Apa Maksud Fi Sabilillah dalam Masalah Zakat?
Apa Maksud Fi Sabilillah dalam Masalah Zakat? Apakah hanya terbatas pada orang yang berjihad berperang di jalan Allah atau ada makna yang lebih luas lagi misalnya untuk santri, murid agama, guru, keperluan umum atau yang lain? Berikut pendapat para ulama ahli fiqih, ahli hadis dan ahli tafsir dalam soal ini.
Apa Maksud Fi Sabilillah dalam Masalah Zakat? Apakah hanya terbatas pada orang yang berjihad berperang di jalan Allah atau ada makna yang lebih luas lagi misalnya untuk santri, murid agama, guru, keperluan umum atau yang lain? Berikut pendapat para ulama ahli fiqih, ahli hadis dan ahli tafsir dalam soal ini.
فقد اختلف العلماء رحمهم الله في تعيين المقصود من قوله تعالى في آية حصر أهل الزكاة:
"وفي سبيل الله" على ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المقصود بذلك الغزاة في سبيل الله وقد قال بهذا جمهور العلماء من المفسرين والمحدثين والفقهاء وفيما يلي نقل لبعض أقوالهم.
1- قال ابن جرير الطبري(1):
وأما قوله "وفي سبيل الله" فإنه يعني: وفي النفقة في نصرة دين الله وطريقه وشريعته التي شرعها لعباده بقتال أعدائه وذلك هو غزو الكفار، وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل –ذكر من قال ذلك- حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله "وفي سبيل الله" قال: الغازي في سبيل الله.
حدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي عن سفيان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال: قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: رجل عمل عليها، ورجل اشتراها بماله، وفي سبيل الله، أو ابن السبيل، أو رجل كان له جار تصدق عليه فأهداها له". أ.هـ.
2- وقال القرطبي(2).
"الثانية والعشرون قوله تعالى "وفي سبيل الله" هم الغزاة، وموضع الرباط يعطون ما ينفقون في غزوهم كانوا أغنياء أو فقراء وهذا قول أكثر العلماء وهو تحصيل مذهب مالك رحمه الله" أ.هـ.
3- وقال ابن العربي(3).
"المسألة التاسعة عشر" قوله "وفي سبيل الله" قال مالك: سبل الله كثيرة ولكني لا أعلم خلافاً في أن المراد بسبيل الله ها هنا: الغزو، ومن جملة سبيل الله إلا ما يؤثر عن أحمد وإسحاق فإنهما قالا: إنه الحج. والذي يصح عندي من قولهما أن الحج من جملة السبل مع الغزو؛ لأنه طريق بر فأعطي منه باسم السبيل. وهذا يحل عقد الباب ويخرم قانون الشريعة وينثر سلك النظر. وما جاء قط بإعطاء الزكاة في الحج أثر. وقد قال علماؤنا ويعطى منها الفقير بغير خلاف؛ لأنه قد سمي في أول الآية، ويعطى الغني عند مالك بوصف سبيل الله تعالى، كان غنياً في بلده، أو في موضعه الذي يأخذ به، لا يلتفت إلى غير ذلك من قوله الذي يؤثر عنه قال النبي –صلى الله عليه وسلم- "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: غاز في سبيل الله" وقال أبو حنيفة: لا يعطى الغازي إلا إذا كان فقيراً، وهذه زيادة على النص. وعنده أن الزيادة على النص نسخ ولا نسخ في القرآن، إلا بقرآن مثله أو بخبر متواتر وقد بينا أنه فعل مثل هذا في الخمس في قوله "ولذي القربى" فشرط في قرابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الفقر. وحينئذ يعطون من الخمس. وهذا كله ضعيف حسب ما بيناه، وقال محمد بن عبد الحكم يعطى من الصدقة في الكراع، والسلاح، وما يحتاج إليه من آلات الحرب وكف العدو عن الحوزة لأنه كله من سبيل الغزو ومنفعته، وقد أعطى النبي –صلى الله عليه وسلم- من الصدقة مائة ناقة في نازلة سهل بن حثمة إطفاء للثائرة" أ.هـ.
4- وقال الجصاص(4).
"قوله تعالى "وفي سبيل الله" روى ابن أبي ليلي عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تحل الصدقة لغني إلا في سبيل الله، أو ابن السبيل، أو رجل له جار مسكين تصدق عليه فأهدي له".
واختلف الفقهاء في ذلك فقال قائلون هي للمجاهدين الأغنياء منهم والفقراء، وهو قول الشافعي. وقال الشافعي: لا يعطى منها إلا الفقراء منهم ولا يعطى الأغنياء من المجاهدين فإن أعطوا ملكوها، وأجزأ المعطي وإن لم يصرفه في سبيل الله لأن شرطها تمليكه وقد حصل لمن هذه صفته فأجزأ وقد روي أن عمر تصدق بفرس في سبيل الله فوجده يباع بعد ذلك فأراد أن يشتريه فقال له رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "لا تعد في صدقتك" فلم يمنع النبي –صلى الله عليه وسلم- المحمول على الفرس من بيعها. –إلى أن قال-: وروي عن ابن يوسف فيمن أوصى بثلث ماله في سبيل الله أنه للفقراء الغزاة.
فإن قيل: فقد أجاز النبي –صلى الله عليه وسلم- لأغنياء الغزاة أخذ الصدقة بقوله: "لا تحل لغني إلا في سبيل الله" قيل له: قد يكون الرجل غنياً في أهله وبلده بدار يسكنها وأثاث يتأثث به في بيته وخادم يخدمه وفرس يركبه وله فضل مائتي درهم أو قيمتها فلا تحل له الصدقة فإذا عزم على الخروج في سفر غزو واحتاج من آلات السفر والسلاح والعدة إلى ما لم يكن محتاجاً إليه في حال إقامته فينفق الفضل عن أثاثه وما يحتاج إليه في مصره على السلاح والآلة فتجوز له الصدقة وجائز أن يكون الفضل عما يحتاج إليه من دابة الأرض أو سلاحاً أو شيئاً من آلات السفر لا يحتاج إليه في المصر فيمنع ذلك جواز إعطائه الصدقة إذا كان ذلك يساوي مائتي درهم وإن هو خرج للغزو فاحتاج إلى ذلك جاز أن يعطى من الصدقة وهو غني في هذا الوجه فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: الصدقة تحل للغازي الغني" أ.هـ.
5- وقال السيوطي(5) في تفسير قوله تعالى: "وفي سبيل الله":
"أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله "وفي سبيل الله" قال هم المجاهدون وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله "وفي سبيل الله" قال الغازي في سبيل الله" أ.هـ.
6- وقال الخازن(6):
"وفي سبيل الله" يعني وفي النفقة في سبيل الله وأراد به الغزاة فلهم سهم من مال الصدقات فيعطون إذا أرادوا الخروج إلى الغزو ما يستعينون به على أمر الجهاد من النفقة، والكسوة، والسلاح، والحمولة، فيعطون ذلك وإن كانوا أغنياء" أ.هـ.
7- وقال الشوكاني(7) في تفسيره "وفي سبيل الله".
"هم الغزاة والمرابطون يعطون من الصدقة ما ينفقون في غزوهم ومرابطتهم وإن كانوا أغنياء، وهذا قول أكثر العلماء" أ.هـ.
8- وقال ابن حجر العسقلاني(8):
"وأما في سبيل الله فالأكثر على أنه يختص بالغازي غنياً كان أو فقيراً إلا أن أبا حنيفة قال يختص بالغازي المحتاج" أ.هـ
9- قال بدر الدين العيني(9):
قوله "وفي سبيل الله" وهو منقطع الغزاة عند أبي يوسف، ومنقطع الحاج عند محمد. وفي المبسوط "وفي سبيل الله" فقراء الغزاة عند أبي يوسف، وعند محمد فقراء الحاج. وقال ابن المنذر وفي الإشراف قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد: سبيل الله هو الغازي غير الغني، وحكى أبو ثور عن أبي حنيفة أنه الغازي دون الحاج، وذكر ابن بطال: أنه قول أبي حنيفة ومالك والشافعي. ومثله النووي في شرح المهذب، وقال صاحب التوضيح: وأما قول أبي حنيفة: لا يعطى الغازي من الزكاة إلا أن يكون محتاجاً فهو خلاف ظاهر الكتاب والسنة، فأما الكتاب فقوله تعالى: "وفي سبيل الله" وأما السنة فروى عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لعامل عليها، أو لغاز في سبيل الله، أو غني اشتراها بماله، أو فقير تصدق عليه فأهدى لغني أو غارم". وأخرجه أبو داود وابن ماجه والحاكم، وقال صحيح على شرط الشيخين ورواه أبو داود.
(قلت): ما أحسن الأدب سيما مع الأكابر. وأبو حنيفة لم يخالف الكتاب ولا السنة وإنما عمل بالسنة فيما ذهب إليه وهو قوله صلى الله عليه وسلم "لا تحل الصدقة لغني" وقال: المراد من قوله لغاز في سبيل الله هو الغازي الغني بقوة البدن والقدرة على الكسب لا الغني بالنصاب الشرعي بدليل حديث معاذ: "وردها إلى فقرائهم" أ.هـ.
10- وقال أبو الحسن المباركفوري:
"اختلفوا في المراد من سبيل الله في آية المصارف فقيل المراد به الغزاة وعليه الجمهور. قال الباجي، هو: الغزو، والجهاد قاله مالك وجهور الفقهاء.
وقال الخرقي: وسهم في سبيل الله هم الغزاة، قال ابن قدامة هذا الصنف السابع من أهل الزكاة ولا خلاف في استحقاقهم، ولا خلاف في أنهم غزاة في سبيل الله لأن سبيل الله عند الإطلاق هو الغزو. أ.هـ.
ثم اختلف أهل هذا القول فقال الأكثر إنهم يعطون ما ينفقون في غزوهم وإن كانوا أغنياء، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف لا يعطى الغازي إلا إذا كان فقيراً منقطعاً به. قال الحافظ: أما سبيل الله فالأكثر على أنه يختص بالغازي غنياً كان أو فقيراً إلا أن أبا حنيفة قال يختص بالغازي المحتاج –ثم ذكر الأقوال الأخرى في المراد بقوله تعالى "وفي سبيل الله" ثم قال –والقول الراجح عندي هو ما ذهب إله الجمهور من أن المراد به الغزو والجهاد خاصة؛ لأن سبيل الله إذا أطلق في عرف الشرع فهو في الغالب واقع على الجهاد حتى كأنه مقصور عليه.
قال ابن العربي في أحكام القرآن: قوله "وفي سبيل الله" قال مالك: سبل الله كثيرة ولكني لا أعلم خلافاً في أن المراد بسبيل الله ههنا الغزو لحديث عطاء بن يسار الذي نحن في شرحه وهو حديث صريح مفسر لقوله "وفي سبيل الله" في الآية، فيجب حمله عليه ولم أر عنه جواباً شافياً من أحد. وإليه ذهب ابن حزم إذ قال: وأما سبيل الله فهو الجهاد بحق ثم ذكر حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد من طريق أبي داود وهو الذي يرجحه ابن قدامة حيث قال: وهذا أصح؛ لأن سبيل الله عند الإطلاق إنما ينصرف إلى الجهاد فإن كل ما في القرآن من ذكر سبيل الله إنما أريد به الجهاد إلا اليسير فيجب أن يحمل ما في هذه الآية على ذلك؛ لأن الظاهر إرادته به. انتهى.
وهو الذي صححه الخازن في تفسيره حيث قال: والقول الأول هو الصحيح لإجماع الجمهور عليه. ورجحه أيضاً العلامة القنوجي في تفسيره إذ قال: والأول أولى لإجماع الجمهور عليه. وبه فسره الشوكاني في فتح القدير ورجحه واختاره أيضاً غيرهم من المفسرين" أ.هـ.
11- وقال أبو سليمان الخطابي في معرض تعليقه على حديث عطاء بن يسار "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة" ما نصه(10):
"قلت فيه بيان أن للغازي وإن كان غنياً أن يأخذ الصدقة ويستعين بها في غزوه وهو من سهم سبيل الله وإليه ذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق بن راهويه. وقال أصحاب الرأي: لا يجوز أن يعطى للغازي من الصدقة إلا أن يكون منقطعاً به.
قلت: سهم السبيل غير سهم ابن السبيل، وقد فرق الله بينهما بالتسمية وعطف أحدهما على الآخر بالواو الذي هو حرف الفرق بين المذكورين المنسوق أحدهما على الآخر، فقال "وفي سبيل الله وابن السبيل" والمنقطع به هو ابن السبيل، فأما سهم السبيل فهو على عمومه وظاهره في الكتاب، وقد جاء في هذا الحديث ما بينه ووكد أمره فلا وجه للذهاب عنه" أ.هـ.
12- قال ابن الأثير: "وسبيل الله عام يقع على كل عمل خالص سلك به طريق التقرب إلى الله تعالى بأداء الفرائض والنوافل وأنواع التطوعات وإذا أطلق فهو في الغالب واقع على الجهاد حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه" أ.هـ.
13- وقال البابرتي(11)على عبارة الهداية "وفي سبيل الله":
"منقطع الغزاة عند أبي يوسف رحمه الله.. ولا يصرف إلى أغنياء الغزاة عندنا لأن المصرف هو للفقراء. وقوله منقطع الغزاة أي فقراء الغزاة... ولا يصرف إلى أغنياء الغزاة عندنا لأن المصرف هو للفقراء لقوله صلى الله عليه وسلم: "خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم". وقال الشافعي: يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة" من جملتهم الغزاة في سبيل الله وتأويله الغني، بقوة البدن ومعناه أن المستغني بكسبه لقوة بدنه لا يحل له طلب الصدقة إلا إذا كان غازياً فيحل لاشتغاله بالجهاد عن الكسب" أ.هـ.
14- وفي الفتاوى الهندية(12) ما نصه:
"ومنها في سبيل الله وهم منقطعو الغزاة الفقراء منهم عند أبي يوسف رحمه الله تعالى، وعند محمد رحمه الله تعالى منقطعو الحاج الفقراء منهم هكذا في التبيين، والصحيح قول أبي يوسف رحمه الله تعالى كذا في المضمرات" أ.هـ.
15- وقال أبو البركات أحمد الدردير في شرحه(13):
"وأشار للسابع بقوله ومجاهد أي المتلبس به إن كان ممن يجب عليه لكونه حراً مسلماً ذكراً بالغاً قادراً ولا بد أن يكون غير هاشمي ويدخل فيه المرابط وآلته كسيف ورمح تشترى منها ولو كان المجاهد غنياً حين غزوه كجاسوس يرسل للاطلاع على عورات العدو ويعلمنا بها فيعطى ولو كافراً، ولا تصرف الزكاة في سور حول البلد ليتحفظ به من الكفار ولا في عمل مركب يقاتل فيها العدو" أ.هـ.
16- وقال المواق(14):
"ومجاهد وآلته ولو غنيا. ابن عرفة: من الثمانية الأصناف التي تصرف الزكاة فيها سبيل الله. أبو عمر: وذلك الجهاد والرباط. اللخمي: ويعطي الغازي الفقير حيث غزوه الغني ببلده ويعطى الغزاة المقيمون في نحر العدو وإن كانوا أغنياء حيث غزوهم.
واختلف إذا كان غنيّا بالموضع الذي هو به فقيل يعطى لحديث "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز" الحديث. ولأن أخذه في معنى المعاوضة والأجرة إذا كان أوقف نفسه لذلك، ولأن في إعطائه ضرباً من الاستئلاف لمشقة ما يكلفون من بذل النفوس" أ.هـ 17- وقال الإمام الشافعي(15):
"ويعطى من سهم سبيل الله جل وعز من غزا من جيران الصدقة فقيراً كان أو غنياً ولا يعطى منه غيرهم إلا أن يحتاج إلى الدفع عنهم فيعطاه من دفع عنهم المشركين" أ.هـ.
18- وقال النووي على المهذب(16):
"قال المصنف رحمه الله تعالى: وسهم في سبيل الله وهم الغزاة إذا نشطوا غزوا، وأما من كان مرتباً في ديوان السلطان من جيوش المسلمين فإنهم لا يعطون من الصدقة بسهم الغزاة لأنهم يأخذون أرزاقهم وكفايتهم من الفيء قال النووي: ومذهبنا أن سهم سبيل الله المذكور في الآية الكريمة يصرف إلى الغزاة الذين لا حق لهم في الديوان بل يغزون متطوعين وبه قال أبو حنيفة ومالك رحمهما الله تعالى: أ.هـ.
وقال النووي أيضاً(17) في معرض الاحتجاج بما عليه المذهب الشافعي من أن سهم سبيل الله يصرف إلى الغزاة:
"واحتج أصحابنا بأن المفهوم في الاستعمال المتبادر إلى الإفهام أن سبيل الله تعالى هو الغزو وأكثر ما جاء في القرآن كذلك واحتج الأصحاب أيضاً بحديث أبي سعيد السابق في فضل الغارمين "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة –فذكر منهم- الغارم" وليس في الأصناف الثمانية من يعطى باسم الغزاة الذين نعطيهم من سهم سبيل الله تعالى" أ.هـ.
19- وقال ابن قدامة:
"السابع: في سبيل الله وهم الغزاة الذين لا ديوان لهم ولا يعطى منها في الحج" أ.هـ
وقال في حاشية المقنع(18) على قوله السابع "وفي سبيل الله":
"لا خلاف في استحقاقهم وبقاء حكمهم، ولا خلاف في أنهم الغزاة؛ لأن سبيل الله عند الإطلاق هو الغزو. قال الله تعالى: "وقاتلوا في سبيل الله" وقال: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ" [الصف:4].
وإنما يستحق هذا الاسم الغزاة الذين لا ديوان لهم وإنما يتطوعون بالغزو إذا نشطوا وهم الذين لا ديوان لهم أي لا حق لهم في الديوان؛ لأن من له رزق راتب فهو مستغن به فيدفع إليهم كفاية غزوهم وعودهم. –إلى أن قال- قوله (ولا يعطى منها في الحج) في رواية اختارها في المغني وصححها في الشرح وقاله أكثر العلماء منهم مالك وأبو حنيفة والثوري والشافعي وأبو ثور وابن المنذر؛ لأن سبيل الله حيث أطلق ينصرف إلى الجهاد غالباً والزكاة لا تصرف إلا لمحتاج إليها، كالفقير أو من يحتاجه المسلمون كالعامل. والحج لا نفع منه للمسلمين ولا حاجة بهم إليه والفقير لا فرض في ذمته فيسقطه وإن أراد به التطوع فتوفير هذا القدر على ذوي الحاجة أو صرفها في مصالح المسلمين أولى" أ.هـ.
20- وقال المرداوي(19) في أثناء الكلام على أصناف أهل الزكاة:
"قوله (السابع: في سبيل الله وهم الغزاة الذين لا ديوان لهم) فلهم الأخذ منها بلا نزاع. لكن لا يصرفون ما يأخذون إلا لجهة واحدة كما تقدم في المكاتب والغارم.
تنبيه: ظاهر قوله (وهم الذين لا ديوان لهم) أنه لو كان يأخذ من الديوان لا يعطى منها وهو صحيح لكن بشرط أن يكون فيه ما يكفيه، فإن لم يكن فيه ما يكفيه فله أخذ تمام ما يكفيه. قاله في الرعاية وغيرها –إلى أن قال- قوله: (لا يعطى منها في الحج) هذا إحدى الروايتين. اختاره المصنف والشارح، وقالا: هي أصح. وجزم به في الوجيز" أ.هـ.
21- وقال ابن حزم(20):
"وأما سبيل الله فهو الجهاد بحق. حدثنا عبد الله بن ربيع حدثنا ابن السليم حدثنا ابن الأعرابي حدثنا أبو داود حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: الغازي في سبيل الله، أو العامل عليها، أو الغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهداها المسكين للغني" وقد روي هذا الحديث عن غير معمر فأوقفه بعضهم ونقص بعضهم مما ذكر فيه معمر. وزيادة العدل لا يحل تركها. فإن قيل: قد روي عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن الحج من سبيل الله وصح عن ابن عباس أن يعطى منها في الحج. قلنا: نعم، وكل فعل خير فهو من سبيل الله تعالى، إلاَّ أنه لا خلاف في أنه تعالى لم يرد كل وجه من وجوه البر في قسمة الصدقات فلم يجز أن توضع إلا حيث بيّن النص وهو الذي ذكرنا وبالله تعالى التوفيق" أ.هـ.
وقد استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
1- بأن سبيل الله إذا أطلق في عرف الشرع فهو في الغالب واقع على الجهاد حتى كأنه مقصور عليه لأن كل ما في القرآن من ذكر سبيل الله إنما أريد به الجهاد إلا اليسير، فيجب أن يحمل قوله تعالى: "وفي سبيل الله" عليه لأن الظاهر إرادته قال تعالى: "وقاتلوا في سبيل الله" وقال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ" [الصف:4].
2- بأن حديث عطاء بن يسار: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لغاز في سبيل الله" الحديث حديث صريح مفسر لقوله تعالى: "وفي سبيل الله" فيجب حمله عليه.
3- بما ورد من الآثار الدالة على أن المقصود بسبيل الله الجهاد، ومن ذلك ما ذكره الطبري في تفسيره قال: حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: "وفي سبيل الله" قال الغازي في سبيل الله.
وما ذكره السيوطي في تفسيره الدر المنثور قال: أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله "وفي سبيل الله" قال: هم المجاهدون.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله "وفي سبيل الله" قال الغازي في سبيل الله.
والقول الثاني: أن المراد بسبيل الله الغزاة والحجاج والعمار، وقد قال بهذا القول مجموعة من العلماء من المفسرين، والمحدثين، والفقهاء، وفيما يلي بعض من أقوالهم:
1- قال ابن كثير(21) رحمه الله:
"وأما في سبيل الله فمنهم الغزاة الذين لا حق لهم في الديوان، وعند الإمام أحمد والحسن وإسحاق والحج من سبيل الله للحديث" أ.هـ.
2- وقال الخازن(22) في تفسيره قوله تعالى "وفي سبيل الله":
"وقال قوم: يجوز أن يصرف سهم سبيل الله إلى الحج يروى ذلك عن ابن عباس وهو قول الحسن وإليه ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه" أ.هـ.
3- وقال الشوكاني(23) في تفسيره قوله تعالى "وفي سبيل الله".
"وقال ابن عمر هم الحجاج، والعمار، وروي عن أحمد وإسحاق أنهما جعلا الحج من سبيل الله" أ.هـ.
4- وقال القرطبي(24):
"الثانية والعشرون قوله تعالى: "وفي سبيل الله" هم الغزاة وموضع الرباط –إلى أن قال- وقال ابن عمر: الحجاج والعمار. ويؤثر عن أحمد وإسحاق رحمهما الله أنهما قال: سبيل الله الحج. وفي البخاري: ويذكر عن أبي لاسن: حملنا النبي –صلى الله عليه وسلم- على إبل الصدقة للحج. ويذكر عن ابن عباس: ويعتق من (زكاة) ماله ويعطى في الحج. خرج أبو محمد عبد الغني الحافظ حدثنا محمد بن محمد الخياش، حدثنا أبو غسان مالك بن يحيى، حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا مهدي بن ميمون عن محمد بن أبي يعقوب عن عبد الرحمن بن أبي نعم ويكنى أبا الحكم، قال: كنت جالساً مع عبد الله بن عمر فأتته امرأة وقالت: يا أبا عبد الرحمن، إن زوجي أوصى بماله في سبيل الله. قال ابن عمر: فهو كما قال في سبيل الله. فقلت: أما زدتها فيما سألت عنه إلا غما؟ قال: فما تأمرني يا ابن أبي نعم، آمرها أن تدفعه إلى هؤلاء الجيوش الذين يخرجون فيعتدون في الأرض ويقطعون السبيل قال: قلت فما تأمرها. قال: آمرها أن تدفعه إلى قوم صالحين، إلى حجاج بين الله الحرام، أولئك وفد الرحمن، أولئك وفد الرحمن، أولئك وفد الرحمن، ليسوا كوفد الشيطان، ثلاثا يقولها. قلت: يا أبا عبد الرحمن وما وفد الشيطان؟ قال: قوم يدخلون على هؤلاء الأمراء فينمون إليهم الحديث ويسعون في المسلمين بالكذب فيجازون الجوائز ويعطون عليه العطايا" أ.هـ.
5- قال الجصاص(25):
"وإن أعطى حاجا منقطعا به أجزأ أيضاً وقد روي عن ابن عمر أن رجلاً أوصى بماله في سبيل الله فقال ابن عمر: إن الحج في سبيل الله فاجعله فيه وقال محمد بن الحسن في السير الكبير في رجل أوصى بثلث ماله في سبيل الله أنه يجوز أن يجعل في الحاج المنقطع به وهذا يدل على أن قوله تعالى "وفي سبيل الله" قد أريد به عند محمد الحاج المنقطع به وقد روي عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: الحج والعمرة من سبيل الله" أ.هـ.
6- وقال البخاري(26):
باب قوله تعالى: "وفي الرقاب وفي سبيل الله" ويذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما: يعتق من زكاة ماله ويعطى في الحج. وقال الحسن: إن اشترى أباه من الزكاة جاز ويعطي في المجاهدين والذي لم يحج، ثم تلا "إنما الصدقات للفقراء" الآية في أيهما أعطيت أجزأت. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن خالداً احتبس أدرعه في سبيل الله ويذكر عن أبي لاس: حملنا النبي -صلى الله عليه وسلم- على إبل الصدقة للحج" أ.هـ.
7- وقال المجد(27) تحت باب الصرف في سبيل الله وابن السبيل:
"وعن ابن لاس الخزاعي قال حملنا النبي –صلى الله عليه وسلم- على إبل من الصدقة إلى الحج. رواه أحمد وذكره البخاري تعليقاً. وعن أم معقل الأسدية أن زوجها جعل بكراً في سبيل الله، وأنها أرادت العمرة فسألت زوجها البكر فأبى فأتت النبي –صلى الله عليه وسلم- فذكرت له، فأمره أن يعطيها، وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "الحج والعمرة في سبيل الله" رواه أحمد. وعن يوسف بن عبد الله بن سلام عن جدته أم معقل قالت: لما حج رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حجة الوداع وكان لنا جمل فجعله أبو معقل في سبيل الله، وأصابنا مرض وهلك أبو معقل وخرج النبي –صلى الله عليه وسلم- فلما فرغ من حجته جئته فقال: يا أم معقل ما منعك أن تخرجي؟ قالت: لقد تهيأنا فهلك أبو معقل وكان لنا جمل هو الذي نحج عليه فأوصى به أبو معقل في سبيل الله قال: فهلا خرجت عليه فإن الحج من سبيل الله. رواه أبو داود.
قال الشوكاني حديث ابن لاس سيأتي الكلام عليه. وحديث أم معقل أخرجه بنحو الرواية الأولى أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه وفي إسناده رجل مجهول، وفي إسناده أيضاً إبراهيم بن مهاجر بن جابر البجلي الكوفي وقد تكلم فيه غير واحد. وقد اختلف على أبي بكر بن عبد الرحمن فيه. فروي عنه عن رسول مروان الذي أرسله إلى أم معقل عنها. وروي عنه عن أم معقل بغير واسطة وروي عنه عن أبي معقل. والرواية الثانية التي أخرجها أبو داود في إسنادها محمد بن إسحاق وفيه مقال معروف. قوله ابن لاس هكذا في نسخ الكتاب الصحيحة بلفظ ابن والذي في البخاري أبي لاس وكذا في التقريب من ترجمة عبد الله بن غنيمة. ولاس بسين مهمله خزاعي اختلف في اسمه فقيل زياد وقيل عبد الله بن عنمه بمهمله ونون مفتوحتين، وقيل غير ذلك له صحبة وحديثان، هذا أحدهما وقد وصله مع أحمد، ابن خزيمة والحاكم وغيرهما من طريقه قال الحافظ: ورجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق ولهذا توقف ابن المنذر في ثبوته.
وأحاديث الباب تدل على أن الحج والعمرة من سبيل الله، وأن من جعل شيئاً من ماله في سبيل الله جاز له صرفه في تجهيز الحجاج والمعتمرين، وإذا كان شيئاً مركوباً جاز حمل الحاج. والمعتمر عليه، وتدل أيضاً على أنه يجوز صرف شيء من سهم سبيل الله من الزكاة إلى قاصدي الحج والعمرة" أ.هـ.
8- وقال المباركفوري(28) في معرض كلامه عن المراد بقوله تعالى: "وفي سبيل الله":
"وقيل المراد منه منقطع الحاج، وبه قال محمد، وروي عن أحمد وإسحاق أن الحج أيضاً من سبيل الله يعني أن الحج من جملة السبل مع الغزو؛ لأنه طريق برّ –إلى أن قال- قلت: واحتج للقول الثاني بما روى أبو داود عن ابن عباس أن امرأة قالت لزوجها أحججني مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على جملك فلان. قال: ذاك حبيس في سبيل الله (الحديث) وفيه أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "أما أنك لو حججتها عليه كان في سبيل الله".
وبما روي عن أم معقل الأسدية أن زوجها جعل بكراً في سبيل الله، وأنها أرادت الحج (الحديث) وفيه فأمر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن يعطيها البكر.
وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "الحج من سبيل الله". أخرجه أحمد وغيره.
وبما روي عن أبي لاس قال: حملنا النبي –صلى الله عليه وسلم- على إبل من الصدقة للحج ذكره البخاري تعليقا بصفة التمريض، ووصله أحمد وابن خزيمة والحاكم، وقال الشوكاني حديث أم معقل وحديث أبي لاس يدلان على أن الحج من سبيل الله، وأن من جعل شيئاً من ماله في سبيل الله جاز له صرفه في تجهيز الحجاج وإذا كان شيئاً مركوباً جاز حمل الحاج عليه، ويدلان أيضاً على أنه يجوز صرف شيء من سهم سبيل الله من الزكاة على قاصدي الحج. انتهى.
وبما روى أبو عبيد في الأموال عن أبي معاوية وابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي جعفر كلاهما عن الأعمش عن حسان أبي الأشرس عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأساً أن يعطى الرجل من زكاة ماله في الحج وأن يعتق منه الرقبة. وبما روي عن ابن عمر أنه سئل عن امرأة أوصت بثلاثين درهما في سبيل الله فقيل له أتجعل في الحج فقال: أما إنه من سبيل الله. أخرجه أبو عبيد بإسناد صحيح عنه" أ.هـ.
9- وقال الكاساني(29) في معرض كلامه عن المراد من قوله تعالى: "وفي سبيل الله":
"وقال محمد: المراد منه الحاج المنقطع لما روي أن رجلا جعل بعيراً له في سبيل الله فأمر النبي –صلى الله عليه وسلم- أن يحمل عليه الحاج" أ.هـ.
10- وقال أبو الفرج بن قدامة(30) في معرض كلامه عن المراد بقوله تعالى: "وفي سبيل الله":
"وروي عنه أن الفقير يعطى قدر ما يحج به الفرض أو يستعين به فيه. يروى إعطاء الزكاة في الحج عن ابن عباس وعن ابن عمر الحج من سبيل الله وهو قول إسحاق لما روي أن رجلاً جعل ناقة له في سبيل الله فأرادت امرأته الحج فقال لها النبي –صلى الله عليه وسلم-: "اركبيها فإن الحج من سبيل الله" أ.هـ.
11- وقال البهوتي(31):
"والحج من السبيل أيضاً روي عن ابن عباس وابن عمر لما روى أبو داود أن رجلا جعل ناقته في سبيل الله فأرادت امرأته الحج فقال لها النبي –صلى الله عليه وسلم-: "اركبيها فإن الحج من سبيل الله". فيأخذ إن كان فقيراً من الزكاة ما يؤدي به فرض حج أو فرض عمرة، أو يستعين به في أي فرض، الحج والعمرة لأنه يحتاج إلى إسقاط الفرض، وأما التطوع فله عنه مندوحة. وذكر القاضي جوازه في النفل كالفرض وهو ظاهر كلام أحمد والخرقي وصححه بعضهم لأن كلا من سبيل الله والفقير لا فرض عليه فهو منه كالتطوع" أ.هـ.
12- وقال النووي(32) ناسبًا القول بكون الحج من سبيل الله إلى الإمام أحمد ما نصه:
"وقال أحمد رحمه الله تعالى في أصح الروايتين عنه: يجوز صرفه إلى مريد الحج.
وروي مثله عن ابن عمر رضي الله عنهما. واستدل له بحديث أم معقل الصحابية رضي الله عنها قالت: (لما حج رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حجة الوداع وكان لنا جمل فجعله أبو معقل في سبيل الله، وأصابنا مرض فهلك أبو معقل وخرج النبي –صلى الله عليه وسلم- فلما فرغ من حجه جئته فقال: يا أم معقل ما منعك أن تخرجي؟ قالت قلت: لقد تهيأنا فهلك أبو معقل وكان لنا جمل هو الذي نحج عليه فأوصى به أبو معقل في سبيل الله قال: فهلا خرجت عليه فإن الحج من سبيل الله". وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أراد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الحج فقالت امرأة لزوجها: أحججني مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال: ما عندي ما أحجك عليه. فقالت: أحججني على جملك فلان. قال ذلك حبيس في سبيل الله عز وجل. فأتى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال: إن امرأتي تقرأ عليك السلام ورحمة الله إنها سألتني الحج معك قالت: أحججني مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم-. فقلت: ما عندي ما أحجك عليه. فقالت: أحججني على جملك فلان. فقلت: ذلك حبيس في سبيل الله. فقال: (أما إنك لو حججتها عليه كان في سبيل الله) وإنها أمرتني أن أسألك ما يعدل حجة معك قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "أقرئها السلام ورحمة الله تعالى وبركاته وأخبرها أنها تعدل حجة يعني عمرة في رمضان" رواهما أبو داود في سننه في أواخر كتاب الحج في باب العمرة، والثاني إسناده صحيح وأما الأول حديث أم معقل فهو من رواية محمد بن إسحاق وقال فيه: هو مدلس، والمدلس إذا قال: عن. لا يحتج به بالاتفاق" أ.هـ.
واستدل أصحاب هذا الرأي بما استدل به أصحاب القول الأول بالنسبة لإرادة الغزاة من كلمة "في سبيل الله".
وأما بالنسبة لدخول الحجاج والعمار في ذلك فقد استدلوا عليه بما روى أبو داود عن ابن عباس أن امرأة قالت لزوجها: أحججني مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على جملك فلان. قال ذاك حبيس في سبيل الله. الحديث وفيه أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: (أما أنك لو حججتها عليه كان في سبيل الله). وبما روي عن أم معقل الأسدية أن زوجها جعل بكراً في سبيل الله وأنها أرادت الحج –وفيه- فأمر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن يعطيها البكر وقال: "الحج من سبيل الله". أخرجه أحمد وغيره. وبما روي عن أبي لاس قال: حملنا النبي –صلى الله عليه وسلم- على إبل من الصدقة للحج. ذكره البخاري تعليقاً ووصله أحمد وابن خزيمة والحاكم. وبما روى أبو عبيد في الأموال عن أبي معاوية وابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي جعفر كلاهما عن الأعمش عن حسان أبي الأشرس عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأساً أن يعطي الرجل من زكاة ماله في الحج. وبما روي عن ابن عمر أنه سئل عن امرأة أوصت بثلاثين درهما في سبيل الله فقيل له: أتجعل في الحج فقال: أما إنه من سبيل الله. أخرجه أبو عبيد بإسناد صحيح عنه. وقال القرطبي في تفسيره: خرج أبو محمد عبد الغني الحافظ حدثنا محمد بن محمد الخياش حدثنا أبو غسان مالك بن يحي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا مهدي بن ميمون عن محمد بن أبي يعقوب عن عبد الرحمن ابن أبي نعم ويكنى أبا الحكم قال كنت جالسا مع عبد الله بن عمر فأتته امرأة فقالت له: يا أبا عبد الرحمن إن زوجي أوصى بماله في سبيل الله. قال ابن عمر: فهو كما قال في سبيل الله. فقلت: أما زدتها فيما سألت عنه إلا غما. قال فما تأمرني يا ابن أبي نعم آمرها أن تدفعه إلى هؤلاء الجيوش الذين يخرجون فيعتدون في الأرض ويقطعون السبيل؟ قال: قلت فما تأمرها. قال: آمرها أن تدفعه إلى قوم صالحين إلى حجاج بيت الله الحرام أولئك وفد الرحمن، أولئك وفد الرحمن، أولئك وفد الرحمن، ليسو كوفد الشيطان ثلاثا يقولها.
وقد أجيب عن أدلة هذا القول بما يلي:
1- بأن المتبادر إلى الأفهام من كلمة في سبيل الله في آية المصارف أنه هو الغزو.
2- بما قال المباركفوري(33):
"وأما الأحاديث التي استدل بها أهل القول الثاني فقد أجيب عنها بوجهين:
الأول: الكلام فيها إسناداً فإن حديث ابن عباس في إسناده عامر بن عبد الواحد الأحول وقد تكلم فيه أحمد والنسائي، وقال الحافظ صدوق يخطئ، وقد روى الشيخان عن ابن عباس نحو هذه القصة، وليس عندهما أنه جعل جمله حبيسا في سبيل الله، ولا أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: لو أحججتها عليه كان في سبيل الله. وأما حديث أم معقل ففيه اضطراب كثير واختلاف شديد في سنده ومتنه حتى تعذر الجمع والترجيح مع ما في بعض طرقه من راو ضعيف ومجهول ومدلس قد عنعن، وهذا مما يوجب التوقف فيه وذلك لا يشك فيه من ينظر في طرق هذا الحديث في مسند الإمام أحمد وفي السنن مع حديث ابن عباس عند الشيخين وأبي داود وابن أبي شيبه ومع قصة أم طليق عند ابن السكن وابن منده والدولابي، وقد حمل ذلك بعضهم على وقائع متعددة ولا يخفى بعده، وأما حديث أبي لاس فقال الحافظ في الفتح رجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق ولهذا توقف ابن المنذر في ثبوته" أ.هـ.
ويشير بذلك إلى ما حكي عنه أنه قال إن ثبت حديث ابن لاس قلت بذلك. قال الحافظ: وتعقب بأنه يحتمل أنهم كانوا فقراء وحملوا عليها خاصة ولم يتملكوها. انتهى وأما أثر ابن عباس فهو أيضاً مضطرب صرح به أحمد كما في الفتح وقد بين اضطرابه الحافظ ولذلك كف أحمد عن القول بالإعتاق من الزكاة تورعا وقيل بل رجع عن هذا القول. والثاني أنه لا ينكر أن الحج من سبيل الله بل كل فعل خير من سبل الله لكن لا يلزم من هذا أن يكون السبيل المذكور في هذه الأحاديث هو المذكور في الآية فإن المراد في هذه الأحاديث المعنى الأعم وفي الآية نوع خاص منه وهو الغزو والجهاد لحديث أبي سعيد وإلا فجميع الأصناف من سبيل الله بذلك المعنى.
قال ابن حزم: فإن قيل قد روي عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن الحج من سبيل الله وصح عن ابن عباس أن يعطى منها في الحج قلنا: نعم، وكل فعل خير فهو في سبيل الله تعالى إلا أنه لا خلاف في أنه تعالى لم يرد كل وجه من وجوه البر في قسمة الصدقات فلم يجز أن توضع إلا حيث بين النص وهو الذي ذكرنا انتهى.
ويمكن أن يناقش قول ابن حزم بأنه وجد من يقول بأن من سبيل الله الحج والعمرة والعتق، وليس في النص دلالة على قصر سبيل الله على الجهاد.
وقال ابن قدامة: هذا أي عدم صرف الزكاة في الحج أصح لأن الزكاة إنما تصرف إلى أحد رجلين محتاج إليها كالفقراء والمساكين وفي الرقاب، والغارمين لقضاء ديونهم وابن السبيل، أو من يحتاج إليه المسلمون كالعامل، والغازي، والمؤلف، والغارم لإصلاح ذات البين، والحج من الفقير لا نفع للمسلمين فيه ولا حاجة بهم إليه ولا حاجة به أيضاً إليه لأن الفقير لا فرض عليه فيسقط ولا مصلحة له في إيجابه عليه، وتكليفه مشقة قدْ رفهه الله منها، وخفف عنه إيجابها وأما الخبر (يعني حديث أن الحج في سبيل الله) فلا يمنع أن يكون الحج من سبيل الله والمراد بالآية غيره لما ذكرنا انتهى.
وقال ابن الهمام متعقبا على الاستدلال المذكور: ثم فيه نظر لأن المقصود ما هو المراد بسبيل الله المذكور في الآية، والمذكور في الحديث لا يلزم كونه إياه لجواز أنه أرد الأمر الأعم وليس ذلك المراد في الآية بل نوع مخصوص وإلا فكل الأصناف في سبيل الله بذلك المعنى انتهى.
وقال صاحب تفسير المنار بعد الكلام في سند حديث أم معقل ما لفظه: وأقول من جهة المعنى أولاً: إن جعل أبي معقل جمله في سبيل الله أو وصيته به صدقة تطوع وهي لا يشترط فيها أن تصرف في هذه الأصناف التي قصرتها عليه الآية.
وثانياً: أن حج امرأته عليه ليس تمليكاً لها يخرج الجمل عن بقائه على ما أوصى به أبو معقل ويقال مثل هذا في حديث أبي لاس.
وثالثاً: أن الحج من سبيل الله بالمعنى العام للفظ والراجح المختار أنه غير مراد في الآية" أ.هـ.
3- بما قال أبو الفرج ابن قدامة(34):
"ولأن الزكاة إنما تصرف لأحد رجلين محتاج إليها كالفقراء والمساكين وفي الرقاب والغارمين لقضاء ديونهم أو من يحتاج إليه المسلمون كالعمال والغارم والمؤلَّفِ والغارم لإصلاح ذات البين، والحج للفقير لا نفع للمسلمين فيه ولا حاجة بهم إليه، ولا حاجة به أيضاً لأن الفقير لا فرض عليه فيسقطه ولا مصلحة له في إيجابه عليه وتكليفه مشقة قد رفَهه الله منها وخفف عنه إيجابها وتوفير هذا القدر على ذوي الحاجة من سائر الأصناف أو صرفه في مصالح المسلمين أولى" أ.هـ.
القول الثالث: أن المراد بذلك جميع وجوه البر لأن اللفظ عام فلا يجوز قصره على بعض أفراده إلا بدليل صحيح ولا دليل على ذلك وقد قال بهذا القول مجموعة من العلماء من مفسرين ومحدثين وفقهاء وفيما يلي بعض أقوالهم:
1- قال الفخر الرازي(35):
"إن ظاهر اللفظ في قوله تعالى: "وفي سبيل الله" لا يوجب القصر على الغزاة –ثم قال- فلهذا المعنى نقل القفال في تفسيره عن بعض الفقهاء أنهم أجازوا صرف الصدقات إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وبناء الحصون وعمارة المساجد لأن قوله في سبيل الله عام في الكل" أ.هـ.
2- وقال الخازن في تفسيره(36):
"وقال بعضهم إن اللفظ عام ولا يجوز قصره على الغزاة فقط ولهذا أجاز بعض الفقهاء صرف سهم سبيل الله إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وبناء الجسور والحصون وعمارة المساجد وغير ذلك قال لأن قوله: "وفي سبيل الله" عام فلا يختص بصنف دون غيره" أ.هـ.
3- وقال محمد جمال الدين القاسمي(37):
"ثم ذكر تعالى الإعانة على الجهاد بقوله: "وفي سبيل الله" فيصرف على المتطوعة في الجهاد ويشترى لهم الكراع والسلاح.
قال الرازي: لا يوجب قوله: "وفي سبيل الله" القصر على الغزاة. ولذا نقل القفال في تفسيره عن بعض الفقهاء جواز صرف الصدقات إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وبناء الحصون وعمارة المساجد لأن قوله: "وفي سبيل الله" عام في الكل. انتهى.
ولذا ذهب الحسن وأحد وإسحاق إلى أن الحج من سبيل الله فيصرف للحجاج منه. قال في الإقناع وشرحه: والحج من سبيل الله نصا. وروي عن ابن عباس وابن عمر. لما روى أبو داود: أن رجلا جعل ناقة في سبيل الله. فأرادت امرأته الحج فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم "اركبيها فإن الحج من سبيل الله" فيأخذ إن كان فقيراً من الزكاة ما يؤدي به فرض حج أو عمرة، أو يستعين به فيه، وكذا في نافلتهما لأن كلا من سبيل الله. انتهى.
قال ابن الأثير: وسبيل الله عام يقع على كل عمل خالص سلك به طريق التقرب إلى الله تعالى بأداء الفرائض والنوافل وأنواع التطوعات وإذا أطلق فهو في الغالب واقع على الجهاد حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه. أنتهى.
وقال في التاج: كل سبيل أريد به الله عز وجل وهو بر داخل في سبيل الله" أ.هـ.
4- وقال أحمد مصطفى المراغي(38) في تفسيره قوله تعالى: "وفي سبيل الله":
"وسبيل الله هو الطريق الموصل إلى مرضاته ومثوبته والمراد به الغزاة والمرابطون للجهاد وروي عن الإمام أحمد أنه جعل الحج من سبيل الله. ويدخل في ذلك جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وبناء الجسور والحصون وعمارة المساجد ونحو ذلك. والحق أن المراد بسبيل الله مصالح المسلمين العامة التي بها قوام أمر الدين والدولة دون الأفراد كتأمين طرق الحج وتوفير الماء والغذاء وأسباب الصحة للحجاج إن لم يوجد مصرف آخر. وليس منه حج الأفراد لأنه واجب على المستطيع فحسب" أ.هـ.
5- وقال الألوسي(39):
"وفي سبيل الله" أريد بذلك عند أبي يوسف منقطعو الغزاة وعند محمد منقطعو الحجيج وقيل المراد طلبة العلم واقتصر عليه في الفتاوى الظهيرية وفسره في البدائع بجميع القرب فيدخل فيه كل من سعى في طاعة الله تعالى وسبل الخير" أ.هـ.
6- وقال السيد رشيد رضا في تفسيره المنار بعد استعراضه الأقوال التي قيلت في المراد بقوله تعالى: "وفي سبيل الله" ما نصه:
"والتحقيق أن سبيل الله هنا مصالح المسلمين العامة التي بها قوام أمر الدين والدولة دون الأفراد، وأن حج الأفراد ليس منها لأنه واجب على المستطيع دون غيره، وهو من الفرائض العينية بشرطه كالصلاة والصيام لا من المصالح الدينية الدولية... ولكن شعيرة الحج وإقامة الأمة لها منها فيجوز الصرف من هذا السهم على تأمين طرق الحج وتوفير الماء والغذاء وأسباب الصحة إن لم يوجد لذلك مصرف آخر"(40)أ.هـ.
وقال أيضاً: "وفي سبيل الله وهو يشمل سائر المصالح الشرعية العامة التي هي ملاك أمر الدين والدولة وأولاها بالتقديم الإستعداد للحرب بشراء السلاح وأغذية الجند وأدوات النقل وتجهيز الغزاة –إلى أن قال- ومن أهم ما ينفق في سبيل الله في زماننا هذا إعداد الدعاة إلى الإسلام وإرسالهم إلى بلاد الكفر من قبل جمعيات منظمة تمدهم بالمال الكافي(41) أ.هـ.
7- وقال سيد قطب(42) رحمه الله:
"وفي سبيل الله" وذلك باب واسع يشمل كل مصلحة للجماعة تحقق كلمة الله، وفي أولها إعداد العدة للجهاد وتجهيز المتطوعين وتدريبهم، وبعث البعوث للدعوة إلى الإسلام وبيان أحكامه وشرائعه للناس أجمعين، وتأسيس المدارس والجامعات التي تربي الناشئة تربية إسلامية صحيحة فلا نكلهم إلى مدارس الدولة تعلمهم كل شيء إلا الإسلام، ولا مدارس المبشرين تعتدي على طفولتهم وحداثتهم وهم لا يملكون رد العدوان" أ.هـ.
8- وقال الحسين السيافي(43)في معرض كلامه على قول زيد رحمه الله:
"لا يعطى من الزكاة في كفن ميت ولا بناء مسجد ولا تعتق منها رقبة. قال: وذهب من أجاز ذلك إلى الاستدلال بدخولهما في صنف سبيل الله إذ هو طريق الخير على العموم وإن كثر استعماله في فرد من مدلولاته وهو الجهاد لكثرة عروضه في أول الإسلام كما في نظائره لكن لا إلى حد الحقيقة العرفية فهو باق على الوضع الأول فيدخل فيه جميع أنواع القرب على ما يقتضيه النظر في المصالح العامة والخاصة إلا ما خصه الدليل وهو ظاهر عبارة البحر في قوله: قلنا ظاهر سبيل الله العموم إلا ما خصه الدليل" أ.هـ.
9- قال صديق حسن خان(44)
"أما سبيل الله فالمراد هنا الطريق إليه عز وجل والجهاد وإن كان أعظم الطرق إلى الله عز وجل لكن لا دليل على اختصاص هذا السهم به بل يصح صرف ذلك في كل ما كان طريقاً إلى الله عز وجل هذا معنى الآية لغة. والواجب الوقوف على المعاني اللغوية حيث لم يصح النقل هنا شرعاً" أ.هـ.
10- وقال الصنعاني(45)في الكلام على الحديث "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة" الحديث:
"وكذلك الغازي يحل له أن يتجهز من الزكاة وإن كان غنياً لأنه ساع في سبيل الله. قال الشارح ويلحق به من كان قائماً بمصلحة عامة من مصالح المسلمين، كالقضاء، والإفتاء، والتدريس وإن كان غنياً. وأدخل أبو عبيدة من كان في مصلحة عامة في العاملين.
وأشار إليه البخاري حيث قال (باب رزق الحاكم والعاملين عليها) وأراد بالرزق ما يرزقه الإمام من بيت المال لمن يقوم بمصالح المسلمين، كالقضاء، والفتيا، والتدريس، فله الأخذ من الزكاة فيما يقوم به مدة القيام. بالمصلحة وإن كان غنياً" أ.هـ.
11- وقال المباركفوري(46):
"وقيل اللفظ عام فلا يجوز قصره على نوع خاص ويدخل فيه جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وبناء الجسور والحصون وعمارة المساجد وغير ذلك. نقل ذلك القفال عن بعض الفقاء من غير أن يسميه كما في حاشية تفسير البيضاوي لشيخزاده وإليه مال الكاساني إذ فسره بجميع القرب قال في البدائع: سبيل الله عبارة عن جميع القرب ويدخل فيه كل من سعى في طاعة الله وسبيل الخيرات إذا كان محتاجاً. وقال النووي في شرح مسلم وحكى القاضي عياض عن بعض العلماء أنه يجوز صرف الزكاة في المصالح العامة وتأول عليه هذا الحديث أي ما روى البخاري في القسامة أنه صلى الله عليه وسلم وداه. أي الذي قتل بخيبر مائة من أبل الصدقة" أ.هـ.
12- وقال الكاساني(47).
"وأما قوله تعالى: "وفي سبيل الله" عبارة عن جميع القرب فيدخل فيه كل من سعى في طاعة الله وسبيل الخيرات إذا كان محتاجاً" أ.هـ.
13- وذكر الشيخ محمود شلتوت رحمه الله:
"أن معنى "وفي سبيل الله" أنه المصالح العامة التي لا ملك فيها لأحد، والتي لا يختص بالانتفاع بها أحد فملكها لله ومنفعتها لخلق الله، وأولاها وأحقها: التكوين الحربي الذي ترد به الأمة البغي وتحفظ الكرامة، ويشمل العدد والعدة على أحدث المخترعات البشرية، ويشمل المستشفيات العسكرية والمدينة، ويشمل تعبيد الطرق، ومد الخطوط الحديدية، وغير ذلك مما يعرفه أهل الحرب والميدان.
ويشمل الإعداد القوي الناضج لدعاة إسلاميين يظهرون جمال الإسلام وسماحته. ويفسرون حكمته، ويبلغون أحكامه، ويتعقبون مهاجمة الخصوم لمبادئه بما يرد كيدهم إلى نحورهم.
وكذلك يشمل العمل على دوام الوسائل التي يستمر بها حفظة القرآن الذي تواتر ويتواتر بهم نقله كما أنزل. من عهد وحيه إلى اليوم، وإلى يوم الدين إن شاء الله"(48) أ.هـ.
وأفتى من سأله عن جواز صرف الزكاة في بناء المساجد فكان جوابه:
"إن المسجد الذي يراد إنشاؤه أو تعميره إذا كان هو المسجد الوحيد في القرية. أو كان بها غيره ولكن يضيق بأهلها، ويحتاجون إلى مسجد آخر صح شرعاً صرف الزكاة لبناء هذه المسجد أو إصلاحه، والصرف على المسجد أو إصلاحه، والصرف على المسجد في تلك الحالة يكون من المصرف الذي ذكره في آية المصارف الواردة في سورة التوبة باسم (سبيل الله).
وهذا مبني على اختيار أن المقصود بكلمة (سبيل الله) المصالح العامة التي ينتفع بها المسلمون كافة ولا تخص واحداً بعينه، فتشمل المساجد والمستشفيات ودور التعليم ومصانع الحديد والذخيرة وما إليها. مما يعود نفعه على الجماعة. وأحب أن أقرر هنا أن المسألة محل خلاف بين العلماء –ثم ذكر- ما نقله الرازي في تفسيره عن القفال من صرف الصدقات في جميع وجوه الخير ثم قال: وهذا ما أختاره وأطمئن إليه وأفتي به ولكن مع القيد الذي ذكرناه بالنسبة للمساجد، وهو أن يكون المسجد لا يغني عنه غيره وإلا كان الصرف إلى غير المسجد أولى وأحق"(49) أ.هـ.
14- وسئل الشيخ حسنين مخلوف(50) مفتي الديار المصرية الأسبق عن جواز الدفع لبعض الجمعيات الخيرية الإسلامية من الزكاة. فأفتى بالجواز مستندًا إلى ما نقله الرازي عن القفال وغيره في معنى سبيل الله.
وقد استدل أصحاب هذا القول على قولهم بما يأتي:
1- أن اللفظ عام فلا يجوز قصره على بعض أفراده دون سائرها إلا بدليل ولا دليل على ذلك وما قيل بأن حديث عطاء بن يسار: لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة وذكر منهم –غاز في سبيل الله. يعين أن سبيل الله هو الغزو فغير صحيح، ذلك أن غاية ما يدل عليه الحديث هو أن المجاهد يعطى من سهم سبيل الله ولو كان غنياً، وسبل الله كثيرة لا تنحصر في الجهاد في سبيل الله.
2- جاءت الأحاديث والآثار بتطبيق العموم في مدلول قوله تعالى: "وفي سبيل الله" فقد اعتبرت السنة الحج والعمرة من سبيل الله، يتضح ذلك من حديث أبي لاس وحديث أم معقل وحديث ابن عباس وفيه: "أما أنك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله".
وقد جاءت الآثار عن بعض أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- باعتبار الحج سبيلا من سبل الله فقد ذكر أبو عبيد في كتابه الأموال بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان لا يرى بأساً أن يعطى الرجل من زكاة ماله للحج. وما أخرجه أبو عبيد بإسناده صحيح إلى ابن عمر أنه سئل عن امرأة أوصت بثلاثين درهما في سبيل الله فقيل له أتجعل في الحج. قال: أما أنه في سبيل الله. وما ذكره القرطبي في تفسيره من أن عبد الرحمن ابن أبي نعم قال كنت جالسا مع عبد الله بن عمر فأتته امرأة فقالت له يا أبا عبد الرحمن: إن زوجي أوصى بماله في سبيل الله. –وفيه- آمرها أن تدفعه إلى قوم صالحين إلى حجاج بيت الله الحرام أولئك وفد الرحمن، أولئك وفد الرحمن، أولئك وفد الرحمن. كما اعتبرت السنة إشاعة الألفة بين المسلمين وتطييب خواطرهم وحفظ حقوقهم سبيلا من سبل الله. ففي صحيح البخاري في باب القسامة قال: حدثنا أبو نعيم حدثنا سعيد بن عبيد عن بشير بن يسار زعم أن رجلا من الأنصار يقال له سهل بن أبي حثمة أخبره أن نفراً من قومه انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها ووجدوا أحدهم قتيلاً وقالوا للذي وجد فيهم: قد قتلتم صاحبنا قالوا: ما قتلنا وما علمنا فانطلقوا إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فقالوا يا رسول الله: انطلقنا إلى خيبر فوجدنا أحدنا قتيلا فقال: الكبر الكبر. فقال لهم: تأتون بالبينة على من قتله؟ قالوا ما لنا بينة، قال: فيحلفون. قالوا لا نرضى بأيمان يهود. فكره رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن يطل دمه فوداه من إبل الصدقة قال ابن حجر: "ووقع في رواية ابن أبي ليلى: فوداه من عنده. وقد جمع بعضهم بين الروايتين بأن المراد من قوله من عنده أي بيت المال المرصد للمصالح. قال ابن حجر: وقد حمله بعضهم على ظاهره فحكى القاضي عياض عن بعض العلماء جواز صرف الزكاة في المصالح العامة واستدلوا بهذا الحديث وغيره. قلت وقد تقدم شيء من ذلك في كتاب الزكاة وفي الكلام على حديث أبي لاس قال: حملنا النبي –صلى الله عليه وسلم- على إبل الصدقة في الحج. وعلى هذا فالمراد بالعندية كونها تحت أمره وحكمه وللاحتراز من جعل ديته على اليهود أو غيرهم قال القرطبي في (الفهم) فعل صلى الله عليه وسلم ذلك على مقتضى كرمه وحسن سياسته وجلبا للمصلحة ودرءاً للمفسدة على سبيل التأليف ولا سيما عند تعذر الوصول إلى استيفاء الحق"(51) أ.هـ.
وذكر النووي(52)في معرض شرحه حديث القسامة قال:
"وقال الإمام أبو إسحاق المروزي من أصحابنا يجوز صرفها من إبل الزكاة لهذا الحديث فأخذ بظاهره" أ.هـ.
ورأي حبر هذه الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه يجوز الإعتاق من الزكاة ففي صحيح البخاري تحت: باب قول الله تعالى: "وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله" ويذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما يعتق من زكاة ماله ويعطى في الحج. وقال الحسن إن اشترى أباه من الزكاة جاز ويعطى في المجاهدين والذي لم يحج ثم تلا "إنما الصدقات للفقراء" الآية في أيها أعطيت أجزأت. قال ابن حجر ووصله أبو عبيد في كتاب الأموال من طريق حسان بن أبي الأشرس عن مجاهد عنه أنه كان لا يرى بأساً أن يعطى الرجل من زكاة ماله في الحج وأن يعتق منه الرقبة. وأخرج عن أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال: أعتق من زكاة مالك"(53)أ.هـ.
3- إن تعبير النبي –صلى الله عليه وسلم- بمن التبعيضية في حديث أم معقل في قوله "فإن الحج من سبيل الله" يشعر أن سبيل الله الوارد في آية مصارف الزكاة على عمومه وأنه يتناول مجموعة من الأمور وأن الحج منها. ويمثل تعبيره صلى الله عليه وسلم عَبَّر ابن عمر فقال عن الحج: أما إنه من سبيل الله.
وقد أجيب عن القول بعموم اللفظ بأجوبة فيها ما ذكره المباركفوري(54) حيث قال: "وأما القول الثالث فهو أبعد الأقوال لأنه لا دليل عليه من كتاب ولا من سنة صحيحة أو سقيمة ولا من إجماع ولا من رأي صحابي ولا من قياس صحيح أو فاسد بل هو مخالف للحديث الصحيح الثابت وهو حديث أبي سعيد، ولم يذهب إلى هذا التعميم أحد من السلف إلا ما حكى القفال في تفسيره عن بعض الفقهاء المجاهيل، والقاضي عياض عن بعض العلماء الغير معروفين قال صاحب تفسير المنار أما عموم مدلول هذا اللفظ فهو يشمل كل أمر مشروع وأريد به مرضاة الله تعالى بإعلاء كلمته وإقامة دينه وحسن عبادته ومنفعة عباده ولا يدخل فيه الجهاد بالمال والنفس، إذا كان لأجل الرياء والسمعة وهذا العموم لم يقل به أحد من السلف ولا الخلف ولا يمكن أن يكون مراداً هنا لأن الإخلاص الذي يكون للعمل في سبيل الله أمر باطني لا يعلمه إلا الله تعالى، فلا يمكن أن تناط به حقوق مالية دولية، وإذا قيل إن الأصل في كل طاعة من المؤمن أن تكون لوجه الله تعالى فيراعى هذا في الحقوق عملاً بالظاهر، اقتضى هذا أن يكون كل مصل وصائم ومتصدق وتال للقرآن وذاكر لله تعالى ومميط الأذى عن الطريق مستحق بعمله هذا للزكاة الشرعية فيجب أن يعطى منها ويجوز له أن يأخذ منها وإن كان غنياً وهذا ممنوع بالإجماع أيضاً وإرادته تنافي حصر المستحقين في الأصناف المنصوصة لأن هذا الصنف لاحد لجماعاته فضلا عن أفراده وإذا وكل أمره إلى السلاطين والأمراء تصرفوا بأهوائهم تصرفا تذهب حكمة فرضية الصدقة من أهلها. انتهى.
وأما يذكر للاحتجاج لذلك من رواية البخاري في دية الأنصاري الذي قتل بخيبر مائة من إبل الصدقة فهو مخالف لما روى البخاري أيضاً في قصته أنه وداه من عنده وجمع بين الروايتين بأنه اشتراه من أهل الصدقة بعد أن ملكوها ثم دفعها تبرعا إلى أهل القتيل حكاه النووي عن الجمهور وعلى هذا فلا حجة فيه لمن ذهب إلى التعميم وإذا تقرر هذا فلا تصرف الزكاة في عمارة المساجد والمعاهد الدينية وبناء الجسور وإصلاح الطرق والشوارع وتكفين الموتى وقضاء ديونهم وغير ذلك من أنواع البر لأنه ليس هذا في شئ من المصارف المنصوصة وهو مذهب أحمد كما يظهر من المغني، ومالك كما في المدونة، وسفيان وأهل العراق وغيرهم من العلماء كما في الأموال لأبي عبيد، هذا وقد ألحق بعض العلماء بالغازي من كان قائماً بمصلحة من مصالح المسلمين كالقضاء، والإفتاء، والتدريس، وإن كان غنياً وأدخله بعضهم في العاملين فأجاز له الأخذ من الزكاة فيما يقوم به مدة القيام بالمصلحة وإن كان غنياً ولا يخفى ما فيه وقال صاحب المنار إن سبيل الله هنا مصالح المسلمين الشرعية التي بها قوام أمر الدين والدولة دون الأفراد والأشخاص، وأن الحج ليس منها قال وأولها وأولاها بالتقديم الاستعداد للحرب بشراء السلاح وأغذية الجند وأدوات النقل وتجهيز الغزاة قال ويدخل في عمومه إنشاء المستشفيات العسكرية والخيرية، وإشراع الطرق وتعبيدها ومد الخطوط الحديدية العسكرية لا التجارية، ومنها بناء البوارج المدرجة والمنطادات، والطيارات الحربية والحصون والخنادق. قال ويدخل فيه النفقة على المدارس للعلوم الشرعية وغيرها مما تقوم به المصلحة العامة، وفي هذه الحالة يعطى منها معلمو هذه المدارس ما داموا يؤدون وظائفهم المشروعة التي ينقطعون بها عن كسب آخر ولا يعطى عالم غني لأجل علمه وإن كان يفيد الناس به. انتهى.
قلت حديث أبي سعيد ينافي هذا التعميم لكونه كالنص في أن المراد بسبيل الله المطلق في الآية هم الغزاة والمجاهدين خاصة فيجب الوقوف عنده" أ.هـ.
ومنها ما ذكره الشيخ يوسف القرضاوي(55) حيث قال ما نصه:
"ولكن الرد الصحيح على القائلين بهذا الرأي يكون بتحديد المراد من (سبيل الله) هل هو خاص بالغزو والقتال –كما هو رأي الجمهور- أم هو عام يشمل كل بر وخير وقربة- كما هو رأي من ذكرنا- وكما يدل عليه عموم اللفظ.
ولكي نحدد هذا المراد تحديدا دقيقاً علينا أن نستعرض موارد هذه الكلمة في القرآن لنبين ماذا يراد بها حيث وردت، فخير ما يفسر القرآن بالقرآن.
"سبيل الله" في القرآن:
ذكرت كلمة (في سبيل الله) في القرآن العزيز بضعًا وستين مرة(56) وقد جاء ذكرها على طريقتين:
1- فتارة تجر بحرف في "في سبيل الله" كما في آية مصارف الزكاة هذه وهو أكثر ما ورد في القرآن، وتارة تجر بحرف عن "عن سبيل الله" وذلك في ثلاث وعشرين موضعا من القرآن، وفي هذه المواضع جاءت بعد واحد من فعلين إما الصد مثل "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا" [النساء:167].
"إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ" [الأنفال:36]. وأما الإضلال مثل "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ" [لقمان:6].
2- وحينما تجر بـ(في) –وهو أكثر ما ورد في القرآن- يكون ذلك بعد فعل الإنفاق "أنفقوا في سبيل الله" أو الهجرة "والذين هاجروا في سبيل الله" أو الجهاد "وجاهدوا في سبيل الله" أو القتال أو القتل "يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون"، "ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات" أو المخمصة أو الضرب وما يشبهها.
فما المراد بسبيل الله في آيات القرآن؟
إن السبيل في اللغة هو الطريق. وسبيل الله هو الطريق الموصل إلى رضاه ومثوبته، وهو الذي بعث الله النبيين ليهدوا الخلق إليه، وأمر خاتم رسله بالدعوة إليه "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ" [النحل:125]. وأن يعلن في الناس "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي" [يوسف:108].
هناك سبيل آخر مضاد هو سبيل الطاغوت. وهو الذي يدعو إيه إبليس وجنوده وهو الذي ينتهي بصاحبه إلى النار وسخط الله. وقد قال الله تعالى مقارنا بين الطريقين وأصحابهما: "الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ" [النساء:76].
وسبيل الله دعاته قليلون، وأعداؤه الصادون عنه كثيرون "ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله"، "ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله"، "وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله" هذا إلى أن تكاليف هذا الطريق تجعل أهواء النفوس مخالفة له صادة عنه، ولهذا جاء التحذير من اتباع الهوى: "ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله".
وإذا كان أعداء الله يبذلون جهودهم وأموالهم ليصدوا عن (سبيل الله) فإن واجب أنصار الله من المؤمنين أن يبذلوا جهودهم، وينفقوا أموالهم في (سبيل الله) وهذا ما فرضه الإسلام، فجعل جزءا من الزكاة المفروضة يخصص لهذا المصرف الخطير (في سبيل الله) كما حيث المؤمنين بصفة عامة على إنفاق أموالهم في (سبيل الله).
معنى (سبيل الله) إذا قرن بالإنفاق:
والمتتبع لكلمة (سبيل الله) مقرونة بالإنفاق. يجد لها معنيين:
1- معنى عام –حسب مدلول اللفظ الأصلي- يشمل كل أنواع البر والطاعات وسبل الخيرات. وذلك كقوله تعالى: "مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ" [البقرة:261]. وقوله: "الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" [البقرة:262]. فلم يفهم أحد من هذه الآية خاصة أن سبيل الله فيها مقصور على القتال وما يتعلق به، بدليل ذكر المن والأذى. وهما إنما يكونان عند الإنفاق على الفقراء وذوي الحاجة، وبخاصة الأذى. وكذلك قله تعالى "وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" [التوبة:34]. فالمراد بسبيل الله في هذه الآية المعنى الأعم –كما قال الحافظ ابن حجر(57) –لا خصوص القتال. وإلا لكان الذي ينفق ماله على الفقراء والمساكين واليتامى وابن السبيل ونحوها –دون خصوص القتال- داخلا في دائرة الكانزين المبشرين بالعذاب. وزعم بعض المعاصرين(58): أن كلمة (في سبيل الله) إذا قرنت بالإنفاق كان معناه الجهاد جزما ولا تحتمل غيره مطلقاً. وهو زعم غير مبني على الاستقراء التام لموارد الكلمة في الكتاب العزيز وآيتا البقرة والتوبة المذكورتان تردان عليه.
2- والمعنى الثاني معنى خاص وهو نصرة دين الله ومحاربة أعدائه وإعلاء كلمته في الأرض، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. والسياق هو الذي يميز هذا المعنى الخاص من المعنى العام السابق. وهذا المعنى هو الذي يجئ بعد القتال والجهاد مثل "قاتلوا في سبيل الله" "وجاهدوا في سبيل الله" ومن ذلك قوله تعالى بعد آيات القتال في سورة البقرة: "وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" [البقرة:195]. فالإنفاق هنا إنفاق في نصرة الإسلام وإعلاء كلمته على أعدائه المحاربين له الصادين عنه.
ومثل ذلك قوله تعالى في سورة الحديد "وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى" [الحديد:10]. فالسياق يدل على أن الإنفاق هنا كالإنفاق في الآية السابقة.
وفي سورة الأنفال قال تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ" [الأنفال:60]. فالمقام يدل بوضوح على أن سبيل الله في الآية هو محاربة أعداء الله ونصرة دين الله، كما صرح بذلك الحديث الصحيح "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله".
وهذا المعنى الخاص هو الذي يعبر عنه أحياناً بالجهاد والغزو. وتفسيرنا له بنصرة الإسلام أولى، وإلا لكان مضمون معنى "جاهدوا في سبيل الله" جاهدوا في الجهاد.
سبيل الله في آية مصارف الزكاة:
وإذا كان لسبيل الله مع الإنفاق هذان المعنيان: العام والخاص –كما ذكرنا- فما المراد به معناه في الآية التي حددت مصارف الزكاة والإنفاق ملحوظ فيها وإن لم يذكر لفظه.
إن الذي أرجحه أن المعنى العام لسبيل الله لا يصلح أن يراد هنا، لأنه بهذا العموم يتسع لجهات كثيرة، لا تحصر أصنافها فضلا عن أشخاصها. وهذا ينافي حصر المصارف في ثمانية، كما هو ظاهر الآية، وكما جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم-: "أن الله لم يرضى بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أجزاء". كما أن سبيل الله بالمعنى العام يشمل إعطاء الفقراء والمساكين وبقية الأصناف السبعة الأخرى. لأنها جميعها من البر وطاعة الله.
فما الفرق إذن بين هذا المصرف وما سبقه وما يلحقه؟
إن كلام الله البليغ المعجز يجب أن ينزه عن التكرار بغير فائدة فلابد أن يراد به معنى خاص يميزه عن بقية المصارف، وهذا ما فهمه المفسرون والفقهاء من أقدم العصور، فصرفوا معنى سبيل الله.. إلى الجهاد. قالوا: إنه المراد به عند إطلاق اللفظ. ولهذا قال ابن الأثير: إنه صار لكثرة الاستعمال فيه كأنه مقصور عليه. كما نقلنا عنه في أول الفصل. ومما يؤيد ما قاله ابن الأثير. ما رواه الطبراني: أن الصحابة كانوا يوما مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فرأوا شابا جلدا، فقالوا: لو كان شبابه وجلده في سبيل الله؟(59) يريدون في الجهاد ونصرة الإسلام.
وصحت أحاديث كثيرة عن الرسول وأصحابه تدل على أن معنى المتبادر لكلمة (سبيل الله) هو الجهاد. كقول عمر في الحديث الصحيح: "حملت على فرس في سبيل الله" يعني في الجهاد. وحديث الشيخين: "لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها". وحديث البخاري: "من احتبس فرسا في سبيل الله، إيماناً بالله وتصديقاً بوعده فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة، يعني حسناته" وحديث الشيخين: "ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه من النار سبعين خريفا" وحديث النسائي والترمذي وحسنه: "من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت بسبعمائة ضعف". وحديث البخاري: "ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله، فتمسه النار" وغيرها كثير. ولم يفهم أحد من سبيل الله فيها إلا الجهاد.
فهذه القرائن كلها كافية في ترجيح أن المراد من سبيل الله في آية المصارف، هو الجهاد كما قال الجمهور، وليس المعنى اللغوي الأصلي، وقد أيد ذل حديث "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة".. وذكر منها الغارم والغازي في سبيل الله. أ.هـ البحث المشترك في إعداده.
ومن هذا البحث يتضح أن القول الأول بحصر مفهوم معنى (وفي سبيل الله) في الجهاد ومستلزماته هو قول جمهور أهل العلم وقد قال بهذا القول مجموعة من أعضاء هيئة كبار العلماء في المملكة وصدر بترجيح هذا القول على القولين الثاني والثالث قرار هيئة كبار العلماء رقم (24) وتاريخ 21/8/1394هـ بأكثرية أعضائه وكان من أعضائه القائلين به غالبية أعضاء اللجنة العلمية الدائمة للبحوث والإفتاء ومنهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رئيس اللجنة وقد صدر من اللجنة مجموعة من الفتاوى باعتبار الدعوة إلى الله وما تتطلبه من مقتضيات مالية مثل: مكافأة الدعاة، وأجور مكاتب الدعوة، وطباعة كتب الدعوة وتأليفها ونشرها باعتبار ذلك من الجهاد في سبيل الله.
وبناء على ذلك وعلى القول بحصر مفهوم (وفي سبيل الله) في الجهاد فإن أي وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله داخله في مفهوم (وفي سبيل الله) والله أعلم.
هذا ما تيسر ذكره، وبالله التوفيق، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(1) جامع البيان: ج14، ص320. تحقيق : محمود شاكر.
(2) الجامع لأحكام القرآن: ج8، ص185.
(3) أحكام القرآن: ج1، ص369، 397، عام 1331هـ.
(4) أحكام القرآن: ج3، ص156، 157. عام 1347هـ.
(5) الدار المنثور: ج3، ص252.
(6) لباب التأويل في معاني التنزيل: ج3،ص92.
(7) فتح القدير: ج2،ص373.
(8) فتح الباري: ج3، ص259.
(9) عمدة القاري: ج9،ص45.
(10) معالم السنن: ج2، ص234، 235.
(11) العناية على الهداية هامش على فتح القدير: ج،ص.
(12) الجزء الأول، ص188.
(13) الشرح الكبير هامش على حاشية الدسوقي: ج1، ص256.
(14) التاج والأكليل لمختصر خليل هامش على مواهب الجليل: ج2، ص256.
(15) الأم: ج2، ص60.
(16) المجموع: ج6،ص211.ط1.
(17) المجموع: ج1،ص249.
(18) المقنع وحاشيته: ج1، ص249.
(19) الإنصاف:ج،ص.
(20) المحلى: ج6،ص151.
(21) تفسير القرآن العظيم:ج2،ص366.
(22) لباب التأويل في معاني التنزيل:ج3،ص92.
(23) فتح القدير: ج2،ص373.
(24) الجامع لأحكام القرآن: ج8،ص185.
(25) أحكام القرآن: ج3،ص156.
(26) صحيح البخاري: ج2،ص104.
(27) نيل الأوطار: ج4،ص180، 181.
(28) المرعاة على المشكاة:ج3،ص 117.
(29) بدائع الصنائع: ج2،ص45.
(30) الشرح الكبير: ج2،ص702.
(31) كشاف القناع: ج2،ص256.
(32) المجموع: ج6،ص212، 213.
(33) المراعاة على المشكاة: ج3، ص117، 118.
(34) الشرح الكبير: ج2،ص701.
(35) تفسير الرازي: ج16،ص113.
(36) لباب التأويل: ج3،ص92.
(37) محاسن التأويل: ج8،ص3181.
(38) تفسير المراغي: ج10،ص145.
(39) روح المعاني: ج10، ص123.
(40) تفسير المنار: ج10،ص585.
(41) تفسير المنار: ج10، ص587.
(42) في ظلال القرآن: ج10،ص82.
(43) الروض النضير شرح مسند الإمام زيد: ج2،ص622.
(44) الروضة الندية: ج1،ص206.
(45) سبل السلام:ح2،ص198.
(46) المرعاة على المشكاة: ج3،ص117.
(47) بدائع الصنائع: ج2،ص45.
(48) الإسلام عقيدة وشريعة:ص97، 98.
(49) الفتاوى الشلتوت: ص219.
(50) فتاوى شرعية للشيخ مخلوف. ج2،ص.
(51) فتح الباري: ج12،ص235.
(52) شرح صحيح مسلم: ج11،ص147.
(53) فتح الباري: ج3،ص331.
(54) المرعاة على المشكاة: ج3، ص118، 119.
(55) فقه الزكاة: ج2،ص652، 657.
(56) راجع المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.
(57) فتح الباري: ج3،ص172.
(58) النظام الاقتصادي في الإسلام: ص208، تقي الدين النبهاني، من منشورات حزب التحرير.
(59) قال المنذري في الترغيب: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح: ج3، ص4.
المصدر
فقد اختلف العلماء رحمهم الله في تعيين المقصود من قوله تعالى في آية حصر أهل الزكاة:
"وفي سبيل الله" على ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المقصود بذلك الغزاة في سبيل الله وقد قال بهذا جمهور العلماء من المفسرين والمحدثين والفقهاء وفيما يلي نقل لبعض أقوالهم.
1- قال ابن جرير الطبري(1):
وأما قوله "وفي سبيل الله" فإنه يعني: وفي النفقة في نصرة دين الله وطريقه وشريعته التي شرعها لعباده بقتال أعدائه وذلك هو غزو الكفار، وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل –ذكر من قال ذلك- حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله "وفي سبيل الله" قال: الغازي في سبيل الله.
حدثنا ابن وكيع قال حدثنا أبي عن سفيان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال: قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: رجل عمل عليها، ورجل اشتراها بماله، وفي سبيل الله، أو ابن السبيل، أو رجل كان له جار تصدق عليه فأهداها له". أ.هـ.
2- وقال القرطبي(2).
"الثانية والعشرون قوله تعالى "وفي سبيل الله" هم الغزاة، وموضع الرباط يعطون ما ينفقون في غزوهم كانوا أغنياء أو فقراء وهذا قول أكثر العلماء وهو تحصيل مذهب مالك رحمه الله" أ.هـ.
3- وقال ابن العربي(3).
"المسألة التاسعة عشر" قوله "وفي سبيل الله" قال مالك: سبل الله كثيرة ولكني لا أعلم خلافاً في أن المراد بسبيل الله ها هنا: الغزو، ومن جملة سبيل الله إلا ما يؤثر عن أحمد وإسحاق فإنهما قالا: إنه الحج. والذي يصح عندي من قولهما أن الحج من جملة السبل مع الغزو؛ لأنه طريق بر فأعطي منه باسم السبيل. وهذا يحل عقد الباب ويخرم قانون الشريعة وينثر سلك النظر. وما جاء قط بإعطاء الزكاة في الحج أثر. وقد قال علماؤنا ويعطى منها الفقير بغير خلاف؛ لأنه قد سمي في أول الآية، ويعطى الغني عند مالك بوصف سبيل الله تعالى، كان غنياً في بلده، أو في موضعه الذي يأخذ به، لا يلتفت إلى غير ذلك من قوله الذي يؤثر عنه قال النبي –صلى الله عليه وسلم- "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: غاز في سبيل الله" وقال أبو حنيفة: لا يعطى الغازي إلا إذا كان فقيراً، وهذه زيادة على النص. وعنده أن الزيادة على النص نسخ ولا نسخ في القرآن، إلا بقرآن مثله أو بخبر متواتر وقد بينا أنه فعل مثل هذا في الخمس في قوله "ولذي القربى" فشرط في قرابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الفقر. وحينئذ يعطون من الخمس. وهذا كله ضعيف حسب ما بيناه، وقال محمد بن عبد الحكم يعطى من الصدقة في الكراع، والسلاح، وما يحتاج إليه من آلات الحرب وكف العدو عن الحوزة لأنه كله من سبيل الغزو ومنفعته، وقد أعطى النبي –صلى الله عليه وسلم- من الصدقة مائة ناقة في نازلة سهل بن حثمة إطفاء للثائرة" أ.هـ.
4- وقال الجصاص(4).
"قوله تعالى "وفي سبيل الله" روى ابن أبي ليلي عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تحل الصدقة لغني إلا في سبيل الله، أو ابن السبيل، أو رجل له جار مسكين تصدق عليه فأهدي له".
واختلف الفقهاء في ذلك فقال قائلون هي للمجاهدين الأغنياء منهم والفقراء، وهو قول الشافعي. وقال الشافعي: لا يعطى منها إلا الفقراء منهم ولا يعطى الأغنياء من المجاهدين فإن أعطوا ملكوها، وأجزأ المعطي وإن لم يصرفه في سبيل الله لأن شرطها تمليكه وقد حصل لمن هذه صفته فأجزأ وقد روي أن عمر تصدق بفرس في سبيل الله فوجده يباع بعد ذلك فأراد أن يشتريه فقال له رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "لا تعد في صدقتك" فلم يمنع النبي –صلى الله عليه وسلم- المحمول على الفرس من بيعها. –إلى أن قال-: وروي عن ابن يوسف فيمن أوصى بثلث ماله في سبيل الله أنه للفقراء الغزاة.
فإن قيل: فقد أجاز النبي –صلى الله عليه وسلم- لأغنياء الغزاة أخذ الصدقة بقوله: "لا تحل لغني إلا في سبيل الله" قيل له: قد يكون الرجل غنياً في أهله وبلده بدار يسكنها وأثاث يتأثث به في بيته وخادم يخدمه وفرس يركبه وله فضل مائتي درهم أو قيمتها فلا تحل له الصدقة فإذا عزم على الخروج في سفر غزو واحتاج من آلات السفر والسلاح والعدة إلى ما لم يكن محتاجاً إليه في حال إقامته فينفق الفضل عن أثاثه وما يحتاج إليه في مصره على السلاح والآلة فتجوز له الصدقة وجائز أن يكون الفضل عما يحتاج إليه من دابة الأرض أو سلاحاً أو شيئاً من آلات السفر لا يحتاج إليه في المصر فيمنع ذلك جواز إعطائه الصدقة إذا كان ذلك يساوي مائتي درهم وإن هو خرج للغزو فاحتاج إلى ذلك جاز أن يعطى من الصدقة وهو غني في هذا الوجه فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: الصدقة تحل للغازي الغني" أ.هـ.
5- وقال السيوطي(5) في تفسير قوله تعالى: "وفي سبيل الله":
"أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله "وفي سبيل الله" قال هم المجاهدون وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله "وفي سبيل الله" قال الغازي في سبيل الله" أ.هـ.
6- وقال الخازن(6):
"وفي سبيل الله" يعني وفي النفقة في سبيل الله وأراد به الغزاة فلهم سهم من مال الصدقات فيعطون إذا أرادوا الخروج إلى الغزو ما يستعينون به على أمر الجهاد من النفقة، والكسوة، والسلاح، والحمولة، فيعطون ذلك وإن كانوا أغنياء" أ.هـ.
7- وقال الشوكاني(7) في تفسيره "وفي سبيل الله".
"هم الغزاة والمرابطون يعطون من الصدقة ما ينفقون في غزوهم ومرابطتهم وإن كانوا أغنياء، وهذا قول أكثر العلماء" أ.هـ.
8- وقال ابن حجر العسقلاني(8):
"وأما في سبيل الله فالأكثر على أنه يختص بالغازي غنياً كان أو فقيراً إلا أن أبا حنيفة قال يختص بالغازي المحتاج" أ.هـ
9- قال بدر الدين العيني(9):
قوله "وفي سبيل الله" وهو منقطع الغزاة عند أبي يوسف، ومنقطع الحاج عند محمد. وفي المبسوط "وفي سبيل الله" فقراء الغزاة عند أبي يوسف، وعند محمد فقراء الحاج. وقال ابن المنذر وفي الإشراف قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد: سبيل الله هو الغازي غير الغني، وحكى أبو ثور عن أبي حنيفة أنه الغازي دون الحاج، وذكر ابن بطال: أنه قول أبي حنيفة ومالك والشافعي. ومثله النووي في شرح المهذب، وقال صاحب التوضيح: وأما قول أبي حنيفة: لا يعطى الغازي من الزكاة إلا أن يكون محتاجاً فهو خلاف ظاهر الكتاب والسنة، فأما الكتاب فقوله تعالى: "وفي سبيل الله" وأما السنة فروى عبد الرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لعامل عليها، أو لغاز في سبيل الله، أو غني اشتراها بماله، أو فقير تصدق عليه فأهدى لغني أو غارم". وأخرجه أبو داود وابن ماجه والحاكم، وقال صحيح على شرط الشيخين ورواه أبو داود.
(قلت): ما أحسن الأدب سيما مع الأكابر. وأبو حنيفة لم يخالف الكتاب ولا السنة وإنما عمل بالسنة فيما ذهب إليه وهو قوله صلى الله عليه وسلم "لا تحل الصدقة لغني" وقال: المراد من قوله لغاز في سبيل الله هو الغازي الغني بقوة البدن والقدرة على الكسب لا الغني بالنصاب الشرعي بدليل حديث معاذ: "وردها إلى فقرائهم" أ.هـ.
10- وقال أبو الحسن المباركفوري:
"اختلفوا في المراد من سبيل الله في آية المصارف فقيل المراد به الغزاة وعليه الجمهور. قال الباجي، هو: الغزو، والجهاد قاله مالك وجهور الفقهاء.
وقال الخرقي: وسهم في سبيل الله هم الغزاة، قال ابن قدامة هذا الصنف السابع من أهل الزكاة ولا خلاف في استحقاقهم، ولا خلاف في أنهم غزاة في سبيل الله لأن سبيل الله عند الإطلاق هو الغزو. أ.هـ.
ثم اختلف أهل هذا القول فقال الأكثر إنهم يعطون ما ينفقون في غزوهم وإن كانوا أغنياء، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف لا يعطى الغازي إلا إذا كان فقيراً منقطعاً به. قال الحافظ: أما سبيل الله فالأكثر على أنه يختص بالغازي غنياً كان أو فقيراً إلا أن أبا حنيفة قال يختص بالغازي المحتاج –ثم ذكر الأقوال الأخرى في المراد بقوله تعالى "وفي سبيل الله" ثم قال –والقول الراجح عندي هو ما ذهب إله الجمهور من أن المراد به الغزو والجهاد خاصة؛ لأن سبيل الله إذا أطلق في عرف الشرع فهو في الغالب واقع على الجهاد حتى كأنه مقصور عليه.
قال ابن العربي في أحكام القرآن: قوله "وفي سبيل الله" قال مالك: سبل الله كثيرة ولكني لا أعلم خلافاً في أن المراد بسبيل الله ههنا الغزو لحديث عطاء بن يسار الذي نحن في شرحه وهو حديث صريح مفسر لقوله "وفي سبيل الله" في الآية، فيجب حمله عليه ولم أر عنه جواباً شافياً من أحد. وإليه ذهب ابن حزم إذ قال: وأما سبيل الله فهو الجهاد بحق ثم ذكر حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد من طريق أبي داود وهو الذي يرجحه ابن قدامة حيث قال: وهذا أصح؛ لأن سبيل الله عند الإطلاق إنما ينصرف إلى الجهاد فإن كل ما في القرآن من ذكر سبيل الله إنما أريد به الجهاد إلا اليسير فيجب أن يحمل ما في هذه الآية على ذلك؛ لأن الظاهر إرادته به. انتهى.
وهو الذي صححه الخازن في تفسيره حيث قال: والقول الأول هو الصحيح لإجماع الجمهور عليه. ورجحه أيضاً العلامة القنوجي في تفسيره إذ قال: والأول أولى لإجماع الجمهور عليه. وبه فسره الشوكاني في فتح القدير ورجحه واختاره أيضاً غيرهم من المفسرين" أ.هـ.
11- وقال أبو سليمان الخطابي في معرض تعليقه على حديث عطاء بن يسار "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة" ما نصه(10):
"قلت فيه بيان أن للغازي وإن كان غنياً أن يأخذ الصدقة ويستعين بها في غزوه وهو من سهم سبيل الله وإليه ذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق بن راهويه. وقال أصحاب الرأي: لا يجوز أن يعطى للغازي من الصدقة إلا أن يكون منقطعاً به.
قلت: سهم السبيل غير سهم ابن السبيل، وقد فرق الله بينهما بالتسمية وعطف أحدهما على الآخر بالواو الذي هو حرف الفرق بين المذكورين المنسوق أحدهما على الآخر، فقال "وفي سبيل الله وابن السبيل" والمنقطع به هو ابن السبيل، فأما سهم السبيل فهو على عمومه وظاهره في الكتاب، وقد جاء في هذا الحديث ما بينه ووكد أمره فلا وجه للذهاب عنه" أ.هـ.
12- قال ابن الأثير: "وسبيل الله عام يقع على كل عمل خالص سلك به طريق التقرب إلى الله تعالى بأداء الفرائض والنوافل وأنواع التطوعات وإذا أطلق فهو في الغالب واقع على الجهاد حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه" أ.هـ.
13- وقال البابرتي(11)على عبارة الهداية "وفي سبيل الله":
"منقطع الغزاة عند أبي يوسف رحمه الله.. ولا يصرف إلى أغنياء الغزاة عندنا لأن المصرف هو للفقراء. وقوله منقطع الغزاة أي فقراء الغزاة... ولا يصرف إلى أغنياء الغزاة عندنا لأن المصرف هو للفقراء لقوله صلى الله عليه وسلم: "خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم". وقال الشافعي: يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة" من جملتهم الغزاة في سبيل الله وتأويله الغني، بقوة البدن ومعناه أن المستغني بكسبه لقوة بدنه لا يحل له طلب الصدقة إلا إذا كان غازياً فيحل لاشتغاله بالجهاد عن الكسب" أ.هـ.
14- وفي الفتاوى الهندية(12) ما نصه:
"ومنها في سبيل الله وهم منقطعو الغزاة الفقراء منهم عند أبي يوسف رحمه الله تعالى، وعند محمد رحمه الله تعالى منقطعو الحاج الفقراء منهم هكذا في التبيين، والصحيح قول أبي يوسف رحمه الله تعالى كذا في المضمرات" أ.هـ.
15- وقال أبو البركات أحمد الدردير في شرحه(13):
"وأشار للسابع بقوله ومجاهد أي المتلبس به إن كان ممن يجب عليه لكونه حراً مسلماً ذكراً بالغاً قادراً ولا بد أن يكون غير هاشمي ويدخل فيه المرابط وآلته كسيف ورمح تشترى منها ولو كان المجاهد غنياً حين غزوه كجاسوس يرسل للاطلاع على عورات العدو ويعلمنا بها فيعطى ولو كافراً، ولا تصرف الزكاة في سور حول البلد ليتحفظ به من الكفار ولا في عمل مركب يقاتل فيها العدو" أ.هـ.
16- وقال المواق(14):
"ومجاهد وآلته ولو غنيا. ابن عرفة: من الثمانية الأصناف التي تصرف الزكاة فيها سبيل الله. أبو عمر: وذلك الجهاد والرباط. اللخمي: ويعطي الغازي الفقير حيث غزوه الغني ببلده ويعطى الغزاة المقيمون في نحر العدو وإن كانوا أغنياء حيث غزوهم.
واختلف إذا كان غنيّا بالموضع الذي هو به فقيل يعطى لحديث "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز" الحديث. ولأن أخذه في معنى المعاوضة والأجرة إذا كان أوقف نفسه لذلك، ولأن في إعطائه ضرباً من الاستئلاف لمشقة ما يكلفون من بذل النفوس" أ.هـ 17- وقال الإمام الشافعي(15):
"ويعطى من سهم سبيل الله جل وعز من غزا من جيران الصدقة فقيراً كان أو غنياً ولا يعطى منه غيرهم إلا أن يحتاج إلى الدفع عنهم فيعطاه من دفع عنهم المشركين" أ.هـ.
18- وقال النووي على المهذب(16):
"قال المصنف رحمه الله تعالى: وسهم في سبيل الله وهم الغزاة إذا نشطوا غزوا، وأما من كان مرتباً في ديوان السلطان من جيوش المسلمين فإنهم لا يعطون من الصدقة بسهم الغزاة لأنهم يأخذون أرزاقهم وكفايتهم من الفيء قال النووي: ومذهبنا أن سهم سبيل الله المذكور في الآية الكريمة يصرف إلى الغزاة الذين لا حق لهم في الديوان بل يغزون متطوعين وبه قال أبو حنيفة ومالك رحمهما الله تعالى: أ.هـ.
وقال النووي أيضاً(17) في معرض الاحتجاج بما عليه المذهب الشافعي من أن سهم سبيل الله يصرف إلى الغزاة:
"واحتج أصحابنا بأن المفهوم في الاستعمال المتبادر إلى الإفهام أن سبيل الله تعالى هو الغزو وأكثر ما جاء في القرآن كذلك واحتج الأصحاب أيضاً بحديث أبي سعيد السابق في فضل الغارمين "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة –فذكر منهم- الغارم" وليس في الأصناف الثمانية من يعطى باسم الغزاة الذين نعطيهم من سهم سبيل الله تعالى" أ.هـ.
19- وقال ابن قدامة:
"السابع: في سبيل الله وهم الغزاة الذين لا ديوان لهم ولا يعطى منها في الحج" أ.هـ
وقال في حاشية المقنع(18) على قوله السابع "وفي سبيل الله":
"لا خلاف في استحقاقهم وبقاء حكمهم، ولا خلاف في أنهم الغزاة؛ لأن سبيل الله عند الإطلاق هو الغزو. قال الله تعالى: "وقاتلوا في سبيل الله" وقال: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ" [الصف:4].
وإنما يستحق هذا الاسم الغزاة الذين لا ديوان لهم وإنما يتطوعون بالغزو إذا نشطوا وهم الذين لا ديوان لهم أي لا حق لهم في الديوان؛ لأن من له رزق راتب فهو مستغن به فيدفع إليهم كفاية غزوهم وعودهم. –إلى أن قال- قوله (ولا يعطى منها في الحج) في رواية اختارها في المغني وصححها في الشرح وقاله أكثر العلماء منهم مالك وأبو حنيفة والثوري والشافعي وأبو ثور وابن المنذر؛ لأن سبيل الله حيث أطلق ينصرف إلى الجهاد غالباً والزكاة لا تصرف إلا لمحتاج إليها، كالفقير أو من يحتاجه المسلمون كالعامل. والحج لا نفع منه للمسلمين ولا حاجة بهم إليه والفقير لا فرض في ذمته فيسقطه وإن أراد به التطوع فتوفير هذا القدر على ذوي الحاجة أو صرفها في مصالح المسلمين أولى" أ.هـ.
20- وقال المرداوي(19) في أثناء الكلام على أصناف أهل الزكاة:
"قوله (السابع: في سبيل الله وهم الغزاة الذين لا ديوان لهم) فلهم الأخذ منها بلا نزاع. لكن لا يصرفون ما يأخذون إلا لجهة واحدة كما تقدم في المكاتب والغارم.
تنبيه: ظاهر قوله (وهم الذين لا ديوان لهم) أنه لو كان يأخذ من الديوان لا يعطى منها وهو صحيح لكن بشرط أن يكون فيه ما يكفيه، فإن لم يكن فيه ما يكفيه فله أخذ تمام ما يكفيه. قاله في الرعاية وغيرها –إلى أن قال- قوله: (لا يعطى منها في الحج) هذا إحدى الروايتين. اختاره المصنف والشارح، وقالا: هي أصح. وجزم به في الوجيز" أ.هـ.
21- وقال ابن حزم(20):
"وأما سبيل الله فهو الجهاد بحق. حدثنا عبد الله بن ربيع حدثنا ابن السليم حدثنا ابن الأعرابي حدثنا أبو داود حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: الغازي في سبيل الله، أو العامل عليها، أو الغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهداها المسكين للغني" وقد روي هذا الحديث عن غير معمر فأوقفه بعضهم ونقص بعضهم مما ذكر فيه معمر. وزيادة العدل لا يحل تركها. فإن قيل: قد روي عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن الحج من سبيل الله وصح عن ابن عباس أن يعطى منها في الحج. قلنا: نعم، وكل فعل خير فهو من سبيل الله تعالى، إلاَّ أنه لا خلاف في أنه تعالى لم يرد كل وجه من وجوه البر في قسمة الصدقات فلم يجز أن توضع إلا حيث بيّن النص وهو الذي ذكرنا وبالله تعالى التوفيق" أ.هـ.
وقد استدل أصحاب هذا القول بما يأتي:
1- بأن سبيل الله إذا أطلق في عرف الشرع فهو في الغالب واقع على الجهاد حتى كأنه مقصور عليه لأن كل ما في القرآن من ذكر سبيل الله إنما أريد به الجهاد إلا اليسير، فيجب أن يحمل قوله تعالى: "وفي سبيل الله" عليه لأن الظاهر إرادته قال تعالى: "وقاتلوا في سبيل الله" وقال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ" [الصف:4].
2- بأن حديث عطاء بن يسار: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لغاز في سبيل الله" الحديث حديث صريح مفسر لقوله تعالى: "وفي سبيل الله" فيجب حمله عليه.
3- بما ورد من الآثار الدالة على أن المقصود بسبيل الله الجهاد، ومن ذلك ما ذكره الطبري في تفسيره قال: حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: "وفي سبيل الله" قال الغازي في سبيل الله.
وما ذكره السيوطي في تفسيره الدر المنثور قال: أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل في قوله "وفي سبيل الله" قال: هم المجاهدون.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله "وفي سبيل الله" قال الغازي في سبيل الله.
والقول الثاني: أن المراد بسبيل الله الغزاة والحجاج والعمار، وقد قال بهذا القول مجموعة من العلماء من المفسرين، والمحدثين، والفقهاء، وفيما يلي بعض من أقوالهم:
1- قال ابن كثير(21) رحمه الله:
"وأما في سبيل الله فمنهم الغزاة الذين لا حق لهم في الديوان، وعند الإمام أحمد والحسن وإسحاق والحج من سبيل الله للحديث" أ.هـ.
2- وقال الخازن(22) في تفسيره قوله تعالى "وفي سبيل الله":
"وقال قوم: يجوز أن يصرف سهم سبيل الله إلى الحج يروى ذلك عن ابن عباس وهو قول الحسن وإليه ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه" أ.هـ.
3- وقال الشوكاني(23) في تفسيره قوله تعالى "وفي سبيل الله".
"وقال ابن عمر هم الحجاج، والعمار، وروي عن أحمد وإسحاق أنهما جعلا الحج من سبيل الله" أ.هـ.
4- وقال القرطبي(24):
"الثانية والعشرون قوله تعالى: "وفي سبيل الله" هم الغزاة وموضع الرباط –إلى أن قال- وقال ابن عمر: الحجاج والعمار. ويؤثر عن أحمد وإسحاق رحمهما الله أنهما قال: سبيل الله الحج. وفي البخاري: ويذكر عن أبي لاسن: حملنا النبي –صلى الله عليه وسلم- على إبل الصدقة للحج. ويذكر عن ابن عباس: ويعتق من (زكاة) ماله ويعطى في الحج. خرج أبو محمد عبد الغني الحافظ حدثنا محمد بن محمد الخياش، حدثنا أبو غسان مالك بن يحيى، حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا مهدي بن ميمون عن محمد بن أبي يعقوب عن عبد الرحمن بن أبي نعم ويكنى أبا الحكم، قال: كنت جالساً مع عبد الله بن عمر فأتته امرأة وقالت: يا أبا عبد الرحمن، إن زوجي أوصى بماله في سبيل الله. قال ابن عمر: فهو كما قال في سبيل الله. فقلت: أما زدتها فيما سألت عنه إلا غما؟ قال: فما تأمرني يا ابن أبي نعم، آمرها أن تدفعه إلى هؤلاء الجيوش الذين يخرجون فيعتدون في الأرض ويقطعون السبيل قال: قلت فما تأمرها. قال: آمرها أن تدفعه إلى قوم صالحين، إلى حجاج بين الله الحرام، أولئك وفد الرحمن، أولئك وفد الرحمن، أولئك وفد الرحمن، ليسوا كوفد الشيطان، ثلاثا يقولها. قلت: يا أبا عبد الرحمن وما وفد الشيطان؟ قال: قوم يدخلون على هؤلاء الأمراء فينمون إليهم الحديث ويسعون في المسلمين بالكذب فيجازون الجوائز ويعطون عليه العطايا" أ.هـ.
5- قال الجصاص(25):
"وإن أعطى حاجا منقطعا به أجزأ أيضاً وقد روي عن ابن عمر أن رجلاً أوصى بماله في سبيل الله فقال ابن عمر: إن الحج في سبيل الله فاجعله فيه وقال محمد بن الحسن في السير الكبير في رجل أوصى بثلث ماله في سبيل الله أنه يجوز أن يجعل في الحاج المنقطع به وهذا يدل على أن قوله تعالى "وفي سبيل الله" قد أريد به عند محمد الحاج المنقطع به وقد روي عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: الحج والعمرة من سبيل الله" أ.هـ.
6- وقال البخاري(26):
باب قوله تعالى: "وفي الرقاب وفي سبيل الله" ويذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما: يعتق من زكاة ماله ويعطى في الحج. وقال الحسن: إن اشترى أباه من الزكاة جاز ويعطي في المجاهدين والذي لم يحج، ثم تلا "إنما الصدقات للفقراء" الآية في أيهما أعطيت أجزأت. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن خالداً احتبس أدرعه في سبيل الله ويذكر عن أبي لاس: حملنا النبي -صلى الله عليه وسلم- على إبل الصدقة للحج" أ.هـ.
7- وقال المجد(27) تحت باب الصرف في سبيل الله وابن السبيل:
"وعن ابن لاس الخزاعي قال حملنا النبي –صلى الله عليه وسلم- على إبل من الصدقة إلى الحج. رواه أحمد وذكره البخاري تعليقاً. وعن أم معقل الأسدية أن زوجها جعل بكراً في سبيل الله، وأنها أرادت العمرة فسألت زوجها البكر فأبى فأتت النبي –صلى الله عليه وسلم- فذكرت له، فأمره أن يعطيها، وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "الحج والعمرة في سبيل الله" رواه أحمد. وعن يوسف بن عبد الله بن سلام عن جدته أم معقل قالت: لما حج رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حجة الوداع وكان لنا جمل فجعله أبو معقل في سبيل الله، وأصابنا مرض وهلك أبو معقل وخرج النبي –صلى الله عليه وسلم- فلما فرغ من حجته جئته فقال: يا أم معقل ما منعك أن تخرجي؟ قالت: لقد تهيأنا فهلك أبو معقل وكان لنا جمل هو الذي نحج عليه فأوصى به أبو معقل في سبيل الله قال: فهلا خرجت عليه فإن الحج من سبيل الله. رواه أبو داود.
قال الشوكاني حديث ابن لاس سيأتي الكلام عليه. وحديث أم معقل أخرجه بنحو الرواية الأولى أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه وفي إسناده رجل مجهول، وفي إسناده أيضاً إبراهيم بن مهاجر بن جابر البجلي الكوفي وقد تكلم فيه غير واحد. وقد اختلف على أبي بكر بن عبد الرحمن فيه. فروي عنه عن رسول مروان الذي أرسله إلى أم معقل عنها. وروي عنه عن أم معقل بغير واسطة وروي عنه عن أبي معقل. والرواية الثانية التي أخرجها أبو داود في إسنادها محمد بن إسحاق وفيه مقال معروف. قوله ابن لاس هكذا في نسخ الكتاب الصحيحة بلفظ ابن والذي في البخاري أبي لاس وكذا في التقريب من ترجمة عبد الله بن غنيمة. ولاس بسين مهمله خزاعي اختلف في اسمه فقيل زياد وقيل عبد الله بن عنمه بمهمله ونون مفتوحتين، وقيل غير ذلك له صحبة وحديثان، هذا أحدهما وقد وصله مع أحمد، ابن خزيمة والحاكم وغيرهما من طريقه قال الحافظ: ورجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق ولهذا توقف ابن المنذر في ثبوته.
وأحاديث الباب تدل على أن الحج والعمرة من سبيل الله، وأن من جعل شيئاً من ماله في سبيل الله جاز له صرفه في تجهيز الحجاج والمعتمرين، وإذا كان شيئاً مركوباً جاز حمل الحاج. والمعتمر عليه، وتدل أيضاً على أنه يجوز صرف شيء من سهم سبيل الله من الزكاة إلى قاصدي الحج والعمرة" أ.هـ.
8- وقال المباركفوري(28) في معرض كلامه عن المراد بقوله تعالى: "وفي سبيل الله":
"وقيل المراد منه منقطع الحاج، وبه قال محمد، وروي عن أحمد وإسحاق أن الحج أيضاً من سبيل الله يعني أن الحج من جملة السبل مع الغزو؛ لأنه طريق برّ –إلى أن قال- قلت: واحتج للقول الثاني بما روى أبو داود عن ابن عباس أن امرأة قالت لزوجها أحججني مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على جملك فلان. قال: ذاك حبيس في سبيل الله (الحديث) وفيه أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "أما أنك لو حججتها عليه كان في سبيل الله".
وبما روي عن أم معقل الأسدية أن زوجها جعل بكراً في سبيل الله، وأنها أرادت الحج (الحديث) وفيه فأمر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن يعطيها البكر.
وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "الحج من سبيل الله". أخرجه أحمد وغيره.
وبما روي عن أبي لاس قال: حملنا النبي –صلى الله عليه وسلم- على إبل من الصدقة للحج ذكره البخاري تعليقا بصفة التمريض، ووصله أحمد وابن خزيمة والحاكم، وقال الشوكاني حديث أم معقل وحديث أبي لاس يدلان على أن الحج من سبيل الله، وأن من جعل شيئاً من ماله في سبيل الله جاز له صرفه في تجهيز الحجاج وإذا كان شيئاً مركوباً جاز حمل الحاج عليه، ويدلان أيضاً على أنه يجوز صرف شيء من سهم سبيل الله من الزكاة على قاصدي الحج. انتهى.
وبما روى أبو عبيد في الأموال عن أبي معاوية وابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي جعفر كلاهما عن الأعمش عن حسان أبي الأشرس عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأساً أن يعطى الرجل من زكاة ماله في الحج وأن يعتق منه الرقبة. وبما روي عن ابن عمر أنه سئل عن امرأة أوصت بثلاثين درهما في سبيل الله فقيل له أتجعل في الحج فقال: أما إنه من سبيل الله. أخرجه أبو عبيد بإسناد صحيح عنه" أ.هـ.
9- وقال الكاساني(29) في معرض كلامه عن المراد من قوله تعالى: "وفي سبيل الله":
"وقال محمد: المراد منه الحاج المنقطع لما روي أن رجلا جعل بعيراً له في سبيل الله فأمر النبي –صلى الله عليه وسلم- أن يحمل عليه الحاج" أ.هـ.
10- وقال أبو الفرج بن قدامة(30) في معرض كلامه عن المراد بقوله تعالى: "وفي سبيل الله":
"وروي عنه أن الفقير يعطى قدر ما يحج به الفرض أو يستعين به فيه. يروى إعطاء الزكاة في الحج عن ابن عباس وعن ابن عمر الحج من سبيل الله وهو قول إسحاق لما روي أن رجلاً جعل ناقة له في سبيل الله فأرادت امرأته الحج فقال لها النبي –صلى الله عليه وسلم-: "اركبيها فإن الحج من سبيل الله" أ.هـ.
11- وقال البهوتي(31):
"والحج من السبيل أيضاً روي عن ابن عباس وابن عمر لما روى أبو داود أن رجلا جعل ناقته في سبيل الله فأرادت امرأته الحج فقال لها النبي –صلى الله عليه وسلم-: "اركبيها فإن الحج من سبيل الله". فيأخذ إن كان فقيراً من الزكاة ما يؤدي به فرض حج أو فرض عمرة، أو يستعين به في أي فرض، الحج والعمرة لأنه يحتاج إلى إسقاط الفرض، وأما التطوع فله عنه مندوحة. وذكر القاضي جوازه في النفل كالفرض وهو ظاهر كلام أحمد والخرقي وصححه بعضهم لأن كلا من سبيل الله والفقير لا فرض عليه فهو منه كالتطوع" أ.هـ.
12- وقال النووي(32) ناسبًا القول بكون الحج من سبيل الله إلى الإمام أحمد ما نصه:
"وقال أحمد رحمه الله تعالى في أصح الروايتين عنه: يجوز صرفه إلى مريد الحج.
وروي مثله عن ابن عمر رضي الله عنهما. واستدل له بحديث أم معقل الصحابية رضي الله عنها قالت: (لما حج رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حجة الوداع وكان لنا جمل فجعله أبو معقل في سبيل الله، وأصابنا مرض فهلك أبو معقل وخرج النبي –صلى الله عليه وسلم- فلما فرغ من حجه جئته فقال: يا أم معقل ما منعك أن تخرجي؟ قالت قلت: لقد تهيأنا فهلك أبو معقل وكان لنا جمل هو الذي نحج عليه فأوصى به أبو معقل في سبيل الله قال: فهلا خرجت عليه فإن الحج من سبيل الله". وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أراد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الحج فقالت امرأة لزوجها: أحججني مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال: ما عندي ما أحجك عليه. فقالت: أحججني على جملك فلان. قال ذلك حبيس في سبيل الله عز وجل. فأتى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال: إن امرأتي تقرأ عليك السلام ورحمة الله إنها سألتني الحج معك قالت: أحججني مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم-. فقلت: ما عندي ما أحجك عليه. فقالت: أحججني على جملك فلان. فقلت: ذلك حبيس في سبيل الله. فقال: (أما إنك لو حججتها عليه كان في سبيل الله) وإنها أمرتني أن أسألك ما يعدل حجة معك قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "أقرئها السلام ورحمة الله تعالى وبركاته وأخبرها أنها تعدل حجة يعني عمرة في رمضان" رواهما أبو داود في سننه في أواخر كتاب الحج في باب العمرة، والثاني إسناده صحيح وأما الأول حديث أم معقل فهو من رواية محمد بن إسحاق وقال فيه: هو مدلس، والمدلس إذا قال: عن. لا يحتج به بالاتفاق" أ.هـ.
واستدل أصحاب هذا الرأي بما استدل به أصحاب القول الأول بالنسبة لإرادة الغزاة من كلمة "في سبيل الله".
وأما بالنسبة لدخول الحجاج والعمار في ذلك فقد استدلوا عليه بما روى أبو داود عن ابن عباس أن امرأة قالت لزوجها: أحججني مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على جملك فلان. قال ذاك حبيس في سبيل الله. الحديث وفيه أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: (أما أنك لو حججتها عليه كان في سبيل الله). وبما روي عن أم معقل الأسدية أن زوجها جعل بكراً في سبيل الله وأنها أرادت الحج –وفيه- فأمر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن يعطيها البكر وقال: "الحج من سبيل الله". أخرجه أحمد وغيره. وبما روي عن أبي لاس قال: حملنا النبي –صلى الله عليه وسلم- على إبل من الصدقة للحج. ذكره البخاري تعليقاً ووصله أحمد وابن خزيمة والحاكم. وبما روى أبو عبيد في الأموال عن أبي معاوية وابن أبي شيبة في مصنفه عن أبي جعفر كلاهما عن الأعمش عن حسان أبي الأشرس عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأساً أن يعطي الرجل من زكاة ماله في الحج. وبما روي عن ابن عمر أنه سئل عن امرأة أوصت بثلاثين درهما في سبيل الله فقيل له: أتجعل في الحج فقال: أما إنه من سبيل الله. أخرجه أبو عبيد بإسناد صحيح عنه. وقال القرطبي في تفسيره: خرج أبو محمد عبد الغني الحافظ حدثنا محمد بن محمد الخياش حدثنا أبو غسان مالك بن يحي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا مهدي بن ميمون عن محمد بن أبي يعقوب عن عبد الرحمن ابن أبي نعم ويكنى أبا الحكم قال كنت جالسا مع عبد الله بن عمر فأتته امرأة فقالت له: يا أبا عبد الرحمن إن زوجي أوصى بماله في سبيل الله. قال ابن عمر: فهو كما قال في سبيل الله. فقلت: أما زدتها فيما سألت عنه إلا غما. قال فما تأمرني يا ابن أبي نعم آمرها أن تدفعه إلى هؤلاء الجيوش الذين يخرجون فيعتدون في الأرض ويقطعون السبيل؟ قال: قلت فما تأمرها. قال: آمرها أن تدفعه إلى قوم صالحين إلى حجاج بيت الله الحرام أولئك وفد الرحمن، أولئك وفد الرحمن، أولئك وفد الرحمن، ليسو كوفد الشيطان ثلاثا يقولها.
وقد أجيب عن أدلة هذا القول بما يلي:
1- بأن المتبادر إلى الأفهام من كلمة في سبيل الله في آية المصارف أنه هو الغزو.
2- بما قال المباركفوري(33):
"وأما الأحاديث التي استدل بها أهل القول الثاني فقد أجيب عنها بوجهين:
الأول: الكلام فيها إسناداً فإن حديث ابن عباس في إسناده عامر بن عبد الواحد الأحول وقد تكلم فيه أحمد والنسائي، وقال الحافظ صدوق يخطئ، وقد روى الشيخان عن ابن عباس نحو هذه القصة، وليس عندهما أنه جعل جمله حبيسا في سبيل الله، ولا أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: لو أحججتها عليه كان في سبيل الله. وأما حديث أم معقل ففيه اضطراب كثير واختلاف شديد في سنده ومتنه حتى تعذر الجمع والترجيح مع ما في بعض طرقه من راو ضعيف ومجهول ومدلس قد عنعن، وهذا مما يوجب التوقف فيه وذلك لا يشك فيه من ينظر في طرق هذا الحديث في مسند الإمام أحمد وفي السنن مع حديث ابن عباس عند الشيخين وأبي داود وابن أبي شيبه ومع قصة أم طليق عند ابن السكن وابن منده والدولابي، وقد حمل ذلك بعضهم على وقائع متعددة ولا يخفى بعده، وأما حديث أبي لاس فقال الحافظ في الفتح رجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق ولهذا توقف ابن المنذر في ثبوته" أ.هـ.
ويشير بذلك إلى ما حكي عنه أنه قال إن ثبت حديث ابن لاس قلت بذلك. قال الحافظ: وتعقب بأنه يحتمل أنهم كانوا فقراء وحملوا عليها خاصة ولم يتملكوها. انتهى وأما أثر ابن عباس فهو أيضاً مضطرب صرح به أحمد كما في الفتح وقد بين اضطرابه الحافظ ولذلك كف أحمد عن القول بالإعتاق من الزكاة تورعا وقيل بل رجع عن هذا القول. والثاني أنه لا ينكر أن الحج من سبيل الله بل كل فعل خير من سبل الله لكن لا يلزم من هذا أن يكون السبيل المذكور في هذه الأحاديث هو المذكور في الآية فإن المراد في هذه الأحاديث المعنى الأعم وفي الآية نوع خاص منه وهو الغزو والجهاد لحديث أبي سعيد وإلا فجميع الأصناف من سبيل الله بذلك المعنى.
قال ابن حزم: فإن قيل قد روي عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن الحج من سبيل الله وصح عن ابن عباس أن يعطى منها في الحج قلنا: نعم، وكل فعل خير فهو في سبيل الله تعالى إلا أنه لا خلاف في أنه تعالى لم يرد كل وجه من وجوه البر في قسمة الصدقات فلم يجز أن توضع إلا حيث بين النص وهو الذي ذكرنا انتهى.
ويمكن أن يناقش قول ابن حزم بأنه وجد من يقول بأن من سبيل الله الحج والعمرة والعتق، وليس في النص دلالة على قصر سبيل الله على الجهاد.
وقال ابن قدامة: هذا أي عدم صرف الزكاة في الحج أصح لأن الزكاة إنما تصرف إلى أحد رجلين محتاج إليها كالفقراء والمساكين وفي الرقاب، والغارمين لقضاء ديونهم وابن السبيل، أو من يحتاج إليه المسلمون كالعامل، والغازي، والمؤلف، والغارم لإصلاح ذات البين، والحج من الفقير لا نفع للمسلمين فيه ولا حاجة بهم إليه ولا حاجة به أيضاً إليه لأن الفقير لا فرض عليه فيسقط ولا مصلحة له في إيجابه عليه، وتكليفه مشقة قدْ رفهه الله منها، وخفف عنه إيجابها وأما الخبر (يعني حديث أن الحج في سبيل الله) فلا يمنع أن يكون الحج من سبيل الله والمراد بالآية غيره لما ذكرنا انتهى.
وقال ابن الهمام متعقبا على الاستدلال المذكور: ثم فيه نظر لأن المقصود ما هو المراد بسبيل الله المذكور في الآية، والمذكور في الحديث لا يلزم كونه إياه لجواز أنه أرد الأمر الأعم وليس ذلك المراد في الآية بل نوع مخصوص وإلا فكل الأصناف في سبيل الله بذلك المعنى انتهى.
وقال صاحب تفسير المنار بعد الكلام في سند حديث أم معقل ما لفظه: وأقول من جهة المعنى أولاً: إن جعل أبي معقل جمله في سبيل الله أو وصيته به صدقة تطوع وهي لا يشترط فيها أن تصرف في هذه الأصناف التي قصرتها عليه الآية.
وثانياً: أن حج امرأته عليه ليس تمليكاً لها يخرج الجمل عن بقائه على ما أوصى به أبو معقل ويقال مثل هذا في حديث أبي لاس.
وثالثاً: أن الحج من سبيل الله بالمعنى العام للفظ والراجح المختار أنه غير مراد في الآية" أ.هـ.
3- بما قال أبو الفرج ابن قدامة(34):
"ولأن الزكاة إنما تصرف لأحد رجلين محتاج إليها كالفقراء والمساكين وفي الرقاب والغارمين لقضاء ديونهم أو من يحتاج إليه المسلمون كالعمال والغارم والمؤلَّفِ والغارم لإصلاح ذات البين، والحج للفقير لا نفع للمسلمين فيه ولا حاجة بهم إليه، ولا حاجة به أيضاً لأن الفقير لا فرض عليه فيسقطه ولا مصلحة له في إيجابه عليه وتكليفه مشقة قد رفَهه الله منها وخفف عنه إيجابها وتوفير هذا القدر على ذوي الحاجة من سائر الأصناف أو صرفه في مصالح المسلمين أولى" أ.هـ.
القول الثالث: أن المراد بذلك جميع وجوه البر لأن اللفظ عام فلا يجوز قصره على بعض أفراده إلا بدليل صحيح ولا دليل على ذلك وقد قال بهذا القول مجموعة من العلماء من مفسرين ومحدثين وفقهاء وفيما يلي بعض أقوالهم:
1- قال الفخر الرازي(35):
"إن ظاهر اللفظ في قوله تعالى: "وفي سبيل الله" لا يوجب القصر على الغزاة –ثم قال- فلهذا المعنى نقل القفال في تفسيره عن بعض الفقهاء أنهم أجازوا صرف الصدقات إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وبناء الحصون وعمارة المساجد لأن قوله في سبيل الله عام في الكل" أ.هـ.
2- وقال الخازن في تفسيره(36):
"وقال بعضهم إن اللفظ عام ولا يجوز قصره على الغزاة فقط ولهذا أجاز بعض الفقهاء صرف سهم سبيل الله إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وبناء الجسور والحصون وعمارة المساجد وغير ذلك قال لأن قوله: "وفي سبيل الله" عام فلا يختص بصنف دون غيره" أ.هـ.
3- وقال محمد جمال الدين القاسمي(37):
"ثم ذكر تعالى الإعانة على الجهاد بقوله: "وفي سبيل الله" فيصرف على المتطوعة في الجهاد ويشترى لهم الكراع والسلاح.
قال الرازي: لا يوجب قوله: "وفي سبيل الله" القصر على الغزاة. ولذا نقل القفال في تفسيره عن بعض الفقهاء جواز صرف الصدقات إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وبناء الحصون وعمارة المساجد لأن قوله: "وفي سبيل الله" عام في الكل. انتهى.
ولذا ذهب الحسن وأحد وإسحاق إلى أن الحج من سبيل الله فيصرف للحجاج منه. قال في الإقناع وشرحه: والحج من سبيل الله نصا. وروي عن ابن عباس وابن عمر. لما روى أبو داود: أن رجلا جعل ناقة في سبيل الله. فأرادت امرأته الحج فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم "اركبيها فإن الحج من سبيل الله" فيأخذ إن كان فقيراً من الزكاة ما يؤدي به فرض حج أو عمرة، أو يستعين به فيه، وكذا في نافلتهما لأن كلا من سبيل الله. انتهى.
قال ابن الأثير: وسبيل الله عام يقع على كل عمل خالص سلك به طريق التقرب إلى الله تعالى بأداء الفرائض والنوافل وأنواع التطوعات وإذا أطلق فهو في الغالب واقع على الجهاد حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه. أنتهى.
وقال في التاج: كل سبيل أريد به الله عز وجل وهو بر داخل في سبيل الله" أ.هـ.
4- وقال أحمد مصطفى المراغي(38) في تفسيره قوله تعالى: "وفي سبيل الله":
"وسبيل الله هو الطريق الموصل إلى مرضاته ومثوبته والمراد به الغزاة والمرابطون للجهاد وروي عن الإمام أحمد أنه جعل الحج من سبيل الله. ويدخل في ذلك جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وبناء الجسور والحصون وعمارة المساجد ونحو ذلك. والحق أن المراد بسبيل الله مصالح المسلمين العامة التي بها قوام أمر الدين والدولة دون الأفراد كتأمين طرق الحج وتوفير الماء والغذاء وأسباب الصحة للحجاج إن لم يوجد مصرف آخر. وليس منه حج الأفراد لأنه واجب على المستطيع فحسب" أ.هـ.
5- وقال الألوسي(39):
"وفي سبيل الله" أريد بذلك عند أبي يوسف منقطعو الغزاة وعند محمد منقطعو الحجيج وقيل المراد طلبة العلم واقتصر عليه في الفتاوى الظهيرية وفسره في البدائع بجميع القرب فيدخل فيه كل من سعى في طاعة الله تعالى وسبل الخير" أ.هـ.
6- وقال السيد رشيد رضا في تفسيره المنار بعد استعراضه الأقوال التي قيلت في المراد بقوله تعالى: "وفي سبيل الله" ما نصه:
"والتحقيق أن سبيل الله هنا مصالح المسلمين العامة التي بها قوام أمر الدين والدولة دون الأفراد، وأن حج الأفراد ليس منها لأنه واجب على المستطيع دون غيره، وهو من الفرائض العينية بشرطه كالصلاة والصيام لا من المصالح الدينية الدولية... ولكن شعيرة الحج وإقامة الأمة لها منها فيجوز الصرف من هذا السهم على تأمين طرق الحج وتوفير الماء والغذاء وأسباب الصحة إن لم يوجد لذلك مصرف آخر"(40)أ.هـ.
وقال أيضاً: "وفي سبيل الله وهو يشمل سائر المصالح الشرعية العامة التي هي ملاك أمر الدين والدولة وأولاها بالتقديم الإستعداد للحرب بشراء السلاح وأغذية الجند وأدوات النقل وتجهيز الغزاة –إلى أن قال- ومن أهم ما ينفق في سبيل الله في زماننا هذا إعداد الدعاة إلى الإسلام وإرسالهم إلى بلاد الكفر من قبل جمعيات منظمة تمدهم بالمال الكافي(41) أ.هـ.
7- وقال سيد قطب(42) رحمه الله:
"وفي سبيل الله" وذلك باب واسع يشمل كل مصلحة للجماعة تحقق كلمة الله، وفي أولها إعداد العدة للجهاد وتجهيز المتطوعين وتدريبهم، وبعث البعوث للدعوة إلى الإسلام وبيان أحكامه وشرائعه للناس أجمعين، وتأسيس المدارس والجامعات التي تربي الناشئة تربية إسلامية صحيحة فلا نكلهم إلى مدارس الدولة تعلمهم كل شيء إلا الإسلام، ولا مدارس المبشرين تعتدي على طفولتهم وحداثتهم وهم لا يملكون رد العدوان" أ.هـ.
8- وقال الحسين السيافي(43)في معرض كلامه على قول زيد رحمه الله:
"لا يعطى من الزكاة في كفن ميت ولا بناء مسجد ولا تعتق منها رقبة. قال: وذهب من أجاز ذلك إلى الاستدلال بدخولهما في صنف سبيل الله إذ هو طريق الخير على العموم وإن كثر استعماله في فرد من مدلولاته وهو الجهاد لكثرة عروضه في أول الإسلام كما في نظائره لكن لا إلى حد الحقيقة العرفية فهو باق على الوضع الأول فيدخل فيه جميع أنواع القرب على ما يقتضيه النظر في المصالح العامة والخاصة إلا ما خصه الدليل وهو ظاهر عبارة البحر في قوله: قلنا ظاهر سبيل الله العموم إلا ما خصه الدليل" أ.هـ.
9- قال صديق حسن خان(44)
"أما سبيل الله فالمراد هنا الطريق إليه عز وجل والجهاد وإن كان أعظم الطرق إلى الله عز وجل لكن لا دليل على اختصاص هذا السهم به بل يصح صرف ذلك في كل ما كان طريقاً إلى الله عز وجل هذا معنى الآية لغة. والواجب الوقوف على المعاني اللغوية حيث لم يصح النقل هنا شرعاً" أ.هـ.
10- وقال الصنعاني(45)في الكلام على الحديث "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة" الحديث:
"وكذلك الغازي يحل له أن يتجهز من الزكاة وإن كان غنياً لأنه ساع في سبيل الله. قال الشارح ويلحق به من كان قائماً بمصلحة عامة من مصالح المسلمين، كالقضاء، والإفتاء، والتدريس وإن كان غنياً. وأدخل أبو عبيدة من كان في مصلحة عامة في العاملين.
وأشار إليه البخاري حيث قال (باب رزق الحاكم والعاملين عليها) وأراد بالرزق ما يرزقه الإمام من بيت المال لمن يقوم بمصالح المسلمين، كالقضاء، والفتيا، والتدريس، فله الأخذ من الزكاة فيما يقوم به مدة القيام. بالمصلحة وإن كان غنياً" أ.هـ.
11- وقال المباركفوري(46):
"وقيل اللفظ عام فلا يجوز قصره على نوع خاص ويدخل فيه جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وبناء الجسور والحصون وعمارة المساجد وغير ذلك. نقل ذلك القفال عن بعض الفقاء من غير أن يسميه كما في حاشية تفسير البيضاوي لشيخزاده وإليه مال الكاساني إذ فسره بجميع القرب قال في البدائع: سبيل الله عبارة عن جميع القرب ويدخل فيه كل من سعى في طاعة الله وسبيل الخيرات إذا كان محتاجاً. وقال النووي في شرح مسلم وحكى القاضي عياض عن بعض العلماء أنه يجوز صرف الزكاة في المصالح العامة وتأول عليه هذا الحديث أي ما روى البخاري في القسامة أنه صلى الله عليه وسلم وداه. أي الذي قتل بخيبر مائة من أبل الصدقة" أ.هـ.
12- وقال الكاساني(47).
"وأما قوله تعالى: "وفي سبيل الله" عبارة عن جميع القرب فيدخل فيه كل من سعى في طاعة الله وسبيل الخيرات إذا كان محتاجاً" أ.هـ.
13- وذكر الشيخ محمود شلتوت رحمه الله:
"أن معنى "وفي سبيل الله" أنه المصالح العامة التي لا ملك فيها لأحد، والتي لا يختص بالانتفاع بها أحد فملكها لله ومنفعتها لخلق الله، وأولاها وأحقها: التكوين الحربي الذي ترد به الأمة البغي وتحفظ الكرامة، ويشمل العدد والعدة على أحدث المخترعات البشرية، ويشمل المستشفيات العسكرية والمدينة، ويشمل تعبيد الطرق، ومد الخطوط الحديدية، وغير ذلك مما يعرفه أهل الحرب والميدان.
ويشمل الإعداد القوي الناضج لدعاة إسلاميين يظهرون جمال الإسلام وسماحته. ويفسرون حكمته، ويبلغون أحكامه، ويتعقبون مهاجمة الخصوم لمبادئه بما يرد كيدهم إلى نحورهم.
وكذلك يشمل العمل على دوام الوسائل التي يستمر بها حفظة القرآن الذي تواتر ويتواتر بهم نقله كما أنزل. من عهد وحيه إلى اليوم، وإلى يوم الدين إن شاء الله"(48) أ.هـ.
وأفتى من سأله عن جواز صرف الزكاة في بناء المساجد فكان جوابه:
"إن المسجد الذي يراد إنشاؤه أو تعميره إذا كان هو المسجد الوحيد في القرية. أو كان بها غيره ولكن يضيق بأهلها، ويحتاجون إلى مسجد آخر صح شرعاً صرف الزكاة لبناء هذه المسجد أو إصلاحه، والصرف على المسجد أو إصلاحه، والصرف على المسجد في تلك الحالة يكون من المصرف الذي ذكره في آية المصارف الواردة في سورة التوبة باسم (سبيل الله).
وهذا مبني على اختيار أن المقصود بكلمة (سبيل الله) المصالح العامة التي ينتفع بها المسلمون كافة ولا تخص واحداً بعينه، فتشمل المساجد والمستشفيات ودور التعليم ومصانع الحديد والذخيرة وما إليها. مما يعود نفعه على الجماعة. وأحب أن أقرر هنا أن المسألة محل خلاف بين العلماء –ثم ذكر- ما نقله الرازي في تفسيره عن القفال من صرف الصدقات في جميع وجوه الخير ثم قال: وهذا ما أختاره وأطمئن إليه وأفتي به ولكن مع القيد الذي ذكرناه بالنسبة للمساجد، وهو أن يكون المسجد لا يغني عنه غيره وإلا كان الصرف إلى غير المسجد أولى وأحق"(49) أ.هـ.
14- وسئل الشيخ حسنين مخلوف(50) مفتي الديار المصرية الأسبق عن جواز الدفع لبعض الجمعيات الخيرية الإسلامية من الزكاة. فأفتى بالجواز مستندًا إلى ما نقله الرازي عن القفال وغيره في معنى سبيل الله.
وقد استدل أصحاب هذا القول على قولهم بما يأتي:
1- أن اللفظ عام فلا يجوز قصره على بعض أفراده دون سائرها إلا بدليل ولا دليل على ذلك وما قيل بأن حديث عطاء بن يسار: لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة وذكر منهم –غاز في سبيل الله. يعين أن سبيل الله هو الغزو فغير صحيح، ذلك أن غاية ما يدل عليه الحديث هو أن المجاهد يعطى من سهم سبيل الله ولو كان غنياً، وسبل الله كثيرة لا تنحصر في الجهاد في سبيل الله.
2- جاءت الأحاديث والآثار بتطبيق العموم في مدلول قوله تعالى: "وفي سبيل الله" فقد اعتبرت السنة الحج والعمرة من سبيل الله، يتضح ذلك من حديث أبي لاس وحديث أم معقل وحديث ابن عباس وفيه: "أما أنك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله".
وقد جاءت الآثار عن بعض أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- باعتبار الحج سبيلا من سبل الله فقد ذكر أبو عبيد في كتابه الأموال بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان لا يرى بأساً أن يعطى الرجل من زكاة ماله للحج. وما أخرجه أبو عبيد بإسناده صحيح إلى ابن عمر أنه سئل عن امرأة أوصت بثلاثين درهما في سبيل الله فقيل له أتجعل في الحج. قال: أما أنه في سبيل الله. وما ذكره القرطبي في تفسيره من أن عبد الرحمن ابن أبي نعم قال كنت جالسا مع عبد الله بن عمر فأتته امرأة فقالت له يا أبا عبد الرحمن: إن زوجي أوصى بماله في سبيل الله. –وفيه- آمرها أن تدفعه إلى قوم صالحين إلى حجاج بيت الله الحرام أولئك وفد الرحمن، أولئك وفد الرحمن، أولئك وفد الرحمن. كما اعتبرت السنة إشاعة الألفة بين المسلمين وتطييب خواطرهم وحفظ حقوقهم سبيلا من سبل الله. ففي صحيح البخاري في باب القسامة قال: حدثنا أبو نعيم حدثنا سعيد بن عبيد عن بشير بن يسار زعم أن رجلا من الأنصار يقال له سهل بن أبي حثمة أخبره أن نفراً من قومه انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها ووجدوا أحدهم قتيلاً وقالوا للذي وجد فيهم: قد قتلتم صاحبنا قالوا: ما قتلنا وما علمنا فانطلقوا إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فقالوا يا رسول الله: انطلقنا إلى خيبر فوجدنا أحدنا قتيلا فقال: الكبر الكبر. فقال لهم: تأتون بالبينة على من قتله؟ قالوا ما لنا بينة، قال: فيحلفون. قالوا لا نرضى بأيمان يهود. فكره رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن يطل دمه فوداه من إبل الصدقة قال ابن حجر: "ووقع في رواية ابن أبي ليلى: فوداه من عنده. وقد جمع بعضهم بين الروايتين بأن المراد من قوله من عنده أي بيت المال المرصد للمصالح. قال ابن حجر: وقد حمله بعضهم على ظاهره فحكى القاضي عياض عن بعض العلماء جواز صرف الزكاة في المصالح العامة واستدلوا بهذا الحديث وغيره. قلت وقد تقدم شيء من ذلك في كتاب الزكاة وفي الكلام على حديث أبي لاس قال: حملنا النبي –صلى الله عليه وسلم- على إبل الصدقة في الحج. وعلى هذا فالمراد بالعندية كونها تحت أمره وحكمه وللاحتراز من جعل ديته على اليهود أو غيرهم قال القرطبي في (الفهم) فعل صلى الله عليه وسلم ذلك على مقتضى كرمه وحسن سياسته وجلبا للمصلحة ودرءاً للمفسدة على سبيل التأليف ولا سيما عند تعذر الوصول إلى استيفاء الحق"(51) أ.هـ.
وذكر النووي(52)في معرض شرحه حديث القسامة قال:
"وقال الإمام أبو إسحاق المروزي من أصحابنا يجوز صرفها من إبل الزكاة لهذا الحديث فأخذ بظاهره" أ.هـ.
ورأي حبر هذه الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه يجوز الإعتاق من الزكاة ففي صحيح البخاري تحت: باب قول الله تعالى: "وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله" ويذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما يعتق من زكاة ماله ويعطى في الحج. وقال الحسن إن اشترى أباه من الزكاة جاز ويعطى في المجاهدين والذي لم يحج ثم تلا "إنما الصدقات للفقراء" الآية في أيها أعطيت أجزأت. قال ابن حجر ووصله أبو عبيد في كتاب الأموال من طريق حسان بن أبي الأشرس عن مجاهد عنه أنه كان لا يرى بأساً أن يعطى الرجل من زكاة ماله في الحج وأن يعتق منه الرقبة. وأخرج عن أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال: أعتق من زكاة مالك"(53)أ.هـ.
3- إن تعبير النبي –صلى الله عليه وسلم- بمن التبعيضية في حديث أم معقل في قوله "فإن الحج من سبيل الله" يشعر أن سبيل الله الوارد في آية مصارف الزكاة على عمومه وأنه يتناول مجموعة من الأمور وأن الحج منها. ويمثل تعبيره صلى الله عليه وسلم عَبَّر ابن عمر فقال عن الحج: أما إنه من سبيل الله.
وقد أجيب عن القول بعموم اللفظ بأجوبة فيها ما ذكره المباركفوري(54) حيث قال: "وأما القول الثالث فهو أبعد الأقوال لأنه لا دليل عليه من كتاب ولا من سنة صحيحة أو سقيمة ولا من إجماع ولا من رأي صحابي ولا من قياس صحيح أو فاسد بل هو مخالف للحديث الصحيح الثابت وهو حديث أبي سعيد، ولم يذهب إلى هذا التعميم أحد من السلف إلا ما حكى القفال في تفسيره عن بعض الفقهاء المجاهيل، والقاضي عياض عن بعض العلماء الغير معروفين قال صاحب تفسير المنار أما عموم مدلول هذا اللفظ فهو يشمل كل أمر مشروع وأريد به مرضاة الله تعالى بإعلاء كلمته وإقامة دينه وحسن عبادته ومنفعة عباده ولا يدخل فيه الجهاد بالمال والنفس، إذا كان لأجل الرياء والسمعة وهذا العموم لم يقل به أحد من السلف ولا الخلف ولا يمكن أن يكون مراداً هنا لأن الإخلاص الذي يكون للعمل في سبيل الله أمر باطني لا يعلمه إلا الله تعالى، فلا يمكن أن تناط به حقوق مالية دولية، وإذا قيل إن الأصل في كل طاعة من المؤمن أن تكون لوجه الله تعالى فيراعى هذا في الحقوق عملاً بالظاهر، اقتضى هذا أن يكون كل مصل وصائم ومتصدق وتال للقرآن وذاكر لله تعالى ومميط الأذى عن الطريق مستحق بعمله هذا للزكاة الشرعية فيجب أن يعطى منها ويجوز له أن يأخذ منها وإن كان غنياً وهذا ممنوع بالإجماع أيضاً وإرادته تنافي حصر المستحقين في الأصناف المنصوصة لأن هذا الصنف لاحد لجماعاته فضلا عن أفراده وإذا وكل أمره إلى السلاطين والأمراء تصرفوا بأهوائهم تصرفا تذهب حكمة فرضية الصدقة من أهلها. انتهى.
وأما يذكر للاحتجاج لذلك من رواية البخاري في دية الأنصاري الذي قتل بخيبر مائة من إبل الصدقة فهو مخالف لما روى البخاري أيضاً في قصته أنه وداه من عنده وجمع بين الروايتين بأنه اشتراه من أهل الصدقة بعد أن ملكوها ثم دفعها تبرعا إلى أهل القتيل حكاه النووي عن الجمهور وعلى هذا فلا حجة فيه لمن ذهب إلى التعميم وإذا تقرر هذا فلا تصرف الزكاة في عمارة المساجد والمعاهد الدينية وبناء الجسور وإصلاح الطرق والشوارع وتكفين الموتى وقضاء ديونهم وغير ذلك من أنواع البر لأنه ليس هذا في شئ من المصارف المنصوصة وهو مذهب أحمد كما يظهر من المغني، ومالك كما في المدونة، وسفيان وأهل العراق وغيرهم من العلماء كما في الأموال لأبي عبيد، هذا وقد ألحق بعض العلماء بالغازي من كان قائماً بمصلحة من مصالح المسلمين كالقضاء، والإفتاء، والتدريس، وإن كان غنياً وأدخله بعضهم في العاملين فأجاز له الأخذ من الزكاة فيما يقوم به مدة القيام بالمصلحة وإن كان غنياً ولا يخفى ما فيه وقال صاحب المنار إن سبيل الله هنا مصالح المسلمين الشرعية التي بها قوام أمر الدين والدولة دون الأفراد والأشخاص، وأن الحج ليس منها قال وأولها وأولاها بالتقديم الاستعداد للحرب بشراء السلاح وأغذية الجند وأدوات النقل وتجهيز الغزاة قال ويدخل في عمومه إنشاء المستشفيات العسكرية والخيرية، وإشراع الطرق وتعبيدها ومد الخطوط الحديدية العسكرية لا التجارية، ومنها بناء البوارج المدرجة والمنطادات، والطيارات الحربية والحصون والخنادق. قال ويدخل فيه النفقة على المدارس للعلوم الشرعية وغيرها مما تقوم به المصلحة العامة، وفي هذه الحالة يعطى منها معلمو هذه المدارس ما داموا يؤدون وظائفهم المشروعة التي ينقطعون بها عن كسب آخر ولا يعطى عالم غني لأجل علمه وإن كان يفيد الناس به. انتهى.
قلت حديث أبي سعيد ينافي هذا التعميم لكونه كالنص في أن المراد بسبيل الله المطلق في الآية هم الغزاة والمجاهدين خاصة فيجب الوقوف عنده" أ.هـ.
ومنها ما ذكره الشيخ يوسف القرضاوي(55) حيث قال ما نصه:
"ولكن الرد الصحيح على القائلين بهذا الرأي يكون بتحديد المراد من (سبيل الله) هل هو خاص بالغزو والقتال –كما هو رأي الجمهور- أم هو عام يشمل كل بر وخير وقربة- كما هو رأي من ذكرنا- وكما يدل عليه عموم اللفظ.
ولكي نحدد هذا المراد تحديدا دقيقاً علينا أن نستعرض موارد هذه الكلمة في القرآن لنبين ماذا يراد بها حيث وردت، فخير ما يفسر القرآن بالقرآن.
"سبيل الله" في القرآن:
ذكرت كلمة (في سبيل الله) في القرآن العزيز بضعًا وستين مرة(56) وقد جاء ذكرها على طريقتين:
1- فتارة تجر بحرف في "في سبيل الله" كما في آية مصارف الزكاة هذه وهو أكثر ما ورد في القرآن، وتارة تجر بحرف عن "عن سبيل الله" وذلك في ثلاث وعشرين موضعا من القرآن، وفي هذه المواضع جاءت بعد واحد من فعلين إما الصد مثل "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا" [النساء:167].
"إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ" [الأنفال:36]. وأما الإضلال مثل "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ" [لقمان:6].
2- وحينما تجر بـ(في) –وهو أكثر ما ورد في القرآن- يكون ذلك بعد فعل الإنفاق "أنفقوا في سبيل الله" أو الهجرة "والذين هاجروا في سبيل الله" أو الجهاد "وجاهدوا في سبيل الله" أو القتال أو القتل "يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون"، "ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات" أو المخمصة أو الضرب وما يشبهها.
فما المراد بسبيل الله في آيات القرآن؟
إن السبيل في اللغة هو الطريق. وسبيل الله هو الطريق الموصل إلى رضاه ومثوبته، وهو الذي بعث الله النبيين ليهدوا الخلق إليه، وأمر خاتم رسله بالدعوة إليه "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ" [النحل:125]. وأن يعلن في الناس "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي" [يوسف:108].
هناك سبيل آخر مضاد هو سبيل الطاغوت. وهو الذي يدعو إيه إبليس وجنوده وهو الذي ينتهي بصاحبه إلى النار وسخط الله. وقد قال الله تعالى مقارنا بين الطريقين وأصحابهما: "الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ" [النساء:76].
وسبيل الله دعاته قليلون، وأعداؤه الصادون عنه كثيرون "ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله"، "ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله"، "وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله" هذا إلى أن تكاليف هذا الطريق تجعل أهواء النفوس مخالفة له صادة عنه، ولهذا جاء التحذير من اتباع الهوى: "ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله".
وإذا كان أعداء الله يبذلون جهودهم وأموالهم ليصدوا عن (سبيل الله) فإن واجب أنصار الله من المؤمنين أن يبذلوا جهودهم، وينفقوا أموالهم في (سبيل الله) وهذا ما فرضه الإسلام، فجعل جزءا من الزكاة المفروضة يخصص لهذا المصرف الخطير (في سبيل الله) كما حيث المؤمنين بصفة عامة على إنفاق أموالهم في (سبيل الله).
معنى (سبيل الله) إذا قرن بالإنفاق:
والمتتبع لكلمة (سبيل الله) مقرونة بالإنفاق. يجد لها معنيين:
1- معنى عام –حسب مدلول اللفظ الأصلي- يشمل كل أنواع البر والطاعات وسبل الخيرات. وذلك كقوله تعالى: "مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ" [البقرة:261]. وقوله: "الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" [البقرة:262]. فلم يفهم أحد من هذه الآية خاصة أن سبيل الله فيها مقصور على القتال وما يتعلق به، بدليل ذكر المن والأذى. وهما إنما يكونان عند الإنفاق على الفقراء وذوي الحاجة، وبخاصة الأذى. وكذلك قله تعالى "وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" [التوبة:34]. فالمراد بسبيل الله في هذه الآية المعنى الأعم –كما قال الحافظ ابن حجر(57) –لا خصوص القتال. وإلا لكان الذي ينفق ماله على الفقراء والمساكين واليتامى وابن السبيل ونحوها –دون خصوص القتال- داخلا في دائرة الكانزين المبشرين بالعذاب. وزعم بعض المعاصرين(58): أن كلمة (في سبيل الله) إذا قرنت بالإنفاق كان معناه الجهاد جزما ولا تحتمل غيره مطلقاً. وهو زعم غير مبني على الاستقراء التام لموارد الكلمة في الكتاب العزيز وآيتا البقرة والتوبة المذكورتان تردان عليه.
2- والمعنى الثاني معنى خاص وهو نصرة دين الله ومحاربة أعدائه وإعلاء كلمته في الأرض، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. والسياق هو الذي يميز هذا المعنى الخاص من المعنى العام السابق. وهذا المعنى هو الذي يجئ بعد القتال والجهاد مثل "قاتلوا في سبيل الله" "وجاهدوا في سبيل الله" ومن ذلك قوله تعالى بعد آيات القتال في سورة البقرة: "وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" [البقرة:195]. فالإنفاق هنا إنفاق في نصرة الإسلام وإعلاء كلمته على أعدائه المحاربين له الصادين عنه.
ومثل ذلك قوله تعالى في سورة الحديد "وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى" [الحديد:10]. فالسياق يدل على أن الإنفاق هنا كالإنفاق في الآية السابقة.
وفي سورة الأنفال قال تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ" [الأنفال:60]. فالمقام يدل بوضوح على أن سبيل الله في الآية هو محاربة أعداء الله ونصرة دين الله، كما صرح بذلك الحديث الصحيح "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله".
وهذا المعنى الخاص هو الذي يعبر عنه أحياناً بالجهاد والغزو. وتفسيرنا له بنصرة الإسلام أولى، وإلا لكان مضمون معنى "جاهدوا في سبيل الله" جاهدوا في الجهاد.
سبيل الله في آية مصارف الزكاة:
وإذا كان لسبيل الله مع الإنفاق هذان المعنيان: العام والخاص –كما ذكرنا- فما المراد به معناه في الآية التي حددت مصارف الزكاة والإنفاق ملحوظ فيها وإن لم يذكر لفظه.
إن الذي أرجحه أن المعنى العام لسبيل الله لا يصلح أن يراد هنا، لأنه بهذا العموم يتسع لجهات كثيرة، لا تحصر أصنافها فضلا عن أشخاصها. وهذا ينافي حصر المصارف في ثمانية، كما هو ظاهر الآية، وكما جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم-: "أن الله لم يرضى بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أجزاء". كما أن سبيل الله بالمعنى العام يشمل إعطاء الفقراء والمساكين وبقية الأصناف السبعة الأخرى. لأنها جميعها من البر وطاعة الله.
فما الفرق إذن بين هذا المصرف وما سبقه وما يلحقه؟
إن كلام الله البليغ المعجز يجب أن ينزه عن التكرار بغير فائدة فلابد أن يراد به معنى خاص يميزه عن بقية المصارف، وهذا ما فهمه المفسرون والفقهاء من أقدم العصور، فصرفوا معنى سبيل الله.. إلى الجهاد. قالوا: إنه المراد به عند إطلاق اللفظ. ولهذا قال ابن الأثير: إنه صار لكثرة الاستعمال فيه كأنه مقصور عليه. كما نقلنا عنه في أول الفصل. ومما يؤيد ما قاله ابن الأثير. ما رواه الطبراني: أن الصحابة كانوا يوما مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فرأوا شابا جلدا، فقالوا: لو كان شبابه وجلده في سبيل الله؟(59) يريدون في الجهاد ونصرة الإسلام.
وصحت أحاديث كثيرة عن الرسول وأصحابه تدل على أن معنى المتبادر لكلمة (سبيل الله) هو الجهاد. كقول عمر في الحديث الصحيح: "حملت على فرس في سبيل الله" يعني في الجهاد. وحديث الشيخين: "لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها". وحديث البخاري: "من احتبس فرسا في سبيل الله، إيماناً بالله وتصديقاً بوعده فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة، يعني حسناته" وحديث الشيخين: "ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه من النار سبعين خريفا" وحديث النسائي والترمذي وحسنه: "من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت بسبعمائة ضعف". وحديث البخاري: "ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله، فتمسه النار" وغيرها كثير. ولم يفهم أحد من سبيل الله فيها إلا الجهاد.
فهذه القرائن كلها كافية في ترجيح أن المراد من سبيل الله في آية المصارف، هو الجهاد كما قال الجمهور، وليس المعنى اللغوي الأصلي، وقد أيد ذل حديث "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة".. وذكر منها الغارم والغازي في سبيل الله. أ.هـ البحث المشترك في إعداده.
ومن هذا البحث يتضح أن القول الأول بحصر مفهوم معنى (وفي سبيل الله) في الجهاد ومستلزماته هو قول جمهور أهل العلم وقد قال بهذا القول مجموعة من أعضاء هيئة كبار العلماء في المملكة وصدر بترجيح هذا القول على القولين الثاني والثالث قرار هيئة كبار العلماء رقم (24) وتاريخ 21/8/1394هـ بأكثرية أعضائه وكان من أعضائه القائلين به غالبية أعضاء اللجنة العلمية الدائمة للبحوث والإفتاء ومنهم سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رئيس اللجنة وقد صدر من اللجنة مجموعة من الفتاوى باعتبار الدعوة إلى الله وما تتطلبه من مقتضيات مالية مثل: مكافأة الدعاة، وأجور مكاتب الدعوة، وطباعة كتب الدعوة وتأليفها ونشرها باعتبار ذلك من الجهاد في سبيل الله.
وبناء على ذلك وعلى القول بحصر مفهوم (وفي سبيل الله) في الجهاد فإن أي وسيلة من وسائل الدعوة إلى الله داخله في مفهوم (وفي سبيل الله) والله أعلم.
هذا ما تيسر ذكره، وبالله التوفيق، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(1) جامع البيان: ج14، ص320. تحقيق : محمود شاكر.
(2) الجامع لأحكام القرآن: ج8، ص185.
(3) أحكام القرآن: ج1، ص369، 397، عام 1331هـ.
(4) أحكام القرآن: ج3، ص156، 157. عام 1347هـ.
(5) الدار المنثور: ج3، ص252.
(6) لباب التأويل في معاني التنزيل: ج3،ص92.
(7) فتح القدير: ج2،ص373.
(8) فتح الباري: ج3، ص259.
(9) عمدة القاري: ج9،ص45.
(10) معالم السنن: ج2، ص234، 235.
(11) العناية على الهداية هامش على فتح القدير: ج،ص.
(12) الجزء الأول، ص188.
(13) الشرح الكبير هامش على حاشية الدسوقي: ج1، ص256.
(14) التاج والأكليل لمختصر خليل هامش على مواهب الجليل: ج2، ص256.
(15) الأم: ج2، ص60.
(16) المجموع: ج6،ص211.ط1.
(17) المجموع: ج1،ص249.
(18) المقنع وحاشيته: ج1، ص249.
(19) الإنصاف:ج،ص.
(20) المحلى: ج6،ص151.
(21) تفسير القرآن العظيم:ج2،ص366.
(22) لباب التأويل في معاني التنزيل:ج3،ص92.
(23) فتح القدير: ج2،ص373.
(24) الجامع لأحكام القرآن: ج8،ص185.
(25) أحكام القرآن: ج3،ص156.
(26) صحيح البخاري: ج2،ص104.
(27) نيل الأوطار: ج4،ص180، 181.
(28) المرعاة على المشكاة:ج3،ص 117.
(29) بدائع الصنائع: ج2،ص45.
(30) الشرح الكبير: ج2،ص702.
(31) كشاف القناع: ج2،ص256.
(32) المجموع: ج6،ص212، 213.
(33) المراعاة على المشكاة: ج3، ص117، 118.
(34) الشرح الكبير: ج2،ص701.
(35) تفسير الرازي: ج16،ص113.
(36) لباب التأويل: ج3،ص92.
(37) محاسن التأويل: ج8،ص3181.
(38) تفسير المراغي: ج10،ص145.
(39) روح المعاني: ج10، ص123.
(40) تفسير المنار: ج10،ص585.
(41) تفسير المنار: ج10، ص587.
(42) في ظلال القرآن: ج10،ص82.
(43) الروض النضير شرح مسند الإمام زيد: ج2،ص622.
(44) الروضة الندية: ج1،ص206.
(45) سبل السلام:ح2،ص198.
(46) المرعاة على المشكاة: ج3،ص117.
(47) بدائع الصنائع: ج2،ص45.
(48) الإسلام عقيدة وشريعة:ص97، 98.
(49) الفتاوى الشلتوت: ص219.
(50) فتاوى شرعية للشيخ مخلوف. ج2،ص.
(51) فتح الباري: ج12،ص235.
(52) شرح صحيح مسلم: ج11،ص147.
(53) فتح الباري: ج3،ص331.
(54) المرعاة على المشكاة: ج3، ص118، 119.
(55) فقه الزكاة: ج2،ص652، 657.
(56) راجع المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.
(57) فتح الباري: ج3،ص172.
(58) النظام الاقتصادي في الإسلام: ص208، تقي الدين النبهاني، من منشورات حزب التحرير.
(59) قال المنذري في الترغيب: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح: ج3، ص4.
المصدر