Kisah Isra Mi'raj Nabi Muhammad
Kisah Isra Mi'raj Nabi Muhammad
Al-Hafidz Ibnu Hajar Al-Asqalani dalam kitab Fathul Bari Syarah Sahih al-Bukhari, "Bab Hadis Al-Isra'" menjelaskan hadits Isra' dan Mi'raj dan pendapat para ulama Sahabat, Tabi'in dan lainnya apakah Nabi melakukannya dalam tidur atau bangun atau tidur dan bangun atau peristiwa itu terjadi dua kali atau lebih? Hafid bin Ahmad Al-Haki dalam kitab Ma'arij Al-Qobul bi Syarh Sullam al-Wushul ila Ilm Al-Usul menjelaskan kisah Isra' dan Mi'raj dari Makkah ke Baitul Maqdis ke Sidrotul Muntaha, hlm. 3/1058
Kisah Isra Mi'raj Nabi Muhammad
Al-Hafidz Ibnu Hajar Al-Asqalani dalam kitab Fathul Bari Syarah Sahih al-Bukhari, "Bab Hadis Al-Isra'" menjelaskan hadits Isra' dan Mi'raj dan pendapat para ulama Sahabat, Tabi'in dan lainnya apakah Nabi melakukannya dalam tidur atau bangun atau tidur dan bangun atau peristiwa itu terjadi dua kali atau lebih?
Kisah Isra' dan Mikraj dalam kitab Sahih Muslim dan penjelasannya oleh Imam Nawawi dalam Syarah Muslim
باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات
162 حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه قال فركبته حتى أتيت بيت المقدس قال فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء قال ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل صلى الله عليه وسلم اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة عيسى ابن مريم ويحيى بن زكرياء صلوات الله عليهما فرحبا ودعوا لي بخير ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى الله عليه وسلم قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم إذا هو قد أعطي شطر الحسن فرحب ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل عليه السلام قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قال وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإدريس فرحب ودعا لي بخير قال الله عز وجل ورفعناه مكانا عليا ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بهارون صلى الله عليه وسلم فرحب ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل عليه السلام قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بموسى صلى الله عليه وسلم فرحب ودعا لي بخير ثم عرج إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى الله عليه وسلم قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه وسلم مسندا ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى وإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال قال فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها فأوحى الله إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى صلى الله عليه وسلم فقال ما فرض ربك على أمتك قلت خمسين صلاة قال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف على أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت حط عني خمسا قال إن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف قال فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلام حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه
الحاشية رقم: 1
باب الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم ( إلى السماوات وفرض الصلوات )
هذا باب طويل وأنا أذكر إن شاء الله تعالى مقاصده مختصرة من الألفاظ والمعاني على ترتيبها . وقد لخص القاضي عياض - رحمه الله - في الإسراء جملا حسنة نفيسة فقال : اختلف الناس في الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل : إنما كان جميع ذلك في المنام . والحق الذي عليه أكثر الناس ، ومعظم السلف ، وعامة المتأخرين من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين أنه أسري بجسده - صلى الله عليه وسلم - . والآثار تدل عليه لمن طالعها وبحث عنها . ولا يعدل عن ظاهرها إلا بدليل ، ولا استحالة في حملها عليه فيحتاج إلى تأويل . وقد جاء في رواية شريك في هذا الحديث في الكتاب أوهام أنكرها عليه العلماء ، وقد نبه مسلم على ذلك بقوله فقدم وأخر وزاد ونقص منها قوله : ( وذلك قبل أن يوحى إليه ) وهو غلط لم يوافق عليه فإن الإسراء أقل ما قيل فيه أنه كان بعد مبعثه - صلى الله عليه وسلم - بخمسة عشر شهرا . وقال الحربي : كان ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة . وقال الزهري : كان ذلك بعد مبعثه - صلى الله عليه وسلم - بخمس سنين . وقال ابن إسحاق : أسري به - صلى الله عليه وسلم - وقد فشا الإسلام بمكة والقبائل . وأشبه هذه الأقوال [ ص: 358 ] قول الزهري وابن إسحاق إذ لم يختلفوا أن خديجة رضي الله عنها صلت معه - صلى الله عليه وسلم - بعد فرض الصلاة عليه ، ولا خلاف أنها توفيت قبل الهجرة بمدة قيل : بثلات سنين ، وقيل : بخمس . ومنها أن العلماء مجمعون على أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء . فكيف يكون هذا قبل أن يوحى إليه .
وأما قوله في رواية شريك : ( وهو نائم ) ، وفي الرواية الأخرى : ( بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان ) ، فقد يحتج به من يجعلها رؤيا نوم ولا حجة فيه إذ قد يكون ذلك حالة أول وصول الملك إليه ، وليس في الحديث ما يدل على كونه نائما في القصة كلها . هذا كلام القاضي - رحمه الله - . وهذا الذي قاله في رواية شريك . وأن أهل العلم أنكروها قد قاله غيره . وقد ذكر البخاري - رحمه الله - رواية شريك هذه عن أنس في كتاب التوحيد من صحيحه ، وأتى بالحديث مطولا . قال الحافظ عبد الحق - رحمه الله - في كتابه الجمع بين الصحيحين بعد ذكر هذه الرواية : هذا الحديث بهذا اللفظ من رواية شريك بن أبي نمر عن أنس ، وقد زاد فيه زيادة مجهولة وأتى فيه بألفاظ غير معروفة . وقد روى حديث الإسراء جماعة من الحفاظ المتقنين والأئمة المشهورين كابن شهاب وثابت البناني وقتادة يعني عن أنس فلم يأت أحد منهم بما أتى به شريك . وشريك ليس بالحافظ عند أهل الحديث . قال : والأحاديث التي تقدمت قبل هذا هي المعول عليها . هذا كلام الحافظ عبد الحق - رحمه الله - .
قول مسلم : ( حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عن أنس - رضي الله عنه - ) هذا الإسناد كله بصريون ، و ( فروخ ) عجمي لا ينصرف تقدم بيانه مرات ، و ( البناني ) بضم الباء منسوب إلى بنانة قبيلة معروفة .
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( أتيت بالبراق ) هو بضم الباء الموحدة . قال أهل اللغة البراق اسم الدابة التي ركبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء . قال الزبيدي في مختصر العين ، وصاحب التحرير : هي دابة كان الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يركبونها . وهذاالذي قالاه من اشتراك جميع الأنبياء فيها يحتاج إلى نقل صحيح . قال ابن دريد : اشتقاق البراق من البرق إن شاء الله تعالى يعني لسرعته . وقيل : سمي بذلك لشدة صفائه وتلألئه وبريقه ، وقيل : لكونه أبيض . وقال القاضي : يحتمل أنه سمي بذلك لكونه ذا لونين يقال شاة برقاء إذا كان في خلال صوفها الأبيض طاقات سود . قال : ووصف في الحديث بأنه أبيض وقد يكون من نوع الشاة البرقاء وهي معدودة في البيض . والله أعلم .
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط به الأنبياء صلوات الله عليهم ) أما بيت المقدس ففيه لغتان مشهورتان غاية الشهرة إحداهما بفتح الميم وإسكان القاف وكسر الدال المخففة ، والثانية بضم الميم وفتح القاف والدال المشددة . قال الواحدي : أما من شدده فمعناه [ ص: 359 ] المطهر ، وأما من خففه فقال أبو علي الفارسي : لا يخلو إما أن يكون مصدرا أو مكانا فإن كان مصدرا كان كقوله تعالى : إليه مرجعكم ونحوه من المصادر وإن كان مكانا فمعناه بيت المكان : الذي جعل فيه الطهارة ، أو بيت مكان الطهارة ، وتطهيره إخلاؤه من الأصنام وإبعاده منها . وقال الزجاج البيت المقدس المطهر وبيت المقدس أي المكان الذي يطهر فيه من الذنوب ويقال فيه أيضا إيلياء . والله أعلم .
وأما ( الحلقة ) فبإسكان اللام على اللغة الفصيحة المشهورة . وحكى الجوهري وغيره فتح اللام أيضا . قال الجوهري : حكى يونس عن أبي عمرو بن العلاء ( حلقة ) بالفتح وجمعها حلق وحلقات . وأما على لغة الإسكان فجمعها حلق وحلق بفتح الحاء وكسرها .
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( الحلقة التي يربط به ) فكذا هو في الأصول ( به ) بضمير المذكر أعاده على معنى الحلقة وهو الشيء قال صاحب التحرير : المراد حلقة باب مسجد بيت المقدس . والله أعلم .
وفي ربط البراق الأخذ بالاحتياط في الأمور وتعاطي الأسباب وأن ذلك لا يقدح في التوكل إذا كان الاعتماد على الله تعالى . والله أعلم .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل : اخترت الفطرة ) هذا اللفظ وقع مختصرا هنا والمراد أنه - صلى الله عليه وسلم - قيل له : اختر أي الإناءين شئت كما جاء مبينا بعد هذا في هذا الباب من رواية أبي هريرة ، فألهم - صلى الله عليه وسلم - اختيار اللبن .
وقوله : ( اخترت الفطرة ) فسروا الفطرة هنا بالإسلام والاستقامة ومعناه والله أعلم اخترت علامة الإسلام والاستقامة . وجعل اللبن علامة لكونه سهلا طيبا طاهرا سائغا للشاربين سليم العاقبة . وأما الخمر فإنها أم الخبائث ، وجالبة لأنواع من الشر في الحال والمآل . والله أعلم .
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل له : من أنت ؟ قال : [ ص: 360 ] جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه قال : قد بعث إليه ) أما قوله عرج فبفتح العين والراء أي صعد وقوله ( جبريل ) فيه بيان الأدب فيمن استأذن بدق الباب ونحوه فقيل له من أنت فينبغي أن يقول : زيد مثلا إذا كان اسمه زيدا ولا يقول : أنا فقد جاء الحديث بالنهي عنه ولأنه لا فائدة فيه .
وأما قول بواب السماء : ( وقد بعث إليه ؟ ) فمراده وقد بعث إليه للإسراء وصعود السماوات ؟ وليس مراده الاستفهام عن أصل البعثة والرسالة فإن ذلك لا يخفى عليه إلى هذه المدة فهذا هو الصحيح والله أعلم في معناه . ولم يذكر الخطابي في شرح البخاري وجماعة من العلماء غيره وإن كان القاضي قد ذكر خلافا أو أشار إلى خلاف في أنه استفهم عن أصل البعثة أو عما ذكرته . قال القاضي وفي هذا أن للسماء أبوابا حقيقة وحفظة موكلين بها وفيه إثبات الاستئذان . والله أعلم .
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فإذا أنا بآدم - صلى الله عليه وسلم - فرحب بي ودعا لي بخير ) ثم قال - صلى الله عليه وسلم - في السماء الثانية ( فإذا أنا بابني الخالة فرحبا بي ودعوا ) وذكر - صلى الله عليه وسلم - في باقي الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم نحوه فيه استحباب لقاء أهل الفضل بالبشر والترحيب والكلام الحسن والدعاء لهم وإن كانوا أفضل من الداعي .
وفيه جواز مدح الإنسان في وجهه إذا أمن عليه الإعجاب وغيره من أسباب الفتنة .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فإذا أنا بابني الخالة ) قال الأزهري : قال ابن السكيت : يقال : هما ابنا عم ، ولا يقال ابنا خال . ويقال : ابنا خالة ، ولا يقال : ابنا عمة .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فإذا أنا بإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - مسندا ظهره إلى البيت المعمور ) قال القاضي - رحمه الله - يستدل به على جواز الاستناد إلى القبلة وتحويل الظهر إليها .
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى ) هكذا وقع في الأصول ( السدرة ) بالألف واللام ، وفي الروايات بعد هذا سدرة المنتهى . قال ابن عباس والمفسرون وغيرهم : سميت سدرة المنتهى لأن علم الملائكة ينتهي إليها ولم يجاوزها أحد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وحكي عن عبد الله بن مسعود - رضي [ ص: 361 ] الله عنه - أنها سميت بذلك لكونها ينتهي إليها ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها من أمر الله تعالى .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وإذا ثمرها كالقلال ) هو بكسر القاف جمع قلة والقلة جرة عظيمة تسع قربتين أو أكثر .
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فرجعت إلى ربي ) معناه رجعت إلى الموضع الذي ناجيته منه أولا فناجيته فيه ثانيا .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى - صلى الله عليه وسلم - ) معناه بين موضع مناجاة ربي . والله أعلم .
قوله عقب هذا الحديث : ( قال الشيخ أبو أحمد حدثنا أبو العباس الماسرجسي حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا حماد بن سلمة بهذا الحديث ) أبو أحمد هذا هو الجلودي راوي الكتاب عن ابن سفيان عن مسلم وقد علا له هذا الحديث برجل فإنه رواه أولا عن ابن سفيان عن مسلم عن شيبان بن فروخ ثم رواه عن الماسرجسي عن شيبان واسم الماسرجسي أحمد بن محمد بن الحسين النيسابوري وهو بفتح السين المهملة وإسكان الراء وكسر الجيم وهو منسوب إلى جده ماسرجس . وهذه الفائدة وهي قوله : قال الشيخ أبو أحمد إلى آخره تقع في بعض الأصول في الحاشية وفي أكثرها في نفس الكتاب وكلاهما له وجه . فمن جعلها في الحاشية فهو الظاهر المختار لكونها ليست من كلام مسلم ولا من كتابه فلا يدخل في نفسه إنما هي فائدة فشأنها أن تكتب في الحاشية ومن أدخلها من الكتاب فلكون الكتاب منقولا عن عبد الغافر الفارسي عن شيخه الجلودي وهذه الزيادة من كلام الشيخ الجلودي فنقلها عبد الغافر في نفس الكتاب لكونها من جملة المأخوذ عن الجلودي ، مع أنه ليس فيه لبس ولا إيهام أنها من أصل ، والله أعلم .
[ ص: 362 ] قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فشرح عن صدري ثم غسل بماء زمزم ثم أنزلت ) معنى ( شرح ) شق كما قال في الرواية التي بعد هذه . وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ثم أنزلت ) هو بإسكان اللام وضم التاء هكذا ضبطناه وكذا هو في جميع الأصول والنسخ وكذا نقله القاضي عياض - رحمه الله - عن جميع الروايات وفي معناه خفاء واختلاف قال القاضي : قال الضبعي : هذا وهم من الرواة . وصوابه تركت فتصحف . قال القاضي : فسألت عنه ابن سراج فقال ( أنزلت ) في اللغة بمعنى ( تركت ) صحيح ، وليس فيه تصحيف . قال القاضي : وظهر لي أنه صحيح بالمعنى المعروف في أنزلت فهو ضد رفعت لأنه قال : انطلقوا بي إلى زمزم ، ثم أنزلت أي ثم صرفت إلى موضعي الذي حملت منه . قال : ولم أزل أبحث عنه حتى وقعت على الجلاء فيه من رواية الحافظ أبي بكر البرقاني ، وأنه طرف حديث وتمامه ( ثم أنزلت على طست من ذهب مملوءة حكمة وإيمانا ) . هذا آخر كلام القاضي عياض - رحمه الله - ومقتضى رواية البرقاني أن يضبط ( أنزلت ) بفتح اللام وإسكان التاء وكذلك ضبطناه في الجمع بين الصحيحين للحميدي وحكى الحميدي هذه الزيادة المذكورة عن رواية البرقاني وزاد عليها وقال : أخرجها البرقاني بإسناد مسلم ، وأشار الحميدي إلى أن رواية مسلم ناقصة وأن تمامه ما زاده البرقاني . والله أعلم .
باب حديث الإسراء وقول الله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى
3673 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لما كذبتني قريش قمت في الحجر فجلا الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه
الحاشية رقم: 1
قوله : ( حديث الإسراء ، وقول الله تعالى : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ) سيأتي البحث في لفظ ( أسرى ) في تفسير سورة سبحان إن شاء الله تعالى . قال ابن دحية : جنح البخاري إلى أن ليلة الإسراء كانت غير ليلة المعراج ؛ لأنه أفرد لكل منهما ترجمة . قلت : ولا دلالة في ذلك على التغاير عنده ، بل كلامه في أول الصلاة ظاهر في اتحادهما ، وذلك أنه ترجم " باب كيف فرضت الصلاة ليلة الإسراء " والصلاة إنما فرضت في المعراج ، فدل على اتحادهما عنده ، وإنما أفرد كلا منهما بترجمة ؛ لأن كلا منهما يشتمل على قصة مفردة وإن كانا وقعا معا ، وقد روى كعب الأحبار أن باب السماء الذي يقال له : مصعد الملائكة يقابل بيت المقدس ، فأخذ منه بعض العلماء أن الحكمة في الإسراء إلى بيت المقدس قبل العروج ليحصل العروج مستويا من غير تعويج ، وفيه نظر ، لورود أن في كل سماء بيتا معمورا ، وأن الذي في السماء الدنيا حيال الكعبة ، وكان المناسب أن يصعد من مكة ليصل إلى البيت المعمور بغير تعويج ؛ لأنه صعد من سماء إلى سماء إلى البيت المعمور ، وقد ذكر غيره مناسبات أخرى ضعيفة فقيل : الحكمة في ذلك أن يجمع - صلى الله عليه وسلم - في تلك الليلة بين رؤية القبلتين ، أو [ ص: 237 ] لأن بيت المقدس كان هجرة غالب الأنبياء قبله فحصل له الرحيل إليه في الجملة ليجمع بين أشتات الفضائل ، أو لأنه محل الحشر ، وغالب ما اتفق له في تلك الليلة يناسب الأحوال الأخروية ، فكان المعراج منه أليق بذلك . أو للتفاؤل بحصول أنواع التقديس له حسا ومعنى ، أو ليجتمع بالأنبياء جملة كما سيأتي بيانه ، وسيأتي مناسبة أخرى للشيخ ابن أبي جمرة قريبا ، والعلم عند الله .
وقد اختلف السلف بحسب اختلاف الأخبار الواردة : فمنهم من ذهب إلى أن الإسراء والمعراج وقعا في ليلة واحدة في اليقظة بجسد النبي - صلى الله عليه وسلم - وروحه بعد المبعث ، وإلى هذا ذهب الجمهور من علماء المحدثين والفقهاء والمتكلمين وتواردت عليه ظواهر الأخبار الصحيحة ، ولا ينبغي العدول عن ذلك ؛ إذ ليس في العقل ما يحيله حتى يحتاج إلى تأويل ، نعم جاء في بعض الأخبار ما يخالف بعض ذلك ، فجنح لأجل ذلك بعض أهل العلم منهم إلى أن ذلك كله وقع مرتين مرة في المنام توطئة وتمهيدا ، ومرة ثانية في اليقظة كما وقع نظير ذلك في ابتداء مجيء الملك بالوحي ، فقد قدمت في أول الكتاب ما ذكره ابن ميسرة التابعي الكبير وغيره أن ذلك وقع في المنام ، وأنهم جمعوا بينه وبين حديث عائشة بأن ذلك وقع مرتين .
وإلى هذا ذهب المهلب شارح البخاري وحكاه عن طائفة وأبو نصر بن القشيري ومن قبلهم أبو سعيد في " شرف المصطفى " قال : كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - معاريج ، منها ما كان في اليقظة ومنها ما كان في المنام ، وحكاه السهيلي عن ابن العربي واختاره ، وجوز بعض قائلي ذلك أن تكون قصة المنام وقعت قبل المبعث لأجل قول شريك في روايته عن أنس " وذلك قبل أن يوحى إليه " وقد قدمت في آخر صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - بيان ما يرتفع به الإشكال ولا يحتاج معه إلى هذا التأويل ، ويأتي بقية شرحه في الكلام على حديث شريك ، وبيان ما خالفه فيه غيره من الرواة والجواب عن ذلك وشرحه مستوفى في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى . وقال بعض المتأخرين : كانت قصة الإسراء في ليلة والمعراج في ليلة . متمسكا بما ورد في حديث أنس من رواية شريك من ترك ذكر الإسراء ، وكذا في ظاهر حديث مالك بن صعصعة هذا ، ولكن ذلك لا يستلزم التعدد بل هو محمول على أن بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر كما سنبينه .
وذهب بعضهم إلى أن الإسراء كان في اليقظة والمعراج كان في المنام ، أو أن الاختلاف في كونه يقظة أو مناما خاص بالمعراج لا بالإسراء ، ولذلك لما أخبر به قريشا كذبوه في الإسراء واستبعدوا وقوعه ولم يتعرضوا للمعراج ، وأيضا فإن الله سبحانه وتعالى قال : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فلو وقع المعراج في اليقظة لكان ذلك أبلغ في الذكر ، فلما لم يقع ذكره في هذا الموضع مع كونه شأنه أعجب وأمره أغرب من الإسراء بكثير دل على أنه كان مناما ، وأما الإسراء فلو كان مناما لما كذبوه ولا استنكروه لجواز وقوع مثل ذلك وأبعد منه لآحاد الناس .
وقيل : كان الإسراء مرتين في اليقظة ، فالأولى رجع من بيت المقدس وفي صبيحته أخبر قريشا بما وقع ، والثانية أسري به إلى بيت المقدس ثم عرج به من ليلته إلى السماء إلى آخر ما وقع ، ولم يقع لقريش في ذلك اعتراض ؛ لأن ذلك عندهم من جنس قوله : إن الملك يأتيه من السماء في أسرع من طرفة عين ، وكانوا يعتقدون استحالة ذلك مع قيام الحجة على صدقه بالمعجزات الباهرة ، لكنهم عاندوا في ذلك واستمروا على تكذيبه فيه ، بخلاف إخباره أنه جاء بيت المقدس في ليلة واحدة ورجع ، فإنهم صرحوا بتكذيبه فيه فطلبوا منه نعت بيت المقدس لمعرفتهم به وعلمهم بأنه ما كان رآه قبل ذلك فأمكنهم استعلام صدقه في ذلك بخلاف المعراج ، ويؤيدوقوع المعراج عقب الإسراء في ليلة واحدة رواية ثابت عن أنس عند مسلم ، ففي أوله أتيت بالبراق فركبت حتى أتيت بيت المقدس فذكر القصة إلى أن قال : " ثم عرج بنا إلى السماء الدنيا " وفي حديث أبي سعيد الخدري عند ابن إسحاق " فلما فرغت مما كان في بيت المقدس أتي بالمعراج " فذكر [ ص: 238 ] الحديث ، ووقع في أول حديث مالك بن صعصعة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حدثهم عن ليلة أسري به فذكر الحديث ، فهو وإن لم يذكر الإسراء إلى بيت المقدس فقد أشار إليه وصرح به في روايته فهو المعتمد . واحتج من زعم أن الإسراء وقع مفردا بما أخرجه البزار والطبراني وصححه البيهقي في " الدلائل " من حديث شداد بن أوس قال : قلت : يا رسول الله ، كيف أسري بك ؟ قال : صليت صلاة العتمة بمكة فأتاني جبريل بدابة فذكر الحديث في مجيئه بيت المقدس وما وقع له فيه ، قال : ثم انصرف بي ، فمررنا بعير لقريش بمكان كذا فذكره قال : ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة وفي حديث أم هانئ عند ابن إسحاق وأبي يعلى نحو ما في حديث أبي سعيد هذا ، فإن ثبت أن المعراج كان مناما على ظاهر رواية شريك عن أنس فينتظم من ذلك أن الإسراء وقع مرتين : مرة على انفراده ومرة مضموما إليه المعراج وكلاهما في اليقظة ، والمعراج وقع مرتين مرة في المنام على انفراده توطئة وتمهيدا ، ومرة في اليقظة مضموما إلى الإسراء . وأما كونه قبل البعث فلا يثبت ، ويأتي تأويل ما وقع في رواية شريك إن شاء الله تعالى .
وجنح الإمام أبو شامة إلى وقوع المعراج مرارا ، واستند إلى ما أخرجه البزار وسعيد بن منصور من طريق أبي عمران الجوني عن أنس رفعه قال : بينا أنا جالس إذ جاء جبريل فوكز بين كتفي ، فقمنا إلى شجرة فيها مثل وكري الطائر ، فقعدت في أحدهما وقعد جبريل في الآخر ، فارتفعت حتى سدت الخافقين الحديث وفيه ففتح لي باب من السماء ، ورأيت النور الأعظم ، وإذا دونه حجاب رفرف الدر والياقوت ورجاله لا بأس بهم ، إلا أن الدارقطني ذكر له علة تقتضي إرساله ، وعلى كل حال فهي قصة أخرى الظاهر أنها وقعت بالمدينة ، ولا بعد في وقوع أمثالها ، وإنما المستبعد وقوع التعدد في قصة المعراج التي وقع فيها سؤاله عن كل نبي وسؤال أهل كل باب هل بعث إليه ، وفرض الصلوات الخمس وغير ذلك فإن تعدد ذلك في اليقظة لا يتجه ، فيتعين رد بعض الروايات المختلفة إلى بعض ، أو الترجيح إلا أنه لا بعد في وقوع جميع ذلك في المنام توطئة ثم وقوعه في اليقظة على وفقه كما قدمته .
ومن المستغرب قول ابن عبد السلام في تفسيره : كان الإسراء في النوم واليقظة ، ووقع بمكة والمدينة . فإن كان يريد تخصيص المدينة بالنوم ويكون كلامه على طريق اللف والنشر غير المرتب فيحتمل ويكون الإسراء الذي اتصل به المعراج وفرضت فيه الصلوات في اليقظة بمكة والآخر في المنام بالمدينة ، وينبغي أن يزاد فيه أن الإسراء في المنام تكرر في المدينة النبوية ، وفي الصحيح حديث سمرة الطويل الماضي في الجنائز ، وفي غيره حديث عبد الرحمن بن سمرة الطويل ، وفي الصحيح حديث ابن عباس في رؤياه الأنبياء ، وحديث ابن عمر في ذلك وغير ذلك ، والله أعلم .
قوله : ( سبحان ) أصلها للتنزيه وتطلق في موضع التعجب ، فعلى الأول المعنى تنزه الله عن أن يكون رسوله كذابا ، وعلى الثاني عجب الله عباده بما أنعم به على رسوله ، ويحتمل أن تكون بمعنى الأمر أي سبحوا الذي أسرى .
قوله : ( أسرى ) مأخوذ من السرى وهو سير الليل ، تقول : أسرى وسرى إذا سار ليلا بمعنى ، هذا قول الأكثر ، وقال الحوفي : أسرى : سار ليلا ، وسرى سار نهارا ، وقيل : أسرى سار من أول الليل ، وسرى سار من آخره وهذا أقرب . والمراد بقوله : أسرى بعبده أي جعل البراق يسري به كما يقال : أمضيت كذا أي جعلته يمضي ، وحذف المفعول لدلالة السياق عليه ، ولأن المراد ذكر المسرى به لا ذكر الدابة ، والمراد بقوله : بعبده محمد عليه الصلاة والسلام اتفاقا والضمير لله تعالى والإضافة للتشريف ، وقوله " ليلا " ظرف للإسراء وهو للتأكيد ، وفائدته رفع [ ص: 239 ] توهم المجاز ؛ لأنه قد يطلق على سير النهار أيضا ، ويقال : بل هو إشارة إلى أن ذلك وقع في بعض الليل لا في جميعه ، والعرب تقول : سرى فلان ليلا : إذا سار بعضه ، وسرى ليلة : إذا سار جميعها ، ولا يقال أسرى إلا إذا وقع سيره في أثناء الليل ، وإذا وقع في أوله يقال : أدلج ومن هذا قوله تعالى في قصة موسى وبني إسرائيل : فأسر بعبادي ليلا أي من وسط الليل .
قوله : ( سمعت جابر بن عبد الله ) كذا في رواية الزهري عن أبي سلمة وخالفه عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة فقال : " عن أبي هريرة " أخرجه مسلم ، وهو محمول على أن لأبي سلمة فيه شيخين ؛ لأن في رواية عبد الله بن الفضل زيادة ليست في رواية الزهري . قوله : ( لما كذبني ) في رواية الكشميهني " كذبتني " بزيادة مثناة وكلاهما جائز ، وقد وقع بيان ذلك في طرق أخرى : فروى البيهقي في " الدلائل " من طريق صالح بن كيسان عن الزهري عن أبي سلمة قال : " افتتن ناس كثير - يعني عقب الإسراء - فجاء ناس إلى أبي بكر فذكروا له فقال : أشهد أنه صادق . فقالوا : وتصدقه بأنه أتى الشام في ليلة واحدة ثم رجع إلى مكة ؟ قال : نعم ، إني أصدقه بأبعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء . قال : فسمي بذلك الصديق " قال : سمعت جابر يقول فذكر الحديث .
وفي حديث ابن عباس عند أحمد والبزار بإسناد حسن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لما كان ليلة أسري بي وأصبحت بمكة مر بي عدو الله أبو جهل فقال : هل كان من شيء ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إني أسري بي الليلة إلى بيت المقدس . قال : ثم أصبحت بين أظهرنا ؟ قال : نعم . قال : فإن دعوت قومك أتحدثهم بذلك ؟ قال : نعم . قال : يا معشر بني كعب بن لؤي . قال : فانفضت إليه المجالس حتى جاءوا إليهما فقال : حدث قومك بما حدثتني . فحدثتهم ، قال : فمن بين مصفق ومن بين واضع يده على رأسه متعجبا ، قالوا : وتستطيع أن تنعت لنا المسجد الحديث . ووقع في غير هذه الرواية بيان ما رآه ليلة الإسراء ، فمن ذلك ما وقع عند النسائي من رواية يزيد بن أبي مالك عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أتيت بدابة فوق الحمار ودون البغل الحديث وفيه فركبت ومعي جبريل ، فسرت فقال : انزل فصل . ففعلت ، فقال : أتدري أين صليت ؟ صليت بطيبة وإليها المهاجرة يعني بفتح الجيم ، ووقع في حديث شداد بن أوس عند البزار والطبراني أنه أول ما أسري به مر بأرض ذات نخل ، فقال له جبريل : انزل فصل . فنزل فصلى ، فقال : صليت بيثرب ثم قال في روايته ثم قال : انزل فصل مثل الأول . قال : صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى ثم قال : انزل - فذكر مثله - قال : صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى وقال في رواية شداد بعد قوله يثرب : ثم مر بأرض بيضاء فقال : انزل فصل . فقال : صليت بمدين وفيه أنه دخل المدينة من بابها اليماني فصلى في المسجد ، وفيه أنه مر في رجوعه بعير لقريش فسلم عليهم فقال بعضهم : هذا صوت محمد ، وفيه أنه أعلمهم بذلك وأن عيرهم تقدم في يوم كذا ، فقدمت الظهر يقدمهم الجمل الذي وصفه ، وزاد في رواية يزيد بن أبي مالك ثم دخلت بيت المقدس ، فجمع لي الأنبياء ، فقدمني جبريل حتى أممتهم وفي رواية عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة عن أنس عند البيهقي في الدلائل أنه مر بشيء يدعوه متنحيا عن الطريق ، فقال له جبريل : سر . وأنه مر على عجوز فقال : ما هذه : فقال : سر ، وأنه مر بجماعة فسلموا فقال له جبريل : اردد عليهم - وفي آخره - فقال له : الذي دعاك إبليس ، والعجوز الدنيا ، والذين سلموا إبراهيم وموسى وعيسى [ ص: 240 ] وفي حديث أبي هريرة عند الطبراني والبزار أنه مر بقوم يزرعون ويحصدون ، كلما حصدوا عاد كما كان ، قال جبريل : هؤلاء المجاهدون . ومر بقوم ترضخ رءوسهم بالصخر كلما رضخت عادت ، قال : هؤلاء الذين تثاقل رءوسهم عن الصلاة . ومر بقوم على عوراتهم رقاع يسرحون كالأنعام ، قال : هؤلاء الذين لا يؤدون الزكاة . ومر بقوم يأكلون لحما نيئا خبيثا ويدعون لحما نضيجا طيبا قال : هؤلاء الزناة . ومر برجل جمع حزمة حطب لا يستطيع حملها ثم هو يضم إليها غيرها ، قال : هذا الذي عنده الأمانة لا يؤديها وهو يطلب أخرى . ومر بقوم تقرض ألسنتهم وشفاههم ، كلما قرضت عادت قال : هؤلاء خطباء الفتنة . ومر بثور عظيم يخرج من ثقب صغير يريد أن يرجع فلا يستطيع ، قال : هذا الرجل يتكلم بالكلمة فيندم فيريد أن يردها فلا يستطيع وفي حديث أبي هريرة عند البزار والحاكم أنه صلى ببيت المقدس مع الملائكة وأنه أتي هناك بأرواح الأنبياء فأثنوا على الله ، وفيه قول إبراهيم : " لقد فضلكم محمد " وفي رواية عبد الرحمن بن هاشم عن أنس ثم بعث له آدم فمن دونه فأمهم تلك الليلة أخرجه الطبراني .
وعند مسلم من رواية عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة عن أبي هريرة رفعه ثم حانت الصلاة فأممتهم وفي حديث أبي أمامة عند الطبراني في الأوسط ثم أقيمت الصلاة فتدافعوا حتى قدموا محمدا وفيه ثم مر بقوم بطونهم أمثال البيوت ، كلما نهض أحدهم خر ، وأن جبريل قال له : هم آكلو الربا . وأنه مر بقوم مشافرهم كالإبل يلتقمون حجرا فيخرج من أسافلهم ، وأن جبريل قال له : هؤلاء أكلة أموال اليتامى .
قوله : ( فجلى الله لي بيت المقدس ) قيل : معناه كشف الحجب بيني وبينه حتى رأيته ، ووقع في رواية عبد الله بن الفضل عن أم سلمة عند مسلم المشار إليها قال : فسألوني عن أشياء لم أثبتها ، فكربت كربا لم أكرب مثله قط ، فرفع الله لي بيت المقدس أنظر إليه ، ما يسألوني عن شيء إلا نبأتهم به ويحتمل أن يريد أنه حمل إلى أن وضع بحيث يراه ثم أعيد ، وفي حديث ابن عباس المذكور فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع عند دار عقيل فنعته وأنا أنظر إليه وهذا أبلغ في المعجزة ، ولا استحالة فيه ، فقد أحضر عرش بلقيس في طرفة عين لسليمان ، وهو يقتضي أنه أزيل من مكانه حتى أحضر إليه ، وما ذاك في قدرة الله بعزيز . ووقع في حديث أم هانئ عند ابن سعد فخيل لي بيت المقدس ، فطفقت أخبرهم عن آياته فإن لم يكن مغيرا من قوله : " فجلى " وكان ثابتا احتمل أن يكون المراد أنه مثل قريبا منه ، كما تقدم نظيره في حديث " رأيت الجنة والنار " وتأول قوله " جيء بالمسجد " أي جيء بمثاله والله أعلم .
ووقع في حديث شداد بن أوس عند البزار والطبراني ما يؤيد الاحتمال الأول ففيه ثم مررت بعير لقريش - فذكر القصة - ثم أتيت أصحابي بمكة قبل الصبح ، فأتاني أبو بكر فقال : أين كنت الليلة ؟ فقال : إني أتيت بيت المقدس . فقال : إنه مسيرة شهر فصفه لي . قال : ففتح لي شراك كأني أنظر إليه لا يسألني عن شيء إلا أنبأته عنه وفي حديث أم هانئ أيضا أنهم قالوا له : كم للمسجد باب ؟ قال : ولم أكن عددتها ، فجعلت أنظر إليه وأعدها بابا بابا وفيه عند أبي يعلى أن الذي سأله عن صفة بيت المقدس هو المطعم بن عدي والد جبير بن مطعم ، وفيه من الزيادة فقال رجل من القوم : هل مررت بإبل لنا في مكان كذا وكذا ؟ قال : نعم والله ، قد وجدتهم قد أضلوا بعيرا لهم فهم في طلبه ، ومررت بإبل بني فلان انكسرت لهم ناقة حمراء ، قالوا : فأخبرنا عن عدتها وما فيها من الرعاء . قال : كنت عن عدتها مشغولا ، فقام فأتى الإبل فعدها وعلم ما فيها من الرعاء ثم أتى قريشا فقال : هي كذا وكذا ، وفيها من الرعاء فلان وفلان فكان كما قال . قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة : الحكمة في الإسراء إلى بيت المقدس قبل العروج إلى السماء إرادة إظهار الحق لمعاندة من يريد إخماده ؛ لأنه لو عرج به من مكة إلى السماء لم يجد لمعاندة الأعداء سبيلا إلى البيان [ ص: 241 ] والإيضاح ، فلما ذكر أنه أسري به إلى بيت المقدس سألوه عن تعريفات جزئيات من بيت المقدس كانوا رأوها وعلموا أنه لم يكن رآها قبل ذلك ، فلما أخبرهم بها حصل التحقيق بصدقه فيما ذكر من الإسراء إلى بيت المقدس في ليلة ، وإذا صح خبره في ذلك لزم تصديقه في بقية ما ذكره ، فكان ذلك زيادة في إيمان المؤمن ، وزيادة في شقاء الجاحد والمعاند ، انتهى ملخصا .
Hafid bin Ahmad Al-Haki dalam kitab Ma'arij Al-Qobul bi Syarh Sullam al-Wushul ila Ilm Al-Usul menjelaskan kisah Isra' dan Mi'raj dari Makkah ke Baitul Maqdis ke Sidrotul Muntaha, "Bab Hadis al-Isra wal Mi'raj", hlm. 3/1058
حديث الإسراء والمعراج .
وبعد خمسين من الأعوام مضت لعمر سيد الأنام أسرى به الله إليه في الظلم
وفرض الخمس عليه وحتم
.
وكان الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، والمعراج من المسجد الأقصى إلى سدرة المنتهى ، ثم إلى حيث شاء الله - عز وجل - ، قال الله - تبارك وتعالى - في ذكر الإسراء : ( بسم الله الرحمن الرحيم سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ) ، ( الإسراء 1 ) ، وقال - تبارك وتعالى - في ذكر المعراج : ( ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى ) ، ( النجم 13 - 18 ) .
وقال البخاري - رحمه الله تعالى : باب حديث الإسراء ، وقول الله تعالى : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ) ، ( الإسراء 1 ) : حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن سمعت جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لما كذبتني قريش قمت في الحجر فجلا الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه . باب المعراج .
حدثنا هدبة بن خالد ، حدثنا همام بن يحيى ، حدثنا قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن [ ص: 1059 ] صعصعة - رضي الله عنهما - أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - حدثهم عن ليلة أسري به قال " بينما أنا في الحطيم - وربما قال في الحجر - مضطجعا إذ أتاني آت ، فقد قال وسمعته يقول ، فشق ما بين هذه إلى هذه " فقلت للجارود وهو إلى جنبي ما يعني به ؟ قال من ثغرة نحره إلى شعرته ، وسمعته يقول : من قصه إلى شعرته " فاستخرج قلبي . ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا فغسل قلبي ، ثم حشي ، ثم أعيد ، ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض " فقال الجارود هو البراق يا أبا حمزة ؟ قال أنس نعم " يضع خطوه عند أقصى طرفه ، فحملت عليه ، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح ، فقيل من هذا ؟ قال جبريل : قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : أو قد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ، ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال : هذا أبوك آدم فسلم عليه ، فسلمت عليه فرد السلام ، ثم قال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح . ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح ، قيل من هذا ؟ قال جبريل ، قيل ومن معك ؟ قال محمد ، قيل أو قد أرسل إليه ؟ قال نعم، قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء، ففتح فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا الخالة، قال هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما . فسلمت فردا ثم قالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح . ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح . قيل من هذا ؟ قال جبريل . قيل ومن معك ؟ قال محمد - صلى الله عليه وسلم - ، قيل أو قد أرسل إليه ؟ قال نعم، قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء، ففتح فلما خلصت فإذا يوسف ، قال هذا يوسف فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح . ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح . قيل من هذا ؟ قال جبريل . قيل ومن معك ؟ قال محمد - صلى الله عليه وسلم - قيل أو قد أرسل إليه ؟ قال نعم . قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء . ففتح فلما خلصت إلى إدريس ، قال هذا إدريس ، فسلم عليه، فسلمت عليه فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح، قيل من هذا ؟ قال جبريل ، قيل ومن معك ؟ قال محمد - صلى الله عليه وسلم - قيل أو قد أرسل إليه ؟ قال نعم . قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء . فلما خلصت فإذا هارون . قال هذا هارون فسلم عليه ، فسلمت عليه فرد ثم قال مرحبا بالأخ [ ص: 1060 ] الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح، قيل من هذا ؟ قال جبريل ، قيل من معك ؟ قال محمد - صلى الله عليه وسلم - قيل أو قد أرسل إليه ؟ قال نعم، قال مرحبا به فنعم المجيء جاء . فلما خلصت فإذا موسى ، قال هذا موسى فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، فلما تجاوزت بكى، قيل له ما يبكيك ؟ قال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي . ثم صعد بي إلى السابعة فاستفتح، جبريل قيل من هذا ؟ قال : جبريل . قيل ومن معك ؟ قال محمد - صلى الله عليه وسلم - قيل وقد بعث إليه ؟ قال نعم، قال مرحبا به فنعم المجيء جاء . فلما خلصت فإذا إبراهيم قال : هذا أبوك فسلم عليه . قال فسلمت عليه فرد السلام قال مرحبا بالابن الصالح . والنبي الصالح ثم رفعت إلي سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، قال هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار : نهران باطنان، ونهران ظاهران، فقلت ما هذان يا جبريل ؟ قال أما الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات، ثم رفع لي البيت المعمور ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل، فأخذت اللبن فقال هي الفطرة أنت عليها وأمتك، ثم فرضت علي الصلوات خمسين صلاة كل يوم، فرجعت فمررت على موسى فقال : بما أمرت ؟ قال أمرت بخمسين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وإني والله قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم . فرجعت فقال مثله فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم . فرجعت إلى موسى فقال : بما أمرت ؟ قلت أمرت ؟ بخمس صلوات كل يوم، قال : إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم، وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم، قال فلما جاوزت نادى مناد : أمضيت فريضتي وخففت عن [ ص: 1061 ] عبادي " . رواه مسلم مختصرا .
قلت : وقوله في هذه الرواية ، عن إدريس مرحبا بالأخ الصالح هذا قد يشكل ; لان إدريس من آبائه ، والمعنى والله أعلم على ما في الحديث : نحن معاشر الأنبياء أبناء علات . . . الخ .
وقال البخاري - رحمه الله تعالى : " ، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثني سليمان عن شريك بن عبد الله أنه قال : سمعت ابن مالك - يعني : أنسا - رضي الله عنه - يقول ليلة أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مسجد الكعبة " أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام فقال أولهم : أيهم هو ؟ فقال أوسطهم هو خيرهم، فقال آخرهم، خذوا خيرهم، فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه وتنام عينه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم فتولاه منهم جبريل فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته حتى أفرغ من صدره وجوفه . فغسله من ماء زمزم بيده حتى أنقى جوفه . ثم أتي بطست من ذهب فيه تور من ذهب محشوا إيمانا وحكمة فحشا به صدره ولغاديده - يعني عروق حلقه . ثم أطبقه ثم عرج به إلى السماء الدنيا فضرب بابا من أبوابها فناداه أهل السماء : من هذا ؟ فقال جبريل قالوا ومن معك ؟ قال محمد ، قال وقد بعث إليه ؟ قال نعم، قالوا فمرحبا به وأهلا، فيستبشر أهل السماء لا يعلم أهل السماء بما يريد الله به في الأرض حتى يعلمهم، فوجد في السماء الدنيا آدم فقال له جبريل : هذا أبوك آدم فسلم عليه، فسلم ورد عليه آدم وقال مرحبا وأهلا يا بني نعم الابن أنت، فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان، فقال : ما هذان النهران يا جبريل ؟ قال هذا النيل والفرات . ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فضرب يده فإذا هو مسك فقال ما هذا يا جبريل ؟ قال هذا الكوثر الذي خبأ لك [ ص: 1062 ] ربك . ثم عرج به إلى السماء الثانية فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى : من هذا ؟ قال جبريل ، قالوا ومن معك ؟ قال محمد - صلى الله عليه وسلم - ، قالوا وقد بعث إليه ؟ قال نعم، قالوا مرحبا به وأهلا . ثم عرج به إلى السماء الثالثة وقالوا مثل ما قالت الأولى والثانية، ثم عرج به إلى الرابعة فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء الخامسة فقالوا له مثل ذلك ثم عرج به إلى السماء السادسة فقالوا له مثل ذلك ثم عرج به إلى السماء السابعة فقالوا له مثل ذلك، كل سماء فيها أنبياء قد سماهم فأوعيت منهم إدريس في الثانية وهارون في الرابعة وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه وإبراهيم في السادسة وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله، فقال موسى رب لم أظن أن يرفع علي أحد، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله تعالى حتى جاء سدرة المنتهى ودنا للجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى الله فيما أوحى إليه خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة، ثم هبط حتى بلغ موسى فاحتبسه موسى فقال : يا محمد ماذا عهد إليك ربك ؟ قال عهد إلي خمسين صلاة كل يوم وليلة، قال : إن أمتك لا تستطيع ذلك فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم، فالتفت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار إليه جبريل أن نعم إن شئت، فعلا به إلى الجبار فقال وهو مكانه : يا رب خفف عنا فإن أمتي لا تستطيع هذا : فوضع عنه عشر صلوات، ثم رجع إلى موسى فاحتبسه فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا فضعفوا فتركوه فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا، فارجع فليخفف عنك ربك، كل ذلك يلتفت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جبريل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبريل ، فرفعه عند الخامسة فقال ؛ يا رب إن أمتي ضعفاء أجسامهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم فخفف عنا . فقال الجبار : يا محمد ، قال لبيك وسعديك، قال إنه لا يبدل القول لدي، كما فرضت عليك في أم الكتاب . قال فكل حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك، فرجع إلى موسى فقال : كيف فعلت ؟ فقال خفف عنا، أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها، قال موسى : قد والله [ ص: 1063 ] راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه، ارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا موسى قد والله استحييت من ربي مما اختلفت إليه قال : فاهبط باسم الله . قال واستيقظ وهو في مسجد الحرام " .
ورواه مسلم بعد حديث ثابت البناني أصله ، وقال نحو حديث ثابت البناني ، وقدم فيه شيئا وأخر وزاد ونقص ، وهذا السياق روايته لحديث ثابت ، قال - رحمه الله تعالى : حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه، قال فركبته حتى أتيت بيت المقدس . قال فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء . قال ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت، فجاءني جبريل - عليه السلام - بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل - عليه السلام - اخترت الفطرة . ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل فقيل : من أنت ؟ قال جبريل قيل : ومن معك ؟ قال محمد . قيل وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل - عليه السلام - ، فقيل من أنت ؟ قال جبريل ، قيل ومن معك ؟ قال محمد - صلى الله عليه وسلم . قيل وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه . ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة عيسى ابن مريم ويحيى بن زكرياء - صلوات الله عليهما وسلامه - فرحبا ودعوا لي بخير ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل : من أنت ؟ قال جبريل . قيل ومن معك ؟ قال محمد - صلى الله عليه وسلم - قيل : وقد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا فإذا أنا [ ص: 1064 ] بيوسف عليه السلام إذا هو قد أعطي شطر الحسن فرحب ودعا لي بخير . ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل - عليه السلام - ، قيل من هذا ؟ قال جبريل ، قيل ومن معك ؟ قال محمد - صلى الله عليه وسلم . قال وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه، ففتح الباب فإذا أنا بإدريس - عليه السلام - فرحب ودعا لي بخير، قال الله عز وجل ( ورفعناه مكانا عليا ) ( مريم 57 ) ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل ، قيل من هذا ؟ قال جبريل ، قيل ومن معك ؟ قال محمد - صلى الله عليه وسلم . قيل وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بهارون - عليه السلام - فرحب ودعا لي بخير . ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل - عليه السلام - وقيل من هذا ؟ قال جبريل ، قيل ومن معك ؟ قال محمد - صلى الله عليه وسلم . قيل وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه . ففتح لنا فإذا بموسى - عليه السلام - فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل فقيل من هذا ؟ قال جبريل قيل ومن معك ؟ قال محمد - صلى الله عليه وسلم - قيل وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم - عليه السلام - مسندا ظهره إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى وإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال، قال فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها، فأوحى الله إلي ما أوحى، ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنزلت إلى موسى - عليه السلام - فقال : ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت خمسين صلاة، قال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم . قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف عن أمتي، فحط عني خمسا، فرجعت إلى موسى فقلت حط عني خمسا، قال إن أمتك لا تطيق ذلك، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، قال فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى - عليه السلام - حتى قال : يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرا . ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا، فإن عملها كتبت سيئة واحدة . قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى - عليه [ ص: 1065 ] السلام - فأخبرته، فقال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه " .
وقال البخاري - رحمه الله تعالى : باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء ، حدثنا يحيى بن بكير قال : حدثنا الليث ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : كان أبو ذر - رضي الله عنه - يحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغه في صدري، ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فخرج بي إلى السماء الدنيا فلما جئت إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء : افتح . قال : من هذا ؟ قال جبريل ، قال هل معك أحد ؟ قال نعم معي محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال أرسل إليه ؟ قال : نعم . فلما فتح علونا السماء الدنيا فإذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة، إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل يساره بكى، فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح، قلت لجبريل من هذا ؟ قال هذا آدم وهذه الأسودة عن يمينه وشماله نسم بنيه، فأهل اليمين منهم أهل الجنة والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى، حتى عرج بي إلى السماء الثانية فقال لخازنها افتح فقال له خازنها مثل ما قال الأول، ففتح . قال أنس فذكر أنه وجد في السماوات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم - صلوات الله وسلامه عليهم - ، ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه ذكر أنه وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السماء السادسة، قال أنس : فلما مر جبريل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بإدريس قال مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح، فقلت من هذا ؟ قال هذا إدريس ثم مررت بموسى فقال مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح قلت من هذا ؟ قال هذا موسى ، ثم مررت بعيسى فقال مرحبا بالنبي الصالح، والأخ الصالح، قلت من هذا ؟ قال هذا عيسى ، ثم مررت بإبراهيم فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح . قلت من هذا ؟ قال هذا إبراهيم - عليه السلام - . قال ابن شهاب فأخبرني [ ص: 1066 ] ابن حزم أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري كانا يقولان : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام " قال ابن حزم وأنس بن مالك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ففرض الله على أمتي خمسين صلاة، فرجعت بذلك حتى مررت على موسى فقال ما فرض الله لك على أمتك ؟ قلت فرض خمسين صلاة، قال فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعت فوضع شطرها، فرجعت إليه فقال : ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعته فقال هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي، فرجعت إلى موسى فقال : راجع ربك، فقلت استحييت من ربي ثم انطلق بي حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى وغشيها ألوان لا أدري ما هي، ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جبال اللؤلؤ وإذا ترابها المسك . وافقه عليه مسلم ، رحمه الله تعالى .
وله عن مرة ، عن عبد الله قال : لما أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتهي به إلى سدرة المنتهى ، وهي في السماء السادسة ، إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض ، فيقبض منها ، و إليها ينتهي ما يهبط به من فوقها ، فيقبض منها ، قال : ( إذ يغشى السدرة ما يغشى ) ، ( النجم 16 ) ، قال : فراش من ذهب ، قال : فأعطي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثا : أعطي الصلوات الخمس ، وأعطي خواتيم سورة البقرة ، وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات .
وله عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربة ما كربت مثلها قط قال فرفعه الله لي أنظر إليه : ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به . الحديث .
وهذا الذي ذكرنا من حديث أنس وجابر ومالك بن صعصعة وأبي ذر وابن [ ص: 1067 ] مسعود وأبي هريرة وابن عباس وأبي حبة هي من أصح ما ورد ، وأقواه وأجوده وأسنده وأشهره وأظهره ; لاتفاق الشيخين على إخراجهما ، وعن هؤلاء روايات أخر لم نذكرها استغناء عنها بما في الصحيحين .
وفي الباب أحاديث أخر ، عن جماعة من الصحابة ، منهم من لم نذكر عمر بن الخطاب وعلي وأبو سعيد وشداد بن أوس وأبي بن كعب وعبد الرحمن بن قرظ وأبو ليلى وعبد الله بن عمرو وحذيفة وبريدة وأبو أيوب وأبو أمامة وسمرة بن جندب وأبو الحمأ وصهيب الرومي وأم هانئ وعائشة وأسماء ابنتا أبي بكر - رضي الله عنهم - أجمعين .
ثم الذي دلت عليه الآيات والأحاديث أن الإسراء والمعراج كانا يقظة لا مناما ، ولا ينافي ذلك ما ذكر في بعض الروايات في قوله - صلى الله عليه وسلم : بينا أنا نائم ، فإن ذلك عند أول ما أتياه ، ولا يدل على أنه استمر نائما ، ولذا كانت رؤيا الأنبياء وحيا ، ولكن في سياق الأحاديث من ركوبه ونزوله وربطه وصلاته وصعوده وهبوطه وغير ذلك ما يدل على أنه أسري بروحه وجسده يقظة لا مناما ، وكذا لا ينافي ذلك رواية شريك : فاستيقظت وأنا بالمسجد الحرام ، فإن رواية شريك فيها أوهام كثيرة ، تخالف رواية الجمهور ، عن أنس في أكثر من عشرة مواضع ، سردها في الفتح ، وسياقه يدل على أنه بالمعنى ، وصرح في مواضع كثيرة أنه لم يثبتها ، وتصريح الآية ( سبحان الذي أسرى بعبده ) ، ( الإسراء 1 ) شامل للروح والجسد ، وكذلك قوله تعالى في سورة النجم ( ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى ) ، ( النجم 13 ) جعل رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - لجبريل عند سدرة المنتهى ، مقابلا لرؤيته إياه في الأبطح ، وهي رؤية عين حقيقة لا مناما . ولو كان الإسراء والمعراج بروحه في المنام ، لم تكن معجزة ، ولا كان لتكذيب قريش بها ، وقولهم : كنا نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس شهرا ذهابا وشهرا إيابا ، ومحمد يزعم أنه أسري به إليه وأصبح فينا ، إلى آخر تكذيبهم واستهزائهم به - صلى الله عليه وسلم ، لو كان ذلك رؤيا مناما ، لم يستبعدوه ، ولم يكن لردهم عليه معنى ; لأن الإنسان قد يرى في منامه ما هو أبعد من بيت المقدس ، ولا يكذبه أحد استبعادا لرؤياه ، وإنما قص عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسرى حقيقة يقظة لا مناما ، فكذبوه واستهزءوا به استبعادا لذلك واستعظاما له ، مع نوع مكابرة لقلة علمهم بقدرة الله - عز وجل ، وأن الله [ ص: 1068 ] يفعل ما يريد ، ولهذا لما قالوا للصديق وأخبروه الخبر ، قال : إن كان قال ذلك ، لقد صدق . قالوا : وتصدقه بذلك ؟ قال : نعم ، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك في خبر السماء يأتيه ، يأتيه بكرة وعشيا ، أو كما قال
Al-Hafidz Ibnu Hajar Al-Asqalani dalam kitab Fathul Bari Syarah Sahih al-Bukhari, "Bab Hadis Al-Isra'" menjelaskan hadits Isra' dan Mi'raj dan pendapat para ulama Sahabat, Tabi'in dan lainnya apakah Nabi melakukannya dalam tidur atau bangun atau tidur dan bangun atau peristiwa itu terjadi dua kali atau lebih?
Kisah Isra' dan Mikraj dalam kitab Sahih Muslim dan penjelasannya oleh Imam Nawawi dalam Syarah Muslim
باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات
162 حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه قال فركبته حتى أتيت بيت المقدس قال فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء قال ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل صلى الله عليه وسلم اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة عيسى ابن مريم ويحيى بن زكرياء صلوات الله عليهما فرحبا ودعوا لي بخير ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل من أنت قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى الله عليه وسلم قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم إذا هو قد أعطي شطر الحسن فرحب ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل عليه السلام قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قال وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإدريس فرحب ودعا لي بخير قال الله عز وجل ورفعناه مكانا عليا ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بهارون صلى الله عليه وسلم فرحب ودعا لي بخير ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل عليه السلام قيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بموسى صلى الله عليه وسلم فرحب ودعا لي بخير ثم عرج إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى الله عليه وسلم قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه وسلم مسندا ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى وإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال قال فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها فأوحى الله إلي ما أوحى ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت إلى موسى صلى الله عليه وسلم فقال ما فرض ربك على أمتك قلت خمسين صلاة قال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف على أمتي فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت حط عني خمسا قال إن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف قال فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلام حتى قال يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا فإن عملها كتبت سيئة واحدة قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه
الحاشية رقم: 1
باب الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم ( إلى السماوات وفرض الصلوات )
هذا باب طويل وأنا أذكر إن شاء الله تعالى مقاصده مختصرة من الألفاظ والمعاني على ترتيبها . وقد لخص القاضي عياض - رحمه الله - في الإسراء جملا حسنة نفيسة فقال : اختلف الناس في الإسراء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل : إنما كان جميع ذلك في المنام . والحق الذي عليه أكثر الناس ، ومعظم السلف ، وعامة المتأخرين من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين أنه أسري بجسده - صلى الله عليه وسلم - . والآثار تدل عليه لمن طالعها وبحث عنها . ولا يعدل عن ظاهرها إلا بدليل ، ولا استحالة في حملها عليه فيحتاج إلى تأويل . وقد جاء في رواية شريك في هذا الحديث في الكتاب أوهام أنكرها عليه العلماء ، وقد نبه مسلم على ذلك بقوله فقدم وأخر وزاد ونقص منها قوله : ( وذلك قبل أن يوحى إليه ) وهو غلط لم يوافق عليه فإن الإسراء أقل ما قيل فيه أنه كان بعد مبعثه - صلى الله عليه وسلم - بخمسة عشر شهرا . وقال الحربي : كان ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة . وقال الزهري : كان ذلك بعد مبعثه - صلى الله عليه وسلم - بخمس سنين . وقال ابن إسحاق : أسري به - صلى الله عليه وسلم - وقد فشا الإسلام بمكة والقبائل . وأشبه هذه الأقوال [ ص: 358 ] قول الزهري وابن إسحاق إذ لم يختلفوا أن خديجة رضي الله عنها صلت معه - صلى الله عليه وسلم - بعد فرض الصلاة عليه ، ولا خلاف أنها توفيت قبل الهجرة بمدة قيل : بثلات سنين ، وقيل : بخمس . ومنها أن العلماء مجمعون على أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء . فكيف يكون هذا قبل أن يوحى إليه .
وأما قوله في رواية شريك : ( وهو نائم ) ، وفي الرواية الأخرى : ( بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان ) ، فقد يحتج به من يجعلها رؤيا نوم ولا حجة فيه إذ قد يكون ذلك حالة أول وصول الملك إليه ، وليس في الحديث ما يدل على كونه نائما في القصة كلها . هذا كلام القاضي - رحمه الله - . وهذا الذي قاله في رواية شريك . وأن أهل العلم أنكروها قد قاله غيره . وقد ذكر البخاري - رحمه الله - رواية شريك هذه عن أنس في كتاب التوحيد من صحيحه ، وأتى بالحديث مطولا . قال الحافظ عبد الحق - رحمه الله - في كتابه الجمع بين الصحيحين بعد ذكر هذه الرواية : هذا الحديث بهذا اللفظ من رواية شريك بن أبي نمر عن أنس ، وقد زاد فيه زيادة مجهولة وأتى فيه بألفاظ غير معروفة . وقد روى حديث الإسراء جماعة من الحفاظ المتقنين والأئمة المشهورين كابن شهاب وثابت البناني وقتادة يعني عن أنس فلم يأت أحد منهم بما أتى به شريك . وشريك ليس بالحافظ عند أهل الحديث . قال : والأحاديث التي تقدمت قبل هذا هي المعول عليها . هذا كلام الحافظ عبد الحق - رحمه الله - .
قول مسلم : ( حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عن أنس - رضي الله عنه - ) هذا الإسناد كله بصريون ، و ( فروخ ) عجمي لا ينصرف تقدم بيانه مرات ، و ( البناني ) بضم الباء منسوب إلى بنانة قبيلة معروفة .
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( أتيت بالبراق ) هو بضم الباء الموحدة . قال أهل اللغة البراق اسم الدابة التي ركبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء . قال الزبيدي في مختصر العين ، وصاحب التحرير : هي دابة كان الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يركبونها . وهذاالذي قالاه من اشتراك جميع الأنبياء فيها يحتاج إلى نقل صحيح . قال ابن دريد : اشتقاق البراق من البرق إن شاء الله تعالى يعني لسرعته . وقيل : سمي بذلك لشدة صفائه وتلألئه وبريقه ، وقيل : لكونه أبيض . وقال القاضي : يحتمل أنه سمي بذلك لكونه ذا لونين يقال شاة برقاء إذا كان في خلال صوفها الأبيض طاقات سود . قال : ووصف في الحديث بأنه أبيض وقد يكون من نوع الشاة البرقاء وهي معدودة في البيض . والله أعلم .
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي تربط به الأنبياء صلوات الله عليهم ) أما بيت المقدس ففيه لغتان مشهورتان غاية الشهرة إحداهما بفتح الميم وإسكان القاف وكسر الدال المخففة ، والثانية بضم الميم وفتح القاف والدال المشددة . قال الواحدي : أما من شدده فمعناه [ ص: 359 ] المطهر ، وأما من خففه فقال أبو علي الفارسي : لا يخلو إما أن يكون مصدرا أو مكانا فإن كان مصدرا كان كقوله تعالى : إليه مرجعكم ونحوه من المصادر وإن كان مكانا فمعناه بيت المكان : الذي جعل فيه الطهارة ، أو بيت مكان الطهارة ، وتطهيره إخلاؤه من الأصنام وإبعاده منها . وقال الزجاج البيت المقدس المطهر وبيت المقدس أي المكان الذي يطهر فيه من الذنوب ويقال فيه أيضا إيلياء . والله أعلم .
وأما ( الحلقة ) فبإسكان اللام على اللغة الفصيحة المشهورة . وحكى الجوهري وغيره فتح اللام أيضا . قال الجوهري : حكى يونس عن أبي عمرو بن العلاء ( حلقة ) بالفتح وجمعها حلق وحلقات . وأما على لغة الإسكان فجمعها حلق وحلق بفتح الحاء وكسرها .
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( الحلقة التي يربط به ) فكذا هو في الأصول ( به ) بضمير المذكر أعاده على معنى الحلقة وهو الشيء قال صاحب التحرير : المراد حلقة باب مسجد بيت المقدس . والله أعلم .
وفي ربط البراق الأخذ بالاحتياط في الأمور وتعاطي الأسباب وأن ذلك لا يقدح في التوكل إذا كان الاعتماد على الله تعالى . والله أعلم .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل : اخترت الفطرة ) هذا اللفظ وقع مختصرا هنا والمراد أنه - صلى الله عليه وسلم - قيل له : اختر أي الإناءين شئت كما جاء مبينا بعد هذا في هذا الباب من رواية أبي هريرة ، فألهم - صلى الله عليه وسلم - اختيار اللبن .
وقوله : ( اخترت الفطرة ) فسروا الفطرة هنا بالإسلام والاستقامة ومعناه والله أعلم اخترت علامة الإسلام والاستقامة . وجعل اللبن علامة لكونه سهلا طيبا طاهرا سائغا للشاربين سليم العاقبة . وأما الخمر فإنها أم الخبائث ، وجالبة لأنواع من الشر في الحال والمآل . والله أعلم .
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل له : من أنت ؟ قال : [ ص: 360 ] جبريل . قيل : ومن معك ؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه قال : قد بعث إليه ) أما قوله عرج فبفتح العين والراء أي صعد وقوله ( جبريل ) فيه بيان الأدب فيمن استأذن بدق الباب ونحوه فقيل له من أنت فينبغي أن يقول : زيد مثلا إذا كان اسمه زيدا ولا يقول : أنا فقد جاء الحديث بالنهي عنه ولأنه لا فائدة فيه .
وأما قول بواب السماء : ( وقد بعث إليه ؟ ) فمراده وقد بعث إليه للإسراء وصعود السماوات ؟ وليس مراده الاستفهام عن أصل البعثة والرسالة فإن ذلك لا يخفى عليه إلى هذه المدة فهذا هو الصحيح والله أعلم في معناه . ولم يذكر الخطابي في شرح البخاري وجماعة من العلماء غيره وإن كان القاضي قد ذكر خلافا أو أشار إلى خلاف في أنه استفهم عن أصل البعثة أو عما ذكرته . قال القاضي وفي هذا أن للسماء أبوابا حقيقة وحفظة موكلين بها وفيه إثبات الاستئذان . والله أعلم .
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فإذا أنا بآدم - صلى الله عليه وسلم - فرحب بي ودعا لي بخير ) ثم قال - صلى الله عليه وسلم - في السماء الثانية ( فإذا أنا بابني الخالة فرحبا بي ودعوا ) وذكر - صلى الله عليه وسلم - في باقي الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم نحوه فيه استحباب لقاء أهل الفضل بالبشر والترحيب والكلام الحسن والدعاء لهم وإن كانوا أفضل من الداعي .
وفيه جواز مدح الإنسان في وجهه إذا أمن عليه الإعجاب وغيره من أسباب الفتنة .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فإذا أنا بابني الخالة ) قال الأزهري : قال ابن السكيت : يقال : هما ابنا عم ، ولا يقال ابنا خال . ويقال : ابنا خالة ، ولا يقال : ابنا عمة .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فإذا أنا بإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - مسندا ظهره إلى البيت المعمور ) قال القاضي - رحمه الله - يستدل به على جواز الاستناد إلى القبلة وتحويل الظهر إليها .
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ثم ذهب بي إلى السدرة المنتهى ) هكذا وقع في الأصول ( السدرة ) بالألف واللام ، وفي الروايات بعد هذا سدرة المنتهى . قال ابن عباس والمفسرون وغيرهم : سميت سدرة المنتهى لأن علم الملائكة ينتهي إليها ولم يجاوزها أحد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وحكي عن عبد الله بن مسعود - رضي [ ص: 361 ] الله عنه - أنها سميت بذلك لكونها ينتهي إليها ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها من أمر الله تعالى .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وإذا ثمرها كالقلال ) هو بكسر القاف جمع قلة والقلة جرة عظيمة تسع قربتين أو أكثر .
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فرجعت إلى ربي ) معناه رجعت إلى الموضع الذي ناجيته منه أولا فناجيته فيه ثانيا .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى - صلى الله عليه وسلم - ) معناه بين موضع مناجاة ربي . والله أعلم .
قوله عقب هذا الحديث : ( قال الشيخ أبو أحمد حدثنا أبو العباس الماسرجسي حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا حماد بن سلمة بهذا الحديث ) أبو أحمد هذا هو الجلودي راوي الكتاب عن ابن سفيان عن مسلم وقد علا له هذا الحديث برجل فإنه رواه أولا عن ابن سفيان عن مسلم عن شيبان بن فروخ ثم رواه عن الماسرجسي عن شيبان واسم الماسرجسي أحمد بن محمد بن الحسين النيسابوري وهو بفتح السين المهملة وإسكان الراء وكسر الجيم وهو منسوب إلى جده ماسرجس . وهذه الفائدة وهي قوله : قال الشيخ أبو أحمد إلى آخره تقع في بعض الأصول في الحاشية وفي أكثرها في نفس الكتاب وكلاهما له وجه . فمن جعلها في الحاشية فهو الظاهر المختار لكونها ليست من كلام مسلم ولا من كتابه فلا يدخل في نفسه إنما هي فائدة فشأنها أن تكتب في الحاشية ومن أدخلها من الكتاب فلكون الكتاب منقولا عن عبد الغافر الفارسي عن شيخه الجلودي وهذه الزيادة من كلام الشيخ الجلودي فنقلها عبد الغافر في نفس الكتاب لكونها من جملة المأخوذ عن الجلودي ، مع أنه ليس فيه لبس ولا إيهام أنها من أصل ، والله أعلم .
[ ص: 362 ] قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فشرح عن صدري ثم غسل بماء زمزم ثم أنزلت ) معنى ( شرح ) شق كما قال في الرواية التي بعد هذه . وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ثم أنزلت ) هو بإسكان اللام وضم التاء هكذا ضبطناه وكذا هو في جميع الأصول والنسخ وكذا نقله القاضي عياض - رحمه الله - عن جميع الروايات وفي معناه خفاء واختلاف قال القاضي : قال الضبعي : هذا وهم من الرواة . وصوابه تركت فتصحف . قال القاضي : فسألت عنه ابن سراج فقال ( أنزلت ) في اللغة بمعنى ( تركت ) صحيح ، وليس فيه تصحيف . قال القاضي : وظهر لي أنه صحيح بالمعنى المعروف في أنزلت فهو ضد رفعت لأنه قال : انطلقوا بي إلى زمزم ، ثم أنزلت أي ثم صرفت إلى موضعي الذي حملت منه . قال : ولم أزل أبحث عنه حتى وقعت على الجلاء فيه من رواية الحافظ أبي بكر البرقاني ، وأنه طرف حديث وتمامه ( ثم أنزلت على طست من ذهب مملوءة حكمة وإيمانا ) . هذا آخر كلام القاضي عياض - رحمه الله - ومقتضى رواية البرقاني أن يضبط ( أنزلت ) بفتح اللام وإسكان التاء وكذلك ضبطناه في الجمع بين الصحيحين للحميدي وحكى الحميدي هذه الزيادة المذكورة عن رواية البرقاني وزاد عليها وقال : أخرجها البرقاني بإسناد مسلم ، وأشار الحميدي إلى أن رواية مسلم ناقصة وأن تمامه ما زاده البرقاني . والله أعلم .
باب حديث الإسراء وقول الله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى
3673 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لما كذبتني قريش قمت في الحجر فجلا الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه
الحاشية رقم: 1
قوله : ( حديث الإسراء ، وقول الله تعالى : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ) سيأتي البحث في لفظ ( أسرى ) في تفسير سورة سبحان إن شاء الله تعالى . قال ابن دحية : جنح البخاري إلى أن ليلة الإسراء كانت غير ليلة المعراج ؛ لأنه أفرد لكل منهما ترجمة . قلت : ولا دلالة في ذلك على التغاير عنده ، بل كلامه في أول الصلاة ظاهر في اتحادهما ، وذلك أنه ترجم " باب كيف فرضت الصلاة ليلة الإسراء " والصلاة إنما فرضت في المعراج ، فدل على اتحادهما عنده ، وإنما أفرد كلا منهما بترجمة ؛ لأن كلا منهما يشتمل على قصة مفردة وإن كانا وقعا معا ، وقد روى كعب الأحبار أن باب السماء الذي يقال له : مصعد الملائكة يقابل بيت المقدس ، فأخذ منه بعض العلماء أن الحكمة في الإسراء إلى بيت المقدس قبل العروج ليحصل العروج مستويا من غير تعويج ، وفيه نظر ، لورود أن في كل سماء بيتا معمورا ، وأن الذي في السماء الدنيا حيال الكعبة ، وكان المناسب أن يصعد من مكة ليصل إلى البيت المعمور بغير تعويج ؛ لأنه صعد من سماء إلى سماء إلى البيت المعمور ، وقد ذكر غيره مناسبات أخرى ضعيفة فقيل : الحكمة في ذلك أن يجمع - صلى الله عليه وسلم - في تلك الليلة بين رؤية القبلتين ، أو [ ص: 237 ] لأن بيت المقدس كان هجرة غالب الأنبياء قبله فحصل له الرحيل إليه في الجملة ليجمع بين أشتات الفضائل ، أو لأنه محل الحشر ، وغالب ما اتفق له في تلك الليلة يناسب الأحوال الأخروية ، فكان المعراج منه أليق بذلك . أو للتفاؤل بحصول أنواع التقديس له حسا ومعنى ، أو ليجتمع بالأنبياء جملة كما سيأتي بيانه ، وسيأتي مناسبة أخرى للشيخ ابن أبي جمرة قريبا ، والعلم عند الله .
وقد اختلف السلف بحسب اختلاف الأخبار الواردة : فمنهم من ذهب إلى أن الإسراء والمعراج وقعا في ليلة واحدة في اليقظة بجسد النبي - صلى الله عليه وسلم - وروحه بعد المبعث ، وإلى هذا ذهب الجمهور من علماء المحدثين والفقهاء والمتكلمين وتواردت عليه ظواهر الأخبار الصحيحة ، ولا ينبغي العدول عن ذلك ؛ إذ ليس في العقل ما يحيله حتى يحتاج إلى تأويل ، نعم جاء في بعض الأخبار ما يخالف بعض ذلك ، فجنح لأجل ذلك بعض أهل العلم منهم إلى أن ذلك كله وقع مرتين مرة في المنام توطئة وتمهيدا ، ومرة ثانية في اليقظة كما وقع نظير ذلك في ابتداء مجيء الملك بالوحي ، فقد قدمت في أول الكتاب ما ذكره ابن ميسرة التابعي الكبير وغيره أن ذلك وقع في المنام ، وأنهم جمعوا بينه وبين حديث عائشة بأن ذلك وقع مرتين .
وإلى هذا ذهب المهلب شارح البخاري وحكاه عن طائفة وأبو نصر بن القشيري ومن قبلهم أبو سعيد في " شرف المصطفى " قال : كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - معاريج ، منها ما كان في اليقظة ومنها ما كان في المنام ، وحكاه السهيلي عن ابن العربي واختاره ، وجوز بعض قائلي ذلك أن تكون قصة المنام وقعت قبل المبعث لأجل قول شريك في روايته عن أنس " وذلك قبل أن يوحى إليه " وقد قدمت في آخر صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - بيان ما يرتفع به الإشكال ولا يحتاج معه إلى هذا التأويل ، ويأتي بقية شرحه في الكلام على حديث شريك ، وبيان ما خالفه فيه غيره من الرواة والجواب عن ذلك وشرحه مستوفى في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى . وقال بعض المتأخرين : كانت قصة الإسراء في ليلة والمعراج في ليلة . متمسكا بما ورد في حديث أنس من رواية شريك من ترك ذكر الإسراء ، وكذا في ظاهر حديث مالك بن صعصعة هذا ، ولكن ذلك لا يستلزم التعدد بل هو محمول على أن بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر كما سنبينه .
وذهب بعضهم إلى أن الإسراء كان في اليقظة والمعراج كان في المنام ، أو أن الاختلاف في كونه يقظة أو مناما خاص بالمعراج لا بالإسراء ، ولذلك لما أخبر به قريشا كذبوه في الإسراء واستبعدوا وقوعه ولم يتعرضوا للمعراج ، وأيضا فإن الله سبحانه وتعالى قال : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فلو وقع المعراج في اليقظة لكان ذلك أبلغ في الذكر ، فلما لم يقع ذكره في هذا الموضع مع كونه شأنه أعجب وأمره أغرب من الإسراء بكثير دل على أنه كان مناما ، وأما الإسراء فلو كان مناما لما كذبوه ولا استنكروه لجواز وقوع مثل ذلك وأبعد منه لآحاد الناس .
وقيل : كان الإسراء مرتين في اليقظة ، فالأولى رجع من بيت المقدس وفي صبيحته أخبر قريشا بما وقع ، والثانية أسري به إلى بيت المقدس ثم عرج به من ليلته إلى السماء إلى آخر ما وقع ، ولم يقع لقريش في ذلك اعتراض ؛ لأن ذلك عندهم من جنس قوله : إن الملك يأتيه من السماء في أسرع من طرفة عين ، وكانوا يعتقدون استحالة ذلك مع قيام الحجة على صدقه بالمعجزات الباهرة ، لكنهم عاندوا في ذلك واستمروا على تكذيبه فيه ، بخلاف إخباره أنه جاء بيت المقدس في ليلة واحدة ورجع ، فإنهم صرحوا بتكذيبه فيه فطلبوا منه نعت بيت المقدس لمعرفتهم به وعلمهم بأنه ما كان رآه قبل ذلك فأمكنهم استعلام صدقه في ذلك بخلاف المعراج ، ويؤيدوقوع المعراج عقب الإسراء في ليلة واحدة رواية ثابت عن أنس عند مسلم ، ففي أوله أتيت بالبراق فركبت حتى أتيت بيت المقدس فذكر القصة إلى أن قال : " ثم عرج بنا إلى السماء الدنيا " وفي حديث أبي سعيد الخدري عند ابن إسحاق " فلما فرغت مما كان في بيت المقدس أتي بالمعراج " فذكر [ ص: 238 ] الحديث ، ووقع في أول حديث مالك بن صعصعة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حدثهم عن ليلة أسري به فذكر الحديث ، فهو وإن لم يذكر الإسراء إلى بيت المقدس فقد أشار إليه وصرح به في روايته فهو المعتمد . واحتج من زعم أن الإسراء وقع مفردا بما أخرجه البزار والطبراني وصححه البيهقي في " الدلائل " من حديث شداد بن أوس قال : قلت : يا رسول الله ، كيف أسري بك ؟ قال : صليت صلاة العتمة بمكة فأتاني جبريل بدابة فذكر الحديث في مجيئه بيت المقدس وما وقع له فيه ، قال : ثم انصرف بي ، فمررنا بعير لقريش بمكان كذا فذكره قال : ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة وفي حديث أم هانئ عند ابن إسحاق وأبي يعلى نحو ما في حديث أبي سعيد هذا ، فإن ثبت أن المعراج كان مناما على ظاهر رواية شريك عن أنس فينتظم من ذلك أن الإسراء وقع مرتين : مرة على انفراده ومرة مضموما إليه المعراج وكلاهما في اليقظة ، والمعراج وقع مرتين مرة في المنام على انفراده توطئة وتمهيدا ، ومرة في اليقظة مضموما إلى الإسراء . وأما كونه قبل البعث فلا يثبت ، ويأتي تأويل ما وقع في رواية شريك إن شاء الله تعالى .
وجنح الإمام أبو شامة إلى وقوع المعراج مرارا ، واستند إلى ما أخرجه البزار وسعيد بن منصور من طريق أبي عمران الجوني عن أنس رفعه قال : بينا أنا جالس إذ جاء جبريل فوكز بين كتفي ، فقمنا إلى شجرة فيها مثل وكري الطائر ، فقعدت في أحدهما وقعد جبريل في الآخر ، فارتفعت حتى سدت الخافقين الحديث وفيه ففتح لي باب من السماء ، ورأيت النور الأعظم ، وإذا دونه حجاب رفرف الدر والياقوت ورجاله لا بأس بهم ، إلا أن الدارقطني ذكر له علة تقتضي إرساله ، وعلى كل حال فهي قصة أخرى الظاهر أنها وقعت بالمدينة ، ولا بعد في وقوع أمثالها ، وإنما المستبعد وقوع التعدد في قصة المعراج التي وقع فيها سؤاله عن كل نبي وسؤال أهل كل باب هل بعث إليه ، وفرض الصلوات الخمس وغير ذلك فإن تعدد ذلك في اليقظة لا يتجه ، فيتعين رد بعض الروايات المختلفة إلى بعض ، أو الترجيح إلا أنه لا بعد في وقوع جميع ذلك في المنام توطئة ثم وقوعه في اليقظة على وفقه كما قدمته .
ومن المستغرب قول ابن عبد السلام في تفسيره : كان الإسراء في النوم واليقظة ، ووقع بمكة والمدينة . فإن كان يريد تخصيص المدينة بالنوم ويكون كلامه على طريق اللف والنشر غير المرتب فيحتمل ويكون الإسراء الذي اتصل به المعراج وفرضت فيه الصلوات في اليقظة بمكة والآخر في المنام بالمدينة ، وينبغي أن يزاد فيه أن الإسراء في المنام تكرر في المدينة النبوية ، وفي الصحيح حديث سمرة الطويل الماضي في الجنائز ، وفي غيره حديث عبد الرحمن بن سمرة الطويل ، وفي الصحيح حديث ابن عباس في رؤياه الأنبياء ، وحديث ابن عمر في ذلك وغير ذلك ، والله أعلم .
قوله : ( سبحان ) أصلها للتنزيه وتطلق في موضع التعجب ، فعلى الأول المعنى تنزه الله عن أن يكون رسوله كذابا ، وعلى الثاني عجب الله عباده بما أنعم به على رسوله ، ويحتمل أن تكون بمعنى الأمر أي سبحوا الذي أسرى .
قوله : ( أسرى ) مأخوذ من السرى وهو سير الليل ، تقول : أسرى وسرى إذا سار ليلا بمعنى ، هذا قول الأكثر ، وقال الحوفي : أسرى : سار ليلا ، وسرى سار نهارا ، وقيل : أسرى سار من أول الليل ، وسرى سار من آخره وهذا أقرب . والمراد بقوله : أسرى بعبده أي جعل البراق يسري به كما يقال : أمضيت كذا أي جعلته يمضي ، وحذف المفعول لدلالة السياق عليه ، ولأن المراد ذكر المسرى به لا ذكر الدابة ، والمراد بقوله : بعبده محمد عليه الصلاة والسلام اتفاقا والضمير لله تعالى والإضافة للتشريف ، وقوله " ليلا " ظرف للإسراء وهو للتأكيد ، وفائدته رفع [ ص: 239 ] توهم المجاز ؛ لأنه قد يطلق على سير النهار أيضا ، ويقال : بل هو إشارة إلى أن ذلك وقع في بعض الليل لا في جميعه ، والعرب تقول : سرى فلان ليلا : إذا سار بعضه ، وسرى ليلة : إذا سار جميعها ، ولا يقال أسرى إلا إذا وقع سيره في أثناء الليل ، وإذا وقع في أوله يقال : أدلج ومن هذا قوله تعالى في قصة موسى وبني إسرائيل : فأسر بعبادي ليلا أي من وسط الليل .
قوله : ( سمعت جابر بن عبد الله ) كذا في رواية الزهري عن أبي سلمة وخالفه عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة فقال : " عن أبي هريرة " أخرجه مسلم ، وهو محمول على أن لأبي سلمة فيه شيخين ؛ لأن في رواية عبد الله بن الفضل زيادة ليست في رواية الزهري . قوله : ( لما كذبني ) في رواية الكشميهني " كذبتني " بزيادة مثناة وكلاهما جائز ، وقد وقع بيان ذلك في طرق أخرى : فروى البيهقي في " الدلائل " من طريق صالح بن كيسان عن الزهري عن أبي سلمة قال : " افتتن ناس كثير - يعني عقب الإسراء - فجاء ناس إلى أبي بكر فذكروا له فقال : أشهد أنه صادق . فقالوا : وتصدقه بأنه أتى الشام في ليلة واحدة ثم رجع إلى مكة ؟ قال : نعم ، إني أصدقه بأبعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء . قال : فسمي بذلك الصديق " قال : سمعت جابر يقول فذكر الحديث .
وفي حديث ابن عباس عند أحمد والبزار بإسناد حسن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لما كان ليلة أسري بي وأصبحت بمكة مر بي عدو الله أبو جهل فقال : هل كان من شيء ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إني أسري بي الليلة إلى بيت المقدس . قال : ثم أصبحت بين أظهرنا ؟ قال : نعم . قال : فإن دعوت قومك أتحدثهم بذلك ؟ قال : نعم . قال : يا معشر بني كعب بن لؤي . قال : فانفضت إليه المجالس حتى جاءوا إليهما فقال : حدث قومك بما حدثتني . فحدثتهم ، قال : فمن بين مصفق ومن بين واضع يده على رأسه متعجبا ، قالوا : وتستطيع أن تنعت لنا المسجد الحديث . ووقع في غير هذه الرواية بيان ما رآه ليلة الإسراء ، فمن ذلك ما وقع عند النسائي من رواية يزيد بن أبي مالك عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أتيت بدابة فوق الحمار ودون البغل الحديث وفيه فركبت ومعي جبريل ، فسرت فقال : انزل فصل . ففعلت ، فقال : أتدري أين صليت ؟ صليت بطيبة وإليها المهاجرة يعني بفتح الجيم ، ووقع في حديث شداد بن أوس عند البزار والطبراني أنه أول ما أسري به مر بأرض ذات نخل ، فقال له جبريل : انزل فصل . فنزل فصلى ، فقال : صليت بيثرب ثم قال في روايته ثم قال : انزل فصل مثل الأول . قال : صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى ثم قال : انزل - فذكر مثله - قال : صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى وقال في رواية شداد بعد قوله يثرب : ثم مر بأرض بيضاء فقال : انزل فصل . فقال : صليت بمدين وفيه أنه دخل المدينة من بابها اليماني فصلى في المسجد ، وفيه أنه مر في رجوعه بعير لقريش فسلم عليهم فقال بعضهم : هذا صوت محمد ، وفيه أنه أعلمهم بذلك وأن عيرهم تقدم في يوم كذا ، فقدمت الظهر يقدمهم الجمل الذي وصفه ، وزاد في رواية يزيد بن أبي مالك ثم دخلت بيت المقدس ، فجمع لي الأنبياء ، فقدمني جبريل حتى أممتهم وفي رواية عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة عن أنس عند البيهقي في الدلائل أنه مر بشيء يدعوه متنحيا عن الطريق ، فقال له جبريل : سر . وأنه مر على عجوز فقال : ما هذه : فقال : سر ، وأنه مر بجماعة فسلموا فقال له جبريل : اردد عليهم - وفي آخره - فقال له : الذي دعاك إبليس ، والعجوز الدنيا ، والذين سلموا إبراهيم وموسى وعيسى [ ص: 240 ] وفي حديث أبي هريرة عند الطبراني والبزار أنه مر بقوم يزرعون ويحصدون ، كلما حصدوا عاد كما كان ، قال جبريل : هؤلاء المجاهدون . ومر بقوم ترضخ رءوسهم بالصخر كلما رضخت عادت ، قال : هؤلاء الذين تثاقل رءوسهم عن الصلاة . ومر بقوم على عوراتهم رقاع يسرحون كالأنعام ، قال : هؤلاء الذين لا يؤدون الزكاة . ومر بقوم يأكلون لحما نيئا خبيثا ويدعون لحما نضيجا طيبا قال : هؤلاء الزناة . ومر برجل جمع حزمة حطب لا يستطيع حملها ثم هو يضم إليها غيرها ، قال : هذا الذي عنده الأمانة لا يؤديها وهو يطلب أخرى . ومر بقوم تقرض ألسنتهم وشفاههم ، كلما قرضت عادت قال : هؤلاء خطباء الفتنة . ومر بثور عظيم يخرج من ثقب صغير يريد أن يرجع فلا يستطيع ، قال : هذا الرجل يتكلم بالكلمة فيندم فيريد أن يردها فلا يستطيع وفي حديث أبي هريرة عند البزار والحاكم أنه صلى ببيت المقدس مع الملائكة وأنه أتي هناك بأرواح الأنبياء فأثنوا على الله ، وفيه قول إبراهيم : " لقد فضلكم محمد " وفي رواية عبد الرحمن بن هاشم عن أنس ثم بعث له آدم فمن دونه فأمهم تلك الليلة أخرجه الطبراني .
وعند مسلم من رواية عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة عن أبي هريرة رفعه ثم حانت الصلاة فأممتهم وفي حديث أبي أمامة عند الطبراني في الأوسط ثم أقيمت الصلاة فتدافعوا حتى قدموا محمدا وفيه ثم مر بقوم بطونهم أمثال البيوت ، كلما نهض أحدهم خر ، وأن جبريل قال له : هم آكلو الربا . وأنه مر بقوم مشافرهم كالإبل يلتقمون حجرا فيخرج من أسافلهم ، وأن جبريل قال له : هؤلاء أكلة أموال اليتامى .
قوله : ( فجلى الله لي بيت المقدس ) قيل : معناه كشف الحجب بيني وبينه حتى رأيته ، ووقع في رواية عبد الله بن الفضل عن أم سلمة عند مسلم المشار إليها قال : فسألوني عن أشياء لم أثبتها ، فكربت كربا لم أكرب مثله قط ، فرفع الله لي بيت المقدس أنظر إليه ، ما يسألوني عن شيء إلا نبأتهم به ويحتمل أن يريد أنه حمل إلى أن وضع بحيث يراه ثم أعيد ، وفي حديث ابن عباس المذكور فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع عند دار عقيل فنعته وأنا أنظر إليه وهذا أبلغ في المعجزة ، ولا استحالة فيه ، فقد أحضر عرش بلقيس في طرفة عين لسليمان ، وهو يقتضي أنه أزيل من مكانه حتى أحضر إليه ، وما ذاك في قدرة الله بعزيز . ووقع في حديث أم هانئ عند ابن سعد فخيل لي بيت المقدس ، فطفقت أخبرهم عن آياته فإن لم يكن مغيرا من قوله : " فجلى " وكان ثابتا احتمل أن يكون المراد أنه مثل قريبا منه ، كما تقدم نظيره في حديث " رأيت الجنة والنار " وتأول قوله " جيء بالمسجد " أي جيء بمثاله والله أعلم .
ووقع في حديث شداد بن أوس عند البزار والطبراني ما يؤيد الاحتمال الأول ففيه ثم مررت بعير لقريش - فذكر القصة - ثم أتيت أصحابي بمكة قبل الصبح ، فأتاني أبو بكر فقال : أين كنت الليلة ؟ فقال : إني أتيت بيت المقدس . فقال : إنه مسيرة شهر فصفه لي . قال : ففتح لي شراك كأني أنظر إليه لا يسألني عن شيء إلا أنبأته عنه وفي حديث أم هانئ أيضا أنهم قالوا له : كم للمسجد باب ؟ قال : ولم أكن عددتها ، فجعلت أنظر إليه وأعدها بابا بابا وفيه عند أبي يعلى أن الذي سأله عن صفة بيت المقدس هو المطعم بن عدي والد جبير بن مطعم ، وفيه من الزيادة فقال رجل من القوم : هل مررت بإبل لنا في مكان كذا وكذا ؟ قال : نعم والله ، قد وجدتهم قد أضلوا بعيرا لهم فهم في طلبه ، ومررت بإبل بني فلان انكسرت لهم ناقة حمراء ، قالوا : فأخبرنا عن عدتها وما فيها من الرعاء . قال : كنت عن عدتها مشغولا ، فقام فأتى الإبل فعدها وعلم ما فيها من الرعاء ثم أتى قريشا فقال : هي كذا وكذا ، وفيها من الرعاء فلان وفلان فكان كما قال . قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة : الحكمة في الإسراء إلى بيت المقدس قبل العروج إلى السماء إرادة إظهار الحق لمعاندة من يريد إخماده ؛ لأنه لو عرج به من مكة إلى السماء لم يجد لمعاندة الأعداء سبيلا إلى البيان [ ص: 241 ] والإيضاح ، فلما ذكر أنه أسري به إلى بيت المقدس سألوه عن تعريفات جزئيات من بيت المقدس كانوا رأوها وعلموا أنه لم يكن رآها قبل ذلك ، فلما أخبرهم بها حصل التحقيق بصدقه فيما ذكر من الإسراء إلى بيت المقدس في ليلة ، وإذا صح خبره في ذلك لزم تصديقه في بقية ما ذكره ، فكان ذلك زيادة في إيمان المؤمن ، وزيادة في شقاء الجاحد والمعاند ، انتهى ملخصا .
Hafid bin Ahmad Al-Haki dalam kitab Ma'arij Al-Qobul bi Syarh Sullam al-Wushul ila Ilm Al-Usul menjelaskan kisah Isra' dan Mi'raj dari Makkah ke Baitul Maqdis ke Sidrotul Muntaha, "Bab Hadis al-Isra wal Mi'raj", hlm. 3/1058
حديث الإسراء والمعراج .
وبعد خمسين من الأعوام مضت لعمر سيد الأنام أسرى به الله إليه في الظلم
وفرض الخمس عليه وحتم
.
وكان الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، والمعراج من المسجد الأقصى إلى سدرة المنتهى ، ثم إلى حيث شاء الله - عز وجل - ، قال الله - تبارك وتعالى - في ذكر الإسراء : ( بسم الله الرحمن الرحيم سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ) ، ( الإسراء 1 ) ، وقال - تبارك وتعالى - في ذكر المعراج : ( ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى ) ، ( النجم 13 - 18 ) .
وقال البخاري - رحمه الله تعالى : باب حديث الإسراء ، وقول الله تعالى : ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ) ، ( الإسراء 1 ) : حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن سمعت جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لما كذبتني قريش قمت في الحجر فجلا الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه . باب المعراج .
حدثنا هدبة بن خالد ، حدثنا همام بن يحيى ، حدثنا قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن [ ص: 1059 ] صعصعة - رضي الله عنهما - أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - حدثهم عن ليلة أسري به قال " بينما أنا في الحطيم - وربما قال في الحجر - مضطجعا إذ أتاني آت ، فقد قال وسمعته يقول ، فشق ما بين هذه إلى هذه " فقلت للجارود وهو إلى جنبي ما يعني به ؟ قال من ثغرة نحره إلى شعرته ، وسمعته يقول : من قصه إلى شعرته " فاستخرج قلبي . ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا فغسل قلبي ، ثم حشي ، ثم أعيد ، ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض " فقال الجارود هو البراق يا أبا حمزة ؟ قال أنس نعم " يضع خطوه عند أقصى طرفه ، فحملت عليه ، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح ، فقيل من هذا ؟ قال جبريل : قيل : ومن معك ؟ قال : محمد ، قيل : أو قد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ، ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال : هذا أبوك آدم فسلم عليه ، فسلمت عليه فرد السلام ، ثم قال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح . ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح ، قيل من هذا ؟ قال جبريل ، قيل ومن معك ؟ قال محمد ، قيل أو قد أرسل إليه ؟ قال نعم، قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء، ففتح فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا الخالة، قال هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما . فسلمت فردا ثم قالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح . ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح . قيل من هذا ؟ قال جبريل . قيل ومن معك ؟ قال محمد - صلى الله عليه وسلم - ، قيل أو قد أرسل إليه ؟ قال نعم، قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء، ففتح فلما خلصت فإذا يوسف ، قال هذا يوسف فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح . ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح . قيل من هذا ؟ قال جبريل . قيل ومن معك ؟ قال محمد - صلى الله عليه وسلم - قيل أو قد أرسل إليه ؟ قال نعم . قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء . ففتح فلما خلصت إلى إدريس ، قال هذا إدريس ، فسلم عليه، فسلمت عليه فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح، قيل من هذا ؟ قال جبريل ، قيل ومن معك ؟ قال محمد - صلى الله عليه وسلم - قيل أو قد أرسل إليه ؟ قال نعم . قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء . فلما خلصت فإذا هارون . قال هذا هارون فسلم عليه ، فسلمت عليه فرد ثم قال مرحبا بالأخ [ ص: 1060 ] الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح، قيل من هذا ؟ قال جبريل ، قيل من معك ؟ قال محمد - صلى الله عليه وسلم - قيل أو قد أرسل إليه ؟ قال نعم، قال مرحبا به فنعم المجيء جاء . فلما خلصت فإذا موسى ، قال هذا موسى فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد ثم قال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، فلما تجاوزت بكى، قيل له ما يبكيك ؟ قال أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي . ثم صعد بي إلى السابعة فاستفتح، جبريل قيل من هذا ؟ قال : جبريل . قيل ومن معك ؟ قال محمد - صلى الله عليه وسلم - قيل وقد بعث إليه ؟ قال نعم، قال مرحبا به فنعم المجيء جاء . فلما خلصت فإذا إبراهيم قال : هذا أبوك فسلم عليه . قال فسلمت عليه فرد السلام قال مرحبا بالابن الصالح . والنبي الصالح ثم رفعت إلي سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، قال هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار : نهران باطنان، ونهران ظاهران، فقلت ما هذان يا جبريل ؟ قال أما الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات، ثم رفع لي البيت المعمور ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل، فأخذت اللبن فقال هي الفطرة أنت عليها وأمتك، ثم فرضت علي الصلوات خمسين صلاة كل يوم، فرجعت فمررت على موسى فقال : بما أمرت ؟ قال أمرت بخمسين صلاة كل يوم قال إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم وإني والله قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فوضع عني عشرا، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم . فرجعت فقال مثله فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم . فرجعت إلى موسى فقال : بما أمرت ؟ قلت أمرت ؟ بخمس صلوات كل يوم، قال : إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم، وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال سألت ربي حتى استحييت ولكني أرضى وأسلم، قال فلما جاوزت نادى مناد : أمضيت فريضتي وخففت عن [ ص: 1061 ] عبادي " . رواه مسلم مختصرا .
قلت : وقوله في هذه الرواية ، عن إدريس مرحبا بالأخ الصالح هذا قد يشكل ; لان إدريس من آبائه ، والمعنى والله أعلم على ما في الحديث : نحن معاشر الأنبياء أبناء علات . . . الخ .
وقال البخاري - رحمه الله تعالى : " ، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثني سليمان عن شريك بن عبد الله أنه قال : سمعت ابن مالك - يعني : أنسا - رضي الله عنه - يقول ليلة أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مسجد الكعبة " أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام فقال أولهم : أيهم هو ؟ فقال أوسطهم هو خيرهم، فقال آخرهم، خذوا خيرهم، فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه وتنام عينه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم فتولاه منهم جبريل فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته حتى أفرغ من صدره وجوفه . فغسله من ماء زمزم بيده حتى أنقى جوفه . ثم أتي بطست من ذهب فيه تور من ذهب محشوا إيمانا وحكمة فحشا به صدره ولغاديده - يعني عروق حلقه . ثم أطبقه ثم عرج به إلى السماء الدنيا فضرب بابا من أبوابها فناداه أهل السماء : من هذا ؟ فقال جبريل قالوا ومن معك ؟ قال محمد ، قال وقد بعث إليه ؟ قال نعم، قالوا فمرحبا به وأهلا، فيستبشر أهل السماء لا يعلم أهل السماء بما يريد الله به في الأرض حتى يعلمهم، فوجد في السماء الدنيا آدم فقال له جبريل : هذا أبوك آدم فسلم عليه، فسلم ورد عليه آدم وقال مرحبا وأهلا يا بني نعم الابن أنت، فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان، فقال : ما هذان النهران يا جبريل ؟ قال هذا النيل والفرات . ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فضرب يده فإذا هو مسك فقال ما هذا يا جبريل ؟ قال هذا الكوثر الذي خبأ لك [ ص: 1062 ] ربك . ثم عرج به إلى السماء الثانية فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى : من هذا ؟ قال جبريل ، قالوا ومن معك ؟ قال محمد - صلى الله عليه وسلم - ، قالوا وقد بعث إليه ؟ قال نعم، قالوا مرحبا به وأهلا . ثم عرج به إلى السماء الثالثة وقالوا مثل ما قالت الأولى والثانية، ثم عرج به إلى الرابعة فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السماء الخامسة فقالوا له مثل ذلك ثم عرج به إلى السماء السادسة فقالوا له مثل ذلك ثم عرج به إلى السماء السابعة فقالوا له مثل ذلك، كل سماء فيها أنبياء قد سماهم فأوعيت منهم إدريس في الثانية وهارون في الرابعة وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه وإبراهيم في السادسة وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله، فقال موسى رب لم أظن أن يرفع علي أحد، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله تعالى حتى جاء سدرة المنتهى ودنا للجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى الله فيما أوحى إليه خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة، ثم هبط حتى بلغ موسى فاحتبسه موسى فقال : يا محمد ماذا عهد إليك ربك ؟ قال عهد إلي خمسين صلاة كل يوم وليلة، قال : إن أمتك لا تستطيع ذلك فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم، فالتفت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار إليه جبريل أن نعم إن شئت، فعلا به إلى الجبار فقال وهو مكانه : يا رب خفف عنا فإن أمتي لا تستطيع هذا : فوضع عنه عشر صلوات، ثم رجع إلى موسى فاحتبسه فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا فضعفوا فتركوه فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا، فارجع فليخفف عنك ربك، كل ذلك يلتفت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جبريل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبريل ، فرفعه عند الخامسة فقال ؛ يا رب إن أمتي ضعفاء أجسامهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم فخفف عنا . فقال الجبار : يا محمد ، قال لبيك وسعديك، قال إنه لا يبدل القول لدي، كما فرضت عليك في أم الكتاب . قال فكل حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك، فرجع إلى موسى فقال : كيف فعلت ؟ فقال خفف عنا، أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها، قال موسى : قد والله [ ص: 1063 ] راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه، ارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا موسى قد والله استحييت من ربي مما اختلفت إليه قال : فاهبط باسم الله . قال واستيقظ وهو في مسجد الحرام " .
ورواه مسلم بعد حديث ثابت البناني أصله ، وقال نحو حديث ثابت البناني ، وقدم فيه شيئا وأخر وزاد ونقص ، وهذا السياق روايته لحديث ثابت ، قال - رحمه الله تعالى : حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه، قال فركبته حتى أتيت بيت المقدس . قال فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء . قال ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت، فجاءني جبريل - عليه السلام - بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل - عليه السلام - اخترت الفطرة . ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل فقيل : من أنت ؟ قال جبريل قيل : ومن معك ؟ قال محمد . قيل وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل - عليه السلام - ، فقيل من أنت ؟ قال جبريل ، قيل ومن معك ؟ قال محمد - صلى الله عليه وسلم . قيل وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه . ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة عيسى ابن مريم ويحيى بن زكرياء - صلوات الله عليهما وسلامه - فرحبا ودعوا لي بخير ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل : من أنت ؟ قال جبريل . قيل ومن معك ؟ قال محمد - صلى الله عليه وسلم - قيل : وقد بعث إليه ؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا فإذا أنا [ ص: 1064 ] بيوسف عليه السلام إذا هو قد أعطي شطر الحسن فرحب ودعا لي بخير . ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل - عليه السلام - ، قيل من هذا ؟ قال جبريل ، قيل ومن معك ؟ قال محمد - صلى الله عليه وسلم . قال وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه، ففتح الباب فإذا أنا بإدريس - عليه السلام - فرحب ودعا لي بخير، قال الله عز وجل ( ورفعناه مكانا عليا ) ( مريم 57 ) ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل ، قيل من هذا ؟ قال جبريل ، قيل ومن معك ؟ قال محمد - صلى الله عليه وسلم . قيل وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بهارون - عليه السلام - فرحب ودعا لي بخير . ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل - عليه السلام - وقيل من هذا ؟ قال جبريل ، قيل ومن معك ؟ قال محمد - صلى الله عليه وسلم . قيل وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه . ففتح لنا فإذا بموسى - عليه السلام - فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل فقيل من هذا ؟ قال جبريل قيل ومن معك ؟ قال محمد - صلى الله عليه وسلم - قيل وقد بعث إليه ؟ قال قد بعث إليه، ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم - عليه السلام - مسندا ظهره إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى وإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال، قال فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها، فأوحى الله إلي ما أوحى، ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنزلت إلى موسى - عليه السلام - فقال : ما فرض ربك على أمتك ؟ قلت خمسين صلاة، قال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم . قال فرجعت إلى ربي فقلت يا رب خفف عن أمتي، فحط عني خمسا، فرجعت إلى موسى فقلت حط عني خمسا، قال إن أمتك لا تطيق ذلك، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، قال فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى - عليه السلام - حتى قال : يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرا . ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا، فإن عملها كتبت سيئة واحدة . قال فنزلت حتى انتهيت إلى موسى - عليه [ ص: 1065 ] السلام - فأخبرته، فقال ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه " .
وقال البخاري - رحمه الله تعالى : باب كيف فرضت الصلاة في الإسراء ، حدثنا يحيى بن بكير قال : حدثنا الليث ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : كان أبو ذر - رضي الله عنه - يحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فرج عن سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغه في صدري، ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فخرج بي إلى السماء الدنيا فلما جئت إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء : افتح . قال : من هذا ؟ قال جبريل ، قال هل معك أحد ؟ قال نعم معي محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال أرسل إليه ؟ قال : نعم . فلما فتح علونا السماء الدنيا فإذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة، إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل يساره بكى، فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح، قلت لجبريل من هذا ؟ قال هذا آدم وهذه الأسودة عن يمينه وشماله نسم بنيه، فأهل اليمين منهم أهل الجنة والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى، حتى عرج بي إلى السماء الثانية فقال لخازنها افتح فقال له خازنها مثل ما قال الأول، ففتح . قال أنس فذكر أنه وجد في السماوات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم - صلوات الله وسلامه عليهم - ، ولم يثبت كيف منازلهم غير أنه ذكر أنه وجد آدم في السماء الدنيا وإبراهيم في السماء السادسة، قال أنس : فلما مر جبريل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بإدريس قال مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح، فقلت من هذا ؟ قال هذا إدريس ثم مررت بموسى فقال مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح قلت من هذا ؟ قال هذا موسى ، ثم مررت بعيسى فقال مرحبا بالنبي الصالح، والأخ الصالح، قلت من هذا ؟ قال هذا عيسى ، ثم مررت بإبراهيم فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح . قلت من هذا ؟ قال هذا إبراهيم - عليه السلام - . قال ابن شهاب فأخبرني [ ص: 1066 ] ابن حزم أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري كانا يقولان : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام " قال ابن حزم وأنس بن مالك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ففرض الله على أمتي خمسين صلاة، فرجعت بذلك حتى مررت على موسى فقال ما فرض الله لك على أمتك ؟ قلت فرض خمسين صلاة، قال فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعت فوضع شطرها، فرجعت إليه فقال : ارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعته فقال هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي، فرجعت إلى موسى فقال : راجع ربك، فقلت استحييت من ربي ثم انطلق بي حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى وغشيها ألوان لا أدري ما هي، ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جبال اللؤلؤ وإذا ترابها المسك . وافقه عليه مسلم ، رحمه الله تعالى .
وله عن مرة ، عن عبد الله قال : لما أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتهي به إلى سدرة المنتهى ، وهي في السماء السادسة ، إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض ، فيقبض منها ، و إليها ينتهي ما يهبط به من فوقها ، فيقبض منها ، قال : ( إذ يغشى السدرة ما يغشى ) ، ( النجم 16 ) ، قال : فراش من ذهب ، قال : فأعطي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثا : أعطي الصلوات الخمس ، وأعطي خواتيم سورة البقرة ، وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات .
وله عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربة ما كربت مثلها قط قال فرفعه الله لي أنظر إليه : ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به . الحديث .
وهذا الذي ذكرنا من حديث أنس وجابر ومالك بن صعصعة وأبي ذر وابن [ ص: 1067 ] مسعود وأبي هريرة وابن عباس وأبي حبة هي من أصح ما ورد ، وأقواه وأجوده وأسنده وأشهره وأظهره ; لاتفاق الشيخين على إخراجهما ، وعن هؤلاء روايات أخر لم نذكرها استغناء عنها بما في الصحيحين .
وفي الباب أحاديث أخر ، عن جماعة من الصحابة ، منهم من لم نذكر عمر بن الخطاب وعلي وأبو سعيد وشداد بن أوس وأبي بن كعب وعبد الرحمن بن قرظ وأبو ليلى وعبد الله بن عمرو وحذيفة وبريدة وأبو أيوب وأبو أمامة وسمرة بن جندب وأبو الحمأ وصهيب الرومي وأم هانئ وعائشة وأسماء ابنتا أبي بكر - رضي الله عنهم - أجمعين .
ثم الذي دلت عليه الآيات والأحاديث أن الإسراء والمعراج كانا يقظة لا مناما ، ولا ينافي ذلك ما ذكر في بعض الروايات في قوله - صلى الله عليه وسلم : بينا أنا نائم ، فإن ذلك عند أول ما أتياه ، ولا يدل على أنه استمر نائما ، ولذا كانت رؤيا الأنبياء وحيا ، ولكن في سياق الأحاديث من ركوبه ونزوله وربطه وصلاته وصعوده وهبوطه وغير ذلك ما يدل على أنه أسري بروحه وجسده يقظة لا مناما ، وكذا لا ينافي ذلك رواية شريك : فاستيقظت وأنا بالمسجد الحرام ، فإن رواية شريك فيها أوهام كثيرة ، تخالف رواية الجمهور ، عن أنس في أكثر من عشرة مواضع ، سردها في الفتح ، وسياقه يدل على أنه بالمعنى ، وصرح في مواضع كثيرة أنه لم يثبتها ، وتصريح الآية ( سبحان الذي أسرى بعبده ) ، ( الإسراء 1 ) شامل للروح والجسد ، وكذلك قوله تعالى في سورة النجم ( ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى ) ، ( النجم 13 ) جعل رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - لجبريل عند سدرة المنتهى ، مقابلا لرؤيته إياه في الأبطح ، وهي رؤية عين حقيقة لا مناما . ولو كان الإسراء والمعراج بروحه في المنام ، لم تكن معجزة ، ولا كان لتكذيب قريش بها ، وقولهم : كنا نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس شهرا ذهابا وشهرا إيابا ، ومحمد يزعم أنه أسري به إليه وأصبح فينا ، إلى آخر تكذيبهم واستهزائهم به - صلى الله عليه وسلم ، لو كان ذلك رؤيا مناما ، لم يستبعدوه ، ولم يكن لردهم عليه معنى ; لأن الإنسان قد يرى في منامه ما هو أبعد من بيت المقدس ، ولا يكذبه أحد استبعادا لرؤياه ، وإنما قص عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسرى حقيقة يقظة لا مناما ، فكذبوه واستهزءوا به استبعادا لذلك واستعظاما له ، مع نوع مكابرة لقلة علمهم بقدرة الله - عز وجل ، وأن الله [ ص: 1068 ] يفعل ما يريد ، ولهذا لما قالوا للصديق وأخبروه الخبر ، قال : إن كان قال ذلك ، لقد صدق . قالوا : وتصدقه بذلك ؟ قال : نعم ، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك في خبر السماء يأتيه ، يأتيه بكرة وعشيا ، أو كما قال