاز أن يكون التقدير : شيئا قريبا ، أو تكون الساعة بمعنى الوقت ، فذكر ( قريبا ) على المعنى . أو يكون التقدير : لعل قيام الساعة ، فلوحظ الساعة في ( تكون ) فأنث ، ولوحظ المضاف المحذوف وهو " قيام " في ( قريبا ) فذكر .
( يوم تقلب وجوههم في النار ) يجوز أن ينتصب ( يوم ) بقوله : ( لا يجدون ) ويكون ( يقولون ) استئناف إخبار عنهم ، أو تم الكلام عند قولهم : ( ولا نصيرا ) . وينتصب ( يوم ) بقوله : ( يقولون ) أو بمحذوف أي : اذكر و ( يقولون ) حال . وقرأ الجمهور : ( تقلب ) مبنيا للمفعول . والحسن وعيسى وأبو جعفر الرؤاسي : بفتح التاء ، أي : تتقلب وحكاها ابن عطية عن أبي حيوة . وقال ابن خالويه عن أبي حيوة : " نقلب " بالنون ، ( وجوههم ) بالنصب . وحكاها ابن عطية عن أبي حيوة أيضا وخارجة . زاد صاحب اللوامح أنها قراءة عيسى البصري . وقرأ عيسى الكوفي كذلك إلا أن بدل النون تاء ، وفاعل ( تقلب ) ضمير يعود على ( سعيرا ) وعلى جهنم أسند إليهما اتساعا . وقراءة ابن أبي عبلة : تتقلب بتاءين ، وتقليب الوجوه في النار : تحركها في الجهات ، أو تغيرها عن هيئاتها ، أو إلقاؤها في النار منكوسة . والظاهر هو الأول ، والوجه أشرف ما في الإنسان ، فإذا قلب في النار كان تقليب ما سواه أولى . وعبر بالوجه عن الجملة ، وتمنيهم حيث لا ينفع ، وتشكيهم من كبرائهم لا يجدي . وقرأ الجمهور : ( سادتنا ) جمعا على وزن فعلات ، أصله سودة ، وهو شاذ في جمع فيعل ، فإن جعلت جمع سائد قرب من القياس . وقرأ الحسن ، وأبو رجاء ، وقتادة ، والسلمي ، وابن عامر ، والعامة في الجامع بالبصرة : " ساداتنا " على الجمع بالألف والتاء ، وهو لا ينقاس ، كسوقات ومواليات بني هاشم . وسادتهم : رؤساء الكفر الذين لقنوهم الكفر وزينوه لهم . قال قتادة : سادتنا : رؤساؤنا . وقال طاوس : أشرافنا . وقال أبو أسامة : أمراؤنا وقال الشاعر :
تسلسل قوم سادة ثم زادة يبدون أهل الجمع يوم المحصب
ويقال : ضل السبيل ، وضل عن السبيل . فإذا دخلت همزة النقل تعدى لاثنين ; وتقدم الكلام على إثبات الألف في ( الرسولا ) و ( السبيلا ) في قوله : ( وتظنون بالله الظنونا ) . ولما لم يجد تمنيهم الإيمان بطاعة الله ورسوله ، ولا قام لهم عذر في تشكيهم ممن أضلهم ، دعوا على ساداتهم . ( ربنا آتهم ضعفين من العذاب ) ضعفا على ضلالهم في أنفسهم ، وضعفا على إضلال من أضلوا . وقرأ الجمهور : كثيرا بالثاء المثلثة . وقرأ حذيفة بن اليمان ، وابن عامر ، وعاصم ، والأعرج بخلاف عنه بالباء . ( كالذين آذوا موسى ) قيل : نزلت في شأن زيد وزينب ، وما سمع فيه من قالة بعض الناس . وقيل : المراد حديث الإفك على أنه ما أوذي نبي مثل ما أوذيت . وفي حديث الرجل الذي قال لقسم قسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله ، فغضب وقال : رحم الله أخي موسى ، لقد أوذي أكثر من هذا فصبر . وإذاية موسى قولهم : [ ص: 253 ] إنه أبرص وآدر ، وأنه حسد أخاه هارون وقتله . أو حديث المومسة المستأجرة لأن تقول : إن موسى زنى بها ، أو ما نسبوه إليه من السحر والجنون ، أقوال .
( مما قالوا ) أي : من وصم ما قالوا ، و " ما " موصولة أو مصدرية . وقرأ الجمهور : ( وكان عند الله ) الظرف معمول لـ : ( وجيها ) أي : ذا وجه ومنزلة عند الله تعالى ، تميط عنه الأذى وتدفع التهم . وقرأ عبد الله ، والأعمش ، وأبو حيوة : عبد من العبودية ، لله جر بلام الجر ، و ( عبدا ) خبر كان ، و ( وجيها ) صفة له . قال ابن خالويه : صليت خلف ابن شنبوذ في شهر رمضان فسمعته يقرأ : وكان عبد الله على قراءة ابن مسعود . قال ابن زيد : ( وجيها ) مقبولا . وقال الحسن : مستجاب الدعوة ، ما سأل شيئا إلا أعطي ، إلا الرؤية في الدنيا . وقال قطرب : رفيع القدر . وقيل : وجاهته أنه كلمه ولقبه كليم الله . والسديد : تقدم شرحه في أوائل النساء . وقال ابن عباس : هنا صوابا . وقال مقاتل وقتادة : سديدا في شأن زيد وزينب والرسول . وقال ابن عباس ، وعكرمة أيضا : لا إله إلا الله ، وقيل : ما يوافق ظاهره باطنه ، وقيل : ما هو إصلاح من تسديد السهم ليصيب الغرض ، وقيل : السديد يعم الخيرات . ورتب على القول السديد : صلاح الأعمال وغفران الذنوب . قال الزمخشري : وهذه الآية مقررة للتي قبلها . بنيت تلك على النهي عما يؤذى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذه على الأمر باتقاء الله في حفظ اللسان ، ليترادف عليهم النهي والأمر ، مع إتباع النهي ما يتضمن الوعيد من قصة موسى ، وإتباع الأمر الوعد البليغ ، فيقوى الصارف عن الأذى والداعي إلى تركه . انتهى ، وهو كلام حسن .