Hukum Talak Taklik Muallaq Madzhab Empat
Hukum Talak Taklik atau Muallaq (talak bersyarat / kondisional) menurut madzhab empat yaitu talak seorang suami yang dijatuhkan pada istri dengan kondisi tertentu di masa depan. Seperti, suami berkata pada istri, Apabila kamu berzina dengan pria lain maka jatuh talak bagimu. Hukum talak jatuh dan terjadi apabila kondisi yang disyaratkan itu ada. Berikut pandangan dari madzhab empat
Hukum Talak Taklik atau Muallaq (talak bersyarat / kondisional) menurut madzhab empat yaitu talak seorang suami yang dijatuhkan pada istri dengan kondisi tertentu di masa depan. Seperti, suami berkata pada istri, Apabila kamu berzina dengan pria lain maka jatuh talak bagimu. Hukum talak jatuh dan terjadi apabila kondisi yang disyaratkan itu ada. Berikut pandangan dari madzhab empat
الطّلاق المعلّق وحكم التراجع فيه
صورة المسألة: إذا قال الرّجل لزوجته: « إذا ذهبت إلى بيت أهلك فأنت طالق»، ولم يستثن، ثمّ أذن لها فيما بعد.
فهل يقع طلاقه أو لا؟ وهل له الحق في التّراجع عن طلاقه؟
الجواب: هذا السؤال يتعلّق به مسألتان من مسائل كتاب الطّلاق:
الأولى: مسألة الطلاّق المعلّق؛ هل يقع أم لا؟
الثانية: مسألة التّراجع والتّنازل عن الطلاق المعلّق؟
* أمّا المسألة الأولى: فقد اختلف العلماء في وقوع الطّلاق المعلّق على ثلاثة أقوال :
القول الأوّل: أنّ الطلاق إذا عُلِّق على شرط يقع إن حصل ما عُلِّق عليه لفظ الطلاق، ولا عبرة بنيّة صاحبه أو قصده؛ سواء قصد التّهديد أو غيره.
وإليه ذهب جمهور العلماء من الحنفيّة، والمالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة.
1- مذهب الحنفية :
قال البرهان المرغيناني: «وإذا أضافه- أي: الطلاق- إلى شرط وقع عقيب الشرط؛ مثل أن يقول لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق»([1]).
2- مذهب المالكية :
قال ابن رشد : «فصل: فأمّا ما يلزمه باتّفاق: فاليمين بالطّلاق([2]) لا اختلاف بين أحد من العلماء: أنّ الرجل لو حلف بطلاق امرأته على نفسه أو على غيره أن يفعل فعلاً أو أن لا يفعله: أن اليمين لازمة له، وأن الطلاق واقع عليه في زوجته إذا حنث في يمينه؛ لأن الحالف بالطلاق أن لا يفعل فعلاً أو أن يفعله إنّما هو مطلق على صفة ما، فإذا وجدت الصفة التي علق بها طلاق امرأته لزمه ذلك، إلا ما روي عن أشهب في الحالف على امرأته بطلاقها أن لا تفعل فعلاً فتفعله قاصدة لتحنيثه أن لا شيء عليه، وهو شذوذ، وإنّما الاختلاف المعلوم فيمن قال لعبده: (أنت حر إن فعلت كذا وكذا) ففعله، وبالله سبحانه التوفيق» ([3]).
3- مذهب الشافعيّة:
قال الشيرازيُّ: «إذا عُلِّق الطلاقُ بشرط لا يستحيل ؛ كدخول الدار ، ومجيء الشهر ، تعلّق به ، فإذا وجد الشرط وقع، وإذا لم يوجد لم يقع»([4]).
4- مذهب الحنابلة:
قال ابن قدامة -بعد أن ذكر أدوات الشّرط-: «وكلّها إذا كانت مثبتةً ثبت حكمها عند وجود شرطها؛ فإذا قال: إن قمت فأنت طالق فقامت: طلقت، وانحل شرطه»([5]).
أدلة القول الأوّل:
استدلّ أصحاب القول الأوّل بأدلّة كثيرة، ومن أقوى أدلّتهم وأظهرها:
1- ما رواه البخاري في صحيحه (5/2018)-معلّقاً- عن نافع قال: «طلّق رجلٌ امرأتَه البتّةَ إن خرجت، فقال ابن عمر : إن خرجت فقد بُتَّت منه، وإن لم تخرج فليس بشيء».
ونوقش هذا الأثر: بأنّه محمول على ما إذا قصد الزوج الطلاق لا الحلف؛ جمعاً بين الآثار الواردة في هذا الباب.
2- ما رواه البيهقي (7/356) من طريق سفيان الثوري عن الزبير بن عدي عن إبراهيم النخعي عن ابن مسعود رضي الله عنه في رجل قال لامرأته: إن فعلت كذا وكذا فهي طالق، فتفعله، قال: هي واحدة، وهو أحق بها.
نوقش هذا الأثر: بأنه منقطع؛ لأن إبراهيم النّخعي الراوي عن ابن مسعود لم يسمع منه، ولا من أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ([6]).
وعلى فرض التسليم بقبوله: يمكن حمله على قصد الرجل الطلاق بتعليقه دون الحلف.
3- ما أخرجه البيهقي (7/356) : من طريق ابن أبي أويس حدّثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء من أهل المدينة كانوا يقولون: أيُّما رجل قال لامرأته: أنت طالق إن خرجت حتّى الليل فخرجت، أو قال ذلك في غلامه فخرج غلامه قبل الليل بغير علمه ؛ طلقت امرأته، وعتق غلامه؛ لأنه ترك أن يستثني، لو شاء قال: إلا بإذني لكنه فرط في الاستثناء فإنما يجعل تفريطه عليه.
ونوقش : بأن في سنده إسماعيل بن أبي أويس، وقد ضعّفه غير واحد من أئمّة الحديث، قال الحافظ ابن حجر: «وأما الشيخان فما يُظن بهما أنهما أخرجا عنه إلا الصحيح من حديثه الذي شارك فيه الثقات»([7]).
وفي سنده أيضاً عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه، وقد ضعّفه ابنُ معين وابن المديني وابن مهدي وغيرهم، وقال فيه أحمد : إنه مضطرب الحديث، وتكلم فيه مالك لروايته عن أبيه كتاب السبعة يعني الفقهاء وقال: أين كنا عن هذا؟([8]).
وعلى فرض التّسليم بثبوت هذه الآثار وغيرها: فإنّ هؤلاء الذين نقل عنهم في هذا الجواب : أنهم ألزموا الحالف ما حلف به . قد ثبت عنهم نقيض ذلك ، فثبت عن ابن عباس من غير وجه أنه أفتى بكفارة يمين في هذه الأيمان ، وكذلك ابن عمر ؛ فغاية الأمر أن يكون عنهما روايتان ، وأما عائشة وحفصة وزينب وعمر بن الخطاب فلم ينقل عنهم إلا أنها أيمان مكفرة ، فمن اختلف عنه سقط قوله ، ويبقى الذين لم يختلف عنهم([9]).
4- أن في القرآن والسنة وأشعار العرب وكلام الفصحاء من التعليقات التي فيها الحث أو المنع ما لا يحصى مع القطع بحضور المشروط فيها عند الشرط.
ونُوقش هذا الدليل بما ذكره شيخ الإسلام؛ فإنّه قال: «وأما قول القائل : إنه التزم الطلاق عند الشرط فيلزمه فهذا باطل من أوجه :
أحدها: أن الحالف بالكفر والإسلام كقوله : إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني ، وقول الذمي: إن فعلت كذا فأنا مسلم، هو التزام للكفر والإسلام عند الشرط ، ولا يلزمه ذلك بالاتفاق لأنه لم يقصد وقوعه عند الشرط ، بل قصد الحلف به ، وهذا المعنى موجود في سائر أنواع الحلف بصيغة التعليق .
الثاني: أنه إذا قال: إن فعلت كذا فعلي أن أطلق امرأتي: لم يلزمه أن يطلقها بالاتّفاق إذا فعله .
الثالث : أن الملتزم لأمر عند الشرط إنما يلزمه بشرطين .
أحدهما : أن يكون الملتزم قربة .
والثاني : أن يكون قصده التقرب إلى الله به لا الحلف به فلو التزم ما ليس بقربة كالتطليق والبيع والإجارة والأكل والشرب لم يلزمه . بل تجزيه كفارة يمين عند الصحابة وجمهور السلف ، وهو مذهب الشافعي وأحمد ، وآخر الروايتين عن أبي حنيفة وقول المحققين من أصحاب مالك .
وهنا الحالف بالطلاق هو التزم وقوعه على وجه اليمين ، وهو يكره وقوعه إذا وجد الشرط ، كما يكره وقوع الكفر إذا حلف به ، وكما يكره وجوب تلك العبادات إذا حلف بها»([10]).
5- أنّه عند الشرط يصح اسم التطليق لما تقدم ، فيندرج تحت قوله تعالى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾.
كما أن التّطليق مفوّضٌ إلى العبد بقوله تعالى: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾، وهو أعم من المُنَجَّز والمعلّق؛ فيندرج المعلّق تحت الآية.
6- الإجماع على وقوع الطلاق المعلّق: نقله محمد بن نصر المروزي، وأبو ثور، وابن المنذر وغيرهم([11]).
ونوقشت دعوى الإجماع: بأنّه قد نقل بعض الناس قولين آخرين:
أحدهما: أنه لا يلزمه به شيء. والثاني: أنه يلزمه به كفارة ([12]).
القول الثاني: أنّ الطّلاق المعلّق إذا وجد المعلق عليه لا يقع أصلاً، سواء أكان على وجه اليمين؛ وهو ما قُصِد به الحثُّ على فعل شيء أو تركه أو تأكيد الخبر، أم لم يكن على وجه اليمين؛ وهو ما قُصِد به وقوعُ الطلاقِ عند حصول المعلَّقِ عليه.
وإليه ذهب ابن حزم الظاهريّ([13]).
دليل القول الثاني:
1- أنّه لا يمين إلاّ بالله تعالى، ولم يوجب الله كفارة في غير يمين به؛ فلا كفارة في يمين بغيره عز وجلّ.
2- ما رواه مسلم عن النّبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ»([14]).
القول الثالث: ذهب جماعةٌ من العلماء منهم شيخ الإسلام ابن تيميّة وتلميذه ابن القيّم إلى أنّ الطلاق المعلّق يعتبر طلاقاً إذا قُصد به الطلاق، أما إن قُصد به الحث أو المنع؛ فيعتبر يميناً تلزم فيها كفارة اليمين، وهي: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة؛ فمن لم يجد شيئاً من ذلك صام ثلاثة أيام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «والثالث صيغة تعليق ، كقوله : إن دخلت الدار فأنت طالق ، ويسمى هذا طلاقاً بصفة ، فإما أن يكون قصد صاحبه الحلف وهو يكره وقوع الطلاق إذا وجدت الصفة ، وإما أن يكون قصده إيقاع الطلاق عند تحقق الصفة .
فالأول : حكمه حكم الحلف بالطلاق باتفاق الفقهاء ، ولو قال : إن حلفت يميناً فعلي عتق رقبة، وحلف بالطلاق: حنث بلا نزاع نعلمه بين العلماء المشهورين ، وكذلك ما يعلق بالشرط لقصد اليمين ، كقوله : إن فعلت كذا فعليّ عتق رقبة، أو فعبيدي أحرار، أو فعليّ الحج أو عليّ صوم شهر ، أو فمالي صدقة ، أو هدي ونحو ذلك: فإن هذا بمنزلة أن يقول : العتق يلزمني لأفعل كذا ، أو علي الحج لا أفعل كذا ، أو نحو ذلك ، لكن المؤخر في صيغة الشرط مقدم في صيغة القسم ، والمنفي في هذه الصيغة مثبت في هذه الصيغة .
وقال أيضاً : والثاني : وهو أن يكون قصد إيقاع الطلاق عند الصفة فهذا يقع به الطلاق إذا وجدت الصفة ، كما يقع المنجز عند عامة السلف والخلف ، وكذلك إذا وقت الطلاق بوقت كقوله : أنت طالق عند رأس الشهر ، وقد ذكر غير واحد الإجماع على وقوع هذا الطلاق المعلق ، ولم يعلم فيه خلاف قديم ، لكن ابن حزم زعم أنه لا يقع به الطلاق ، وهو قول الإمامية ، مع أن ابن حزم ذكر في [كتاب الإجماع] ([15]) إجماع العلماء على أنه يقع به الطلاق ، وذكر أن الخلاف إنما هو فيما إذا أخرجه مخرج اليمين ، هل يقع الطلاق أو لا يقع أو لا شيء عليه ؟ أو يكون يميناً مكفرة على ثلاثة أقوال...» ([16]).
أدلّة القول الثّالث:
استدلّ أصحاب القول الثالث بأدلّة كثيرة، ومن أقوى أدلّتهم وأظهرها:
1- ما رواه عبد الرزاق في المصنف (8/486) عن ابن التيمي عن أبيه عن بكر بن عبد الله المزني قال: أخبرني أبو رافع قال: قالت مولاتي ليلى بنت العجماء : كل مملوك لها حر، وكل مال لها هدي، وهي يهودية ونصرانية إن لم تطلق زوجتك أو تفرق بينك وبين امرأتك، قال: فأتيت زينب بنت أم سلمة، وكانت إذا ذكرت امرأة بفقه ذكرت زينب، قال: فجاءت معي إليها، فقالت: يا ينب- جعلني الله فداك- إنها قالت: كل مملوك لها حر، وهي يهودية ونصرانية، فقالت: يهودية ونصرانية؟ خلي بين الرجل وامرأته، قال: فكأنها لم تقبل ذلك، قال: فأتيت حفصة، فأرسلت معي إليها، فقالت: أم المؤمنين- جعلني الله فداك- إنها قالت: كل مملوك لها حر، وكل مال لها هدي، وهي يهودية ونصرانية، قال: فقالت حفصة: يهودية ونصرانية؟ خلي بين الرجل وامرأته، فكأنها أبت، فأتيت عبدالله بن عمر فانطلق معي إليها، فلما سلَّم عرفت صوته، فقالت: بأبي أنت وبآبائي أبوك، فقال: أمن حجارة أنت أم من حديد أم من أي شيء أنت؟ أفتتك زينت، وأفتتك أم المؤمنين فلم تقبلي منهما، قالت: يا أبا عبد الرحمن، جعلني الله فداك، إنها قالت: كل مملوك لها حر، وكل مال لها هدي، وهي يهودية ونصرانية، قال: يهودية ونصرانية؟ كفري عن يمينك، وخلي بين الرجل وامرأته.
وفي رواية عند الدارقطني والبيهقي:
فسألت عائشة وابن عباس وحفصة وأم سلمة رضي الله عنهم ، فكلهم قالوا لها : أتريدين أن تكفري مثل هاروت وماروت ؟ فأمروها أن تكفر عن يمينها ، وتخلي بينهما .
واعترض على هذا الأثر: بأنّ ذكر العتق فيه انفرد به التيميّ.
وأجاب عنه العلاّمة ابن القيّم –بعد أن ساق طرقه ورواياته- بقوله: «فقد تبين بسياق هذه الطرق انتفاء العلَّة التي أُعِلَّ بها حديث ليلى هذا ، وهي تفرد التيمي فيه بذكر العتق ، كذا قال الإمام أحمد : لم يقل : (وكل مملوك لها حر) إلا التيمي ، وبرئ التيمي من عهدة التفرد»([17]).
وجه الدلالة: أن الأثر وإن لم يكن فيه ذكر للطلاق إلا أنّه يدلّ على أنّ الطلاق المعلق يمينٌ مكفرة؛ قياساً على ما ذكر فيه من المال والعتق؛ حيث إنهم لم يلزموها المعلّقَ عند تحقّق ما عُلِّق عليه، بل ألزموها الكفارةٌ.
قال ابن القيّم: «وإذا كان العتق الذي هو أحب الأشياء إلى الله ، ويسري في ملك الغير ، وله من القوة وسرعة النفوذ ما ليس لغيره ، ويحصل بالملك والفعل قد منع قصد اليمين من وقوعه ، كما أفتى به الصحابة ، فالطلاق أولى وأحرى بعدم الوقوع»([18]).
2- أنّ في الشرط معنى القسم من حيث كونه جملة غير مستقلة دون الجواب فأشبه قوله : والله، وبالله، وتالله([19]). ولهذا يكون داخلاً في عموم الآيات والأحاديث الآمرة بتكفير اليمين([20]).
ويرى الباحث: أنّ الأقرب في هذه المسألة – والله أعلم- هو القول الثالث الذي ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيّم؛ وذلك لما يأتي:
أوّلاً: أنّ أدلّة القائلين بوقوعه طلاقاً مطلقاً لا تخلو من مناقشة واعتراض؛ فلا تنهض لإثبات المدّعى.
ثانياً: أنّ العبرة في باب العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، وقد قال صلى الله عليه وسلم : «إنما الأعمال بالنيّات، وإنّما لكل امرئ ما نوى» (متّفق عليه)، وعلى هذا فإن الطلاق المعلّق إن قصد الزوج بتعليقه على شيء وقوع الطلاق عند حصول المعلّق عليه اعتبر طلاقاً، وإن قصد بتعليق الطلاق الحث أو المنع أو تصديق خبر أو تكذيبه لم يقع الطلاق عند حصول المعلّق عليه، وإنما يكون يميناً تجب فيها الكفارة.
ثالثاً: أنّ الله عز وجل جعل التّحريم يميناً؛ لأنّ المحرِّم يريد المنع أو الامتناع من الشيء؛ فدلّ هذا على أنّ ما قصد به الامتناع، وإن لم يكن بصيغة القسم؛ فإنّ حكمه حكم اليمين([21]).
- وأمّا المسألة الثانية: وهي: التّراجع عن الطلاق المعلّق، والتنازل عنه بعد صدوره: فقد اختلف فيها العلماء على ثلاثة أقوال:
القول الأوّل: أنّ من علّق الطّلاق على حصول شيء، لا يمكنه التراجع عن ذلك التعليق.
وإليه ذهب جمهور العلماء([22]).
دليل القول الأوّل: أنّه أخرج الطّلاق من فيه على هذا الشرط؛ فلزم كما لو كان الطّلاق مُنَجَّزاً([23]).
القول الثاني: جواز التّراجع عن الطلاّق المعلّق. وهو قول في مذهب الحنابلة([24]).
دليل القول الثاني: القياس؛ فإنّ الإنسان إذا قال لعبده: إذا جاء رأس الشهر فأنت حرّ؛ فإنّ له أن يرجع في العتق، وهو أشدُّ نفوذاً من الطّلاق وأحبُّ إلى الله؛ فلأنْ يجوز ذلك في الطّلاق من باب أولى([25]).
القول الثالث: جواز التّراجع عن هذا الطّلاق إن كان التّعليق من باب المعاوضة؛ مثل أن يقول: إن أعطيتِني ألفاً فأنتِ طالق؛ فله الرّجوع ما لم تعطه.
وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية([26]).
ويرى الباحث: أنّ قول الجمهور أقرب الأقوال، وأوْلَاها بالأخذ في هذه المسألة؛ وذلك سدًّا لباب التساهل في الأيمان والطّلاق، وقد قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - بعد أن حكى قول شيخ الإسلام ابن تيمية -: «وهذا وإن كان له وجه من النّظر إلاّ أنّنا لا نفتي به».
ثمّ قال: «وأمّا إذا كان شرطاً محضاً؛ مثل أن يقول: إذا جاء العيد فأنتِ طالقٌ؛ فإنّه لا يملك الرّجوع، ولا إبطاله، ولا إبطال التّعليق»([27]).
والله أعلم، وصلى الله على نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه وسلم
إدارة الإفتاء
وحدة البحث العلميّ
([1]) بداية المبتدي (1/251-مع شرحه الهداية). وانظر: حاشية ابن عابدين (3/374).
([2]) قال العلاّمة ابن القيم في إعلام الموقّعين عن ربّ العالمين (3/83): «قد عرف أنّ الحلف بالطلاق له صيغتان: إحداهما: إن فعلت كذا وكذا فأنت طالق. والثانية: الطلاق يلزمني لا أفعل كذا. وأن الخلاف في الصيغتين قديماً وحديثاً».
([3]) المقدمات (2/ 119- 120). وانظر: الشرح الكبير على مختصر خليل للدردير (2/389).
([4]) المهذّب (17/152- مع شرحه المجموع للنووي). وانظر: مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج للخطيب الشربيني (3/313) فما بعدها.
([5]) عمدة الفقه (ص/132). وانظر: الشرح الكبير لابن قدامة (8/420).
([6]) انظر: جامع التّحصيل في أحكام المراسيل للعلائي (ص/141).
([7]) تهذيب التهذيب (1/272).
([8]) انظر: تهذيب التّهذيب (6/155-156).
([9]) انظر: نظريّة العقد لابن تيمية (ص/138)، وانظر للآثار التي أشار إليها: المحلّى لابن حزم (8/8).
([10]) مجموع الفتاوى (33/56).
([11]) انظر لهذين الدّليلين والذي قبلهما: رسالة النظر المحقق في الحلف بالطلاق المعلّق: ضمن فتاوى السبكي (2/310).
([12]) انظر: المصدر السابق (2/310-311).
([13]) انظر: المحلّى (8/6) فما بعدها.
([14]) انظر: المصدر السابق، والشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين (13/124).
([15]) انظر: مراتب الإجماع لابن حزم (ص/73).
([16]) مجموع الفتاوى (33/45).
([17]) إعلام الموقعين عن ربّ العالمين (3/70).
([18]) انظر: المصدر السابق.
([19]) انظر: المغني لابن قدامة (8/334).
([20]) انظر: مجموع الفتاوى (33/50).
([21]) انظر لهذا الوجه الأخير: الشرح الممتع (13/25).
([22]) انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني (7/335)، منح الجليل شرح مختصر خليل (4/186) لمحمّد عليش، مغني المحتاج للخطيب الشّربيني (3/326)، الإنصاف في معرفة الرّاجح من الخلاف للمرداوي (9/60)، الشرح الممتع لابن عثيمين (13/127).
([23]) انظر: الشرح الممتع (13/127).
([24]) انظر: الإنصاف (9/60)، الشرح الممتع (13/127).
([25]) انظر: الشرح الممتع (13/129).
([26]) انظر: الفروع لابن مفلح (5/275)، الإنصاف (9/60)، الشرح الممتع (13/127).
([27]) الشرح الممتع (13/129).
المصدر
الطّلاق المعلّق وحكم التراجع فيه
صورة المسألة: إذا قال الرّجل لزوجته: « إذا ذهبت إلى بيت أهلك فأنت طالق»، ولم يستثن، ثمّ أذن لها فيما بعد.
فهل يقع طلاقه أو لا؟ وهل له الحق في التّراجع عن طلاقه؟
الجواب: هذا السؤال يتعلّق به مسألتان من مسائل كتاب الطّلاق:
الأولى: مسألة الطلاّق المعلّق؛ هل يقع أم لا؟
الثانية: مسألة التّراجع والتّنازل عن الطلاق المعلّق؟
* أمّا المسألة الأولى: فقد اختلف العلماء في وقوع الطّلاق المعلّق على ثلاثة أقوال :
القول الأوّل: أنّ الطلاق إذا عُلِّق على شرط يقع إن حصل ما عُلِّق عليه لفظ الطلاق، ولا عبرة بنيّة صاحبه أو قصده؛ سواء قصد التّهديد أو غيره.
وإليه ذهب جمهور العلماء من الحنفيّة، والمالكيّة، والشافعيّة، والحنابلة.
1- مذهب الحنفية :
قال البرهان المرغيناني: «وإذا أضافه- أي: الطلاق- إلى شرط وقع عقيب الشرط؛ مثل أن يقول لامرأته: إن دخلت الدار فأنت طالق»([1]).
2- مذهب المالكية :
قال ابن رشد : «فصل: فأمّا ما يلزمه باتّفاق: فاليمين بالطّلاق([2]) لا اختلاف بين أحد من العلماء: أنّ الرجل لو حلف بطلاق امرأته على نفسه أو على غيره أن يفعل فعلاً أو أن لا يفعله: أن اليمين لازمة له، وأن الطلاق واقع عليه في زوجته إذا حنث في يمينه؛ لأن الحالف بالطلاق أن لا يفعل فعلاً أو أن يفعله إنّما هو مطلق على صفة ما، فإذا وجدت الصفة التي علق بها طلاق امرأته لزمه ذلك، إلا ما روي عن أشهب في الحالف على امرأته بطلاقها أن لا تفعل فعلاً فتفعله قاصدة لتحنيثه أن لا شيء عليه، وهو شذوذ، وإنّما الاختلاف المعلوم فيمن قال لعبده: (أنت حر إن فعلت كذا وكذا) ففعله، وبالله سبحانه التوفيق» ([3]).
3- مذهب الشافعيّة:
قال الشيرازيُّ: «إذا عُلِّق الطلاقُ بشرط لا يستحيل ؛ كدخول الدار ، ومجيء الشهر ، تعلّق به ، فإذا وجد الشرط وقع، وإذا لم يوجد لم يقع»([4]).
4- مذهب الحنابلة:
قال ابن قدامة -بعد أن ذكر أدوات الشّرط-: «وكلّها إذا كانت مثبتةً ثبت حكمها عند وجود شرطها؛ فإذا قال: إن قمت فأنت طالق فقامت: طلقت، وانحل شرطه»([5]).
أدلة القول الأوّل:
استدلّ أصحاب القول الأوّل بأدلّة كثيرة، ومن أقوى أدلّتهم وأظهرها:
1- ما رواه البخاري في صحيحه (5/2018)-معلّقاً- عن نافع قال: «طلّق رجلٌ امرأتَه البتّةَ إن خرجت، فقال ابن عمر : إن خرجت فقد بُتَّت منه، وإن لم تخرج فليس بشيء».
ونوقش هذا الأثر: بأنّه محمول على ما إذا قصد الزوج الطلاق لا الحلف؛ جمعاً بين الآثار الواردة في هذا الباب.
2- ما رواه البيهقي (7/356) من طريق سفيان الثوري عن الزبير بن عدي عن إبراهيم النخعي عن ابن مسعود رضي الله عنه في رجل قال لامرأته: إن فعلت كذا وكذا فهي طالق، فتفعله، قال: هي واحدة، وهو أحق بها.
نوقش هذا الأثر: بأنه منقطع؛ لأن إبراهيم النّخعي الراوي عن ابن مسعود لم يسمع منه، ولا من أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ([6]).
وعلى فرض التسليم بقبوله: يمكن حمله على قصد الرجل الطلاق بتعليقه دون الحلف.
3- ما أخرجه البيهقي (7/356) : من طريق ابن أبي أويس حدّثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء من أهل المدينة كانوا يقولون: أيُّما رجل قال لامرأته: أنت طالق إن خرجت حتّى الليل فخرجت، أو قال ذلك في غلامه فخرج غلامه قبل الليل بغير علمه ؛ طلقت امرأته، وعتق غلامه؛ لأنه ترك أن يستثني، لو شاء قال: إلا بإذني لكنه فرط في الاستثناء فإنما يجعل تفريطه عليه.
ونوقش : بأن في سنده إسماعيل بن أبي أويس، وقد ضعّفه غير واحد من أئمّة الحديث، قال الحافظ ابن حجر: «وأما الشيخان فما يُظن بهما أنهما أخرجا عنه إلا الصحيح من حديثه الذي شارك فيه الثقات»([7]).
وفي سنده أيضاً عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه، وقد ضعّفه ابنُ معين وابن المديني وابن مهدي وغيرهم، وقال فيه أحمد : إنه مضطرب الحديث، وتكلم فيه مالك لروايته عن أبيه كتاب السبعة يعني الفقهاء وقال: أين كنا عن هذا؟([8]).
وعلى فرض التّسليم بثبوت هذه الآثار وغيرها: فإنّ هؤلاء الذين نقل عنهم في هذا الجواب : أنهم ألزموا الحالف ما حلف به . قد ثبت عنهم نقيض ذلك ، فثبت عن ابن عباس من غير وجه أنه أفتى بكفارة يمين في هذه الأيمان ، وكذلك ابن عمر ؛ فغاية الأمر أن يكون عنهما روايتان ، وأما عائشة وحفصة وزينب وعمر بن الخطاب فلم ينقل عنهم إلا أنها أيمان مكفرة ، فمن اختلف عنه سقط قوله ، ويبقى الذين لم يختلف عنهم([9]).
4- أن في القرآن والسنة وأشعار العرب وكلام الفصحاء من التعليقات التي فيها الحث أو المنع ما لا يحصى مع القطع بحضور المشروط فيها عند الشرط.
ونُوقش هذا الدليل بما ذكره شيخ الإسلام؛ فإنّه قال: «وأما قول القائل : إنه التزم الطلاق عند الشرط فيلزمه فهذا باطل من أوجه :
أحدها: أن الحالف بالكفر والإسلام كقوله : إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني ، وقول الذمي: إن فعلت كذا فأنا مسلم، هو التزام للكفر والإسلام عند الشرط ، ولا يلزمه ذلك بالاتفاق لأنه لم يقصد وقوعه عند الشرط ، بل قصد الحلف به ، وهذا المعنى موجود في سائر أنواع الحلف بصيغة التعليق .
الثاني: أنه إذا قال: إن فعلت كذا فعلي أن أطلق امرأتي: لم يلزمه أن يطلقها بالاتّفاق إذا فعله .
الثالث : أن الملتزم لأمر عند الشرط إنما يلزمه بشرطين .
أحدهما : أن يكون الملتزم قربة .
والثاني : أن يكون قصده التقرب إلى الله به لا الحلف به فلو التزم ما ليس بقربة كالتطليق والبيع والإجارة والأكل والشرب لم يلزمه . بل تجزيه كفارة يمين عند الصحابة وجمهور السلف ، وهو مذهب الشافعي وأحمد ، وآخر الروايتين عن أبي حنيفة وقول المحققين من أصحاب مالك .
وهنا الحالف بالطلاق هو التزم وقوعه على وجه اليمين ، وهو يكره وقوعه إذا وجد الشرط ، كما يكره وقوع الكفر إذا حلف به ، وكما يكره وجوب تلك العبادات إذا حلف بها»([10]).
5- أنّه عند الشرط يصح اسم التطليق لما تقدم ، فيندرج تحت قوله تعالى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾.
كما أن التّطليق مفوّضٌ إلى العبد بقوله تعالى: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾، وهو أعم من المُنَجَّز والمعلّق؛ فيندرج المعلّق تحت الآية.
6- الإجماع على وقوع الطلاق المعلّق: نقله محمد بن نصر المروزي، وأبو ثور، وابن المنذر وغيرهم([11]).
ونوقشت دعوى الإجماع: بأنّه قد نقل بعض الناس قولين آخرين:
أحدهما: أنه لا يلزمه به شيء. والثاني: أنه يلزمه به كفارة ([12]).
القول الثاني: أنّ الطّلاق المعلّق إذا وجد المعلق عليه لا يقع أصلاً، سواء أكان على وجه اليمين؛ وهو ما قُصِد به الحثُّ على فعل شيء أو تركه أو تأكيد الخبر، أم لم يكن على وجه اليمين؛ وهو ما قُصِد به وقوعُ الطلاقِ عند حصول المعلَّقِ عليه.
وإليه ذهب ابن حزم الظاهريّ([13]).
دليل القول الثاني:
1- أنّه لا يمين إلاّ بالله تعالى، ولم يوجب الله كفارة في غير يمين به؛ فلا كفارة في يمين بغيره عز وجلّ.
2- ما رواه مسلم عن النّبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ»([14]).
القول الثالث: ذهب جماعةٌ من العلماء منهم شيخ الإسلام ابن تيميّة وتلميذه ابن القيّم إلى أنّ الطلاق المعلّق يعتبر طلاقاً إذا قُصد به الطلاق، أما إن قُصد به الحث أو المنع؛ فيعتبر يميناً تلزم فيها كفارة اليمين، وهي: إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة؛ فمن لم يجد شيئاً من ذلك صام ثلاثة أيام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «والثالث صيغة تعليق ، كقوله : إن دخلت الدار فأنت طالق ، ويسمى هذا طلاقاً بصفة ، فإما أن يكون قصد صاحبه الحلف وهو يكره وقوع الطلاق إذا وجدت الصفة ، وإما أن يكون قصده إيقاع الطلاق عند تحقق الصفة .
فالأول : حكمه حكم الحلف بالطلاق باتفاق الفقهاء ، ولو قال : إن حلفت يميناً فعلي عتق رقبة، وحلف بالطلاق: حنث بلا نزاع نعلمه بين العلماء المشهورين ، وكذلك ما يعلق بالشرط لقصد اليمين ، كقوله : إن فعلت كذا فعليّ عتق رقبة، أو فعبيدي أحرار، أو فعليّ الحج أو عليّ صوم شهر ، أو فمالي صدقة ، أو هدي ونحو ذلك: فإن هذا بمنزلة أن يقول : العتق يلزمني لأفعل كذا ، أو علي الحج لا أفعل كذا ، أو نحو ذلك ، لكن المؤخر في صيغة الشرط مقدم في صيغة القسم ، والمنفي في هذه الصيغة مثبت في هذه الصيغة .
وقال أيضاً : والثاني : وهو أن يكون قصد إيقاع الطلاق عند الصفة فهذا يقع به الطلاق إذا وجدت الصفة ، كما يقع المنجز عند عامة السلف والخلف ، وكذلك إذا وقت الطلاق بوقت كقوله : أنت طالق عند رأس الشهر ، وقد ذكر غير واحد الإجماع على وقوع هذا الطلاق المعلق ، ولم يعلم فيه خلاف قديم ، لكن ابن حزم زعم أنه لا يقع به الطلاق ، وهو قول الإمامية ، مع أن ابن حزم ذكر في [كتاب الإجماع] ([15]) إجماع العلماء على أنه يقع به الطلاق ، وذكر أن الخلاف إنما هو فيما إذا أخرجه مخرج اليمين ، هل يقع الطلاق أو لا يقع أو لا شيء عليه ؟ أو يكون يميناً مكفرة على ثلاثة أقوال...» ([16]).
أدلّة القول الثّالث:
استدلّ أصحاب القول الثالث بأدلّة كثيرة، ومن أقوى أدلّتهم وأظهرها:
1- ما رواه عبد الرزاق في المصنف (8/486) عن ابن التيمي عن أبيه عن بكر بن عبد الله المزني قال: أخبرني أبو رافع قال: قالت مولاتي ليلى بنت العجماء : كل مملوك لها حر، وكل مال لها هدي، وهي يهودية ونصرانية إن لم تطلق زوجتك أو تفرق بينك وبين امرأتك، قال: فأتيت زينب بنت أم سلمة، وكانت إذا ذكرت امرأة بفقه ذكرت زينب، قال: فجاءت معي إليها، فقالت: يا ينب- جعلني الله فداك- إنها قالت: كل مملوك لها حر، وهي يهودية ونصرانية، فقالت: يهودية ونصرانية؟ خلي بين الرجل وامرأته، قال: فكأنها لم تقبل ذلك، قال: فأتيت حفصة، فأرسلت معي إليها، فقالت: أم المؤمنين- جعلني الله فداك- إنها قالت: كل مملوك لها حر، وكل مال لها هدي، وهي يهودية ونصرانية، قال: فقالت حفصة: يهودية ونصرانية؟ خلي بين الرجل وامرأته، فكأنها أبت، فأتيت عبدالله بن عمر فانطلق معي إليها، فلما سلَّم عرفت صوته، فقالت: بأبي أنت وبآبائي أبوك، فقال: أمن حجارة أنت أم من حديد أم من أي شيء أنت؟ أفتتك زينت، وأفتتك أم المؤمنين فلم تقبلي منهما، قالت: يا أبا عبد الرحمن، جعلني الله فداك، إنها قالت: كل مملوك لها حر، وكل مال لها هدي، وهي يهودية ونصرانية، قال: يهودية ونصرانية؟ كفري عن يمينك، وخلي بين الرجل وامرأته.
وفي رواية عند الدارقطني والبيهقي:
فسألت عائشة وابن عباس وحفصة وأم سلمة رضي الله عنهم ، فكلهم قالوا لها : أتريدين أن تكفري مثل هاروت وماروت ؟ فأمروها أن تكفر عن يمينها ، وتخلي بينهما .
واعترض على هذا الأثر: بأنّ ذكر العتق فيه انفرد به التيميّ.
وأجاب عنه العلاّمة ابن القيّم –بعد أن ساق طرقه ورواياته- بقوله: «فقد تبين بسياق هذه الطرق انتفاء العلَّة التي أُعِلَّ بها حديث ليلى هذا ، وهي تفرد التيمي فيه بذكر العتق ، كذا قال الإمام أحمد : لم يقل : (وكل مملوك لها حر) إلا التيمي ، وبرئ التيمي من عهدة التفرد»([17]).
وجه الدلالة: أن الأثر وإن لم يكن فيه ذكر للطلاق إلا أنّه يدلّ على أنّ الطلاق المعلق يمينٌ مكفرة؛ قياساً على ما ذكر فيه من المال والعتق؛ حيث إنهم لم يلزموها المعلّقَ عند تحقّق ما عُلِّق عليه، بل ألزموها الكفارةٌ.
قال ابن القيّم: «وإذا كان العتق الذي هو أحب الأشياء إلى الله ، ويسري في ملك الغير ، وله من القوة وسرعة النفوذ ما ليس لغيره ، ويحصل بالملك والفعل قد منع قصد اليمين من وقوعه ، كما أفتى به الصحابة ، فالطلاق أولى وأحرى بعدم الوقوع»([18]).
2- أنّ في الشرط معنى القسم من حيث كونه جملة غير مستقلة دون الجواب فأشبه قوله : والله، وبالله، وتالله([19]). ولهذا يكون داخلاً في عموم الآيات والأحاديث الآمرة بتكفير اليمين([20]).
ويرى الباحث: أنّ الأقرب في هذه المسألة – والله أعلم- هو القول الثالث الذي ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيّم؛ وذلك لما يأتي:
أوّلاً: أنّ أدلّة القائلين بوقوعه طلاقاً مطلقاً لا تخلو من مناقشة واعتراض؛ فلا تنهض لإثبات المدّعى.
ثانياً: أنّ العبرة في باب العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني، وقد قال صلى الله عليه وسلم : «إنما الأعمال بالنيّات، وإنّما لكل امرئ ما نوى» (متّفق عليه)، وعلى هذا فإن الطلاق المعلّق إن قصد الزوج بتعليقه على شيء وقوع الطلاق عند حصول المعلّق عليه اعتبر طلاقاً، وإن قصد بتعليق الطلاق الحث أو المنع أو تصديق خبر أو تكذيبه لم يقع الطلاق عند حصول المعلّق عليه، وإنما يكون يميناً تجب فيها الكفارة.
ثالثاً: أنّ الله عز وجل جعل التّحريم يميناً؛ لأنّ المحرِّم يريد المنع أو الامتناع من الشيء؛ فدلّ هذا على أنّ ما قصد به الامتناع، وإن لم يكن بصيغة القسم؛ فإنّ حكمه حكم اليمين([21]).
- وأمّا المسألة الثانية: وهي: التّراجع عن الطلاق المعلّق، والتنازل عنه بعد صدوره: فقد اختلف فيها العلماء على ثلاثة أقوال:
القول الأوّل: أنّ من علّق الطّلاق على حصول شيء، لا يمكنه التراجع عن ذلك التعليق.
وإليه ذهب جمهور العلماء([22]).
دليل القول الأوّل: أنّه أخرج الطّلاق من فيه على هذا الشرط؛ فلزم كما لو كان الطّلاق مُنَجَّزاً([23]).
القول الثاني: جواز التّراجع عن الطلاّق المعلّق. وهو قول في مذهب الحنابلة([24]).
دليل القول الثاني: القياس؛ فإنّ الإنسان إذا قال لعبده: إذا جاء رأس الشهر فأنت حرّ؛ فإنّ له أن يرجع في العتق، وهو أشدُّ نفوذاً من الطّلاق وأحبُّ إلى الله؛ فلأنْ يجوز ذلك في الطّلاق من باب أولى([25]).
القول الثالث: جواز التّراجع عن هذا الطّلاق إن كان التّعليق من باب المعاوضة؛ مثل أن يقول: إن أعطيتِني ألفاً فأنتِ طالق؛ فله الرّجوع ما لم تعطه.
وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية([26]).
ويرى الباحث: أنّ قول الجمهور أقرب الأقوال، وأوْلَاها بالأخذ في هذه المسألة؛ وذلك سدًّا لباب التساهل في الأيمان والطّلاق، وقد قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - بعد أن حكى قول شيخ الإسلام ابن تيمية -: «وهذا وإن كان له وجه من النّظر إلاّ أنّنا لا نفتي به».
ثمّ قال: «وأمّا إذا كان شرطاً محضاً؛ مثل أن يقول: إذا جاء العيد فأنتِ طالقٌ؛ فإنّه لا يملك الرّجوع، ولا إبطاله، ولا إبطال التّعليق»([27]).
والله أعلم، وصلى الله على نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبه وسلم
إدارة الإفتاء
وحدة البحث العلميّ
([1]) بداية المبتدي (1/251-مع شرحه الهداية). وانظر: حاشية ابن عابدين (3/374).
([2]) قال العلاّمة ابن القيم في إعلام الموقّعين عن ربّ العالمين (3/83): «قد عرف أنّ الحلف بالطلاق له صيغتان: إحداهما: إن فعلت كذا وكذا فأنت طالق. والثانية: الطلاق يلزمني لا أفعل كذا. وأن الخلاف في الصيغتين قديماً وحديثاً».
([3]) المقدمات (2/ 119- 120). وانظر: الشرح الكبير على مختصر خليل للدردير (2/389).
([4]) المهذّب (17/152- مع شرحه المجموع للنووي). وانظر: مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج للخطيب الشربيني (3/313) فما بعدها.
([5]) عمدة الفقه (ص/132). وانظر: الشرح الكبير لابن قدامة (8/420).
([6]) انظر: جامع التّحصيل في أحكام المراسيل للعلائي (ص/141).
([7]) تهذيب التهذيب (1/272).
([8]) انظر: تهذيب التّهذيب (6/155-156).
([9]) انظر: نظريّة العقد لابن تيمية (ص/138)، وانظر للآثار التي أشار إليها: المحلّى لابن حزم (8/8).
([10]) مجموع الفتاوى (33/56).
([11]) انظر لهذين الدّليلين والذي قبلهما: رسالة النظر المحقق في الحلف بالطلاق المعلّق: ضمن فتاوى السبكي (2/310).
([12]) انظر: المصدر السابق (2/310-311).
([13]) انظر: المحلّى (8/6) فما بعدها.
([14]) انظر: المصدر السابق، والشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين (13/124).
([15]) انظر: مراتب الإجماع لابن حزم (ص/73).
([16]) مجموع الفتاوى (33/45).
([17]) إعلام الموقعين عن ربّ العالمين (3/70).
([18]) انظر: المصدر السابق.
([19]) انظر: المغني لابن قدامة (8/334).
([20]) انظر: مجموع الفتاوى (33/50).
([21]) انظر لهذا الوجه الأخير: الشرح الممتع (13/25).
([22]) انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني (7/335)، منح الجليل شرح مختصر خليل (4/186) لمحمّد عليش، مغني المحتاج للخطيب الشّربيني (3/326)، الإنصاف في معرفة الرّاجح من الخلاف للمرداوي (9/60)، الشرح الممتع لابن عثيمين (13/127).
([23]) انظر: الشرح الممتع (13/127).
([24]) انظر: الإنصاف (9/60)، الشرح الممتع (13/127).
([25]) انظر: الشرح الممتع (13/129).
([26]) انظر: الفروع لابن مفلح (5/275)، الإنصاف (9/60)، الشرح الممتع (13/127).
([27]) الشرح الممتع (13/129).
المصدر