Hukum Tulisan Al-Quran di Dinding Masjid

Hukum menulis memasang menempelkan Tulisan kaligrafi Al-Quran di Dinding Masjid atau di luar masjid. Hukumnya adalah baik dan sunnah karena termasuk meramaikan masjid (imarat al-masjid) serta sudah dilakukan oleh para ulama sejak lama bahkan Khalifah Usman bin Affan sudah melakukan hal itu saat merenovasi masjid Nabawi.
Hukum menulis memasang menempelkan Tulisan kaligrafi Al-Quran di Dinding Masjid atau di luar masjid. Hukumnya adalah baik dan sunnah karena termasuk meramaikan masjid (imarat al-masjid) serta sudah dilakukan oleh para ulama sejak lama bahkan Khalifah Usman bin Affan sudah melakukan hal itu saat merenovasi masjid Nabawi.


Fatwa Majelis ulama Mesir Dar Al-Ifta al-Mishriyah

حكم كتابة القرآن على جدران المسجد

الســؤال
ما حكم كتابة آيات القرآن على جدران المساجد وقبابها؟ وما حكم كتابتها على الجدران في غير المساجد؟

الجـــواب
كتابة القرآن الكريم على جدران المساجد وغيرها أمر قديم في الإسلام، وهو من الأمور المستحسنة التي درج عليها المسلمون عبر القرون في مساجدهم ومعاهدهم ومعالم حضارتهم التي عمروها وشيدوها في شرق الدنيا وغربها، منذ القرون الأولى المفضلة حتى العصر الحاضر، وتفننوا من خلال ذلك في إظهار روائع الفن الإسلامي في الكتابة والزخرفة؛ حيث كانت خدمة النص هي محور الحضارة الإسلامية، ومبعث نهضتها، ومركز قوتها، وأصبحت هذه الكتابات القرآنية شاهدًا على تعظيم المسلمين لكلام الله تعالى وتقديسهم له، وتوضيحًا للمنهج الرباني الذي يتوافق فيه عالم الخلق مع عالم الأمر، ويتكامل فيه جمال الشكل مع جلال المضمون، ويُقرَأُ فيه الكون المنظور من خلال الكتاب المسطور، وتبرز فيه قداسة المعنى في روعة الحرف، ويظهر فيه عمق التاريخ وأصالة الحضارة في براعة النقش ودقة التراكيب، وتتعانق فيه المادة بالروح، وتطل فيه الشهادة على الغيب، وترتبط فيه الدنيا بالآخرة.


فروى الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ((أنَّ عثمان بن عفان رضي الله عنه غيَّر بناء مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فزاد فيه زيادة كثيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقَصَّة -وهي: الجص-، وجعل عُمُدَه من حجارة منقوشة، وسقفه بالساج.

وروى القاضي وكيع في كتاب (الطريق، ص: 364، وقد طبعه المحقق حمد الجاسر باسم كتاب "المناسك" للحربي) عن خارجة بن زيد رحمه الله تعالى -وهو أحد فقهاء المدينة السبعة- قال: قُتِل عثمانُ رضي الله عنه وقد فرغ من بنيان المسجد، وإن نِقَاشة الحجارة لعلى أبواب المسجد وقِبَابِه، فلم يزل بعد عثمان على حاله؛ لم يزد فيه أحد من الولاة، حتى كان زمان الوليد بن عبد الملك.

وأصلُ النَّقْش في اللغة: تَلوينُ الشيء بِلَوْنَيْنِ أو ألوَانٍ، والنَّمْنَمَةُ والزخرفة، كما في القاموس المحيط للعلامة الفيروز آبادي (مادة: نقش، نمنم) فهذا صريح في أن سيدنا عثمان رضي الله عنه هو أول من زخرف المسجد النبوي الشريف، وفيه ردٌّ على دعوى أنه حسَّنه بما لا يقتضي الزخرفة، كما استظهره الحافظ ابن حجر في (فتح الباري، 1/ 540، ط. دار المعرفة) وغيرُه.

ويُطلَقُ "النَّقْشُ" على الكتابة أيضًا؛ كما جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اتَّخذ خاتَمًا مِن فِضَّة، ونقش فيه: "محمد رسول الله"، وقال: «إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ وَنَقَشْتُ فِيهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ؛ فَلا يَنْقُشَنَّ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِهِ»؛ فيكون ما فعله سيدنا عثمان رضي الله عنه من بناء جدران المسجد وأعمدته بالحجارة المنقوشة -والصحابة متوافرون من غير نكير منهم- دليلًا على جواز كتابة الآيات القرآنية في المسجد.

وما فعله رضي الله عنه يُعَدُّ داخلًا في عمارة المساجد المأمور بها شرعًا؛ حيث استدل رضي الله عنه على صحة ما فعله من التجديد والتشييد والبناء بالحجارة المنقوشة بالأدلة الدالة على مشروعية بناء المساجد وعمارتها:
فروى البخاري ومسلم عن عبيد الله الخولاني أنه سمع عثمان بن عفان رضي الله عنه، عند قول الناس فيه، حين بنى مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: إنكم قد أكثرتم، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا للهِ تَعَالَى، يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ».

وقال الإمام الزركشي في (إعلام الساجد بأحكام المساجد، ص: 337، ط. وزارة الأوقاف المصرية): "وجوَّزه بعض العلماء -يعني: كتابة آية من القرآن أو شيء منه في قبلة المسجد-، وقال: لا بأس به؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: 18]، ولِمَا رُوِيَ مِن فِعل عثمان رضي الله عنه ذلك بمسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يُنْكَرْ ذلك". اهـ.

وقوله في الرواية: "عند قول الناس فيه"، وقول سيدنا عثمان لهم: "إنكم قد أكثرتم"، ليس إنكارًا منهم لخصوص بنائه بالمنقوش من الحجارة، كما احتمله الإمام البغوي في (شرح السنة، 2/ 349، ط. المكتب الإسلامي)، بل "لِمَا فيه من تغير بناء المسجد عن هيئة بنيانه في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم" كما يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي في (فتح الباري، 2/ 501، ط. دار ابن الجوزي)؛ أي: إنهم أرادوا الحفاظ على الهيئة النبوية للمسجد تبركًا بها، كما تدل عليه الرواية الأخرى في صحيح مسلم عن محمود بن لبيد رضي الله عنه في قوله: "فكره الناس ذلك؛ وأحبوا أن يَدَعَه على هيئته".

وبعد ذلك -في الصدر الأول أيضًا- قام عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى (وهو من أعلام التابعين، وكان يُلَقَّبُ بخامس الخلفاء الراشدين) بتوسعة المسجد النبوي الشريف بعد أن أمره بذلك الوليد بن عبد الملك؛ فكتب بالذهب سورةَ الفاتحة وقِصَارَ السُّوَر في قبلة مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ من سورة ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾ إلى آخر القرآن، كما رواه ابن زَبَالَةَ عن غير واحد من أهل العلم -فيما نقله عنه أبو علي بن رُسْته في (الأعلاق النفيسة، ص: 70، ط. ليدن 1891م)-، ورواه أيضًا القاضي وكيع في (الطريق، ص: 385) عن حسين بن مصعب وذكر أنه كلَّف بذلك خطَّاطًا يقال له: سعد حطبة كان مولًى لآل حُوَيْطِب بن عبد العزَّى، وحكى الحافظُ ابنُ النجار ذلك كلَّه عن أهل السِّيَر في (الدرة الثمينة في أخبار المدينة، ص: 112 - 114، ط. دار الأرقم بن أبي الأرقم)، وذكر هذه الكتابةَ أيضًا محمدُ بن إسحاق صاحب "السيرة" -كما نقله عنه ابن النديم في (الفهرست، ص: 9، ط. دار المعرفة)- غير أنه لم يذكر سورة الفاتحة وسمَّى الخطَّاطَ: خالد بن أبي الهيّاج وأنه أول من كتب المصاحف في الصدر الأول وكان موصوفًا بحسن الخط، ثم قال ابن إسحاق: "ويقال إن عمر بن عبد العزيز قال: أريد أن تكتب لي مصحفًا على هذا المثال (أي: على مثال ما كتبه في جدار قبلة مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم)، فكتب له مصحفًا تنوَّق فيه -أي: جوَّد كتابته وصنعته-، فأقبل عمر يُقَلِّبه ويستحسنه" اهـ.

وذكر أهل السِّيَر أن هذه الكتابات القرآنية ظلَّتْ على جدار قبلة المسجد النبوي الشريف حتى نقضها الحروريون، ثم أعادها عبد الملك بن محمد بن عطية السعدي حين ولي المدينة سنة ثلاثين ومائة؛ كما رواه ابنُ زَبَالةَ عن غير واحد من أهل العلم (ونقله عنه ابن رُسته في (الأعلاق النفيسة، ص: 70)، ورواه القاضي وكيع في كتاب (الطريق، ص: 386) عن حسين بن مصعب.

واعتنى أهل السِّيَر بتفصيل ذكر الكتابات القرآنية التي كانت تملأ جدران المسجد النبوي وأبوابه، من القرن الأول الهجري وهلم جَرًّا.. كما نراه عند القاضي وكيع في كتاب (الطريق، ص: 387 -395) عن أبي الحسين يحيى بن الحسن بن جعفر العلوي المؤرخ النسَّابة، وعند ابن رسته في (الأعلاق النفيسة، ص: 72 - 73) وهو يصف الكتابات القرآنية وغيرها التي رآها في حج موسم 290هـ، والتي نقلها عنهم المؤرخون للمسجد النبوي الشريف كالحافظ ابن النجار في (الدرة الثمينة، ص: 115 - 117)، والعلامة الفيروزآبادي في (المغانم المطابة في معالم طابة، ص: 166 - 170، مخطوط، فيض الله بإستانبول).

فهذا عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى يأمر بكتابة الآيات القرآنية الكريمة بالذهب على جدار قبلة المسجد النبوي الشريف وتعجبه كتابة الخطَّاط حتى يطلب منه أن يكتب له مصحفًا على مثال ما كتب على المسجد. ولم يَرِدْ عن أحد من الأئمة والعلماء من الصحابة أو التابعين أنه أنكر ذلك أو سعى في محوه أو تغييره، وقد كان الزوَّار والحجيج من العلماء وغيرهم، سلفًا وخلفًا، يقصدون المسجد النبوي لزيارة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم والسلام عليه والصلاة في مسجده، ولم ينكر ذلك أحدٌ منهم، وذلك على اختلاف العصور إلى عصرنا هذا، ولم يتسلط على إزالة هذه الكتابات القرآنية غير الخوارج الحرورية، ثم أعيدت الكتابة بعد ذلك،-كما سبق إيراد الرواية به-، ولا زالت الكتابات البديعة والتراكيب الخطية الرائعة على جدران المسجد النبوي الشريف، والمسجد الحرام، والكعبة المشرفة، والمسجد الأقصى، وغيرها من مساجد المسلمين التي تملأ شرق الدنيا وغربها، على ممر الأعصار في شتى الأمصار، خيرَ شاهد على جريان العمل بذلك في الأمة من غير نكير.

قال الإمام القرطبي في (الجامع لأحكام القرآن، 21/ 267، ط. دار الكتب المصرية): "ورُوِيَ عن عمر بن عبد العزيز أنه نقش مسجد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وبالغ في عمارته وتزيينه، وذلك في زمن ولايته قبل خلافته، ولم ينكر عليه أحدٌ ذلك". اهـ.
وبمثل ذلك احتج الإمام التقي السبكي على جواز تذهيب الكعبة وفرشها بالرخام؛ حيث يقول في رسالته (تنزل السكينة على قناديل المدينة - المطبوعة ضمن فتاواه، 1/ 268 - 269، ط. دار المعرفة): "وقد قيل: إن أول مَن ذهَّب البيتَ في الإسلام: الوليد بن عبد الملك.. وأول من فرشها بالرخام: الوليد بن عبد الملك، ولمّا عمل الوليد ذلك كانت أئمة الإسلام من التابعين موجودين وبقايا الصحابة، ولم يُنْقَلْ لنا عن أحد منهم أنه أنكر ذلك، ثم جميع علماء الإسلام والصالحون وسائر المسلمين يحجون ويبصرون ذلك ولا ينكرون على ممر الأعصار". اهـ.
وأما دعوى أن كثيرًا من أهل العلم سكتوا عن إنكار ما فعله عمر بن العزيز بالمسجد النبوي من زخرفته وكتابة الآيات القرآنية عليه خوفَ الفتنة؛ كما قاله الحافظ ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري، 1/ 540): فدعوى غير سديدة؛ لأن خوف الفتنة إنما يُتَصَوَّر في إنكار ما للولاة فيه غرض يتعلق بسلطانهم وملكهم، أما هذا فلا.

قال الإمام التقي السبكي في (تنزل السكينة، 1/ 270): "وقد تولى عمر بن عبد العزيز عمارة مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الوليد، وذهَّب سقفه، وإنْ قيل: إن ذلك امتثال أمر الوليد، فأقول: إن الوليد وأمثاله من الملوك إنما تصعب مخالفتهم فيما لهم فيه غرض يتعلق بملكهم ونحوه، أما مثل هذا -وفيه توفيرٌ عليهم في أموالهم- فلا تصعبُ مُراجعتُهم فيه؛ فسكوت عمر بن عبد العزيز وأمثاله وأكبر منه؛ مثل سعيد بن المسيب، وبقية فقهاء المدينة، وغيرها: دليلٌ لجواز ذلك". اهـ.

ولم يكن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى يصدر في أفعاله قبل أن يصبح واليًا على المدينة المنورة وبعدما وَلِيَها إلا عن آراء أهل العلم بها؛ كسعيد بن المسيب وغيره من فقهاء المدينة السبعة، بل إنه حمَّلهم الإثم إن رأَوْا تعدِّيًا ولم يخبروه، فلا تُتَصَوَّر الفتنةُ بالإنكار عليه بالحق:
قال الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه: "كان عُمَر بن عبد العزيز بالمدينة قبل أن يُستَخْلَف وهو يُعْنَى بالعلم ويحفر عنه ويجالس أهله، ويصدر عن رأي سَعِيد بن المُسَيَّب، وكان سَعِيد لا يأتي أحدًا من الأمراء غير عُمَر، أرسل إليه عَبد المَلِك فلم يأته، وأرسل إليه عُمَر فأتاه، وكان عُمَر يكتب إلى سَعِيد في علمه". اهـ من (تهذيب الكمال" للحافظ أبي الحجاج المزي، 21/ 438، ط. مؤسسة الرسالة).

وروى ابن سعد في (الطبقات الكبرى، 5/ 334، ط. دار صادر) عن عبد الله بن ذكوان رحمه الله قال: لما قدم عمر بن عبد العزيز المدينة واليًا عليها كفَّ -في الطبقات: كتب، والتصحيح من تهذيب الكمال- حاجبه الناس, ثم دخلوا, فسلموا عليه, فلما صلى الظهر دعا عشرة نفر من فقهاء البلد: عروة بن الزبير, وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة, وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث, وأبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة, وسليمان بن يسار, والقاسم بن محمد, وسالم بن عبد الله, وعبد الله بن عبد الله بن عمر, وعبد الله بن عامر بن ربيعة, وخارجة بن زيد بن ثابت, فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله, ثم قال: إني دعوتكم لأمر تُؤْجَرُونَ عليه, وتكونون فيه أعوانًا على الحق؛ ما أريد أن أقطع أمرًا إلا برأيكم أو برأي مَن حضر منكم, فإن رأيتم أحدًا يتعدَّى أو بلغكم عن عامل لي ظُلامَةٌ فأحرج بالله على أحد بلغه ذلك إلا أبلغني. فجزَّوْهُ خيرًا وافترقوا.

بل جاء في السِّيَر: أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله لمَّا وصل في تشييد المسجد النبوي الشريف إلى خصوص جدار القبلة لم يشأ أن يقطع بها أمرًا دون مشايخ أهل المدينة، فجمعهم ليحضروا تشييدها، فروى ابنُ زبالة عن محمد بن عمار عن جدِّه قال: "لمَّا صار عمر بن عبد العزيز إلى جدار القبلة دعا مشيخة من أهل المدينة من قريش والأنصار والعرب والموالي فقال لهم: "تعالوا إليَّ! احضروا بنيان قبلتكم! لا تقولوا غيَّر عمرُ قبلتنا" فجعل لا ينزع حجرًا إلا وضع مكانه حجرًا". اهـ. نقلًا عن العلامة نور الدين السمهودي في (وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى، 2/ 271، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي).

ولم يكن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى ليعرض عن قبول الحق إذا روجع فيه، فقد كان أتبع الناس للسنة؛ فروى البخاري في (التاريخ الكبير، 6/ 175) عن أيوب السختياني قال: "لا نعلم أحدًا ممن أدركنا كان آخَذَ عن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم منه". اهـ.

وحينئذ فدعوى أن كثيرًا من أهل العلم سكتوا عن إنكار كتابة القرآن الكريم في قبلة مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم مخافةَ الفتنة: غيرُ سديدة.

وكذلك الحال في الكعبة المشرفة؛ فقد تتابع المسلمون جيلًا بعد جيل، من غير نكير، على تطريز كسوتها وبابها بالآيات القرآنية بالذهب وغيره، ووصف الأزرقي (ت 250هـ) باب الكعبة في (أخبار مكة، 1/ 244، ط. مكتبة الثقافة الدينية)؛ فذكر أنه كان مكتوبًا عليه: "بسم الله الرحمن الرحيم" ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: 149] "محمد رسول الله".

بل نقل الإمام تقي الدين السبكي رضي الله عنه إجماع المسلمين على ذلك، فقال في رسالته (تنزل السكينة على قناديل المدينة، 1/ 276): "وأما تذهيب الكعبة: فإن الوليد بن عبد الملك بعث إلى خالد بن عبد الله والي مكة ستة وثلاثين ألف دينار وجعلها على بابها والميزاب والأساطين والأركان، وذكر في "الرعاية" عن أحمد: أن المسجد يُصان عن الزخرفة، وهم محجوجون بما ذكرناه من إجماع المسلمين في الكعبة، ذكر ذلك صاحب "الطراز" من المالكية". اهـ.

وقد نص بعض العلماء والمُحَدِّثين من السلف والخلف على جواز كتابة الآيات القرآنية على جدران المساجد:
فأخرج الحافظ أبو بكر بن أبي شيبة في "المصنف" عن عطاء بن أبي رباح -وكان مرجع أهل زمانه في الفتوى في بلد الله الحرام، وقد أدرك مائتين من الصحابة- أنه سُئِلَ عن المسجد يُكتَبُ في قبلته مِن القرآن، فلم يَرَ به بأسًا، وبوَّب على ذلك بقوله: "الكتاب في المسجد من القرآن أو غيره".

وأخرج ابن الجوزي الحنبلي في كتاب (التبصرة، 1/ 386، ط. دار الكتب العلمية) عن أحمد بن سعيد الدارمي قال: صلى أبو زرعة الرازي -وكان إمام أهل عصره في الحديث- في مسجده عشرين سنة بعد قدومه من السفر، فلما كان يوم من الأيام قدم عليه قوم من أصحاب الحديث، فنظروا فإذا في محرابه كتابةٌ، فقالوا له: كيف تقول في الكتابة في المحاريب؟ فقال: "قد كرهه قوم ممن مضى"، فقالوا له: هو ذا في محرابك كتابة! أما عَلِمْتَ به! فقال: "سبحان الله! رجل يدخل على الله تعالى ويدري ما بين يديه؟!".

كما نص كثير من الفقهاء على جواز زخرفة المساجد ونقشها، وعدّوا ذلك من تعظيمها وإعلاء شأنها، وامتثالًا للأمر الشرعي برفعها وعمارتها وتشييدها، نحو ما جاء في قوله تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ [النور: 36]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: 18]،وهذا يتضمن كتابة الآيات القرآنية الكريمة على جدرانها.ولا يخفى أن الاستدلال بهذه النصوص يقتضي استحباب ذلك والحثَّ عليه شرعًا، لا مجرد إباحة فعله وجواز الإقدام عليه.

يقول الإمام السرخسي الحنفي في (المبسوط، 30/ 245 - 246، ط. دار الفكر): "قال: ولا بأس أن ينقش المسجد بالجص والساج وماء الذهب، قال رضي الله عنه: وكان شيخنا الإمام رضي الله عنه يقول: تحت اللفظ إشارة إلى أنه لا يثاب على ذلك؛ فإنه قال: لا بأس، وهذا اللفظ لرفع الحرج لا لإيجاب الثواب معناه: يكفيه أن ينجو من هذا رأسا برأس، وهو المذهب عند الفقهاء رحمهم الله.

وأصحاب الظواهر يكرهون ذلك ويُؤَنِّبون مَن فَعَله، قالوا: لأن فيه مخالفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخبر من الطريقة؛ فإنه لما قيل له: ألا نهد مسجدك ثم نبنيه؟ فقال: «لَا، عَرْشٌ كَعَرْشِ مُوسَى» أو قال: «عَرْشٌ كَعَرْشِ مُوسَى»، وكان سقف مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من جريد فكان ينكشف إذا مطروا حتى كانوا يسجدون في الماء والطين، وعن علي رضي الله عنه أنه مر بمسجد مزيَّن مزخرف فجعل يقول: "لمن هذه البِيَع؟" وإنما قال ذلك لكراهيته هذا الصنع في المساجد، ولما بعث الوليد بن عبد الملك أربعين ألف دينار ليزين بها مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمر بها على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فقال: "المساكين أحوج إلى هذا المال من الأساطين"، والأصل فيه ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ تُزَخْرَفَ الْمَسَاجِدُ وَتُعْلَى الْمَنَارَاتُ وَقُلُوبُهُمْ خَاوِيَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ».

ولكنا نقول: لا بأس بذلك؛ لما فيه من تكثير الجماعة، وتحريض الناس على الاعتكاف في المسجد، والجلوس فيه لانتظار الصلاة، وفي كل ذلك قربة وطاعة، والأعمال بالنيات.

ثم الدليل على أنه لا بأس بذلك: ما رُوِيَ أنّ أول من بنى مسجد بيت المقدس داود عليه السلام، ثم أتمه سليمان عليه السلام بعده، وزينه حتى نصب على رأس القبة الكبريت الأحمر وكان أعز وأنفس شيء وجد في ذلك الوقت؛ فكان يضيء مِن ميل، وكن الغزالات يبصرن ضوءه بالليالي من مسافة ميل، والعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أول من زين المسجد الحرام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه زين مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزاد فيه، وكذلك عثمان رضي الله عنه بعده بنى المسجد بماله وزاد فيه وبالغ في تزيينه، فدل أن ذلك لا بأس به، وأن تأويل ما رُوِيَ بخلاف هذا ما أشار إليه في آخر الحديث:«وَقُلُوبُهُمْ خَاوِيَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ» أي: يزينون المساجد ولا يداومون على إقامة الصلاة فيها بالجماعة، والمراد: التزين بما ليس بطيب من الأموال، أو على قصد الرياء والسمعة؛ فعلى بعض ذلك يُحمَل ليكون جمعًا بين الآثار.

وهذا كله إذا فعل المرء هذا بمال نفسه مما اكتسب من حله، فأما إذا فعله بمال المسجد فهو آثم في ذلك، وإنما يُفْعَل بمال المسجد ما يكون فيه إحكام البناء، فأما التزين فليس من أحكام البناء في شيء، حتى قال مشايخنا رحمهم الله: للمتولي أن يجصص الحائط بمال المسجد، وليس له أن ينقش الجص بمال المسجد، ولو فعله كان ضامنًا; لأن في التجصيص إحكام البناء، وفي النقش على الجص تزيين البناء لا إحكامه، فيضمن المتولي ما ينفق على ذلك من مال المسجد، قال: "ألا ترى أن الرجل قد يبني لنفسه دارًا وينقش سقفها بماء الذهب فلا يكون آثمًا في ذلك؟" يريد به: أن فيما ينفق على ذلك للتزين يقصد به منفعة نفسه خاصة، وفيما ينفق على المسجد للتزين منفعته ومنفعة غيره، فإذا جاز له أن يصرف ماله إلى منفعة نفسه بهذا الطريق فلأن يجوز صرفه إلى منفعته ومنفعة غيره كان أولى.

وقد أُمِرْنا في المساجد بالتعظيم، ولا شك أن معنى التعظيم يزداد بالتزيين في قلوب بعض الناس من العوام، فيمكن أن يقال بهذا الطريق: يؤجر هو على ما فعله، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يُثَابُ الْمُؤْمِنُ عَلَى إِنْفَاقِ مَالِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا فِي الْبُنْيَانِ»، زاد في بعض الروايات: «مَا خَلَا الْمَسَاجِدَ»، فإن ثبتت هذه الزيادة فهو دليل على أنه يثاب فيما ينفق في بناء المسجد وتزيينه" اهـ.

وفي تفسير قوله تعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ [النور: 36] يقول الإمام القرطبي في "تفسيره" (21/ 266 - 267، ط. دار الكتب المصرية): "(أَذِنَ) معناه أمر وقضى، وحقيقة الإذن: العلم والتمكين دون حظر؛ فإن اقترن بذلك أمر وإنفاذ كان أقوى. و(تُرْفَعَ) قيل: معناه تُبْنَى وتُعْلى؛ قاله مجاهد وعكرمة. ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ﴾ [البقرة: 127]. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا مِنْ مَالِهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ»، وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة تحض على بنيان المساجد.. ثم قال: إذا قلنا: إن المراد: بنيانها، فهل تُزَيَّنُ وتُنْقَش؟ اختُلف في ذلك؛ فكرهه قوم وأباحه آخرون.. احتجَّ من أباح ذلك بأن فيه تعظيمَ المساجد، والله تعالى أمر بتعظيمها في قوله: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ﴾ يعني: تُعَظَّم.

ورُوِيَ عن عثمان رضي الله عنه: أنه بنى مسجد النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم بالسَّاج وحسَّنه. قال أبو حنيفة: لا بأس بنقش المساجد بماء الذهب. ورُوِيَ عن عمر بن عبد العزيز أنه نقش مسجد النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وبالغ في عمارته وتزيينه، وذلك في زمن ولايته قبل خلافته، ولم ينكر عليه أحد ذلك. وذُكِرَ أن الوليد بن عبد الملك أنفق في عمارة مسجد دمشق وفي تزيينه مثل خراج الشام ثلاث مرات. ورُوِيَ أن سليمان بن داود عليهما السلام بنى مسجد بيت المقدس وبالغ في تزيينه". اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري، 1/ 541): "ورخَّص في ذلك -يعني: في زخرفة المساجد- بعضُهم، وهو قول أبي حنيفة إذا وقع ذلك على سبيل التعظيم للمساجد ولم يقع الصرف على ذلك من بيت المال". اهـ.

وقال الشوكاني في (نيل الأوطار، 2/ 175، ط. دار الحديث): "وقد رُوِيَ عن أبي حنيفة الترخيصُ في ذلك، ورُوِيَ عن أبي طالب أنه لا كراهة في تزيين المحراب، وقال المنصور بالله: إنه يجوز في جميع المسجد" اهـ.

وأما الأحاديث النبوية التي أخبر فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن زخرفة المساجد وتزيينها من أشراط الساعة فلا تدل على كراهية الزخرفة أو تحريمها، وإنما هي محمولة على الاهتمام بالشكل على حساب المضمون، وتعمير الظاهر مع تدمير الباطن؛ كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَأْتِي عَلَى أُمَّتِي زَمَانٌ يَتَبَاهَوْنَ بِالْمَسَاجِدِ وَلاَ يَعْمُرُونَهَا إِلَّا قَلِيلًا» رواه أبو يعلى وابن خزيمة في "صحيحه"، وكما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَا ابْنَ مَسْعُودٍ! إِنَّ مِنْ أَعْلَامِ السَّاعَةِ وَأَشْرَاطِهَا أَنْ تُزَخْرَفَ الْمَحَارِيبُ وَأَنْ تُخْرَبَ الْقُلُوبُ» رواه الطبراني في "المعجم الكبير" و"الأوسط".

وقد نص العلماء على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أخبر بشيء أنه من أشراط الساعة فلا يلزم من ذلك ذمُّه، ولا يدل بمجرده على التحريم:
قال الإمام النووي في (شرح صحيح مسلم، 1/ 159، ط. دار إحياء التراث العربي): "ليس كلُّ ما أخبر صلى الله عليه وآله وسلم بكونه من علامات الساعة يكون محرمًا أو مذمومًا؛ فإن تطاولَ الرعاء في البنيان وفُشُوَّ المال وكونَ خمسين امرأة لهنَّ قَيِّمٌ واحد: ليس بحرام بلا شك، وإنما هذه علاماتٌ، والعلامة لا يُشتَرَطُ فيها شيءٌ من ذلك، بل تكون بالخير والشر، والمباح والمحرم، والواجب وغيره، والله أعلم". اهـ.

وقال الإمام المناوي في (فيض القدير شرح الجامع الصغير، 6/ 12، ط. دار الكتب العلمية): "وما كل علامة على قرب الساعة تكون مذمومة، بل ذكر لها أمورًا ذمَّها كارتفاع الأمانة، وأمورًا حمدها كزخرفة المساجد، وأمورًا لا تُحْمَدُ ولا تُذَمُّ كنزول عيسى؛ فليس أشراط الساعة من الأمور المذمومة". اهـ.
كما أن الأعراف قد تغيرت؛ فتنافس الناس في تزويق بيوتهم، وتفننوا في زخرفتها ونقشها، فاقتضى ذلك مع قوله تعالى: ﴿أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ﴾ أنه يجوز بل يستحب تزويقها، لتكون مرفوعةً كما أذن الله تعالى، ومُعَظَّمةً على البيوت المزوقة، وإلا كانت دونَها وغير مرفوعة عليها، ولا يليق أن تكون المساجد أقل شأنًا من المنازل، ولو سُلِّم بدلالة هذه الأحاديث على النهي فذلك مخصوص بالوقت الذي كانت فيه البيوت غير مزوقة ولا منمقة، فكانت المساجد مرفوعة عليها ولو بدون تزويق، فلما انقلب الحال وتبدل العرف وجب أن يتغير الحكم عملًا بالدليلين؛ فإن الجمع بين النصين مُقَدَّمٌ على إهمال أحدهما، والنصوص الشرعية التي أخبرت بأن زخرفة المساجد من أشراط الساعة أخبرت أيضًا بأن منها أن يتطاول الناس في البنيان، فمتى ما أصبحت الزخرفة سمة عامة على أعراف الناس وجب أن لا يُقصَّر بالمساجد عن ذلك؛ من غير مبالغة ولا إفراط. هذا فضلًا عن أن التزويق قد أصبح في عرف كثير من الناس علامةً على التعظيم ورمزًا للتقديس، وهو في ذات الوقت رمز للحضارة وعمارة الدنيا التي أقام الله فيها عباده؛ كما قال: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود: 61]؛ أي: طلب منكم عمارها:
ولذلك لمَّا بلغ عمرَ بن عبد العزيز رحمه الله تعالى أن بطريقًا عظيمًا هاله منظر المسجد الأموي بدمشق لمَّا رآه وعجب من زخرفته وعظمة بنائه: رجع عما كان ينتويه من نزع فسيفسائه وذهبه لإدخال ثمنه لبيت المال، ونزع رقعة الستور التي كان أمر بوضعها على زخرفته، وقال: "لا أرى مسجد دمشق إلا غيظًا للكفار". رواه سعيد بن عُفَيْرٍ في "تاريخه"، وذكره الإمام الطرطوشي في (الحوادث والبدع، ص: 106 - 107، ط. دار ابن الجوزي).

وهذا المعنى ملحوظ في الحوار الذي تم بين سيدنا عمر بن الخطاب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وقد ساقه المؤرخ ابن خلدون في (مقدمة التاريخ، 1/ 203، ط. دار إحياء التراث العربي) فقال: "لَمَّا لَقِيَ معاويةُ عمرَ بن الخطاب رضي الله عنهما عند قدومه إلى الشام في أبهة الملك وزِيِّه مِن العَدِيد والعدة استنكر ذلك وقال: "أكسروية يا معاوية؟"، فقال: يا أمير المؤمنين! إنَّا في ثغر تجاه العدو، وبنا إلى مباهاتهم بزينة الحرب والجهاد حاجةٌ، فسكت ولم يُخَطِّئْه لَمَّا احتجَّ عليه بمقصد من مقاصد الحق والدين، فلو كان القصدُ رفضَ الملك من أصله لم يُقْنِعْه الجوابُ في تلك الكسروية وانتحالها، بل كان يُحَرِّضُ على خروجه عنها بالجملة، وإنما أراد عمر بالكسروية: ما كان عليه أهل فارس في ملكهم من ارتكاب الباطل والظلم والبغي وسلوك سبله والغفلة عن الله، وأجابه معاوية بأن القصد بذلك ليس كسرويةَ فارس وباطلهم، وإنما قصدُه بها وجهُ الله، فسكت". اهـ.

وقال العلامة بدر الدين بنُ المُنَيِّر المالكي -كما نقله العلامة الدماميني في شرح صحيح البخاري "مصابيح الجامع"-: "فإن قلت: إذا كان تشييدُ المساجد وتحميرُها وتصفيرُها منهيًّا عنه، فكيف تُنَفَّذُ الوصيةُ به؟ وماذا تقول في المسجد الشريف وقد حدث فيه ما حدث من الانهدام، هل كان الأولى أن يعاد بالتشييد؟ أو كما كان باللبن والعريش؟ قلت: قد حدث عند الناس مؤمنهم وكافرهم تشييدُ بيوتهم وتزيينها، ولم يمكن أن يُمنَعوا من ذلك، فكانت بيوت الله أولى بذلك؛ لأنا لو بنينا مساجدنا باللبن وسقفناها بالسعف وجعلناها بين الدور المشيدة -ولعلها لأهل الذمة- لكانت الاستهانة ظاهرة، فحدث للناس فتاوى بقدر ما أحدثوا، ولو أن المسجد الشريف أعيد بالطين والسعف، وشيدت المدينة إلى جانبه لكان ذلك إهمالًا من المسلمين، فالذي اختاره الله الآن للمسلمين خير إن شاء الله، ولو عاد الزمان لِمَا كان عليه لَعَاد المسجد إلى ما يناسب حال القوم من التواضع والتقنع". اهـ، وقال -كما نقله الشيخ عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي في ترجمة والده "تحفة الأكابر بترجمة الشيخ عبد القادر"-: "كان ذلك قبل التأنق في البناء، وحيث تأنق الناس في غير المساجد فيكون عدمُ التأنق فيها إهانةً لها وحطًّا وسقوطًا من الأعين، فالواجب جعلُها من جنس غيرها، وترفيعُها وتحسينُها بأكثر من بيوت السُّكْنَى إن أمكن". اهـ نقلًا عن كتاب (تشنيف الآذان للحافظ السيد أحمد بن الصِّدِّيق الغماري، ص: 151، 154، ط. دار جوامع الكلم)، ونقله الحافظ ابن حجر مختصرًا في (فتح الباري، 1/ 541).

وقال الإمام الزركشي في (إعلام الساجد، ص: 336): "قال البغوي: ومن زوَّق مسجدًا -أي: تبرعًا- لا يُعَدُّ من المناكير التي يبالغ فيها كسائر المنكرات؛ لأنه يفعله تعظيمًا لشعائر الإسلام، وقد سامح فيه بعض العلماء، وأباحه بعضهم". اهـ.

وقد وضع فقهاء المذاهب الفقهية بعض الضوابط لكتابة الآيات القرآنية على جدران المساجد ومحاريبها، ونصُّوا على كراهيتها عند احتمال حصول هذه المحاذير، وهذا يقتضي انتفاء الكراهة بانتفائها؛ ضرورةَ أن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، بل صرَّح كثير منهم بذلك بمشروعيتها عندئذٍ:
فعند الحنفية:
جاء في (الفتاوى الهندية، 1/ 109، ط. دار الفكر): "وليس بمُستَحْسَنٍ كتابةُ القرآن على المحاريب والجدران؛ لِمَا يُخاف من سقوط الكتابة وأن تُوطَأ" اهـ.

وفيها أيضًا (5/ 323): "ولو كُتِبَ القرآنُ على الحيطان والجدران: بعضهم قالوا: يُرْجَى أن يجوز، وبعضهم كرهوا ذلك مخافةَ السقوط تحت أقدام الناس. كذا في فتاوى قاضي خان". اهـ.

وقال الإمام الحصكفي الحنفي في (الدر المختار، 1/ 658، ط. دار الفكر): "(ولا بأس بنقشه خلا محرابه) فإنه يُكرَه؛ لأنه يُلهِي المُصَلِّي، ويُكرَهُ التكلف بدقائق النقوش ونحوها خصوصًا في جدار القبلة، قاله الحلبي، وفي حظر "المجتبى": وقيل يكره في المحراب دون السقف والمؤخر". اهـ.

وقال العلامة ابن عابدين في "حاشيته على الدر المختار" (2/ 246 - 247، ط. دار الفكر): "عن "الفتح": أنه تُكْرَه كتابةُ القرآن وأسماء الله تعالى على الدراهم والمحاريب والجدران وما يُفْرَشُ؛ وما ذاك إلا لاحترامه وخشية وطئه ونحوه مما فيه إهانة". اهـ.

فالكراهة عند الحنفية معللة بشيئين: أولهما: كون الكتابة ملهية للمصلي، فإن كانت غير ملهية انتفت الكراهة، وثانيهما: كون الكتابة مَظِنَّةَ السقوط؛ لِمَا للآيات القرآنية من الحرمة التي يجب معها صونها عن كل مظاهر الامتهان، وهو يقتضي أن كتابتها بإحكام وإتقان، بحيث لا تكون مَظِنّةَ السقوط أو الامتهان: لا كراهةَ فيه فضلًا عن التحريم.
وعند المالكية:
نقل الإمام الفقيه أبو علي سند بن عنان المالكي (ت541هـ) صاحب كتاب "الطراز" الذي شرح به "المدونة" في ثلاثين سفرًا: إجماع المسلمين على مشروعية تذهيب الكعبة، نقله عنه الإمام التقي السبكي في (تنزل السكينة، 1/ 276).

وقال العلامة ابن رشد المالكي في (البيان والتحصيل، 1/ 270، ط. دار الغرب الإسلامي): "وكره في أول سماع موسى أن يكتب في قبلة المسجد بالصبغ آية الكرسي أو غير ذلك من القرآن لهذه العلة. ولابن نافع وابن وهب في "المبسوطة": إجازة تزيين المساجد وتزويقها بالشيء الخفيف، ومثل الكتاب في قبلتها، ما لم يكثر ذلك حتى يكون مما نُهِيَ عنه من زخرفة المساجد". اهـ.

وقال الإمام البرزلي المالكي في "فتاويه" (1/ 356، ط. دار الغرب الإسلامي): "وكراهة الكَتْب والتزويق لقبلته، وفي سماع ابن القاسم: كره الناس تزويق القبلة حين جُعل بالذهب؛ لأنه يشغل المصلين، ابن رشد: لابن نافع وابن وهب جواز تزويق المساجد بما خفَّ والكَتْب في قبلتها.. وظاهر الرواية عندنا أنه مكروه تزويق المساجد بالذهب؛ لأنها تشغل المصلي، فلو كانت حيث لا تشغله: فظاهر أنها جائزة، وقد رأيت ذلك في جامع القيروان، ومرَّت عليه قرون ولم يُسمَعْ فيه من ينكر، وكذا هو في جامع الزيتونة، غير أن بعضه بين يدي الإمام، فقال لي شيخنا الإمام: إن الولاة هم الذين وضعوه، وجُدِّدَ في وقت إمامته به، وسكت عنه لكونه -والله أعلم- مكروهًا". اهـ.

قال العلامة الخرشي بعد أن نقل كلام الإمام البرزلي في "شرحه على مختصر خليل" (1/ 101، ط. دار الفكر): "والظاهر أن هذا هو المُعوَّل عليه". اهـ.

وقال العلامة الدسوقي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 65، ط. دار إحياء الكتب العربية): "واعلم أن تزويق الحيطان والسقف والخشب والساتر بالذهب والفضة جائز في البيوت، وفي المساجد مكروه إذا كان بحيث يشغل المصلي، وإلا فلا". اهـ.

فكراهية الكتابة عند المالكية منوطة بكونها مُلْهِيَةً للمُصَلِّين عن صلاتهم، فإن كانت بحيث لا تشغلهم ولا تلهيهم فالمعوَّل عليه عندهم أنها جائزة حتى لو كانت في القبلة أو مِن الذهب.

وعند الشافعية:
قال الإمام التقي السبكي في (الفتاوى، 1/ 276 - 277): "وأما تذهيبُ الكعبة: فإن الوليد بن عبد الملك بعث إلى خالد بن عبد الله والي مكة ستة وثلاثين ألف دينار وجعلها على بابها والميزاب والأساطين والأركان، وذكر في "الرعاية" عن أحمد: أن المسجد يصان عن الزخرفة، وهم محجوجون بما ذكرناه من إجماع المسلمين في الكعبة، ذكر ذلك صاحب "الطراز" من المالكية..

فإن قلتَ: قد قال المتولي من الشافعية: لو وقف على تجصيص المسجد وتلوينه ونقشه هل يجوز؟ على وجهين: أحدهما: يجوز؛ لأن فيه تعظيم المسجد وإعزازَ الدين. والثاني: لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر تزيين المساجد في أشراط الساعة، وألحقه بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

قلتُ: أما كونه من أشراط الساعة فلا يدل على التحريم، وأما كونه ألحقه بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فالذي ورد: «لَتُزَخْرِفُنَّهَا ثُمَّ لَا تَعْمُرُونَها إلَّا قَلِيلًا»؛ فالمذموم: عدم العمارة بالعبادة، أو الجمعُ بينه وبين الزخرفة، أو الزخرفة الملهية عن الصلاة؛ فهي المكروهة، أما التجصيص: ففيه تحسين للمساجد، وقد فعله الصحابة: عثمان رضي الله عنه فمن بعده، ولا شك أن بناء المساجد من أفضل القُرَب، وتحسينها من باب اختيار الأعمال الصالحة؛ فهو صفة القُرْبة، وقد رآه المسلمون حسنًا، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن"؛ فكل ذلك حسنٌ، ولا يكره منه إلا ما يشغل خواطر المصلين؛ فلا شك أن يُكرَه كراهةَ تنزيهٍ لا تحريم". اهـ.

وقال الإمام الزركشي في (إعلام الساجد، ص: 336): "قال البغوي في "شرح السنة": لا يجوز تنقيش المسجد بما لا إحكام فيه. وقال في "الفتاوى": فإن كان فيه إحكام فلا بأس؛ فإن عثمان رضي الله عنه بنى المسجد بالقَصَّة والحجارة المنقوشة. قال البغوي: ومن زوَّق مسجدًا -أي: تبرعًا- لا يُعَدُّ من المناكير التي يبالغ فيها كسائر المنكرات؛ لأنه يفعله تعظيمًا لشعائر الإسلام، وقد سامح فيه بعض العلماء، وأباحه بعضهم". اهـ.
وقال أيضًا (ص: 337): "ويُكرَه أن يَكتب في قبلة المسجد آية من القرآن أو شيئًا منه، قاله مالك، وجوَّزه بعض العلماء، وقال: لا بأس به؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: 18]، ولِمَا مِن فعل عثمان ذلك بمسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يُنْكَر ذلك". اهـ.

فالأمر واسع عند الشافعية ما دام الغرضُ تعظيمَ شعائر الإسلام، والنهي مُعلَّلٌ بافتقاد الإحكام في الكتابة بحيث تكون عُرْضَةً للاستهانة بها، أو بشغل خاطر المصلي، فإن انتفى ذلك فلا كراهة ولا تحريم.
وعند الحنابلة:
يقول العلامة البهوتي الحنبلي في (كشاف القناع، 2/ 366، ط. دار الكتب العلمية): "(ويُكْرَه) أن يُزَخرَف المسجدُ (بنقش وصبغ وكتابة وغير ذلك مما يلهي المصلي عن صلاته غالبًا)" اهـ. وهذا يقتضي أيضًا أن ذلك إذا كان بحيث لا يُلهي المصلي فلا كراهة.

ومن العلماء من لا يرى كراهةً في كتابة الآيات القرآنية على قبلة المسجد أصلًا، كما سبق عن عطاء رحمه الله، وعليه جرى العمل كما فعله عمر بن عبد العزيز رحمه الله في المسجد النبوي الشريف، وأن ذلك ليس من شأنه أن يشغل المصلي أصلًا؛ لأن في الصلاة شغلًا عما عداها؛ كما سبق عن أبي زرعة في قوله: "سبحان الله! رجل يدخل على الله تعالى ويدري ما بين يديه؟!"، والأصل في نظر المصلي أن يكون إلى موضع سجوده كما هو مذهب الجمهور.

وإذا كُتِبَت الآيات القرآنية على جدران المساجد بإحكام وإتقان فلا يسوغ نقضها حتى على القول بالكراهة؛ لأنها إنما فُعِلَت لتعظيم شعائر الله، وصارت مما اعتاد الناس على وجوده في المساجد، وأصبحت في كثير من الأعراف مرتبطة بها، وشعارًا في نفوس العامة على التعظيم ورمزًا للقدسية، وفي ذلك يقول الإمام التقي السبكي الشافعي في (تنزل السكينة، 1/ 271): "ولْيُتَنَبَّهْ هنا لفائدة: وهي أن الكعبة بناها إبراهيم عليه أفضل الصلاة والسلام ولم تكن تُكْسَى مِن زمانه إلى زمان تُبَّعٍ اليماني فهو أول من كساها على الصحيح، وقيل إن إسماعيل عليه السلام كساها، ففي تلك المُدَد لا نقول إن كسوتها كانت واجبة؛ لأنها لو كانت واجبة لمَا تركها الأنبياءُ عليهم السلام، ولكن لمَّا كساها تُبَّعٌ وكان من الأفعال الحسنة واستمر ذلك كان شعارًا لها وصار حقًّا لها وقُربةً وواجبًا؛ لئلا يكون في إزالته تنقيصٌ من حرمتها، فيُقاس عليه إزالةُ ما فيها -والعياذ بالله- من صفائح الذهب والرخام ونحوه، ونقول: إنه تحرم إزالته، ولا يمتنع أن يكون ابتداء الشيء غيرَ واجب واستدامته واجبة". اهـ.

وعلى ذلك: فكتابة الآيات القرآنية على جدران المساجد من الأمور المشروعة في الإسلام، وهو أمر جرى عليه عمل المسلمين منذ القرون الأولى، وتفننوا فيه، وعدوه تعظيمًا لشعائر الله تعالى، وامتثالًا للأوامر الإلهية بعمارة المساجد ورفعها وتشييدها، وذلك يتأكد في العصر الحاضر الذي صار النقش والتزيين فيه رمزًا للتقديس والتعظيم، وشيد الناس فيه بيوتهم ومنتدياتهم بكل غالٍ ونفيس. وقد جعل الفقهاء لهذه الكتابة ضوابط؛ منها المتفق عليه الذي يجب الالتزام به: كأن تكون الكتابة محكَمة مُتْقَنَةً غير معرَّضة للسقوط والامتهان، ومنها المُختَلَف فيه: كأن لا تكون في القبلة، أو بالذهب، أو من مال الوقف، أو مبالغًا فيها. ومَن كَرِهَها أو حرَّمها فإنما ذلك لتَخَلُّف ضابط مِن هذه الضوابط فيها. وكذلك الحال في كتابة الآيات القرآنية على الجدران في غير المساجد يجب أن تكون بطريقة مُتْقَنة مُحكَمة تراعي قدسية الآيات واحترامها.

مع الأخذ في الاعتبار أن هذه المسألة من المسائل الخلافية التي لا إنكار فيها، فلا يُنْكَر فعلُها، ولا تُنْقَضُ إذا كُتِبَتْ على الوجه المُتْقَن؛ لأنها إنما فُعِلَتْ تعظيمًا لشعائر الإسلام، وفي نقضها إخلالٌ بهذا المعنى؛ حيث نص الفقهاء على أنه "قد يجب في الدوام ما لا يجب في الابتداء".
ويجب عند كتابة الآيات القرآنية على المساجد وغيرها الالتزامُ بما اتُّفِق عليه من هذه الضوابط، وتعهد الكتابة بالصيانة والتنظيف والترميم، وينبغي أن يُراعَى فيها تناسق الشكل والمضمون، وتناسب الجمال مع الجلال؛ كما هو مشاهَدٌ في الكتابات البديعة في مساجد المسلمين عبر التاريخ، شرقًا وغربًا؛ والتي صار كثير منها معالم بارزة يرى الناس من خلالها روائع الفن المعماري الإسلامي.
Courtesy:
LihatTutupKomentar